عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة الثانیة :


جواهر النصوص فی حل کلمات الفصوص شرح الشیخ عبد الغنی النابلسی 1134 هـ :

قال الشیخ رضی الله عنه :  ( وأمّا حکمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخیّة .

فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالک إلّا بعد الموت ، فأمر أن ینبش علیه ویسأل فیخبر أنّ الحکم فی البرزخ على صورة الحیاة الدّنیا ، فیعلم بذلک صدق الرّسل کلّهم فیما أخبروا به فی حیاتهم الدّنیا .

فکان غرض خالد علیه السّلام إیمان العالم کلّه بما جاءت به الرّسل لیکون رحمة للجمیع .

فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه علیه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمین . ولم یکن خالد برسول ، فأراد أن یحصل من هذه الرّحمة فی الرّسالة المحمّدیّة على حظّ وافر . ولم یؤمر بالتّبلیغ ، فأراد أن یحظى بذلک فی البرزخ لیکون أقوى فی العلم فی حقّ الخلق فأضاعه قومه .)


26   - فص حکمة صمدیة فی کلمة خالدیة

هذا فص الحکمة الخالدیة ، ذکره بعد حکمة موسى علیه السلام لأنه آخر أنبیاء بنی إسرائیل کما أن موسى علیه السلام أوّلهم .

(فص حکمة صمدیة) ، أی منسوبة إلى الصمد من أسماء اللّه تعالى ، وهو الذی یصمد إلیه بالحوائج ، أی یقصد فیها (فی کلمة خالدیة .)

إنما اختصت حکمة خالد بن سنان بکونها صمدیة لأن نبوّته کانت برزخیة ، ففیها الکشف عن أحوال البرزخ الأخروی ، والجمیع محتاجون إلى معرفة ذلک وبیانه لهم ، فهو مصمود إلیه بذلک ومقصود فی بیانه من حیث نفس الأمر ، وإن أضاعه قومه ، ولم یعتبروا منه ما هم محتاجون إلیه .


قال رضی الله عنه :  ( وأمّا حکمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخیّة .

فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالک إلّا بعد الموت ، فأمر أن ینبش علیه ویسأل فیخبر أنّ الحکم فی البرزخ على صورة الحیاة الدّنیا ، فیعلم بذلک صدق الرّسل کلّهم فیما أخبروا به فی حیاتهم الدّنیا . فکان غرض خالد علیه السّلام إیمان العالم کلّه بما جاءت به الرّسل لیکون رحمة للجمیع . فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه علیه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمین . ولم یکن خالد برسول ، فأراد أن یحصل من هذه الرّحمة فی الرّسالة المحمّدیّة على حظّ وافر . ولم یؤمر بالتّبلیغ ، فأراد أن یحظى بذلک فی البرزخ لیکون أقوى فی العلم فی حقّ الخلق فأضاعه قومه . )


قال رضی الله عنه :  (وأما حکمة خالد بن سنان) علیه السلام العبسی من بنی عبس . روی أن ابنته سمعت رسول اللّه صلى اللّه علیه وسلم یقرأ :"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ"[ الإخلاص : 1 ] .

فقالت : کان أبی یقرأ هذا . ذکره الدمیری فی حیاة الحیوان فی التفسیر وقصته : أنه کان مع قومه یسکنون بلاد عدن من الیمن ، فخرجت نار عظیمة من مغارة هناک فأهلکت الزرع والضرع ، فالتجأ إلیه قومه فی دفع ذلک عنهم ، فأخذ خالد علیه السلام یضرب تلک النار بعصاه حتى رجعت هاربة منه إلى المغارة التی خرجت منها ،


ثم قال لأولاده : إنی أدخل المغارة خلف هذه النار حتى أطفئها وأمرهم أن ینادوه بعد ثلاثة أیام تامة ، فإنهم إن نادوه قبل ثلاثة أیام فإنه یخرج ویموت ،

وإن صبروا ثلاثة أیام ونادوه یخرج سالما .

فلما دخل صبروا یومین واستفزهم الشیطان فلم یصبروا تمام ثلاثة أیام ، وظنوا أنه هلک ، فنادوا به فخرج علیه السلام من المغارة وعلى رأسه ألم حصل له من صیاحهم به قبل الوقت

فقال : ضیعتمونی وأضعتم قولی ووصیتی وأخبرهم بأنه یموت وأمرهم أن یقبروه ویرقبوه أربعین یوما ،

فإنه یأتیهم قطیع من الغنم یقدمها حمار أبتر ، أی مقطوع الذنب ، فإذا حاذى قبره ووقف فلینبشوا علیه قبره ، فإنه یقوم ویخبرهم بأحوال البرزخ وأحوال القبور عن یقین ورؤیة ،

فانتظروا بعد موته أربعین یوما ، فجاء القطیع ویقدمه حمار أبتر فوقف حذاء قبره ، فأراد المؤمنون من قومه أن ینبشوا علیه کما أمر فامتنع أولاده من ذلک خوفا من العار لئلا یقال لهم أولاد المنبوش فحملتهم الحمیة الجاهلیة على ذلک فضیعوا وصیته وأضاعوه  . رواه الحاکم فی المستدرک


فلما بعث رسول اللّه صلى اللّه علیه وسلم جاءت بنت خالد فقال لها صلى اللّه علیه وسلم : " مرحبا یا بنت نبی أضاعه قومه " . رواه الحاکم فی المستدرک

وروى الدارقطنی : أن رسول اللّه صلى اللّه علیه وسلم قال : " کان نبیا فضیعه قومه " ، یعنی خالد بن سنان .

وذکر غیره من العلماء : أن ابنته أتت النبی صلى اللّه علیه وسلم فبسط لها رداءه فقال : " أهلا ببنت خیر نبی " أو نحو ذلک .


ذکره الکواشی والزمخشری وغیرهما أنه کان بین محمد وعیسى علیهم السلام أربعة أنبیاء من بنی إسرائیل وواحد من العرب وهو خالد بن سنان العبسی . وذکر البغوی أنه لا نبی بینهما . وقیل : إن خالد بن سنان هو النبی الذی دعا على العنقاء الطیر الکبیر المشهور لما شکا إلیه قومه ما یلقون منها ، فانقطع نسلها وانقرضت ، فلا توجد إلى یوم القیامة .


وقیل : إنه کان وکّل به من الملائکة مالک خازن النار ، ذکره الدمیری فی حیاة الحیوان فی العنقاء (فإنه) ، أی خالدا علیه السلام (أظهر بدعواه) إلى اللّه تعالى (النبوّة) مفعول أظهر (البرزخیة) ، أی المقتضیة للأخبار عن أحوال البرزخ وهو العالم الذی بین الدنیا والآخرة الذی تنتقل إلیه نفوس الأموات بعد موتهم ویبقون فیه على مراتب ما کانوا علیه فی الدنیا إلى أن ینفخ فی الصور وینتقلوا إلى الآخرة فیکونون فی جنة أو فی نار وإظهار ذلک منه بقوله : إنه یخبرهم بأحوال البرزخ والقبور ،


قال رضی الله عنه :  (فإنه) ، أی خالدا علیه السلام (ما ادعى الإخبار بما هنالک) ، أی بأحوال البرزخ والقبور (إلا بعد الموت) ، أی بعد موته ووضعه فی القبر

(فأمر أن ینبش عنه) قبره ویسأل عن ذلک حتى یکون إخباره عن ذوق حقیقی وکشف حسی .

وقد أخبرت الأنبیاء علیهم السلام عن أحوال البرزخ والقبور ، ولکن بطریق الوحی والخبر الإلهی الواصل إلیهم ، لأن ذلک کان منهم قبل موتهم ،

وخالد علیه السلام أراد أن یخبر بعد موته وعوده إلى الدنیا ثانیا (فیخبر أن الحکم) الواقع (فی البرزخ) من أحوال الموتى (على صورة) ما کانوا علیه من نتائج الأعمال والأحوال (الحیاة الدنیا) طبق ما أمرتهم به الرسل علیهم السلام ونهتهم عنه من أحکام اللّه تعالى ،

وإن لم یشعروا بذلک وهم فی الحیاة الدنیا ، وإنما المؤمنون به بالغیب والکافرون کافرون به حتى یموتوا فیذوقونه ویشهدونه حسا وکشفا .


قال رضی الله عنه :  (فیعلم) بالبناء للمفعول (بذلک) ، أی بما یخبر عنه (صدق الرسل کلهم) من آدم إلیه علیهم السلام (فیما أخبروا) ، أی الرسل علیهم السلام (به فی حیاتهم الدنیا) قبل موتهم مما هو نافع للمکلفین فی أمور آخرتهم عند اللّه تعالى أو ضار لهم فیها من الأعمال والأقوال والأحوال ظاهرا وباطنا

قال رضی الله عنه :  (فکان غرض خالد صلى اللّه علیه وسلم) حصول إیمان ، أی تصدیق العالم کله ، أی جمیع المکلفین (بما جاءت به الرسل) علیهم السلام من عند اللّه تعالى وإزالة شبه الجمیع عن أقوال الرسل وإخباراتهم علیهم السلام (لیکون) ، أی خالد علیه السلام (رحمة للجمیع) ، أی الرسل وأممهم حیث اقتضت نبوّته تصدیق الکل بالحق وزوال التکذیب به عنهم .


(فإنه) ، أی خالدا علیه السلام (تشرف) ، أی صار شریفا فارتفعت همته إلى هذا الأمر العظیم الشأن الجسیم ، الذی لم تتطاول إلیه ید نبی من الأنبیاء الماضین علیهم السلام أصلا (بقرب) ، أی بسبب قرب (نبوّته) ، أی خالد علیه السلام (من نبوّة محمد صلى اللّه علیه وسلم) ، الذی قال اللّه تعالى فیه ":وَما أَرْسَلْناکَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِینَ" [ الأنبیاء  : 107].


قال رضی الله عنه :  (وعلم) ، أی خالد علیه السلام بالوحی الکشفی (أن اللّه) تعالى (أرسله) ، أی أرسل محمد صلى اللّه علیه وسلم ، وإن لم یظهر زمان إرساله لأنه حق کائن فی وقته (رحمة للعالمین) .

(ولم یکن خالد) علیه السلام (برسول اللّه) وإنما کان نبیا من أنبیاء بنی إسرائیل ، ولهذا أضاعه قومه ، لأن اللّه تعالى أوحى إلیه ولم یأمره بالتبلیغ ، ولو أمره لما قدر على إضاعته أحد کما أمر المرسلین من أولی العزم وغیرهم علیهم السلام وتعرض لهم قومهم بالتکذیب والجحود وإبطال الحق الذی جاؤوا به والمنع من متابعتهم ، ولم یقدروا وقد أعجزهم اللّه تعالى وردهم مخذولین خاسرین خائبین فی الدنیا والآخرة کما قال تعالى :"وَلَقَدْ سَبَقَتْ کَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِینَ ( 171 ) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ( 172 ) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ" [ الصافات : 171 - 173 ] .


وکذلک اتباع المرسلین علیهم السلام من ورثتهم الذین هم خاصة أممهم ملحقون بهم أیضا أهل دعوة إلى اللّه تعالى صحیحة مأمورا بها کما قال تعالى :" قُلْ هذِهِ سَبِیلِی أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِیرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِی " [ یوسف : 108 ] ،

فلا یمکن رد دعواهم ولا إضاعتهم أصلا ، وإنما هم منصورون نافذ أمرهم ونهیهم على کل حال لقوله صلى اللّه علیه وسلم " فلیبلغ الشاهد منکم الغائب ".


وقوله علیه السلام : « الشیخ فی جماعته کالنبی فی أمته » .  

""حدیث : بجلوا المشایخ، فإن تبجیل المشایخ من إجلال الله، فمن لم یبجلهم فلیس منی".

رواه ابن حبان فی التاریخ ، والدیلمى عن أنس .""


ولکنهم کما یرثون الأنبیاء فی علومهم الإلهیة وأحوالهم الکمالیة یرثونهم أیضا فی وقائعهم وقت التبلیغ من تکذیب الناس لهم وأذیتهم والسخریة علیهم ، واللّه تعالى حافظهم وناصرهم على کل حال . والأنبیاء الذین لیسوا بمرسلین لم یؤمروا بالتبلیغ إلى الناس،

وإنما هم مأمورون بالعمل الصالح فی أنفسهم والاستقامة علیه ونصح من تابعهم برضى خاطره وانقاد إلیهم من الأمم ، فإذا خالفوهم وعصوهم فإنهم لم یؤمروا بمحاربتهم ولا قتالهم ولا التعرض لهم فی شیء أصلا ولم یخبر تعالى أنه ناصرهم ولا حافظهم ممن کذبهم ، فلهذا قتل یحیى ونشر زکریا وکثیر من بنی إسرائیل علیهم السلام لتعرضهم للعصاة والکافرین وهم لا یؤمرون بذلک ، وخالد بن سنان علیه السلام کان کذلک فلهذا أضاعه قومه .


قال رضی الله عنه :  (فأراد) ، أی خالد علیه السلام (أن یحصل من هذه الرحمة) الواسعة لجمیع العالمین الکائنة (فی) زمان (الرسالة المحمدیة) إلى کافة البریة (على حظ وافر) ونصیب متکاثر حیث یکون ممهدا لقواعدها ومشیدا لأرکانها قبل مجیء زمانها .


وهذه کانت نیته وهی من أکبر الطاعات لکن لا خصوص إذن له بذلک من اللّه تعالى ، وإنما معه فی ذلک الإذن العام بعمل الخیر والطاعة فله ثواب ذلک ویحشر یوم القیامة على نیته وفعل طاعته .


قال رسول اللّه صلى اللّه علیه وسلم : " یبعث الناس على نیاتهم" . رواه الإمام أحمد بن حنبل عن أبی هریرة رضی اللّه عنه وابن ماجه فی سننه.


ولم یؤمر ، أی خالد علیه السلام بالتبلیغ ، أی تبلیغ ما أوحى اللّه تعالى إلیه إلى قومه کما أمرت المرسلون علیهم السلام وورثتهم کما ذکرنا .


قال رضی الله عنه :  (فأراد) ، أی خالد علیه السلام (أن یحظى) ، أی یفوز (بذلک) ، أی بالحظ الوافر من الرحمة العامة فی الرسالة المحمدیة (فی) بیان (أحوال البرزخ) والقبور (لیکون) ذلک (أقوى فی العلم) الإلهی (فی حق الخلق) فیعلمون به إذا بلغه إلیهم صدق المرسلین علیهم السلام فی جمیع ما بلغوه عن اللّه تعالى من الحق (فأضاعه) ، أی خالدا علیه السلام (قومه) ، ولم یحفظوا وصیته کما سبق بیانه .


شرح فصوص الحکم مصطفى سلیمان بالی زاده الحنفی أفندی 1069 هـ :

قال الشیخ رضی الله عنه :  ( وأمّا حکمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخیّة .

فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالک إلّا بعد الموت ، فأمر أن ینبش علیه ویسأل فیخبر أنّ الحکم فی البرزخ على صورة الحیاة الدّنیا ، فیعلم بذلک صدق الرّسل کلّهم فیما أخبروا به فی حیاتهم الدّنیا .

فکان غرض خالد علیه السّلام إیمان العالم کلّه بما جاءت به الرّسل لیکون رحمة للجمیع .

فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه علیه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمین . ولم یکن خالد برسول ، فأراد أن یحصل من هذه الرّحمة فی الرّسالة المحمّدیّة على حظّ وافر . ولم یؤمر بالتّبلیغ ، فأراد أن یحظى بذلک فی البرزخ لیکون أقوى فی العلم فی حقّ الخلق فأضاعه قومه .)

26 - فص حکمة صمدیة فی کلمة خالدیة

الصمد المصمد إلیه أی المحتاج إلیه أو الصمد هو الذی لا جوف له ولما غلبت صفة الصمدیة على خالد علیه السلام اختصت الحکمة الصمدیة بکلمته ( وأما حکمة خالد بن سنان علیه السلام فإنه أظهر بدعواه النبوة البرزخیة ( أی الاخبار عن أحوال القبر .

"" أضاف المحقق :

هو خالد بن سنان بن غیث العبسی من أهل زمن الفترة التی امتدت بین عیسى علیه السلام ومحمد صلى اللّه علیه وسلم ، أو ممن عاش قبل زمن عیسى علیه السلام على بعض الأقوال .

والمعروف عنه أنه کان یقول بالتوحید قبل بعثة سیدنا محمد صلى اللّه علیه وسلم ، ناهجا نهج الملة الحنفیة وقد عده کثیر من المسلمین ومنهم ابن عربی من الأنبیاء ،

استنادا فیما یظهر على ما یروى من أن ابنته أو إحدى بنات ذرّیته جاءت إلى الرسول فقال لها : " مرحبا یا بنت نبی أضاعه قومه " .

ویقال إنها لما أتت إلى النبی صلى اللّه علیه وسلم سمعته یقرأ :قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌفقالت قد کان أبی یقرأ هذا . ذکره القاشانی فی شرحه على الفصوص ص 426 .""


قال رضی الله عنه :  ( فإنه ما ادّعى الاخبار بما هنالک ) أی لم یدّع الاخبار بما فی البرزخ ( إلا بعد الموت فأمر أن ینبش علیه فیسأل ) عن أحوال القبر ( فیخبر أن الحکم فی البرزخ على صورة الحیاة الدنیا فیعلم بذلک (  أی بما أخبره خالد علیه السلام .


قال رضی الله عنه :  ( صدق الرسل کلهم فیما أخبروا به فی حیاتهم الدنیا ) من نعیم القبر وعذابه ( فکان غرض خالد علیه السلام إیمان العالم کله بما جاءت به الرسل ) من المقامات البرزخیة وأحوالها ومقصود خالد علیه السلام من هذا الفعل ( لیکون ) خالد علیه السلام ( رحمة للجمیع فإنه تشرف ) من التشریف ( بقرب نبوته من نبوة محمد علیه السلام وعلم ) خالد علیه السلام ( أن اللّه أرسله ) أی محمدا علیه السلام ( رحمة للعالمین ولم یکن خالد علیه السلام فأراد أن یحصل من هذه الرحمة فی الرسالة المحمدیة على حظ وافر ولم یؤمر بالتبلیغ فأراد أن یحظ بذلک ) التبلیغ.


قال الشیخ رضی الله عنه :  ( فی البرزخ لیکون أقوى فی العلم فی حق الخلق ) أی لیظهر أعلمیته بین الناس فی البرزخ وقصته مذکورة فی کتب التفاسیر ونحن أوردناها على ما أوردها القیصری فی شرحه بعبارته بلا نقص ولا زیادة تبرکا بهذه الحکایة وهی أنه کان مع قومه یسکنون بلاد عدن فخرجت نار عظیمة من مغارة فأهلکت الذرع والضرع فالتجأ إلیه قومه

فأخذ خالد علیه السلام یضرب تلک النار بعصاه حتى رجعت هاربة منه إلى المغارة التی خرجت منها ...

ثم قال لأولاده إنی أدخل المغارة خلف النار حتى أطفأها وأمرهم أن یدعوه بعد ثلاثة أیام تامة فإنهم إن نادوا قبل ثلاثة أیام فهو یخرج ویموت .

وإن صبروا ثلاثة أیام یخرج سالما فلما دخل صبروا یومین واستفزهم الشیطان فلم یصبروا تمام ثلاثة أیام فظنوا أنه هلک فصاحوا به فخرج من المغارة وعلى رأسه ألم حصل من صیاحهم .


فقال : ضیعتمونی وأضعتم قولی ووصیتی وأخبرهم بموته وأمرهم أن یقبروه ویرقبوه أربعین یوما فإنهم یأتیهم قطیع من الغنم یقدمها حمار أبتر مقطوع الذنب

فإذا حاذى قبره ووقف فلینبشوا علیه فإنه یقوم ویخبرهم بأحوال البرزخ والقبر عن یقین ورؤیة فانتظروا أربعین یوما فجاء القطیع ویقدم حمار أبتر فوقف حذاء قبره

فهمّ مؤمنو قومه أن ینبشوا علیه فأبى أولاده خوفا من العار ، لئلا یقال لهم أولاد المنبوش قبره فحملتهم الحمیة الجاهلیة على ذلک فضیعوا وصیته وأضاعوه

فلما بعث رسول اللّه صلى اللّه علیه وسلم جاءته بنت خالد علیه السلام فقال الرسول علیه السلام مرحبا یا ابنة نبیّ أضاعه قومه .

قال رضی الله عنه :  ( فأضاعه قومه) أی وصیته.


شرح فصوص الحکم عفیف الدین سلیمان ابن علی التلمسانی 690 هـ :

قال الشیخ رضی الله عنه :  ( وأمّا حکمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخیّة .

فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالک إلّا بعد الموت ، فأمر أن ینبش علیه ویسأل فیخبر أنّ الحکم فی البرزخ على صورة الحیاة الدّنیا ، فیعلم بذلک صدق الرّسل کلّهم فیما أخبروا به فی حیاتهم الدّنیا .

فکان غرض خالد علیه السّلام إیمان العالم کلّه بما جاءت به الرّسل لیکون رحمة للجمیع .

فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه علیه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمین . ولم یکن خالد برسول ، فأراد أن یحصل من هذه الرّحمة فی الرّسالة المحمّدیّة على حظّ وافر . ولم یؤمر بالتّبلیغ ، فأراد أن یحظى بذلک فی البرزخ لیکون أقوى فی العلم فی حقّ الخلق فأضاعه قومه .)


قال رضی الله عنه :  ( وأمّا حکمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخیّة .

فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالک إلّا بعد الموت ، فأمر أن ینبش علیه ویسأل فیخبر أنّ الحکم فی البرزخ على صورة الحیاة الدّنیا ، فیعلم بذلک صدق الرّسل کلّهم فیما أخبروا به فی حیاتهم الدّنیا . فکان غرض خالد علیه السّلام إیمان العالم کلّه بما جاءت به الرّسل لیکون رحمة للجمیع . فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه علیه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمین . ولم یکن خالد برسول ، فأراد أن یحصل من هذه الرّحمة فی الرّسالة المحمّدیّة على حظّ وافر . ولم یؤمر بالتّبلیغ ، فأراد أن یحظى بذلک فی البرزخ لیکون أقوى فی العلم فی حقّ الخلق فأضاعه قومه .)


قلت : هذا خالد بن سنان کان فی الفترة التی بین عیسى، علیه السلام، وبین محمد صلی الله علیه وسلم، وأنه لیس برسول بل نبی،

فذکر الشیخ رضی الله عنه، أنه من أنبیاء البرزخ وهو عالم الخیال المطلق وهی حضرة من الحضرات الإلهیة شریفة المقام بین الحضرات الإلهیة .

وقد أخبر بمراده وأن قومه أضاعوه وما ضاع بل کان له أجر على قدر رتبته ، فما حصل له التبلیغ بل نیة التبلیغ.


شرح فصوص الحکم الشیخ مؤید الدین الجندی 691 هـ :

قال الشیخ رضی الله عنه :  ( وأمّا حکمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخیّة .

فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالک إلّا بعد الموت ، فأمر أن ینبش علیه ویسأل فیخبر أنّ الحکم فی البرزخ على صورة الحیاة الدّنیا ، فیعلم بذلک صدق الرّسل کلّهم فیما أخبروا به فی حیاتهم الدّنیا .

فکان غرض خالد علیه السّلام إیمان العالم کلّه بما جاءت به الرّسل لیکون رحمة للجمیع .

فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه علیه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمین . ولم یکن خالد برسول ، فأراد أن یحصل من هذه الرّحمة فی الرّسالة المحمّدیّة على حظّ وافر . ولم یؤمر بالتّبلیغ ، فأراد أن یحظى بذلک فی البرزخ لیکون أقوى فی العلم فی حقّ الخلق فأضاعه قومه .)


26 -  فصّ حکمة صمدیة فی کلمة خالدیة

کان هجّیر خالد الأحد الصمد ، ومشهوده الصمدیة ، وکان فی قومه مظهر الصمدیة یصمدون إلیه فی المهمّات ، ویقصدونه فی العظائم والملمّات ، لهذا أضیفت الحکمة الصمدیة إلیه ، کما سنذکر إن شاء الله تعالى .

"" دعا إلى الأحد الصمد ، وکان قومه یصمدون إلیه ویقصدونه فی الملمّات والمهمّات ، فیکشف الله إیّاها عنهم بدعائه علیه السّلام  .""

قال رضی الله عنه  : ) وأمّا حکمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النبوّة البرزخیة ، فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنا لک إلَّا بعد الموت ، فأمر أن ینبش علیه ، ویسأل فیخبر أنّ الحکم فی البرزخ على صورة الحیاة الدنیا ، فیعلم بذلک صدق الرسل کلَّهم فیما أخبروا به فی حیاتهم الدنیا ، فکان غرض خالد علیه السّلام إیمان العالم کلَّه بما جاءت به الرسل لیکون رحمة للجمیع ، فإنّه أشرف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد - صلَّى الله علیه وسلَّم - وعلم أنّ الله أرسله رحمة للعالمین ، ولم یکن خالد برسول ، فأراد أن یحصل من هذه الرحمة فی الرسالة المحمدیة على حظَّ وافر وإن لم یؤمر بالتبلیغ ، فأراد أن یحظى بذلک فی البرزخ لیکون أقوى فی العلم فی حق الخلق فأضاعه قومه ( .


یشیر رضی الله عنه  إلى أنّ خالدا لمّا استشرف على کمال نبوّة محمّد ، وأنّه المبعوث رحمة للعالمین کافّة ، تمنّى أن یکون له عموم إنباء ونبوّة مستندة إلى العلم الحاصل للکافّة بما فی البرزخ بعد الموت ، فإنّ العامّة والجمهور لا ینقادون لإنباء الأنبیاء وأنبائهم مثل انقیادهم مثلا ، إلى إنباء من ینبئ بما بعد الموت وإنبائه بعد أن یموت ، وأحیاه الله فی رأى العین وأخبر بما شاهد ، فإنّ تأثیر مثل ذلک فی عموم إیمان الخلق أبلغ ،


فکان من قضیّة خالد علیه السّلام أنّه کان قویّ الهمّة ، والغالب علیه شهود الأحدیة ، فظهرت فی زمانه بین قومه - وکانوا یسکنون فی بلاد عدن - نار عظیمة خرجت من مغارة ،

فأهلکت الزرع والضرع ، فصمد إلیه قومه وقصدوه - على ما اعتادوا منه فی دفع الملمّات ورفع المهمّات - حتى یدفع عنهم أذیّة تلک النار ، وکانوا مؤمنین ، فلما رأى خالد بن سنان علیه السّلام تلک النار ، أخذ یضربها بعصاه من خلفها ،


ویقول : بدّا بدّا ، حتى بدّد النار وفرّقها ، فرجعت النار هاربة وهو یضربها بعصاه ویقول : بدّا بدّا حتى ساقها إلى مغارة خرجت منها فأدخلها فی المغارة

ثمّ قال لأولاده وقومه : إنّى أدخل المغارة خلف النار ، حتى أطفئها ، وأمرهم أن یدعوه ولا یدعوه إلى ثلاثة أیّام تامّة ، فإنّهم إن نادوه ودعوه قبل تمام ثلاثة أیّام وفی أثنائها ، فإنّه یخرج ویموت ،

وإن صبروا إلى تمام ثلاثة أیّام ، خرج سالما ، وقد دفع عنهم أذیة النار ، فلمّا دخل المغارة خلف النار ، صبروا یومین واستفزّهم الشیطان ، فلم یصبروا تمام ثلاثة أیّام ، فصاحوا به قبل تمام الوقت ودعوه ونادوه وارتابوا أنّه ربما یکون قد هلک ،

فخرج علیه السّلام من المغارة ویداه على رأسه من الألم الذی ألمّ به من صیاحهم وندائهم قبل تمام المیقات ،

فقال لهم : « ضیّعتمونی وأضعتم قولی وعهدی » وأخبرهم بموته ، وأمرهم أن یقبروه ویرقبوه أربعین یوما فإنّه یأتیهم بعد الأربعین قطیع غنم یقدمها حمار أبتر مقطوع الذنب ، فإذا حاذى قبره ووقف ، فلینبش على خالد علیه السّلام قبره ، فإنّه یقوم ویخبرهم بجلیّة الأمر بعد الموت عن شهود ورؤیة ویقین ، فیحصل الخلق کلَّهم على الیقین بما أخبرت الرسل ، وتصحّ عندهم الإخبارات النبویّة کلَّها ،


ثمّ مات خالد ، فدفنوه وانتظروا عبور أربعین یوما ، وانتظروا بعد ذلک قطیع غنم ، فجاء القطیع - کما ذکر - یقدمه حمار أبتر ، فوقف حذاء قبره فهمّ مؤمنو قومه ، وأولاده أن ینبشوا علیه کما أمرهم حتى یخبرهم بصدق الأنبیاء والنبوّات کلَّها فأبى أکابر أولاده ،

وقالوا یکون عار عند العرب أن ینبش على أبینا ، فیقال فینا : أولاد المنبوش وندعى بذلک ، فحملتهم الحمیّة الجاهلیة على ذلک ، فضیّعوا وصیّته وأضاعوه .


ثمّ بعد بعثة رسولنا محمّد صلَّى الله علیه وسلَّم جاءته بنت خالد ، فقال رسول الله صلَّى الله علیه وسلَّم  " مرحبا بابنة نبیّ أضاعه قومه " .


شرح فصوص الحکم الشیخ عبد الرزاق القاشانی 730 هـ :

قال الشیخ رضی الله عنه :  ( وأمّا حکمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخیّة .

فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالک إلّا بعد الموت ، فأمر أن ینبش علیه ویسأل فیخبر أنّ الحکم فی البرزخ على صورة الحیاة الدّنیا ، فیعلم بذلک صدق الرّسل کلّهم فیما أخبروا به فی حیاتهم الدّنیا .

فکان غرض خالد علیه السّلام إیمان العالم کلّه بما جاءت به الرّسل لیکون رحمة للجمیع .

فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه علیه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمین . ولم یکن خالد برسول ، فأراد أن یحصل من هذه الرّحمة فی الرّسالة المحمّدیّة على حظّ وافر . ولم یؤمر بالتّبلیغ ، فأراد أن یحظى بذلک فی البرزخ لیکون أقوى فی العلم فی حقّ الخلق فأضاعه قومه .)


26 -  فص حکمة صمدیة فی کلمة خالدیة

إنما اختصت الکلمة الخالدیة بالکلمة الصمدیة ، لأن دعوته إلى الأحد الصمد ، ومشهده الصمدیة ، وهجیره فی ذکره الأحد الصمد ، وکان فی قومه مظهر الصمدیة یصمدون إلیه فی المهمات ، ویقصدونه فی الملمات ، فیکشف الله عنهم بدعائه البلیات .

( وأما حکمة خالد بن سنان فإنه أظهر بدعواه النبوة البرزخیة ) أی الحجابیة التی تکون فی عالم المثال بعد الموت ، فإنه لم یظهر نبوته فی حیاته ، ولذلک لم یعتبرها نبینا صلى الله علیه وسلم حیث قال « إنی أولى الناس بعیسى ابن مریم فإنه لیس بینی وبینه نبی » فعلم أنه لم یکن نبیا فی هذا الموطن ( فإنه ما ادعى الإخبار بما هنالک إلا بعد الموت ) أی ادعى أنه یخبر بعد موته عن أحوال الآخرة.


قال رضی الله عنه :  ( فأمر أن ینبش علیه ویسأل فیخبر أن الحکم فی البرزخ على صورة الحیاة الدنیا ، فیعلم بذلک صدق الرسل کلهم فیما أخبروا به فی حیاتهم الدنیا ، فکان غرض خالد علیه السلام إیمان العالم کله بما جاء به الرسل لیکون رحمة للجمیع ، فإنه تشرف بقرب نبوته من نبوة محمد صلى الله علیه وسلم ، وعلم أن الله أرسله رحمة للعالمین ولم یکن خالد برسول ، فأراد أن یحصل من هذه الرحمة فی الرسالة المحمدیة على حظ وافر ولم یؤمر بالتبلیغ فأراد أن یحظى بذلک فی البرزخ لیکون أقوى فی العلم فی حق الخلق فأضاعه قومه ).


فلما استشرف خالد علیه السلام کمال نبوة محمد وعلم أنه المبعوث رحمة للعالمین کافة تمنى أن یکون له عموم أنباء ونبوة مستندة إلى العلم الحاصل للکافة بما فی البرزخ بعد الموت ، فإن العامة لا ینقادون لأنباء الأنبیاء انقیادهم لأنباء من ینبئ بعد أن یموت فیحییه الله فیخبر بما شاهد هنالک ، فإن تأثیر مثل ذلک فی إیمان عموم الخلق أبلغ .


وکان من قصته علیه السلام أنه کان قوى الهمة والغالب علیه شهود الأحدیة ، وکان هو وقومه یسکنون بلاد عدن فظهرت بینهم نار عظیمة خرجت من مغارة فأهلکت الزرع والضرع فصمد إلیه قومه على ما اعتادوا منه فی دفع الملمات حتى یدفع عنهم أذى تلک النار وکانوا مؤمنین به ، فأخذ خالد یضرب تلک النار بعصاه من خلفها ویقول : بدّا بدا حتى بردت النار فرجعت هاربة منه إلى المغارة التی خرجت منها وهو یسوقها حتى أدخلها ،


ثم قال لأولاده وقومه : إنی أدخل المغارة خلف النار حتى أطفئها ، فأمرهم أن یدعوه بعد ثلاثة أیام تامة فإنهم إن نادوه قبل انقضائها فهو یخرج ویموت ، وإن صبر وأخرج سالما وقد دفع عنهم مضرة النار ، فلما دخل صبروا یومین واستفزهم الشیطان فلم یصبروا تمام ثلاثة أیام ، فارتابوا أنه هلک فصاحوا به فرجع علیه السلام من المغارة ویداه على رأسه من الألم الذی أصابه من صیاحهم ،

فقال لهم : ضیعتمونى وأضعتم قولی وعهدی وأخبرهم بموته وأمرهم أن یقبروه ویرقبوه أربعین یوما ، فإنه یأتیهم قطع من الغنم یقدمها حمار أبتر مقطوع الذنب ، فإذا حاذى قبره ووقف فلینبشوا علیه قبره فإنه یقوم ویخبرهم بجلیة الأمر بعد الموت عن شهود ورؤیة فیحصل للخلق کلهم عین الیقین بما أخبرت به الرسل علیهم السلام .


ثم مات خالد فدفنوه فانتظروا مضى الأربعین وورود قطیع الغنم ، فجاء القطیع کما یذکر یقدمه حمار أبتر فوقف حذاء قبره فهمّ مؤمنو قومه وأولاده أن ینبشوا علیه کما أمرهم حتى یخبرهم بصدق الأنبیاء والنبوات کلها ، فأبى أکابر أولاده وقالوا : یکون علینا عارا عند العرب أن ینبش على أبینا فیقال فینا أولاد المنبوش وندعى بذلک ، فحماتهم الحمیة الجاهلیة على ذلک فضیعوا وصیته وأضاعوه .


ثم بعد بعثة رسول الله صلى الله علیه وسلم جاءته بنت خالد فقال لها صلى الله علیه وسلم « مرحبا بابنة نبی أضاعه قومه » ولم یصف النبی علیه الصلاة والسلام قومه بأنهم ضاعوا لإصابتهم فی الإیمان فصحت نبوته .


مطلع خصوص الکلم فی معانی فصوص الحکم القَیْصَری 751هـ :

قال الشیخ رضی الله عنه :  ( وأمّا حکمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخیّة .

فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالک إلّا بعد الموت ، فأمر أن ینبش علیه ویسأل فیخبر أنّ الحکم فی البرزخ على صورة الحیاة الدّنیا ، فیعلم بذلک صدق الرّسل کلّهم فیما أخبروا به فی حیاتهم الدّنیا .

فکان غرض خالد علیه السّلام إیمان العالم کلّه بما جاءت به الرّسل لیکون رحمة للجمیع .

فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه علیه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمین . ولم یکن خالد برسول ، فأراد أن یحصل من هذه الرّحمة فی الرّسالة المحمّدیّة على حظّ وافر . ولم یؤمر بالتّبلیغ ، فأراد أن یحظى بذلک فی البرزخ لیکون أقوى فی العلم فی حقّ الخلق فأضاعه قومه .)


26 - فص حکمة صمدیة فی کلمة خالدیة

قال رضی الله عنه :  ( الصمد ) یقال على مالا جوف له : تقول ( هذا مصمود ) أی لیس بمجوف ، ویقال للمقصد والملجأ : قال الله تعالى ( الله الصمد ) .

ولما کان خالد ، علیه السلام ، فی قومه صمدا محتاجا إلیه ، ملجاء لهم ، یستندون إلیه فی کل حاجة ، وکان مظهرا للإسم ( الصمد ) وذاکرا ربه بالأحد الصمد ، اختصت الحکمة الصمدیة بکلمته .


قال رضی الله عنه :  ( وأما حکمة خالد بن سنان ، فإنه أظهر بدعواه النبوة البرزخیة . ) أی ، أظهر بدعواه الإنباء عن البرزخ الذی بعد الموت ، وما أظهر نبوته فی الدنیا ، لذلک قال نبینا ، صلى الله علیه وسلم : ( إنی أولى الناس بعیسى بن مریم : فإنه لیس بینی وبینه نبی ) . أی ، نبی داع للخلق إلى الله ومشرع .


والمراد ب‍ ( البرزخ ) هنا الموطن الذی بین الدنیا والآخرة . وهو غیر البرزخ الذی بین عالم الأرواح المثالی ، وبین هذه النشأة العنصریة ، کما مر فی المقدمات  فی الفصل الکاشف عن أحوال عالم المثال .


قال رضی الله عنه :  ( فإنه ما ادعى الإخبار بما هنالک ) أی ، بما فی البرزخ ( إلا بعد الموت ، فأمر أن  ینبش علیه ویسأل فیخبر أن الحکم فی البرزخ على صورة الحیاة الدنیا ، فیعلم بذلک )

الإخبار ( صدق الرسل کلهم فیما أخبروا به فی حیاتهم الدنیا . فکان غرض خالد

صلى الله علیه وسلم إیمان العالم کله بما جاءت به الرسل ) من أحوال القبر والمواطن

والمقامات البرزخیة .


قال رضی الله عنه :  ( لیکون ) خالد ( رحمة للجمیع ، فإنه تشرف بقرب نبوته من نبوة محمد ، صلى الله علیه وسلم ، وعلم خالد أن الله أرسله رحمة للعالمین . ولم یکن خالد برسول ، فأراد أن یحصل من هذه الرحمة فی الرسالة المحمدیة على حظ وافر ولم یؤمر بالتبلیغ ، فأراد أن یحظى بذلک ) التبلیغ من مقام الرسالة ( فی البرزخ لیکون أقوى فی العلم فی حق الخلق . )

أی ، لیعلم قوة علمه بأحوال الخلائق فی البرزخ .


قال رضی الله عنه :  (  فأضاعه قومه .) أی ، أضاعوا وصیة نبیهم


خصوص النعم فى شرح فصوص الحکم الشیخ علاء الدین المهائمی 835 هـ :

قال الشیخ رضی الله عنه :  ( وأمّا حکمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخیّة .

فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالک إلّا بعد الموت ، فأمر أن ینبش علیه ویسأل فیخبر أنّ الحکم فی البرزخ على صورة الحیاة الدّنیا ، فیعلم بذلک صدق الرّسل کلّهم فیما أخبروا به فی حیاتهم الدّنیا .

فکان غرض خالد علیه السّلام إیمان العالم کلّه بما جاءت به الرّسل لیکون رحمة للجمیع .

فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه علیه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمین . ولم یکن خالد برسول ، فأراد أن یحصل من هذه الرّحمة فی الرّسالة المحمّدیّة على حظّ وافر . ولم یؤمر بالتّبلیغ ، فأراد أن یحظى بذلک فی البرزخ لیکون أقوى فی العلم فی حقّ الخلق فأضاعه قومه .)


الفصّ الخالدی

26 - فص حکمة صمدیة فی کلمة خالدیة  

أی : ما یتزین به ، ویکمل العلم الیقینی المتعلق بالاستعلاء ؛ للاستغناء عن الکل مع افتقار الکل إلیه ، ظهر ذلک العلم بزینته وکماله فی الحقیقة الجامعة المنسوبة إلى خالد بن سنان العنسی علیه السّلام ، إذ قصد أن یخبر عن الأمور الغیبیة التی یجب الإیمان بها عن مشاهدة یعترف بها کل أحد من غیر حاجة إلى معجزة ، ولا إلى تصدیق نبی آخر ، وتصدیق الأنبیاء علیهم السّلام  یفتقر إلى هذا عند البعض ، وهؤلاء یفتقر فی إثبات مدعاهم إلى شیء ،

"" أضاف المحقق :

إنما اختصت الکلمة الخالدیة بالکلمة الصمدیة ؛ لأن دعوته إلى الأحد الصمد ، ومشهده الصمدیة وهجیره فی ذکره الأحد الصمد ، وکان فی قومه مظهر الصمدیة یصمدون إلیه فی المهمات ، ویقصدونه فی الملمات ، فیکشف اللّه عنهم بدعائه البلیات . القاشانی . ""


وقصته : أنه کان یسکن عدن ، فخرجت نار عظیمة من مغارة ، فأهلکت الزرع والضرع ، فالتجأ إلیه قومه ، فأخذ خالد یضرب تلک النار بعصاه من خلفها ،

ویقول : بدا بدا حتى ترد النار ، فرجعت هاربة منه إلى المغارة التی خرجت منها ، ثم قال لأولاده : إنی أدخل المغارة خلف النار لأطفئها ، وأمرهم أن یدعوه ثلاثة أیام تامة ، فإنهم إن دعوه قبلها خرج ومات ، وإن صبروا تمام ثلاثة أیام خرج سالما ، وقد وضع عنهم مضرة النار ، فلما دخل صبروا یومین ،

واستفزهم الشیطان فظنوا أنه ربما هلک ، فصاحوا به فخرج من المغارة ویداه على رأسه من الألم الذی أصابه من صیاحهم ،


فقال لهم : ضیعتمونی وضیعتم قولی ووصیتی ، أخبرهم بموته وأمرهم أن یقبروه ویرقبوه أربعین یوما ، فإنه یأتیهم قطیع من الغنم یقدمها حمار أبتر مقطوع الذنب ، فإذا حاز قبره ووقف ، فلینبشوا علیه قبره ، فإنه یقوم ویخبرهم بأحوال البرزخ والقبر عن رؤیة وشهود ، فتحصل الخلق کلهم على الیقین بما أخبرت الرسل علیهم السّلام ،

فمات خالد فدفنوه ، فانتظروا مضی الأربعین ، وورود قطیع الغنم ، فجاء القطیع یقدمه حمار أبتر ، فوقف حذا قبره ، فهمّ مؤمنو قومه أن ینبشوا علیه کما أمرهم ، فأبى أکابر أولاده خوفا من العار أن یقال لهم : أولاد المنبوش ، فحملتهم الحمیة الجاهلیة على ذلک ، وضیعوا وصیته وأضاعوه .


فلما بعث رسول اللّه صلّى اللّه علیه وسلّم جاءته بنت خالد علیه السّلام ، فقال صلّى اللّه علیه وسلّم : " مرحبا بابنة نبی أضاعه قومه " ،

ورأیت فی بعض التواریخ : « أنها سمعت رسول اللّه صلّى اللّه علیه وسلّم یقرأ سورة الإخلاص

فقالت : سمعت أبی یقرأها »  ، انتهى ، وهذا یدل على کون حکمته صمدیة کما قال رحمه اللّه .


قال رضی الله عنه :  ( وأمّا حکمة خالد بن سنان ؛ فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخیّة ، فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالک إلّا بعد الموت ، فأمر أن ینبش علیه ویسأل فیخبر أنّ الحکم فی البرزخ على صورة الحیاة الدّنیا ، فیعلم بذلک صدق الرّسل کلّهم فیما أخبروا به فی حیاتهم الدّنیا ، فکان غرض خالد علیه السّلام إیمان العالم کلّه بما جاءت به الرّسل لیکون رحمة للجمیع ؛ فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلّى اللّه علیه وسلّم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمین . ولم یکن خالد برسول ، فأراد أن یحصل من هذه الرّحمة فی الرّسالة المحمّدیّة على حظّ وافر . ولم یؤمر بالتّبلیغ ، فأراد أن یحظى بذلک فی البرزخ لیکون أقوى فی العلم فی حقّ الخلق فأضاعه قومه ،)


قال رضی الله عنه :  ( وأما حکمة خالد بن سنان ) ، أی : العلم الیقینی المختص به ، وهو العلم المستغنی بإفادة الیقین عن غیره المفتقر إلیه علوم سائر الأنبیاء - علیهم السّلام - فیما أخبروا ، وهو التخلق أو التحقق بالصمدیة ،

قال رضی الله عنه :  ( فإنه أظهر بدعواه للنبوة النبوة البرزخیة ) أی : الإخبار عما یجب الإیمان به من أحوال البرزخ والقیامة بعد مصیره إلى البرزخ ، وهو عالم القبر المتوسط بین الدنیا والقیامة ، ( فإنه ما ادعى الإخبار بما هنالک ) ، أی : بما فی البرزخ والقیامة

( إلا بعد الموت ) قبل القیامة إذا خرج من قبره بعد أربعین یوما ، ( فأمر أن ینبش عنه ویسأل ) من أحوال البرزخ والقیامة ، ( فیخبر أن الحکم ) ، أی : حکم أرواح الإنسان فی التلذذ والتألم.


قال رضی الله عنه :  ( فی البرزخ ) احتراز عن القیامة ، فإنها من عالم المحسوسات والمعقولات ( على صورة الحیاة الدنیا ) ، أی : من عالم المثال ، فیراه من تمثل فی خیاله دون من لم یتمثل ؛ فلذلک لا یرى الحی إذا نبش عن المیت ما هو فیه .


قال رضی الله عنه :  ( فیعلم ) أی : یعلم کل واحد ممن یقدر على الاستدلال بالمعجزة لاطلاعه على الفرق بینهما وبین السحر ، وممن لا یقدر ( صدق الرسل کلهم فیما أخبروا به ) من أحوال البرزخ والقیامة ؛ فإنهم وإن أخبروا عن ذلک بالمشاهدة أو الوحی تقرر فی قلوب العامة ، شهد أنهم أخبروا بذلک لا عن مشاهدة ؛ لأنهم کانوا ( فی الحیاة الدنیا ) ، فهم ومن أخبروهم سواء فی عدم المشاهدة فی زعمهم ،

قال رضی الله عنه :  ( فکان غرض خالد علیه السّلام ) بالإخبار عما هناک بعد الموت ( إیمان العالم کله بما جاءت به الرسل ) ؛ لأن حیاته بعد الموت أقوى معجزة عند العامة ، وإخباراته تکون عن مشاهدة یعترف بها الکل ، فلا یبقی فی معجزته شبهة الالتباس بالسحر ، ولا فی إخباراته شبهة عدم المشاهدة لأحد ، فتطمئن قلوبهم إلى أخباره وإلى ما وافق أخباره


أخبار الأنبیاء - علیهم السّلام ، فیقع التصدیق للکل به وبهم علیه السّلام ، وإنما کان غرضه ذلک ؛ ( لیکون رحمة للجمیع ) ، وإن لم یبعث إلى الجمیع ، لکن عد نفسه من أتباع محمد علیه السّلام وإن تقدمه زمانا ، ( فإنه لشرف قرب نبوته من نبوة محمد صلّى اللّه علیه وسلّم ) ، فکأنه مقارن له فی الزمان ، فیجوز أن یکون له حکم المتابع له .


قال رضی الله عنه :  ( وعلم أن اللّه أرسله رحمة للعالمین ) ، فیجوز أن یکون لمتابعة نصیب من هذه الرحمة سیما من کان نبیّا ، ( ولم یکن خالد برسول ) حتى تمنع رسالته من متابعته ، إذ یکون الرسول صاحب شرع مستقل بخلاف من یمحض نبیّا ، ( فأراد أن یحصل من هذه الرحمة فی الرسالة المحمدیة على حظ وافر ) ؛ لأن حظ النبی فی متابعة الرسول أوفر من حظ سائر المتابعین ،


وقد صار فی حکم المقارن له حیث ( لم یؤمر بالتبلیغ ) قبل الموت ، فکأنه لم یکن نبیّا أیضا ، فهو أولى بالتبعیة ؛ ولذلک لم یعتبره نبیا علیه السّلام ، فقال : « أنا أولى الناس بعیسى ابن مریم ، فإنه لیس بینی وبینه نبی » . رواه البخاری ومسلم


قال رضی الله عنه :  ( فأراد أن یحظى بذلک ) الحظ الوافر من الرحمة الجامعة فی الرسالة المحمدیة ( فی البرزخ ) الذی یکون بعض أجزاء مدته مفاوتة لزمان بعثة نبینا علیه السّلام ، وإنما المراد ذلک ؛ ( لیکون أقوى فی ) إفادة ( العلم ) فی ( حق ) عامة ( الخلق ) حتى أن یکون أقوى فی حقهم من معجزات نبینا صلّى اللّه علیه وسلّم ، فإن فی بعضها أمور دقیقة لا یطلع علیها إلا الحاذقون بالحقائق لأرباب الفطانة البتراء کالقرار ؛


ولذلک قال فیه بعض أرباب هذه الفطانة البتراء : لو نشاء لقلنا مثل هذا ، ( فأضاعه ) عطف على قوله : فأراد ، الأخیر ( قومه ) بأن لم ینبشوا عنه کما قال علیه السّلام لابنته ، وکان حقه أن یقول علیه السّلام لها : ضاعوا ، إذ الأنبیاء لا یضیعون بل تحصل لهم الدرجات العالیة ، وإنما یصیر القوم ضائعین بتضییعهم وصایاهم ، ولکن لم یصف النبی صلّى اللّه علیه وسلّم قومه بأنهم ضاعوا ؛ لأنهم کانوا أصحاب إیمان به وبالرسل وإخباراتهم ،


شرح فصوص الحکم الشیخ صائن الدین علی ابن محمد الترکة 835 هـ :

قال الشیخ رضی الله عنه :  ( وأمّا حکمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخیّة .

فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالک إلّا بعد الموت ، فأمر أن ینبش علیه ویسأل فیخبر أنّ الحکم فی البرزخ على صورة الحیاة الدّنیا ، فیعلم بذلک صدق الرّسل کلّهم فیما أخبروا به فی حیاتهم الدّنیا .

فکان غرض خالد علیه السّلام إیمان العالم کلّه بما جاءت به الرّسل لیکون رحمة للجمیع .

فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه علیه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمین . ولم یکن خالد برسول ، فأراد أن یحصل من هذه الرّحمة فی الرّسالة المحمّدیّة على حظّ وافر . ولم یؤمر بالتّبلیغ ، فأراد أن یحظى بذلک فی البرزخ لیکون أقوى فی العلم فی حقّ الخلق فأضاعه قومه .)


26 - فصّ حکمة صمدیّة فی کلمة خالدیّة

تسمیة الفصّ

ووجه اختصاص هذه الکلمة بحکمتها هو أنّ الصمد : السید المصمود إلیه فی الحوائج - من صمد : إذا قصد - فلا بدّ أن یکون جامعا لخصوصیّات الکلّ ، حتى یتمکَّن من تفصّی مقتضیات الجمع ففیه معنى أحدیّة جمع الخصوصیّات والحکمة الخالدیّة لو ظهرت وتمّت کان أمرها أن ینبئ عن تصدیق نبوّة جمیع الأنبیاء وتحقیق خصوصیّاتهم ، فالحکمة هاهنا مشتملة على أحدیّة جمیع الحکم کلَّها ، کما أنّ الکلمة کذلک .


وأیضا بیّنات « الصمد » بنفسها هو « الدائم » بموادّها ، وهو « الخالد » مفهوما ومعنى .


النبوّة البرزخیّة

ثمّ إنّ الصورة التی هی أصل قواعد النبوّة وأساس بنائها لها مجلیان فی العوالم :

 أحدهما فی عالم الشهادة ، والصورة فیه هیولانیّة جسمانیّة ، تامّة فی مصدریّة أحکامها وآثارها ، کاملة بالکمال الجمعیّ والإحاطة الذاتیّة ، ولکن لا دوام لها

والأخرى عالم المثال ، والصورة فیه شبحانیّة جسدانیّة ، غیر تامّة فی مصدریّة الخواصّ والآثار ، ولکن لها الجمعیّة البرزخیّة ، بحسب احتیاز الأوصاف وجمع الأطراف فإنّ من شأن البرزخ أن یحیط بطرفیه ویحوی أوصافهما ویظهر بهما .


والمثال هو البرزخ بین عالم الأرواح والأجسام ، ولها الخلود والدوام بالنسبة إلى الشهادیّة .

ثمّ إذا تقرّر لک هذا فاعلم إنّه کما أنّ النبوّة الشهادیّة فی الصورة التمامیّة قد اقتضت ظهور الأنبیاء علیهم السّلام بالإنباء عمّا علیه أمرها والإظهار بجملة أحکامها وآثارها ،

کذلک النبوة البرزخیّة اقتضت أن یکون لها کلمة مستقلَّة بین الأنبیاء ینبئ عما علیه تلک الصورة فی حدّها ، تتمیما لأحکام النبوّة المطلقة واستیفاء لمقتضى الصورة التی أصلها بطرفیها ، واستقصاء لأمر الإظهار الذی هو غایتها بعالمیها .

وحکمتها هو المشار إلیها بقوله :


خالد بن سنان أراد أن یخبر عن البرزخ

"" أضاف المحقق :

اسمه خالد بن سنان بن غیث بن عبس علی ما ذکره المسعودی فی مروج الذهب و أیضا أسد الغابة فی معرفة الصحابة لابن الأثیر و الإصابة فی تمییز الصحابة لابن حجر العسقلانی""


قال رضی الله عنه :  ( وأما حکمة خالد بن سنان ، فإنّه أظهر بدعواه النبوّة البرزخیّة ) والظهور بها فی عالم البرزخ ، ( فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالک إلَّا بعد الموت ) وتحقّقه بالصورة البرزخیّة ، خالصة عمّا یخالفها من الأحکام المزاجیّة التی هناک ، حتى یتمکَّن عن الإنباء بما علیه أمر ذلک العالم بخصوصه ، متحقّقا به .


قال رضی الله عنه :  ( فأمر أن ینبش علیه ، ویسأل ، فیخبر ) بعد تحقّقه بها ( أنّ الحکم ) بجمله وتفاصیله  ( فی البرزخ على صورة الحیاة الدنیا ، فیعلم بذلک صدق الرسل کلَّهم فیما أخبروا به فی حیاتهم الدنیا ) فإنّ الصور البرزخیّة غیر متحیّزة بالمکان ، ولا مقترنة بالزمان ، فلا اختصاص لأحکامها والإنباء عنها بامّة زمانه ، بل تشمل العالمین ، وإذ لم یکن تلک الرقیقة بینه وبین امّة زمانه خاصّة فی البرزخ ، لم یتمّ له ذلک الأمر وما سمعوا کلامه .


قال رضی الله عنه :  ( وکان غرض خالد إیمان العالم کلَّه بما جاءت به الرسل ، لیکون رحمة للجمیع ) من العالمین ، ولکن فی البرزخ ، فإنّ ذلک العالم لتقدّمه على الشهادة لا یظهر أمر من الأمور بالصور الشهادیّة قطَّ ، إلَّا بعد ظهوره بالصور المثالیّة فی البرزخ فإذا ظهر بالصور المثالیّة یکون آیة ، لقرب ظهوره بالصور الشهادیّة .


ومن هذا الأصل تتفرّع معرفة الرؤیا واستعلام الأحوال المستقبلة عن تعبیرها ، وإلى ذلک أشار بقوله رضی الله عنه  : ( فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمد صلَّى الله علیه وسلَّم وعلم ) بمیامن ذلک القرب أیضا ( أنّ الله أرسله رحمة للعالمین ، ولم یکن خالد برسول ) حتى یصحّ له النسبة الکاملة بامّة زمانه ، ویترتّب علیها البلاغ وسماعهم منه سماع قبول وتربیة ، ( فأراد أن یحصّل من هذه الرحمة ) الشاملة


قال رضی الله عنه :  ( التی فی الرسالة المحمدیّة على حظَّ وافر ، ولم یؤمر بالتبلیغ ) حتى یتحقّق بذلک الحظَّ فی عالم الشهادة .

( فأراد أن یحظى بذلک فی البرزخ ، لیکون ) ذلک من خوارق العادات والمعجزات المختصّة به ، وحینئذ یکون ( أقوى فی العلم فی حقّ الخلق ) ، لأنّه إعلام أمر مع الإعجاز المؤیّد له ، وهو الدلیل الواضح عند العامّة.


خصائص الأمور البرزخیّة وسبب عدم توفیق خالد بن سنان

قال رضی الله عنه :  ( فأضاعه قومه ) لعدم وثاقة النسبة وتصحیحها المترتّب علیه أحکامها ، ولأنّ الصورة البرزخیّة - من حیث هی کذلک - إنّما تقتضی ظهورا ما فی مرتبتها على ما اقتضته ، غیر کامل النظام ولا متّسق الترتیب فإنّ مبنى أمر النظام والترتیب الزمان والمکان ، وقد عرفت أنّ هذه الصورة فی هذه المرتبة غیر متحیّزة ولا مقترنة مکانا وزمانا ، وبیّن أنّ نسبة السیّد والنبیّ إلى قومه إنّما استوثقت من الصور الترتیبیّة والهیئة التألیفیّة الشهادیّة ، التی لا بدّ له من نظام حتى یتمّ .


فالنسبة بین خالد وامّته وثیقة حیث کان فی الصور الشهادیّة ، وإذا انتقل إلى البرزخ ما بقی النسبة على ما کانت علیه فلذلک قال النبی : « قومه » ، لا : " امّته" .


وإذا لم یکن خالد برسول مأمور بالتبلیغ ، بل ذلک إنما هو غرضه المختصّ به أن یحتظی من الرحمة العامّة الختمیّة من دون وحی إلهیّ ، ولذلک قال : " أضاعه قومه " .

( ولم یصف النبیّ صلَّى الله علیه وسلَّم قومه بأنهم ضاعوا ) ، ولو کان رسولا مأمورا بالتبلیغ

کانوا هم الضائعین أولا ،


شرح الجامی لفصوص الحکم الشیخ نور الدین عبد الرحمن أحمد الجامی 898 هـ :

قال الشیخ رضی الله عنه :  ( وأمّا حکمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخیّة .

فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالک إلّا بعد الموت ، فأمر أن ینبش علیه ویسأل فیخبر أنّ الحکم فی البرزخ على صورة الحیاة الدّنیا ، فیعلم بذلک صدق الرّسل کلّهم فیما أخبروا به فی حیاتهم الدّنیا .

فکان غرض خالد علیه السّلام إیمان العالم کلّه بما جاءت به الرّسل لیکون رحمة للجمیع .

فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه علیه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة للعالمین . ولم یکن خالد برسول ، فأراد أن یحصل من هذه الرّحمة فی الرّسالة المحمّدیّة على حظّ وافر . ولم یؤمر بالتّبلیغ ، فأراد أن یحظى بذلک فی البرزخ لیکون أقوى فی العلم فی حقّ الخلق فأضاعه قومه .)


الفصّ الخالدی

26 - فص حکمة صمدیة فی کلمة خالدیة

قال رضی الله عنه :  (وأمّا حکمة خالد بن سنان فإنّه أظهر بدعواه النّبوّة البرزخیّة) .

..........................


فص حکمة صمدیة فی کلمة خالدیة

الصمد : الملجأ والمحتاج إلیه ، ولما کان خالد فی قومه ملجأ لهم یصمدون إلیه فی المهمات ویقصدونه فی الملمات جعلت حکمته صمدیة ونسبت إلیه کلمته .


وقصته أنه کان فی زمان الفترة وبین نبینا صلى اللّه علیه وسلم وبین عیسى علیه السلام قریبا من مبعث النبی صلى اللّه علیه وسلم کان مع قومه یسکنون بلاد عدن ، فخرجت نار عظیمة من مغارة فأهلکت الزرع والضرع ، فالتجأ إلیه قومه فأخذ خالد یضرب تلک النار بعصاه حتى رجعت هاربة منه إلى المغارة التی خرجت منها ،

ثم قال لأولاده : إنی أدخل المغارة خلف النار حتى أطفؤها ، وأمرهم أن یدعوه بعد ثلاثة أیام تامة فإنهم إن نادوه قبل ثلاثة أیام فهو یخرج ویموت ، وإن صبروا ثلاثة أیام یخرج سالما ، فلما دخل صبروا یومین فاستفزهم الشیطان فلم یصبروا تمام ثلاثة أیام ، فظنوا أنه هلک فصاحوا فخرج علیه السلام من المغارة وعلى رأسه ألم حصل من صیاحهم

فقال : ضیعتمونی وأضعتم قولی ووصیتی ، وأخبرهم موته وأمرهم أن یقبروه ویرقبوه أربعین یوما ، فإنه یأتیهم قطیع من الغنم یقدمها حمارا أبتر مقطوع الذنب فإذا حاذى قبره ووقف فلینبشوا علیه قبره ، فإنه یقوم ویخبرهم بأحوال البرزخ والقبر عن یقین ورؤیة ،

فانتظروا أربعین یوما ، فجاء القطیع ویقدمه حمار أبتر ، فوقف حذاء القبر فهم مؤمنو قومه أن ینبشوا علیه فأبى أولاده خوفا من العار لئلا یقال لهم : أولاد المنبوش ، فحملتهم الجاهلیة على ذلک فضیعوا وصیته وأضاعوه فلما بعث رسول اللّه صلى اللّه علیه وسلم جاءته بنت خالد فألقى لها رداءه وأجلسها علیه . وقال مرحبا بابنة نبی أضاعه قومه .

"" أضاف المحقق :

رواه الحاکم فی المستدرک على الصحیحین ، ذکر نبی اللّه وروحه عیسى . . . ، حدیث رقم ( 4173 ) [ ج 2 ص 654 ] ولفظه : « عن ابن عباس رضی اللّه عنهما أن رجلا من بنی عبس یقال له خالد بن سنان قال لقومه : إنی أطفىء عنکم نار الحدثان قال فقال له عمارة بن زیاد رجل من قومه واللّه ما قلت لنا یا خالد قط إلّا حقا فما شأنک وشأن نار الحدثان تزعم أنک تطفئها قال فانطلق وانطلق معه عمارة بن زیاد فی ثلاثین من قومه حتى أتوها وهی تخرج من شق جبل من حرة یقال لها حرة أشجع فخط لهم خالد خطة فأجلسهم فیها فقال إن أبطأت علیکم فلا تدعونی باسمی فخرجت کأنها خیل شقر یتبع بعضها بعضا قال فاستقبلها خالد فضربها بعصاه

وهو یقول بدا بدا بدا کل هدى زعم بن راعیة المعزى أنی لا أخرج منها وثنای بیدی حتى دخل معها الشق قال فأبطأ علیهم قال فقال عمارة بن زیاد واللّه لو کان صاحبکم حیا لقد خرج إلیکم بعد قالوا ادعوه باسمه قال فقالوا إنه قد نهانا أن ندعوه باسمه

فدعوه باسمه قال فخرج إلیهم وقد أخذ برأسه

فقال ألم أنهکم أن تدعونی باسمی قد واللّه قتلتمونی فادفنونی فإذا مرت بکم الحمر فیها حمار أبتر فانتبشونی فإنکم ستجدونی حیا

قال فدفنوه فمرت بهم الحمر فیها حمار أبتر فقلنا انبشوه فإنه أمرنا أن ننبشه قال عمارة بن زیاد لا تحدث مضر إنا ننبش موتانا واللّه لا ننبشه أبدا

قال وقد کان أخبرهم أن فی عکن امرأته لوحین فإذا أشکل علیکم أمر فانظروا فیهما فإنکم سترون ما تسألون عنه

وقال لا یمسهما حائض قال فلما رجعوا إلى امرأته سألوها عنهما فأخرجتهما وهی حائض

قال فذهب بما کان فیهما من علم

قال فقال أبو یونس قال سماک بن حرب سأل عنه النبی صلى اللّه علیه وسلم

فقال ذاک نبی أضاعه قومه

وقال أبو یونس قال سماک بن حرب أنّ ابن خالد بن سنان أتى النبی صلى اللّه علیه وسلم فقال مرحبا بابن أخی قال الحاکم هذا حدیث صحیح على شرط البخاری ولم یخرجاه

فإن أبا یونس هو الذی روى عن عکرمة هو حاتم بن أبی صغیرة وقد احتجا جمیعا به واحتج البخاری بجمیع ما یصح عن عکرمة

فأما موت خالد بن سنان هکذا فمختلف فیه فإنی سمعت أبا الأصبغ عبد الملک بن نصر وأبا عثمان سعید بن نصر وأبا عبد اللّه بن صالح المعافری الأندلسیین وجماعتهم عندی ثقات یذکرون أن بینهم وبین القیروان بحر وفی وسطها جبل عظیم لا یصعده أحد وإن طریقها فی البحر على الجبل وأنهم رأوا فی أعلى الجبل فی غار هناک رجلا علیه صوف أبیض محتبیا فی صوف أبیض ورأسه على یدیه کأنه نائم لم یتغیر منه شیء وإن جماعة أهل الناحیة یشهدون أنه خالد بن سنان واللّه تعالى أعلم » .أهـ ""


( أما حکمة خالد بن سنان فإنه أظهر بدعواه النبوة البرزخیة) .



قال رضی الله عنه :  ( فإنّه ما ادّعى الإخبار بما هنالک إلّا بعد الموت ، فأمر أن ینبش علیه ویسأل فیخبر أنّ الحکم فی البرزخ على صورة الحیاة الدّنیا ، فیعلم بذلک صدق الرّسل کلّهم فیما أخبروا به فی حیاتهم الدّنیا . فکان غرض خالد علیه السّلام إیمان العالم کلّه بما جاءت به الرّسل لیکون رحمة للجمیع . فإنّه تشرّف بقرب نبوّته من نبوّة محمّد صلى اللّه علیه وسلم ، وعلم أنّ اللّه أرسله رحمة )

................................................................

فإنه ما ادعى الإخبار بما هنالک ) ، أی فی البرزخ ( إلا بعد الموت فأمر أن ینبش عنه فیسأل فیخبر أن الحکم فی البرزخ على صورة الحیاة الدنیا ) ، فی الألم واللذة والسعادة والشقاوة ( فیعلم بذلک صدق الرسل کلهم فیما أخبروا به فی حیاتهم الدنیا ) ، من أحوال البرزخ والآخرة ( فکان غرض خالد إیمان العالم کله بما جاءت به الرسل لیکون رحمة للجمیع ) ، أی جمیع العالم ( فإنه تشرف بقرب نبوته من نبوة محمد صلى اللّه علیه وسلم



قال رضی الله عنه :  ( للعالمین . ولم یکن خالد برسول ، فأراد أن یحصل من هذه الرّحمة فی الرّسالة المحمّدیّة على حظّ وافر . ولم یؤمر بالتّبلیغ ، فأراد أن یحظى بذلک فی البرزخ لیکون أقوى فی العلم فی حقّ الخلق فأضاعه قومه . )


(وعلم ) خالد ( أن اللّه أرسله ) ، أی محمدا صلى اللّه علیه وسلم ( رحمة للعالمین ولم یکن خالد برسول فأراد أن یحصل من هذه الرحمة فی الرسالة المحمدیة على حظ وافر . ولم یؤمر بالتبلیغ قبل الموت ، فأراد أن یحظى بذلک فی أحوال البرزخ لیکون أقوى فی العلم الذوقی ) ، الحاصل له ( فی حق الخلق ) وأحوالهم البرزخیة ( فأضاعه قومه ) ، کما علمت ( ولم یصف النبی صلى اللّه علیه وسلم قومه بأنهم ضاعوا ) ، لأنه لم یکن رسولا مأمورا بالتبلیغ حتى تلزم من تضییع ما أمرهم به ضیاعهم لو کان کذلک لکانوا هم الضائعین أولا .