الفقرة الخامسة :
کتاب تعلیقات د أبو العلا عفیفی على فصوص الحکم الشیخ الأکبر ابن العربی 1385 هـ :
26 - فص حکمة صمدیة فی کلمة خالدیة
الفص السادس والعشرون حکمة صمدیة فی کلمة خالدیة
(1) حکمة صمدیة فی کلمة خالدیة "خالد بن سنان".
(1) هو خالد بن سنان بن غیث العبسی من أهل زمن الفترة بین عیسى و محمد علیهما السلام، أو ممن عاش قبل زمن عیسى على بعض الأقوال.
والمعروف عنه أنه کان یقول بالتوحید قبل البعثة المحمدیة، ناهجاً منهج الملة الحنفیة.
وقد عده کثیر من المسلمین، ومنهم ابن العربی، من الأنبیاء، استناداً فیما یظهر على ما یروى من أن ابنته أو إحدى بنات ذریته جاءت إلى الرسول فقال لها: «مرحباً یا بنت نبی أضاعه قومه». و یقال إنها لما أتت إلى النبی سمعته یقرأ: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» فقالت قد کان أبی یقرأ هذا.
ویظهر أن سبب شهرة خالد بین العرب ما حکموا من أن ناراً عظیمة ظهرت فی بلاد عَبْس فی الجاهلیة تعرف بنار الحَرَّتین وهی التی قال فیها الشاعر:
ونار الحرتین لها زفیر ..... یصم لهوله الرجل السمیع
و کانت تظهر ساطعة باللیل، فإذا کان النهار ارتفع منها دخان عظیم، و ربما بدر منها عنق فأحرق من مر بها.
ففزع العبسیون إلى خالد بن سنان، و کانوا یقصدونه فی الممات فأخمدها. قالوا إنه أخذ من کل بطن من بنی عیسى رجلًا،
وخرج بهم نحو النار ومعه درة حتى انتهى إلى طرفها، و قد خرج منها عنق کأنه عنق بعیر، فجعل یضرب العنق بدرته ویقول بدا بدا حتى رجع، وجعل یتبعه والقوم یتبعونه کأنه ثعبان ینحک فی حجارة الحوة، حتى انتهى إلى غار فانساب فیه فدخل خالد خلفه
فقال ابن عم له یقال له عروة بن شبة: «لا أرى خالداً یخرج إلیکم».
و لکن خرج سالماً و یداه على رأسه من الألم الذی أصابه من صیاح القوم به.
فقال لهم «ضیعتمونی وأضعتم قولی وعهدی» لأنه کان عاهدهم ألا یصیحوا به وهو فی المغارة.
ثم أخبرهم بموته وأمرهم أن یقبروه ویرقبوه أربعین یوماً: فإذا أتى قطیع من الغنم یقدمه حمار أبتر وحاذى قبره ووقف، نبشوا علیه قبره، فإنه یقوم ویخبرهم بجلیة الأمر بعد الموت عن شهود ورؤیة، فیحصل للخلق کلهم عین الیقین بما أخبرت به الرسل.
فلما مات وحدث ما أخبرهم به من قدوم قطیع الغنم، هَمَّ مؤمنو قومه وأولاده أن ینبشوا علیه، فأبى أکابرهم وقالوا یکون ذلک عاراً علینا عند العرب، فیقال فینا أولاد المنبوش، فحملتهم الحمیة الجاهلیة على ذلک، فضیعوا وصیته وأضاعوه.
"" راجع شرح القاشانی على الفصوص ص 426. قارن بلوغ الأرب للألوسی ج 1 ص 176 و ج 2 ص 164 و ما بعدها.""
هذا ما نعرفه من قصة خالد بن سنان نبی العرب قبل الإسلام، و قد ذکره ابن العربی فی هذا الفص ممثلًا للنبوة البرزخیة، وهی الإخبار بأحوال الآخرة فی البرزخ.
وقد کان هذا قصد خالد عند ما سأل أهله أن ینبشوا علیه قبره لیخرج إلیهم، فیخبرهم أن أمر الآخرة إنما هو على نحو ما وصف الأنبیاء لأقوامهم، و بذلک یصدق دعوى الأنبیاء جمیعاً.
ولکنه ضیعه قومه لأنهم لم ینبشوا قبره کما طلب ولم یبلغوه مراده.
ولیس فی الفص غیر هذا یستحق التعلیق.