الفقرة الرابعة :
جواهر النصوص فی حل کلمات الفصوص شرح الشیخ عبد الغنی النابلسی 1134 هـ :
قوله رضی الله عنه : (ومن شأن الحکم الإلهی أنه ما سوى محلا إلا ویقبل روحا إلهیا عبر عنه بالنفخ فیه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلک الصورة المسواة لقبول الفیض التجلی الدائم الذی لم یزل ولا یزال.
وما بقی إلا قابل، والقابل لا یکون إلا من فیضه الأقدس.)
(ومن شأن)، أی عادة (الحکم الإلهی) الجاری فی الخلق (أنه) أی الحکم الإلهی (ما سوی محلا) أی جسدة (إلا ولا بد أن یقبل روحا)، أی إمداد (إلهیة)، له على طریق التدبیر المستقل (عبر) فی الشرع (عنه بالنفخ فیه).
قال تعالى: " ونفخت فیه من روحی" 29 سورة الحجر.
فالروح عامة فی الحیوان والنفخ خاص فی الإنسان (وما هو)، أی النفخ فیه
(إلا حصول الاستعداد) التام وهو التهیؤ (من تلک الصورة المسواة)، قبل ذلک. (لقبول فیض التجلی)، أی الظهور من الحق تعالى (الدائم) الأبدی فی الدنیا والآخرة .
فهو تعالى المتجلی والمتجلى له من حیث إنه معطی الفیض وواضع الاستعداد، والفیض والاستعداد ظهوران له تعالى لا ینقضیان وتجلیان لحضرته العلیة أبدیان.
(الذی) نعت للفیض (لم یزل) من الأزل حیث لم یکن شیء من العوالم غیر القوابل المتجلی هو لها من اسمه الباطن
(ولا یزال) فی الأبد أیضا کل شیء ظاهر بما استعد له من اسمه الباطن. والتجلی هو السائق للعالم من الأزل إلى الأبد، وهو وصف فعلی من حیث القوابل، انفعالی من حیث الفیض الدائم.
(وما بقی) مما یسمى روح إلهیة (إلا قابل)، أی مستعد للفیض الدائم من التجلی والقابل هو ذلک الجسد المسوی.
فالروح الإلهی هو ذلک الجسد المسوی من حیث إنه قابل لا مطلقا .
والحاصل أن الفرق بین الجسد المسوی والروح الإلهی بوضع القبول لذلک الفیض والاستعداد له. وهو أمر واحد ظهر فی عالم الخلق بصورة جسد مسوی.
فإن انجلت الصورة وقویت من حیث تصویرها واستعدت لقبول الکمال الفیاض من حضرة الجود الإلهی.
فذلک هو الروح الإلهی المنفوخ فی ذلک الجسد المسوی وإن انجلت بعض الإنجلاء بحیث استعدت لإدراک المحسوسات فقط بقوة عرضیة ساریة فی أجزاء الهیکل الجسمانی. فهی الروح الحیوانیة التی إذا فارقته مات.
ومن التنبیه على ذلک نزول جبریل علیه السلام فی صورة دحیة الکلبی وفی صورة أعرابی ومجیئه المریم علیها السلام فی صورة بشر سوی.
فإن ذلک الجسد البشری هو بعینه حقیقة جبریل علیه السلام وجبریل ما تغیر عن حقیقته.
غیر أن الله تعالى أعطى حقیقته الملکیة لخصوصیة فیها أنه متى فعل کذا من فعل مخصوص ظهر فی صورة کذا، أو فعل کذا أو هکذا الأرواح الجنیة فی تشکلها.
(والقابل) المذکور (لا یکون) قابلا بوضع القابلیة فیه من الأزل (إلا من فیضه) سبحانه وتعالى (الأقدس) المتنزه عن شائبة الحدوث والنقصان.
والحاصل أن الحق تعالى له تجلیان أزلیان :
تجلی ذاتی أعطى الاستعدادات لجمیع الکائنات، وتجلی صفاتی أعطى تلک الکائنات ما استعدت له .
وإن شئت قلت : تجلی واحد رسم الکائنات ثم نقشها وأثبتها ثم قواها فی ذلک الإثبات فالاستعداد أو الرسم أو الإثبات هو الروح الأمری الإلهی وإعطاء کل مستعد استعداده ونقش الرسم وتقویة الإثبات هو الجسد المسوی.
فإن قلت : یلزم من هذا أن یکون الروح الأمری الإلهی سابقا على الجسد المسوی، وقوله تعالى: "فإذا سویته ونفخت فیه من روحی" 29 سورة الحجر.
یقتضی سبق الجسد المسوى على نفخ الروح.
قلت : نعم الروح الأمری الإلهی سابق بدلیل قوله علیه السلام: «إن الله خلق الأرواح قبل الأجسام بألفی عام».
وکذلک النفخ متوجه على ذلک الجسد، أی مقبل على تسویته قبل ظهور التسویة ، ولکن ظهور ذلک النفخ فیه بعد تمام تسویته.
فالروح الأمری هو الأول المتقدم على الجسد وهو الآخر عنه.
والجسد هو الأول فی التوجه والإقبال على تسویته، وهو الآخر فی ظهوره.
کما أن الروح هو الظاهر من حیث الأعمال والباطن من حیث عدم الإحاطة.
وکذلک الجسد هو الظاهر من حیث الصورة والباطن من حیث إنه توجه روحانی من ذلک الروح الأمری، فهو عین النفخ الإلهی، والنفخ الإلهی باطن فهو باطن من هذا الوجه .
شرح فصوص الحکم مصطفى سلیمان بالی زاده الحنفی أفندی 1069 هـ :
قوله رضی الله عنه : (ومن شأن الحکم الإلهی أنه ما سوى محلا إلا ویقبل روحا إلهیا عبر عنه بالنفخ فیه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلک الصورة المسواة لقبول الفیض التجلی الدائم الذی لم یزل ولا یزال.
وما بقی إلا قابل، والقابل لا یکون إلا من فیضه الأقدس.)
(ومن شأن الحکم الإلهی). أی وقد کان من اقتضاء حکم الحق (أنه ما سوی محلا إلا ولا بد أن یقبل) ذلک المحل روحا إلهیة بسبب تسویة الله تعالى (عبر عنه) أی عن الروح الإلهی (بالنفخ فیه) .
وأما القول بإرجاع ضمیر عنه إلى القبول فلیس بمناسب إذ القبول صفة المحل القابل والنفخ بمعنى إعطائه القابلیة والاستعداد صفة لله تعالى .
لا بمعنى إخراج الهواء من جوف النافخ وإدخاله فی جوف المنفوخ فیه فإنه محال فی حقه تعالى فلا یعبر أحدهما بالآخر (وما هو) أی لیس ذلک القبول (إلا حصول الاستعداد من تلک الصورة المساواة لقبول الفیض التجلی الدائم الذی لم یزل ولا یزال) فالعالم المسوی بدون الروح الإلهی بمنزلة المرآة الغیر الصقیلة وبالروح الإلهی بمنزلة الصقیلة فکما أن المرأة بسبب جلاله تقبل صورة من یحاذیها وتعطیها لصاحبها .
کذلک العالم بسبب قبول الروح الإلهی یقبل التجلی الدائم الذی هو ظهور عینه إلیه فی ذلک المحل المکمل.
(وما بقی) شیء من المذکور لم یعلم حاله (إلا قابل) فإنه لما ذکر ولم یبین أنه أثر للحق أم الإلزام بیانه حتی پنکشف حقیقة الحال.
فقال (والقابل) فی المادة القابلة للتسویة واستعدادها للروح الإلهی وقبولها لها وغیر ذلک من لوازمها الذاتیة .
کل ذلک (لا یکون) أی لا یحصل (إلا من فیضه) أی من تجلیه (الأقدس ) من الکثرة الإسمائیة فهذه کلها غیر مجعولة إذ کل ما حصل من التجلی الأقدس غیر مجعول کالماهیات و استعداداتها الحاصلة منه .
وأما استعدادها لقبول التجلی الدائم الذی من الفیض المقدس فهو مجعول إذ لا یحمل هذا الاستعداد إلا من قبول الروح الإلهی وهر أی نفخ الروح من الفیض المقدس.
والمراد بالفیض کون الجود الإلهی سببا لحدوث أنوار الوجود فی کل ماهیة قابلة للوجود بلا انفصال من الله تعالى .
واتصال إلى الماهیة القابلة کفیضان الصورة على المرآة فإن صورة الإنسان مثلا سبب لحدوث صورة تماثلها فی المرآة المقابلة بمحاذاة الصورة فلیس فیهما انفصال واتصال.
وکذلک نور الشمس سبب لحدوث شیء یناسبه فی النوریة على الحائط لا بمعنى أنه ینفصل شعاع من جرم الشمس ویتصل بالحائط ویبسط علیه وهو خطأ.
وأما فیضان الماء من الإناء على الید فإنه انفصال جزء من الماء عن الإناء واتصاله على الید هذا ما ذکره الإمام محمد الغزالی قدس سره .
شرح فصوص الحکم عفیف الدین سلیمان ابن علی التلمسانی 690 هـ :
قال الشیخ ابن العربی الطائی الحاتمی: (ومن شأن الحکم الإلهی أنه ما سوى محلا إلا ویقبل روحا إلهیا عبر عنه بالنفخ فیه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلک الصورة المسواة لقبول الفیض التجلی الدائم الذی لم یزل ولا یزال. وما بقی إلا قابل، والقابل لا یکون إلا من فیضه الأقدس.)
قوله: "ومن شأن الحکم الإلهی أنه ما سوی محلا إلا ولا بد أن یقبل روحا إلهیا عبر عنه بالنفخ فیه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلک الصورة المسواة لقبول الفیض التجلی الدائم الذی لم یزل ولا یزال."
قلت: فإن ذلک الشبح المشار إلیه هو القلم الأعلى وأنه استعد أن یظهر فیه روح تخصه، وتلک الروح هنا هی اللوح المحفوظ والحکم الذی یتعین فی القابل نفس حصوله فی تلک الحالة هو بمدد إلهی هو المسمى بالنفخ.
وقوله: "ما هو إلا حصول الاستعداد" معناه ما الشأن والقصة إلا حصول الاستعداد لقبول التجلی المسمى نفخا وذلک هو تجل دائم لم یزل ولا یزال والضمیر الذی فی قوله: ما هو إلا، یرجع إلى النفخ.
قوله: "وما بقى إلا قابل والقابل لا یکون إلا من فیضه الأقدس".
قلت: هذا جواب عن سؤال مقدر تقدیره أن یقال: هذا الاستعداد المشار إلیه من أین هو؟
فأجاب لسان الحال: أنه من الفیض الإلهی الأقدس فإذا القابل والمقبول والقبول الجمیع منه تعالى رحمة إیجادیة.
وأقول فی بسط حال هذا الشبح المسوی"الصورة":
إن الحق تعالى من الحضرة الذاتیة المقدسة قال بلسان حال ذاتی لنور من أنوار قدسه، وأنوار قدسه نور واحد بسیط لا یوصف بالنهایة فقال له: «کن» أولا لآخر، فحصل له من قوله «کن» تعین فقط لا أکثر من ذلک فیتحقق فیه الأولیة.
ولو کان فیه أکثر من حقیقة ذلک التعین لکانت الأولیة لأحدهما دون الآخر.
أو یکون کل واحد منهما أولا فیکون القول منه تعالی برز لاثنین لا لواحد، فإذن ما حصل لذلک النور إلا تعینه فقط لکن حقیقته الأولیة تستدعی آخرا وإلا لم یتحقق الأولیة ولا بد منها لیظهر حکم «کن» فحصل لذلک النور بالتعین المذکور أن یتمیز عن بقیة الأنوار.
وأن یکون فیه قابلیة للظهور بصورة ثانی یکون لأولیته ذلک الثانی آخرا کما قلنا، فتعین ذلک النور تعینا آخر فکان کون آخر غیره فسمی النور فی مرتبة التعین الأول قلما أعلى . وسمی هو بعینه فی مرتبة التعین الثانی لوحا محفوظا.
لکن التعین الأول الذی هو القلم الأعلى شهد فی قول الحق تعالی له: «کن» أولا لآخر، یعنی تهیئة لظهور اللوح المحفوظ منک. فقالت ذاته بلسان الحال: سمعا وطاعة.
فإن القول فی تلک المراتب لیس إلا بلسان الحال فقول الحق تعالی له: تهیئا هو المعنى الذی عبر عنه. بأنه قال له: أقبل فأقبل وأدبر فأدبر.
فقال له تعالى: "وعزتی وجلالی ما خلقت خلقا هو أکرم علی منک، فبک آخذ وبک أعطی".
هکذا نقل الناقلون، فذلک التهیؤ منه هو قبول صور العالم وسری معنى ذلک التهیؤ المذکور فی اللوح المحفوظ، فکان تھیوه تسویة أخرى، فقبل اللوح بهذه التسویة المختصة به روحا هی مادة الجسم قبل ظهور صورته، فسمیت کتابة معنویة من ذلک القلم الأعلى فی اللوح المحفوظ ثم ظهرت حروف تلک الکتاب جسمان فکانت هی الکرات وهی أکوان حصلت کلها من معنویة قوله: "کن" وبمعنویة "کن" حصل المدد من القلم الأعلى فیضا مستمرا، کان اللوح المحفوظ یقبله فی ذاته، ثم یسترسل من ذاته فی ذات المادة المذکورة.
فلما حصل لتلک المادة الجمود الذی به صارت أجراما جسمیة اقتضى الیبوسة الحاصله لها من جهة الحقیقة الجسمیة أن لا تقبل ذلک المدد فی ذواتها کله بل مقدار ما یدوم لها وجودها به فقط.
فبقی باقی المدد یطلب النفوذ فی حقیقة الجسم، فمنعه الجسم ذلک لجموده فقهره المدد بقوته فأدار الأفلاک ومخضها مخضا، فاندفع منها کل جزء إلى مشابهة فأخذت کل کرة ما ناسبها وبقی الثقل السخیف.
فاندفع إلى الوسط لما استدارت علیه الأفلاک، فکانت منه الأرض لکن الأرض لما اندفعت إلى حقیقة الوسط استصحب بعض اللطائف وهی کثیفة فاقتضى الحال أن ینفصل منها ما لا یلائمها.
فأول ما انفصل منها ما هو أقرب إلى شبهها فی الکثافة وکانت البحار فتمیزت البحار عنها، إلا أن الماء وجد فی ذاته ما هو ألطف منه، فلم یمکن أن یبقى معه فتصعد بخارا وهو الهواء، إلا أنه فیه بعد بعض کثافة الماء، فتمیز ذلک البخار فما کان کثیفا یشبه الماء، دفعته الریاح التی هی فی الحقیقة هواء، إلا أنها متدافعة فجمعت ذلک الکثیف الذی یشبه الماء، فانضم بعضه إلى بعض، فازداد کثافة ألحقته بالماء فی الکثافة.
فنزل أمطارا فالتحق بکرة الماء، وکان قد انکشف من الأرض بعضها، فأصاب ذلک البعض من الأمطار ما رأیتهم واستمر الحال، فکل ما کثف من الهواء بواسطة ما یصعد إلیه انعکس أمطارا.
ثم إن ذلک الهواء رقی منه لطیفه إلى سطح المقعر من باطن السماء الدنیاء، واحتد لسخافته ورقته وقرب حرکة فلک القمر منه، فسمى نارا لذلک الاحتداد الذی حصل له، فحصل فی باطن سماء الدنیاء أربعة أفلاک سماها الحکماء: نارا وهواء وماء وترابا.
هذا ومدد القلم الأعلى متصل وکلما اتصل، اتصل دوران الأفلاک وکانت فی الأفلاک أجرام هی أصفى جوهرا فی الجسمیة من بقیة الأجسام الفلکیة، فکانت هی الکواکب، و لصفاء جوهرها صارت لها أشعة فوقعت الأشعة على سطح الأرض وسطح الماء.
فأثرت فی الماء فصعد البخار من البحار وأثرت فی التراب تسخینه فقط، فسرت حرارة ذلک التسخین فی باطن الأرض، فوجدت باطنها قابلا للتکوین المودع فی ذلک المدد مما أودعه الله فی القلم الأعلى فتکون فی باطن الأرض أکوان أربعة:
"الکون الأول": أکثفها الجماد المعدنی، فتحرکت المعادن بالحرکة الایجادیة فی بطن الأرض ومنعتها الکثافة أن تشق الأرض وتخرج منها إلا النادر.
والکون الثانی: النبات فإنه تکون تحت الأرض ولم یکن فیه کثافة المعدن ولا بلغ من اللطافة ما یفصله عن الأرض، فشق الأرض وخرج إلى الهواء، ولکن بقی رأسه فی الأرض، فاغتذی برأسه منها وجسمه کله فی الهواء.
والکون الثالث: هو الحیوان فإنه تکون فی بطن الأرض وتحرک فیه کما تحرک المعدن والنبات بالحرکة الإیجادیة وزاد على النبات بأنه شق الأرض کما شقها النبات وخرج منها کما خرج النبات، وحصلت له زیادة وهی الانتقال من مکان إلى مکان فوق سطح الأرض، وتخلص رأسه من الأرض لکن ما بعد رأسه عنها، بل بقی مکبوبا منحنیا، فاغتذی من وجه الأرض وشرب من الماء کما شرب النبات.
والکون الرابع: هو آدم، علیه السلام، فإنه تکون أیضا تحت الأرض وتحرک کما تحرکت الأکوان الثلاثة، وزاد علیها أنه تخلص رأسه تخلصا کاملا فانتصب وانتهى إلیه الإیجاد.
فأعطاه القلم الأعلى معناه وهو العقل، وحقیقة اللوح المحفوظ وهو النفس، لأنها هی التی تقبل الکتابة وهی العلوم، وحقیقة المادة وصورتها الجسمیة وهو جسم آدم، علیه السلام، وحقیقة الأرکان الأربعة وهی النار والهواء والماء والتراب.
وذلک هو الصفراء التی فی جسمه المشابهة للنار فی الحرارة والیبوسة، والدم الذی هو مشابه للهواء فی حرارته ورطوبته، والبلغم الذی هو مشابه للماء فی برودته ورطوبته، والسوداء التی هی مشابهة للتراب فی برودته ویبوسته.
وفیه أیضا ما یشابه المولدات منها وهی الثلاثة:
ففیه العظام کالمعادن - والنبات کالشعر - والحیوان کجسمه المحس.
ففیه صور العالم الکبیر مجملة وأما ما فیه من المعانی والأسماء فسوف نذکره إن شاء الله تعالی.
شرح فصوص الحکم الشیخ مؤید الدین الجندی 691 هـ :
قوله رضی الله عنه : (ومن شأن الحکم الإلهی أنه ما سوى محلا إلا ویقبل روحا إلهیا عبر عنه بالنفخ فیه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلک الصورة المسواة لقبول الفیض التجلی الدائم الذی لم یزل ولا یزال. وما بقی إلا قابل، والقابل لا یکون إلا من فیضه الأقدس.)
یعنی رضی الله عنه : لیست تسویة الحقّ للمحلّ لقبول الروح إلَّا حصول الاستعداد ، فـ " هو " فی قوله : « وما هو لسان الحکم الإلهی » .
وفی قوله : " عبّر عنه " یعود الضمیر إلى الروح ، لا بمعنى أنّ الروح هو النفخ ، بل بمعنى أنّ الله ذکر تعیّن الروح فی المحلّ بعد التسویة بهذه العبارة ، فقال :" وَنَفَخْتُ فِیه ِ من رُوحِی " .
ثمّ اعلم : أنّ تسویة الحق للمحلّ أن یعطیه الاستعداد والقابلیة ، أی یظهر استعداده الذاتیّ غیر المجعول ، فإنّه إن لم یکن له استعداد ذاتی لقبول هذا الاستعداد المجعول هذه الصورة المذکورة هیولى مستعدّة لقبول صورة بعدها إلى أن تنتهی فی الصورة الإنسانیة الکمالیة .. "ثُمَّ الله یُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ " 29 سورة العنکبوت.
وکلّ هذه الصور صور مراتب التسویة والإعداد لقبول تجلّ بعدها .
وکذلک صورة الحنطة هیولى مسوّاة لقبول صورة الدقیق ، وهی هیولى لصورة العجین ، وهی أیضا هیولى مسوّاة لصورة الخبز ، وهی هیولى لصورة الکیلوس أو الکیموس.
وکذلک إلى الصورة الدمویّة ، ثم اللحمیة والعظمیة وغیرها ممّا یطول ذکرها ، کذلک العالم صورة مسوّاة لقبول تجلّ کلَّی فرقانی تفصیلی أسمائی .
وبعده یستعدّ لقبول تجلّ کلَّی إنسانی قرآنی إلهی ذاتی ، وأسمائی جمعی بین الجمع والتفصیل أحدیّ ، وهذا السرّ سار فی جمیع الصور ، فتدبّرها تدقیقا وتحقیقا ، إن شاء الله .
ثمّ اعلم : أنّ التسویة والتعدیل لا یکونان إلَّا بأحدیة فیما به الاشتراک بین الأجزاء الکلَّیة ، المتمیّز بعضها عن البعض بالذات والخصوصیات .
وتوحّد الجمیع لسرایة الوجود بالوحدة فی حقائق المراتب ، وتوحید تعدیداتها وتمییزاتها بالوجود الواحد الظاهر بها والظاهرة هی به وفیه .
فإذا توحّدت الآحاد والأفراد بالوجود الواحد الموحّد بسرّ أحدیة الجمع الساریة فی حقائق القابل والمقبول ، والحامل والمحمول ، والظاهر والمظهر ، والمتجلَّی والمجلى ، اضمحلَّت أحکام ما به المباینة والامتیاز والاثنینیّة .
وتلاشت آثار النسب التعدیدیة حین استعداد القابل لقبول نفخ الروح الإلهی بالتوجّه النفسی الرحمانی ، فلمّا ظهر الحق بأسمائه فی العالم بصورة الکثرة الفرقانیة التفصیلیة ، استعدّ لنفخ روح الأحدیة الجمعیة الإنسانیة ، فما بعد التفصیل إلَّا الجمع ، فافهم .
وقول الشیخ رضی الله عنه : ( لقبول الفیض التجلَّی الدائم ) إن کان"الدائم" مجرورا ، فـ "التجلَّی" بدل عن « الفیض » .
بمعنى أنّ التجلَّی الدائم هو الفیض ، أو عطف بیان ، ویسوغ إسقاط لام التعریف من « الفیض » وإضافته إلى « التجلَّی »
فیقال :لقبول فیض التجلَّی ویجوز أیضا إبقاء اللام فی « الفیض » بحالها ونصب الیاء من
" التجلَّی " ورفع محلّ " الفیض " المجرور بإضافة « قبول » إلیه.
یعنی أنّ الفیض الأوّل المعدّ لقبول التجلَّی یکون هو القابل للتجلَّی ثانیا .
والفیض بعد تعیّنه فی قابلیة الماهیة القابلة له بحسبها یستعدّ استعدادا ثانیا وجودیا قابلا للتجلَّی ، فیکون حینئذ قابل الحقّ إنّما هو الحقّ .
والفیض الأوّل الذی وجد به القابل أوّل مرّة یقبل التجلَّی الدائم الذی لم یزل ولا یزال لکون الحق المتجلَّی دائم التجلَّی بالاقتضاء الذاتی ، فإنّه فیّاض النور أبدا الآبدین .
وقوله رضی الله عنه : (وما بقی إلَّا قابل ، والقابل من فیضه الأقدس) بعد ذکر ما ذکر وإن أوهم أهل الوهم أنّه کالتکرار ، ولکن لیس کذلک ، ولکن ما ذکر إنّما ذکر بالضمن .
وهذا عطف على قوله : « وکان الحق أوجد العالم » وما بقی إلَّا قابل .
وما ذکر فی البین هو حشو اللوزینج لزیادة البیان .
ولمّا کان الفیض دائما والقبول کذلک أیضا ، وجب لقابل الفیض أن یقبل بعد التلبّس بأحکام ماهیة العالم وحقیقته ، والانصباغ بأحکام حقائقه تجلَّیات أخر لا تتناهى دائما أبدا الآبدین فإنّ ما دخل فی الوجود ، وصار واجب الوجود بالوجود الحق الدائم ، فإنّه لا ینقلب عدما ، ولکنّ التعیّنات والظهورات والنشآت تنقلب علیه .
فإنّ قیل : قوله تعالى : " کُلُّ من عَلَیْها فانٍ "، وانقراض المشهود من الدنیا دلیل صریح على انعدام الموجودات .
قلنا : متعلَّق الانعدام والفناء إنّما هو التعیّن الشخصی لا الوجود المتعیّن فی الحقیقة المعیّنة ، فیفنى تعیّن الوجود فی مادّة تعیّن ، ویظهر فی أخرى برزخیّ وحشریّ وجنانی ، أو جهنّمی أو کینیّ ، هکذا إلى الأبد .
فالقابل والمقبول باقیان دائمان بالحق الدائم الباقی ، فافهم إن شاء الله تعالى فها هنا مزلَّة أقدام الکثیرین من الأوّلین والآخرین ، والله یثبّتنا وإیّاک بالقول الثابت الحق إنّه عصمة المعتصم به وهو حسبنا وکفى ، والحمد لله .
وأمّا کون القابل من فیضه الأقدس فهو ، یعنی : أنّ الحقائق والأعیان الثابتة فی العلم الإلهی الأزلی قوابل الفیض الوجودی العینی ، وهی شؤون ذاتیة وتجلَّیات ذاتیات اختصاصیات ، وتعیّنات علمیات ، فإنّ مبدأ تعیّنات التجلَّیات الذاتیات .
هذه التعیّنات العلمیة بأعیان العالم ، وحقائقها ومعنویاتها معان مجرّدة ونسب علمیة متمایزة بالخصوصیات ، کتمایز النصفیّة والثلثیة والربعیة والخمسیة فی علم العالم بالواحد فی مراتب العدد فتعیّن بهذا التجلَّی العلمی تمیّز کلّ عین عین من الأعیان عن غیرها بموجب الخصوصیات الذاتیة.
فتعیّن المعلومات فی العلم الأزلی أزلا إنّما هو بالفیض الذاتی الأوّل الأقدس أوّلا ، فحصلت بهذا الفیض الأقدس الأوّل على وجود علمی وثبوت أزلی .
أعنی تحقّق العلم بالمعلومات المعیّنة ، فتعیّنت الأعیان الثابتة من عین الأعیان بهذا الفیض الأوّل الأقدس ، کما أشرنا إلى ذلک فی الغرّاء التائیّة بقولنا شعر :
وإذ عیّن الأعیان فی علم ذاته ..... على صور علمیة أزلیة
تعیّن بی معنى المعانی بعینه ..... وعینی حرف الأحرف المعنویة
ثم تعلَّقت النسبة المخصّصة للإیجاد ، وهی المشیّة والإرادة الکلیّة الذاتیة ، وهی التعرّف والظهور التّام ثم تعلَّقت النسبة الاقتداریة أیضا بمتعلَّقها وهو المقدور بالتدبیر والإعداد للتمکَّن عن قبول ما یفیض علیه النسبة الجودیة الوهبیّة الذاتیة للإیجاد.
ثم تداخلت کلَّیات النسب فی أمّهاتها ، واشتکت وانتسبت الصورة الإلهیة بأسمائها .
وتمثّلت الصورة المثلیة المثالیة فرقانیة تفصیلیة فی مثال العالم ، وقرآنیة جمعیة کمالیة فی الصورة التی حذی علیها آدم ، فوجدت العوالم فی أعیانها ، وشهدت الحقائق ، وزهرت الأنوار والأزهار والشقائق ، فی الدرج والدقائق .
وثبتت الحروف فی ألواح الوجود ، وارتسمت بحسب ما تعیّنت فی صفحة أمّ الکتاب العلمی الأنفس بالفیض النفسی القدسی ، وارتقمت فکتبت الآیات البیّنات ، وسطرت الکلمات التامّات والسور الکاملات ، وملئت الصحف الزاهرات الطاهرات ، بالألسنة الإلهیة الوجودیة الظاهرات.
فالفیض الأوّلی فی أوّل الانبعاث النفسی الرحمانی ، تجلّ ذاتی نفسیّ فی حضرتی العلم والشهود الذاتیین للحق ، وکما تعلَّقت النسبة العلمیة والنسبة الشهودیة بالمعلومات والمشهودات ، علم الحق بعضها قابلا للوجود ، وشهده حریّا بالفیض والإحسان والجود .
فأعطاه التمکَّن من القبول ، والتهیّؤ والاستعداد لقبول الوجود العینی الکمالی ، حتى قبل الوجود فی عینه لنفسه ، وفی التجلَّی العلمی الأوّل کان وجوده وتحقّقه للحق فی الحق لا فی عینه ولا لعینه فالفیض الوجودی الأوّل العینی المقبول هو القابل ثانیا للتجلَّی الوجودی العینی الوارد علیه ، فافهم .
فهذا معنى قوله : " والقابل من فیضه الأقدس " فإنّ الأقدسیة مبالغة فی القدس وهو النزاهة والطهارة والتجلیات الأسمائیة الموجبة لوجود العالم کلَّها قدسیّة ، ولکنّ التجلَّی الذاتیّ والفیض الغیبیّ من غیوب الشؤون الذاتیة وهو الفیض الأقدس ، فافهم .
شرح فصوص الحکم الشیخ عبد الرزاق القاشانی 730 هـ :
قوله رضی الله عنه : (ومن شأن الحکم الإلهی أنه ما سوى محلا إلا ویقبل روحا إلهیا عبر عنه بالنفخ فیه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلک الصورة المسواة لقبول الفیض التجلی الدائم الذی لم یزل ولا یزال.
وما بقی إلا قابل، والقابل لا یکون إلا من فیضه الأقدس.)
(ومن شأن الحکم الإلهی أنه ما سوى محلا إلا ولا بد أن یقبل روحا إلیها عبر عنه بالنفخ فیه)
معناه موقوف على معرفة حکمه وهو أن حکم الله تعالى أمره أی إیجاد الأشیاء بقوله کن والله عین الوجود المحض المطلق الذی هو أظهر الأشیاء ونور الأنوار فهو یتجلى بذاته لذاته دائما فتسویته للمحل ظهوره فی صورة اسم .
وذلک الاسم هو عینه مقیدا بصفة من الصفات القابلیة فلا یظهر فیه إلا عینه ، وذلک الظهور قبوله للروح وعینه هو الموصوف بکل صفة إلا أنه لا یظهر فی ذلک المحل إلا بصفة واحدة من الصفات الفاعلیة ، وذلک هو الخلق بالیدین فهو روح إلهى ومعنى النفخ فیه هو الظهور فیه بتلک الصفة
ولذلک قال ( وما هو إلا حصول الاستعداد من تلک الصورة المسواة لقبول الفیض التجلی الدائم الذی لم یزل ولا یزال )
أی لقبول الفیض الذی هو التجلی الدائم فهو بمعنى اسم الإشارة کما فی قول رؤبة :
فیها خطوط من سواد وبلق .... کأنه فی الجلد تولیع البهق
أی کان ذلک بمعنى وما ذلک وهو إشارة إلى ما ذکر من قوله ما سوى محلا إلا ولا بد أن یقبل روحا إلهیا ، أی اقتضاء تسویة المحل لقبول الروح الإلهی ، مثاله الشهب وهی الأبخرة المستعدة للاشتعال فی حیز النار إذ ولا بد لها من الاشتعال ، ولما ذکر الاستعداد والفیض لزم وجود المستعد الذی هو القابل .
قوله ( وما بقی إلا قابل ) اعتراض منه على نفسه کأنه قیل إذا کان الاستعداد والفیض منه فما المستعد القابل
فقال ( والقابل لا یکون إلا من فیضه الأقدس ) وقد فسر الفیض بالتجلى ، فکأنه قال له تجلیان ذاتى وهو ظهوره فی صورة الأعیان الثابتة القابلة فی الحضرة العلمیة الأسمائیة وهی الحضرة الواحدیة ، فذلک الظهور ینزل عن الحضرة الأحدیة إلى الحضرة الواحدیة وهو فیضه الأقدس أی تجلى الذات بدون الأسماء الذی لا کثرة فیه أصلا فهو الأقدس أی أقدس من التجلی الشهودى الأسمائى الذی هو بحسب استعداد المحل لأن الثانی موقوف على المظاهر الأسمائیة التی هی القوابل بخلاف التجلی الذاتی لأنه لا یتوقف على شیء فیکون أقدس ، فمنه الابتداء بالتجلى الذاتی کما ذکر فی المقدمة وإلیه الانتهاء بالتجلى الشهودى ( فالأمر ) أی الشأن وهو الإیجاد والتصریف والتکمیل.
مطلع خصوص الکلم فی معانی فصوص الحکم القَیْصَری 751هـ :
قوله رضی الله عنه : (ومن شأن الحکم الإلهی أنه ما سوى محلا إلا ویقبل روحا إلهیا عبر عنه بالنفخ فیه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلک الصورة المسواة لقبول الفیض التجلی الدائم الذی لم یزل ولا یزال.
وما بقی إلا قابل، والقابل لا یکون إلا من فیضه الأقدس.)
"ومن شأن الحکم الإلهی أنه ما سوى محلا إلا ولا بد أن یقبل روحا إلهیا عبر عنه بالنفخ فیه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلک الصورة المسواة لقبول الفیض التجلی الدائم الذی لم یزل ولا یزال".
إعتراض وقعبین الشرط والجزاء، على أن قوله: (فاقتضى) جواب (لما). (الواو) للحال.
وقوله: (وجود شبح) صفة مصدر محذوف. أی، أعطى وجودا مثل وجود شبح.
ومعناه: أن الحق تعالى قد کان أوجد الأعیان الثابتة التی للعالم الکبیردون الصغیر الإنسانی بالوجود العینی مفصلا کالموجود الذی لا روح فیه، والمرآة التی لا جلاء لها.
وکان من شأن الحق وحکمة الإلهی وسنته أنه ما أوجد شیئا وسواه إلا ولا بد أن یکون ذلک الموجود قابلا للروح الإلهی، لیکون به حیاته ویترتب علیه کمالاته وتظهر به الربوبیة فیه، وذلک القبول هو المعبر ب (النفخ) فیه.
قال تعالى، فی آدم، علیه السلام: (فإذا سویته ونفخت فیه من روحیفقعوا له ساجدین). فنفخه تعالى إعطاؤه القابلیة والاستعداد.
وقوله: (وما هو) أی، لیس ذلک (النفخ) إلا حصول الاستعداد من الصورة المسواة، أی، من ذلک الموجود لقبول الفیض المقدس الذی هو التجلی الدائم الحاصل علیه وعلى غیره لم یزل ولا یزال، إذ لو فرض انقطاعه آنا واحدا لعدم الأشیاء کلها، سواء کانت موجودة بالوجود العلمی أو العینی.
فـ (التجلی) بدل الکل من (الفیض).
وفی بعض النسخ: (لقبول فیض التجلی) بالإضافة. فمعناه: لقبول الفیض الحاصل من التجلی.
ولا یکون ذلک الفیض نفس التجلی حینئذ بل حاصلا منه، ولا ینبغی أن یتوهم أن هذه الأعیان
کانت موجودة زمانا من الأزمنة والإنسان معدوم فیه مطلقا، وإلا یلزم وجودها مع عدم روحها. وأیضا، الإنسان أبدى بحسب النشأة الأخرویة، وکل ما هوأبدى فهو أزلی کعکسه.
بل لا بد أن یعلم أنه من حیث النشأة العنصریة بعد کلموجود بعدیة زمانیة ، لتوقفها على حصول الاستعداد المزاجی الحاصل من الأرکان العنصریة بالفعل والانفعال والتربیة.
کما أشار إلیه بقوله تعالى: "خمرت طینة آدم بیدی أربعین صباحا" وإنه من حیث النشأة العلمیة قبل جمیع الأعیان لأنها تفاصیل الحقیقة الإنسانیة، کما مر بیانه فی المقدمات.
ومن حیث النشأة الروحانیة الکلیة أیضا قبل جمیع الأرواح، کما أشار إلیه النبی، صلىالله علیه وسلم، بقوله: "أول ما خلق الله نوری".
ومن حیث النشأة الروحانیة الجزئیة التی فی العالم المثالی أیضا من قبیل المبدعات، وإن کان متأخرا عن العقول والنفوس الفلکیة تأخرا ذاتیا لا زمانیا، فلا یکون معدوما فی الخارج مطلقا ،لذلک قیل فی حقه قبل نشأته العنصریة: "أتجعل فیها من یفسد فیها ویسفک الدماء".
وأخرج من الجنة بالمخالفة لأمر الله تعالى. هذا مع أن صاحب الشهود والمحقق العارف بمراتب الوجود، یعلم أنه موجود فی جمیع المظاهر السماویة والعنصریة، ویشاهده فیها بالصور المناسبة لمواطنها ومراتبها عند التنزل من الحضرة العلمیة إلى العینیة ومن العینیة إلى الشهادة المطلقة قبل ظهوره فی هذه الصورة الإنسانیة الحادثة الزمانیة، شهودا محققا.
ولا یحیط بما أشرنا إلیه إلا من أحاط بسر قوله تعالى: "وقد خلقکم أطوارا."
قوله: "وما بقى إلا قابل، والقابل لا یکون إلا من فیضه الأقدس" تتمیم لما ذکره.
لأن القابل الذی یقبل الروح الإلهی هو أیضا یستدعى من یستند وجوده إلیه، لأنه بالنظر إلى ذاته معدوم.
ولما کان کذلک، بین أنه أیضا مستند إلىالحق تعالى فائض منه، لذلک قال: “والقابل لا یکون" أی، لا یحصل إلا من " فیضه الأقدس” أی، الأقدس من شوائب الکثرة الأسمائیة ونقائص الحقائق
الإمکانیة.
وقد علمت فیما مر من المقدمات أن الأعیان التی هی القوابلللتجلیات الإلهیة کلها فائضة من الله بـ "الفیض الأقدس".
وهو عبارة عن التجلی الحبى الذاتی الموجب لوجود الأشیاء واستعداداتها فی الحضرة العلمیة، ثم العینیة کما قال: "کنت کنزا مخفیا فأحببت أن أعرف...". و "الفیض المقدس" عبارة عن التجلیات الأسمائیة الموجبة لظهور ما یقتضیه استعدادات تلک الأعیان فی الخارج.
فـ "الفیض المقدس" مترتب على "الفیض الأقدس".
وإذا علمت هذا، علمت أن لا منافاة بین هذا القول وبین قوله فی "الفص العزیری" وغیره:
"إن علم الله فی الأشیاء على ما أعطته المعلومات بما هی علیه مننفسها".
وقوله: "فلله الحجة البالغة".
وقوله: "فالمحکوم علیه حاکم على الحاکم أن یحکم علیه بذلک".
وقوله، صلى الله علیه وسلم: "من وجد خیرا، فلیحمد الله. ومن وجد دون ذلک، فلا یلومن إلا نفسه."
خصوص النعم فى شرح فصوص الحکم الشیخ علاء الدین المهائمی 835 هـ:
قوله رضی الله عنه : (ومن شأن الحکم الإلهی أنه ما سوى محلا إلا ویقبل روحا إلهیا عبر عنه بالنفخ فیه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلک الصورة المسواة لقبول الفیض التجلی الدائم الذی لم یزل ولا یزال. وما بقی إلا قابل، والقابل لا یکون إلا من فیضه الأقدس.)
(ومن شأن الحکم الإلهی) وهو القضاء الأزلی الذی أعطى کل شیء خلقه أی: قدر لکل مستحق حقه (أنه ما سوى محلا) أی: ما سوی مزاج شیء من الفلکیات أو العنصریات(إلا ولا بد أن یقبل روحا إلهیا) أی: فائضا من جنابه بحسب ما یلیق بذلک المحل کالقوى المعدنیة والنباتیة والحیوانیة، فکذلک العالم إذا تم تسویته لم یکن له بد من قبول الروح المقصود من خلقه.
وهو الإنسان الکامل (عبر عنه) أی: عن ذلک الحکم الإلهی بإفاضة الروح اللائق بالمحل (بالنفخ) أی: بنفخ الإله الروح (فیه)؛ لأن حصل له من النفس الرحمانی الذی تنفس به عن آثار الأسماء التی کانت فیها بالقوة.
فکانت تلک الآثار قبل ظهورها المطلوب للأسماء کالکرب لها فأخرجها عن الباطن إخراج الهواء عنه دفعا لذلک الکرب.
وبهذا أول قوله تعالى: "فإذا سویته ونفخت فیه من روحی فقعوا له ساجدین " [الحجر: 29].
وذلک لتعذر النفخ الحقیقی، وهو إخراج الهواء عن جوف النافخ إلى محل الاشتعال، فالمراد إفاضة الروح الموجب اشتعال المحل بنوره المشابه للنار فی التأثیر والإشراق.
وما هو إلا لحصول الاستعداد من تلک الصورة المساة لقبول الفیض التکلی الدائم الذی لم یزل ولا یزال، وما بقی ثمة إلا قابل، والقابل لا یکون إلا من فیضه.
ثم أشار إلى تعلیل اقتضاء التسویة لقبول الروح الإلهی بقوله: "وما هو" أی: لیس تسویة المحل بمعنی تساوی تقادیر الأجزاء، وطبائعها على ما یوهمه اللفظ.
وإلا کان روح کل مثل روح الأخر من کل وجه للاتفاق على أن اختلاف الأرواح بحسب اختلاف الأمزجة .
بل (ما هو إلا حصول الاستعداد من تلک الصورة المسواة لقبول الفیض) أی: قبول الروح بطریق فیضان نور الشمس على المحل القابل لنورها، ولیس بانفصال شیء منها، وانتقاله إلى المحل بل بحدوث ما یناسب نورها فی ذلک المحل.
فکذلک فیض الروح أثر (التجلی الدائم الذی لم یزل، ولا یزال) قبل حدوث هذا المحل؛ فلیس التجلی حادثا بحدوث المحل بل ظهور أثر التجلی فیه یتوقف على حصوله، وتسویته توقف فیضان الصور على المرآة على تصقیلها وتسویة أجزائها، وإن کانت تلک الصور موجودة قبل المرآة.
وهذه الروح حاصلة فی کل صورة فلکیة أو عنصریة، إذ لا تخلو عن القوى المحرکة بالطبع، أو الإرادة بل کل شیء یسبح بحمده، ولکن لا یفقه غیر أهل الکشف تسبیحه، وکما أن لکل جزء من العالم روحا یدبره، فکذا لمجموعة لا بد من روح یدبرها، وهو المقصود بالذات، وهو الإنسان الکامل.
ثم استشعر سؤالا: وهو أنکم قد خصصتم التجلی بفیضان الروح؛ فمن أین فیضان القابل؟
فإن کان من التجلی؛ فلا بد له من تسویة المحل، ولا یحل قبل القابل، وإن کان من غیره بطلت قاعدة التوحید.
فقال: (وما بقی) أی: بعد البحث عن فیضان الروح (إلا قابل) أی: بحث فیضان القابل للأرواح المذکورة الأجزاء العالم الکبیر أو الإنسان.
ثم أجاب عنه فقال: (والقابل لا یکون إلا من فیضه الأقدس)، وهو الفیض الحاصل من التجلی الإلهی بالأسماء لا واسطة القوابل الظاهرة، بخلاف فیضان الأرواح بواسطة هذه القوابل فإنه مقدس، وأما القوابل الباطنة أعنی: الأعیان الثابتة فلا تعد وسائط لعدمیتها، ولا من الفیض إذ لا معنى له سوى إشراق نور الوجود کفیضان نور الشمس على المحل القابل له، ولو کانت من الفیض لکانت مجعولة وحمل القابل علیها فی الکتاب مخل بالنظم على ما لا یخفى.
وإنما کان فیض الروح مقدسا مع براءته عن المواد الجسمانیة المظلمة باعتبار تعلقه بالجسم المظلم لا فی نفسه، فإنه أقدس من فیض القوابل أیضا فافهم، فإنه مزلة للقدم.
""أی: المنزه عن الجعل والتأثیر؛ وذلک لأن المراتب کلها إلهیة بالأصالة، وظهرت أحکامها باقتضاء ذاتی، فالأمر قبول ذاتی، وحصول استعدادی، وظهور، وبروز له تعالى لذاته بذاته لا غیر. وقبول هذا لازم لفهم سریان النور الأزلی والفیض الألهی الساری فی الوجود کله، فافهم.
أن هذه المسألة من أساس معارف الشیخ رضى الله عنه ولا تغفل عنها، ولا تأخذ عنها بدلا فإنها کشف أوسع الکشوف، وإن اعترضوا علینا بذکر هذه المسألة، فلیس بأقل منع جرى على طلل، "وأن الشیاطین لیوحون إلى أولیائهم لیجادلوکم"، والله المستعان، فافهم"".
وإذا کان فیضان الأرواح والقوابل منه.
شرح فصوص الحکم الشیخ صائن الدین علی ابن محمد الترکة 835 هـ :
قال الشیخ ابن العربی الطائی الحاتمی: (ومن شأن الحکم الإلهی أنه ما سوى محلا إلا ویقبل روحا إلهیا عبر عنه بالنفخ فیه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلک الصورة المسواة لقبول الفیض التجلی الدائم الذی لم یزل ولا یزال. وما بقی إلا قابل، والقابل لا یکون إلا من فیضه الأقدس.)
وهو أنّ من مقتضى الأمر الإیجادی (ومن شأن الحکم الإلهی أنّه ما سوّى) (محلَّا) أی ما عدّل مزاجا (إلَّا ولا بدّ أن یقبل روحا إلهیّا ، عبّر عنه) فی العبارة النبویّة المرسل بها ( بالنفخ فیه ) أی خروج نوعیّته الکمالیّة من القوّة إلى الفعل .
وهو المعبّر عنه فی لسان البرهان العقلی بالاستعداد المستجمع لتمام شرائط الخروج المذکور ، فهو آخر مراتب القابلیّة وأنهى درجات القوّة ، المتّصلة بالفعل اتّصالا اتحادیّا لا مجال للتغایر والتفرقة فیه أصلا على ما ستطلع على بیانه .
والحاصل أنّ الإیجاد من الفاعل هو الذی عبّر عنه لسان السنّة بالنفخ منه فی القابل ( وما هو إلَّا حصول الاستعداد من تلک الصورة المسوّاة لقبول الفیض ) قبولا لا ینفکّ عن التسویة ، ویلزمها لزومه للفیض الذی هو عبارة عن ( التجلی الدائم الذی لم یزل ) فیضان الرحمة والجود منه فی أوّل الأزل من الآزال ، ( ولا یزال ) کذلک إلى آخر الأبد من الآباد ، فإنّ الزمان بمعزل عن ترتّب الفیض على القبول ، کما هو المتبادر لأوهام العامّة .
وبیان الفیض بالتجلَّى إشارة إلى الکمالین على طبق ما فی المثال المذکور، وکذلک قوله: « لم یزل ولا یزال » فإنّ الأزل صورة مبدئیة الکمال الظهوری من الزمان ، کما أنّ الأبد صورة معادیة الکمال الإظهاری منه .
وبیان هذه القضیّة وتحقیق هویّتها التی یتوقّف فیها أکثر الأفهام أنّ النفخ فی الظاهر عبارة عن إخراج الهواء البخاریّ من الباطن على کیفیّة معیّنة وصورة مخصوصة مستحصلة من القوى الفاعلة والهیئات المنفعلة .
وبیّن أنّه إذا سئل عن الحد الجامع بین تلک الأجزاء التی من شتات المقولات ب «ما هو» لا یصلح للجواب إلَّا حصول الاستعداد من الصورة المسوّاة لقبول الفیض .
الذی هو خروج الوحدة الوجودیّة من الباطن ، فإنّه لا جامع أتمّ من ذلک ، وهو الدالّ على مبادی کلّ ماله دخل فی تلک الهویّة الجمعیّة ، فإنّ الصورة المسوّاة قد جمعت من صنوف الکثرة السینیّة ما تمّ به النسبة الکمالیّة الوجهیّة غیر عائزة إلى الخارج عنه .
وتحقیق هذا الأصل : أنّ تسویة المحلّ وتعدیل المزاج عبارة عن تصحیح أمر النسبة الکمالیّة والهیئة الاعتدالیّة فی الکثیر الذی هو المحل بحیث یترتّب علیه الخصائص الفاضلة والأوصاف الوجودیّة .
وذلک هو الوحدة الجمعیّة التی هی مبدأ الآثار الوجودیّة ومصدر الشعور والإشعار ، وهی المعبّر عنها بالروح الإلهی ، وبیّن أنّ تصحیح أمر النسبة فی الکثیر من حیث هو کثیر إنّما یتوقّف على إبانة تمام النسبة الاعتدالیّة الأصلیّة .
وتعیین موضوعات کلّ منها بما یلیق به ویستحقّه من الکمیّات المقداریّة والکیفیّات الامتزاجیّة ، فإذا عدّلت الموضوعات بکمّیاتها وظهرت الکیفیّات الامتزاجیّة بکمالها فقد قبلت الروح للخروج من الباطن ، وهو المعبّر عنه بالنفخ فیه .
وتمام تحقیق هذا الکلام وبیان لمّیته یحتاج إلى علوم عزیزة ومقدّمات غریبة عن أکثر الطباع والأذهان ، قد بیّن شیء من أصولها فی المفاحص فلنکتف منه ها هنا بتلویح .
وهو أنّه وإن کانت الستة هی الفاتحة لأمر تمام النسبة الاعتدالیّة الفاضلة ولکن ما لم یظهر فی العشرات المشعرة بتفاصیل الأحکام لم یتحقّق الإبانة المذکورة ، ولم یعلم ما لکلّ من موضوعات تلک النسب بخصوصه ، وفی تعبیره عن المراتب الثلاث بما عبّر أعنی : سوّى ، ویقبل ، ونفخ ما یطلعک على هذا التلویح.
ثمّ إنّه کما عرفت هذه الدقائق فلا تغفل عن أصل التقریب ومقصوده الأوّل من هذا الکلام وتدبّر فی بیانه هذا کیف نظَّم أصول فنون التفرقة أعنی الفاعل ، والقابل ، وما بینهما من النسبة والزمان فی سلک الجمعیّة والوحدة الذاتیّة التی أشار إلیها فی مطلع کلامه بتسویة العبارتین .
وذلک لأنّه إذا تقرّر أنّ الإیجاد من الفاعل هو عین تام قابلیّة القابل ( فما بقی ) حینئذ فی حیّز المغایرة ومطمورة السوی ( إلا قابل ) فقط ، ( والقابل لا یکون ) ولا یحصل على أصولهم المؤسسة ( إلَّا من فیضه الأقدس ) ، أی أقدس عن أن یکون الفیض مغایرا للمفیض ، کما فی الفیض المقدّس وما یتنزّل عنه ، وذلک فی التعیّن الأوّل على ما اطَّلعت علیه .
لا یقال : إنّما یتصوّر القابل حیث یعتبر الفاعل وفعله ،وهذه الحضرة لیس الفعل منها فی شیء؟
لأنّ المراد تحقیق ذات القابل من حیث هی هی ومبدأ ظهورها مطلقا قبل ظهور ثنویّة المتقابلین ، ومن أراد زیادة استبصار وتمام استیضاح لهذا المعنى فعلیه بالتدبّر فی معانی الإمکان المقول علیها فی عرف المیزان .
شرح الجامی للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامی 898 هـ :
قوله رضی الله عنه : (ومن شأن الحکم الإلهی أنه ما سوى محلا إلا ویقبل روحا إلهیا عبر عنه بالنفخ فیه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلک الصورة المسواة لقبول الفیض التجلی الدائم الذی لم یزل ولا یزال. وما بقی إلا قابل، والقابل لا یکون إلا من فیضه الأقدس.)
"و من شأن الحکم الإلهی أنه ما سوى محلا إلا و یقبل روحا إلهیا عبر عنه بالنفخ فیه، و ما هو إلا حصول الاستعداد من تلک الصورة المسواة لقبول"
فقال : (ومن شأن الحکم الإلهی) وإجراء سنته (أنه تعالی ما سوی محلاً)، أی مزاجاً یصلح لفیضان الروح علیه.
وإنما قیدنا بذلک لیصح قوله لا بد وأن یقبل روحاً إلهیاً، فإن (روحا إلهیا) یتکون عند التسویة ویتعلق بالمسوّى کالأرواح الجزئیة لجمهور الناس.
أو یتخلق به عند التسویة بعلم ما کا موجوداً قبلها کالأرواح الکلیهٔ أی یتکمل من أولیاء الله تعالی (عبر عنه)، ای عن ذلک القبول (بالنفخ فیه)، أی فی المحل المسوّى، وفیه مسامحة.
لأن قبول الروح لازم للنفخ لا عینه، فاللائق به أن یجعل عبارة عن إفاضة الروح ، لا عن قوله لأن النفخ صفة النافخ لا المنفوخ فیه .
وقال الشیخ مؤید الدین الجندی رحمه الله فى قوله :
و عبر عنه ، یعود الضمیر إلی الروح لا بمعنى أن الروح هو النفخ بل بمعنى أن الله تعالى ذکر تعین الروح فی المحل بعد التسویة بهذه العبارة فقال تعالى : " و نفخت فیه من روجى " 29 سورة الحجر.
(وما هو) أی النفخ ( إلا حصول الاستعداد من تلک الصورة المسوّاة) وفیه أیضاً مسامحة .
فإن حصول قوله : المسوّاة ، وجعله الشیخ الجنید رحمه الله تعالی لسان الحکم الإلهی .
وفیه بعد اللام فی قوله : (لقبول الفیض) متعلق بالاستعداد .
"الفیض التجلی الدائم الذی لم یزل و لا یزال. و ما بقی إلا قابل، و القابل لا یکون إلا من فیضه الأقدس."
وقوله : (التجلی الدائم الذی لم یزل)، أی من الأزل (ولا یزال) ، أی الی الأبد بدل من الفیضں بدل الکل . والفیض مفعول للقبول وفاعله الصورة المسوّاة.
ومعنى قبولها الفیض أعنی التجلی المذکور، وإن کانت موجودة إن ذلک المتجلی هیولانی الوصف وإنما ی تعبیر ویتقید بحسب المتجلی له.
فإذا کان المتجلى له عیناً ثابتة غیر موجودة یکون هذا التجلى بالنسبة إلیه تجلیاً وجودیاً.
وإن کان وجوداً خارجاً کالصورة المسواة، یکون التجلی بالنسبة إلیها بالصفات وتفید صفة غیر الوجود کصفة الحیاة ههنا .
وفی بعضی النسخ فیضں التجلی بدون اللام فالإضافة بیانیة والمعنى ما سبق أولاً منه .
والفیض عبارة عما یفید التجلی المذکور للصور المسؤاة من صفة الحیاة ، وع کیں الروح المفاض إلیها المتعلق بها.
ونصب التجلی الدائم على أن یکون مفعولاً للقبول، والفیض فاعلا له لا تظاهر صحة معناه إلا بتکلف و تعسف.
ولما کان أمر الوجود دائرا بین الفاعل والقابل والفعل والأثر واستناد کل من الفاعل والفعل والأثر إلى الحق سبحانه ظاهر مما سبق.
فلم یبق غیر مستند إلیه سبحانه إلا القابل أعنی الأعیان الثابتة القابلة من الفاعل الحق وتجلیه الدائم الذی هو فعله قبض الوجود.
فلذا قال : (وما بقی) غیر مستند إلى الحق سبحانه (إلا قابل) وهو الأعیان الثابتة ألقابلة للتجلى الوجودی الدائم (والقابل لا یکون إلا من فیضه الأقدس) من شوائب الکثرة . وهو عبارة عن التجلی الحبى الذاتى الموجب لوجود الأشیاء واستعداداتها فى الحضرة العلمیة.
والفیض المقدس عبارة عن التجلی الوجودی الموجب لظهور مما تقتضیه تلک الاستعدادات فی الخارج.
کتاب مجمع البحرین فی شرح الفصین الشیخ ناصر بن الحسن السبتی الکیلانی 940 هـ:
قال الشیخ رضی الله عته: ( ومن شأن الحکم الإلهی أنه ما سوى محلا إلا ویقبل روحا إلهیا عبر عنه بالنفخ فیه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلک الصورة المسواة لقبول الفیض التجلی الدائم الذی لم یزل ولا یزال. وما بقی إلا قابل، والقابل لا یکون إلا من فیضه الأقدس. )
قال الشیخ قدس الله سره : (ومن شأن الحکم الإلهی أنه ما سوى محلا إلا ولا بد أن یقبل روحا إلهیا عبر عنه بالنفخ فیه وما هو إلا حصول الاستعداد من تلک الصورة المسواة لقبول الفیض التجلی الدائم الذی لم یزل ولا یزال . وما بقی ثمة إلا قابل، والقابل لا یکون إلّا من فیضه الأقدس)
قال الشارح رجمه الله :
(و من شأن الحکم الإلهی) و هو قول: (کن) أنه ما سوى محلا إلا و لا بد أن یقبل روحا، فما من صورة محسوسة، أو خیالیة، أو معنویة إلا و لها قبول التسویة و التعدیل کما یلیق بها و بمقامها، فإذا ساداها و عدلها، یسلمها إلى الرحمن، فوجّه علیها نفسه بالقبح، و روحه و هو روح الحق تعالى المشار إلیه فی قوله: "فِإذا سوّْیـتهُ و نفخْتُ فِیهِ مِنْ روحِی" [الحجر: 29]، و هو عین هذا النفس بفتح الفاء، فقبلته الصورة على حسب استعدادها، و قابلیتها .
و أمّا الروح، فیطلق علی معان مختلفة عند أهل الطریق، فالروح الذی نحن بصدد بیانه بمعنى ما ینفخ فیه عند کمال التسویة، و هی نفس رحمانی من عالم الأمر کما قال تعالى: "قلِ ُّ الروحُ مِنْ أمْرِ ربِّی" [ الإسراء: 85] .
و إنما قال رضی الله عنه: و لا بد أن یقبل الروح، و لم یقل لا بد أن یفیض روحا لأن الأمر من القابل و ما بقی إلا قابل، فافهم .
فإن الأمر قبول و اقتضاء کما سبق، و لا تنس الأسلوب و الساق إلهیا .
إنما قال رضی الله عنه: إلهیا لأن الحکم صدر من مرتبة الألوهیة کما قال رضی الله عنه، و من شأن الحکم الإلهی، فما ظهر ما ظهر إلا باعتبار اسمه النور، و هو عین الوجود .
قال تعالى: "اللّهُ نورُ السّماواتِ و الْأرضِ" [ النور: 35] .
( عبر عنه ): أی عن القبول بالنفخ فیه: أی فی المحل، (و ما هو ): أی القبول إلا حصول الاستعداد.
أراد رضی الله عنه التوطئة لقوله: و ما یطئ الأ قابل، فنفى التأثیرات الخارجیة، فقال أولا، فکان الحق تعالى أوجد إشارة إلى مساوقة الإیجاد بالمشیئة الأزلیة، فصار أزلیا .
قال: و من شأن الحکم الإلهی أن ما سواه یقبل الروح.
ثم قال: قبول الروح من (حصول الاستعداد من تلک الصورة المسواة) للفیض الأزلی الأبدی، فالأمر کله قبول و تأثر و استعداد (لقبول الفیض التجلی الدائم الذی لم یزل ولا یزال).
فقال: (و ما بقى إلا قابل، و القابل لا یکون إلا من الفیض الأقدس) المنزه عن جعل الجاعل، فالقابل من الفیض الأقدس، و القبول من الأقدس لا بإفاضة المفیض من الخارج.
و التسویة من مقتضى أحکام الأعیان باقتضاء ذاتی بلا جعل، فالقابل غیر مجعول، و القبول غیر مجعول، و التسویة غیر مجعول، و النفخ الذی هو القبول غیر مجعول، فافهم حتى تعرف الأمر.
إلى أن یؤول یزید رضی الله عنه من هذه المقدمات أن الأمر ما یخرج عنه بل منه فیه باقتضاءات ذاتیة.
و هو مذهب الشیخ رضی الله عنه کما فهمناه من کتبه، و کتاب "الفتوحات" و غیرها، و یخالف هذا کلام ما سوّاه ولا یعتمد علیه ، حتى لا ینقص علیک أصل من الأصول، و أنت ما تدری من أین جاءک؟ فافهم.
فـ رضی الله عنه عبر عن حسن القبول، و المطاوعة بالنفخ، و إفاضة الروح .
قال الشارح الجامی رضی الله عنه فی قوله: عبر عنه: أی عن ذلک القبول و فیه مسامحة لأن قبول الروح لازم النفخ لا عینه، فاللائق أن یجعل عبارة عن إفاضة الروح لا عن قبوله لأن النفخ صفة النافخ لا المنفوخ فیه .
ثم جعل قدّس سره ضمیر و ما هو أیضا راجعا إلى الروح، ثم قال: و فیه مسامحة أخرى، فإذا رددت الضمائر إلى القبول سومحت هذه المسامحات بلا إشکال و لا مسامحة، و هو أوفق على ظاهر عبارة الشیخ رضی الله عنه حیث قال: عبر عنه بالنفخ، و ما هو إلا حصول الاستعداد، فإن استعارة القبول بالحصول أنسب من الإفاضة، و غیرها، بل أن القبول هو الحصول فقط بلا أمر زائد، و هذا الواقع فی نفس الأمر، فافهم .
"" إضافة الجامع : معنى الفیض والفرق بین الفیض الأقدس والفیض المقدس :-
الفیض فی اللغة :
1 . فاض الماء ونحوه : کثر حتى سال .
2. فاض الخیر وغیره : کثر.
فی الاصطلاح الصوفی
یقول الشیخ الأکبر محمد ابن العربی الطائی الحاتمی: " الفیض هو زیادة على ما یحمله المحل " .
و أضاف الشیخ قائلا : " وذلک أن المحل لا یحمل إلا ما فی وسعه أن یحمله ، وهو القدر والوجه الذی یحمله المخلوق وما فاض من ذلک . وهو الوجه الذی لیس فی وسع المخلوق أن یحمله ، یحمله الله . فما من أمر إلا وفیه للخلق نصیب ولله نصیب . فنصیب الله أظهره التفویض ، فینزل الأمر جملة واحدة وعینا واحدة إلى الخلق ، فیقبل کل خلق منه بقدر وسعه ".
وما زاد على ذلک وفاض أنقسم الخلق فیه على قسمین :
فمنهم من جعل الفائض من ذلک إلى الله تعالى فقال : "وأفوض أمری إلى الله ".
وینسب ذلک الأمر إلى نفسه , لأنه لما جاءه ما تخیل أنه یفضل عنه وتخیل أنه یقبله کله ، فلما لم یسعه بذاته رده إلى ربه .
ومنهم : من لم یعرف ذلک فرجع إلى الفائض إلى الله من غیر علم من هذا الذی حصل منه ما حصل فهو إلى الله على کل وجه وما بقی الفضل إلا فیمن یعلم ذلک فیفوض أمره إلى الله فیکون له بذلک عند الله ید .
ومنهم : من لا یعلم ذلک عند الله بذلک منزلة ولا حق بتوجه .
وأعلم أن العبد القابل أمر الله لا یقبله إلا باسم خاص إلهی ، وأن ذلک الاسم لا یتعدى حقیقته .
فهذا العبد ما قبل الأمر إلا بالله من حیث الاسم ، فما عجز العبد ولا ضاق عن حمله ، فإنه محل لظهور أثر کل أسم إلهی ، فعن الاسم الإلهی فاض لا عن العبد ، فلما فوضه بقوله : " وأفوض أمری إلى الله" .
ما عین اسما بعینه ، وإنما فوضه إلى الاسم الجامع فیتلقاه منه ما یناسب ذلک الأمر من الأسماء فی خلق آخر .
فإنه ما لا یحمله زید وضاق عنه , لکون الاسم الإلهی الذی قبله به ما أعطت حقیقته إلا ما قبل منه وقد یحمله عمر ، ولأنه أوسع من زید ، بل لأنه أوسع من زید ، ولکن عمرو فی حکم اسم أیضا إلهی قد یکون أوسع إحاطة من الاسم الإلهی الذی کان عند زید .
الشیخ مصطفى بالی أفندی یقول :
المراد بـ الفیض کون الجود الإلهی سببا لحدوث أنوار الوجود فی کل ماهیة قابلة للوجود بلا انفصال من الله تعالى واتصال إلى الماهیة القابلة کفیضان الصورة على المرآة فإن صورة الإنسان مثلا سبب لحدوث صورة تماثلها فی المرآة المقابلة بمحاذاة الصورة فلیس فیهما انفصال واتصال.
الشیخ قطب الدین البکری الدمشقی یقول :
الفیض هو شراب وفی الفیض تصریح موصل الوصول.
الشیخ أبو العباس التجانی یقول:
" الفتح عبارة عن زوال الحجاب وما بزغ بعده من حقائق المعانی المذکورة یسمى فیضا لأنه فاض بعد حبسه " .
الدکتور عبد المنعم الحفنی یقول :" الفیض هو ما یفیده التجلی الإلهی فإن ذلک التجلی هیولانی الوصف ، وإنما یتعین ویتقید بحسب المتجلی ، فإن کان التجلی له عینا ثابتة غیر موجودة یکون هذا التجلی بالنسبة إلیه تجلیا وجودیا فیفید الوجود ، وإن کان المتجلى له موجودا خارجیا کالصورة المسواة یکون التجلی بالنسبة إلیه بالصفات ویفید صفة غیر الوجود کصفة الحیاة ونحوها .
الدکتور حسن الشرقاوی یقول :" یستخدم الصوفیة لفظ الفیض بمعنى أن الحق تعالى یسبغ بعض نعمه على أحبائه ظاهرة وباطنة ، بفتح ربانی " .
الدکتورة نظلة الجبوری تقول :
" مفهوم الفیض : فی نظر ابن العربی الطائی الحاتمی هو الحدث ، به ینتج الفضل الإلهی ، نور الوجود ، فی کل جوهر یستقبل الکائن من دون أن یحصل انفصال بین الصورة المدرکة فی علم الله والله نفسه ، کما تستقبل المرآة صور الإنسان من دون أن ینفصل الإنسان نفسه عن وجهه المنعکس فی المرآة " .
وتقول : " الفیض هو التجلی باصطلاح ابن العربی الطائی الحاتمی " .
الباحث محمد غازی عرابی یقول : " الفیض : هو ورود الصور فی شریط الخیال و معنونة بالرموز التی یتعلم السالک تأویلها بالمقارنة . قال سبحانه : "ولنعلمه من تأویل الأحادیث".
فالفیض بدء مرحلة تعلیم التأویل الذی هو من اختصاص الله عز وجل:
ولیس إلا صاحب الکشف یمکنه من أن یضرب بسهم فی هذا المیدان .
فلو أن عالما أراد أن یقف على أسرار علوم التأویل وتهیأ لها وجند من أجلها کل طاقاته وإمکاناته ، ثم استمر على التعلیم والتهیؤ عشرات السنین لما استطاع أن یأتی بتفسیر واحد من مستوى تأویل آیة من آیات الله .
لذلک خصت الصوفیة بهذا العلم المبارک وتمیزوا به عن الآخرین .
فی تنوع الفیض الإلهی یقول الشیخ الأکبر ابن العربی الطائی الحاتمی :
" فیض الله تعالى لا یتصور فیه مسک ولا قبض ولا انقطاع وهو یتنوع بتنوع المحال فیکون نورا فی المنور وظلمة فی المظلم ونون فی المتوان وحرکة فی المتحرک وعملا فی العالم وإرادة فی المرید وحفاظا فی المحفوظ " .
الفیض الأقدس
یقول الإمام فخر الدین بن شهریار العراقی :
الفیض الأقدس هو المتعین به الأسماء الإلهیة والأعیان الثابتة.
الشیخ عبد القادر الجزائری یقول :
" الفیض الأقدس عند الطائفة العلیة عبارة عن التجلی الحبی الذاتی الموجب لوجود الأشیاء واستعداداتها فی الحضرة العلمیة ثم العینیة " .
یقول الباحث محمد غازی عرابی :
" الفیض الأقدس هو فیضان الأنوار القهارة فی سماء الکشف الإلهی . وتدفق هذا الفیض هو النعمة التی خص الله بها عبادة الأبرار " .
الفیض الأقدس: الفیض هو التجلی الدائم الذی لم یزل ولا یزال، أو هو کون الجود الإلهی سببا لحدوث أنوار الوجود فی کل ماهیة قابلة للوجود.
والفیض الأقدس: هو التجلی من الکثرة الأسمائیة غیر المجعولة، أو هو عبارة عن التجلی الحی الذاتی الموجب الوجود الأشیاء واستعداداتها فی الحضرة العلمیة.
أو هو التجلی الذاتی والفیض الغیبی من غیوب الشؤون الذاتبة؛ أو هو تعین المعلومات فی العلم الأزلی.
الفیض المقدس
یقول الشریف الجرجانی :
الفیض المقدس : هو عبارة عن التجلیات الأسمائیة الموجبة لظهور ما یقتضیه استعدادت تلک الأعیان فی الخارج .
الفیض المقدس : هو التجلی الوجودی العینی، أو وجود العلم فی أعبائها، أو ثبوت الحروف المعلومات أو الأعیان الثابتة فی العلم فی ألواح الوجود و ارتسامها بحسب ما تعینت فی صفحة أم الکتاب العلمی الأنفس،
أو هو عبارة عن التجلی الوجودی الموجب لظهور ما تقتضیه تلک الاستعدادات فی الخارج .
فی الفرق بین الفیض الأقدس والفیض المقدس
یقول الشیخ عبد القادر الجزائری :الفیض المقدس مرتب على الفیض الأقدس :
فـ بالأول تحصل الأعیان الثابتة واستعداداتها الأصلیة فی العلم .
وبالثانی تحصل تلک الأعیان فی الخارج مع لوازمها وتوابعها .
ویقول الشیخ عبد الحمید التبریزی :
رأى ذاته المقدسة مستورة بسواتر العظمة والکبریاء فأحب أن تظهر وتعرف فأبدع بفیضه الأقدس أعیان الأشیاء ما کان وما یکون .
وفیضه المقدس المصون القیوم الذی قامت بأمره السماوات والأرضون.
المفیض
أولا : بمعنى الرسول یقول الشیخ أبو مدین المغربی:
المفیض : هو اسم من اسماء النبی , وذلک لأن النفوس قبل إفاضة التوفیق للهدایة من الحق بواسطته کانت بیوتا مظلمة وأقطارا سودا مدلهمة ، فلما غشیها نور هذا المفیض أضاءت وأشرقت ، کما تضیء الأقطار وتشرق إذا غشیها نور الشمس.
الشیخ کمال الدین القاشانی یقول :
المفیض : اسم من أسماء النبی , لأنه المتحقق بأسماء الله تعالى ومظهر إفاضة نور الهدایة علیهم وواسطتها .
ثانیا : بالمعنى العام
یقول الشیخ الأکبر محمد ابن العربی الطائی الحاتمی:
المفیض : هو خلیفة الله فی الأرض . أهـ ""
و أما قول الشارح قدّس سره: فاللائق أن یجعل عبارة عن إفاضة الروح، فکیف یرجع الضمیر إلى ما مضى ذکره، فإن لفظة الإفاضة ما مضى ذکرها لا لفظا و لا معنى مع أن الإفاضة لفظ مؤنث، و ضمیر مذکر مع أن جل مراد الشیخ رضی الله عنه فی هذا المقام منع الإفاضة الخارجیة فی هذا المبحث، و من تتبع کلام الشیخ علم ما قلنا .
و هذه من أمهات المسائل، فإن الأمر لیس من الخارج بل فی نفسه بنفسه فیه المؤثر و فیه المتأثر و فیه الأثر، فافهم .
( من تلک الصورة) لا من أمر خارج، (المسواة) الظاهرة بالتسویة، (لقبول الفیض) یتعلق بحصول: أی حصول الاستعداد لقبول الفیض التجلی الدائم .
( الذی لم یزل ): أی لا أول له من الأزل، (و لا یزال ): أی إلى الأبد، (و ما بقی) بهذه التوطیة التی مضت إن فهمتها .
( ثمة إلا قابل) و ذلک لأن جمیع مراتب التنزلات تنزلات ذاتیة باقتضاء ذاتی، و القابل له مزاج الانفعال فأطفأ بالنفس وأشعل و أمات و أحیى، فهو الذی أضحک و أبکى، فینسب الفعل إلیه و إن لم یعول علیه، و ذلک لعدم الإنصاف فی تحقیق الأوصاف، فهو المجهول المعلوم، و علیه صاحب الذوق یحوم، فافهم .
قال رضی الله عنه فی "الفتوحات ":
فما ثم مستقل بالتأثیر إلا القابل لأثر إن له أثر بالقبول فی نفسه کما للقادر على التأثیر فیه، و من حیث أن المنفعل یطلب أن یفعل فیه ما هو طالب له، ففعل المطلوب منه ما طلبه هذا الممکن، فهو تأثیر .
هذا عین ما قال رضی الله عنه: إن الفاعل منفعل للفعل الممکن المنفعل فی الواجب الفاعل، فإنه جعله أن یفعل ففعل، کما قال: أجیب دعوة الداعی إذا دعانی، فالدعاء أثر الإجابة، و الإجابة التأثیر .
و قال رضی الله عنه فی الفص الزکریوی:
و قد ذکرنا فی "الفتوحات" أن الأثر لا یکون إلا للمعدوم، و سواء کان المتأثر موجود، أو معلوما و هو غریب، و مسألة نادرة، و شیء مهیب بل هی درة یتیمة ما لها من أخت و ذلک لأن الأثر للأسماء، و الأسماء لیست بأعیان موجودة، و إنما هی نسب، و هی مستند الآثار.
و هو أمر عدمی ذکره رضی الله عنه فی الباب الثالث و التسعین و ثلاثمائة، فإن کنت خفت من هذه الکلمة السهلة الصعبة المنورة المظلمة، فأرجع، و أقول بلسان من یفری الحقائق، و یغزل الغزل الدقائق و یحاک الحلل الدقائق، بحیث لم یکن لأحد فی مهمز، و لا لقائل فی مغمز .
إنه قال رضی الله عنه فی النص الإلیاسی:
إن الأمر ینقسم إلى مؤثر، و مؤثر فیه و لهما عبارتان، فالمؤثر بکل وجه و على کل حال، و فی کل حال هو الله، و المؤثر فیه بکل وجه هو العالم، فإذا ورد علیک أمثال هذا الکلام من الشیخ رضی الله عنه، فألحق کل شیء بأصله الذی یناسب مذهبه، فإن الوارد لا بد أن یکون فرعا لأصله أبدا .
و هذا المذهب: أی تأثیر العدم فی الوجود سائغ فی الکلمات النبوّات، و شائع بین الناس أما ترى أن النوافل أثر المحبة و الدعاء أثر الإجابة، فافهم .
أن هذا مقرّر من الشارع لا یمکن إنکاره إن کنت ذا فهم، فافهم أنی أدیت الأمانة بالإشارة و العبارة بالصریح و الکتابة، فلا تخف من القابلة، فإن الحق واحد فی أسمائه و ذاته، فما فی الوجود من جمیع الوجوه إلا واحد.
فأین التأثیر؟ و أین المؤثر؟ و المؤثر فیه؟
بل ما ظهر العالم إلا بالنسب، و لا حصل القبول من العالم لما یقبله من العالم أیضا إلا بالنسب، فالموجد بالنسب، و القابل بالنسب فالحکم لها، و قد علمت نسبة النسب و هی أمر عدمی ما لها عین، فافهم .
ذکر الشیخ رضی الله عنه هذه المسألة فی الباب الثالث و التسعین و ثلاثمائة من "الفتوحات" فافهم .
و ذلک لأن (القابل ): أی للتجلیات الذاتیة المنزهة عن الکثرة (لا یکون إلا من فیضه الأقدس) المنزه عن الجعل و التأثیر و ذلک لأن المراتب کلها إلهیة بالأصالة، و ظهرت أحکامها باقتضاء ذاتی، فالأمر قبول ذاتی، و حصول استعدادی، و ظهور، و بروز له تعالى لذاته بذاته لا غیر، و قبول هذا من لوازم قبول وحدة الوجود و فروعها.
فافهم أن هذه المسألة من أساس معارف الشیخ رضی الله عنه و لا تمل عنها، و لا تأخذ عنها بدلا فإنها کشف أوسع الکشوف.
و إن اعترضوا علینا بذکر هذه المسألة، فلیس بأقل منع جرى على طلل، و أن الشیاطین لیوحون إلى أولیائهم لیجادلوکم، و الله المستعان، فافهم .
ممدّالهمم در شرح فصوصالحکم، علامه حسنزاده آملی، ص۱۳
و من شأن الحکم الإلهی أنّه ما سوّى محلا إلّا و یقبل روحا الهیا عبّر عنه بالنفخ فیه، و ما هو إلّا حصول الاستعداد من تلک الصّورة المسوّاة لقبول فیض التجلّی الدائم الذی لم یزل و لا یزال. و ما بقی إلّا قابل و القابل لا یکون إلّا من فیضه الأقدس.
و از شأن حکم الهى این است که هیچ محلى را تسویه نفرمود مگر اینکه آن محل روح الهى را قابل است. که از این معنى به نفخ روح در وى تعبیر شده و این نیست مگر حصول استعداد این صورت مسوّى براى قبول فیض تجلى دائمى که لم یزل و لا یزال است. (چون هر چه أزلی شد ابدى نیز هست).
و قابل از فیض اقدس است (یعنى از بالاتر مىگیرد)
نصوص الخصوص فى ترجمة الفصوص (بابا رکنا شیرازی)، ج1، ص: 55
و من شأن الحکم الإلهى أنّه ما سوّى محلّا إلّا و لا بدّ أن یقبل روحا إلهیّا عبّر عنه بالنّفخ فیه؛ و ما هو إلّا حصول الاستعداد من تلک الصورة المسوّاة لقبول الفیض التجلّى الدّائم الّذی لم یزل و لا یزال. و ما بقى إلّا قابل، و القابل لا یکون إلّا من فیضه الأقدس.
و سنت الهى چنان رفته است که: هر چیزى که به وجود موجود گشت، در وى قابلیت روح الهى پیدا شد، تا حیات و کمال آن چیز، به آن روح باشد، که:
«وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی» عبارت از آن است. و آن نفخ نیست إلّا بخششى از حق؛ تامر آن کالبد را استعداد قبول کردن فیض حق [که آن تجلّى دایمى است که لا یزال از حضرت اسماء و صفات لایزالى واجب الوجود- تعالى شأنه- به موجودات مىرسد] پدید آید. پس نفخ، بخشش استعداد باشد موجودات را؛ و وجود عالم جز قابلى نباشد؛ و آن قابل نیز به خود، موجود نیست، بلکه بسبب فیض اقدس، که آن عین ذات حق است، موجود گشت؛ چرا که: عالم، من حیث انّه هو هو، معدوم بود؛ و به وجود، موجود گشت. که ممیّز عدم از وجود، جز وجود، نیست. و حاصل این سخن آن است که: حضرت حق- عزّ اسمه- عالم کبیر را چون جسدى بىروح و آینهاى بىجلا آفرید. پس آن را روحى و جلایى از نفخ خود داد؛ و آن استعدادى بود قبول فیض را؛ تا به آن استعداد فیوض ربّانى را تلقّى نماید؛ که اگر در وى بحکم نفخ، این استعداد ننهادى، و آن عطا ندادى، وجودش کالعدم بودى. پس استعدادات، فیض مقدّس را قابل آمد. و قابل را وجود از فیض اقدس بود. و دایم فیض مقدّس مترتّب مىباشد بر فیض اقدس؛ که به اصطلاح این طایفه «فیض اقدس» آن باشد که: از عین ذات بحکم محبّت فایض گردد؛ و آن «وجود بخش» باشد.
و «فیض مقدّس» آن باشد که: از اسماء و صفات بحکم تربیت فایض گردد و هرآینه تا اوّل موجودى به وجود موصوف نگردد، تربیت به آن مترتّب نگردد؛ کما قال اللّه تعالى: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ». فهم من فهم.
شرح فصوص الحکم (خوارزمى/حسن زاده آملى)، ص: 95-98
و من شأن الحکم الالهى أنّه ما سوّى محلّا إلّا و لا بدّ أن یقبل روحا الهیّا عبّر عنه بالنّفخ فیه؛ و ما هو إلّا حصول الاستعداد من تلک الصّورة المسوّاة لقبول الفیض التّجلّى الدائم الّذى لم یزل و لا یزال.
و از شان حق و حکم الهى و سنت حضرت پادشاهى آنست که هیچچیز را ایجاد و تسویه نمىکند مگر که آن موجود را چاره نیست از قابل بودن مر قبول «روح الهى» را که آن قبول معبرست به نفخ، چنانکه در شأن آدم فرمود: فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ ساجِدِینَ* پس نفخ او اعطاى قابلیت و استعداد است ازین صورت مسواة مر قبول «فیض اقدس» را که آن تجلّى دائمى است برین موجود و بر غیر او که آن فیض هیچ زائل نشد و نخواهد شدن که اگر یک لحظه انقطاع او فرض کرده شود همه اشیا کسوت عدم پوشند؛ و نه «موجود علمى» باقى ماند و نه «عینى» و نه شاید گمان بردن که اعیان در زمانى از ازمنه موجود بوده باشد و انسان در آن زمان معدوم بود مطلقا و الّا لازم آید که اعیان را وجود در حالت عدم روح باشد؛ بلکه چاره نیست از دانستن این معنى که انسان از حیثیت «نشأت عنصریّه» بعد از کلّ موجود است به بعدیّت زمانیّه کما اشار بقوله تعالى:
«خمّرت طینة آدم بیدىّ أربعین صباحا»
و از حیثیت «نشأت علمیّه» پیش از جمیع اعیان است چه اعیان تفاصیل حقیقت انسان است، و از «نشأت روحانیّه کلّیّه» نیز پیش از جمیع ارواح است کما أشار إلیه
النبىّ علیه السلام بقوله: «أوّل ما خلق اللّه نورى»
و از حیثیت «نشأت روحانیه جزئیة» نیز که در «عالم مثالى» است پیش از همه مبدعات است؛ اگرچه مؤخر است از عقول و نفوس فلکیّه به تأخّر ذاتى نه زمانى. لاجرم معدوم نباشد در خارج مطلقا و لهذا در حق او پیش از نشأت عنصریّه گفته شد: أَ تَجْعَلُ فِیها مَنْ یُفْسِدُ فِیها وَ یَسْفِکُ الدِّماءَ و نیز اخراج کرده شد از جنت به مخالفت امر بارى جلّ امره، (بارى تعالى- خ ل) این خود هست؛ اما صاحب شهود و محقق عارف به مراتب وجود مىداند که انسان اعنى حقیقت او موجودست در جمیع مظاهر سماویه و عنصریّه و مشاهده مىکند او را در جمیع مواطن و مراتب به صورى که مناسب او باشد در حالت تنزل از حضرت علمیّه به غیبیّه، و از غیبیّه به شهادت مطلقه، پیش از ظهور او درین صورت انسانیّه حادثیّه زمانیّه، و احاطه این اشارت نمىتواند کرد مگر کسى که محیط باشد به سرّ وَ قَدْ خَلَقَکُمْ أَطْواراً و ارباب ذوق و اصحاب شوق را باید که در تحقیق آنچه به شرحش قیام نموده شد ملاحظه این ابیات کند: نظم:
چو هراسم را مظهر آمد ز غیب جهان گشت موجود بىهیچ ریب
رسیدند از علم اشیا به عین شهادت پذیرفت از غیب زین
عیان گشت چون شخص بىجان جهان و لیکن درو نوع انسان چو جان
جهان فرع و اصل است انسان درو جهان جسم و انسان نگر جان درو
به هرطور او را ظهوریست خاص که دارد بدان مرتبت اختصاص
تو روح جهانى و از روح پیش (بیش- خ) و لیکن ندانستهاى قدر خویش
بدان گر ندانى به القاى سمع که کونین در نشأت تست جمع
توئى نسخه جامع مختصر مجو هرچه جوئى ز جاى دگر
بدانى به افناى قید دوئى که اول تو بودى و آخر توئى
و ما بقى ثمّة إلّا قابل، و القابل لا یکون إلّا من فیضه الأقدس.
و باقى نماند اینجا مگر قابل و قابل نیز متحقق نیست مگر از «فیض اقدس»
یعنى چون بیان کرده شد که «فیض» که عبارت از تجلّى، از حق است و استعداد و قبول تجلّى نیز از حق است، پس در اینجا باقى نماند غیر قابل. پس مستعد قابل کیست؟ مىگوید حق را دو نوع تجلّى است یکى اقدس از شوائب کثرت اسمائیّه و نقایص حقایق امکانیّه که آن تجلّى حبّى ذاتیست که موجب وجود اشیاء و استعدادات اوست در حضرت علمیّه بعد از آن در عینیّه لاجرم مستعد قابل مستند بدان تجلّى است و متحقق بتحقق او چنانکه به تقدیم رسیده است که اعیان که قابلاند تجلیّات الهیّه را، فایضاند از حضرت بارى سبحانه به «فیض اقدس».
و تجلّى دوم «مقدس» و این فیض عبارت است از تجلیّات اسمائیّه که موجب است ظهور آنچه را اقتضا مىکند استعدادات این اعیان در خارج؛ و «فیض مقدّس» مترتب است بر «فیض اقدس» پس برین تقریر چون مقرر گشت که «قابل» و آنچه بر وى مترتّب مىشود از استعدادات، و کمالات و علوم و معارف و غیر آن فائض است از حق تعالى و حاصل است ازو مىگوید:
حل فصوص الحکم (شرح فصوص الحکم پارسا)، ص: 516
و من شأن الحکم الإلهیّ أنّه ما سوّى إلّا و لا بدّ أن یقبل روحا إلهیّا عبّر عنه بالنّفخفیه؛ و ما هو إلّا حصول الاستعداد من تلک الصّورة المسوّاة لقبول الفیض التّجلّی الدّائم الّذی لم یزل و لا یزال. و ما بقی إلّا قابل، و القابل لا یکون إلّا من فیضه الأقدس
و سنّت الهى چنان رفته که، هر چیزى که به وجود موجود گشت، در وى قابلیّت روح الهى باشد، تا، حیات و کمال آن چیز به آن روح بود، و «نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی»* عبارت از آن روح است؛ و آن نفخ نیست مگر بخشش از حق، آن کالبد را به جهت قبول کردن فیض مقدس که آن تجلّى دایمست از حضرت اسماء و صفات. پس نفخ بخشش استعداد باشد موجودات را؛ و وجود جز قابلى نیست، و آن نیز به خود موجود نیست، بل که به سبب فیض اقدس که از عین ذات حق است موجود گشت.