عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة التاسعة والثلاثون : 


شرح فصوص الحکم من کلام الشیخ الأکبر ابن العربی أ. محمد محمود الغراب 1405 هـ:

01 - فص حکمة إلهیة فی کلمة آدمیة

قال الشیخ رضی الله عنه : (لما شاء الحق سبحانه من حیث أسماؤه الحسنى التی لا یبلغها الإحصاء أن یرى أعیانها "2"، و إن شئت قلت أن یرى عینه، فی کون جامع یحصر الأمر کله ، لکونه متصفا بالوجود، و یظهر به سره إلیه: فإن رؤیة الشی ء نفسه بنفسه ما هی مثل رؤیته )


1-  المناسبة فی تسمیة الفص هو أن آدم علیه السلام خلق على صورة الحق

قال صلى الله علیه وسلم « خلق الله آدم على صورته.».

وقال تعالی: " وعلم آدم الأسماء کلها" , وهو الإنسان الکامل حضرة المضاهاة الإلهیة ولذلک سمیت حکمة إلهیة فی کلیة آدمیة .


2 - محاضرة الأسماء و تحاورها  

اجتماع الأسماء فی حضرة المسمى وظهور أحکامها

إن الأسماء اجتمعت بحضرة المسمى ، ونظرت فی حقائقها ومعانیها ، فطلبت ظهور أحکامها حتى تتمیز أعیانها بآثارها.

فإن الخالق الذی هو المقدر والعالم والمدبر والمفصل والبارئ والمصور والرزاق والمحینی والمیت والوارث والشکور .

وجمیع الأسماء الإلهیة نظروا فی ذواتهم ولم یروا مخلوقا ولا مدبرا ولا مفصلا ، ولا مصورا ولا مرزوقا.

فقالوا کیف العمل حتى تظهر هذه الأعیان التی تظهر أحکامنا فیها فیظهر سلطاننا ؟ فلجأت الأسماء الإلهیة التی تطلبها بعض حقائق العالم بعد ظهور عینه إلى الاسم البارئ فقالوا له : " عسى أن توجد هذه الأعیان لتظهر أحکامنا وینبت سلطاننا إذ الحضرة التی نحن فیها لا تقبل تأثیرنا " .

فقال الباریء : « ذلک راجع إلى الاسم القادر فإنی تحت حیطته ».

وکان أصل هذا أن الممکنات فی حلل نعدمها سألت الأسماء الإلهیة سؤال حال ذلة وافتقار .

وقالت لها : إن العدم قد أعمانا عن إدراک بعضنا بعضا وعن معرفة مایجب لکم من الحق علینا، فلو أنکم أظهرتم أعیاننا و کسوتمونا حلة الوجود أنعمتم علینا بذلک وقمنا بما ینبغی لکم من الجلال والتعظیم ، وأنتم أیضا کانت السلطنة تصح لکم فی ظهورنا بالفعل ، والیوم .أتم علینا.

سلاطین بالقوة والصلاحیة، فهذا الذی نطلبه منکم. هو فی حقکم أکثر منه فی حقنا.

فقالت الأسماء : إن هذا الذی ذکرته الممکنات صحیح فتحرکوا فی طلب ذلک ، فلما لجأوا إلى الاسم القادر .

قال القادر : أنا تحت حیطة المزید فالا أوجد عینا منکم إلا باختصاصه ، ولا یمکننی الممکن من نفسه إلا أن یأتیه أمر الأمر من ربه ، فإذا أمره بالتکوین وقال له کن مکننی من نفسه و تعلقت بإیجاده فکونته من حینه.

فلجأوا إلى الاسم المرید ، فقالوا له : إن الاسم القادر سألناه فی إیجاد أعیانبا فأوقف أمر ذلک علیک فما ترسم ؟

وقال المرید صدق القادر. ولکن ما عندی خبر ما حکم الأمم العالم فیکم ، هل سبق علمه بإیجادکم فنخصص أو لم یسبق؟

فأنا تحت حیطة الاسم العالم ، فسیروا إلیه واذکروا له قضیتکم.

فساروا إلى الاسم العالم وذکروا ما قاله الأسم المرید .

فقال العالم : صدق المرید وقد سبق علمی بإیجادکم ؛ ولکن الأدب أولى :" فإن لنا حضرة مهیمنة علینا وهی الاسم الله .

فلابد من حضورنا عنده ، فإنها حضرة الجمع ، فاجتمعت الاسماء کلها فی حضرة الله .

فقال : ما بالکم ؟

فذکروا له الخبر .

فقال : أنا اسم جامع لحقائقکم وإنی دلیل على مسمى وهو ذات مقدسة له نعوت الکمال والتنزیه، فقفوا حتى أدخل على مدلولی ، فدخل على مدلوله فقال له ما قالته الممکنات وما تحاورت فیه الأسماء.

فقال : اخرج وقل لکل واحد من الأسماء یتعلق بما تقتضیه حقیقته فی الممکنات فإنی الواحد لنفسی من حیث نفسی ، والممکنات إنما تطلب مرتبتی وتطلبها مرتبتی، والأسماء الإلهیة کلها للمرتبة لا لی إلا الواحد خاصة فهو اسم خصیص بی لا یشارکنی فی حقیقته من کل وجه أحد. لا من الأسماء ولا من المراتب ولا من الممکنات.

فخرج الاسم الله ومعه الاسم المتکلم یترجم عنه للممکنات والأسماء، فذکر لهم ما ذکره المسمى ، فتعلق العالم والمرید والقائل والقادر .

فظهر الممکن الأول من الممکنات بتخصیص المرید وحکم العالم ، فلما ظهرت الأعیان والآثار فی الأکوان ، وتسلط بعضها على بعض ، وقهر بعضها بعضا ، بحسب ما تستند إلیه من الأسماء ، فادی إلى منازعة وخصام.

فقالوا : إنا نخاف علینا، أن یفسد نظامنا وتلحق بالعدم الذی کنا فیه .

فنبهت الممکنات الأسماء بما ألقى إلیها الأسهم العلم والمدبر.

وقالوا : أنتم أیها الأسماء لو کان حکمکم على میزان معلوم وحد مرسوم بإمام ترجعون إلیه یحفظ علینا وجودا وتحفظ علیکم تأثیراتکم فینا ، لکان أصلح لنا ولکم ، فالجأوا إلى الله عسى یقدم من یحد لکم حدا تقفون عنده وإلا، هلکنا وتعطلتم .

فقالوا : هذا عین المصلحة وعین الرأی ، ففعلوا ذلک .

فقالوا : إن الاسم المدبر هو ینهی أمرکم ، فأنهوا الى المدبر الأمر .

فقال : أنا لها ، فلخل وخرج بأمر الحق إلى الاسم الرب .

وقال له : افعل ما تقتضیه المصلحة فی بقاء أعیان هذه الممکنات .

فاتخذ: وزیرین یعیناته على ما أمر به ، الوزیر الواحد الاسم المدبر ،والوزیر الآخر المفصل.

قال تعالى : یدبر الأمر یفصل الآیات لعلکم بلقاء ربکم توقنون، الذی هو الإمام، فانظر ما أحکم کلام الله تعالى ، حیث جاء بلفظ مطابق للحال الذی ینبغی أن یکون الأمر علیه ، فحد الاسم الرب لهم الحدود ووضع لهم المراسم لإصلاح المملکة لیبلوکم أیهم أحسن عملا .

محاضرة الأسماء فی حضرة الذات ... دلیل على الماضی دلیل على الآتی

أقول بها والکون یعطی وجودها ...   لوجدان آلام ووجدان لذات

فلولا وجود المحو ما صح عندنا ... ولا عند من یدری وجود لأثبات

ویقول فی موطن آخر :

اعلم أن السدنة من الأسماء الإلهیة لما کانت بأیدیهم مقالید السموات والأرض ، ولا سماء ولا أرض ، بقی کل سادن بمقلاده لا یجد ما یفتح .

فقالوا : یا للعجب خزان بمفاتیح مخازن لا تعرف مخزنا موجودا ، فما نصنع بهذه المقالید ، فأجمعوا أمرهم وقالوا «لابد لنا من أئمتنا السبعة الذین أعطونا هذه المقالید ولم یعرفونا المخازن التی تکون علیها ، فقاموا على أبواب الأمة ، على باب الإمام المخصص والإمام المنعم والإمام المقسط ، فأخبرهم الأمر ، فقالوا: صدقتم ، الخبر عندنا ، و سنعینها لکم إن شاء الله تعالى ، ولکن تعالوا نصل إلى من بقی من الأئمة ونجتمع على باب حضرة الإمام الإلهی إمام الأئمة ، فاجتمع الکل وهم بالإضافة إلى الإمام. المعروف « بالله » سدنة ، فوقف الجمیع ببابه فبرز لهم.

وقال : ما الذی جاء بکم ؟

فذکروا له الأمر وأنهم طالبون وجود السموات والأرض حتى یضعوا کل مقلاد على بابه ، فقال : أین الإمام المخصص ؟

فبادر إلیه المرید ، فقال له : ألیس الخبر عندک وعند العلیم ؟

فقال له نعم ، قال : فإن کان فأرح هؤلاء مما هم فیه من تعلق الخاطر وشغل البال ، فقال العلیم والمرید : أیها الإمام الأکمل .

قل الإمام القادر یساعدنا والقائل ، فإنه لا تقوم به بأنفسنا إلا أربعتنا ، فنادى الله تعالى القادر والقائل ، وقال لهما : أعینا أخویکما فیما هما بسبیله.

فقالا « نعم » فدخلا حضرة الجواد .

فقالا للجواد : عزمنا على إیجاد الأکوان وعالم الحدثان ، وإخراجهم من العدم إلى الوجود، وهذا من حضرتک حضرة الجود.

فادفع لنا من الجود ما تبرزهم به ، فدفع لهم الجود المطلق ، فخرجوا به من عنده ، وتعلقوا بالعالم فأبرزوه على غایة الإحکام والإتقان ، فلم یبق فی الإمکان أبدع منه ، فإنه ص در عن الجود المطلق .

ولو بقی أبدع منه لکان الجواد قد بخل بما لم یعط وأبقاه عنده من الکمال ، ولم یصح علیه إطلاق اسم الجواد وفیه شیء من البخل .

فلیس اسم الجواد علیه فیما أعطى بأولى من اسم البخیل علیه فیما أمسک ، وبطلت الحقائق ، وقد ثبت أن اسم البخیل علیه محال ، فکونه أبقى عنده ما هو أکمل منه محال ، وما ظهر الإمام المقسط إلا بعد نزول الشرائع.

راجع فتوحات ج1 ۳۲۳ / ۱ج2 / 556 , کتاب إنشاء الجداول والدوائر.


قال الشیخ رضی الله عنه : (نفسه فی أمر آخر یکون له کالمرآة، فإنه یظهر له نفسه فی صورة یعطیها المحل المنظور فیه )

(مما لم یکن یظهر له من غیر وجود هذا المحل ولا تجلیه له."3" وقد کان الحق سبحانه أوجد العالم کله وجود شبح مسوى لا روح فیه، فکان کمرآة غیر مجلوة. ومن شأن )

(ومن شأن الحکم الإلهی أنه ما سوى محلا إلا ویقبل روحا إلهیا عبر عنه بالنفخ فیه، وما هو إلا حصول الاستعداد من تلک الصورة المسواة لقبول الفیض التجلی الدائم الذی لم یزل ولا یزال. وما بقی إلا قابل، والقابل لا یکون إلا من فیضه الأقدس.  

فالأمر کله منه، ابتداؤه وانتهاؤه، «وإلیه یرجع الأمر کله»، کما ابتدأ منه. 

فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فکان آدم عین جلاء تلک المرآة وروح تلک )


3 - الحب سبب وجود العالم

لما لم یکن علم الله تعالى بالعالم إلا علمه بنفسه إذ لم یکن فی الوجود إلا هو.

فما ظهر فی الکون إلا ما هو علیه فی نفسه ، فلابد أن یکون العالم على صورته ، وصورة العالم على قدر الحضرة الإلهیة الأسمائیة ، فما فی الحضرة الإلهیة اسم إلهی إلا وهو على قدر أثره فی نشء العالم من غیر زیادة ولا نقصان ، فخلق الله العالم

فی غایة الإحکام والإتقان کما قال الإمام أبو حامد الغزالی من أنه لم یبق فی الإمکان أبدع من هذا العالم ..

فطابق العالم الأسماء الإلهیة ، وکأنه تعالى کان باطنا فصار بالعالم ظاهرا ، فعرف نفسه شهودة بالظاهر بقوله : "فأحببت أن أعرف" - الحدیث .

ولما أظهر العالم فی عینه کان مجلاه ، فما رأی فیه غیر جماله ، فالعالم جمال الله، فهو تعالى الجمیل المحب الجمال ، ورد فی الخبر الصحیح فی صحیح مسلم عن رسول الله مع أنه قال : "إن الله جمیل یحب الجمال"، فأوجد الله العالم فی غایة الجمال والکمال خلقا وإبداعا ، فإنه تعالى یحب الجمال ، وما ثم جمیل إلا هو ، فأحب نفسه ثم أحب أن یرى نفسه فی غیره ، فخلق العالم على صورة جماله ونظر إلیه فأحبه حب من قیده النظر ، فما خلق الله العالم إلا على صورته ، فالعالم کله. جمیل وهو سبحانه یحب الجمال.

کلمة الحضرة الإلهیة وهی کلمة « کن » : لله تجل فی صورة تقبل القول والکلام بترتیب الحروف ، « فکن » عین ما تکلم به فظهر عنه الذی قیل له کن ، فعین الأمر عین التکوین ، وما ثم أمر إلهی إلا کن ، فإذا نظرت إلى تکون العالم من النفس الرحمانی الظاهر من محبة الله أن یعرفه خلقه ، علمت أن ما فی العالم أو ما هو العالم سوی کلمات الله ، وکلمات الله أمره ، وأمره واحدة کلمح البصر أو هو أقرب .

وعلمت اختصاص کلمة الحضرة من الکلمات بکلمة کن لکل شیء مع اختلاف ما ظهره فلیس الکون بزائد على کن بواوها الغیبیة ، فظهر الکون على صورة کن ، وکن أمره وأمره کلامه وکلامه علمه ، وعلمه ذاته ، فظهر العالم على صورته ، فلیس للحق منزه ولا مجلی إلا العالم.

راجع الفتوحات المکیة  ج2 /111 , 345 , 399 , 401 , 402 , 403 .  ج3/ 151 , ج4/ 269


قال الشیخ رضی الله عنه : (الصورة "4" ، وکانت الملائکة من بعض قوى تلک الصورة التی هی صورة العالم المعبر عنه فی اصطلاح القوم «بالإنسان الکبیر». فکانت الملائکة له کالقوى الروحانیة والحسیة )

(التی فی النشأة الإنسانیة. فکل قوة منها محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها، وأن فیها، فیما تزعم، الأهلیة لکل منصب عال ومنزلة رفیعة عند الله، لما عندها من الجمعیة )


4 . خلق الله آدم على صورته

اعلم أنه لا یصح أن یکون شیء من العالم له وجود لیس هو على صورة الحق، فنسبة الحق إلى الخلق نسبة الإنسان إلى کل صنف من العالم ، والعالم عند الجماعة، هو إنسان کبیر فی المعنى والجرم.

یقول الله تعالى : "لخلق السموات والأرض أکبر من خلق الناس ولکن أکثر الناس لا یعلمون" .

فلذلک قلنا فی المعنى ، وما فی العلم عن الکل وإنما نقاه عن الأکثر ، والإنسان الکامل من العالم وهو له کالروح لجسم الحیوان ، وهو الإنسان الصغیر ، وسمی صغیرا لأنه انفعل عن الکبیر وهو، مختصر فالمطول العالم کله والمختصر الإنسان الکامل ، فالإنسان آخر موجود فی العالم لأن المختصر لا یختصر إلا من مطول وإلا فلیس بمختصر ، فالعالم مختصر الحق والإنسان مختصر العالم والحق ، فهو نقاوة المختصر.

فلما کان العالم على صورة الحق وکان الإنسان الکامل على صورة العالم وصورة الحق وهو قوله : " إن الله خلق آدم على صورته"، فلیس فی الإمکان أبدع ولا أکمل من هذا العالم إذ لو کان لکان فی الإمکان ما هو أکمل من الله .

فإن آدم وهو من العالم قد خلقه الله على صورته ، وأکمل من صورة الحق فلا یکون ، وما کملت الصورة من العالم إلا بوجود الإنسان .

فمن کل شیء فی الوجود زوجان الأن الإنسان الکامل والعالم بالإنسان الکامل على صورة الحق ، فامتاز الإنسان الکامل عن العالم مع کونه من کمال الصورة للعالم الکبیر بکونه على الصورة بانفراده ، من غیر حاجة إلى العالم .

فالإنسان الکامل وحده یقوم مقام الجماعة ، فإنه أکمل من عین مجموع العالم إذ کان نسخة من العالم حرفا بحرف (سنریهم آیاتنا فی الآفاق وفی أنفسهم ) ، ویزید أنه على حقیقة لا تقبل التضاؤل « خلق الله آدم على صورته » .


فحاز الإنسان الکامل صورة العالم وصورة الحق ففضل بالمجموع فجعل الحق الإنسان الکامل نسخة من العالم کله ، فما من حقیقة فی العالم إلا وهی فی   الإنسان .

فهو الکلمة الجامعة وهو المختصر الشریف وجعل الحقائق الإلهیة التی توجهت على إیجاد العالم بأسره متوجهة على إیجاد هذه النشأة الإنسانیة الإمامیة ، فخلق الله تعالى الإنسان فی أحسن تقویم ، وأبرزه نسخة کاملة جامعة لصورة حقائق الحدث وأسماء القدیم ، أقامه سبحانه معنى رابطا للحقیقتین ، وأنشأه برزخا جامعا للطرفین والرقیقتین ، أحکم بیدیه صنعته وحسن بعنایته صبغته ، وکانت مضاهاته للأسماء الإلهیة بخالقه، ومضاهاته للأکوان العلویة والسفلیة بخلقه، فتمیز عن جمیع الخلائق بالخلقة المستقیمة والخلائق ، عین سبحانه سره مثالا فی حضرة الأسرار ، ومیز نوره من بین سائر الأنوار ، وقصب له کرسی العنایة بین حضرتیه ، وصرف نظر الولایة والنیابة فیه وإلیه .

فلم یخلق الله تعالى الإنسان عبثا بل خلقه لیکون وحده على صورته ، فکل من فی العالم جاهل بالکل عالم بالبعض ، إلا الإنسان الکامل وحده ، فإن الله علمه الأسماء کلها وآتاه جوامع الکلم ، فکملت صورته ، فجمع بین صورة الحق وصورة العالم ، فکان برزخا بین الحق والعالم ، مرآة منصوبة ، یرى الحق صورته فی مرآة الإنسان ، ویرى الخلق أیضا صورته فیه ، لأن الإنسان فیه مناسب من کل شیء فی العالم ، فیضاف کل مناسب إلى مناسبه بأظهر وجوهه ، ویخصصه الحال والوقت والسماع بمناسب ما دون غیره من المناسب ، إذا کان له مناسبات کثیرة لوجوه کثیرة یطلبها بذاته، فمن حصل هذه المرتبة حصل رتبة الکمال الذی لاأکمل منه فی الإمکان، ومعنى رؤیة صورة الحق فیه ، إطلاق جمیع الأسماء الإلهیة علیه ، کما جاء فی الخبر

"فبهم تنصرون" ، والله الناصر « وبهم ترزقون » والله الرازق « وبهم ترحمون ، والله الراحم ، وقد ورد فی القران فیمن علمنا کماله صلى الله علیه وسلم واعتقدنا ذلک فیه أنه « بالمؤمنین رؤوف رحیم » ، « وما أرسلناک إلا رحمة للعالمین » أی لترحمهم ، والتخلق بالأسماء یقول به جمیع العلماء ، فالإنسان متصف یسمى بالحی والعالم المرید السمیع البصیر المتکلم القادر وجمیع الأسماء الإلهیة من أسماء تنزیه وأفعال .

ولذلک عبر عن الإنسان الکامل بمرآة الحق ، والحقیقة من قوله تعالی « لیس کمثله شیء " وهی مثلیة لغویة ، وذلک عند بروز هذا الموجود فی أصفى ما یمکن وأجلی ، ظهر فیه الحق بذاته وصفاته المعنویة لا النفسیة ، وتجلى له من حضرة الجود ، وفی هذا الظهور الکریم قال تعالى : « لقد خلقنا الإنسان فی أحسن تقویم »

فالإنسان الکامل له الشرف على جمیع من فی السماء والأرض ، فإنه العین المقصودة للحق من الموجودات ، لأنه الذی اتخذه الله مجلی ، لأنه ما کمل إلا بصورة الحق ، کما أن المرآة وإن کانت تامة الخلق فلا تکمل إلا بتجلی صورة الناظر ، فتلک مرتبتها والمرتبة هی الغایة .

راجع فتوحات  ج3 /152, 315 ,331 , 398 , 409. ج4 / 21 , 132 , 230 , 231 , 409.  عقلة المستوفز ۔ ذخائر الأعلاق


قال الشیخ رضی الله عنه : (الإلهیة مما یرجع من ذلک إلى الجناب الإلهی، وإلى جانب حقیقة الحقائق، و- فی النشأة الحاملة لهذه الأوصاف- إلى ما تقتضیه الطبیعة الکلیة التی حصرت قوابل العالم کله أعلاه وأسفله."5" وهذا لا یعرفه عقل بطریق نظر فکری، بل هذا الفن )


5 - محمد صلى الله علیه وسلم روح العالم لا آدم علیه السلام

اعلم أن مرتبة الإنسان الکامل من العالم مرتبة النفس الناطقة من الإنسان ، فهو الکامل الذی لا أکمل منه وهو محمد صلى الله علیه وسلم .

فهو الإنسان الکامل الذی ساد العالم فی الکمال ، سید الناس یوم القیامة ، ومرتبة الکامل من الأناسی النازلین عن درجة هذا الکمال الذی هو الغایة من العالم منزلة القوى الروحانیة من الإنسان ، وهم الأنبیاء صلوات الله وسلامه علیهم .

ومنزلة من نزل من الکمال عن درجة هؤلاء من العالم منزلة القوى الحسیة من الإنسان وهم الورثة رضی الله عنهم .

وما بقی ممن هو على صورة الإنسان فی الشکل هو من جملة الحیوان فهم بمنزلة الروح الحیوانی فی الإنسان ، فإن العلم بالله المحدث الذی هو على صورة العلم بالله القدیم لا یتمکن أن یکون إلا لمن هو فی خلقه على الصورة ، ولیس غیر الإنسان الکامل ولهذا سمی کاملا ، وأنه روح العالم ، فإن الله لما أحب أن یعرف لم یکن أن یعرفه إلا من هو على صورته ، وما أوجد الله على صورته أحدا إلا الإنسان الکامل راجع فتوحات ج3 / 186, 266, 331  - أول هامش رقم 9 ص ۰32


قال الشیخ رضی الله عنه:  (من الإدراک لا یکون إلا عن کشف إلهی "6" منه یعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمی هذا المذکور إنسانا وخلیفة، فأما إنسانیته فلعموم نشأته وحصره الحقائق کلها. وهو للحق بمنزلة إنسان العین من العین الذی یکون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمی إنسانا فإنه به ینظر الحق إلى خلقه فیرحمهم.

فهو الإنسان الحادث الأزلی والنشیء الدائم الأبدی، والکلمة الفاصلة الجامعة، قیام العالم بوجوده، فهو من العالم کفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التی بها یختم بها الملک على خزانته.

وسماه خلیفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه کما یحفظ الختم الخزائن.

فما دام ختم الملک علیها لا یجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه فی حفظ الملک فلا یزال العالم محفوظا ما دام فیه هذا الإنسان الکامل.

ألا تراه إذا زال وفک من خزانة الدنیا لم یبق فیها ما اختزنه الحق فیها وخرج ما کان فیها والتحق بعضه ببعض، )


6 -  العلم الصحیح

العلم الصحیح لا یعطیه الفکر ، ولا ما قررته العقلاء من حیث أفکارهم ، إنما هو ما یقذفه الله فی قلب العالم ، وهو نور إلهی ، یختص به من یشاء من عباده ، من ملک ورسول و نبی وولی ومؤمن.

ومن لاکشف له لا علم له ، ولهذا جاءت الرسل والتعریف الإلهی بما تحیله العقول ، فتضطر إلى التأویل فی بعضها لتقبله .

وتضطر إلى التسلیم والعجز فی أمور لا تقبل التأویل أصلا ، وغایته أن یقول له وجه لا یعلمه إلا الله لا تبلغه عقولنا ، وهذا کله تأنیس للنفس لا علم ، حتى لا ترد شیئا مما جاءت به النبوة ، وهذا حال المؤمن العاقل ، فالعلم من لا یقبل صاحبه شبهة ، وذلک لیس إلا علم الأذواق ، فذلک الذی تقول فیه إنه علم .

فتوحات ج1/218 , ج2 / 473



قال الشیخ رضی الله عنه:  (وانتقل الأمر إلى الآخرة فکان ختما على خزانة الآخرة ختما أبدیا؟"7"

فظهر جمیع ما فی الصور الإلهیة من الأسماء فی هذه النشأة الإنسانیة فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود، وبه قامت الحجة لله تعالى على الملائکة. فتحفظ فقد وعظک الله بغیرک، سأنظر من أین أتی على من أتی علیه.

فإن الملائکة لم تقف مع ما تعطیه نشأة هذا الخلیفة، ولا وقفت مع ما تقتضیه حضرة الحق من العبادة الذاتیة، فإنه ما یعرف أحد من الحق إلا ما تعطیه ذاته، ولیس للملائکة جمعیة آدم، ولا وقفت مع الأسماء الإلهیة التی تخصها، وسبحت الحق بها وقدسته، وما علمت أن لله أسماء ما وصل علمها إلیها، فما سبحته بها ولا قدسته تقدیس آدم.  فغلب علیها ما ذکرناه، و حکم علیها هذا الحال فقالت من حیث النشأة:

«أتجعل فیها من یفسد فیها»؟  ولیس إلا النزاع وهو عین ما وقع منهم.

فما قالوه فی حق آدم هو عین ما هم فیه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطی ذلک ما قالوا فی حق آدم ما قالوه وهم لا یشعرون.

فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. ثم لم یقفوا مع التجریح حتى زادوا فی الدعوى بما هم علیه من التسبیح والتقدیس.

وعند آدم من الأسماء الإلهیة ما لم تکن الملائکة علیها، فما سبحت .)


7 - الإنسان الکامل عمد السماء

اعلم أن الإنسان الکامل عمد السماء الذی یمسک الله به وجود السماء أن تقع على الأرض ، فإذا زال الإنسان الکامل وانتقل إلى البرزخ هوت السماء .

وهو قوله تعالی « وانشقت السماء فهی یومئذ واهیة » أی ساقطة على الأرض ، فلابد من فرش وعرش ، فهی المهاد وأنت السقف المرفوع ، بینکما عمد قائم ، علیه اعتماد السبع الشداد ، لکنه عن البصر محجوب ، فهو ملحق بالغیوب ، ألم تسمع قول من أوجد عینها ، فأقامها بغیر عمد ترونها ، فما نفی العمد، لکن ما یراه کل أحد، فلابد لها من ماسک ، وما هو إلا المالک ، فمن أزالها بذهابه ، فهو عمدها المستور فی إهابه ، ولیس إلا الإنسان الکامل ، وهو الأمر الشامل ، الذی إذا قال «الله» ناب بذلک القول عن جمیع الأفواه ، فهو المنظور إلیه والمعول علیه.

راجع الفتوحات  ج3 /418 , ج4 /396



قال رضی الله عنه : (ربها بها ولا قدسته عنها تقدیس آدم وتسبیحه. "8"

فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعی ما نحن متحققون به وحاوون علیه بالتقیید، فکیف أن نطلق فی الدعوى فنعم بها ما لیس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟  فهذا التعریف الإلهی مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء.

ثم نرجع إلى الحکمة فنقول: اعلم أن الأمور الکلیة وإن لم یکن لها وجود فی عینها فهی معقولة معلومة بلا شک فی الذهن، فهی باطنة- لا تزال- عن الوجود العینی.

ولها الحکم والأثر فی کل ما له وجود عینی، بل هو عینها لا غیرها أعنی أعیان الموجودات العینیة، ولم تزل عن کونها معقولة فی نفسها.

فهی الظاهرة من حیث أعیان الموجودات کما هی الباطنة من حیث معقولیتها. فاستناد کل موجود عینی لهذه الأمور الکلیة التی لا یمکن رفعها عن العقل، ولا یمکن وجودها فی العین وجودا تزول به عن أن تکون معقولة.

وسواء کان ذلک الوجود العینی مؤقتا أو غیر مؤقت، نسبة المؤقت وغیر المؤقت إلى هذا الأمر الکلی المعقول نسبة واحدة.

غیر أن هذا الأمر الکلی یرجع إلیه حکم من الموجودات العینیة بحسب ما تطلبه حقائق تلک الموجودات العینیة، کنسبة العلم إلى العالم، والحیاة إلى الحی. فالحیاة حقیقة معقولة والعلم حقیقة معقولة متمیزة عن الحیاة، کما أن الحیاة متمیزة عنه.

ثم نقول فی الحق تعالى إن له علما وحیاة فهو الحی العالم.  ونقول فی الملک إن له حیاة وعلما فهو العالم والحی.

ونقول فی الإنسان إن له حیاة وعلما فهو الحی العالم.  وحقیقة العلم واحدة، وحقیقة الحیاة واحدة، ونسبتها إلى العالم والحی نسبة واحدة.

ونقول فی علم الحق إنه قدیم، وفی علم الإنسان إنه محدث. 

فانظر ما أحدثته الإضافة من الحکم فی هذه الحقیقة المعقولة، وانظر إلى هذا الارتباط بین المعقولات والموجودات العینیة.

فکما حکم العلم على من قام به أن یقال فیه عالم، حکم الموصوف به على العلم أنه حادث فی حق الحادث، قدیم فی حق القدیم. )


8 - الملائکة جهات الإنسان الکامل ومرتبته

ان الله ما خلق أولا من هذا النوع إلا الکامل وهو آدم علیه السلام ، ثم أبان الحق عن مرتبة الکمال لهذا النوع ، فمن حازها منه فهو الإنسان الذی أریده ومن نزل عن تلک المرتبة فعنده من الإنسانیة بحسب ما تبقى له .

ولیس فی الموجودات من وسع الحق سواه وما وسعه إلا بقبول الصورة ، فهی مجلى الحق والحق مجلى حقائق العالم بروحه الذی هو الإنسان .

الذی هو آخر نوع ظهر ، فأولیته حق وآخریته خلق ، فهو الأول من حیث الصورة الإلهیة ، والآخر من حیث الصورة الکونیة ، والظاهر بالصورتین ، والباطن عن الصورة الکونیة بما عنده من الصورة الإلهیة .

وقد ظهر حکم هذا فی عدم علم الملائکة بمنزلته مع کون الله قد قال لهم إنه خلیفة ، فکیف بهم لو لم یقل لهم ذلک ؟

فلم یکن ذلک إلا لبطونه عن الملائکة ، وهم من العالم الأعلى العالم بما فی الآخرة وبعض الأولى ، فإنهم لو علموا ما یکون فی الأولى ما جهلوا رتبة آدم علیه السلام مع التعریف، فلا الملک عرف الإنسان الکامل باعتراضه

"أتجعل فیها من یفسد فیها"، لأنه ما شاهده من جمیع وجوهه ، ولا الإنسان الحیوانی عرفه بعقله من جمیع وجوهه ، فجهل الکل الانسان الکامل فجعلوا الحق ، فما عرف الحق إلا الإنسان الکامل .

أما قوله فی هذه الفقرة عن الملائکة « ولا وقفت مع ما تقتضیه حضرة الحق من العبادة الذاتیة » فیفسره قوله : ما رأیت ولا سمعت عن أحد من المقربین أنه وقف مع ربه على قدم العبودة المحضة.

فالملأ الأعلى یقول « أتجعل فیها من یفسد فیها ».

والمصطفون من البشر یقولون "ربنا ظلمنا أنفسنا" ، لأن الملائکة غلب علیها الطبع ولم تحب الخیر إلا لنفسها ، وما وافقت الحق فیما أراد أن یظهره فی الکون من جعل آدم خلیفة فی الأرض.

فعرفهم بذلک فلم یوافقوه لحکم الطبع فی الطمع فی أعلى المراتب ، وقامت لهم صورة الغیرة على جناب الحق والإیثار لعظمته ، و ذهلوا عن تعظیمه ، إذ لو وقفوا مع ما ینبغی له من العظمة لوافقوه ، وما وافقوه ، وإن کانوا قصدوا الخیر فقالوا "ونحن نسبح بحمدک ونقدس لک" ، یعنی نحن أولى من هذا ، فرجحوا نظرهم على علم الله فی خلقه .

لذلک قال لهم «إنی أعلم ما لا تعلمون» فوصفهم بنفی العلم الذی علم الحق من هذا الخلیفة مما لم یعلموا ، وأثنوا على أنفسهم ، فمسألتهم جمعت ذلک .

حیث أثنوا على أنفسهم وعدلوها وجرحوا غیرهم ، وما ردوا العلم فی ذلک الى الله ، فهذا من بخل الطبع بالمرتبة ، وهذا یؤید أن الملائکة کما ذهبنا إلیه تحت حکم الطبیعة ،وأن لها أثرا فیهم.

الفتوحات المکیة  ج1 / 589 , ج2 / 93 , 468 , ج3 / 286   .


قال رضی الله عنه :  (فصار کل واحد محکوما به محکوما علیه . ومعلوم أن هذه الأمور الکلیة  "9" وإن کانت معقولة فإنها معلومة العین موجودة الحکم ، کما هی محکوم علیها إذا نسبت إلى الموجود العینی . فتقبل الحکم فی الأعیان الموجودة. ولا تقبل التفصیل ولا التجزی فإن ذلک محال علیها ؛ فإنها بذاتها فی کل موصوف بها کالإنسانیة فی کل شخص شخص من هذا هذا النوع الخاص لم تتفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص ولا برحت معقولة.

وإذا کان الارتباط بین من له وجود عینی وبین من لیس له وجود عینی قد ثبت، وهی نسب عدمیة، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن یعقل لأنه على کل حال بینها جامع- وهو الوجود العینی- وهناک فما ثم جامع. وقد وجد الارتباط بعدم ).

(الجامع فبالجامع أقوى وأحق. ولا شک أن المحدث قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث أحدثه لإمکانه لنفسه. فوجوده من غیره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار.  ولا بد أن یکون المستند إلیه واجب الوجود لذاته غنیا فی وجوده بنفسه غیر مفتقر).


9 -  الحقائق الکلیة

یقول الشیخ فی کتابه إنشاء الجداول والدوائر ص 3، 17، 18 ، 19 - ما یلی بعد الحمد لله والصلاة على النبی الجامع للمبادئ الأول، والمقابل حضرة الأزل، النور الساطع الذی لیس له فیء ، والمستور خلف حجاب لیس کمثله شیء ، ذلک حقیقة الحقائق ، والنشء الأول المبرز على صورة المخلوقات والخالق ، منه من باب الشکل ، ومنه من باب الحقیقة ، ومنه من باب الاسم والوصف ، ومنه من باب الخلائق ، محمد صلى الله علیه وعلى آله وصحبه وسلم ، وشرف وکرم .

اعلم أن الأشیاء على ثلاث مراتب لا رابع لها ، والعلم لا یتعلق بسواها .

وما عداها فعدم محض لا یعلم ولا یجهل ، ولا هو متعلق بشیء .

فإذا فهمت هذا فنقول إن هذه الأشیاء الثلاثة منها:

ما یتصف بالوجود لذاته ، فهو موجود بذاته فی عینه ، لا یصح أن یکون وجوده عن عدم ، بل هو مطلق الوجود ، لا عن شیء فکان یتقدم علیه ذلک الشیء ، بل هو الموجد لجمیع الأشیاء وخالقها ومقدارها ومفصلها ومدیرها .

وهو الوجود المطلق الذی لا یتقید سبحانه ، وهو الله الحی القیوم العلیم المرید القدیر ، الذی لیس کمثله شیء وهو السمیع البصیر .

ومنها موجود بالله تعالی وهو الوجود المقید المعبر عنه بالعالم .

وأما الشیء الثالث فما لا یتصف بالوجود ولا بالعدم ، ولا بالحدوث ولا بالقدم ، وهو مقارن للأزلی الحق أزلا .

فیستحیل علیه أیضا التقدم الزمانی على العالم والتأخر کما استحال على الحق وزیادة ، لأنه لیس بموجود ، فان الحدوث والقدم أمر إضافی ، یوصل إلى العقل حقیقة ما .

وهذا الشیء الثالث الذی لا یتصف بالوجود ولا بالعدم مثله فی انتفاء الأولیة والآخریة بانتفاء العالم ، کما کان الواجب الوجود سبحانه .

وکذلک لا یتصف بالکل ولا بالبعض ، ولا یقبل الزیادة والنقص ، وأما قولنا فیه کما استحال على الحق وزیادة  فتلک الزیادة کونه لا موجودا ولا معدوما ، فلا یقال فیه اول و آخر ، وکذلک لتعلم أیضا أن هذا الشیء الثالث لیس العالم یتأخر عنه أو یحاذیه بالمکان ،إذ المکان من العالم.

وهذا أصل العالم وأصل الجوهر الفرد وفلک الحیاة والحق المخلوق به وعن هذا الشیء الثالث ظهر العالم ، فهذا الشیء هو حقیقة حقائق العالم الکلیة المعقولة فی الذهن ، الذی یظهر فی القدیم قدیما وفی الحادث حادثة، .

فإن قلت هذا الشیء هو العالم صدقت وإن قلت إنه الحق القدیم سبحانه صدقت ، وإن قلت إنه لیس العالم ولا الحق تعالی و به معنی زائد صدقت ، کل هذا یصح علیه ، وهو الکلیة الأعم الجامع للحدوث والقدم .

وهو یتعدد بتعدد الموجودات ولا ینقسم بانقسام الموجودات ، وینقسم بانقسام المعلومات ، وهو لا موجود ولا معلوم ، ولا هو العالم وهو العالم ، وهو غیر ولا هو غیر.

هذا الشیء الثالث الذی نحن بسبیله لا یقدر أحد أن یقف على حقیقة عبارته.

فسمه إن شئت حقیقة الحقائق أو الهیولى أو المادة الأولى ، أو جنس الأجناس.

وسمى الحقائق التی یتضمنها هذا الشیء الثالث الحقائق الأول أو الأجناس العالیة ، فهذا الشیء الثالث أزلا لا یفارق الواجب الوجود ، محاذیا له من غیر وجود عینی.

فاتتفت الجهات والتلقاءات حتى لو فرضناه موجودا ولم نجعله متمیزة لاتنفت عنه التلقاءات والإزاءات .

أما عن الحقائق فیقول عنها فی الفتوحات الملکیة

أما الحقائق فعلى أربعة :

1 - حقائق ترجع إلى الذات المقدسة.

2 - وحقائق ترجع إلى الصفات المنزهة وهی النسب.

3 - وحقائق ترجع إلى الأفعال وهی کن وأخواتها .

4 - وحقائق ترجع إلى المفعولات وهی الأکوان والمکونات.


وهذه الحقائق الکونیة على ثلاث مراتب:

1- علویة وهی المعقولات.

2 - و سفلیة وهی المحسوسات.

3 - و برزخیة وهی المتخیلات

والعبودیة لا تشرک الربویة فی الحقائق التی بها یکون إلها ، کما أن بحقائقه یکون العبد مألوها ، ۰۰۰ فلو وقع الاشتراک فی الحقائق لکان إلها واحدا أو عبدة واحدة أعنی عینة واحدة .

وهذا لا یصح ، فلا بد أن تکون الحقائق متباینة ولو نسبت إلى عین واحدة ،ولهذا باینهم بقدمه کما باینوه بحدوثهم ،ولم یقل باینهم بعلمه کما باینوه بعلمهم.

فان فلک العلم واحد ، قدیما فی القدیم محدثا فی المحدث ، واجتمعت الحضرتان فی أن کل واحد منهما معقولة من ثلاث حقائق - ذات وصفة ورابطة بین الصفة والموصوف .

والحقائق على قسمین :

حقائق توجد مفردات فی العقل کالحیاة والعلم والنطق والحس.

وحقائق توجد بوجود الترکیب کالسماء والعالم والإنسان والحجر.

الحقائق لا تبذل ،

فالموجودات ظهرت عن أربع حقائق:

إلهیة وهی الحیاة

والعلم

والإرادة

والقدرة ،


والأجسام ظهرت عن أربع حقائق:

عن حرارة

وبرودة

ویبوسة

ورطوبة .


والمولدات ظهرت عن أربعة أرکان:

نار وهواء وماء وتراب .


وجسم الإنسان والحیوان ظهر عن أربعة أخلاط:

صفراء وسوداء ودم و بلغم  


ففی العلم حقائق معقولات سماها معقولات من حیث أنه عقلها لما تمیزت عنده فلم یکن لها أن یکون کل واحدة منها عین الأخرى .

فهی للحق معلومات وللخلق ولأنفسها معقولات .

ولا وجود لها فی الوجود الوجودی ولا فی الوجود الإمکانی ، فیظهر حکمها فی الحق فتنسب إلیه وتسمی أسماء إلهیة فینسب إلیها من نعوت الأزل ما ینسب إلى الحق.

وتنسب أیضا إلى الخلق بما یظهر من حیکمها، فیه فینسب إلیها من النعوت الحدوث ما ینسب إلى الخلق ، فهی الحادثة القدیمة والأبدیة الأزلیة .

الحقیقة هی روح کل حق ...

راجع فتوحات ج1/33 , 53 , 55 , 159 ,739 .  ج2 /162 , ج3/ 430. . کتاب إنشاء الجداول والدوائر


 قال رضی الله عنه : (وهو الذی أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إلیه. "10"

ولما اقتضاه لذاته کان واجبا به. ولما کان استناده إلى من ظهر عنه لذاته، اقتضى أن یکون على صورته فیما ینسب إلیه من کل شی ء من اسم وصفة ما عدا الوجوب الذاتی فإن ذلک لا یصح فی الحادث وإن کان واجب الوجود ولکن وجوبه بغیره لا بنفسه.

ثم لتعلم أنه لما کان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالى فی العلم به على النظر فی الحادث وذکر أنه أرانا آیاته فیه فاستدللنا بنا علیه. "11" . فما وصفناه بوصف إلا کنا نحن ذلک الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتی.

فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إلیه کل ما نسبناه إلینا.  وبذلک وردت الإخبارات الإلهیة على ألسنة التراجم إلینا.

فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه. ولا نشک أنا کثیرون بالشخص والنوع. "12"

وأنا وإن کنا على حقیقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تمیزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلک ما کانت الکثرة فی الواحد.

فکذلک أیضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جمیع الوجوه فلا بد من فارق، ولیس إلا افتقارنا إلیه فی الوجود وتوقف وجودنا علیه لإمکاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إلیه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذی انتفت عنه الأولیة التی لها افتتاح الوجود عن عدم.

فلا تنسب إلیه الأولیة مع کونه الأول ولهذا قیل فیه الآخر.)


10 - (هذا یرد کل ما جاء فی فتاوى الإمام ابن تیمیة من أن الشیخ لا یفرق بین الحادث والقدیم ، وهو یقول فی فتاویه « کما یقول صاحب الفصوص » راجع کتابنا « الرد على ابن تیمیة ")

11 - (یشیر إلى قوله "سنریهم آیاتنا فی الآفاق وفی أنفسهم حتى یتبین لهم أنه الحق").

12 - (أی حقیقة الخلق تمیزت بالأجناس، وحقیقة الإنسانیة تمیزت بالأشخاص.).


قال رضی الله عنه : (فلو کانت أولیته أولیة وجود التقیید لم یصح أن یکون الآخر للمقید، لأنه لا آخر للممکن، لأن الممکنات غیر متناهیة فلا آخر لها.

وإنما کان آخرا لرجوع الأمر کله إلیه بعد نسبة ذلک إلینا، فهو الآخر فی عین أولیته، والأول فی عین آخریته. ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر باطن، فأوجد العالم عالم غیب وشهادة لندرک الباطن بغیبنا والظاهر بشهادتنا.

ووصف نفسه بالرضا والغضب، وأوجد العالم ذا خوف ورجاء فیخاف غضبه ویرجو رضاه.

ووصف نفسه بأنه جمیل وذو جلال فأوجدنا على هیبة وأنس.

وهکذا جمیع ما ینسب إلیه تعالى ویسمى به. فعبر عن هاتین الصفتین بالیدین اللتین توجهنا منه على خلق الإنسان الکامل لکونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته.  فالعالم شهادة والخلیفة غیب، ولذا تحجب السلطان.

ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانیة وهی الأجسام الطبیعیة، والنوریة وهی الأرواح اللطیفة. فالعالم بین کثیف ولطیف، وهو عین الحجاب على نفسه، فلا یدرک الحق إدراکه نفسه. فلا فلا یزال فی حجاب لا یرفع مع علمه بأنه متمیز عن موجده بافتقاره.

ولکن لا حظ له فی الوجوب الذاتی الذی لوجود الحق، فلا یدرکه أبدا.

فلا یزال الحق من هذه الحقیقة غیر معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث فی ذلک.

فما جمع الله لآدم بین یدیه إلا تشریفا. ولهذا قال لإبلیس: «ما منعک أن تسجد لما خلقت بیدی»؟ وما هو إلا عین جمعه بین الصورتین: صورة العالم وصورة الحق، وهما یدا الحق. "13"

وإبلیس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعیة. ولهذا کان آدم خلیفة فإن لم یکن ظاهرا بصورة من استخلفه فیما استخلفه فیه فما هو خلیفة، وإن لم یکن فیه جمیع ما تطلبه الرعایا التی استخلف علیها).


13 - قوله تعالى « ما منعک أن تسجد لما خلقت بیدی »

ما أضاف الحق آدم إلى یدیه إلا على جهة التشریف والاختصاص على غیره والتنویه، لتعلم منزلته عند الله، فإنه لم یجمع سبحانه لشیء مما خلقه من أول موجود إلى آخر مولود وهو الحیوان بین یدیه تعالى إلا الإنسان .

فلما جمع له فی خلقه بین یدیه ، علمنا أنه أعطاه صفة الکمال ، فخلقه کاملا جامعة ، ولهذا قبل الأسماء کلها ، وقد وردت الأخبار والآیات بتوحید الید الإلهیة وتثنیتها وجمعها ، وما ثناها إلا فی خلق آدم علیه السلام ، وهو الإنسان الکامل ، والتثنیة لها درجة الکمال فهی برزخ بین الجمع والإفراد.

فلما أراد الله کمال هذه النشأة الإنسانیة جمع لها بین یدیه وأعطاها جمیع حقائق العالم ، وتجلى لها فی الأسماء کلها ، فحازت الصورة الإلهیة والصورة الکونیة ، وجعلها روحا للعالم .

فلو فارق العالم هذا الإنسان مات العالم ، کما تتعطل الدنیا بمفارقة الإنسان .

راجع الفتوحات ج2/ 4 , 67 , 498. - ج3 / 291.



قال رضی الله عنه : (لأن استنادها إلیه فلا بد أن یقوم بجمیع ما تحتاج إلیه- وإلا فلیس بخلیفة علیهم. "14"

فما صحت الخلافة إلا للإنسان الکامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.

ولذلک قال فیه «کنت سمعه وبصره» ما قال کنت عینه وأذنه: ففرق بین الصورتین.

وهکذا هو فی کل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقیقة ذلک الموجود.

ولکن لیس لأحد مجموع ما للخلیفة، فما فاز إلا بالمجموع. "15"

ولولا سریان الحق فی الموجودات بالصورة ما کان للعالم وجود، کما أنه لو لا تلک الحقائق المعقولة الکلیة ما ظهر حکم فی الموجودات العینیة.

و من هذه الحقیقة کان الافتقار من العالم إلى الحق فی وجوده:

فالکل مفتقر ما الکل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نکنی

فإن ذکرت غنیا لا افتقار به ... فقد علمت الذی بقولنا نعنی

فالکل بالکل مربوط فلیس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عنی).  


14 - الإنسان الکامل والخلافة

لابد للخلیفة أن یظهر بکل صورة یظهر بها من استخلفه فلابد من إحاطة الخلیفة بجمیع الأسماء والصفات الإلهیة التی یطلبها العالم الذی ولاه علیه الحق سبحانه ، فجعل الله الإنسان الکامل فی الدار الدنیا إماما وخلیفة ، وأعطاه علم الأسماء لما تدل علیه من المعانی .

وسخر لهذا الإنسان وبنیه وما تناسل منه جمیع ما فی السموات وما فی الأرض ، فما حصل الإنسان الکامل الإمامة حتى کان علامه ، وأعطی العلامة ، وکان الحق إمامه.

ولا یکون مثله حتى یکون موجها کله ، فکله أمام فهو الإمام ، لا خلفة یحده ، فقد انعدم ضده ، وما اختص آدم بالخلافة إلا بالمشیئة، ولو شاء جعلها فیمن جعلها من خلقه.

لذلک قلنا لا یصح أن تکون إلا فی مسی الإنسان الکامل ، ولو جمعها فی غیر الإنسان من المخلوقات ، لکان ذلک الجامع عین الإنسان الکامل ، فهو الخلیفة - بالصورة التی خلق علیها .

الفتوحات ج3/442 ز ج4/45 , 385 , 442.


15 - ظهور العالم على صورة الحق

راجع رقم 3 الحب سبب وجود العالم


قال رضی الله عنه : (فقد علمت حکمة نشأة آدم أعنی صورته الظاهرة.

وقد علمت نشأة روح آدم أعنی صورته الباطنة، فهو الحق الخلق.  "16"

وقد علمت نشأة رتبته وهی المجموع الذی به استحق الخلافة.

فآدم هو النفس الواحدة التی خلق منها هذا النوع الإنسانی.

وهو قوله تعالى: «یا أیها الناس اتقوا ربکم الذی خلقکم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا کثیرا ونساء».

فقوله اتقوا ربکم اجعلوا ما ظهر منکم وقایة لربکم،"17" واجعلوا ما بطن منکم، وهو ربکم،

وقایة لکم: فإن الأمر ذم وحمد: فکونوا وقایته فی الذم واجعلوه وقایتکم فی الحمد تکونوا أدباء عالمین.)


16 - الإنسان الکامل جامع لصورة الحق وصورة العالم

راجع رقم 4 خلق الله آدم على صورته


17 - التقوى والوقایة

لما کان المعنى فی التقوى أن تتخذ وقایة مما ینسب إلى المتقی ، فإذا جاءت النسبة حالت الوقایة بینها وبین المتقی أن تصل إلیه فتؤذیه ، فتلقتها الوقایة ، فلا أحد أصبر على أذى من الله .

وهی تحتاج إلى میزان قوی لأمور عوارض عرضت للنسبة تسمى مذمومة ، فیقبلها العبد ولا یجعل الله وقایة أدیا ، فکل ما ینسب إلى المخلوق فهو فیه نائب عن الله .

فإذ وقع محمودا نسب إلى الله لأجل المدح ، فإن الله یحب أن یمدح ، کذا ورد فی الصحیح عن رسول الله صلى الله علیه وسلم.

وإن تعلق به ذم أو لحق به عیب لم ینسبه إلى الله ، هذا هو الأدب الإلهی الذی أدب به الله رسوله صلى الله علیه وسلم .

ولیس الأدب خاصة، بأحد دون أحد ، فمن قبله سعد وکان ممن أدبه الله وانتمی إلى الله فی الأدب ، وهو أحسن الأدب ، لاسیما فیما ینسب إلى الجناب الإلهی .

فلا ینبغی للأدیب أن یتکل على المعنى، بل الأدب مراعاة الألفاظ فمن أدب الشریعة أدب الإضافة.

وکذلک فعل العالم العدل الأدیب خضر "العبد الصالح الخضر علیه السلام" ، فکنی عن نفسه فی إرادة العیب فقال:

"فأردت أن أعیبها" ، تنزیها أن یضیف إلى الجناب العالی ما ظاهره ذم فی العرف والعادة .

وقال فی المحمود « فأراد ربک » فی حق الیتیمین .

وقال فی موضع الحمد والذم « فأردنا » بنون الجمع ، لما فیه من تضمن الذم من قتل الغلام بغیر نفس ، ولما فیه من تضمن الحمد فی حق ما عصم الله بقتله أبویه .

فقال « فأردنا » وما أفرد ولا عین ، فالعارف یلزمه الأدب أن یضیف إلى الله کل محمود عرفا وشرعا، ولا یضیف إلیه ما هو مذموم عرفا وشرعا، إلا أن جمع مثل قوله: "قل کل من عند الله" وکل یقتضی العموم والإحاطة ، وقوله: «فألهمها فجورها وتقواها» فالکشف والدلیل یضیف إلیه کل محمود ومذموم ، فإن الذم لا یتعلق إلا بالفعل ، ولا فعل إلا الله لا لغیره ، فالعارف فی بدل الغلط ، فإن عقله یخالف قوله ، فقوله فی المذموم ما هو له (أی لیس للحق ) ویقول فی عقده وقلبه هو له ( الله خالق کل شیء ) عند قوله بلسانه ما هو له .

ج1/ 205 ,  ج2 / 158 , 481. ج4 / 67,247,319.



قال رضی الله عنه : (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فیه وجعل ذلک فی قبضتیه:

القبضة الواحدة فیها العالم،والقبضة الأخرى فیها آدم وبنوه وبین مراتبهم فیه."18"

قال رضی الله عنه: ولما أطلعنی الله سبحانه وتعالى فی سری على ما أودع فی هذا الإمام الوالد الأکبر. جعلت فی هذا الکتاب منه ما حد لی لا ما وقفت علیه، فإن ذلک لا یسعه کتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه فی هذا الکتاب کما حده لی رسول الله صلى الله علیه وسلم: )


18 - یدی الحق

یقول الشیخ رضی الله عنه فی عروجه الروحانی واجتماعه بآدم علیه السلام : فالتفت فإذا أنا بین یدیه وعن یمینه من نسم بنیه عینی ، فقلت له هذا أنا ، فضحک ، فقلت له فأنا بین یدیک وعن یمینک.

قال نعم هکذا رأیت نفسی بین یدی الحق حین بسط یده ، فرأیتنی وبنی فی الید ورأیتنی بین یدیه. فقلت له فما کان فی الید الأخرى المقبوضة ،قال العالم.

قلت له فیمین الحق تقضی بتعیین السعادة .

قال نعم تقضی بالسعادة ، فقلت فقد فرق الحق لنا بین أصحاب الیمین وأصحاب الشمال .

فقال لی یا ولدی ذلک یمین ابیک وشماله ، ألا ترى نسم بنی على یمینی وعلى شمالی ، وکلتا یدی ربی یمین مبارکة ، فبنی فی یمینی وفی شمالی ، وأنا وبنی فی یمین الحق ، وما سوانا من العالم فی الید الأخرى الإلهیة .

الفتوحات ج3 / 345.


قال رضی الله عنه : (حکمة إلهیة فی کلمة أدمیة ، وهو هذا الباب .

ثم حکمة نفثیة فی کلیة شیئیة .

ثم حکمة سبوحیة فی کلمة نوحیة .

ثم حکمة قدوسیة فی کلمة إدریسیة .

ثم حکمة مهیمیة فی کلمة إبراهیمیة ..

ثم حکمة حقیة فی کلمة إسحاقیة .

ثم حکمة علیة فی کلمة إسماعیلیة .

ثم حکمة روحیة فی کلمة یعقوبیة .

ثم حکمة نوریة فی کلمة یوسفیة .

ثم حکمة أحدیة فی کلیة هودیة .

ثم حکمة فاتحیة فی کلمة صالحیة .

ثم حکمة قلبیة فی لمة شعیبیئة .

ثم حکمة ملکیة فی کلمة لوطیة .

ثم حکمة قدریة فی کلمة عزیریة .

ثم حکمة نبویة فی کلمة عیسویة.

ثم حکمة رحمانیة فی کلمة سلیمانیة .

ثم حکمة وجودیة فی کلمة داودیة .

ثم حکمة نفسیة فی کلمة بونسیة .

تم حکمة غیبیة فی کلمة أیوبیة .

ثم حکمة جلالیة فی کلمة یحیاویة .

ثم حکمة مالکیة فی کلمة زکریاویة .

ثم حکمة إیناسیة فی کلمة إلیاسیة .

ثم حکمة إحسانیة کلمة لقمانیة .

ثم حکمة إمامیة فی کلمة هارونیة .

ثم حکمة علویة فی کلمة موسویة .

ثم حکمة صمدیة فی کلمة خالدیة .

ثم حکمة فردیة فی کلمة محمدیة .

وفص کل حکمة الکلمة التی ننسب إلیها . فاقتصرت على ما ذکرته من هذه الحکم فی هذا الکتاب على حد ما ثبت فی أم الکتاب . فامتثلت ما رسم لی ، ووقفت عند ما حدا لی ، ولو رمت زیادة على ذلک ما استطعت ، فإن الحضرة تمنع من ذلک والله الموفق لا رب غیره . ومن ذلک :  ).