الفقرة الثالثة والثلاثون:
جواهر النصوص فی حل کلمات الفصوص شرح الشیخ عبد الغنی النابلسی 1134 هـ :
قال الشیخ ابن العربی الطائی الحاتمی : (و على قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی. وهو حامل أسراره، ولیس بعده ولد فی هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ویخرج بعدها یکون رأسه عند رجلیها. ویکون مولده بالصین ولغته لغة أهل بلده. ویسری العقم فی الرجال والنساء فیکثر النکاح من غیر ولادة ویدعوهم إِلى اللَّه فلا یجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمنی زمانه بقی من بقی مثل البهائم لا یحِلُّون حلالًا و لا یحرمون حراماً، یتصرفون بحکم الطبیعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعلیهم تقوم الساعة.)
قال الشیخ ابن العربی الطائی الحاتمی : "و على قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی. و هو حامل أسراره، و لیس بعده ولد فی هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. و تولد معه أخت له فتخرج قبله و یخرج بعدها یکون رأسه عند رجلیها. و یکون مولده بالصین و لغته لغة أهل بلده.
و یسری العقم فی الرجال و النساء فیکثر النکاح من غیر ولادة و یدعوهم إلى الله فلا یجاب.
فإذا قبضه الله تعالى و قبض مؤمنی زمانه بقی من بقی مثل البهائم لا یحلون حلالا و لا یحرمون حراما، یتصرفون بحکم الطبیعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعلیهم تقوم الساعة."
(وعلى قدم شیث) النبی علیه السلام (یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی) فی الأرض.
(وهو)، أی ذلک المولود (حامل أسراره)، أی أسرار شیث علیه السلام یعنی وارثا له فی مقامه (ولیس بعده ولد) یولد (فی هذا النوع) أبدا (فهو خاتم الأولاد) الآدمیة (وتولد معه أخت له) یکونان توأمین من بطن واحد .
(فتخرج) أخته (قبله ویخرج) هو (بعدها یکون رأسه فی وقت خروجه عند رجلیها) لیختم هذا النوع بذکره کما افتتح به.
وقبله أنثى أخرى کما بعده أنثى أولا، وکانت البدایة بالإنسان الکامل فتکون النهایة أیضا بالإنسان الکامل .
وفی الحدیث: «لا تقوم الساعة حتى لا یقال فی الأرض الله الله» والمراد حتى یفقد الإنسان الکامل من الأرض (ویکون مولده)، أی ذلک المولود الذی هو خاتم الأولاد (بالصین)، وهی البلاد التی فی أقصى الهند (ولغته التی یتکلم بها لغة أهل بلده)، أی الصین (ویسری العقم)، أی انقطاع التوالد بعد ذلک (فی النساء والرجال)، فی جمیع الأرض (فیکثر النکاح)، ولکن (من غیر ولادة ویدعوهم)، أی یدعو الخلق ذلک المولود الکامل (إلى) دین (الله) تعالى (فلا یجاب) لغلبة الجهل وإلیه الإشارة بقول النبی علیه السلام: «اطلبوا العلم ولو بالصین». یعنی لا یسقط عنکم طلب العلم المفروض علیکم، ولو لم تجده إلا بالصین کما هو کذلک فی آخر الزمان .
والمراد به العلم بالله تعالى (فإذا قبضه)، أی أماته (الله وقبض مؤمنی زمانه)، جمیعهم حتى یعم الموت کل مؤمن فی الأرض (بقی من بقی مثل البهائم) صورهم صور بنی آدم ونفوسهم نفوس الحیوان (لا یحلون) شیئا (حلالا ولا یحرمون) شیئا حراما) لعدم معرفتهم بالله تعالى ولا بأحکامه (یتصرفون) فی جمیع أمورهم (بحکم)، أی مقتضى (الطبیعة) المحضة (شهوة مجردة)، أی خالصة (عن) تدبیر (العقل والشرع فعلیهم تقوم الساعة) وهم شرار الناس کما ورد فی الحدیث: «لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس».
تم الفص الشیثیة.
شرح فصوص الحکم مصطفى سلیمان بالی زاده الحنفی أفندی 1069 هـ :
قال الشیخ ابن العربی الطائی الحاتمی : (و على قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی. وهو حامل أسراره، ولیس بعده ولد فی هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ویخرج بعدها یکون رأسه عند رجلیها.
ویکون مولده بالصین ولغته لغة أهل بلده. ویسری العقم فی الرجال والنساء فیکثر النکاح من غیر ولادة ویدعوهم إِلى اللَّه فلا یجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمنی زمانه بقی من بقی مثل البهائم لا یحِلُّون حلالًا و لا یحرمون حراماً، یتصرفون بحکم الطبیعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعلیهم تقوم الساعة.)
قال الشیخ رضی الله عنه: "وعلى قدم شیث" أی أوردت هذه المسألة على آخر قصة (یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی وهو حامل أسراره) من العطایا الأسمائیة (ولیس بولد بعده ولد فی هذا النوع فهو خاتم الأولاد) الذکور .
کما أن شیث أول أولاد الذکور (وتولد معه أخت له) وهی خاتمة الأولاد الأنثی کما أن أخت شیث أول الأنثی (فتخرج قبله ویخرج بعدها) لابتداء الدورة على عکسها (یکون رأسه عند رجلیها) لکون الأحکام فی ذلک الزمان (لا استراحة) للطبیعة (ویکون مولده بالصین) لکونه أصعب الأمکنة .
فمولده فیه إشارة إلى أن فی ذلک الزمان لا استراحة فی وجه الأرض للمؤمنین (ولغته لغة بلده ویسری العقم فی الرجال والنساء فیکثر النکاح من غیر ولادة ویدعوهم) أی أهل بلده (إلى الله) أی إلى معرفة الله تعالى وهی العلم بالتجلیات الأسمائیة بالطریق الخاص من مرئیة ختم الرسل .
کطریق مشایخنا رحمهم الله (فلا یجاب) دعوته لانقطاع الفیض الروحانی فیختم به الأسرار الشیثیة فلا یطلب تحمیل هذا العلم مؤمنو زمانه ولا یجیبون دعوته مع أنه لا یضر إیمانهم لأنهم وإن کانوا لا یجیبون لکنهم لا یردونه ولا ینکرونه لکون دعوته مطابقة لدینهم .
کما أن المؤمنین فی زماننا الذین لم یجیبوا دعوة مشایخنا لا یضرهم یدل علیه قوله (فإذا قبضه الله وقبض مؤمنی زمانه بقی من بقی مثل البهائم لا یحلون حلالا ولا یحزمون حراما ینصرفون بحکم الطبیعة شهوة مجردة عن العقل والشرع وعلیهم تقوم الساعة) .
هذا الولد هو الولی الذی لا یستجاب دعوته یکون بعد ختم الولایة العامة وهو عیسى علیه السلام فمعنى قوله : لا ولی بعده أی الولی الذی یستجاب دعوته ویؤثر ولایته وینتفع الناس بکمالاته ومعارفه فلا ینافی ختمیته ختم الرسل وجود عیسی بعده مع أنه نبی مرسل بعدم إحکام نبوته.
ومن قال: إن هذا الولد هو عیسى علیه السلام فقد أخطأ فی الظاهر والباطن.
شرح فصوص الحکم عفیف الدین سلیمان ابن علی التلمسانی 690 هـ :
قال الشیخ ابن العربی الطائی الحاتمی : (و على قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی. وهو حامل أسراره، ولیس بعده ولد فی هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ویخرج بعدها یکون رأسه عند رجلیها.
ویکون مولده بالصین ولغته لغة أهل بلده. ویسری العقم فی الرجال والنساء فیکثر النکاح من غیر ولادة ویدعوهم إِلى اللَّه فلا یجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمنی زمانه بقی من بقی مثل البهائم لا یحِلُّون حلالًا و لا یحرمون حراماً، یتصرفون بحکم الطبیعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعلیهم تقوم الساعة.)قوله رضی الله عنه: وعلى قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی وهو حامل أسراره.
قلت: لما ثبت لشیث أولویة المولودیة، لأنه أول مولود ولد من هذا النوع الانسانی، فکانت له مرتبة الأولیة ولما کانت الآخریة هی مضایفة للأولیة، فهی فی مقابلتها تماما.
فإرتسم شکل المرتبة الأولى فی المقابل لها، فظهرت فیها أسرارها کما ظهرت أسرار العقل الأول الذی حصلت له الأولیة فی الایجاد فی مرتبة آدم الذی هو آخر أنواع الموجودات ظهورا.
فلا جرم حصل للإنسان العقل الذی به ظهور أسرار العقل الأول وهو القلم الأعلى.
قوله رضی الله عنه: (ولیس بعده ولد فی هذا النوع فهو خاتم الأولاد و تولد معه أخت له فتخرج قبله ویخرج بعدها یکون رأسه عند رجلیها.)
قلت: کما لم یکن بعد آدم و بنیه مولود یکون فیه أسرار العقل الأول وهذا من ضرورة ارتباط الأولیة بالآخریة، فإن الحقائق لا تتبدل وهی کلمات الله وقد قال تعالى: "لا تبدیل کلمات الله" (یونس: 64).
أما کونه یولد معه أخت له، فلأن نسبة أخته إلیه نسبة حواء إلى آدم فی الأنوثة والذکورة إلا أن آدم وحواء تولدا فی الطین وهذان فی الرحم.
فإن آدم لما تکون من الطین کان فی الطین فضله وکان فی المدد الإیجادی الذی کان مصدره من العقل الأول فضلة أیضا، فقیل ما فضل من الطین عن آدم المدد الإیجادی.
وقد تقدم أن الأمر الإلهی إن کان ما قبل بالتسویة شیئا، فلا بد أن تعلق به مقبولة بالنفخ الإلهی، فقبلت تلک الفضلة من الطین ایجادا إلا أن ما قبلته کان أنقص مما قبلته طیئة آدم وقبل آدم أکثر.
فکان من حکم الأکثریة الذکورة وذلک المزید الحرارة الحاصلة له من مزید المدد الخاص به، فکان ذکرا وکانت هی، أعنی حواء أنثی وأمیل إلى البرد.
فلم تمد الحرارة الطینیة حتى یصیر لها ذکرا کما حصل لآدم بل نقصت الحرارة، فبقی موضع تکوین الذکر والأنثیین مخسوفا بإذن الله تعالى.
فکان هو الفرج وترکبت فیه الشهوة للعضو الذی هو الذکر لأن ذلک الموضع کان محتاجا حالة التکوین إلى الحرارة التی تصیر الفرج ذکرا فلما فقدها حالة التکوین بقی فیه طلبها بالذات.
ولما کانت جملة الأنثى أیضا ناقصة من مدد الحرارة تصیر بها فی درجة الذکور، بقی فیها میل طبیعی إلى الرجال فذلک هو حقیقة شهوة المرأة التی تطلب بها الرجل.
وأما الشهوة التی یطلب بها الرجال النساء فهی أن القدر الذی فی الرجال من مزید ذلک المدد المذکور الذی حصل للرجال دون النساء عند ما فاته أن یکمل نقص النساء فیصیر هم رجالا انبعث نحو النساء کالمحاول لاتمام ما حصل لهم من النقص فحرک الرجال إلى محل النقص وهو الفرج کما ذکرنا.
ولما کان الأعور هو العضو المسمى ذکرا تحرک المدد فی العضو الذی هو الذکر، فطلب الفرج الذی هو محل النقص، فطلب الولوج فیه فحصل الطلب من الطرفین، الذکر والأنثى.
ومن أجل حرکة المدد فی حیز النقص تحرک الذکر، فهی تلک الحرکة التی تکون فی الجماع أما من الرجل، فهی حرکة فعل وأما من المرأة، فهی حرکة انفعال.
فاقتضى المدد الایجادی أن ینبعث من الرجل رطوبة هی بمنزلة الرقعة التی یرقع بها الثوب لیجبر نقصه، وأن ینبعث من المرأة نظیره لیتلقى تلک الرقعة کما یرتبط الرقعة بالثوب بنوع من الخیاطة.
فإن علا ماء الرجل ذکر بإذن الله. وإن علا ماء المرأة أنثى بإذن الله تعالی.
کما ورد فی الحدیث النبوی، لکن ذلک الماء ما انفصل ما یخص موضع النقصان بل جاء وفیه قوة جمیع البدن، فحصل منه تکوین انسان إما ذکر أو أنثى کما فصلناه.
وکان تکوین حواء فی الطینة التی لآدم متصلة به غیر منفصلة عنه، فکانت من جنبه.
فقیل: "إن المرأة من ضلع الرجل" کما ورد فی الحدیث، لأنها تکونت إلى جانبه من طینته، فعبر عن ذلک أنها من ضلعه أی من محل فیه ضلعه، ففی الکلام مجاز إذ المجاز قد ثبت أنه یکون فی القرآن أیضا على المذهب الصحیح.
فنعود إلى ما کنا فیه من ذکر أخت حامل أسرار شیث أنها تکونت مع أخیها على عکس ما تکونت حواء مع آدم لأنها سبقت أخاها فی التکوین لأن المدد کان على آخره.
فتکونت بقسط من المدد لا یبلغ ما حصل لأخیها، فاقتضى سبقها لها فی التکوین وکونه هو المقصود بالآخریة إن تسبقه فی الخروج من الرحم لیکون آخرا إلا أنه لم یتأخر عنها.
فاقتضى الحال أن یکون رأسه عند رجلیها ولما تقاصر المدد کان له حکم سنذکر هنا وهو أنه لم یقتض أن المدد یتوجه لإتمام ما حصل لأخته من النقص بالأنوثة حتى تحرک الرجال النکاح النساء فلا جرم یسرى العقم فی الرجال والنساء.
وأما کثرة النکاح حینئذ، فیکون بالعادة وحرصا على النسل ولا یفیدهم الحرص لأن الأمد قد انقضی والأمر على آخره.
قوله رضی الله عنه: "ویکون مولده بالصین ولغته لغة أهل بلده. ویسرى العقم فی الرجال والنساء فیکثر النکاح من غیر ولادة ویدعوهم إلى الله فلا یجاب. فإذا قبضه الله تعالى وقبض مؤمنی زمانه بقى من بقی مثل البهائم لا یحلون حلالا ولا یحرمون حراما، یتصرفون بحکم الطبیعة شهوة مجردة عن العقل والشرع فعلیهم تقوم الساعة."
قلت: أما مولده بالصین فلأن قدمنا أن الآخریة إنما جاءت على حکم الأولیة لأنها کالشکل المرتسم من الأولیة فی مرآة الآخریة، فتمت دائرة الإیجاد.
فکان المولد لآخر مولود هو بالصین کما کان تکون آدم، علیه السلام، إنما هو بالصین، فاتصلت نقطة الآخر نقطة الأول لتمام الدائرة وأما أن لغته لغة بلده فلأنها من الصین تعلمها.
وأما قوله رضی الله عنه: " ویدعوهم إلى الله تعالى".
قلت: یعنی أن هذا المولود یدعوهم إلى الله، فلا یجاب لأن الاجابة هدایة والهدایة هی من ذلک المدد والتقدیر أنه تقاصر، فتذهب عقولهم القابلة النور الهدایة التوقف المدد عنهم.
فیبقون کالبهائم إلى أن یقوم علیهم القیامة وهذا الکلام کله من قوة الأحادیث النبویة، فتأمله تجده کذلک والله الهادی.
شرح فصوص الحکم الشیخ مؤید الدین الجندی 691 هـ :
قال الشیخ ابن العربی الطائی الحاتمی : (و على قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی. وهو حامل أسراره، ولیس بعده ولد فی هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ویخرج بعدها یکون رأسه عند رجلیها. ویکون مولده بالصین ولغته لغة أهل بلده. ویسری العقم فی الرجال والنساء فیکثر النکاح من غیر ولادة ویدعوهم إِلى اللَّه فلا یجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمنی زمانه بقی من بقی مثل البهائم لا یحِلُّون حلالًا و لا یحرمون حراماً، یتصرفون بحکم الطبیعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعلیهم تقوم الساعة.)
قال الشیخ رضی الله عنه : " وعلى قدم شیث علیه السّلام یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی ، وهو حامل أسراره ، ولیس بعده ولد فی هذا النوع الإنسانی فهو خاتم الأولاد یولد معه أخت له فتخرج قبله ویخرج بعدها ، یکون رأسه عند رجلیها ، ویکون مولده بالصین ولغته لغة بلده ، ویسری العقم فی الرجال والنساء ، فیکثر النکاح من غیر ولادة ویدعوهم إلى الله ، فلا یجاب ، فإذا قبضه الله وقبض مؤمنی زمانه ، بقی من بقی مثل البهائم لا یحلَّون حلالا ولا یحرّمون حراما ، یتصرّفون بحکم الطبیعة شهوة مجرّدة عن العقل والشرع ، فعلیهم تقوم الساعة " .
قال العبد أعلم : أنّ آدم علیه السّلام لمّا کان صورة ظاهریّة أحدیة جمع جمیع الکمالات الأسمائیّة الإلهیّة الربّانیّة والکیانیة ، کان ظهور الوهب الجودی الامتنائی به وفیه وحدانیّا جمعیّا ، ثم ظهور التعیّنات من قبله بحسب الحقائق الأول وحروف الأزل وعلى ترتیبها فی وجود الأبناء ، فأوّل التعیّنات بعده کما أومئ إلیها من مرتبة الفیض .
ولکن تعیّن الفیض وتحقّقه لا یکون إلَّا بین مفیض للفیض وبین مفاض علیه ، فالمفیض هو الله الفعّال ، وفیضه الذی هو عطاؤه ووهبه
على وجهین : ذاتیّ وأسمائیّ ، والمفاض علیه هو العالم .
والعالم عالمان : عالم جمع وعالم تفصیل .
فظهور الأسماء فی عالم التفصیل وظهور الجمع الذاتی فی عالم الجمع ولا بدّ لحقیقة الوهب من هذین الوجهین وظهور الوهب من قبل القابل انفعالیّ ، ومن قبل الواهب فعلیّ .
ولحقیقة الوهب نسبتان ذاتیّتان إلى الفاعل والمنفعل ، وتعیّن الفیض فی مراتب التفصیل إنّما یکون بحسب هذین الوجهین ، فهو من قبل الفاعل تعیّن الأسماء الإلهیّة الکمالیة فی قابلیات کمّل الأنبیاء ، ومن قبل الانفعال تعیّن الکمّل الآدمیّین فی مظهریّة تلک الکمالات الأسمائیّة .
فآدم علیه السّلام مظهر أحدیة جمع الأسماء ومظهر النفس الواحدة ومن حیث اعتبار ذاتیّة الذات وإطلاقها لا یکون تجلّ ولا اسم ولا صفة ولا حکم ولا نعت .
والاعتبار الثانی موجدیّة الذات ومفیضیّتها ومبدئیّتها ، ویظهر بحسب الإطلاق والتقیید ، والفعل والانفعال ، والأسماء والذات ، فیکون فی الأب الثانی وهو شیث علیه السّلام تعیّن سرّ مرتبة الفیّاضیّة والوهب والجود .
ثمّ تعیّن المواهب والحکم الإلهیّة والرحمانیة الذاتیة فی کمل الأنبیاء على ما سیأتی بعد شیث علیه السّلام الذی هو مظهر أحدیة جمع الفیض الرحمانی والعلوم الوهبیّة الروحانیّة النورانیة .
فأوّل تعیّن الأسماء فی مرتبة الجمعیة الإنسانیّة بعد مرتبة الفیض بشیث علیه السّلام .
وإنّما کان بالتجلَّیات التنزیهیّة فی نوح علیه السّلام بعد کمال ظهور أسرار التشبیه بقوم نوح ، فنوح صورة أحدیة جمع التنزیهات التوحیدیة ، ومظهر تجلَّیات الأسماء السلبیة المفیضة للنزاهة والطهارة الإلهیة ، وأمّته الذین لم یقبلوا دعوته مظاهر التشبیه الذین شبّهوا الصور الجسمانیّة بالصور الأسمائیّة الإلهیّة النبویة .
ثمّ مرتبة التقدیس والنزاهة والطهارة بالفعل فی إدریس علیه السّلام .
ثمّ تفصّلت الحقائق النبویّة بعد تعیّنها وظهور أحدیة جمع کمالاتها فی إبراهیم علیه السّلام.
وتحقّق إمامته فی أولاده سلیمان علیه السّلام فی مرتبة ظاهریة أحدیة جمع الکمالات الأسمائیة. وکملت فی داود وسلیمان علیه السّلام .
ثمّ ابتدأت بظهور مرتبة الجمع فی الباطن ، فیمن بعد سلیمان إلى عیسى علیه السّلام حتّى ظهر کمال دعوة البطون فیه .
ثمّ کمل الأمر فی مرتبة أحدیة جمع جمع الأسماء والذات فی مقام الفردیة الکمالیة البرزخیّة بمحمّد علیه الصلاة والسلام .
ثمّ ابتدأت بالصور الکمالیة الأحدیة الجمعیة فی مرتبة الباطن والولایة بآدم الأولیاء ، وهو أوّل ولیّ مفرد فی الولایة المورّثة عن النبوّة الختمیة المحمدیة وهو علیّ بن أبی طالب علیه الصلاة والسلام فظهرت الحقائق الجمعیة الکمالیة أحدیة جمعیّة فی مظاهر الکمالات الإنسانیة الأحدیة الجمعیة من الأولیاء والورثة المحمدیّین الإلهیّین إلى أن ختمت الولایة العامّة بعیسى بن مریم علیه السّلام .
قال محقق الکتاب :
" فعبّر عنه علیه السّلام بآدم الأولیاء ، لأنّ ولایة کلّ ولیّ تنتهی إلیه علیه السّلام .
لأنّه « کان ونبیا وآدم بین الماء والطین » بحسب الرتبة الجسمانیة الزمانیة .
وهو سرّ الأنبیاء عبارة عن مرتبة ولا یأتهم فهو أب کل الأنبیاء معنى وروحا ، وآدم أبونا بحسب الرتبة الجسمانیة الزمانیة"
وإذا انتهت مراتب التفصیل الوهبی جمعا وتفصیلا فی الصور الجمعیة الکمالیة الإنسانیة ، وفی الصور التفصیلیة الفرقانیة نورانیّها فی کمل الأنبیاء والأولیاء وظلمانیّها فی الفراعنة والجبابرة والمردة والعفاریت تماما ، ظهرت ختمیّة مرتبة الوهب الذی کان مفتتحه ومختتمه من شیث علیه السّلام فی آخر مولود یولد من النوع الإنسانی الذی هو صورة ختمیّة مرتبة الوهب الأحدی الجمعی الکمالی الإنسانی.
فکونه توأما إشارة إلى أنّ الوهب ذاتی وأسمائی ، فالذاتی فعلی على ما ذکر والأسمائی انفعالى سفلی أنثیّ ، وذلک لما فیه من التقابل .
وخروج الأنثى قبل الذکر إشارة إلى أنّ المظاهر الأسمائیة ظاهریة الوهب ، وأنّها تظهر وتبدو قبل الوهب الذاتی الأحدی الجمعی ، ولهذا کان أمّ رأسه وهو محلّ أحدیّة جمع قواه النفسانیّة ، ومنبت الأعصاب التی بها یکون الحسّ والحرکة بین رجلیها ، لأن أحدیة الجمع یکون بین الجمع الأوّل وهو اثنان فی العدد الزوج .
وکما کان افتتاح صور جمع الأوّل الناتجة أوّلا من الأبوین الأوّلین أعنی آدم وحوّاء زوجا زوجا ، فکانت تلد لآدم فی کل بطن توأما .
إشارة إلى أنّ ظهور مرتبتی الفعل والانفعال الناتجتین من صورة أحدیة جمع المظهریة الکمالیّة بین مرتبتی الحق والخلق یکون أحدیّا جمعیّا ، فکذلک انختمت الصورة البشریة ، الناتجة من هذا النوع أیضا زوجا فی صورة أحدیة جمعیة .
فتولَّد خاتم الأولاد مع أخته توأما ، ضرب مثل إلهی لهذا السرّ وإشارة إلى انختام هذه المرتبة الوهبیة والحکمة النفثیّة المفتتحة بها فی الکلمة الشیثیّة لا مطلق الوهب .
فإنّ الله وهّاب دائما ، ولکن مرتبة الوهب الحکمی الأحدی الجمعی الکمالی الخصیص بخاتم الصور الوجودیة الظاهر أوّلا فی شیث ، فخاتم الأولاد آخر صور مثلیّة إلهیة ضرب مثلا لختمیّة هذه المرتبة لمن عقل عن الله ، و " کانَ لَه ُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِیدٌ ".
ولمّا کانت هذه المرتبة الأحدیة الجمعیة الکمالیّة النفسیة الخصیصة بأوّل صورة فی النوع الأخیر ظاهرة فی خاتم الصور الوجودیة فی أقصى مرتبة الوجود وآخر الأنواع کذلک ، انختمت المرتبة بخاتم الأولاد الذی ولد فی أقصى البلاد ، وهو الصین .
ثمّ منعت عن الظهور فلا یولَّد بعده إنسان ، إشارة إلى أنّ إنزال الحکم المنتجة للکمال الأخیر بلغ النهایة ، فانختمت المرتبة فانقطع النوع فی هذه النشأة وهذه الدورة .
ثمّ یبقى بعده شرار الخلق لا نزّل الله إلیهم الحکم ، فیهم حیوانات فی صور إنسان لإظهار کمال الحقائق الحیوانیّة الطبیعیة البهیمیة والسبعیة فی الصورة الإنسانیة تماما على ما تقتضیه الطبیعة من حیث هی من غیر وازع عقلی ولا مانع حکمی أو شرعیّ ، فعلیهم تقوم الساعة .
وخاتم الأولاد أکمل زمانه ، وله من العلوم الوهبیّة والحکم النفثیة الظاهرة فی الکلمة الشیثیة أتمّ حظَّ وأوفر نصیب ، ویدعو إلى الله بأحکام حکمته فلا یجاب إلى دعوته ، فیقبضه الله إلیه ویقبض معه وبعده مؤمنی زمانه .
وولادة أخته قبله إشارة أیضا إلى أن تحقّق المرتبة الفاعلیّة بعد تعیّن مرتبة الانفعال ، وولادته بعد أخته تصحیح ختمیّته ، لأنّه لو ولد قبلها کانت هی الخاتمة ،ولهذا لا یطَّرد هذا الحکم فی کل توأم.
وکون رأسه عند رجلیها إشارة أخرى أیضا إلى أنّ الأحدیة الجمعیّة الکمالیة الختمیة إنّما تظهر بعد ظهور رتبة التفصیل لتحقّق الآخریة ، فافهم .
واعلم : أنّ هذه الحکمة النفثیة تشتمل على مکاشفات علیّة ، وقواعد علمیّة ، وقوانین کشفیة حکمیة ، فتدبّرها بفهمک الثاقب ونور إیمانک الصائب تعثر على کنوز الحکم النازلة على الطریق الأمم ، من المقام الأقدم ، على المظهر الأکمل الأجمع الأتمّ ، والمنظر الأحسن الأعدل الأقوم ، محمّد صلَّى الله علیه وسلَّم .
شرح فصوص الحکم الشیخ عبد الرزاق القاشانی 730 هـ :
قال الشیخ ابن العربی الطائی الحاتمی : (و على قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی. وهو حامل أسراره، ولیس بعده ولد فی هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ویخرج بعدها یکون رأسه عند رجلیها.
ویکون مولده بالصین ولغته لغة أهل بلده. ویسری العقم فی الرجال والنساء فیکثر النکاح من غیر ولادة ویدعوهم إِلى اللَّه فلا یجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمنی زمانه بقی من بقی مثل البهائم لا یحِلُّون حلالًا و لا یحرمون حراماً، یتصرفون بحکم الطبیعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعلیهم تقوم الساعة.)
قوله رضی الله عنه : " وعلى قدم شیث یکون آخر مولود تولد من هذا النوع الإنسانى وهو حامل أسراره " إشارة إلى أن أدنى مرتبة الإنسان باعتبار حقیقته التی هو بها إنسان .
أن یکون مقامه القلب الذی هو محل تجلیات الصفات الإلهیة ومظهر التعدد الأسمائى .
فإن العطایا من الأسماء وعلمه معرفة العطایا ولا بد للعطاء من معط وقابل .
فالمعطى هو الله باعتبار الأسماء والقابل هو نفس شیث باعتبار قبول الأعطیة من النفث الروحی.
ومن انحط عن مقامه حتى وقع فی حد القبول المحض ، فقد انحط عن درجة الإنسان وانخرط فی سلک سائر الحیوان وإن کان فی صورة الإنس . فلهذا یکون آخر مولود من هذا النوع على قدمه.
ولما کان مقامه أنزل من مقام الوالد وکان قاصرا عن مرتبة أحدیة الجمع الذی لأبیه لم یثبت المعاد الروحانی ، لأن القلب من حیث ما فیه سنح النفس لا یتجرد بالکلیة عن التعلق البدنی ، وإن تجرد عن الحلول فیه لا یتجرد عن العلاقة بالکلیة إلا من حیث أنه روح وفی مرتبته ولهذا کان أول من أثبت التناسخ وقال بالمعاد الجسمانی وانتسب إلیه الإشراقیون.
وهو الذی یسمونه بلسانهم آغاثاذیمون صاحب الشریعة والناموس .
وأنذر وحذر عن الانحطاط عن مرتبة الإنسان إلى درجات الحیوانات العجم وذلک لانحطاطه عن رتبة الأرواح ، المقدسة .
ولهذا المعنى قال رضی الله عنه : "ولیس بعده ولد فی هذا النوع فهو خاتم الأولاد " لأن من انحط عن مرتبة الإنسان وقع فی مرتبة السباع والبهائم ، وإن کان فی صورة الإنسان لخلوه ، عن أحکام الوجوب والصفات الإلهیة واستیلاء صفات النفس وغلبة أحکام الإمکان علیه .
وهو معنى قولهم : إن العالم قبل آدم کان مسکن الجن ، أی القوى النفسانیة والنفوس الأرضیة.
وبعضهم یقولون : کان قبل ذلک النوع الفرس ، إشارة إلى أن الفرس فی الأفق الأعلى من الحیوان قبل طور الإنسان .
ولهذا قال : إنه خاتم الأولاد ، فإن القلب ولد الروح وخاتم الآباء فی هذا النوع هو المهدى علیه السلام .
قوله رضی الله عنه: "وتولد معه أخت له فتخرج قبله ویخرج بعدها ، یکون رأسه عند رجلیها"
إشارة إلى مرتبة النفس الحیوانیة الواقعة فی جهة الانفعال المطلق .
فإن القلب من حیث أنه قلب لا یکون إلا مع التعلق البدنی .
والتعلق لا یکون إلا بتوسط النفس الحیوانیة المطبقة فی البدن الغالب علیه التضاد من الطبیعة العنصریة المتنکسة بتوجهها إلى عالم الطبیعة .
ولما کان أصل التضاد من العالم العنصری والنفس الحیوانیة مقبلة إلیه متنکسة ، کانت اثنینیة التضاد والتقابل تقوى عند رأسها وتضعف عند رجلیها .
وإذا ضعفت جهة التضاد قویت جهة الوحدة بالاعتدال وتوجهت النفس الناطقة إلیه ، فیکون رأس هذا الذکر هو حقیقة شیث علیه السلام عند رجلیها ، ولا یمکنه إلا أن یکون توأما .
وتخرج الأخت قبله بظهور النفس قبل القلب ضرورة " ویکون مولده بالصین " لأنه أقصى البلاد لا عمارة بعده . کما هو آخر الإنسان لا إنسان بعده ولا غایة بعده .
قال علیه الصلاة والسلام :« اطلبوا العلم ولو بالصین » .
ومعنى قوله: " ولغته لغة بلده " أن کلامه ودینه فی مرتبة آخر الأصناف الإنسانیة فإن الحکماء مذهبهم التناسخ لا یعدون عنه .
قوله رضی الله عنه : "ویسرى العقم فی الرجال والنساء ، فیکثر النکاح من غیر ولادة ویدعوهم إلى الله فلا یجاب ، فإذا قبضه الله وقبض مؤمنى زمانه بقی من بقی مثل البهائم لا یحلون حلالا ولا یحرمون حراما یتصرفون بحکم الطبیعة ، شهوة مجردة عن العقل والشرع ، فعلیهم تقوم الساعة" ظاهر ، لأنهم بعد هذا الطور لا یلدون الإنسان بالحقیقة وإن کانوا فی صورة الإنسان فهم أشرار الناس فتجب أن تقوم علیهم القیامة .
کما قال علیه الصلاة والسلام: « لا تقوم الساعة إلا على أشرار الناس » .
وقال « شر الناس من قامت القیامة علیه وهو حى » .
وذلک بتجلى الحق فی صورة العدل واستئناف الدور بالبعث والنشور ، وإحیاء الموتى وإخراج من فی القبور ، والله أعلم .
مطلع خصوص الکلم فی معانی فصوص الحکم القَیْصَری 751هـ :
قال الشیخ ابن العربی الطائی الحاتمی : و على قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی. وهو حامل أسراره، ولیس بعده ولد فی هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ویخرج بعدها یکون رأسه عند رجلیها.
ویکون مولده بالصین ولغته لغة أهل بلده. ویسری العقم فی الرجال والنساء فیکثر النکاح من غیر ولادة ویدعوهم إِلى اللَّه فلا یجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمنی زمانه بقی من بقی مثل البهائم لا یحِلُّون حلالًا و لا یحرمون حراماً، یتصرفون بحکم الطبیعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعلیهم تقوم الساعة.)
ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : "ﻭﻋﻠﻰ ﻗﺪﻡ ﺷﻴﺚ ﻳﻜﻮﻥ ﺁﺧﺮ ﻣﻮﻟﻮﺩ ﻳﻮﻟﺪ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، ﻭﻫﻮ ﺣﺎﻣﻞ ﺃﺳﺮﺍﺭﻩ ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻌﺪﻩ ﻭﻟﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ، ﻓﻬﻮ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻻﺩ. ﻭﺗﻮﻟﺪ ﻣﻌﻪ ﺃﺧﺖ ﻟﻪ، ﻓﺘﺨﺮﺝ ﻗﺒﻠﻪ ﻭﻳﺨﺮﺝ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺭﺃﺳﻪ ﻋﻨﺪ ﺭﺟﻠﻴﻬﺎ. ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﻟﺪﻩ ﺑﺎﻟﺼﻴﻦ، ﻭ ﻟﻐﺘﻪ ﻟﻐﺔ ﺑﻠﺪﻩ.
ﻭﻳﺴﺮﻯ ﺍﻟﻌﻘﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻓﻴﻜﺜﺮ ﺍﻟﻨﻜﺎﺡ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻭﻻﺩﺓ. ﻭﻳﺪﻋﻮﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻼ ﻳﺠﺎﺏ. ﻓﺈﺫﺍ ﻗﺒﻀﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻗﺒﺾ ﻣﺆﻣﻨﻲ ﺯﻣﺎﻧﻪ، ﺑﻘﻰ ﻣﻦ ﺑﻘﻰ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺒﻬﺎﺋﻢ، ﻻ ﻳﺤﻠﻮﻥ ﺣﻼﻻ ﻭﻻ ﻳﺤﺮﻣﻮﻥ ﺣﺮﺍﻣﺎ، ﻳﺘﺼﺮﻓﻮﻥ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺷﻬﻮﺓ ﻣﺠﺮﺩﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭ ﺍﻟﺸﺮﻉ، ﻓﻌﻠﻴﻬﻢ ﺗﻘﻮﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ".
ﻭﺍﻋﻠﻢ، ﺃﻧﻪ رضى الله عنه ﻟﻤﺎ ﺑﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺺ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻤﺒﺪﺋﻴﺔ ﻭﻛﺎﻥ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺨﺘﻢ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮ ﺍﻟﺸﺮﻉ، ﺫﻛﺮ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﻔﺺ ﻣﻦ ﺑﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺨﺘﻢ ﻭﺃﻟﻤﻊ ﺑﺒﻌﺾ ﺷﺆﻭﻧﻪ ﻣﻦ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻭﻻﺩﺗﻪ ﻭﻣﻮﻟﺪﻩ ﻭﻛﻮﻧﻪ ﺣﺎﻣﻼ ﻟﻸﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺨﺘﺼﺔ ﺑﺸﻴﺚ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ.
ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﻪ، ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ، ﻣﻦ ﺍﻷﺟﻮﺑﺔ ﻟﻠﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻗﺪﺱ ﺍﻟﻠﻪ ﺭﻭﺣﻪ: ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : "ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﺑﺪﺀ ﻭﻧﻬﺎﻳﺔ ﻭﻫﻮ ﺧﺘﻤﻬﺎ، ﻗﻀﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺤﺴﺐ ﻧﻌﺘﻬﺎ ﻟﻬﺎ ﺑﺪﺀ ﻭﺧﺘﺎﻡ. ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻨﺰﻳﻞ ﺍﻟﺸﺮﺍﺋﻊ، ﻓﺨﺘﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻨﺰﻳﻞ ﺑﺸﺮﻉ ﻣﺤﻤﺪ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻓﻜﺎﻥ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﻨﺒﻴﻴﻦ، ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻜﻞ ﺷﺊ ﻋﻠﻴﻤﺎ. ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﻟﻬﺎ ﺑﺪﺀ ﻣﻦ ﺁﺩﻡ،
ﻓﺨﺘﻤﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻌﻴﺴﻰ، ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﺨﺘﻢ ﻳﻀﺎﻫﻲ ﺍﻟﺒﺪﺀ: "ﺇﻥ ﻣﺜﻞ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﻤﺜﻞ ﺁﺩﻡ".
ﻓﺨﺘﻢ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺑﻪ ﺑﺪﺃ: ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺒﺪﺀ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﻨﺒﻲ ﻣﻄﻠﻖ، ﻭﺧﺘﻢ ﺑﻪ ﺃﻳﻀﺎ". ﻫﺬﺍ ﻛﻼﻣﻪ.
ﻭﻣﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﺼﻰ.
ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﺣﻤﻞ ﻗﻮﻟﻪ: "ﻭﻋﻠﻰ ﻗﺪﻡ ﺷﻴﺚ ﻳﻜﻮﻥ ﺁﺧﺮ ﻣﻮﻟﻮﺩ" ﻋﻠﻰ ﺁﺧﺮ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻄﻮﺭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ.
ﻭﻗﺎﻝ: "ﺑﻌﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻻ ﻃﻮﺭ ﺑﺎﻗﻲ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ: ﻓﻴﻜﻮﻧﻮﺍ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎ ﻓﻲ ﺻﻮﺭ ﺍﻷﻧﺎﺳﻲ. ﺛﻢ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑﺎﺑﺘﺪﺍﺀ ﺍﻟﺪﻭﺭﺓ ﻭﻣﻀﻰ ﺯﻣﺎﻥ ﺍﻟﺨﻔﺎﺀ ﻭﺍﻟﻈﻠﻤﺔ".
ﻭﺻﺮﺡ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻘﺎﺋﻠﻴﻦ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻈﻬﻮﺭ ﺁﺩﻡ ﺁﺧﺮ ﻃﻠﻮﻉ ﺍﻟﺼﺒﺢ ﻣﻦ ﺃﻳﺎﻡ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﺛﻢ ﻇﻬﻮﺭ ﻟﻮﺍﻣﻊ ﺍﻷﻧﻮﺍﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭﺍﺯﺩﻳﺎﺩ ﺍﻟﻨﻮﺭﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻨﻜﺸﻒ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺤﻖ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ، ﻭﺗﺤﺼﻞ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ
(ﺇﻥ ﺧﻴﺮﺍ ﻓﺨﻴﺮ ﻭﺇﻥ ﺷﺮﺍ ﻓﺸﺮ). ﺛﻢ ﻳﻨﺘﻬﻰ ﺇﻟﻰ ﻇﻠﻤﺔ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻫﻜﺬﺍ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ.
ﻓﻴﻠﺰﻡ ﻣﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻛﻤﻞ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻣﻘﺎﻣﺎ ﻭﺃﺭﻓﻌﻬﻢ ﻛﺸﻔﺎ ﻭﺣﺎﻻ، ﺑﻞ ﻭﺍﻟﺪ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، ﻷﻥ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﺑﺂﺧﺮ ﻣﻮﻟﻮﺩ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻛﻤﺎ ﻣﺮ.
ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎﻝ: (ﻭﻫﻮ ﺣﺎﻣﻞ ﺃﺳﺮﺍﺭﻩ). ﺛﻢ ﻧﺴﺐ ﺇﻟﻰ ﺷﻴﺚ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﺑﺄﻧﻪ ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺑﺎﻟﺘﻨﺎﺳﺦ. ﻭﺳﺒﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻣﺎ ﺭﺃﻯ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﺍﻹﺷﺮﺍﻕ ﺇﻥ ﺁﻏﺎﺛﺎﺫﻳﻤﻮﻥ ﻫﻮ "ﺷﻴﺚ".
ﻭﺫﻛﺮ ﻫﻨﺎﻙ ﻓﻲ ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩ، ﺃﻥ ﺁﻏﺎﺛﺎﺫﻳﻤﻮﻥ ﻭﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﻴﻦ ﺫﻫﺒﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺦ. ﻭﻓﻴﻪ ﻧﻈﺮ.
ﻷﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺷﻴﻮﺥ ﺃﻓﻼﻃﻮﻥ، ﻭﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻥ ﺇﺳﻜﻨﺪﺭ، ﻭﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻮﺍﺭﻳﺦ، ﻭ ﻛﺎﻥ ﺃﺭﺳﻄﻮ ﺃﺳﺘﺎﺫﺍ ﻟﻪ ﺗﻠﻤﻴﺬﺍ ﻷﻓﻼﻃﻮﻥ.
ﻭﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺷﻴﺚ علیه السلام ﻗﺮﻳﺐ ﺑﺄﺭﺑﻌﺔ ﺁﻻﻑ ﺳﻨﺔ ﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮ، ﺇﺫ ﻛﺎﻥ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻄﻮﻓﺎﻥ ﺑﻤﺪﺓ ﻣﺘﻄﺎﻭﻟﺔ.
ﻭﻳﻠﺰﻡ ﻣﻤﺎ ﻗﻴﻞ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺒﻞ ﻧﻮﺡ علیه السلام ﻷﻧﻪ ﺍﺑﻦ ﻣﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺘﻮﺷﻠﺦ ﺑﻦ ﺃﺧﻨﻮﺥ، ﻭﻫﻮ ﺇﺩﺭﻳﺲ ﺑﻦ ﺷﻴﺚ علیه السلام.
ﻓﻬﻮ ﻇﻦ ﻣﻦ ﺷﺎﺭﺡ ﺍﻹﺷﺮﺍﻕ، ﻛﻤﺎ ﻇﻦ ﺃﻥ ﻫﺮﻣﺲ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻫﻮ ﺇﺩﺭﻳﺲ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﺑﻬﺮﻣﺲ ﺃﻳﻀﺎ، ﻟﻼﺷﺘﺮﺍﻙ ﻓﻲ ﺍﻻﺳﻢ، ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﻣﺴﻤﻰ ﺑﻬﺮﻣﺲ ﺍﻟﻬﺮﺍﻣﺴﺔ، ﺇﺫ ﻛﺎﻥ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺎﺀ ﻣﺴﻤﻰ ﺑﻬﺮﻣﺲ.
ﻭﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﻛﻼﻡ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﻣﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺦ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺑﺤﻜﻢ ﺃﺣﺪﻳﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺳﺮﻳﺎﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺻﻮﺭ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻛﺴﺮﻳﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﻠﻰ ﻓﻲ ﺻﻮﺭ ﺟﺰﺋﻴﺎﺗﻪ، ﻭﻇﻬﻮﺭ ﻫﻮﻳﺔ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﻭﺻﻔﺎﺗﻪ، ﻟﺬﻟﻚ ﻧﻔﻮﺍ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺦ ﺣﻴﻦ ﺻﺪﺭ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﻌﺎﺭﻑ ﺍﻟﻤﺤﻘﻖ، ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻔﺎﺭﺽ، ﻗﺪﺱ ﺍﻟﻠﻪ ﺭﻭﺣﻪ:
ﻓﻤﻦ ﻗﺎﺋﻞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺦ ﻓﺎﻟﻤﺴﺦ ﻭﺍﻗﻊ ... ﺑﻪ ﺃﺑﺮﺃ ﻭﻛﻦ ﻋﻤﺎ ﻳﺮﺍﻩ ﺑﻌﺰﻟﺘﻲ
ﻭﻟﻠﺮﻭﺡ ﻣﻦ ﺃﻭﻝ ﺗﻨﺰﻻﺗﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﻃﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎﻭﻱ، ﺻﻮﺭ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺰﻭﻝ، ﻭﺻﻮﺭ ﺑﺮﺯﺧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ ﻫﻴﺂﺗﻬﺎ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺻﻮﺭ ﺟﻨﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺻﻮﺭ ﺟﻬﻨﻤﻴﺔ ﺗﻄﻠﺒﻬﺎ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ ﻭﺍﻷﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﻘﺒﻴﺤﺔ، ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺮﺟﻮﻉ.
ﻭﺇﺷﺎﺭﺍﺗﻬﻢ ﻛﻠﻬﺎ ﺭﺍﺟﻌﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻻ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺑﺪﺍﻥ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ، ﻟﻌﺪﻡ ﺍﻧﺤﺼﺎﺭ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ. ﻭﻟﻮ ﻻ ﻣﺨﺎﻓﺔ ﺍﻟﺘﻄﻮﻳﻞ، ﻟﺬﻛﺮﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻣﻔﺼﻠﺔ، ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺸﺮﻁ ﺃﻣﻠﻚ.
ﻭﺃﻳﻀﺎ، ﻟﻴﺲ ﻗﻮﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ ﺑﻌﺪ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺇﻻ ﻟﻠﻜﻤﻞ ﺍﻟﻤﺴﺮﺣﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﻻ ﻟﻠﻤﻘﻴﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺮﺍﺯﺥ ﻭﺍﻟﻤﺤﺠﻮﺑﻴﻦ ﻓﻴﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣﺎﻛﻴﺎ ﻋﻨﻬﻢ: "ﻭﻟﻮ ﺗﺮﻯ ﺇﺫ ﻭﻗﻔﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ ﻳﺎ ﻟﻴﺘﻨﺎ ﻧﺮﺩ ﻭﻻ ﻧﻜﺬﺏ ﺑﺂﻳﺎﺕ ﺭﺑﻨﺎ ﻭﻧﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ".
ﻭﻗﺎﻝ: "ﻭﻟﻮ ﺭﺩﻭﺍ ﻟﻌﺎﺩﻭﺍ ﻟﻤﺎ ﻧﻬﻮﺍ ﻋﻨﻪ".
ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ: "ﺭﺑﻨﺎ ﺃﺑﺼﺮﻧﺎ ﻭﺳﻤﻌﻨﺎ ﻓﺎﺭﺟﻌﻨﺎ ﻧﻌﻤﻞ ﺻﺎﻟﺤﺎ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻨﺎ ﻧﻌﻤﻞ ﺇﻧﺎ ﻣﻮﻗﻨﻮﻥ".
ﻭﻗﺎﻝ: "ﺃﻧﻈﺮﻭﻧﺎ ﻧﻘﺘﺒﺲ ﻣﻦ ﻧﻮﺭﻛﻢ، ﻗﻴﻞ ﺃﺭﺟﻌﻮﺍ ﻭﺭﺍﺋﻜﻢ ﻓﺎﻟﺘﻤﺴﻮﺍ ﻧﻮﺭﺍ ﻓﻀﺮﺏ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑﺴﻮﺭ ﻟﻪ ﺑﺎﺏ".
ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﻢ ﻋﻨﺪ ﻛﻮﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻻ ﻳﻤﻨﻌﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﻛﺬﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﻛﻮﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻻ ﻳﻤﻨﻌﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ، ﺇﺫﺍ ﻃﻠﺒﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻫﻢ ﺫﻟﻚ ﻟﺘﻜﻤﻴﻞ ﺍﻟﻨﺎﻗﺼﻴﻦ.
ﻭﺑﻘﺪﺭ ﺧﻼﺻﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻘﻴﻴﺪ ﻭﺍﻟﺘﻌﺸﻖ ﺑﺎﻟﺒﺮﺍﺯﺥ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ﻳﺮﺗﻔﻊ ﺍﻟﺘﻐﺎﻳﺮ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻷﻭﻝ، ﻭﻳﺤﺼﻞ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺴﺮﺍﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮ.
ﻭﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺃﺷﺮﻧﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻳﻌﻠﻢ ﺳﺮ ﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻓﻲ ﺟﻬﻨﻢ ﻹﺧﺮﺍﺝ ﺃﻣﺘﻪ ﻣﺮﺍﺭﺍ.
ﻭﺩﺧﻮﻝ ﺑﺎﻗﻲ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻛﺬﻟﻚ، ﻛﻤﺎ ﺩﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺪﻳﺚ "ﺍﻟﺸﻔﺎﻋﺔ" ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ.
ﻭﻣﻦ ﺃﻣﻌﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﻗﺮﺭ، ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻪ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺦ، ﺇﺫ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻓﻮﺍﺭﻕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻳﺆﺩﻯ ﺫﻛﺮﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺳﻬﺎﺏ. ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻬﺎﺩﻱ ﻭﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻤﺂﺏ.
ﻓﻠﻨﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻓﻨﻘﻮﻝ، ﻗﺪ ﺳﺒﻖ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺟﺎﻣﻊ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍﻹﻟﻬﻴﺔ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻨﻬﻤﺎ، ﻓﻤﺎ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻻ ﺑﺪ ﻭﺇﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﻨﻪ ﺃﻧﻤﻮﺫﺝ.
ﻭﻗﺪ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﺑﻌﻨﻘﺎﺀ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ: "ﻭﻛﻨﺖ ﻧﻮﻳﺖ ﺃﻥ ﺃﺟﻌﻞ ﻓﻴﻪ ﺃﻋﻨﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﺘﺪﺑﻴﺮﺍﺕ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻟﻤﺎ ﺳﺒﻖ ﺫﻛﺮﻩ ﻣﺎ ﺃﻭﺿﺤﻪ ﺗﺎﺭﺓ ﻭﺃﺧﻔﻴﻪ، ﺃﻳﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺴﺨﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﺸﺄﺓ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﻬﺪﻯ ﺍﻟﻤﻨﺴﻮﺏ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻨﺒﻲ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭ ﺳﻠﻢ، ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﻲ ﻭﺍﻟﻄﻴﻨﻲ، ﻭﺃﻳﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻭﻃﺎﻟﻊ ﺍﻷﺻﻔﻴﺎﺀ، ﺇﺫ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺁﻛﺪ ﻣﻦ ﻣﻀﺎﻫﺎﺓ ﺍﻷﻛﻮﺍﻥ ﺍﻟﺤﺪﺛﺎﻥ. ﻓﺠﻌﻠﺖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﻴﻦ. ﻭﻣﺘﻰ ﺗﻜﻠﻤﺖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ، ﻓﺈﻧﻤﺎ ﺃﺫﻛﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻟﻴﺘﺒﻴﻦ ﺍﻷﻣﺮ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺴﺎﻣﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻭﻳﻌﻘﻠﻪ، ﺛﻢ ﺃﺿﺎﻫﻴﻪ ﺑﺴﺮﻩ ﺍﻟﻤﻮﺩﻉ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﻨﻜﺮﻩ ﻭﻳﺠﻬﻠﻪ".
ﻫﺬﺍ ﻛﻼﻣﻪ رضى الله عنه. ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺫﻛﺮ ﻣﺎ ﻳﺴﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻲ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ.
ﺃﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ "ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ" ﻓﻘﻮﻟﻪ: (ﻭﻋﻠﻰ ﻗﺪﻡ ﺷﻴﺚ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻳﻜﻮﻥ ﺁﺧﺮ ﻣﻮﻟﻮﺩ).
ﺃﻱ، ﻣﺎ ﻳﻮﻟﺪ ﺁﺧﺮﺍ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻳﻜﻮﻥ ﻭﻟﻴﺎ ﺣﺎﻣﻼ ﺃﺳﺮﺍﺭﻩ ﻣﺘﺼﻔﺎ ﺑﻌﻠﻮﻣﻪ ﺁﺧﺬﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺷﻴﺚ ﺁﺧﺬﺍ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ، ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻫﺐ.
ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺨﺎﺗﻢ ﻟﻠﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ، ﻭﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺃﻭﻻﺩﻩ.
ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻌﺪﻩ ﻭﻟﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ. ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺩ بـ "ﺍﻟﺼﻴﻦ" ﺍﻟﻌﺠﻢ.
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻨﻘﺎﺀ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ: "ﻭﻫﻮ ﺃﻱ ﺍﻟﺨﺎﺗﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺠﻢ ﻻ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺏ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺗﻮﻟﺪ ﻣﻌﻪ ﺃﺧﺘﻪ ﻟﻴﻜﻮﻥ ﺍﻻﺧﺘﺘﺎﻡ ﻣﺸﺎﺑﻬﺎ ﻟﻼﺑﺘﺪﺍﺀ، ﻓﺈﻥ ﺧﻠﻖ ﺁﺩﻡ ﻛﺎﻥ ﻣﻘﺎﺭﻧﺎ ﺑﺨﻠﻖ ﺣﻮﺍء".
ﻭﺟﻌﻞ ﺍﻟﺸﻴﺦ رضى الله عنه ﺣﻮﺍء ﺃﺧﺘﺎ ﻟﻌﻴﺴﻰ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻓﻲ ﻛﻮﻥ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎ ﺑﻐﻴﺮ ﺃﺏ.
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺘﻮﺣﺎﺕ: (ﻓﺄﻭﺟﺪ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻦ ﻣﺮﻳﻢ ﻓﻨﺰﻟﺖ ﻣﺮﻳﻢ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﺁﺩﻡ، ﻭﻳﻨﺰﻝ ﻋﻴﺴﻰ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﺣﻮﺍ. ﻓﻜﻤﺎ ﻭﺟﺪﺕ ﺃﻧﺜﻰ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ، ﻭﺟﺪ ﺫﻛﺮ ﻣﻦ ﺃﻧﺜﻰ، ﻓﺨﺘﻢ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺑﺪﺃ ﻓﻲ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﺑﻦ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﺏ، ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻮﺍ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻡ. ﻭﻛﺎﻥ ﻋﻴﺴﻰ ﻭﺣﻮﺍ ﺃﺧﻮﻳﻦ، ﻭﻛﺎﻥ ﺁﺩﻡ ﻭﻣﺮﻳﻢ ﺃﺑﻮﻳﻦ ﻟﻬﻤﺎ: )ﺇﻥ ﻣﺜﻞ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﻤﺜﻞ ﺁﺩﻡ).
ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﺑﺎﻟﺴﺎﻋﺔ، ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻖ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺃﻓﻌﺎﻟﻬﻢ ﺳﺒﺒﺎ ﻟﻬﻼﻛﻬﻢ ﻭﻓﻨﺎﺋﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﻗﺮﺑﻬﻢ ﻣﻨﻪ ﻣﻮﺟﺒﺎ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ).
ﻛﻤﺎ ﻳﺪﻝ ﻛﻼﻣﻪ رضى الله عنه ﻓﻲ ﺁﺧﺮ "ﺍﻟﻔﺺ ﺍﻟﻨﻮﺣﻲ" ﻭﻣﻮﺍﺿﻊ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ.
ﻭﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻇﺎﻫﺮ. ﻭﺃﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، ﻓﺂﺩﻡ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻜﻠﻰ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﺭﻭﺍﺡ، ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ، ﺃﻭﻻﺩﻩ، ﻭﺷﻴﺚ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺒﺪﻥ.
ﻭﺍﻟﻤﻮﻟﻮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻠﺪ ﺑﺎﻟﺼﻴﻦ، ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﻟﻤﺘﻮﻟﺪ ﻓﻲ ﺻﻴﻦ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ، ﺃﻱ، ﻓﻲ ﺃﻗﺼﻰ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻨﺰﻝ ﻭﻫﻮ ﺣﺎﻣﻞ ﺍﻷﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻤﻮﺩﻋﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻜﻠﻰ ﺃﻭﻻ، ﺛﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ ﺛﺎﻧﻴﺎ، ﻭﻫﻤﺎ ﻟﻴﺴﺎ ﺑﻤﺘﻐﺎﺋﺮﻳﻦ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﻤﺮﺗﺒﺔ.
ﻭﻛﻮﻧﻪ ﺁﺧﺮ ﻣﻮﻟﻮﺩ، ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻈﻬﺮ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻴﺲ ﻓﻮﻗﻪ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻛﻤﺎﻟﻴﺔ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺇﻻ ﺁﺧﺮﺍ. ﻭﺃﺧﺘﻪ، ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻮﻟﺪﺓ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻘﻠﺐ.
ﻭﻛﻮﻥ ﺭﺃﺳﻪ ﻋﻨﺪ ﺭﺟﻠﻴﻬﺎ، ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻋﻨﺪ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀ ﻇﻬﻮﺭﻩ ﻭﻭﻻﺩﺗﻪ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻣﻄﻴﻌﺎ ﻣﺬﻋﻨﺎ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﺑﺤﺴﺐ ﻗﻮﺗﻴﻬﺎ ﺍﻟﺸﻬﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻐﻀﺒﻴﺔ ﺍﻟﻠﺘﻴﻦ ﻛﺎﻟﺮﺟﻠﻴﻦ ﻟﻠﻨﻔﺲ، ﺇﺫ ﺑﻬﻤﺎ ﺗﺴﻌﻰ ﻓﻲ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﻟﺬﺍﺗﻬﺎ ﻭﺷﻬﻮﺍﺗﻬﺎ.
ﻓﺈﺫﺍ ﻇﻬﺮﺕ ﻭﺗﻤﺖ ﻭﻻﺩﺗﻪ، ﺭﺑﺎﻩ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻜﻠﻰ ﺑﻠﺒﺎﻥ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻠﺪﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﺑﻠﻎ ﺃﺷﺪﻩ ﻭﺍﺳﺘﺨﺮﺝ ﻛﻨﺰﻩ ﺻﺎﺭ ﺩﺍﻋﻴﺎ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﻭﻗﻮﺍﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺍﻹﺣﺎﻃﻲ ﻭﻣﻘﺎﻡ ﺍﻻﺳﻢ ﺍﻹﻟﻬﻲ. ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﻭﻗﻮﺍﻫﺎ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻟﺘﻘﻴﺪﻫﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﻄﻰ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻫﺎ، ﻓﻼ ﻳﺠﺎﺏ ﻭﻳﺴﺮﻯ ﺍﻟﻌﻘﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺀ، ﺃﻱ، ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﻔﻌﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻠﻨﻔﺲ، ﻓﻼ ﻳﺘﻮﻟﺪ ﻣﻮﻟﻮﺩ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﻛﻤﺎﻟﻪ، ﻓﻬﻮ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻻﺩ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻬﻢ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﻗﻮﺓ ﻇﻬﻮﺭ ﺳﺮ ﺃﺑﻴﻬﻢ ﻓﻴﻬﻢ.
ﻓﺈﺫﺍ ﻗﺒﻀﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺈﻓﻨﺎﺋﻪ ﻓﻴﻪ ﺑﺎﻟﺘﺠﻠﻲ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭﺍﻻﻧﺠﺬﺍﺏ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺸﻬﻮﺩ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻣﻊ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﻗﺒﺾ ﻣﺆﻣﻨﻲ ﺯﻣﺎﻧﻪ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﻠﺒﻴﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ، ﺑﻘﻰ ﻣﻦ ﺑﻘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﻗﻮﺍﻫﺎ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺒﻬﺎﺋﻢ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻟﻌﺠﻢ ﻟﻌﺪﻡ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ ﺍﻟﺘﺮﻗﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﻡ ﻳﺘﺮﻗﻰ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻘﻠﺐ.
ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﺍﻟﻈﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﻻ ﻳﻤﻴﺰﻭﻥ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﻮﺟﺐ ﺍﻟﺘﺮﺡ ﻭﺍﻟﺴﺮﻭﺭ، ﻓﻴﺸﺘﻐﻠﻮﻥ ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻫﻢ، ﺧﻴﺮﺍ ﻛﺎﻥ ﺃﻭ ﺷﺮﺍ، ﻭﻳﺘﺼﺮﻓﻮﻥ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﺎﻟﺸﻬﻮﺓ ﺍﻟﻤﺤﻀﺔ ﻣﺠﺮﺩﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﻉ ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﻫﻤﺎ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻹﻟﻬﻲ، ﺇﺫ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻫﻢ ﻻ ﻳﻌﻄﻰ ﺇﻻ ﺫﻟﻚ.
ﻛﻤﺎ ﻳﺸﺎﻫﺪ ﻣﻦ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻤﺠﺬﻭﺑﻴﻦ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﻤﻴﺰ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﻭﺍﻟﺴﻜﻨﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﻞ ﻭﺍﻟﺤﺮﻣﺔ ﻭﺍﻟﻌﺮﻯ ﻭﺍﻟﺴﺘﺮ. ﻓﻌﻠﻴﻬﻢ ﻳﻘﻮﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ ﻫﺬﺍ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺠﺬﻭﺑﻴﻦ.
ﻭﺃﻣﺎ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺼﺤﻮ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﺤﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻤﻞ، ﻓﻼ ﻳﺪﺧﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﻜﻢ، ﻷﻧﻬﻢ ﻣﺴﺘﺜﻨﻮﻥ ﻣﻨﻪ.
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﻓﺼﻌﻖ ﻣﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﻣﻦ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ".
ﻷﻥ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻭﺍﻟﺨﺘﻢ. ﻭﻛﺬﺍ ﺍﻟﻤﺤﺠﻮﺑﻮﻥ، ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻣﺎ ﻇﻬﺮ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺨﺘﻢ ﻭﻻ ﺣﺼﻞ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﻓﻼ ﻳﺰﺍﻟﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺒﻬﺎﺋﻢ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ، ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﺃﻭﻟﺌﻚ ﻛﺎﻷﻧﻌﺎﻡ ﺑﻞ ﻫﻢ ﺃﺿﻞ".
ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺑﺴﻄﺖ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻭﻧﻘﻠﺖ ﺃﻟﻔﺎﻅ ﺍﻟﺸﻴﺦ رضی الله عنه ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮﺍ، ﻟﺌﻼ ﻳﻌﺪﻝ ﺍﻟﻨﺎﻇﺮ ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺗﺄﻭﻝ ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺎ ﻳﺸﺘﻬﻴﻪ ﻭﻳﻘﺘﻀﻴﻪ ﻋﻘﻠﻪ، ﻓﺈﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﻮﻕ ﻣﺪﺍﺭﻙ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ. ﻭﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻮﻟﻴﻪ.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحکم الشیخ علاء الدین المهائمی 835 هـ :
قال الشیخ ابن العربی الطائی الحاتمی : و على قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی. وهو حامل أسراره، ولیس بعده ولد فی هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ویخرج بعدها یکون رأسه عند رجلیها.
ویکون مولده بالصین ولغته لغة أهل بلده. ویسری العقم فی الرجال والنساء فیکثر النکاح من غیر ولادة ویدعوهم إِلى اللَّه فلا یجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمنی زمانه بقی من بقی مثل البهائم لا یحِلُّون حلالًا و لا یحرمون حراماً، یتصرفون بحکم الطبیعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعلیهم تقوم الساعة.)
قال رضی الله عنه : "وعلى قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی".
وهو حامل أسراره، ولیس بعده ولد فی هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ویخرج بعدها یکون رأسه عند رجلیها. ویکون مولده بالصین ولغته لغة أهل بلده.
ویسری العقم فی الرجال والنساء فیکثر النکاح من غیر ولادة ویدعوهم إلى الله فلا یجاب.
فإذا قبضه الله تعالى وقبض مؤمنی زمانه بقی من بقی مثل البهائم لا یحلون حلالا ولا یحرمون حراما، یتصرفون بحکم الطبیعة شهوة مجردة عن العقل والشرع فعلیهم تقوم الساعة."
قال رضی الله عنه : (وعلى قدم شیث علیه السلام ) أی: طریقة سیره إلى الله، وفی الله، وبالله، وعن الله (یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی)، لیکون آخر ما وهب لآدم علیه السلام الک کأول ما وهب له من الکل تنبیها على أن النهایة کالبدایة، وأن الخاتمة کالسابقة، والتقیید بالنوع الإنسانی یشیر إلى عدم انقطاع ولادة الدواب بذلک.
(وهو حامل أسراره) أی: علومه المتعلقة بالعطاء بل وغیرها وسائر أحواله، ولیس المراد خاتم الکمالات الإنسانیة فقط به، بل (لیس بعده ولد فی هذا النوع) لانتهاء الکمال المطلوب من خلق الإنسان به من کل وجه.
قال رضی الله عنه : (فهو خاتم الأولاد) لا کما یقوله الفلاسفة: من أنه لا انتهاء الأفراد الإنسان، (فتولد معه أخت له)؛ لیکون ختم الولادة بالصنفین، وقد کانت ولادة آدم علیه السلام التی بنفسه کذلک (فتخرج) أخته (قبله، ویخرج) هو (بعدها) لیکون الختم الحقیقی بالأکمل.
(یکون رأسه عند رجلیها)؛ لتکون ولادته على النهج الطبیعی لکمال حالهما، (ویکون مولده بـ "الصین")؛ لأنه أقصى البلاد کما أنه أقصى الأولاد.
(ولغته لغة بلده) لیمکنه دعوتهم إلى الله تعالی (ویسری العقم فی الرجال والنساء)، أی: من الجانبین تحقیقا لختمیته فلا یولد صغیر یموت قبل الاستعداد للکمال الإنسانی، لئلا یکون فیهم من لا یبلغه دعوته فلا یکون من الشرار الموجبین لقیام الساعة.
وذلک أنه (یدعوهم إلى الله) بجملة أسرار شیث (فلا یجاب) إذ لو أجیب لکان فیهم إنسان کامل یجب حفظ العالم من أجله، فلا یقرب فناؤه مع وجوده، وهذا ینافی ختمیته.
قال رضی الله عنه : (فإذا قبضه الله، وقبض مؤمنی زمانه بقی من بقی مثل البهائم) لیس فیهم من الکمالات الإنسانیة، ولذلک (لا یحلون حلالا، ولا یحرمون حراما)؛ لأن ذلک مخصوص بأهل الکمال من الإنسان غیر معطى للبهائم.
فهم (یتصرفون) فی أنفسهم وفی العالم (بحکم الطبیعة شهوة) أی: لأجلها (مجردة عن الشرع والعقل) اللذین هما الکمال الإنسانی أحدهما کنور القمر.
والثانی کنور الشمس (فعلیهم تقوم الساعة) لعدم من یحفظ لأجله عالم الدنیا، وهو الإنسان الکامل القائم بقوانین الشرع والعقل جمیعا فافهم. والله الموفق والملهم.
ولما فرغ عن بیان ظهور الأسماء الإلهیة فی المظاهر، وهو جهة التشبیه شرع فی بیان تنزهها فی أنفسها عن النقائص الإمکانیة لیشیر إلى أنها لا تلحقها ولا الذات، وإن ظهرت فی المظاهر.
شرح فصوص الحکم الشیخ صائن الدین علی ابن محمد الترکة 835 هـ :
قال الشیخ ابن العربی الطائی الحاتمی : (و على قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی. وهو حامل أسراره، ولیس بعده ولد فی هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ویخرج بعدها یکون رأسه عند رجلیها. ویکون مولده بالصین ولغته لغة أهل بلده. ویسری العقم فی الرجال والنساء فیکثر النکاح من غیر ولادة ویدعوهم إِلى اللَّه فلا یجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمنی زمانه بقی من بقی مثل البهائم لا یحِلُّون حلالًا و لا یحرمون حراماً، یتصرفون بحکم الطبیعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعلیهم تقوم الساعة.)
ولما تقرر وجوب مماثلة المبدء والختم ولزوم مطابقتهما ، وجب أن یکون الآخر من کل نوع مشتملا على جمیع ما علیه الأول بالفعل والقوة .
(وعلى قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی ) ضرورة أنه أول من ولد من الوالد الأکبر ، فآخر من انتهى إلیه سلسلة الموالید لابد وأن یکون فی موطن کماله وعلى قدم قراره .
وأنت عرفت مرادهم من هذا الاصطلاح فلا نعیده وإن ارتاب به بعض مستکشفی هذا الکتاب، حتى وقع فی القول بأن شیث علیه السلام من القائلین بالتناسخ.
وعلیه حمل قوله : (وهو حامل أسراره) ؛ وأنت عرفت تفصیل أولاد آدم ، وأن الذکر منهم هو الذی له الأسرار والعلوم الشهودیة ، هذا بحسب مواقف شهوده من حیث أنه آخر الأولاد (ولیس بعده ولد فی هذا النوع ، فهو خاتم الأولاد).
وأما من حیث الوجود فلابد وأن یقارن وجوده مایماثل أصل القابلیة التی تتولد مع شیث من الوالد الأکبر ، کما علم من حکمته ، لأن قابلیته مقدمة علیه ، وذلک بأن یولد (ویولد معه أخت له ، فتخرج قبله ، ویخرج بعدها ، یکون رأسه عند رجلیها) لأن ظهوره إنما یمکن بعد تمام بروز القابلیة عن الوالد الأکبر بقدمیها الصورة والمعنى ، أی بأخرهما ، أو لأنه کما هو خاتم الأولاد فهو خانم هذا النوع من الظهور الکمالی والوجود الجمی فلابد وأن یماثل آدم بهذا الاعتبار.
کما صرح به الشیخ فی عنقاء المغرب حیث قال : وإنما یولد معه أخته ، لیکون الاختتام مشابها للابتداء ، فإن خلق آدم کان أیضا مقارنا لخلق حواء " إن مثل عیسى عند الله کمثل آدم" .
أو لأنه لما کان منتهی ظهور هذه الصورة النوعیة الاعتدالیة الکمالیة الواقعة فی أقصى نهایة العدالة الحیوانیة، لابد وأن یضاهی مبدأ ظهورها.
وأختها هی النفس الحیوانیة، فإن النفس الناطقة الإنسانیة إنما تتولد من أم موادها العنصریة معها بعد تمام ظهورها، ویکون رأس تسلیمها عند رجلی قوتها الشهوة والغضبیة، اللتین بهما یسلک مسالک متمناها فی عرض أرض استعدادها.
ومما عرفت فی التفرقة بین أولاد آدم من أن الذین لهم الظهور بالصور الوجودیة والقوة التامة المقدرة للنوع من التمکن عن اقتناص المعارف من الصور الوجودیة کشفا، هم أبناء آدم.
کما أن الذین لهم الخفاء فی الملابس الکونیة، والضعف عن الاستکشاف من الصور المذکورة، بل انما یستنبطون علومهم من مکامن الحجب النظریة والحجج العقلیة فهم بنات آدم أهل الحجاب.
ظهر لک أن الکامل الذی هو خاتم الأولاد إنما یخرج مع أخته صاحب العقل ، ورأس ظهوره تحت رجلی قوتیه النظریة والعملیة ، اللتین بهما یسلک مسالکه .
وقوله : (ویکون مولده بالصین) إما لأنه لما کان فی آخر ما أمکن من أجزاء الزمان مما یصلح لأن یکون ظرفا لتکون أفراد نوعه ، فالصین کذلک فی المکان ، فإنه آخر ما أمکن أن یتکون فیه هذا النوع ؛ ولأنه واقع بین مبدأ شروق شمس الظهور المبینة للصورالکائنة ، المخفیة للحقائق وما یختص بها من الستر والصور ، وشمال الشمول والجمعیة المستدعیة للعلوم ، وحصولها فی طی الحجب بمساعی الجوارح ، متلبسة بالصور الکونیة ، مستجلیة بروابط المقدمات النظریة ، بدون توسل إلى تلک الصور الموضوعة من عند الأنبیاء ، ولذلک ترى هنالک تلک الصور فیها مختفیة ، ومن هاهنا تسمع فیه : "أطلبوا العلم ولو بالصین".
وفیه تلویح لفظی وعددی :
أما الأول فیما للحجب والقشور من الصیانة . وأما الثانی فلما فیه من الدلالة على النسب الکونیة الحاجبة.
ومن خصائص الولی الخاتم اختفاؤها عند ظهوره، کما حققه صاحب المحبوب سلام الله علیه: "إنه تحلیة النفس بقریة العکس".
الأول لقوله تعالى: "ثم کلی من کل الثمرات " ، أی مرها وحلوها ، نافعها ومضارها .
والثانی لجعامتها، ومن ثمة ترى أحکام الطبیعة فی حینه عالیة وسلطان قونی الشهوة والغضب بالغا فی الظهور لما أشیر إلیه.
و أومی إلى ذلک بقوله: (ولغته لغة بلده) البعید عن الظهور الوجودی وکمالاته الشهودیة، على ما أرسل به بنو آدم من الأنبیاء ، فلذلک لا ینتج کلامهم لقومهم الکونی ، الذین هم بنات آدم .
(ویسری العقم فی الرجال والنساء ، فیکثر النکاح) الأظهاری بین الناکح الداعی والقابل الواعی ( من غیر ولادة ) للکمال الإنسانی ( ویدعوهم إلى الله فلا یجاب ).
( فإذا قبضه الله وقبض مؤمنی زمانه بقى من بقى مثل البهائم ، لا یحلون حلالا ) به یحلون محال ظهوره ومجالی شعوره ، ( ولا یحرمون حراما ) به یحرمون عنها.
(یتصرفون بحکم الطبیعة شهوة مجردة عن العقل) بإهمالهم شرائط بقاء النسل والحرث (والشرع) بإهمالهم شرائط محافظة النسب عن الاختلال والوهن .
فعند انطواء هذین المحلیین فی طوى جلال الزمان وحمى کماله طلعت على أهله شمس الظهور من مغرب إخفائها ، واختفت فی مشرقها ومنصات جلائها .
(فعلیهم تقوم الساعة) فإن من شأن الحکم الإلهی أنه إذا حان ظهور الثمرة وخروجها من الحبة المزروعة لابد من تفرق أجزائها وانقلاب أوضاعها ، وانعدام نضدها ونظمها ، فعند ذلک أمکن خروج الثمرة من مکامن قوتها و إمکانها إلى مجالی الخارج .
وتلک الحبة هی الشرع ، والثمرة هی الحقیقة المندمجة فیها ، فإذا تجردت الحبة عن صورتها الظاهرة التی هی الشرع ، وعن جمعیتها المزاجیة التی هو العقل برز ما فیه من السنابل السبع، فی کل سنبلة منها مائة حبة ، وهو المعبر عنه بالساعة .
ولتحقیق ذلک وبیان لمیته کلام کاف وبرهان شاف فی الکتاب ، من اهتدى إلى استکشاف ذلک فقد فاز من جلائل حقائق الوقت ولطائف خصائص المحبوب المراد بحظ والسلام .
شرح الجامی لفصوص الحکم الشیخ نور الدین عبد الرحمن أحمد الجامی 898 هـ:
قال الشیخ ابن العربی الطائی الحاتمی : (و على قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی. وهو حامل أسراره، ولیس بعده ولد فی هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ویخرج بعدها یکون رأسه عند رجلیها. ویکون مولده بالصین ولغته لغة أهل بلده. ویسری العقم فی الرجال والنساء فیکثر النکاح من غیر ولادة ویدعوهم إِلى اللَّه فلا یجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمنی زمانه بقی من بقی مثل البهائم لا یحِلُّون حلالًا و لا یحرمون حراماً، یتصرفون بحکم الطبیعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعلیهم تقوم الساعة.)
قال رضی الله عنه : " و على قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی. "
قال رضی الله عنه : (وعلى قدم شیث علیه السلام) بلی على قلبه فی التهییء للتجلیات الذاتیة العطایا الرهبیة (یکون آخر مولود یولد فی هذا النوع الإنسانی).
لأن مراتب الموجود دوریة و کما أن شیث علیه السلام الذی کان أول مولود من سلسلة أولاد آدم المنتهیة إلینا کان محلا للتجلیات الذائیة والعطایا الوهبیة ینبغی أن یکون آخر مولود أیضا کذلک لتتم الدائرة بانطباق أولها على آخرها.
قال رضی الله عنه: " أسراره، و لیس بعده ولد فی هذا النوع. فهو خاتم الأولاد.
و تولد معه أخت له فتخرج قبله و یخرج بعدها یکون رأسه عند رجلیها. و یکون مولده بالصین و لغته لغة أهل بلده. و یسری العقم فی الرجال و النساء فیکثر النکاح من غیر ولادة و یدعوهم إلى الله فلا یجاب.
فإذا قبضه الله تعالى و قبض مؤمنی زمانه بقی من بقی مثل البهائم لا یحلون حلالا و لا یحرمون حراما، یتصرفون بحکم الطبیعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعلیهم تقوم الساعة."قال رضی الله عنه : (وهو حامل أسراره) من علومه وتجلیاته لما ذکرنا.
(ولیس) یولد (بعده ولد) آخر (فی هذا النوع) الإنسانی (فهو خاتم الأولاد ویولد معه) فی بطن واحد (أخت له) .
کما أن شیث علیه السلام أیضا کان کذلک فإن حواء کانت تلد لآدم فی کل بطن ذکرا وأنثى (فتخرج) أخته (قبله ویخرج) هو (بعدها) لأنه لو لم یتأخر عنها فی الولادة لم یکن خاتم الأولاد.
ویشبه أن تکون ولادة شیث علیه السلام مع اخته بعکس ذلک لیکون أول مولود (یکون رأسه عند رجلیها ویکون مولده بالصین) أقصى البلاد.
قال رضی الله عنه : (ولغته لغة بلده ویسری) بعد ولادته (العقم فی الرجال والنساء فیکثر النکاح من غیر ولادة ویدعوهم إلى الله فلا یجاب) فی هذه الدعوة (فإذا قبضه الله وقبض مؤمنی زمانه بقی من بقی مثل البهائم).
فهم حیوانات فی صور الإنسان لإظهار کمال الحقائق الحیوانیة الطبیعیة البهیمیة والسبعیة فی الصورة الإنسانیة لا على ما تقتضیه القابلیة من حیث هی هی من غیر وازع عقلی أو مانع شرعی.
(لا یحلون حلالا ولا یحرمون حراما ینصرفون بحکم الطبیعة شهوة مجردة) ، أی تشرف شهوة مجردة (عن العقل والشرع فعلیهم تقوم الساعة) وتخرب الدنیا . وانتقل الأمر إلى الآخرة.
اعلم أن مراد الشیخ رضی الله عنه بخاتم الأولاد غیر خاتم الولایة.
فإن خانم الولایة المقیدة عند الشیخ هو الشیخ نفسه .
وخاتم الولایة المطلقة هو عیسى علیه السلام کما أومی إلى الأول وصرح بالثانی فی مواضع متعددة من کلامه .
ولا یخفى أن هذه القصة لا تنطبق على حال واحد منهما .
ومن حمله على خاتم الولایة المطلقة فکان منشأ حمله أنه لما کان خاتم الأولاد حاملا لأسرار شیث علیه السلام لا بد أن یکون من الأولیاء .
وإذا کان من الأولیاء لم یتولد بعده ولی آخر یلزم أن یکون خاتم الأولیاء ولیس الأمر کذلک.
فإنه یمکن أن یکون تحقیقه بالولایة قبل نزول عیسى علیه السلام وظهوره بالولایة ویکون نزول عیسى علیه السلام فی زمانه أو زمان من بقی من مؤمنی زمانه بعده ولا یتحقق أحد بعده بالولایة فیکون خاتما للولایة.
ثم اعلم أن مقصود الشیخ رضی الله عند بیان لدوام إفراد النوع الإنسانی وختمهم وغیر ذلک مما یتعلق به .
فحمل کلامه على ما یکون فی النشأة الإنسانیة على سبیل المضاهاة لما ذکره خروج عن المقصود فلهذا لا تشتغل به .
کتاب مجمع البحرین فی شرح الفصین الشیخ ناصر بن الحسن السبتی الکیلانی 940هـ:
قال رضی الله عنه : ( وعلى قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی. وهو حامل أسراره، ولیس بعده ولد فی هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ویخرج بعدها یکون رأسه عند رجلیها. ویکون مولده بالصین ولغته لغة أهل بلده. ویسری العقم فی الرجال والنساء فیکثر النکاح من غیر ولادة ویدعوهم إِلى اللَّه فلا یجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمنی زمانه بقی من بقی مثل البهائم لا یحِلُّون حلالًا و لا یحرمون حراماً، یتصرفون بحکم الطبیعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعلیهم تقوم الساعة. )
قال المصنف رضی الله عنه : [وعلى قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی. و هو حامل أسراره، و لیس بعده ولد فی هذا النوع. فهو خاتم الأولاد، و تولد معه أخت له فتخرج قبله، و یخرج بعدها و یکون رأسه عند رجلیها و یکون مولده بالصین و لغته لغة بلده و یسری العقم فی الرجال و النساء فیکثر النکاح من غیر ولادة و یدعوهم إلى الله، فلا یجاب فإذا قبضه الله و قبض مؤمنی زمانه بقی من بقى مثل البهائم لا یحلون حلالا و لا یحرمون حراما، یتصرفون بحکم الطبیعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعلیهم تقوم الساعة].
قال الشارح رحمه الله :( و على قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی )، لما کانت الدنیا لها بدایة و نهایة و هی ختمها، قضى الله سبحانه أن یکون جمیع ما فیها له بدء و ختم، و منه کان صلى الله علیه و سلم فی النبوة و الرسالة بدءا و ختما .
ورد فی الخبر: " إنما بعثت خاتما فاتحا " الحدیث. رواه البیهقی فی شعب الإیمان، ذکره السیوطی فی جمع الجوامع .
و منه کان ختم الولایة خاتما فاتحا، فاقتضى الشأن و الأمر أن یکون للمنح و الأعطیات بدء و ختم، و کان فتحه شیث علیه السلام کما ذکرنا، فختم على مولود یولد على قدم شیث.
و ینطوی بساط انبساط تلک المنح بانطواء أهلها، فیکون الختم على قدم الفتح لأن الأمر دوری، ینعطف الآخر لطلب أوله، فافهم .
و إنما قال رضی الله عنه: (على قدم) و لم یقل: (على قلب) رعایة للأدب لأنه أقرب إلى الأدب و هو مقامهم الذی یرضون لأنفسهم .
و من هذا المقام قال صلى الله علیه و سلم : " أدّبنی ربی فأحسن تأدیبی"..
قال الشیخ رضی الله عنه: و الأدب مقامنا، و هو الذی أرتضیه لنفسی و لعباد الله.
ذکره فی الباب الثالث و الستین و أربعمائة من الفتوحات:
( و هو حامل أعباء أسراره )، و هی حقائق الأعطیات، و معارف و رقائق المعارف و الوهبیات على کواهل القابلیات و الاستعدادات .
( و لیس بعده ولد یرث أباه فی هذا النوع) الإنسانی الکمالی، من هذا الجنس من المیراث، فیختم به الأمر فهو خاتم الأولاد، و کما أن الختم ینبغی أن یکون على قدم فتحه، فشیث کان مولودا مع أخته .
فقال: و کذلک الختم (تولدمعه أخت له )، فلا یکون إلا توأما لیکون الاختتام کالافتتاح، و لکن سبق أخته و خرج قبلها، لأنه فی الاعتبار، و هو بمنزلة العقل الأول فی الظهور.
و الأخت لها الدرجة الثانیة فی مرتبة النفس الکل، بخلاف هذا الخاتم الذی هو آخر مولود له مقام العود و الانقلاب، و الرجوع إلى الأصل.
ففی العود تسبق العرجاء (فتخرج قبله )، لأنّ صورة النفس فی الترقی تسبق صورة العقل، و هو یتبعها (و یخرج بعدها) .
کان الفتح متنزلا فی الترقی، و الختم تترقى فی تنزله فتظهر أحکامه بعکس أحکامها .
( یکون رأسه عند رجلیها )، کما کان فی الفتح رأسها عند رجلیه، فالرجلان إشارة إلى قوتیهما شهوانیة و عصبیة إذ بهما تمشی و تسعى لجلب المنافع و وقع المضار، کأنه رضی الله عنه أشار إلى أنّ مقام العقل عند انتهاء مراتب النفس، فإنها إذا اطمأنت فیکون ابتداؤه عند انتهائها و انتهاء قواها، فإنه یرجع قهقری .
و النفس لها ثلاث مراتب:
تسمّى فیها النفس أمّارة، فهی باعتبار غلبة قوى الحیوانیة و البهیمیة .
و لوامة حیث تنتبه و تلوم نفسها عند المخالفات، کأنها تخلط عملا صالحا و آخر سیئا، عسى الله أن یتوب علیها.
و المطمئنة و هی کالمقدمة لظهور العقل الأول و أحکامه، فلما یکمل استعدادتها و یتطهر مهبط وحیها لخطاب: یا أیتها النفس المطمئنة (ارجعی إلى أصلک فإنی جعلت تحتک سریا )، فیظهر العقل تحتها، و هو فی السلوک قهقری .
( و مولده بالصین) أقصى البلاد المعمورة و أبعدها إلینا . فلهذا ورد فی الحدیث : " اطلبوا العلم و لو بالصین"
مبالغة فی البعد، فالاعتبار أنه مولده أقصى مراتب الإمکان، و لنزل مراتب التنزلات الإلهیة .
( و لغته لغة بلده) بلسان النهوانیة على الفطرة الأصلیة الأولیة من العلوم الإلهیة، و المعارف اللدنیة، و من یکون مولده الطبیعة الکل یتکلم بکل لسان، و لسانه لا یکل .
من عرف الله طال لسانه: أی بکل لغة، (و یسری العقم فی الرجال و النساء) من مولود من هذا الجنس بهذا الوجه .
فلهذا یسمّى المجذوب الأبتر: أبتر: أی ناقص من العقم، و هو العقیم عن النتیجة و التولید، و لا یقال: إن ذکر أحد الزوجین کان کافیا فی المدّعى، و هو عدم الولادة و العقم الساری فی الوجود فی هذا الجنس .
لأن الشیخ رضی الله عنه ذکر فی الباب الثالث و السبعین من الفتوحات :إن من رجال الله واحدا فی کل زمان لا یوجد غیره فی مقامه، و هو یشبه عیسى علیه السلام متولد بین الروح و البشر، لا یعلم له أب بشری.
فهو مرکب من جنسین مختلفین، و هو رجل البرزخ یکون مولده على هذه الصفة، فهو مخلوق من ماء أمه، خلافا لما ذکر عن أهل الطبائع، أنه لا یتکون من ماء المرأة ولد، بل الله على کل شی ء قدیر. انتهى کلامه رضی الله عنه .
و کیف لا؟
و قد کذّب الله الطائفة الناقصة بعیسى علیه السلام، و أمّا وجود موجود بلا أب و لا أم قد یسبق فی الأوهام ألوهیة تکذیبه، مع إیمانه بأن ذلک من الممکنات، بل و قد وقع کوجود آدم، و ما ذاک إلا الوقوف و التخشّب مع المألوفات، و التحمل بالعادات.
قال تعالى: "کأنّـهُمْ خُشُبٌ مُسنّدةٌ" [ المنافقون: 5] .
( فیکثر النکاح ): أی بلا سفاح، فیدل على أن الإیمان الذی سبب بقاء الملک ما انقطع الآن، و لن ینقطع أنهم تقیدوا بالنکاح، فإن النکاح و هو عقد شرعیّ، و هم مؤمنون به، فافهم .
( من غیر ولادة) تخفیفا من الله لا استخفافا . ورد فی الخبر :
"خیرکم فی المائتین الخفیف الحاذ، قیل: یا رسول الله، و ما الخفیف الحاذ؟ قال: الذی لا أهل له و لا ولد" . رواه الخطیب و ابن عساکر عن حذیفة رضی الله عنه .
أما ترى قوله صلى الله علیه و سلم حین نظر إلى الحسن و الحسین رضی الله عنهما یمشیان و یعثران قال صلى الله علیه و سلم :
"صدق الله و رسوله إنما أموالکم و أولادکم فتنة، فنظرت إلى هذین الصبیین یمشیان و یعثران فلم أصبر حتى قطعت حدیثی و رفعتهما" ، ذکره السیوطی فی جمع الجوامع .
( و یدعوهم إلى الله تعالى فلا یجاب )، تصامموا عن دعوته لعلمهم بما یجب علیهم من إجابة دعوته، و إنما لم یجیبوا دعوته لما فیها من القرآن.
فإنه دعاهم بالاسم الجامع (الله )، و طلب منهم الجمع بین الکشف و الحجاب، فأبوا و لم یجیبوا داعی الله لأن الأمر عندهم فرقان و کشف بلا حجاب، و من أقیم فی الفرقان صرفا لا یصغی إلى القرآن، و إن کان القرآن یتضمن الفرقان، و لکن الفرقان لا یتضمن القرآن.
و هم فی شهود الجمع و الفرقان، صرفا لا یعرفون للقرآن طعما، أو نقول: إنه أغناهم أصباح العیان عن مصباح الإیمان على الحالین، مدحوا بلسان الذم، و لا یعلم ذلک إلا ذو حظّ عظیم، (فإذا قبضه الله، و قبض مؤمنی زمانه) الذین آمنوا من قبل (بقی ما بقی) .
ورد فی الحدیث: " فیبقى شرار الناس فی خفة الطیر و أحلام السباع" الحدیث .
فی خفة الطیر فی المعاش و المیعاد، یخرجون خماصا و یرجعون بطانا، بعقول فطریة أصلیة حیوانیة، یتوصلون إلى مشتهاهمبلا کلفة التکلیف، و حجر التشریع .
( مثل البهائم) فی دوام الکشف و الشهود، فإنها على الکشف الفطری بلا حجاب کالملائکة .
قال الله تعالى: "لهُمْ قُـلوبٌ لا یفْقهُون بها ولهُمْ أعْینٌ لا یـبْصِرُون بها ولهُمْ آذانٌ لا یسْمعون بها أولئک کالْأنعاِم بلْ هُمْ أضل" [ الأعراف: 179]: أی فی الحیرة و الهیمان .
اعلم أن البهائم أمم أمثالکم، لهم الکشف الفطری التام و الشهود العام، و کلها عند أهل الله حیوان ناطق، عالم قادر، متکلم سمیع بصیر، غیر أن هذا المزاج الخاص المسمّى بالإنسان تمیز بمزاج خاصّ، و وقع التفاضل بین الخلائق فی المزاج .
قال رضی الله عنه: إن ما عدا النقلین من کل ما سوى الله على معرفة بالله، و وحی من الله، و علم بما تجلى له، مفطور على ذلک، بل هم أهل إلهام من الله و وحی .
قال الله تعالى: "وأوحى ربک إلى النّحْلِ" [ النحل: 68]، و لکلّ منهما کلام یخصّه، و صنائع لا یظهر أمثالها إلا لذی عقل و قلب، و ما یرى فی ذلک من الأوزان یدل على أن لهم علما و إرادة و قدرة فی نفوسهم، بل یرى منهم أمورا و تدابیر.
لیس للإنسان الحیوانی مثله مع قوة تدبیره العام، فتعارضت عند الناظرین فی أمرهم، فأنبهم الأمر علیهم، و ربما سمعوا لذلک بهائم من إبهام الأمر، فلا یعرفوه منهم إلا قدر ما شاهدوه منهم .
وأمّا العارف فألحقهم بدرجة المعارف و العلم بالله لأن الله تعالى کشف للعارف عن أمرهم و أحوالهم حتى عرفهم، وعرف مقامهم الأسنى، وعلم أنهم مفطرون على المعرفة والعلم بالله و بالآفاق و بأنفسهم .
ورد فی الخبر أنه قال صلى الله علیه وسلم :
" إن بقرة فی زمن بنی إسرائیل حمل علیها صاحبها فقالت: ما خلقت لهذا؟ و إنما خلقت للحرث، فقال الصحابة رضی الله عنهم أبقرة تتکلم؟ فقال صلى الله علیه و سلم: آمنت بهذا أنا و أبو بکر و عمر، هذه بقرة علمت لما خلقت و الإنس و الجن خلقوا لیعبدوا الله".
وما علموا ذلک إلا بتعریف إلهیّ على لسان الرسول صلى الله علیه وسلم، ومع هذا فمنهم من آمن و منهم من کفر، فأین من یراه و شهد ذلک عمّن استبعد وأنکر .
قال رضی الله عنه فی الفتوحات:
إن ابن عطاء قدّس سره کان راکبا فغاصت رجل الجمل، فقال ابن عطاء: جلّ الله یزید عن إجلالک، فاستحى ابن عطاء .
فقال الشیخ رضی الله عنه فی الفتوحات:
إنه مرّ رجل صالح على رجل راکب على حمار وهو یضرب على رأسه حتى یسرع فی المشی، فقال الصالح: کم تضرب على رأس الحمار؟
فقال له الحمار: دعه فإنه على رأسه یضرب .
فهذه بقرة علمت لما خلفت، وهذا جمل عرف ربه، وهذا حمار قد عرف المال بالفطرة التی فطر علیها، فانظر أین مرتبتک عن مرتبة البهائم؟
إنها تعرفک و تعرف ما یؤول إلیه أمرک و أمره، و أنت جاهل هذا کله، و لا تغرک الآیة المتلوّة سابقا لأن الله تعالى ما شبه فی الآیة، "أولئک کالْأنعاِم بلْ هُمْ أضل" [ الأعراف: 179] نقصا بالأنعام، بل إنما وقع التشبیه فی الحیرة و هی صفة کمال، فلا أشد حیرة فی الله من العلماء بالله و من هذا المقام ورد فی الخبر:" ربّ زدنی فیک تحیرا".
ولولا التحیر علم و کمال لما سأل ما سأل لأنه أمر بقل: "رب زدنی علما"، و لم یقل: حالا، و ذلک من علو درجة الحیرة، و علو مقام أهلها، لا یغرنک أن البهائم مسخّرة لک، تحمل أثقالک إلى بلد لم تکونوا بالغیه لأنک مسخّر لها فی أکلها و شربها.
و تنظیف مبیتها من روثها و بولها، بل جعل فیک حاجة إلیها و بها تخدمها خدمة العبد لمولاه، فلا فضل لأحد على أحد بالتسخیر.
ورد فی الخبر :
" إن نبیا من أنبیاء بنی إسرائیل استسقى ولم یسق، فرأى نملة تستسقی وهی رافعة قوامها إلى السماء، فأسقى الله القوم بها".
ذکر هذا الشیخ الحافظ جلال الدین الأسیوطی فی کتاب جمع الجوامع:
و ثبت أنّ کل دابة تسمع خوار المیت على نعشه، و ترى عذاب القبر .
" کان رسول الله صلى الله علیه و سلم راکبا على بغلة، فمرّ على قبر فنفرت فقال صلى الله علیه و سلم: إنها رأت صاحب هذا القبر یعذّب فی قبره" .
و أمثال هذه الأخبار کثیرة، فاعرف قدرک ما هلک امرؤ عرف قدره، ولم یتعدّ طوره .
فلما أعطیت البهائم هذه الکشوف أعطیت الحرس عن التوصل، فافهم .
فإذا عرفت فضل البهائم على الإنسان الحیوانی، و علمت أن المراد بالتشبیه کالبهائم تشبیه کمال، و إن کان غیرهم أکمل، کالبهالیل و المجاذیب الذین أذهلتهم فجأة الکشف، و جعلتهم کالبهائم فی الهیمان، و ردّتهم إلى أصل الفطرة حیوانا محضا، و کشف لهم ما تکشفه کل دابة و بهیمة، ما عدا الثقلین فهم أهل کمال، و إن العقلاء منهم أکمل، و ذلک من عموم الکشف على خصوص الخلق فی آخر الزمان لقربه بدار الحیوان دار عموم الکشف و العیان .
و أشار إلى هذا قوله صلى الله علیه و سلم :
"لا تقوم الساعة حتى تکلم السباع الإنس، و یکلم الرجل عذبة سوطه، و شراک نعله، و یخبره فخده بما فعل أهله بعده" .
و فی روایة : "إن الرجل یخرج من عند أهله فیخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أصابه أهله من بعده"
، و هذا بعینه کما فی یوم القیامة . ثبت فی الخبر الصحیح :
" ستجیئون یوم القیامة و على أفواهکم الفدام، فأول ما یتکلم من الإنسان فخذه و کفه" رواه الحاکم فی المستدرک عن حکیم بن معاویة، عن أبیه، ذکره السیوطی فی جمع الجوامع .
و ما ذلک إلا من عموم الکشف لقرب المناسبة و قوة المشابهة بالآخرة، فإنها دار حیوان، کأنها أهل برزخ بین آخر یوم من الدنیا و أول یوم الآخرة .
قال تعالى:"الیوْم نخْتمُ على أفواهِهِمْ وتکلِّ مُنا أیدِیهِمْ وتشْهدُ أرجُلهُمْ بما کانوا یکْسِبون" [ یس: 65] .
فالمواطن من شدة الشبه تشابهت أحکامها، و زالت الشبه و ظهر حکم: "واعْبدْ رّبک حتّى یأتیک الیقِینُ" [ الحجر: 99] .
قال سهل بن عبد الله التستری قدّس سره فی هذه الآیة: "الیقین هو الله ".
فأخبر العارف الربانی عن المنزل، فالأول تأویل
وقال الآخر: الیقین هو الموت .
و المفسّر أخبر عن الطریق إلیه، ، و الثانی تفسیر، فافهم .
"إن یوم القیامة ما تقوم إلا على شرار الناس " وأنت نزلتهم منزلة الخیار.
قلنا: صدقت، و لکن فاتک نظر آخر وما أدراک أن شرار بنسبة خیار بنسبة أخرى، کما أشارإلیه الحدیث الشریف: " شرار قریش خیار شرار الناس " الشافعی والبیهقی فی المعرفة و ذکره فی جمع الجوامع .
فأثبت لهم الخیر حیث أثبت لهم الشر، فهم شرار الناس بالنسبة إلى العلماء بالله العقلاء، کما قیل: حسنات الأبرار سیئات المقرّبین .
سئل أبو السعود بن الشبل قدّس سره عن العقلاء المجانین فقال: ملاح لکن العقلاء أملح، مع أنه ورد فی الخبر: " خیر أمتی أولها و آخرها و فی وسطها الکدر". رواه الحکیم عن أبی الدرداء رضی الله عنه، ذکره فی جمع الجوامع .
ولا شک أنهم من أمته أو یقول: إنهم شرار الناس الذین لا یتفکّرون فی ذات الله، فإنه ورد فی الخبر: " خیر الناس المتفکّرون فی ذات الله" .رواه أبو الشیخ عن نهشل ابن الضحاک عن ابن عباس رضی الله عنهما ذکره فی جمع الجوامع و ذلک لأن التفکّر فرع العقل، و لا عقل لهم کما عرفته .
( لا یحللون حلالا و لا یحرمون حراما )، قال تعالى: "و ترى النّاس سُکارى وما هُمْ بسُکارى" [ الحج: 2]، و لکن سلطان الشهود أذهلهم، و أذهب بعقولهم، فذهبوا فی الذاهبین.
وبالرجوع إلى العرفان لا بذهاب الأعیان، فهاموا و لم یتمیزوا، کالبهائم سقط عنهم التکلیف إذ لیس لهم عقول یعقلون بها، و لا أبصار یبصرون بها.
تراهم ینظرون إلیک وهم لا یبصرون، لا یتعارفون للیل صباحا، و لا لنهار مسائهم أدلة الشبهات والآیات المتشابهات، یسمونهم العقلاء المجانین، عقولهم محبوسة عند حضرة قدسه، کفّه فی شهود أنسه .
وها هنا تفصیل آخر سأفصّله لک تفصیلا إن شاء الله تعالى لتکون على إجمال فیما نحن فیه على بصیرة:
وهو أن تعلم أن الناس فی هذا المقام على ثلاثة أصناف، و ما ثمة مرتبة رابعة.
منهم من یکون ورده أعظم من القوة التی فی نفسه علیها فتحکم:
أی مقام الهیمان الوارد علیه، فیغلب علیه الحال، فیکون بحکمه یتصرف الحال، و لا تدبیر له فی نفسه ما دام فی ذلک الحال، فإن استمرّ علیه إلى آخر العمر، فذلک المسمّى فی هذه الطریقة بالمجذوب الأبتر، مأخوذ عنه بالکلیة، کأبی عقال المغربی.
قیل: إنه ما أکل وما شرب من حین أخذ إلى أن مات، و ذلک من مدة أربع سنین بمکة المشرفة، فهو مجنون مستور، کأنهم الذین أشار إلیهم صلى الله علیه و سلم فی حدیث طویل فی أشراط الساعة، و خروج الدجال .
"وأنه یجئ على الناس القحط و الجذب حتى یموت کل ذی ظلف، فقیل: یا رسول الله، فما یعیش بقیة الناس؟
فقال: عیشهم التسبیح والتهلیل والتحمید والتکبیر، یجری ذلک مجرى الطعام". رواه أبو إمامة، ذکره السخاوی فی کتابه المسمّى بالقناعة .
و من هذا المقام حکى الشیخ رضی اللّه عنه فی الفتوحات :
إنه قیل لسهل بن عبد الله: ما القوت؟
قال: الله ما نرید إلا ما تقع به الحیاة
قال: الله فلم یر إلا الله، فلمّا ألحّوا علیه.
قالوا: إنما لنرید به عمارة هذا الجسم، فهم إنهم ما فهموا.
فقال: دع الدار إلى بانیها إن شاء عمّرها، و إن شاء أخربها، و إن لم یستمر إلى آخر فیمسک عقله هناک، و یبقی علیه عقل حیوانی، فیأکل و یشرب و یتصرف من غیر تدبیر منه و لا رویة، فهؤلاء یسمّون العقلاء المجانین لتناولهم العیش الطبیعی بحکم الطبع کسائر الحیوانات.
حکى الشیخ رضی الله عنه فی الفتوحات عن هذا المقام، و قال:
إنه مرّ علیّ وقت أؤدّی فیه الصلوات الخمس، إما بالجماعة على ما قیل لی بإتمام الرکوع و السجود و جمیع أرکانها و آدابها، و أنا فی هذا کله لا علم لی بذلک لشهود غلب علیّ غیبت عنی، و أخبرت إلیّ، کنت أقیم الصلاة و أصلی بالناس.
وکانت حرکاتی کحرکات النائم الذی لا علم له بذلک، فعلمت أن الله تعالى حفظ علیّ وقتی. انتهى کلامه رضی الله عنه .
فالذی لم یستمر فإذا زال الوارد رجع بحسبه و عقله، و هذا أکمل المراتب فی هذا الطریق، و هو للأنبیاء و الرسل و الوارثین، صلوات الله و سلامه علیهم أجمعین .
و منهم من یکون وارده و تجلیه مساویا لقوّته، فلا یرى علیه أثر من ذلک حاکم علیه، و حاله إمّا کحال جلیس یکون معک فی حدیث، فیأتی شخص آخر یشغله عنک فی ذلک.
و إمّا کرجل یحدّثک فأخذته فکرة فی أمر، فصرف حسّه عنک إلیه فی خیاله، فجمدت عینه و نظره و أنت تحدّثه، و هو غیر قابل لحدیثک، فتشعر أنه مشغول باطنه، متفکّر فی أمر صارف، ومنهم من یکون قوته أقوى من الوارد، فإذا أتاه وهو معک بالحدیث وأنت لا تدری به.
قال الشیخ رضی الله عنه فی الباب الرابع و الأربعین من الفتوحات :
إنه ما ثمّ أمر رابع فی واردات الحق على قلوب أهل هذه الطریقة، و هی مسألة غلط فیها بعض أهل الطریق فی الفرق بین النبی و الولی.
فقال: إن الأنبیاء یصرفون الأحوال والأولیاء تصرفهم الأحوال، فالأنبیاء مالکون لأحوالهم، و الأولیاء مملوکون لأحوالهم، و لیس الأمر فیه غیر ما فصّلناه، فافهم .
( یتصرفون بحکم الطبیعة) لأنهم بقوا فی عالم الشهادة بروحهم الحیوانی یتصرفون فی ضروراتهم الحیوانیة تصرف الحیوان المفطور على العلم بمنافعه و مضاره المحسوسة من غیر تدبیر منهم، و لا رویة.
کما فی نشأة أهل السعادة فی الجنان وهو دار الحیوان، فإنه لا یبقى فی تلک النشأة إلا النفس الحیوانیة،بها تکون اللذة لأهل النعیم. انتهى کلامه.
فهم المخبتون، قال الله تعالى: "وبشرِ المُخْبتین" [ الحج: 34]، والمخبت : المطمئن من الأرض، و منه خبت إذا سکنت و اطمأن لهبها، فهم ساکنون تحت حجاری الأقدار، راضون مطمئنون، فرحونبما أتاهم الله، متنعمون بما هم فیه، فإن نار طبیعتهم خبتت و خملت، و اطمأنت بالوصول إلى مشتهاهم الطبیعی الحیوانی، حیث لا حجر علیهم .
ورد فی الخبر : " دعوا المذنبین الغارقین، لا تنزلوهم جنة و لا نارا لیکون الله الحکم فیهم" رواه الدیلمی عن عائشة رضی الله عنها .
و فی روایة : "حتى یکون الله یقضی فیهم یوم القیامة" رواه الخطیب عن علی ابن أبی طالب کرم الله وجهه .
و هم کأنهم أهل بدر: " افعلوا ما شئتم " ، بل أقیموا فی مقام:"لا یسْئلُ عمّا یفْعلُ" [ الأنبیاء: 23]
شعر :
بنوا حق غدوا بالحق صرفا ...... فنعت الخلق فیهم مستعار
هم أهل إطلاق صرف أصلی و نظر أولیته لأنه الأصل .
قال تعالى: "خلق لکُمْ ما فی الْأ رضِ جمِیعاً" [ البقرة: 29]، أطلق و لم یقید، ثم جاء التقیید، و حدث التحجّر فی الحکم فیه، فالإطلاق أصل، و التقیید عارض.
ومن هنا قیل: إن الأصل فی الأشیاء المباحة (شهوة) حیوانیة، صرفة خالصة عن شوب التحجیر و التقیید، کما کانت عند الفطرة أول مرة، هذا هو الرجوع إلى البدایة حقّا .
قال رضی الله عنه فی الباب السبعین و المائتین من الفتوحات :
إن القطب لا ینکح و لا یرغب فیه للنسل و لا للأمر، بل لمحض الشهوة الطبیعیة، و اللذة الحیوانیة، کأهل الجنة و على هذا یجری نکاح البهائم، فإنه لمجرد الشهوة. انتهى کلامه رضی الله عنه .
أما ترى قوله صلى الله علیه وسلم أنه شبه تهاجرهم و تساندهم تهارج الحمر فإنها أشد حیوان فی أخذهم ذلک الحظ، و أقوالهم فیه .
و ورد فی الخبر فی أشراط الساعة :
"إذا قبض روح کل مؤمن و کل مسلم، و یبقى شرار الناس یتهارجون تهارج الحمر فعلیهم تقوم الساعة" .
قال السخاوی رحمه الله فی معنى التهارج: أی التعاقد، و هو النکاح من البهائم .
قال الشیخ الأکبر رضی الله عنه: إن الناس غابوا عن هذا الشرف، و عابوا فاعلها، و جعلوها شهوة حیوانیة مذمومة، و نزهوا نفوسهم عنها مع کونهم سمّوها شرف أسمائها، و هو قولهم: حیوانیة: أی هی من خصائص الحیوان، و أی شرف أشرف و أتم و أعظم و أعم من الحیاة .
و من هذا سمّیت دار الآخرة دار الحیوان، و بها تمیزت عن الدنیا، فالذی اعتقده نقصا و هجاء ردّ الله ثناءهم علیهم، و أجرى على لسانهم مدحا و ثناء، فاستدرجهم من حیث لا یشعرون .
قال الشیخ الأکبر: هذه هی التجلی الأعظم، و فیها الشهود الأشمل الأتم، الذی خفی عن الثقلین إلا من خصّه الله من عباده. انتهى کلامه .
( مجردة عن الشرع و العقل )، إنما قال: مجردة عن العقل لیخرج منه النوامیس الوضیعة الحکمیة العقلیة، فإنها رهبانیة ابتدعوها، و ما رعوها حق رعایتها، فهم بمعزل عنه کما فهمته سابقا .
قال رضی الله عنه فی الفص الإلیاسی: من أراد العثور على الحکمة الإلیاسیة و الإدریسیة، فلینزل فی حکم عقله إلى شهوته، و لیکن حیوانا مطلقا حتى ینکشف ما یکشفه کل دابة، مما عدا الثقلین. انتهى کلامه رضی الله عنه .
و إمّا مجرّدة عن الشرع فلأن الشرع تکلیف بأعمال مخصوصة عن أفعال مخصوصة على أشخاص مخصوصة، و محلها هذا الدار الدنیا، فهی منقطعة بانقطاع أهلها أهل الإیمان کما عرفت، فما بقی منهم فی الدار دیارا، و یقول: مجردة عن الشرع: أی المقید لأن المقام مقام الإطلاق، و محل ظهور الشرع المحمّدی صلى الله علیه و سلم بصرافة إطلاقه فی الآفاق من غیر تحجیر و تحدید.
قال تعالى : "ما مِنْ دابّةٍ إلّا هُو آخِذٌ بناصِیتها إنّ ربِّی على صِراطٍ مُسْتقِیمٍ" [هود: 56. [
هذا دین الله الأعم، و إن الدین کله لله، ألا لله الدین الخالص، فصاحب هذا المشهد یرى وجه الحق فی کل محل و ملة، قال تعالى:"فأینما تولُّوا فثمّ وجْهُ اللّهِ " [ البقرة: 115. [
أما ترى قوله تعالى :" یُریدُ اللهُ بکُمُ الْیسْر ولا یُریدُ بکُمُ الْعسْر" [البقرة: 58 ] . ورد فی الخبر الصحیح : "دین الله یسر"
وأی یسر، ثم من المشی على مقتضى الطبیعة الصرفة بلا تحجیر، فإذا عاد الأمر إلى الإطلاق کما بدأ أولا عادت العادة عبادة، کما أن الیوم العبادة عادة، فإن الدین عادة،(فعلیهم تقوم الساعة): أی على أهل الإطلاق المذکور تقوم الساعة.
قال الله تعالى :"إنّ السّاعة آتیةٌ أکادُ أخْفِیها" [ طه: 15]، لولا أن الإخفاء جاء لغة بمعنى: الإظهار، لما أظهرنا لهذه المسألة عینا، و لکن لما أظهرها تعالى بالکنایة تارة، و بالإشارة مرة، وبالعبارة تارة أخرى اقتداء به، و اقتفاء بهدی نبیه، و الله المستعان.
واعلم أنه ذکر الشیخ رضی الله عنه فی وصل تاسع عشر من خزائن الجود:
وقال تعالى: إنّ اللّه لا یغِّیـرُ ما بقوْم حتّى یغِّیـرُوا ما بأنْـفُسِهِمْ وإذا أراد اللّهُ بقوْم سُوْءاً فلا مردّ لهُ وما لهُمْ مِنْ دُونهِ مِنْ والٍ [ الرعد: 11] .
إن عیسى علیه السلام ختم الولایة العامة آخر متعلم، وآخر أستاذ لمن أخذ عنه، ویموت هو وأصحابه من أمة محمد صلى الله علیه وسلم فی نفس واحد بریح طیبة، تأخذهم من تحت آباطهم یجدون لها لذة کلذة الوسنان الذی أجهده السیر.
وأتاه النوم فی السحر، فیجدون للموت حلاوة ولذة لا یقدّر قدرها رعاع، کغثاء السیل أشباه البهائم، فعلیهم تقوم الساعة. انتهى کلامه رضی الله عنه .
فالجمع بین ما فی الفتوحات و بین ما نحن فیه من الفصوص هو أن یکون هلاک الطائفتین فی زمان واحد مع اختلاف الأمکنة، هذا فی الصین و ذاک فی دیار العرب لأن هبوب ذلک آخر الآیات المؤذنة بقیام الساعة، فافهم .
ثم نرجع إلى بیان ما نحن بصدد بیانه و نقول :
اعلم أن الله تعالى خلق العالم على قسمین: آفاقیا، و أنفسیا.
و جعل جمیع ما خلق فی الآفاق له نظیر فی الأنفس، بل جعل الأنفس نسخة منتخبة مختصرة جامعة لجمیع ما فی الآفاق، مع أمر لم یکن فیه، و دفن فیها.
وهو الأمانة المشار إلیها فی القرآن، فالأنفس خزائن لها، ثم أمرنا بالتفکّر لوجدان ذلک فی أنفسنا، و بشّرنا بأنه یرینا آیاته فی الآفاق، و فی أنفسهم حتى یتبین لهم أنه الحق .
فمن جملة ما خلق من النظائر خلق فی الآفاق قیامة و ساعة و أشراطها.
کذلک فی الأنفس خلق ذلک کله، و ذکرها فی القرآن بلسان الإشارة .
و ورد فی الأحادیث کذلک، فأرید أن أذکر بعضها لتکون على بصیرة فیما نرید أن نبیه من إشارات الحاتمی الخاتمی فی هذا المتن، و نختم به الأمر إن شاء الله .
فاعلم أیدک الله و إیانا بروح منه أن القیمة فی الآفاق هی القیامة التی یجمع الله الأولین و الآخرین فیها، فما تقوم هذه القیامة إلا بین یدی أشر أطماع، یموت الخلق طرا أجمعون ومن فی السماوات والأرض جمیعا، والتنبیه علیه فی الکتاب قوله تعالى :" کُل نفْسٍ ذائقةُ الموْتِ" [ آل عمران: 185] .
وذلک بفناء کل أهل کل دورة واحدة لا یتصف بالنهایة، فنحن فرضنا فیه البدء والنهایة والعود و الرجوع بالفرض. انتهى کلامه .
فافهم الإشارة إن کنت فهیما، فالعالم دوری و أحکامه دوریة، و إلى هذا أشار صلى الله علیه و سلم : " إن الزمان قد استدار کهیئته یوم خلق السماوات و الأرض".
فیلتحق أهل کل دورة مفروضة بعضه بعضا فی موطن من المواطن، سمّاه الشارع بیوم القیامة، وهو الیوم الموعود، وفیه جمع شاهد و مشهود، وإنما ذهبنا بالقول بالدورة واستشهدنا بالحدیث الشریف لأنه قد أخبرنا سبحانه عن نفسه الکریمة على لسان أکمل التراجم علما، وأوسعهم وجودا صلى الله علیه وسلم، قال تعالى: "کُلّ یوْم هُو فی شأنٍ" [ الرحمن : 29]، فنکر الیوم و الشأن لیشمل و یعم .
فهذه أیام الله لا تزال هذه الأیام دائما، فلا یزال الخلاف دائما، و قد أثبت دوام هذه الأیام، فقال تعالى: "خالدِین فیها ما دامتِ السّماواتُ والْأرضُ"[ هود: 107]، و خلودهم لا یزال فریق فی الجنة، وفریق فی السعیر لا یزال لأنهم خالدون فیها، فأیام الله لا یزال .
وورد فی الحدیث الصحیح: "لیس شی ء من الإنسان إلا یبلی إلا عظما واحدا، وهو عجب الذنب ومنه یرّکّب الخلق یوم القیامة". رواه أبو هریرة رضی الله عنه، ذکره فی جمع الجوامع .
فإذا جاز فی ممکن من الممکنات بقاؤه، فیمکن أن یکون له إفراد کثیرة بهذا الحکم، فافهم و لا تجادل فإنّ مطل الغنى ظلم، قال تعالى:" کُل شیْءٍ هالکٌ إلّا وجْههُ "[ القصص: 88]، و کل شیء موجود نشاهده حسیا، و نعلمه عقلا، و لیس بهالک، فکل شی ء بوجهه و وجه الشیء حقیقته، فما فی الوجود إلا الله، و إن تنوعت الصور.
و ذلک أحکام التجلی لا المتجلی فإنه ورد فی الحدیث إنه یتنوع فیعرف و ینکر لأنه کل یوم هو فی شأن، فنکر للعموم و الشمول.
فذلک قال له الحکم : ( و إلیه ترجعون ): أی من یعتقد أنّ کل شی ء جعلناه هالکا، و ما عرف ما قصدناه من الآیة إذا رآه ما یهلک منه، و یرى بقاء عینه بالهلاک، فهو وجهی، فعلم أن الأشیاء لیست غیر وجهی، فإنها لا تهلک، فردها إلىّ حکما .
قال الشیخ رضی الله عنه فی الفصل الرابع من خزائن الجود من الفتوحات:
"إنّ هذا المعنى الذی ذکرناه آنفا معنى لطیف، یخفی على من لم یستظهر القرآن، و قد رمیتک على الطریق لتعلم ما الأمر علیه ".انتهى کلامه.
ورد فی الحدیث الصحیح :" لا تزال طائفة من أمتی ظاهرین على الحق إلى یوم القیامة حتى یأتی أمر الله" الحدیث .
و فی روایة : " لن تزال طائفة من أمتی " الحدیث .
و ورد فی الحدیث أیضا : "لن تخلو الأرض من ثلاثین مثل إبراهیم الخلیل علیه السلام، بهم تغاثون، و بهم ترزقون، و بهم تمطرون" ذکره ابن حبان فی تاریخه عن أبی هریرة رضی الله عنه .
و ورد فی الخبر : " لن یبرح هذا الدین قائما یقاتل علیه عصابة من المسلمین حتى تقوم الساعة" رواه مسلم عن جابر بن سمرة رضی الله عنه، ذکره فی جمع الجوامع .
و ذهب ابن بطال: إنه لیس المراد أنّ الدین ینقطع کله فی جمیع أقطار الأرض حتى لا یبقى منه شی ء لأنه ثبت أنّ الإسلام یبقى إلى یوم القیامة، ذکره السخاوی فی کتاب القناعة .
و قال رضی الله عنه: إنّ الدین باق إلى یوم القیامة، و لم ینسخ و القطب قیومه، و لا یصحّ هذا الاسم: أی القطب إلا أن یکون ذا جسم طبیعی و روح، و یکون موجودا فی
هذه الدار الدنیا بجسده و حقیقته، فهو الذی یحفظ به هذا النوع الإنسانی، و هو موجود فی هذا النوع فی هذه الدار بجسده و روحه، یتغذّى و هو مجلی الحق من آدم إلى یوم القیامة .
ثم قال رضی الله عنه فیها: إن هذه المسألة کلیة فاعرف قدرها، إنک لست تراها فی کلام أحد، و لو لا ما ألقی عندی فیإظهارها ما أظهرتها لسرّ یعلمه الله، و لا یعرف ما ذکرناه إلا نوّابهم خاصة لا غیرهم من الأولیاء، فکونوا لها قابلین مؤمنین، و لا تحرموا التصدیق بها، فتحرموا خیرها، و تجمعوا بین الحرمانین. انتهى کلامه رضی الله عنه .
فالقائل ببقاء العالم کافر بقوله تعالى: "کُل شیْءٍ هالکٌ إلّا وجْههُ" [ القصص: 88]، و جاهل بالحدیث الشریف : "کان الله و لا شیء معه" و زاهل بملحقه، و هو الآن کما کان، و غافل عن تجدّد الأمثال .
و القائل بفناء العالم جاحد قوله سبحانه: "و یبقى وجْهُ ربِّک ذو الجلالِ والِإکْراِم" [ الرحمن: 27] لأنه وجه کل شیء کما أنّ کل شیء وجهه فهو وجه العالم فی الوجود، و العالم وجهه فی الظهور عند الرؤیة و الشهود.
فالکل بحمد الله وجوه حسنة، و ما ثم فی الوجود إلا الله، فله دوام الحمد و الثناء فی الآخرة و الأولى، فافهم ذلک بالذوق الحال، فإنّ فهمه بالنظر و الخیال محال .
و قد علمت من الأحادیث أنّ القیامة الکبرى لها أشراط کخروج الدجّال، و یأجوج و مأجوج و أمثالها، و أمّا القیامة الصغرى فانتقال العبد من حیاة الدنیا إلى حیاة البرزخ فی الجسد الممثل، فهو انتقال و مرور من حال إلى حال بالجذبة الإلهیة و العنایة الرحمانیة، یحکم تربیة الحکیم العلیم سواء کان سالکا مجذوبا، أو مجذوبا سالکا و بلا سلوک .
فإنّ الجذبة: هی العنایة، فلهذا جذبة من جذبات الرحمن توازن عمل الثقلین لأنّ العمل للجذبة، و الجذبة لیست له، و هی بهتة الکشف، و فجأته الشهود، فإذا جاءت الساعة بغتة أفنى وجود السالک عن نظر شهوده فی المشهود فجأة، فیرى جبال وجوده تمرّ مرّ السحاب التی کان یحسبها جامدة، فإذا فنی و مات موتة معروفة عند أهلها، فقامت قیامته التی أخبر عنه الرسول صلى الله علیه و سلم بقوله : "من مات قامت قیامته"
فانکشف الغطاء و انحدّ البصر، و رأى المؤثر فی الأثر، وأدرک بعیون البشر، و ربح من أمن، و خسر من کفر .
قال الشیخ الأکبر رضی الله عنه: و من کان من أهل الرؤیة التی تقع لکل واصل .
أما ترى إشارة قوله صلى الله علیه و سلم: " إنکم لن تروا ربکم حتى تموتوا " رواه أبو إمامة رضی الله عنه فی جمع الجوامع .
و ذکر فیه أیضا حدیثا آخر وهو هذا :"قال: یا موسى لن ترانی إنه لن یرانی حیّ إلا مات، و لا یابس إلا تذهب، و لا رطب إلا تفرق، إنما یرانی أهل الجنة الذین لا تموت أعینهم و لا تبلى أجسادهم ". رواه الحکیم عن ابن عباس رضی الله عنهما فی جمع الجوامع .
و قد وقعت له صلى الله علیه وسلم: "رأى ربه بعین رأسه". رواه ابن عباس رضی الله عنهما .
و شهد له الحق بذلک حیث قال تعالى: "ما کذب الفُؤادُ ما رأى" [ النجم :11]، و قال: "ولقدْ رآهُ نزْلةً أخْرى" [ النجم: 13] .
فإن کان مراد الرسول صلى الله علیه وسلم مقولة: (حتى تموتوا) هو: الموت الطبیعیّ الاضطراری فلم یصح، (لن ترون) بالتأکید و بتأیید التأکید، و هو صلى الله علیه و سلم صادق فی قوله: (رأى) قبل الموت الطبیعی الاضطراری فی دار الدنیا عند الموت الاختیاری الکمالی.
بل ثبت بالدلیل إمکان الرؤیة لکل أحد بل قطع بالرؤیة أهل الکشف، و الرؤیة فی دار الدنیا بالموتة الأولى، فإن الرؤیة فی الدنیا رحمة عاجلة لأهل العنایة بل ما أنکرها إلا شرذمة قلیلون کالحکماء، و من تبعهم من المعتزلة، و الذین لا بغیابهم و بکلامهم، فعرفنا أنّ الموت فی الحدیث هو الموت الکمالی الاختیاری، و قد وقع، و ورد فی الخبر :" موتوا قبل أن تموتوا "
و ورد أیضا :" من أراد أن ینظر إلى میت یمشی على وجه الأرض فلینظر إلى ابن أبی قحافة«
و قال تعالى بشارة لحبیبه و نبیه، و إدخال السرور فی خلاصة خواص أمته:" إنّک میِّتٌ وإنّـهُمْ میِّتون" [ الزمر: 30] .
فهذه المیتة الأولیة، و الصعقة الأولى یا من مسّ الصعقة الأولى، ویدخل فی حکم استثناء الآیة حیث قال سبحانه: "فصعِق منْ فی السّماواتِ ومنْ فِی الْأ رضِ إلّا منْ شاء اللّهُ" [ الزمر: 68] .
وإلى هذا أشار بقوله صلى الله علیه وسلم: » أرى موسى واقفا ولا أدری هل صعق فی الدنیا، ولم یصعق فی الآخرة «
وهو قوله تعالى: و خرّ مُوسى صعِقاً [ الأعراف: 143]، فبهذا الاعتبار یکون موسى ممن دخل فی حکم هذا الاستثناء، و هکذا شهداء هذه الأمة فإنهم کأنبیاء بنی إسرائیل .
ورد فی الحدیث أنه صلى الله علیه و سلم قال : " سألت جبریل عن هذه الآیة: من الذی لم یشأ الله أن یصعقهم؟ قال: هم شهداء الله "
. رواه أبو هریرة رضی الله عنه، ذکره فی جمع الجوامع . و بین صلى الله علیه و سلم معنى الشهد فی حدیث أخر حیث قال صلى الله علیه و سلم: "شهداء الله أمناء لله على خلقه قتلوا أو ماتوا ".رواه أحمد من رجال الصحابة رضی الله عنهم، ذکره فی جمع الجوامع .
فهمت من هذا أن الشهداء لیس على معناه المعروف خاصة، بل یشمل الذین صعقوا و ماتوا موتتهم الاختیاریة، فشهدوا الحق و رأوه بعین رأسهم، و حفظوا هذا السرّ عن نظر العوام .
کما ورد فی الحدیث : "سترون ربکم عیانا". عن جریر رضی الله عنه ذکره فی جمع الجوامع .
فإذا عرفت هذا المذکور، فنرجع و نقول فی بیان المتن: إنه قال رضی الله عنه: فعلیهم تقوم الساعة: أی على الذین لا یقیدهم العقل، ولا یتقیدون بالشرع المقید وهم أهل إطلاق صرف من أرباب الحیرة و الهیمان .
ورد فی الحدیث :" إن الله خلق الإنس ثلاثة أصناف:
صنف کالبهائم، قال الله تعالى: لهُمْ قُـلوبٌ لا یفْقهُون بها ولهُمْ أعْینٌ لایـبْصِرُون بها ولهُمْ آذانٌ لایسْمعون بها أولئک کالْأنعاِم بلْ هُمْ أضل [ الأعراف: 179] .
الحدیث رواه أبو الشیخ فی العظمة عن أبی الدرداء رضی الله عنه، ذکره فی جمع الجوامع . فعلى الذین کالبهائم تقوم الساعة فافهم.
فجاءتهم بغتة الکشف فجاءتهم حیرة و بهتة، وأذهلهم ذلک الوارد عن أنفسهم، ثم أبقى الله هذا الحال، والوارد مشهودا لهم فی دار الدنیا، وجعل لها حکم دار الدنیا کحکم دار الآخرة، کما للعموم فی دار الآخرة، فماتوا وانتقلوا من حال إلى حال حیاة الدنیا إلى حیاة الآخرة، و تبدّل علیهم الأحکام بتبدّل الدار، و السماوات مطویات بید الملک القهّار، والحق یقول فی آخر الأمر عند ظهور غلبة الأحدیة على الکثرة فی القیامتین الکبرى والصغرى، الحاصلة للسالکین عند التحقّق بالوصول عقیبة انتهاء السیر و حال الانسلاخ .
قال تعالى: "لمنِ المُلْکُ الیوْم للّهِ الواحِدِ القهارِ" [ غافر: 16].
تلْک الدّارُ الْآخِرُة نجْعلها للّذِین لایریدُون علوًّا فی الْأرضِ ولا فساداً والعاقبةُ للْمُتّقِین [القصص: 8]، فهم بقیامهم عن أنفسهم لا یعرفون للعلو طعما .
قال رضی الله عنه: لمّا بدّلت الصفة من دار الدنیا فصارت بهذا التبدیل آخرة مع بقاء العین، و من لا علم له بهذا فی ظلمة الحیرة. انتهى کلامه رضی الله عنه .
أما ترى إشارة الحدیث الشریف: " قد مات کسرى فلا کسرى بعده "الحدیث رواه أبو هریرة رضی الله عنه، ذکره فی جمع الجوامع .
فما زال الملک ولا الملیک ولکن ارتفع الاسم باسم آخر مع وجود الملک والملیک، فافهم .
قال تعالى: "یسْئلونک عنِ السّاعةِ أیّان مُرْساها فیم أنت مِنْ ذکْراها .إلى ربِّک مُنْتهاها" [ النازعات: 42: 44] .
فافهم إشارة الآیة فإنه منتهى کل شیء، قال تعالى:" قدْ أحاط بکُل شیْءٍ عِلْماً" [ الطلاق: 12]، فقد أحاط بکل شیء وجودا لأن علمه عین وجوده وذاته، تقوم تلک الساعة یوم تبدّل الأرض غیر الأرض، والسماوات، وبرزوا بأنفسهم ظاهرین على الله تعالى بأحکام الطبیعة الکلیة التی حصرت قوابل العالم بأسره، و بشّر البشیر بهذه البشارة على سبیل الإشارة .
و قال صلى الله علیه و سلم: "لا تزال طائفة من أمتی ظاهرین على الحق" الحدیث وهو الظهور على الحق تعالى بحکم الطبیعة.
و بروز الأصل على صورة الفرع بلا فصل، فرجعوا إلى البدایة على حکم الطبیعة، و رجحت إلیهم العادة عبادة فأضاعوا الصّلات، و اتبعوا الشهوات.
و لم یلقوا غیا لأنهم على بصیرة فیه، فلیسوا ممن اتبع هواه بغیر علم، و ذلک أمر ذوقی، و علوم الأذواق لا تقال و لا تحکى، فلا یعرفها إلا من عرفها و ذاقها،و لیس فی الإمکان أن یبلغها من ذاقها إلى من لم یذقها، فلا یقبل التعریف و التوصیف بل حکم تظهر لأهلها لا یجلیها لوقتها إلا هو، یتجلى لهم بصور الأشیاء ومعانیها وهو عینها، فکیف البیان عنها؟
فلا یعلم ذلک إلا الله لا یوصّ لها شرع بأخبار وتعریف .
وذلک قوله تعالى: "إنّما عِلْمُها عِنْد اللّهِ" [ الأعراف: 187]، و قد أعلم الله بالتعریف لبعض الناس، وهو من ارتضى من رسول بأن هذا علم لا یقبل التعریف ولکن أکثر الناس لا یعلمون أن الأمر هکذا، فلهذا یسألون .
و ورد فی الخبر :
"إن جماعة سألوه عن الساعة، فقال صلى الله علیه وسلم: علمها عند ربی لا یجلیها لوقتها إلا هو و لکن سأخبرکم بمشاریطها، وما یکون بین یدیها: إن بین یدیها فتنة و هرجا، قالوا: یا رسول الله الفتنة قد عرفناها، فالهرج ما هو؟
قال: هو بلسان الحبشة: القتل، ویلقی بین الناس التناکر، فلا یکاد أحد یعرف أحدا " رواه أحمد بن حنبل، و ضیاء المقدسی فی المختارة عن حذیفة رضی الله عنه، ذکره فی جمع الجوامع .
فأمر الساعة ذوق یشبه بالعلم بالذات، و العلم بها محال بغیره کذلک هنا، فإذا قامت القیامة الصغرى، و جاءتهم الآیة الکبرى التی ثقلت فی السماوات العلا، فأتاهم أمر الله بغتة، و أفناهم عن أنفسهم، و ظهر حکم الصعق فیهم، و أزال عنهم التدبیر، و أقامهم بأحکام التقدیر فإذن انکشف لهم حقیقة الأمر، و عاینوا الأمر على ما هو علیه الأمر فی نفس الأمر .
قال رضی الله عنه :
إذا جاء أمر الله فالأمر الأمر ...... و ذلک توحید إلى من له الأمر
ورد فی الخبر: "أما ترى أنها ما تقوم على مؤمن ". ذکره السخاوی .
و فی لفظ:" لا تقوم الساعة و فی وجه الأرض من یقول: الله الله "
قال رضی الله عنه فی الفصل الرابع فی فلک المنازل من الفتوحات:
فی بیان الحدیث الشریف: (لا تقوم الساعة على من یقول الله الله ): فإن الله تعالى أمسک صورة السماء و الأرض أن تزولا و تقعا لأجل هذا الإنسان المؤمن الموحّد الذی مجیره الله، و إن هذا هو الذکر الأکبر: أی الذی أکبر من لا إله إلا الله، فصاحب هذا الذکر هو الإمام الذی یقبض آخرا، و تقوم الساعة و تنشق السماء، و تتبدّل الأرض غیر الأرض .انتهى کلامه .
فإذا عرفت أن أمر الساعة ذوقی لا یقبل التعریف فاذکّر بمشاریطها، و ما یکون بین یدیها إن بین یدیها فتنة لم یکن مثلها فتنة .
ورد فی الحدیث أنه قال صلى الله علیه و سلم فی أثناء الخطبة:
أیها الناس: إنه لم تکن فتنة فی الأرض منذ ذرأ الله ذریة آدم علیه السلام أعظم من فتنة الدجّال إنه یقول: أنا ربکم الحدیث «، و هکذا الأمر فی الأنفس، فإذا ادّعى السالک قبل الفناء مدع کذّاب.
کما قال الشیخ ابن الفارض یخاطب نفسه :
وها أنت حیا ..... إن تکن صادقا
ورد فی الحدیث:" الشقیّ من أدرکته الساعة حیا لم یمت" رواه الدیلمی عن ابن عمر رضی الله عنهما، ذکره فی جمع الجوامع
لأنه إلى الآن ما بلغ رشده، و لا نال مبلغ الرجال، و شرطه الموت و فناء الفناء .
و قال التلمسانی قدّس سره أیضا من هذا الذوق :
نحن قوم متنا وذلک شرط فی بقائها فلییئس الأحیاء فهو إن ادّعى قبله فکذّاب دجّال، أما ترى إشارة ذلک فی تتمة الحدیث و هی : " لن تروا ربکم حتى تموتوا "
و فی آخر الحدیث یشیر صلى الله علیه و سلم إلى علة ذلک إنه أعور العین الیسرى، و بیان ذلک أن السالک قد یکون صاحب إیمان یسمّى فی الاصطلاح ذا العقل وذلک محجوب أکمه.
وإذا فتح له قد یفتح له عین واحدة تسمّى ذا العین، و هو الذی یرى الحق فی الخلق، فهو مفتون ولا تصحّ دعواه، بل دعواه تکون مکرا واستدراجا، وکذبا و زورا وخداجا، کدجال و غیره من الفراعنة و الدجاجلة .
أما ترى أنه قال صلى الله علیه و سلم: "إنه أعور"
و العورة هی: المیل، و منها بیوتنا عورة: أی مائلة عن الاستقامة، و منها الأعور لأنه مال نظره إلى جهة واحدة، فهذان القسمان و لو کانا صاحبا جمع و بعین واحدة.
فإن الأول یرى الحق و لا یرى نفسه.
والثانی یرى نفسه ولا یرى الحق، فالفرق بینهما شتان، وهما مسیحان.
ولکن الأول مسیح الرحمن.
والثانی مسیح الشیطان.
و بالموت یحصل الکمال، و هو الجمع بین المشهدین فیسمّى ذا العینین .
قال تعالى: "فبصرک الیوْم حدِیدٌ" [ ق: 22]، یرى بالحق الجمع بعین الفرق، و یرى الفرق بعین الجمع، و لا یمنعه شهود أحدهما عن الآخر.
فهو فان عن النفس، و باق بالعین، فهو ذو العینین الذی هداه الله النجدین .
قال رضی الله عنه فی الفتوحات:
إن أعظم الفتن التی أفتن الله بها الإنسان تعریفه إیاه بأنه خلقه على الصورة لیرى هل تقف مع عبودیته و سواد وجهه، أو یزهو الأجل مکانه و مکانته؟
إنه تعالى ما أظهر الصورة على الکمال:
أی بخرق حجاب سر الجمعیة العامة الکبریائیة، حتى یشاهد ألوهیة الحق سبحانه دون ألوهیته، فإن الصورة الکاملة الإلهیة لا یلحقها ذم بکل وجه، وهذا لا یکون إلا عند فناء الفناء، ویبقى وجه ربک، فهو المتکلم و المؤثر على لسان عبده و بعبده.
و هو فان عن نفسه و ذاته، کما أخبر عنه صلى الله علیه و سلم عن هذا المقام بقرب الفرائض عندهم، و هذا أول قدم فی الشریعة.
فإن الشارع أول ما أتى به: (لا إله إلا الله )، فلا یجیبه إلا من خرق ذلک الحجاب، و من نقص عن هذا المقام الکمالی فلحق بفرعون و دجال، و کان فی حقه مکرا إلهیا من حیث لا یشعر، فافهم .
و أمّا اعتبار نزول عیسى علیه السلام فی الأنفس هو ظهور الروح الأعظم، و ظهور أحکامه عند قرب الساعة للسالک.
فبینما یکون السالک فی هرج و مرج فی أمواج الفتن، کالحال کرؤیة الألوهیة لنفسه، و إظهار خوارق العادات والتأثیر فی الأرض والسماوات، إنها فتنة عمیاء صماء لأن آخر ما یخرج من رؤوس الصدیقین حب الجاه.
فإذا بعث الله الروح روح وراحة، فبشهوده حسم الخصومات و خصم الشهوات، و ترفع الشحناء و التباغض، و تنطفئ نیران غلبة النفس وشهواتها باستیلاء النفس الروح علیها، و اندراجها و اندماجها فیه، فإنه لها برد و سلام .
و أشار فی الحدیث مثل هذا، فإنه ورد فی الحدیث الطویل :" إذا نزل عیسى علیه السلام فأمّهم، فإذا رآه عدو الله ذاب کما یذوب الملح فی الماء" .
اعتبار ذلک فی الأنفس أنه شهود و فناء، فتنقلب النفس و أحکامها، و تذوب فی العلم فتعرف نفسها، فإذا عرفت نفسها فتنقلب سفساف أخلاقها کراما، فهو مقرّر لا ناسخ.
بل یلحق السفاف بالمحامد بتعین المصارف، و تبین مصادرها ومواردها، کما قیل: غاضت ثم فاضت، فلا هی هی ولا هی غیرها .
أما ترى إشارة الحدیث: (إنه یذوب )، و لم یقل: یعدم أو یهلک لأن الذوبان من عالم الفساد ترک صورة وخلعها، ولبس صورة أخرى کان لصوره ملح ترکها، و تلبس بصورة الماء و العین باقیة ما انعدمت، و هکذا الأمر هنا.
و لم یقل: إن أحکام البشریة تزول بل ما زال البشر عن بشریته، و إن فنیت عن شهوده فعین وجوده باقیة، بل الحد یصحبه .
أما ترى إشارة قوله تعالى: " قلْ إنّما أنا بشرٌ مِثْـلکُمْ" [ الکهف: 110]، فإن البشریة لم تزل ولا تزول أبدا .
قال الشیخ الأکبر رضی الله عنه: إنما قلنا البشریة فی الفناء لا تزول لأنی سمعت بعض الشیوخ یقول: هذا حظ البشریة، فإذا زال عن بشریته کان حکمه حکما آخر، و الأمر لیس کذلک، فلما تحقق ما ذکرناه رجع عن هذا الاعتقاد.
وقال: ما کنت أظن أن الأمر هکذا، فإنه تکلم فی شرح آیة: "و ما کان لبشرٍ أنْ یکلمهُ اللّهُ إلّا وحْیاً أوْمِنْ وراءِ حِجابٍ أوْ یُـرْسِل رسُوًلًا فیوحِی بإذْنهِ ما یشاءُ إنّهُ على حکِیمٌ" [ الشورى: 51]، وغلط فیه.
ذکر رضی الله عنه هذه المسألة فی الباب الموفی خمسین وثلاثمائة من الفتوحات:
فبهذه الطائفة هم الأبدال حقّا لأنهم بدّلوا أسفاف الأخلاق بأخلاق الخلاق، یوم تبدل الأرض غیر الأرض والسماوات .
ورد فی الخبر الصحیح :
" لیتمنین قوم لو أکثروا من السیئات الذین بدّل الله سیئاتهم حسنات " ذکره فی المستدرک عن أبی هریرة رضی الله عنه،ذکره فی جمع الجوامع.
وأمّا اعتبار یأجوج و مأجوج، وهما طائفتان من الخواطر، وهی الوساوس التی من الشیطان، والهواجس التی من النفس، فیظهر أن عند اقتراب ساعة فناء المرید السالک، فیفسدان فی أرض قلبه، و هم من کل حدب ینسلون، و بهما هلاک المرید هلاک فساد، ولا کمال، فلا ینقطعان إلا بوارد قوی کزبر الحدید، یکون حاجزا بینه و بینهم .
"فما اسْطاعوا أنْ یظهروهُ و ما اسْتطاعوا لهُ نقْباً" [ الکهف: 97]، وذلک الوارد رحمة من الله الرحمن، رحم بها عبده و ساعده فی وقته حتى یصل درجة الکمال، و یفتح له ما یفتح، فإذا فتح و جاء وعد ربه حقّا فدکّ هذا السد دکّا، ومسخها بالتبدیل بخواطر ملکیة أو ربانیة لمات، وإلهامات هذا وعد ربی لعباده السالکین، قد جعله صدقا، و بدّل الباطل حقّا بإبدال الأحکام بانقلاب الأعیان .
أما ترى استعیذ من شر الوسواس لامن الوسواس ورد فی الحدیث :" الوسوسة محض الإیمان". ذکره فی جمع الجوامع .
و من أشراط الساعة: " نقص العلم "
و فی لفظ : " نقل العلم "
و فی عبارة : " قبض العلم "
و فی لفظ : " ینزل الجهل و یرفع العلم "
و فی روایة : "لا تقوم الساعة حتى یرفع القرآن من حیث جاء الحدیث". جمیع هذه الروایات ذکرها السخاوی فی کتابه القناعة .
و هکذا تجد جمیعها فی أشراط الساعة عند قیام القیامة الصغرى حذوّا بحذو الإیمان و بیان ذلک، أمّا نقص العلم فی السلوک فلأن السالک کلما علا قدره نقص علمه لأن الغایة شهود و فناء، فکلما تقرب إلیه نقص العلم بحسبه و بحسب قربه، فإن العلم على صورة القرآن رأسه الضیق إلى الذات، و رأسه الواسع إلى العالم.
قال الشیخ رضی الله عنه فی الفتوحات:
إن هذه مسألة ظهرت لابن بطلیموس، فإنه صرّح بها فی کتبه، و قال: کلما علا القدر نقص العلم.
فإن قیل: کیف أمر الله تعالى لنبیه صلى الله علیه وسلم: "وقلْ رب زدْنی عِلْماً" [ طه: 114]، فالجواب: إنه صلى الله علیه و سلم متنزلا من الذات إلى السماء، کما هو أدب المحبوبین، و إن شئت قلت: من الجمع إلى الفرق لعمارة الدارین .
قال رضی الله عنه فی فصل من فصول أحکام القاتل للصید فی الحرم و الإحرام من کتاب الحج من »الفتوحات «: إن الطائفة قد أجمعوا على أن العلم بالله عین الجهل بالله .
و قال تعالى فی الجاهل: " لذک مبلغهُمْ مِن العِلْمِ" [ النجم: 30]، فسمّی الجهل علما لمن تفطن .
ورد فی الحدیث : " إن من البیان سحرا، وإن من العلم جهلا " الحدیث .رواه أبو داود، و ذکره فی جمع الجوامع .
و من هذا المقام أشار الصدیق الأکبر رضی الله عنه: "العجز عن درک الإدراک إدراک"، فإن إشارته إلى مرتبة الفناء الأول، و الأمر وراء ذلک لأن له إلى الآن شعورا حیث قال بالعجز .
و أما فی الفناء الثانی، و هو فناء الفناء لا علم و لا عجز، و هو مقام نقل العلم وقبضه و رفعه، و أمّا رفع القرآن فمن الصدور إلى الظهور حیث یستظهر القرآن کما قیل: استظهر فلان القرآن إذا رآه من ظهر عینه فی سماء نفسه سماء دنیاه .
ورد فی الخبر : " من قرأ القرآن ثم مات قبل أن یستظهره أتاه الله ملکا یعلمه فی قبره ویلقى الله وقد استظهره ." أخرجه أبو عبید فی کتاب الفضائل، و السلفی فی استحبابه، ذکره السیوطی فی جمع الجوامع .
وذلک قرآن الفجر الذی کان مشهودا، فإنهم فجّروه تفجیرا من أنفسهم حین أشهدهم الله أنفسهم، حین قال فی غیرهم: "فلا تعْلمُ نفْسٌ ما أخْفِی لهُمْ مِنْ قُـ رِّة أعْینٍ" [ السجدة: 17] .
قال الشیخ الأکبر رضی الله عنه: إن سهل بن عبد الله قدّس سره استظهر القرآن و عمره ست سنین .
و قال رضی الله عنه: إن أبا یزید ما مات حتى استظهر القرآن، وهکذا الأمر فی جمیع ما ورد فی أشراط الساعة الکبرى .
فإنه له نظائر فی الأنفس فی القیامة الصغرى حذوّا بحذو بلا فرق، وفصّل أنه کلام فصل لا هزل ولا مزح، بل جعل الله خلق السماوات وما بینهما إلا أمثالها، وعبرا لیعتبره الفاهم اللبیب، و یعبر من الصور المحسوسة إلى المعانی المعقولة لقیاس الغائب على الشاهد، فالعالم کله بما فیه ضرب الأمثال لیعلم فیها أنه هو .
قال تعالى: "ألمْ تر کیف ضرب اللّهُ مثلًا کلِمةً طیِّبةً کشجرٍة طیِّبةٍ أصْلها ثابتٌ وفرْعها فی السّماءِ * تُـؤْتی أکُلها کُلّ حِینٍ بإذْنِ ربِّها ویضْربُ اللّهُ الْأمْثال للنّاسِ لعلّهُمْ یتذکّرُون" [ إبراهیم: 24، 25]، إنما جعل ضرب المثل للناس لأنهم نسوا فی هذه النشأة ما کانوا علیه فی أنفسهم من المعارف فی أصل الفطرة، فضرب الله لهم الأمثال لیثبت الله الذین آمنوا بالقول الثابت بضرب الأمثال، کاقتراب الساعة، و قیامة الکبرى و الصغرى فی الحیاة الدنیا و فی الآخرة، و أمثالها لتذکرة الناس الناسین حقائق الأمور على ما هو علیه،فإن الذکرى تنفع المؤمنین لعلهم یتذکرون.
وأمّا العارفون فقد عامله الله بالکشف والشهود، یرى نفسه أنها کلها کلمة طیبة کشجرة طیبة أصلها ثابت فی أرض الطبیعة، و فرعها و نتیجتها منتشرة فی سماء الأسماء العلا، بالتخلق بالأسماء الحسنى، و هی دائمة الثمرات والنتائج بإذن ربها، عطاء غیر مجذوذ، لا مقطوع ولا ممنوع.
ضرب الله الأمثال فلا تهتدون، و قد أحکم الآیات وأنتم لتأویل المتشابهات متعرضون، و عن المحکمات معرضون، فبأی حدیث بعده تؤمنون، و لکن لیقضی الله أمرا کان مفعولا :
و ما کل عین بالجمال قریرة .... و ما کل من نودی یجیب إذا دعی
کلّ میسر لما خلق له، سبحان مرتب الأمور، شارح الصدور، و باعث من فی القبور .
قال رضی الله عنه فی الباب السادس والسبعون وثلاثمائة من الفتوحات:
إنه لا یؤمن بالحق إلا من خاطبه الحق سبحانه فی سره، و إن لم یشعر به المخاطب، و إنما یجد فی نفسه التصدیق به و فی قلبه.
وکذلک لا یؤمن بما جاء به الرسول صلى الله علیه و سلم إلا من خاطبه الولی فی سره، و هو لم یدر و لم یشعر به . قال تعالى: "وبشرِ الّذِین آمنوا أنّ لهُمْ قدم صِدْقٍ عِنْد ربِّهِمْ" [ یونس: 2] هنیئا للمؤمنین بهم، و طوبى لهم و حسن مآب .
هذا و قد بلغت رسالات المعانی و الحقائق بأسبغ، إذا أصیغ فی حرفی القوالب الجمع و الترتیب، و أسبغت سرد الکلام فی الرقائق و الدقائق بأبلغ النظام، أبلغ على صدقی تصریف التألیف و الترکیب، بلا إفراط ممل و لا تفریط مخل، کاشفا لثام الإیهام عن وجوه محاسن الکلام مرة، ومسد لإقناع الإیهام على ضنائن مخدرات الخیام تارة أخرى، مع تنبیه أولی الأفهام على مکانة الخاتم و الختم، فلا تصغ إلى سواه، و لا تعرج إلى من خالف الأمر و إیاه، فإنک إن أردت غیر هذا ترفة طلبتها فی غیر أهلها، و نزهة رمتها فی غیر محلها .
و من رام المنى من غیر أهل ... أضاع العمر فی طلب المحال
إن الشیاطین لیوحون إلى أولیائهم لیجادلوکم، فلا تکن للمجادلین إماما، ولا للمراهنین زماما، أفمن شرح الله صدره، و جعل له فی أمره فرجا و مخرجا، کمن ضیق صدره و جعله حرجا، و الله یسیئون هذا الذی أرى لک، فانظر ماذا ترى .
ورد فی الحدیث عن بیتان :"کلمة حکمة من سفیه فاقبلوها، وکلمة سفه من حکیم فاغفروها، فإنه لا سفیه إلا ذو عثرة،و لا حکیم إلا ذو تجربة"
و الله المستعان وعلى الله قصد السبیل .
الحمد لله رب العالمین، و صلى الله على سیدنا محمد خاتم النبیین، و إله الفائزین، و صحبة الحائزین، و على ختمه ختم الأولیاء المحمّدیین، و جعلنا و إیاکم المؤمنین الصدّیقین أهل عنهم أجمعین برحمتک یا أرحم الراحمین .
نصوص الخصوص فى ترجمة الفصوص (بابا رکنا شیرازی)، ج1، ص: 241-247
و على قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النّوع الانسانیّ و هو حامل اسراره، و لیس بعدّه ولد فى هذا النوع. فهو خاتم الاولاد. و تولد معه اخت له فتخرج قبله و یخرج بعدها یکون راسه عند رجلیها. و یکون مولده بالصّین و لغته لغة بلده. و یسری العقم فى الرّجال و النّساء فیکثر النّکاح من غیر ولادة و یدعوهم إلى اللّه فلا یجاب. فاذا قبضه اللّه و قبض مؤمنى زمانه بقی من بقی مثل البهائم لا یحلّون حلالا و لا یحرّمون حراما، یتصرّفون بحکم الطّبیعة شهوة مجرّدة عن العقل و الشّرع فعلیهم تقوم السّاعة.
چون شیخ- رض- در این فصّ، مرتبه مبدئیّت روشن کرده بود، و آن اولیّتى بود که: شیث را- ع- به آن مختصّ گردانید [که: اوّل مولودى بود که حق- تعالى- او را به آدم بخشید] خواست تا در مقابل هر اوّلى، آخرى مناسب آن اوّل، بجهت ارتباط اوّلیّت به آخریّت، روشن گرداند. و مرتبه ختم که آخریّت است، مثل آن بود، به بیان اوصاف کمالیّت آن آخر مولود، مشغول گشت. و در ضمن آن تقریر آخریّت، ایّام دنیویّه نیز شرح داد که:
دنیا و ایّام آن، نزد محققان، متناهیه است؛ و آن را آخرى خواهد بود؛ چنانکه در ظاهر شریعت صاحب شرع اثبات آن فرموده. و ذکر آن کسى که ختم ایّام دنیویّه به وى خواهد بود، در آخر فصّ کرده. و آن کسى که
اوّل بود [یعنى: شیث- ع-] هم بجهت تقابل آخر با اوّل، و ارتباط اوّل با آخر، اولى بود. در جرم در آن، شروع نمود. و از احوال او و کیفیّت ولادت و جاى ولادت وى خبر فرمود. و آنکه: او حامل اسرارى خواهد بود که آن [اسرار را] حامل شیث بنى بود- ع-.
و بدان که: علماء و شارحان- رحمهم اللّه- در شروع خود، این سخن [را] هر یک به نوعى تأویل و تفسیر کردهاند؛ و بوجهى تنزیل و تقریر فرموده. اگر شرح اقوال ایشان بیان مىکنم، سخن دراز خواهد کشید و شاید که بر هر یکى چند سؤال و جواب آید، و تطویل کشد. و در میان شارحان کس بوده که آن را بطرف تناسخ کشیده؛ و مؤدّى به اثبات دهر شده. و یا لها قصّة فی شرحها طول. پس بدان اختصار کردم که از شیخ و استاد خود- قدّس سرّه- شنوده بودم. و مرا سخن وى، از تحقیق دگران پسندیدهتر آمده.- جزاه اللّه عنّى بکلّ ما افادنى به خیرا.
و پیش از آنکه به تقریر آن مشغول گردم. بدان که: شیخ- قدّس سرّه- در کتاب «فتوحات المکیة»- در فصل پانزدهم- از جواب حکیم ترمدى- علیه الرحمة- گفته است که:
چون دنیا را ابتدائى بود، انتهائى خواهد بود. حکمت حق- تعالى- تقاضاى آن کرد، که هر چه در دنیا است، او را نیز هم اوّلى و آخرى باشد. تا فاتحه و خاتمه آن چیز پیدا گردد. و از آن جمله یکى تنزیل شرایع و احکام الهى است که: اوّل از آدم پدید آمد؛ و آخر به محمد- صلعم- که خاتم النّبیین بود، ختم گشت.
و یکى دیگر ولایت عامّه و احکام آن بود، که: ابتداى ظهور آن در دنیا از آدم بود؛ و آخر و ختم آن به عیسى- ع- خواهد بود. انّ مثل عیسى عند اللّه کمثل آدم.
و در کتاب «عنقاء مغرب» [که آن هم از مصنّفات شیخ است] حکایت کرده که: من مىخواستم که در کتاب «التدبیرات الالهیة» [که پیش از این کتاب ساخته بودم] در آن بیان کنم که: در این نسخه انسانیّه و نشأت روحانیّه که هر چه در عالم کبیر مفصّل است، در وى مجمل است. مقام امام مهدى که منسوب است به خاندان نبى- صلعم-، و مقام ختم اولیاء که خلاصه اصفیاء است، در این نشأت، بیان کنم که: کدام است؟ و چیست؟ که ما را معرفت این دو مقام که مر این دو امام را است، دانستن ضرورت است در این نشأت از مضاهات و مشابهات دیگر اشیاء در وى. و در آنجا اتّفاق نیفتاد؛ در این کتاب عنقاء مغرب- که خاصّ در بحث امام مهدى و ختم است- خواهم گفت؛ و تعیین خواهم کرد که:
مهدى در این عالم کبیر کیست! و خاتمى که ختم اولیاء بر وى خواهد بود، چه کس است؟ و چون در عالم کبیر آن را تقریر کرده باشم نظیر آن در عالم صغیر نیز بنمایم:
که آنکس که در آن مهدى و ختم است، در این عالم انسانى حقیقت وى چیست؟
مقصود از این سخن آن است که: بدانند عزیزانى که این کتاب شریف را مطالعه کنند که: شیخ- قدّس سرّه- مایل به تناسخ نبود و قایل به دهر نیست.
و اگر شارحى در تأویل سخن شیخ ذکر دهر و تناسخ کرده باشد، آن معتقد آن شارح دان؛ که در سخن مشکل شیخ، مىخواهد که اظهار مذهب خود کند؛ و مذهب خود را رواج دهد. حاشا عن الشّیخ- قدّس سرّه- و عن أمثاله و أقرانه من الموحّدین، که معتقد ایشان، خلاف شریعت محمّدى و ملّت احمدى باشد.
بلى، در سخنان این طایفه، رموز و اشارات است و لغوز و ایمائات بسیار است. و اگر در سخنى از سخنهاى ایشان تشمّم رایحه تناسخ توان کرد، آن را تناسخ مدان. بلکه آن بحکم احدیّت حقیقت، و سریان آن در صور مختلفه گفته شده! و کبار عرفاء چون از آن معنى. اخبار کردندى، بتصریح. نفى کردندى. چنانکه ابن الفارض- قدّس سرّه- گفته:
فمن قال بالنسخ فالمسخ لایق به ابرأ و کن عمّا یراه بعزلة
و اگر چه این مقام جاى آن بحث نیست، امّا شاید که در باطن، جهت استعلام آن، دغدغهاى باشد؛ پس شمّهاى از آن بباید گفت:
بدان که: روح را در اوّل تنزّلات او به مواطن دنیوى، قابلیّت صور، بسیار است بحسب مواطنى که بر آن گذر دارد، در فروآمدن از صور برزخیّه، بر حسب هیآت روحانیّه آن؛ و از صور جنانیّه. که از اعمال حسنه صالحه خیزد؛ و جهنّمیّه که از افعال قبیحه سیّئه خیزد؛ که روح در وقت رجوع به آن صورت حسنه یا قبیحه باز گردد.
بر این جمله که گفته شد، پس اشارت این طایفه، راجع به ارواح و احوال آن باشد که: از تنزّل تا رجوع، نه به ابدان عنصرى، تا گویند که: روح متعلّق به ابدان گشته؛ و از این به آن، منتقل مىشود. و اگر کسى امعان نظر کند، باید که: میان تقریر این طایفه موحّدین و طایفه تناسخیّه بداند: که فرق بسیار است.
مولانا جلال الدین رومى- قدّس روحه- در این معنى چنین گوید:
آن سرخ قبایى که چو مهپار برآمد امسال در این خرقه زنگار برآمد
این یار همانست اگر جامه دگر شد آن جامه بَدَل کرد و دگر بار برآمد
آن تُرک که آن سال به یغماش بدیدى اینست که امسال عربوار برآمد
این نیست تناسخ، سخن وحدت محض است کز جوشش آن قُلزُمِ زَخّار برآمد
باز گردیم بمقصود خود، و غرض شیخ از قوله: «و على قدم شیث یکون آخر مولود». و آن را تقریر کنیم به نسبت با هر دو عالم.
امّا به نسبت با عالم کبیر چنانکه شیخ فرموده است که: از این نوع انسانى، آخرین مولودى که باشد ولیّى باشد که حامل اسرار شیث- ع- و خازن علوم او باشد؛ و هر چه از علم اسماء حق بر شیث مکشوف بود، بر وى نیز مکشوف و معلوم باشد. و آن را از حضرت بر وى عطایى و موهبتى باشد، که واسطه در میان نباشد. و آنچنان شخص، خاتم ولایت عامّه گردد؛ تا بعد از وى سدّ الباب ولایت شود، و ولایت به وى ختم گردد؛ و جمع اولیاء همه در ولایت اولاد اواند؛ و بعد از وى ولدى دیگر در این نوع انسانى مولود نگردد. و مراد از آنکه ولادت وى در صین (چین) باشد، یعنى: آن ختم از عجم باشد نه از عرب. و شیخ- قدّس سرّه- در «عنقاء مغرب» به این لفظ تصریح کرده که: و هو (اى الخاتم) من العجم لا من العرب.
و غرض از آنکه گفته که: «با وى نیز خواهرى در وجود آید» آن باشد که آخر ولادت، مانند اوّل باشد. یعنى: چنانکه آفریدن حوّا با آفریدن آدم بود. و اوّل موجود: مذکّرى و مؤنّثى بود؛ آخرین مولود هم: مذکّرى و مؤنّثى باشد.
و مراد از قیامت که گفته، «قیامت کبرى» است که در آن روز، عالم به جملگى در حق، فانى گردند و فناى ایشان سبب وصال ایشان گردد. امّا به نسبت با عالم صغیر- که آن انسان است- تشبیه چنین باید کرد، و تأویل به این باید کرد که:
اد از آدم، روح کلّى است که همه ارواح اولاد اواند. و مراد از شیث آن روح جزئى است که متعلّق به بدن است، و مولودى که گفته، در صین (چین) ولادت او باشد، مراد دل است؛ که او در صین (چین) طبیعت کلّیّه بوجود آمده که اقصى مراتب طبیعت در تنزل آن است. و دل است که حامل اسرارى است که در روح کلّى مودع است اوّلا؛ و هم دل است که حامل اسرارى که در روح جزئى ودیعت نهادهاند، باشد ثانیا؛ و اگرچه در حقیقت هیچ فرقى میان روح کلّى و جزئى نیست. و تغایرى که بینهما هست بحسب مرتبه است، نه بحسب حقیقت؛ و نسبت آخریّت در ولادت به دل کردن، از آن جهت است که: او است که مظهر مرتبه جمع است؛ که وراى آن هیچ مرتبه نیست. و این در آخر مقامات سالک حاصل مىگردد.
و مراد از خواهر وى در این نشأت انسانیّه «نفس حیوانیّه» است؛ که پیش از قلب متولّد گشته است. و آنکه گفته که: سر آن آخرین مولود زیر قدم خواهرش باشد، در دل و نفس حیوانیّه این باشد که: دل در نزد ظهور او به مرتبه خود و در اوّل ولادت وى، او مطیع و فرمانبردار نفس مىباشد بحسب قوّت شهوت و غضب؛ که هر دو به مثابه دو قدماند مر نفس را؛ که در میادین لذّات، و فلوات استیفاء شهوات به آن مىپویند. و چون دل به تربیت روح کلّى از شیر علم لدنّى نشو و نما گرفت، و به سنّ تمییز [میان ظاهر و باطن] رسید و به حدّ بلوغ معارف حقیقیّه درآمد، آنکه نفس، داعى او بود به شهوات و لذّات نفسانى، او داعى نفس گردد به حقایق و معانى. و چون زمان استعدادات به آخر رسیده باشد، و اوان قابلیّت نمانده بود، در نفس اثر اجابت آن پدید نیاید؛ و علّت عقم در رجال و نساء سریان کند؛ و قواى فاعله و منفعله- که نفس را بود- از کار بازماند. پس هیچ مولودى از او در وجود نیاید که به مرتبه دل رسد؛ و کمال مراتب دل بپذیرد. پس چون حق- جلّ و علا- قبض این دل کند، به آنکه به وى متجلّى گردد؛ به تجلّى ذاتى؛ تا وى در وى فانى گردد؛ و در تحت اشعّه نور جمال، ذات، ناچیز گردد؛ و با وى مؤمنان زمان او [که قواى روحانى و قلبىاند] در تجلّى هم زمانى شوند. نفس بماند و قواى نفسانى.
و جسم بماند و صور جسمانى؛ به صور بهایم و حیوانات بسته زبان. چرا که:
استعداد ترقّى در ایشان بنمانده باشد. پس نه ظلمت از نور دانند و نه ترح از سرور شناسند. آن قدر تصرّفى که بسبب روح طبیعى در ایشان مانده باشد، بحکم طبیعت، بمجرّد شهوت. و محض استیفاء لذّات، مشغول گردانند. خارج از حدّ شرع و بیرون از رسم عقل. پس قیامت صغراى ایشان به ایشان دررسد.
یعنى: بحکم «من مات فقد قامت قیامته» به موت طبیعى بمیرند؛ و از اوّل این مناسبت تا این موت طبیعى- که گفته شد- بیان حال مجذوبان بود که ایشان به جذبه حق سیر کرده باشند؛ و در هیمان بمانده باشند. روح و دل ایشان از آن با نصیب باشد. امّا جسم و قواى جسمانى ایشان را هیچ نصیبى نبود؛ چنانکه حال طایفه مجذوبان مىبینیم که: ایشان را نه تمیز مىماند در حرکات و سکنات.
و نه ترتیب در افعال و اقوال.
این طایفه را- که گفتیم- خبر از حال ختم اولیاء نباشد؛ همچنانکه طایفه محجوبان که از آن معاملات ایشان را هیچ نصیبى نیست؛ و از حیات دنیا جز خور و خواب. و نان و آب نمىدانند؛ و مانند بهایم و حیوانات مىباشند؛ «أُولئِکَ کَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ»، که ایشان نیز از ختم بىخبرند.
امّا اگر صاحب این معامله بعد از جذبات حق، باز حق تعالى او را وجودى دیگر بخشد. یعنى به صحو بعد المحو رسد، ایشان در این حکم داخل نباشند؛ و اجسام و قواى ایشان از انوار تجلیّات با نصیب باشد؛ و به موت طبیعى از آن دولت محروم نمانند. «وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِینَ قُتِلُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْیاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ فَرِحِینَ»( س 3- 169).
و در کلام حق- جلّ جلاله- ایشان را از دیگران مستثنى گردانیده؛ چنانکه فرمود:
فَصَعِقَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ( س 39- 68).
شرح فصوص الحکم (خوارزمى/حسن زاده آملى)، ص: 234-239
و على قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النّوع الإنسانىّ. و هو حامل أسراره، و لیس بعده ولد فى هذا النّوع. فهو خاتم الأولاد، و تولد معه أخت له فتخرج قبله و یخرج بعدها و یکون رأسه عند رجلیها و یکون مولده بالصّین و لغته لغة بلده و یسرى العقم فى الرّجال و النّساء فیکثر النکاح من غیر ولادة و یدعوهم إلى اللّه فلا یجاب فإذا قبضه اللّه و قبض مؤمنى زمانه بقى من بقى مثل البهائم لا یحلّون حلالا و لا یحرّمون حراما، یتصرّفون بحکم الطّبیعة شهوة مجرّدة عن العقل و الشّرع فعلیهم تقوم الساعة.
و آخر مولودى که متولد شود از نوع انسانى حامل اسرار شیث باشد؛ و بعد ازو ولدى نباشد. و خواهر او پیش ازو متولد شود و او در عقب خواهر خود چنانکه سر او نزد قدم خواهر او باشد. و مولد او در چین باشد و لغت او لغت اهل چین باشد و بعد از ولادت او مردم عقیم باشند و نکاح بسیار شود بىولادت. و او مردم را به حق دعوت کند و اجابت نکنند، پس چون حق تعالى او را و مؤمنان عصر او را قبض کند آنچه باقى ماند از مردم مثل بهائم باشند حلال را حلال و حرام را حرام ندارند و تصرف به حکم طبیعت کنند مجرد از عقل و شرع و قیامت بر ایشان قائم شود.
و چون ترجمه لفظ متن کرده شد بباید دانست که شیخ قدس اللّه سره درین فص چون به بیان مرتبه مبدئیّت قیام نمود و مرتبه ختم مثل مرتبه مبدئیّت است و دنیا در نزد اهل حقیقت متناهى، در آخر فص اشتغال نمود به ذکر آنکه ختم بدوست و الماع کرد بعضى شئون خاتم را از کیفیت ولادت و مولدش و از حامل بودن او اسرارى را که اختصاص دارد به شیث علیه السلام. و در فتوحات آورده است که دنیا را بدایتى و نهایتى که آن ختم اوست قضاى حق سبحانه و تعالى بر آن نهج واقع شده. و هرچه در دنیاست آن را نیز بدوى و ختامى باشد. پس یکى از جمله آنچه در دنیاست تنزیل شرایع بود؛ لاجرم ختم تنزیل به شرع محمد شد صلى اللّه علیه و سلم.
و از جمله آنچه در دنیاست «ولایت عامه است» و بدو او به آدم بود و ختم به عیسى علیه السلام؛ پس ختم مضاهى بدو آمد. کما قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِیسى عِنْدَ اللَّهِ کَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ. و آنچه برین معنى دلالت مىکند در کلام شیخ بسیارست و تصریحات دارد بدین معنى که خاتم ولایت عامه عیسى است
علیه السلام، و او حامل اسرار شیث است.
و بعضى گفتهاند اول کسى که قائل شد به تناسخ شیث است و این قائل را باعث بر این قول آنکه در شرح اشراق دیده که «آغاثاذیمون» شیث است علیه السلام. و در آن کتاب در ذکر معاد آورده که آغاثاذیمون و جماعتى از حکماى متقدمین مذهب تناسخ دارند و این سخن نیکو نیست از آنکه آغاثاذیمون از شیوخ افلاطون است و در زمان اسکندر و ارسطو که استاد اسکندر است تلمیذ افلاطون؛ و در میان او و شیث قریب به چهار هزار سال یا زیاده است. و این ظن از شارح اشراق واقع شده چنانکه گمان برده است که هرمس حکیم اوریس است که مسمّى است به هرمس. و منشاء درین ابواب اشتراک اسم است و الا ساحت کبریاى عرفان انبیا بالاتر از آن است که طائر اوهام اهل نسخ را محل طیران باشد. و آنچه در کلام انبیا مشابه تناسخ واقع شده به حکم احدیّت حقیقت است و سریان در صور مختلفه، چون سریان معنى کلّى در صور جزئیاتش و ظهور هویت حق در مظاهر اسما و صفاتش. و لهذا اگر مثل این کلام از ایشان صادر شود تصریح مىکنند به نفى تناسخ چنانکه کامل مکمل محقق ابن فارض قدس سره بعد از اداى این معنى ظهور قهرمان زمان و مکان و غایت غلبه احکام کثرت این و آن مرا مانع مشاهده کمال یگانگى و قادح عدم ملاحظه بیگانگى نیست؛ و اقامت در موطنى که مقدس و منزّه باشد از زمان و مکان، که آنجا نه کثرت را نام است و نى اغیار را نشان مرا بىواسطه مردمک چشم و وسیله لعبتبازى حجاب در معاینه دیدن جمال کثرت نى، و بعد از دعوت طالب مسترشد صادق و مرید متعبّد عاشق به استقبال حضرت جمعى که تفرقهسوز اغیارست و اعراض از فرقت فرق که منافى مشاهده وحدت یارست، و بعد از تنبیه برین معنى که بیت:
اگر از کاسه چشمش بچشى جرعه جمع خرقه تفرقه را برکشى از سر آسان.
مىگوید:
فمن قائل بالنّسخ فالمسخ لائق به ابرأ و کن عمّا یراه بعزلة
و سلطان المحققین مولانا جلال الدین البلخى مىگوید بیت:
این نیست تناسخ سخن وحدت محض است کز جوشش آن قلزم ز خار برآمد
و روح را از اول تنزلاتش تا وصول به مرتبه به موطن دنیا وى صور کثیره است به حسب مواطنى که در اوان نزول از عبور بر آن چاره نیست و در هنگام رجوع نیز او را صور برزخیه است برحسب هیئات روحانیه و صور جنانیّه و صور جهنمیّه که اعمال صالحه و افعال قبیحه مستدعى آن است و اشارات اهل اللّه همه ناظر برین است نه بر ابدان عنصریّه، و مانع ذکر آن مراتب على طریق التفصیل مخافت آفت تطویل است. پس رجوع به مقصود کنیم و گوئیم.
انسان جامع جمیع حقایق کونیّه و الهیّه است، پس او نسخه تامّه الهى و آینه جمال نماى شاهى است و هرچه در عالم کبیر ربّانى است انموذج آن در عالم صغیر انسانى است. و شیخ قدس سره در کتاب مسمّى به عنقاى مغرب آورده است که: نیّت داشتم که در کتاب تدبیرات الهیّه گاهى بایضاح و گاهى به اخفا بیان کنم که درین نسخه انسانیّه و نشأت روحانیّه مقام امام مهدى که منسوب به بیت مقام طینى نبى است علیه السلام کجاست، و مقام خاتم اولیا و طابع اصفیا کدام است از آنکه حاجت به معرفت این دو مقام در انسان مؤکد است. پس این کتاب را از براى معرفت این دو مقام ساختم؛ و باقى کلام شیخ درین باب طولى و غموضى دارد اما آنچه در اداى این معنى به نسبت با عالم کبیر و عالم صغیر به تقدیر علیم خبیر و تیسیر حکیم قدیر میسّر مىشود. آن است که به نسبت با عالم کبیر:
مراد از قول شیخ که مىفرماید آخر مولودى که متولد شود بر قدم شیث باشد، آن است که مولود آخرین ازین نوع انسانى ولیى باشد حامل اسرار شیث و متصف به علومش و آخذ از حضرت الهى و اسماى نامتناهى او، آنچه را شیث علیه السلام از مواهب و عطایا از حضرت خدا اخذ مىکرد، و این ولى خاتم ولایت عامه بود و جمیع اولیا اولاد او باشند و بعد ازو ولدى درین نوع انسانى نباشد. و مراد از چین عجم است چنانکه در عنقاى مغرب مىگوید: خاتم از عجم است نه از عرب. و تولد اختش با او از براى آنست که تا اختتام مشابه ابتدا [باشد] از آنکه خلق آدم نیز مقارن بود به خلق حوا. و شیخ حوا را اخت عیسى ساخته است درین معنى که تولد هریک بىپدر است و مریم را به منزله آدم داشته. و مراد از ساعت، قیامت کبرى است که حصول فناى همه عالم در حق در آن ساعت است، پس افعال ایشان سبب فنا در حق و موجب وصول به کمال و قرب جناب مطلق گشت، چنانکه کلام در آخر فص نوحى و در مواضع دیگر نیز دلالت بر این مىکند؛ و باقى کلام ظاهر است.
و اما به نسبت با عالم صغیر انسانى آدم روح کلّى محمدیست که جمیع ارواح اولاد اوست؛ و شیث روح جزئى متعلق به بدن، و مولودى که متولد مىشود در چین اشارت است به قلب که متولد است در چین طبیعت کلیه، یعنى در اقصاى مراتب طبیعت در تنزل؛ و او حامل اسرار مودعه است در روح کلى اولا و حامل اسرار مودعه در روح جزئى، ثانیا. و روح کلّى و جزئى جز به مرتبه متغایر نیستند و آخر مولود بودن او اشارت است بدان که قلب مظهر «مقام جمع» است که بالاتر ازو مرتبه کمالیّه نیست. پس وجود او جز آخر نباشد و اخت او اشارت است به نفس حیوانیّه که متولد است: پیش از قلب. و سر او در پیش قدم خواهرش بودن اشارت است بدان که قلب در ابتداى ظهور و ولادتش در مقام اطاعت و اذعان نفس است و منقاد قوّت شهویّه و غضبیّه اوست که این دو قوت به منزله دو رجل نفساند که در میدان لذات و شهوات بدین هر دو سعى مىکند. و چون قلب ظهور یابد و ولادتش تمام شود، روح کلى به لبان علوم لدنیّه و معارف حقیقیه، تربیت آغاز کند تا غایتى که به مقام قوّت رسد و به استخراج گنج ودیعت نهاده پدر حقیقى قیام نماید؛ و به دعوت نفس و قواى او به سوى مرتبه جمع احاطى و مقام اسم الهى بذل جهد کند و نفس و قواى او را استعداد این مرتبه کلّیّه جامعه نباشد از براى تقیید او به آنچه استعدادش اعطا مىکند؛ لاجرم اجابت دعوتش نتواند کرد.
و سریان عقم در رجال و نساء اعنى در قواى فاعله و منفعله که نفس راست پیدا آید، پس هیچ مولودى متولد نشود که در مرتبه قلب و کمال او باشد، لاجرم او خاتم اولادى باشد که ایشان را استعداد کمال و قوت ظهور سرّ پدر در ایشان باشد. و چون حق سبحانه و تعالى دل را قبض کند با فناى او در ذات خویش به تجلّى ذاتى و انجذاب او به شهود نور جمال الهى، بى آنکه مرّة اخرى بازگرداند او را به مقام بقا. و به همین تجلّى قبض کند مؤمنان عصر او را که قواى روحانیّه و قلبیّهاند. از نفس و قوایش آنچه باقى ماند مثل ایشان مثل بهائم و حیوانات عجم باشد از براى عدم استعداد ترقى به مراقى قلب. لاجرم ایشان نشناسند ظلمت از نور و تمییز نکنند موجب ترح از سرور؛ پس مشتغل باشند به مقتضاى استعداد خویش و تفرقه در میان خیر و شر نکنند و به حکم طبیعت تصرف به شهوت محضه نمایند مجرد از نور الهى که عقل و شرع است. چه استعداد ایشان اعطاى این نمىکند چنانکه در احوال مجذوبین مشاهده مىافتد از عدم تمییز در حرکات و سکنات و حل و حرمت، پس ساعت بر ایشان قائم شود که آن قیامت صغرى است.
این به نسبت با مجذوبان است؛ اما اصحاب صحو بعد المحو از کمّل ارباب شهود داخل در تحت این حکم نیستند از آنکه ایشان مستثنىاند کما قال تعالى:
فَصَعِقَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ.
لاجرم هریک ازین طایفه فارغ بنشینند و تغییر نکنند که چرخ فروفتد، زمین برخیزد. و همچنین محجوبان را نیز ختم ظاهر نمىشود و حصول علم نیز دست نمىدهد، لاجرم از مرتبه حیوانات و بهائم زائل نمىگردند، قال اللّه تعالى:
أُولئِکَ کَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ و بسط کلام درین مقام از آن جهت جائز داشتیم و همت بر نقل الفاظ شیخ گماشتیم تا ناظر عدول از حق نکند و به حسب آنچه عقلش خواهد تأویل ننماید از آنکه این امر بالاتر از مدارک عقول است. بیت:
از راه کشف عقل بود بر کنارهاى کار کنارگى نبود جز نظارهاى
آنجا که دل ز کشف حقائق نفس زند عقل است اجنبى و خرد شیرخوارهاى
حل فصوص الحکم (شرح فصوص الحکم پارسا)، ص: 242-243
و على قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النّوع الإنسانىّ. و هو حامل أسراره، و لیس بعده ولد فی هذا النّوع، فهو خاتم الأولاد. و تولد معه أخت له فتخرج قبله و یخرج بعدها یکون رأسه عند رجلیها. و یکون مولده بالصّین و لغته لغة أهل بلده. و یسرى العقم فی الرّجال و النّساء فیکثر النّکاح من غیرولادة و یدعوهم إلى اللّه فلا یجاب. فإذا قبضه اللّه- تعالى- و قبض مؤمنى زمانه بقی من بقی
مثل البهائم لا یحلّون حلالا و لا یحرّمون حراما، یتصرّفون بحکم الطّبیعة شهوة مجرّدة عن العقل و الشّرع فعلیهم تقوم الساعة.
شرح چون درین مرتبه مبدئیّت روشن کرده بود، و آن اولیّتى بود که شیث را بود، زیرا که او اول مولودى بود که حق- تعالى- او را به آدم بخشید، خواست تا در مقابل هر اولى آخرى مناسب آن اول، به جهت ارتباط اولیّت و آخریّت، روشن گرداند. و مرتبه ختم که آخریّت است مثل آن بود. لا جرم بعد ازین به بیان اوصاف کمالیّت آخر مولود مشغول گشت و فرمود که ازین نوع انسانى، آخرین مولودى که باشد، ولی باشد، که حامل اسرار شیث و خازن علوم او باشد.
و هر چه از علم اسماى حق بر شیث- علیه السلام- مکشوف بود بر وى نیز مکشوف بود. و آن معانى از حضرت به وى موهبتى باشد که واسطه در میان نباشد. و آن شخص خاتم ولایت عامّه گردد؛ تا بعد از وى سدّ باب ولایت شود. و ولایت به وى ختم گردد. و جمیع اولیا همه در ولایت اولاد وىاند. و بعد از وى ولدى دیگر درین نوع انسانى مولود نشود. و مراد از آن که گفت ولادت او در صین باشد، یعنى، آن خاتم از عجم بود. و هم شیخ در عنقاى مغرب به این لفظ تصریح کرده که: هو أی الخاتم من العجم لا من العرب. و غرض از آن که فرمود که با وى خواهرى در وجود آید، آن بود که آخرین ولادت مانند ولادت اول باشد. چنانچه آفرینش حوّا به آدم بود. چون اول مولود مذکّرى و مؤنّثى بود، آخرین مولود هم مذکّرى و مؤنّثى بود؛ و مراد از قیامت، قیامت کبرا است که در آن روز عالم همه در حق فانى گردید؛ و فناى ایشان سبب وصال ایشان گردد.
امّا نسبت با عالم صغیر، آدم روح کلّى بود که همه أرواح اولاد ویاند. و شیث روح جزویست که متعلق به بدن است. و مراد از مولود آخرین قلب است که حامل اسرار روح است، و اوست که مظهر مرتبه جمع است که وراى آن هیچ مرتبه نیست، و این جمعیّت در آخر مقامات سالک حاصل مىشود. و مراد از خواهر وى درین نشأت انسانیّت، نفس حیوانیّت است، که پیش از قلب متولّد گشته است و در ولادت او، که اول ظهور وى است. مطیع نفس است. پس قوّت شهوت و غضب، که هر دو به مثابت دو قدماند مر نفس را، که در میادین لذّات و فلوات مألوفات و استیفاى شهوات، به آن مىپویند. و چون دل به تربیت روح کلّى، از شیر علم لدنّى نشو و نما گرفت و به سنّ تمیز میان ظاهر و باطن رسید و به حدّ بلوغ معارف حقیقت در آمد، چنانکه نفس داعى او بود به شهوات و لذّات نفسانى، او داعى نفس گردد به معارف حقایق و معانى. و چون زمان استعدادات به آخر رسد، و اوان قابلیّت منقضى شود، در نفس اثر اجابت آن پدید آید، و علّت عقم در رجال و نساء، قواى فاعله و منفعله سرایت کند، و هیچ موجود از ایشان در وجود نیاید که به مرتبه دل رسد. و چون حق- عزّ و علا- قبض این دل کند به تجلّى ذاتى، تا در تحت اشعّه جمال فانى گردد و مؤمنان زمان وى، که قواى روحانى و قلبىاند در آن تجلّى فانى شوند، قواى نفسانى و صور جسمانى بماند به صور بهایم، که اصلا استعداد ترقّى در ایشان نماند؛ نه ظلمت از نور دانند و نه ترح از سرور شناسند؛ به مجرّد شهوت و محض استیفاى لذّات بهیمى مشغول گردند فارغ از حدّ شرع، تا قیامت صغرى در رسد. و السلام.