الفقرة السادسة والثلاثون:
شرح فصوص الحکم من کلام الشیخ الأکبر ابن العربی أ. محمد محمود الغراب 1405 هـ:
02 - فص حکمة نفثیة فی کلمة شیئیة
قال رضی الله عنه : (اعلم أن العطایا والمنح الظاهرة فی الکون على أیدی العباد وعلى غیر أیدیهم على قسمین:
منها ما یکون عطایا ذاتیة وعطایا أسمائیة وتتمیز عند أهل الأذواق، کما أن منها ما یکون عن سؤال فی معیَّن وعن سؤال غیر معیّن. ومنها ما لا یکون عن سؤال سواء کانت الأعطیة ذاتیة أو أسمائیة.
فالمعیَّن کمن یقول یا رب أعطنی کذا فیعیِّن أمراً ما لا یخطر له سواه ویر المعیّن کمن یقول أعطنی ما تعلم فیه مصلحتی- من غیر تعیین- لکل جزء من ذاتی من لطیف وکثیف.
والسائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبیعی فإن الإنسان خلق عجولا.
والصنف الآخر بعثه على السؤال لِمَا علم أنَّ ثَمَّ أموراً عند اللَّه قد سبق العلم بأنها لا تُنَال إِلا بعد السؤال، فیقول: فلعل ما نسأله فیه سبحانه یکون من هذا القبیل، فسؤاله احتیاط لما هو الأمر علیه من الإمکان: وهو لا یعلم ما فی علم اللَّه ولا ما یعطیه استعداده فی القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف فی کل زمانٍ فرد على استعداد الشخص فی ذلک الزمان.
ولو لا ما أعطاه الاستعدادُ السؤالَ ما سأل.
فغایة أهل الحضور الذین لا یعلمون مثل هذا أن یعلموه فی الزمان الذی یکونون فیه، فإنهم لحضورهم یعلمون ما أعطاهم الحق فی ذلک الزمان و أنهم ما قبلوه إِلا بالاستعداد. و هم صنفان: صنف یعلمون مِنْ قبولهم استعدادَهم.
وصنف یعلمون من استعدادهم ما یقبلونه. هذا أتَمُّ ما یکون فی معرفة الاستعداد فی هذا الصنف.
ومن هذا الصنف من یسأل لا للاستعجال ولا للإِمکان، وإِنما یسأل امتثالًا لأمر اللَّه فی قوله تعالى: «ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ».
فهو العبد المحض، ولیس لهذا الداعی همة متعلقة فیما سأل فیه من معیَّن أو غیر معین، وإِنما همته فی امتثال أوامر سیِّده.
فإِذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودیة و إِذا اقتضى التفویض و السکوت سکت فقد ابتُلِیَ أیوب علیه السلام و غیره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم اللَّه تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال فی زمان آخر أن یسألوا رفع ذلک )
1- وجه المناسبة فی تسمیة هذا الفص هو الإفصاح عن کون العلم تابعا للمعلوم وهو من العلوم التی حصلها الشیخ عن طریق النفث فی الروع وهذا العلم موروث من شیث علیه السلام . فإنه أول نبی علم هذا العلم
قال رضی الله عنه : (فرفعه اللَّه عنهم. و التعجیل بالمسئول فیه و الإبطاء للقَدَرِ المعین له عند اللَّه. فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، و إِذا تأخر الوقت إِما فی الدنیا و إِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أی المسئول فیه لا الإجابة التی هی لبَّیک من اللَّه فافهم هذا."2"
و أما القسم الثانی و هو قولنا: «و منها ما لا یکون عن سؤال» فالذی لا یکون عن سؤال فإِنما أُرید بالسؤال التلفظ به، فإِنه فی نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد.
کما أنه لا یصح حمد مطلق قط إِلا فی اللفظ، وأما فی المعنى فلا بد أن یقیده الحال.
فالذی یبعثک على حمد اللَّه هو المقیِّد لک باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزیه.
والاستعداد من العبد لا یشعر به صاحبه ویشعر بالحال لأنه یعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال.
وإِنما یمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فیهم سابقة قضاء.
فهم قد هیَّئوا مَحَلّهم لقبول ما یرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم.
ومن هؤلاء من یعلم أنّ علم اللَّه به فی جمیع أحواله هو ما کان علیه فی حال ثبوت عینه قبل وجودها، ویعلم أن الحق لا یعطیه إِلا ما أعطاه عینه من العلم به وهو ما کان علیه فی حال ثبوته، فیعلم علم اللَّه به من أین حصل.
وما ثَمَّ صنف من أهل اللَّه أعلى وأکشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سِرِّ القدر."3"
وهم على قسمین: منهم من یعلم ذلک مجملًا، و منهم من یعلمه مُفَصَّلًا.
و الذی یعلمه مفصلًا أعلى و أتم من الذی )
قال رضی الله عنه : (یعلمه مجملًا، فإِنه یعلم ما فی علم اللَّه فیه إِما بإِعْلام اللَّه إِیاه بما أعطاه عینُه من العلم به، و إما أن یکشف له عن عینه الثابتة و انتقالات الأحوال علیها إِلى ما لا یتناهى و هو أعلى. فإِنه یکون فی علمه بنفسه بمنزلة علم اللَّه به لأن الأخذ من معدن واحد إِلا أنه من جهة العبد عنایة من اللَّه سبقت له هی من جملة أحوال عینه یعرفها صاحب هذا).
2 - إجابة الحق
الدعاء نداء وهو تأید بالله فأجابه هذا القدر الذی هو الدعوة وبه سمی داعیة أن یلبیه الحق فیقول لبیک ، فهذا لابد منه من الله فی حق کل سائل ، ثم ما یأتی بعد هذا النداء فهو خارج عن الدعاء ، وقد وقعت الإجابة کما قال
- راجع الفتوحات ج4 / 177.
3 - العلم تابع للمعلوم
لیس سر القدر الذی یخفى عن العالم عینه الا اتباع العلم المعلوم ، فلا شیء أبین منه ولا أقرب مع هذا البعد ، فإن العلم تابع للمعلوم ما هو المعلوم تابع للعلم فافهمه ، وهذه مسألة عظیمة دقیقة ما فی علمی أن أحدا نبه علیها إلا إن کان وما وصل إلینا ، وما من أحد إذا تحققها یمکن له إنکارها ، وفرق یا أخی بین کون الشیء موجودا فیتقدم العلم وجوده ، وبین کونه على هذه الصورة فی حال عدمه الأزلی ، فهو مساوق للعلم الإلهی به ومتقدم علیه بالرتبة .
لأنه لذاته أعطاه العلم به ، فإن المعلوم متقدم بالرتبة على العلم وإن تساوقا فی الذهن من کون المعلوم معلوما ، لا من کونه وجودا أو عدما ، فإنه المعطی العالم العلم .
فاعلم ما ذکرناه فإنه ینفعک ویقویک فی باب التسلیم والتفویض للقضاء والقدر الذی قضاه حالک ، فلو لم یکن فی هذا الکتاب « الفتوحات المکیة » إلا هذه المسألة لکانت کافیة لکل صاحب نظر سدید و عقل سلیم .
واعلم أن الله تعالى ما کتب إلا ما علم ولا علم إلا ما شهد من صور المعلومات على ما هی علیه فی أنفسها ما یتغیر منها وما لا یتغیر ، فیشهدها کلها فی حال عدمها على تنوعات تغییراتها إلى ما لا یتناهی ، فلا یوجدها إلا کما هی علیه فی نفسها ، فمن هنا تعلم علم الله بالأشیاء معدومها وموجودها ، وواجبها وممکنها ومحالها ، ومن هنا إن عقلت وصف الحق نفسه بأن له الحجة البالغة لو توزع .
فإنه من المحال أن یتعلق العلم إلا بما هو المعلوم علیه فی نفسه ، فلو احتج أحد على الله بأن یقول له علمک سبق فیه بأن أکون على کذا فلم تواخذنی ، یقول له الحق هل علمتک إلا بما أنت علیه ؟
فلو کنت على غیر ذلک لعلمتک على ما تکون علیه ، ولذلک قال « حتى تعلم » فارجع إلى نفسک وأنصف فی کلامه ، فإذا رجع العبد على نفسه ونظر فی الأمر کما ذکرناه علم أنه محجوج، وأن الحجة لله تعالى علیه.
أما سمعته تعالى یقول: « وما ظلمهم الله" "وما ظلمناهم" .
وقال « ولکن کانوا أنفسهم یظلمون ، کما قال « ولکن کانوا هم الظالمین » یعنی أنفسهم .
فإنهم ما ظهروا لنا حتى علمناهم وهم معدومون إلا بما ظهروا به فی الوجود من الأحوال ، فعندنا ما کانت الحجة البالغة لله على عباده إلا من کون العلم تابعا للمعلوم ما هو حاکم على المعلوم.
فإن قال المعلوم شیئا کان الله الحجة البالغة علیه بأن یقول له ما علمت هذا منک إلا بکونک علیه فی حال عدمک ، وما أبرزتک فی الوجود إلا على قدر ما أعطیتنی من ذاتک بقبولک ، فیعرف العبد أنه الحق فتندحض حجة الخلق ، فلا نزال نراقب حکم العلم فینا من الحق حتى تعلم ما کنا
فیه ، فإنه لا یحکم فینا إلا بنا.
فمن وقف فی حضرة الحکم وهی القضاء على حقیقتها شهودا علم سر القدر ، وهو أنه ما حکم على الأشیاء إلا بالأشیاء ، فما جاءها شیء من خارج ، "ولا ینکشف هذا السر حتى یکون الحق بصر العبد" ، فإذا کان بصر العبد بصر الحق نظر الأشیاء ببصر الحق، حینئذ انکشف له علم ما جهله، إذ کان بصر الحق لا یخفى علیه شیء ، ومن وقف على سر القدر ،" وهو أن الإنسان مجبور فی اختیاره "، لم یعترض على الله فی کل ما یقضیه و یجریه على عباده وفیهم ومنهم ، وهذا یشرح ما ذکره الشیخ فی کتابه المشاهد القدسیة من أن الحق قال له « أنت الأصل وأنا الفرع ".
وعلامة من یعلم سر القدر هو أن یعلم أنه مظهر ، وعلامة من یعلم أنه مظهر ، أن تکون له مظاهر حیث شاء من الکون کقضیب البان ، فإنه کان له مظاهر فیما شاء من الکون حیث شاء من الکون.
وإن من الرجال من یکون له الظهور فیما شاء من الکون لا حیث شاء ، ومن کان له الظهور حیث شاء من الکون کان له الظهور فیما شاء من الکون.
فتکون الصورة الواحدة تظهر فی أماکن مختلفة ، وتکون الصور الکثیرة على التعاقب تلبس الذات الواحدة فی عین المدرک لها ، ومن عرف هذا ذوقا .
کان متمکنا من الاتصاف بمثل هذه الصفة ، وهذا هو علم سر القدر الذی ینکشف لهم .
راجع الفتوحات ج2 / 2 , 13 . ج4/ 16 , 70 , 74 , 182 , 235.
قال رضی الله عنه : (الکشف إِذا أطْلَعَه اللَّه على ذلک، أی أحوال عینه، فإِنه لیس فی وسع المخلوق إِذا أطْلَعَه اللَّه على أحوال عینه الثابتة التی تقع صورة الوجود علیها أن یطَّلع فی هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعیان الثابتة فی حال عدمها لأنها نِسَب ذاتیة لا صورة لها."4"
فبهذا القدْر نقول إِن العنایة الإلهیة سبقت لهذا العبد بهذه المساواة فی إِفادة العلم.
ومن هنا یقول اللَّه تعالى: «حَتَّى نَعْلَمَ» وهی کلمة محققة المعنى ما هی کما یتوهمه من لیس له هذا المشْرَب."5"
وغایة المنزه أن یجعل ذلک الحدوث فی العلم للتعلق، وهو أعلى)
4 - راجع فص (8) علم الافتقار إلى الله بالله . وفص ( 14) هامش (7) تعلق القدرة بالمقدور
5 - قوله تعالى « حتى نعلم » راجع هامش (3) .
قال رضی الله عنه : ( أعلى وجه یکون للمتکلم بعقْله فی هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائداً على الذات فجعل التعلق له لا للذات. وبهذا انفصل عن المحقق من أهل اللَّه صاحبِ الکشف و الوجود. ثم نرجع إِلى الأعطیات فنقول: إِن الأعطیات إِما ذاتیة أو أسمائیة. فأما المِنَح والهبات والعطایا الذاتیة فلا تکون أبداً إِلا عن تجل إِلهی.
والتجلی من الذات لا یکون أبداً إِلا بصورة استعداد المتجلَّی له وغیر ذلک لا یکون. فإِذن المتجلَّی له ما رأى سِوَى صورته فی مرآة الحق، وما رأى الحق و لا یمکن أن یراه مع علمه أنه ما رأى صورته إِلا فیه.
کالمرآة فی الشاهد إِذا رأیت الصورة فیها لا تراها مع علمک أنک ما رأیت الصُّوَرَ أو صورتک إِلا فیها. فأبرز اللَّه ذلک مثالًا نصبه لتجلیه الذاتی لیعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤیة و التجلی من هذا.
وأجهد فی نفسک عند ما ترى الصورة فی المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرک مثل هذا فی صور المرایا ذهب إِلى أن الصورة المرئیة بین بصر الرائی وبین المرآة. هذا أعظم ما قَدَرَ علیه من العلم، والأمر کما قلناه وذهبنا إِلیه.
وقد بینا هذا فی الفتوحات المکیة وإِذا ذقت هذا ذقت الغایة التی لیس فوقها غایة فی حق المخلوق.
فلا تطمع ولا تتعب نفسک فی أن ترقى فی أعلى من هذا الدرج فما هو ثَمَّ أصلًا، وما بعده إِلا العدم المحض. فهو مرآتک فی رؤیتک نفسک، وأنت مرآته فی رؤیته أسماءه وظهور أحکامها ولیست سوى عینه. "6" فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل فی علمه )
6 - وحدة الوجود - المرایا
اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها :وهی الوجود المطلق الذی لا یتقید وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه ، والمعلوم الآخر العام المطلق الذی هو عدم لنفسه وهو الذی لا یتقید أصلا وهو المحال ،
والعلوم الثالث هو البرزخ الذی بین الوجود المطلق والعدم المطلق وهو الممکن ، وسبب نسبة الثبوت إلیه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرین بذاته .
وذلک أن العدم المطلق قام للوجود المطلق کالمرآة فرأی الوجود فیه صورته فکانت تلک الصورة عین الممکن ، فلهذا کان للممکن عین ثابتة وشیئیة فی حال عدمه ولهذا خرج على صورة الوجود المطلق .
ولهذا أیضا اتصف بعدم التناهی فقیل فیه إنه لا یتناهی ، وکان أیضا الوجود المطلق کالمرآة للعدم المطلق فرأى العدم المطلق فی مرآة الحق نفسه .
فکانت صورته التی رأی فی هذه المرأة هو عین العدم الذی اتصف به هذا الممکن ، وهو موصوف بأنه لا یتناهی کما أن العدم المطلق لا یتناهی ، فاتصف الممکن بأنه معدوم ، فهو کالصورة الظاهرة بین الرائی والمرأة ، لا هی عین الرائی ولا غیره
وقد علمنا أن العالم ما هو عین الحق وإنما هو ما ظهر فی الوجود الحق ، إذ لو کان عین الحق ما صح کونه بدیعا ، کما تحدث صورة المرئی فی المرآة ، ینظر الناظر فیها، فهو بذلک النظر کأنه أبدعها مع کونه لا تعمل له فی أسبابها، ولا یدری ما یحدث فیها .
ولکن بمجرد النظر فی المرآة ظهرت صور ، هذا أعطاه الحال ، فما لک فی ذلک من التعمل إلا قصدک النظر فی المرآة .
ونظرک فیها مثل قوله « إنما قولنا لشیء إذا أردناه » وهو قصدک النظر « أن نقول له کن » وهو بمنزلة النظر « فیکون » وهو بمنزلة الصورة التی تدرکها عند نظرک فی المرآة ،.
ثم إن تلک الصورة ما هی عینک الحکم صفة المرآة فیها من الکبر والصغر والطول والعرض ، ولا حکم لصورة المرآة فیک فما هی عینک ولا عین ما ظهر ممن لیس أنت من الموجودات الموازیة لنظرک فی المرآة ، ولا تلک الصورة غیرک ، لما لک فیها من الحکم .
فإنک لا تشک أنک رأیت وجهک ، ورأیت کل ما فی وجهک ظهر لک بنظرک فی المرآة من حیث عین ذلک لا من حیث ما طرأ علیه من صفة المرآة ، فما هو المرئی غیرک ولا عینک ، کذلک الأمر فی وجود العالم الحق .
أی شیء جعلت مرآة أعنی حضرة الأعیان الثابتة أو وجود الحق، فإما أن تکون الأعیان الثابتة الله مظاهر ، فهو حکم المرآة فی صورة الرائی ، فهو عینه وهو الموصوف بحکم المرآة ، فهو الظاهر فی المظاهر بصورة المظاهر.
أو یکون الوجود الحق هو عین المرآة ، فترى الأعیان الثابتة من وجود الحق ما یقابلها منه ، فترى صورتها فی تلک المرآة و یترائی بعضها البعض ، ولا ترى ما ترى من حیث ما هی المرآة علیه ، وإنما ترى ما ترى من حیث ما هی علیه من غیر زیادة ولا نقصان .
وکما لا یشک الناظر وجهه فی المرآة أن وجهه رأی ، وبما للمرآة فی ذلک من الحکم یعلم أن وجهه ما رأى .
فهکذا الأمر فانسب بعد ذلک ما شئت کیف شئت ، فإن الوجود للعین الممکنة کالصورة التی فی المرآة ، ما هی عین الرائی ولا غیر الرائی ، ولکن المحل المرئی فیه به و بالناظر المتجلی فیه ظهرت هذه الصورة ، فهی مرآة من حیث ذاتها والناظر ناظر من حیث ذاته والصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العین الظاهرة فیها .
کالمرأة إذا کانت تأخذ طولا ترى الصورة على طولها والناظر فی نفسه على غیر تلک الصورة من وجه ، وعلى صورته من وجه ، فلما رأینا المرآة لها حکم فی الصورة بذاتها ورأینا الناظر یخالف تلک الصورة من وجه .
علمنا أن الناظر فی ذاته ما أثرت فیه ذات المرآة ، ولما لم یتأثر ولم تکن تلک الصورة هی عین المرأة ولا عین الناظر ، وإنما ظهرت من حکم التجلی للمرآة ، علمنا الفرق بین الناظر وبین المراة وبین الصورة الظاهرة فی المرآة التی هی غیب فیها ، ولهذا إذا رؤی الناظر یبعد عن المرآة یرى تلک الصورة تبعد فی باطن المرآة ، وإذا قرب قربت .
وإذا کانت فی سطحها على الاعتدال ورفع الناظر یده الیمنى رفعت الصورة الید الیسرى ، تعرفه إنی وإن کنت من تجلیک وعلى صورتک فما أنت أنا ولا أنا أنت ، فإن عقلت ما نبهناک علیه فقد علمت من أین اتصف العبد بالوجود، ومن هو الموجود، ومن أین اتصف بالعدم، ومن هو المعدوم ومن خاطب ومن سمع ومن عمل ومن کلف .
وعلمت من أنت ومن ربک وأین منزلتک ، وأنک المفتقر إلیه سبحانه وهو الغنی عنک بذاته.
فسبحان من ضرب الأمثال وأبرز الأعیان دلالة علیه أنه لا یشبهه شیء ولا یشبه شیئا ، ولیس فی الوجود إلا هو ، ولا یستفاد الوجود إلا منه، ولا یظهر الموجود عین إلا بتجلیه.
فالمرأة حضرة الإمکان والحق الناظر فیها والصورة أنت بحسب إمکانیتک ، فإما ملک وإما فلک وإما إنسان وإما فرس ، مثل الصورة فی المرآة بحسب ذات المرآة من الهیئة فی الطول والعرض والاستدارة واختلاف أشکالها مع کونها مرآة فی کل حال .
کذلک الممکنات مثل الأشکال فی الإمکان والتجلی الإلهی یکسب الممکنات الوجود والمرآة تکسبها الأشکال ، فیظهر الملک و الجوهر والجسم والعرض ، والإمکان هو هو لا یخرج عن حقیقته ، وأوضح من هذا البیان فی هذه المسألة لا یمکن إلا بالتصریح ، فقل فی العالم ما تشاء و انسبه إلى من تشاء بعد وقوفک على هذه الحقیقة کشفة وعلما .
راجع الفتوحات ج3/ 46 , 80 , 352 . - ج4/ 316.
قال رضی الله عنه : ( "والعجز عن درک الإدراک إِدراک". "7"، ومنا من علم فلم یقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلمُ السکوتَ، ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلى عالمٍ باللَّه. )
7 - العجز عن درک الإدراک إدراک لا یعلم الممکن من الحق إلا نفس الممکن
جعل الصدیق العلم بالله هو لا درکه ، یقول رسول الله مع فی دعائه وثنائه على ربه عز وجل « لا أحصی ثناء علیک أنت کما أثنیت على نفسک » والحیرة من توالی التجلیات باختلاف أحکامها إلى ما لا نهایة یوقف عندها ، فلا تعلم الإنیة الإلهیة ، ولا یصح أن تتجلى الهویة ، قال أبو بکر الصدیق رضی الله عنه فی مقام الحیرة و کان من رجاله « العجز عن درک الإدراک إدراک » أی إذا علمت أن ثم من لا تعلم فذلک هو العلم بالله تعالی .
وأعلم الممکنات لا یعلم موجده إلا من حیث هو ، فنفسه علم و من هو موجود عنه ، غیر ذلک لا یصح ، لأن العلم بالشیء یؤذن بالإحاطة به والفراغ منه ، وهذا فی ذلک الجناب محال ، فالعلم به محال ، ولا یصح أن یعلم منه ، لأنه لا یتبعض ، فلم یق العلم إلا بما یکون منه ، وما یکون منه هو أنت، فأنت المعلوم ، فإن قیل عالمنا بلیس هو کذا ( أی العلم بالسلوب ) علم به.
قلنا نعوتک جردته عنها لما یقتضیه الدلیل من فی المشارکة ، فتمیزت أنت عندک عن ذات مجهولة لک من حیث ما هی معلومة لنفسها ، ما هی تمیزت لک ، لعدم الصفات الثبوتیة التی لها فی نفسها .
فافهم ما علمت وقل رب زدنی علما ، لو علمته لم یکن هو ولو جهلک لم تکن أنت ، فبعلمه أوجدک ، و بعجزک عبدته ، فهو هو لهو لا لک ، وأنت أنت لأنت وله ، فأنت مرتبط به ما هو مرتبط بک .
الدائرة مطلقة مرتبطة بالنقطة ، النقطة مطلقة لیست مرتبطة بالدائرة ، نقطة الدائرة مرتبطة بالدائرة ، کذلک الذات مطلقة لیست مرتبطة بک ، ألوهیة الذات مرتبطة بالمألوه کنقطة الدائرة.
للزیادة راجع کتابنا شرح کلمات الصوفیة من 127 الى 130.
الفتوحات ج1/ 46 , 51 , 94 , 271 . ج2/ 619 , 641 . ج3/ 371 , 429 , 555 . ج4/ 283 .
قال رضی الله عنه : (ولیس هذا العلم إِلا لخاتم الرسل وخاتم الأولیاء، وما یراه أحد من الأنبیاء والرسل إِلا من مشکاة الرسول الخاتم، ولا یراه أحد من الأولیاء إِلا من مشکاة الولی الخاتم، حتى أن الرسل لا یرونه- متى رأوه- إِلا من مشکاة خاتم الأولیاء.
فإِن الرسالة والنبوة- أعنی نبوة التشریع، ورسالته- تنقطعان، والولایة لا تنقطع أبداً.
فالمرسلون، من کونهم أولیاء، لا یرون ما ذکرناه إِلا من مشکاة خاتم الأولیاء، فکیف من دونهم من الأولیاء؟
وإِن کان خاتم الأولیاء تابعاً فی الحکم لما جاء به خاتم الرسل من التشریع، فذلک لا یقدح فی مقامه و لا یناقض ما ذهبنا إِلیه، فإِنه من وجه یکون أنزل کما أنه من وجه یکون أعلى.
وقد ظهر فی ظاهر شرعنا ما یؤید ما ذهبنا إِلیه فی فضل عمر فی أسارى بدر بالحکم فیهم، وفی تأبیر النخل.
فما یلزم الکامل أن یکون له التقدم فی کل شیء وفی کل مرتبة، وإِنما نظرُ الرجال إِلى التقدم فی رتبة العلم باللَّه: هنالک مطلبهم.) "8" .قال رضی الله عنه : (وأما حوادث الأکوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذکرناه.
و لمَّا مثّل النبی صلى اللَّه علیه و سلم . النبوة بالحائط من اللَّبِن و قد کَمُلَ سوى موضع لبنَة، فکان صلى اللَّه علیه و سلم تلک اللبنة. غیر أنه صلى اللَّه علیه وسلم لا یراها کما قال لبِنَةً واحدةً. وأما خاتم الأولیاء فلا بد له من هذه )
قال رضی الله عنه : (الرؤیا، فیرى ما مثله به رسول اللَّه صلى اللَّه علیه وسلم، و یرى فی الحائط موضع لبنَتین، واللّبِنُ من ذهب و فضة.فیرى اللبنتین اللتین تنقص الحائط عنهما وتکمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة.
فلا بد أن یرى نفسه تنطبع فی موضع تینک اللبنتین، فیکون خاتم الأولیاء)
8 ۔ کون الرسل لا یرون العلم تابعا لمعلوم إلا من مشکاة خاتم الأولیاء *
هذه المسألة هی أم المشکلات فی کتاب فصوص الحکم وکانت أساس إنکار کثیر من العلماء على الشیخ الأکبر رضی الله عنه ، واضطر القلیل منهم ممن یعتقدون الشیخ رضی الله عنه إلى تأویل ما جاء فی هذه الفقرة ، ومنهجنا فی هذه المسألة وجمیع المعضلات هو الاعتماد والرجوع إلى ما قاله الشیخ فیها عسى أن یفسر بعضها بعضا .
ومعلوم أن الفتوحات المکیة وهی السفر الأعظم والأم لجمیع کتب الشیخ هی بخط یده فکل کلام فی کتاب لا یکون بخط الشیخ مهما ثبتت نسبته إلى الشیخ فإن الأصول العلمیة تثبت کلام الشیخ فی الفتوحات وترد کل ما جاء فی غیره من الکتب مما یخالفها وتثبت ما جاء فی هذه الکتب مما یوافق ما جاء فی الفتوحات ، ولتحقیق هذه المسألة نبدأ فنقول :
أخطأ کثیر من منتقدی الشیخ مثل الإمام ابن تیمیة وغیره حین قالوا ونسبوا إلى الشیخ أنه یقول « إنه أفضل من محمد صلى الله علیه وسلم وأنه ممد لخاتم الأنبیاء والرسل بالعلم بالله » ، فإطلاقهم لکلمة العلم لا أساس له من الصحة حتى إذا ثبت ما فی الفصوص بهذا الخصوص ، فإنه قید العلم هنا بمسألة معینة وهی کون العلم تابعا للمعلوم فی الحادث والقدیم.
ولهذا یعجزهم الدلیل على ما قالوه أو نسبوه إلى الشیخ رضی الله عنه ، ولو أنصف العالم ونظر فیما جاء فی قصة موسی کلیم الله تعالى علیه السلام والخضر ، وقول موسى علیه السلام للخضر و" هل أتبعک على أن تعلمنی مما علمت رشدا ".
وما جاء فی الحدیث الصحیح من قول الحق لموسى علیه السلام فی حق الخضر "لی عبد هو أعلم منک" ، بأفعل التفضیل .
ولا یقول أحد من أهل الإیمان بأن الخضر أفضل من موسى علیه السلام کلیم الله وأحد الرسل الخمسة أولی العزم ، ولهذا قال العلماء إن الخصوصیة لا تقتضی الأفضلیة ، فکیف إذا ثبت أن الشیخ عین مسألة واحدة من العلوم التی لا حصر لها وأن الله تعالی خصه بها .
أما عن العلم الذی انفرد به الشیخ عن الأولیاء خاصة فهو علم أنه « جمیع العلوم باطنة فی الإنسان بل فی العالم کله » وفی ذلک یقول فی الفتوحات ج2/ 686 .
"وهذا العلم خاصة انفردت به دون الجماعة فی علمی ، فلا أدری هل عثر علیه غیری وکوشیف به أم لا من جنس المؤمنین أهل الولایة لا جنس الأنبیاء ، فرحم الله عبدا بلغه أن أحدا قال بهذه المسألة عن نفسه کما فعلت أنا أو عن غیره فیلحقها بکتابی هذا فی هذا الموضع استشهادا لی فیما ادعیته ، فإنی أحب الموافقة وأن لا أتفرد بشیء دون أصحابی" .
أما عن مسألة کون « العلم تابعا للمعلوم » فیقول فی الفتوحات ج4/ 235 , ج2/ 63.
« من وقف فی حضرة الحکم وهی القضاء على حقیقتها شهودا ، علم سر القدر وهو أنه ما حکم على الأشیاء إلا بالأشیاء فما جاءها شیء من خارج ، ولا ینکشف هذا السر حتى یکون الحق بصر العبد ، فإذا کان بصر العبد بصر الحق نظر الأشیاء ببصر الحق ، حینئذ انکشف له علم ما جهله ، "إذ کان بصر الحق لا یخفى علیه شیء » اهـ.
لهذا لم یشر الشیخ أنه اختص بهذا العلم ولا ذکر کما ذکر فی غیره من العلوم «أنه لم پر له ذائقا » من أهل الولایة ، فإنه یعلم أن مقام المحبوبیة قد حصله کثیر من الأولیاء قبله وبعده .
فما بالک بالأنبیاء والرسل علیهم السلام ، لذلک نراه رضی الله عنه یقول عن الأنبیاء والرسل خاصة ما هذا نصه: الفتوحات ج2/ 24 .
« ان شرط أهل الطرق فیما یخبرون عنه من المقامات والأحوال أن یکون عن ذوق ، ولا ذوق لنا ولا لغیرنا ولا لمن لیس بنبی صاحب شریعة فی نبوة التشریع ولا فی الرسالة .
فکیف تتکلم فی مقام لم نصل إلیه ، وعلى حال لم نذقه لا أنا ولا غیری ممن لیس بنبی ذی شریعة من الله ولا رسول ، حرام علینا الکلام فیه فما تکلم إلا فیما لنا فیه ذوق ، فما عدا هذین المقامین فلنا الکلام فیه عن ذوق لأن الله ما حجره ».
الفتوحات ج2/ 51 ,84 , 85.
«لا ذوق لأحد فی ذوق الرسل » "إنی لست بنبی فذوق الأنبیاء لا یعمله سواهم" الفتوحات ج4/ 75. "لا ذوق لنا فی مقامات الرسل علیهم السلام".
ویقول فی رسالة الیقین « المتبوع یزاحم المتبوع ، والتابع یزاحم التابع، لا التابع یزاحم المتبوع ۰۰. فیقابل النبی بالنبی والصاحب بالصاحب والصدیق بالصدیق ، ولا تخلط بین الحقائق فتکون من الجاهلین".
هذا ما ورد عن الشیخ رضی الله عنه فی حق الأنبیاء والرسل عامة وإلیک ماکتبه بخط یده فی هذه المسألة عن خاتم الأنبیاء صلى الله علیه وسلم الفتوحات ج1/ 151
أما القطب الواحد فهو روح محمد ، وهو الممد لجمیع الأنبیاء والرسل سلام الله علیهم أجمعین و الأقطاب من حین النشء الإنسانی إلى یوم القیامة .
الفتوحات ج1/ 143. - جاء الله سیدنا محمدا صلى الله علیه وسلم بعلوم ما قالها أحد سواه .
الفتوحات ج1/ 144 . - قوله صلى الله علیه وسلم " علمت علم الأولین" ، وهم الذین تقدموه د "والآخرین" ، وهو علم ما لم یکن عند المتقدمین ، وهو ما تعلمه أمته من بعده إلى یوم القیامة.
الفتوحات ج1/ 214. - دخل فی هذا العلم علم الأولین والآخرین کل معلوم معقول ومحسوس مما یدرکه المخلوق .
الفتوحات ج1/ 696 – تقرر أنه صلى اللَّه علیه وسلم أعلم الخلق بالله ، والعلم بالله لا یحصل إلا من التجلی ... محمد صلى اللَّه علیه وسلم هو أکمل العلماء بالله .
الفتوحات ج2/ 171 - کان صلى اللَّه علیه وسلم من أعظم مجلى إلهی علم به علم الأولین والآخرین ، ومن الأولین علم آدم بالأسماء ، وأوتی محمد صلى اللَّه علیه وسلم و جوامع الکلم ، وکلمات الله لا تنفد .
الفتوحات ج3/ 142 - وأما منزلته ( محمد صلى اللَّه علیه وسلم) فی العلم فالإحاطة بعلم کل عالم بالله من العلماء به تعالی متقدمیهم ومتأخریهم فلا فلک أوسع من فلک محمد صلى اللَّه علیه وسلم فإن له الإحاطة ،وهی لمن خصه الله بها من أمته بحکم التبعیة.
الفتوحات ج3/ 143 - أعطى هذا السید منزلة الاختصاص بإعطائه مفاتیح الخزائن ، والخصلة الثانیة أوتی جوامع الکلم ، والکلم جمع کلمة ، وکلمات الله لا تنفد ، فأعطى علم ما لا یتناهی ، فعلم ما یتناهی بما حصره الوجود ، وعلم ما لم یدخل فی الوجود وهو غیر متناه ، فأحاط علما بحقائق المعلومات وهی صفة إلهیة لم تکن لغیره .
الفتوحات ج3/ 456 - کل شرع ظهر وکل علم إنما هو میراث محمدی فی کل زمان و رسول ونبی من آدم إلى یوم القیامة ولهذا أوتی جوامع الکلم ومنها علم الله آدم الأسماء کلها .
یقول الشیخ رضی الله عنه فی الفتوحات ج 3 ص 496 فی تقسیم الرحمة الإلهیة : ما أدری لماذا ترک التعبیر عنه أصحابنا ، مع ظنی بأن الله قد کشف لهم عن هذا ، وأما النبوات فقد علمت أنهم وقفوا على ذلک وقوف عین ،ومن نور مشکاتهم عرفناه.
فهل یصح نسبة ما جاء هنا فی هذا الفص إلى الشیخ مع وضوح النصوص بکلمة « الإحاطة بعلم کل عالم بالله » و « کل علم إنما هو میراث محمدی » وهو نص فی الاستغراق ، وقوله : « ومن نور مشکاتهم عرفناه » !!! . .
ویقول فی الفتوحات ج2 ص 613 : اعلم أن جمیع ما یحویه هذا المنزل من العلوم لا یوصل إلیها إلا بالتعریف الإلهی بوساطة روحانیة الأنبیاء لهذا المکاشف .
وتلک الأرواح لا تعلمها من الله إلا بوسائط لغموضها ودقتها .
فأین إمداد روحانیة خاتم الولایة المحمدیة هنا للأولیاء فضلا عن الأنبیاء ؟!
ولو شاء الشیخ رضی الله عنه لنص على ذلک فی مثل هذا الموطن.
أما عن مکانة ختم الولایة المحمدیة التی ینص الشیخ رضی الله عنه أنها له ونسبة هذا الختم من رسول الله صلى اللَّه علیه وسلم مع ففی ذلک یقول رضی الله عنه فی الفتوحات ج3 ص 514 : علمت حدیث هذا الختم المحمدی بفاس من بلاد المغرب سنة أربع وتسعین وخمسمائة ، عرفنی به الحق وأعطانی علامته ولا أسمیه ، ومنزلته من رسول الله صلى اللَّه علیه وسلم منزلة شعرة واحدة من جسده ، ویؤکد الشیخ ذلک فی خطبة کتاب الفتوحات فی ج1 ص2
حیث یذکر أن رسول الله صلى الله علیه وسلم قال له فی الرؤیا « قم یا محمد علیه ( الضمیر یعود على المنبر ) فاثن على من أرسلنی وعلی" ، فإن فیک شعرة منی لا صبر لها عنی » (راجع کتابنا ترجمة حیاة الشیخ ص243 ) .
فمن کان شعرة من رسول الله . فهل یعقل أن یمده بعلم ما ؟
أو ینسب إلى نفسه مثل ذلک ؟
وقد علم الشیخ ما یتعلق بهذا المقام عام 594 هـ وألف فیه کتاب عنقاء مغرب قبل عام ۱۹۹ ه. ثم جاء على ذکره مفصلا فی الفتوحات المکیة التی انتهى من تألیفها عام 635 هـ .
فلا یعقل أن یتجاهل مثل هذا الأمر فی هذه الکتب کلها حتى یذکره فی الفصوص عام 627 هـ. ولذا نراه یقول عن عروجه الروحی المعنوی إلى سدرة المنتهى فی الفتوحات ج3/ 350 . « کانت لی بذلک البشری بأنی محمدی المقام من ورثة جمعیة محمد صلى الله علیه وسلم فإنه آخر مرسل وآخر من إلیه تنزل ، آتاه جوامع الکلم وخص بست لم یخص بها رسول أمة من الأمم ، فعم برسالته لعموم ست جهاته ، فمن أی جهة جئت لم تجد إلا نور محمد ینفهق علیک .
فما أخذ أحد إلا منه ولا أخبر رسول إلا عنه » اهـ.
ثم یقول فیما استفاده من علوم "ورأیت فیها علم ما یرى الإنسان إلا ما کان علیه" ، أی أن العلم تابع للمعلوم .
الفتوحات ج1/ 195 - یقول عن عیسى علیه السلام - خاتم الأولیاء فی آخر الزمان یحکم بشرع محمد صلى الله علیه وسلم أمته ولیس یختم إلا ولایة الرسل والأنبیاء وختم الولایة المحمدی یختم ولایة الأولیاء لتمیز المراتب بین ولایة الولی وولایة الرسل .
الفتوحات ج4/ 282 - یقول عن الختم المحمدی - المحمدی ختم الله به ولایة الأولیاء المحمدیین ، أی الذین ورثوا محمدا صلى الله علیه وسلم ، وعلامته فی نفسه أن یعلم قدر ما ورث کل ولی محمدی من محمد صلى الله علیه وسلم ، فیکون الجامع علم کل ولی محمدی الله تعالى ، وإذا لم یعلم هذا فلیس بختم .
ما جاء فی الفتوحات ج1/ 151 ,195 . ج3/ 350 , ج4/ 282 . یعارض تماما ما جاء فی هذا الفص من أن روح شیث هو الممد لهذا العلم وأن من روح الخاتم تکون المادة لجمیع الأرواح ، کما لا یخفى هذا التناقض فی العبارة من کون روح شیث وروح الخاتم هو الممد ولا یکون الممد إلا واحدا هو الأصل .
وکان النص على أن الخاتم الولی یجب أن یعلم قدر ما ورث کل ولی محمدی من محمد صلى الله علیه وسلم مع لا أنه الممد.
کما فرق بین ولایة الأنبیاء والرسل وولایة الأولیاء ، وشتان بین من یعلم ومن یمد ، لذلک نراه رضی الله عنه یقول عن رسول الله صلى الله علیه وسلم فی کتابه « عنقاء مغرب فی معرفة ختم الأولیاء وشمس المغرب » المؤلف بعد عام 590 هـ.
فی باب لؤلؤة امتداد الرقائق من الحقیقة المحمدیة إلى جمیع الحقائق : تراه یقول - فکانت رقیقته مع فی دورة الملک إلى هلم جرا إلى الأبد أصلا لجمیع الرقائق ، وحقیقته ممدة فی کل زمان إلى جمیع الحقائق ، فهو الممد و لجمیع العالم من أول منشأه إلى أبد لا یتناهی ، مادة شریفة مکملة لا تضاهی .
- وهذا یوافق تماما ما ذکرناه من الفتوحات ج1/ 151. المؤلف عام 599 هـ إلى 635 هـ. ویعارض تماما ما جاء فی هذا الفص فی هذه المسألة من کتاب فصوص الحکم المؤلف عام 627 هـ .
وکیف یصح نسبة قوله « ومن روح الخاتم تکون المادة لجمیع الأرواح » وهو رضی الله عنه الذی یقول فیما لا یعلم «لا أعلم » ویطلب ممن یعلم أن یثبت ذلک فی کتابه - راجع ترجمة حیاة الشیخ لنا ص 194 - 195.
لذلک نجد أن الکلام فی ص 49 من قوله [ حتى أن الرسل متى رأوه ] إلى قوله فی ص 50 [ فتحقق ما ذکرناه ] غیر موجود فی کتاب المسائل لمؤلفه اسماعیل بن سودکین کما تلقاها من الشیخ فی المسألة رقم 24 وهی تطابق قوله فی ص 49 [ ولا یراه أحد من الأولیاء إلا من مشکاة (الخاتم للولایة)]
- بدلا مما ورد فی هذا الفص ( الولی الخاتم ) . وهذا الذی جاء فی کتاب المسائل یؤکد ما جاء فی الفتوحات الملکیة ج1/ 190.
وقد أشرنا إلیه ولذلک لا تجد إشارة إلى مسألة ختم الولایة فی کتاب نقش الفصوص إسماعیل بن سودکین وفیه اختصار الفصوص مما یدل على أن الکلام فی هذا الموضوع مدرج فی الفص.
ونراه رضی الله عنه یقول فی الفتوحات ج3/ 520 :
عن آدم وإدریس ونوح وإبراهیم ویوسف وهود وصالح وموسى وداود وسلیمان ویحیى وهارون وعیسى ومحمد سلام الله علیهم وعلى المرسلین ، یقول لکل واحد ممن ذکرنا طریق یخصه وعلم ینصه وخبر یقصه ویرثه من ذکرناه ممن لیست له نبوة التشریع وإن کانت له النبوة العامة ، ولهم من الأسماء الإلهیة الله والرب والهادی والرحیم والرحمن والشافی والقاهر والممیت والمحیی والجمیل والقادر والخالق والجواد والمقسط ، کل اسم إلهی من هذه ینظر إلى قلب نبی ممن ذکرنا .
و کل نبی یفیض على کل وارث ، فالنبی کالبرزخ بین الأسماء والورثة ، وعین لهؤلاء الأنبیاء من الأرواح النوریة أربعة عشر روما من أمر الله ، ینزلون من الأسماء التی ذکرناها على قلوب الأنبیاء ، وتلقیها.
حقائق الأنبیاء علیهم السلام على قلوب من ذکرناه من الورثة ، ویحصل للفرد الواحد من الأفراد وراثة الجماعة المذکورة ، فیاخذون علم الورث عن طریق المذکورین من الأرواح الملکیة والأنبیاء البشریین ، ویأخذون بالوجه الخاص من الأسماء الإلهیة علوما لا یعلمها من ذکرناه سوی محمد صلى الله علیه وسلم فإن له هذا العلم کله لأنه أخبر أنه قد علم علم الأولین وعلم الآخرین.
هذا هو الثابت بخط ید الشیخ فی المواطن المتعددة کلها وهو یخالف ما جاء فی الفصوص ، ومع هذا فالوقوف بالأدب أولى فی حضرة الإطلاق للحضرة الإلهیة ، وأنه لا تحجی على فضل الله ، یختص برحمته من یشاء فإذا کان الذی ذکره الشیخ فی الفصوص ثابت الصحة إلى الشیخ فیکون من هذا الباب ، ولیس ذلک على الله بعزیز.
أما عن الشاهدین المذکورین فی هذه المسألة وهما فضل عمر فی أسارى بدر بالحکم فیهم ، وفی تأبیر النخل ، استدلالا على أن الکامل لا یلزم أن یکون له التقدم فی کل شیء وفی کل مرتبة .
فلننظر ما قاله الشیخ فی هذین الشاهدین ، فی الفتوحات ج1/ 144 , 523 . ج3/ 139 .
وفی قبول الکامل ما یشیر به الأنقص فی المسألة التی هو أعلم بها : إن الإمام لا یقتنی العلوم من فکره ، بل لو رجع إلى نظره الأخطاء فإنه نفسه ما اعتادت إلا الأخذ عن الله ، وما أراد الله لعنایته بهذا العبد أن یرزقه الأخذ من طریق فکره فیحجبه ذلک عن ربه .
فإنه فی کل حال یرید الحق أنه یأخذ عنه ما هو فیه من الشؤون فی کل نفس ، فلا فراغ له ولا نظر لغیره ، فکان ما حدث فی هاتین الحادثتین، لأن ذلک کله لم یکن عن بوحی إلهی فإنه صلى الله علیه وسلم ما تعود أن یأخذ العلوم إلا من الله ، لا تنظر له إلى نفسه فی ذلک .
وهو الشخص الأکمل الذی لا أکمل منه ، فما ظنک بمن هو دونه . اهـ.
وهل یغیب عن الشیخ رضی الله عنه أن هذه المسألة لیست من أمور الدنیا فلا یستقیم الاستشهاد ، کما أن ما أتی به الخضر علیه السلام لا یتعلق بالإلهیات ، بل هو من سر القدر المتعلق بأمور الدنیا .
التعقیب على الشیخ محمد محمود الغراب رحمه الله :لما کانت الفکرة المتسلطة على الشیخ محمد محمود الغراب رحمه الله وهو رجل مخلص محب للشیخ بذل عمره فى شرح وتفسیر علوم الشیخ الأکبر ولکن لکل جواد کبوة ولکل عالم هفوه یتوقف أمامها متحیرا .
ان فصوص الحکم من کلام الشیخ الأکبر دونها أبو المعالی صدر الدین القنوی باسم "فصوص الحکم" والشیخ القنوی لم یشرح الفصوص وإنما فک بعض المصطلحات والمعانی و أول تفسیر کامل شامل کان تلمیذه المقرب الشیخ مؤید الدین الجندی وکذلک أخیه فی الطریقة ورفیقه فی الصحبة والتعلم منه وقد التقیا الشیخ ابن سبعین فی مصر سویا فی رحلاتهم من مکة ومن أوصى له بکتبه ومکتبة مخطوطاته من بعده الى الشیخ عفیف الدین التلمسانی الذی تتلمذ على ید الشیخ الأکبر نفسه و مدون اسمه فی السماع للفتوحات المکیة وهو له شرح جمیل على فصوص الحکم لا یکتبه الا عارف مکاشف راسخ القدم فی المعانی والمعارف.
فهل احد الآن یقتنع أن الشیخ صدر الدین القنوی والشیخ مؤید الدین والشیخ عفیف تآمروا على الشیخ الأکبر کذبوا وزوروا و دلسوا أوراقا وأسموها فصوص الحکم ؟؟!!. مستحیل عقلا ونقلا.
کتاب فصوص الحکم شرحها مئات من أکابر الأولیاء و العلماء المشهورین الراسخین والمشهود لهم بالولایة والرسوخ فى العلوم والمعارف فی حیاتهم وبعد إنتقالهم للرفیق الأعلى.
وهو دائم الشک ویسر لیستشهد بصوص لا تتطابق مع ما یستشهد به بعرفها کل منصف یبحث هادئا ولیس صاحب رأی مسبق غیر صحیح .
"کون الرسل لا یرون العلم تابعا لمعلوم إلا من مشکاة خاتم الأولیاء"
قال عنها : " هذه المسألة هی أم المشکلات فی کتاب فصوص الحکم وکانت أساس إنکار کثیر من العلماء على الشیخ الأکبر رضی الله عنه "
فالأمر واضح جلی لو صبر وأکمل القراءة لوجد إجابة الشیخ الأکبر تفسیر هذا فی الفقرات التی تلیها . وبدایة فک هذا اللغز "وإِن تأخر وجود طینته ".
"فکل نبی من لدن آدم إِلى آخر نبی ما منهم أحد یأخذ إِلا من مشکاة خاتم النبیین، وإِن تأخر وجود طینته، فإِنه بحقیقته موجود " صورته فی السماء بروحه منذ یوم ألست بربکم "، وهو قوله صلى اللَّه علیه وسلم: «کنت نبیاً وآدم بین الماء والطین».
وغیره من الأنبیاء ما کان نبیاً إِلا حین بُعِثَ.
وکذلک خاتم الأولیاء کان ولیاً وآدم بین الماء والطین.
وغیره من الأولیاء ما کان ولیاً إِلا بعد تحصیله شرائط الولایة من الأخلاق الإلهیة فی الاتصاف بها من کون اللَّه تعالى تسمّى «بالولی الحمید».
فخاتم الرسل من حیث ولایته، نسبته مع الخاتم للولایة نسبة الأنبیاء والرسل معه، فإِنه الولی الرسول النبی.
وخاتم الأولیاء الولی الوارث الآخذ عن الأصل "یقصد العلوم والإمداد من حضرة الحق تعالى مباشرة بدون أی واسطة " المشاهد للمراتب.
"وبالرغم من کل ماسبق إلا ان حقیقة ختم الأولیا فی مقامه ومرتبته " وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه علیه وسلم مقدَّمِ الجماعة وسید ولد آدم.
الخلاصة :
کل ما استدل به من الفتوحات وغیرها لا محل لها هنا فی هذا المقام لأن الشیخ یتکلم تعین ومراتب إلهیة اختص بها الله عباد مخصوصین من عباده الرسل والأنبیاء والأولیاء کجنود لله لیکونوا خلفاء لله فی وظائف عرفها لهم وأمدهم بها والأمثلة على الإختصاص لا تعد ولا تحصى فی عطاءات الله تعالى الرسل والأنبیاء والأولیاء .
فختم الأولیاء مصدر من مصادر الإمداد الإلهیة بالتعیین المباشر من الله تعالى لانها إرادته سبحانه فهو جندی وعبد لله تعالى استعمله فى هذه الوظیفة .
فختم الأولیاء مع کل ما أعطی وعلو مقامه إلا انه هو حسنة من حسنات خاتم المرسلین محمد صلى اللَّه علیه وسلم یعنی رغم کل مصدره الأصلی مازال تابعا لرسول الله صلى اللَّه علیه وسلم منذ ألست بربکم إلى یوم یبعثون . فلا یساویه ولا یضاهیه ولا یملک إلا أن یکون تابعا الى رسول الله بالأصالة ولیس بأدب التواضع مع رسول الله صلى الله علیه وسلم.
فالأنبیاء والأولیاء الذین أمدهم الله من روح ختم الأولیاء حتى ولو لم یکن جسمه "شبیحته الأرضیة قد ولدت بعد " وهی التی ولدت وظهرت فی مرسیة سنة 560 هـ رضی الله عنه .
فإن أصله السماوی "صورته فى السماء وروحه" منذ ألست بربکم عینها الله تعالى فى هذه الوظیفة أو التکلیف أو الخلافة وأمدها بما یلزمها لتؤدیها وقد أدها وما زال یؤدیها حتى الآن وعرفها لکل للناس بنشرها فی فصوص الحکم کما أمره رسول الله صلى الله علیه وسلم لینتفعوا بها یعلموا عظم قدر الله سبحانه وکیف نظم ملکه وسلطانه وعین جنودة وکیف یعملون فی خلافاتهم فی الملک والملکوت .
وکنا سمعنا کثیر من کبار الأولیاء قالوا لبعد تلامیذهم المتمیزین أعرفک واتابعک منذ یوم ألست بربکم .. ومن کشف له الله عن حقیقته عرف ربه وفهم کل شیئ فرحم الخلق ولم یجری علیه الغضب إلا لله لأنه أصبح عارفا بالله .
ولا یمکن ان یختلف العارفین الراسخین المحققین بحقیقتهم من کلام الشیخ أبدا لأنه عاشها کلها لحظة بلحظة وذکره الله تعالى بها وکشف له الحقیقة منذ ألست بربکم وحتى یومه هذا ومنهم من یعرف غده أیضا وحتى یوم یبعثون منهم من یعرفها إجمالا بالنهایات ومنهم من یعلمها تفصیلا وهو الأعلى فی هذا الکشف و العلم.
والله یقول الحق وهو یهدی السبیل.
قال رضی الله عنه : (تینک اللبنتین. فیکمل الحائط. "9" والسبب الموجِب لکونه رآها لبنتین أنه تابع لشرع خاتم الرسل فی الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة،وهو ظاهره وما یتبعه فیه من الأحکام، کما هو آخذ عن اللَّه فی السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فیه، لأنه یرى الأمر عَلَى ما هو علیه، فلا بد أن یراه هکذا وهو موضع اللبنة الذهبیة فی الباطن، فإِنه أخذ من المعدن الذی یأخذ منه الملک الذی یوحی به إِلى الرسول.
فإِن فهمت ما أشرت به فقد حصل لک العلم النافع بکل شیء. فکل نبی من لدن آدم إِلى آخر نبی ما منهم أحد یأخذ إِلا من مشکاة خاتم النبیین، وإِن تأخر وجود طینته، فإِنه بحقیقته موجود، وهو قوله صلى اللَّه علیه وسلم: «کنت نبیاً وآدم بین الماء والطین». وغیره من الأنبیاء ما کان نبیاً إِلا حین بُعِثَ.
وکذلک خاتم الأولیاء کان ولیاً وآدم بین الماء والطین، وغیره من الأولیاء ما کان ولیاً إِلا بعد تحصیله شرائط الولایة من الأخلاق الإلهیة فی الاتصاف بها من کون اللَّه تعالى تسمّى «بالولی الحمید». فخاتم الرسل من حیث ولایته، نسبته مع الخاتم للولایة نسبة الأنبیاء والرسل معه، فإِنه الولی الرسول النبی. وخاتم الأولیاء الولی الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب.
وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه علیه وسلم مقدَّمِ الجماعة وسید ولد آدم فی فتح باب الشفاعة. فعیّن حالًا خاصاً )
9 - مبشرة بخاتم الأولیاء الخاص
رأیت رؤیا لنفسی وأخذتها بشرى من الله ، فإنها مطابقة لحدیث نبوی عن رسول الله صلى الله علیه وسلم من حین ضرب لنا مثله فی الأنبیاء علیهم السلام.
فقال صلى الله علیه وسلم : " مثلی فی الأنبیاء کمثل رجل بنى حائطا فأکمله إلا لبنة واحدة فکنت أنا تلک اللبنة فلا رسول بعدی ولا نبی " فشبه النبوة بالحائط والأنبیاء باللبن التی قام بها هذا الحائط، وهو تشبیه فی غایة الحسن فإن مسمى الحائط هنا المشار إلیه لم یصح ظهوره إلا باللبن ، فکان رسول الله صلى الله علیه وسلم خاتم النبیین، فکنت بمکة سنة تسع وتسعین وخمسمائة أری فیما یری النائم الکعبة مبنیة بلبن فضة وذهب .
لبنة فضة ولبنة ذهب ، وقد کملت بالبناء وما بقی فیها شیء ، وأنا أنظر إلیها وإلى حسنها ، فالتفت إلى الوجه الذی بین الرکن الیمانی والشامی ، هو إلى الرکن الشامی أقرب ، فوجدت موضع لبنتین ، لبنة فضة ولبنة ذهب ، ینقص من الحائط فی الصفین .
فی الصف الأعلى ینقص لبنة ذهب وفی الصف الذی یلیه ینقص لبنة فضة ، فرأیت نفسی قد انطبعت فی موضع تلک اللبتین ، فکنت أنا عین تینک اللبنتین ، وکمل الحائط ولم یبق فی الکعبة شیء ینقص ، وأنا واقف أنظر ، وأعلم أنی واقف ، وأعلم أنی تینک اللبتین ، لا أشک فی ذلک وأنهما عین ذاتی واستیقظت.
فشکرت الله تعالى ، وقلت متأولا : إنی فی الأتباع فی صنفی کرسول الله صلى الله علیه وسلم فی الأنبیاء علیهم السلام ، وعسى أن أکون ممن ختم الله الولایة بی ، وما ذلک على الله بعزیز ، وذکرت حدیث النبی صلى الله علیه وسلم فی ضربه المثل بالحائط وأنه کان تلک اللبنة ، فقصصت رؤیای على بعض علماء هذا الشأن، بمکة من أهل توزر ، فأخبرنی فی تأویلها بما وقع لی وما سمیت الرائی من هو.
راجع الفتوحات ج1/ 318
قال رضی الله عنه : ما عمم."10" وفی هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهیة، فإِن الرحمن ما شفع عند المنتقم فی أهل البلاء إِلا بعد شفاعة الشافعین. ففاز محمد صلى اللَّه علیه وسلم بالسیادة فی هذا المقام "11" الخاص. فمن فهم المراتب والمقامات لم یعسر علیه قبول مثل هذا الکلام.
وأما المنح الأسمائیة فاعلم أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هی کلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة کالطیِّب من الرزق اللذیذ فی الدنیا الخالص یوم القیامة، ویعطى ذلک الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحمانی. وإِما رحمة ممتزجة کشرب الدواء الکرِهِ الذی یعقب شربه الراحةُ، وهو عطاء إِلهی، فإِن العطاء الإلهی لا یتمکن إِطلاق عطائه منه من غیر أن یکون على یدی سادن من سدنة الأسماء.
فتارة یعطی اللَّه العبد على یدی الرحمن فیَخْلُصُ العطاء من الشوب الذی لا یلائم الطبع فی الوقت أوْ لا یُنِیلُ الغرض وما أشبه ذلک.
وتارة یعطی اللَّه على یدی الواسع فیعم، أو على یدی الحکیم فینظر فی الأصلح فی الوقت، أو على یدی الوهاب، فیعطی لیُنْعِمَ لا یکون مع الواهب تکلیف المعطَى له بعوض على ذلک من شکر أو عمل، أو على یدی الجبار فینظر فی الموطن وما یستحقه، أو على یدی الغفار فینظر المحل وما هو علیه.
فإِن کان على حال یستحق العقوبة فیستره عنها، أو على حال لا یستحق العقوبة فیستره عن حال یستحق العقوبة فیسمى معصوماً ومعتنى به ومحفوظاً وغیر ذلک مما شاکل هذا النوع.
و المعطی هو اللَّه من حیث ما هو خازن لما عنده فی خزائنه.
فما یخرجه إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ على یدی اسم خاص بذلک الأمر.
«ف أَعْطى کُلَّ شَیْءٍ خَلْقَهُ» على یدی العدل وإِخوانه.
وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما یکون عنها- وما یکون عنها غیر متناهٍ- وإِن کانت ترجع إِلى أصول متناهیة هی أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء.
وعلى الحقیقة فما ثَمَّ إلا حقیقة واحدة تقبل جمیع هذه النِّسَبِ والإضافات التی یکنَّى عنها بالأسماء الإلهیة.
والحقیقة تعطی أن یکون لکل اسم یظهر، إِلى ما لا یتناهى، حقیقة یتمیز بها عن اسم آخر، تلک الحقیقة التی بها یتمیز هی الاسم عینه لا ما یقع فیه الاشتراک، کما أن الأعطیات تتمیز کل أعطیة عن غیرها بشخصیتها، وإِن کانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هی هذه الأخرى، وسبب ذلک تمیُّز الأسماء. فما فی الحضرة الإلهیة لاتساعها شیء یتکرر)
10 ۔ قوله : " فعین حالا خاصا ما عمم " .
یتناقض تماما ما جاء فی الفتوحات الباب الثانی عشر عن دورة السیادة وهی فلک سیدنا محمد صلى الله علیه وسلم وأن من سیادته صلى الله علیه وسلم علم الأولین والآخرین .
- راجع الفتوحات ج1/ 144. / 1 والباب بأکمله (۰)
""التعقیب على الشیخ محمد محمود الغراب رحمه الله :
الشیخ الأکبر یتحدث هنا عن إرادة الله سبحانه فی الإختیار والتعین لسیدنا محمد صلی الله علیه وسلم للمقام المخصوص بالشفاعة ولا یتکلم عن العلم أو المعارف عند رسول الله صلى الله علیه وسلم .
الکلام هنا عن إرادة الحق بإختیار رسول الله لهذا المقام کإختاره المولى عز وجل للمقام المحمود ولا علاقة له بالعلوم والمعارف هنا. فالإستلال بکلام الشیخ من الفتوحات لا محل له فى هذا المقام . ولا تعارض بین الفتوحات وفصوص الحکم .والحاکم هنا أن الله سبجانه مطلق الحریة فى الإختیار من یشاء لما یشاء؟ ولیس علیه أى قیود أو شروط فى العلوم والمعارف؟
11 - راجع هامش رقم 10
قال رضی الله عنه : ( أصلًا. هذا هو الحق الذی یعوَّل علیه.
و هذا العلم کان علم شیث علیه السلام، و روحه هو الممد لکل من یتکلم فی مثل هذا من الأرواح ما عدا روحَ الخاتم فإِنه لا یأتیه المادة إِلا من اللَّه لا من روح من الأرواح "12"، بل من روحه تکون المادة لجمیع الأرواح، و إِن کان لا یَعْقلُ ذلک من نفسه فی زمان ترکیب جسده العنصری.
فهو من حیث حقیقته و رتبته عالم بذلک کله بعینه، من حیث ما هو جاهل به من جهة ترکیبه العنصری.
فهو العالم الجاهل، فیقبل الاتصاف بالأضداد کما قَبِلَ الأصلُ الاتصاف بذلک، کالجلیل و الجمیل ، و کالظاهر و الباطن و الأول و الآخِر و هو عینه لیس غیر.
فیعلَم لا یعلم، ویدری لا یدری، ویشهد لا یشهد. وبهذا العلم سمی شیث لأن معناه هبة اللَّه.
فبیده مفتاح العطایا على اختلاف أصنافها ونِسَبِهَا، فإِن اللَّه وهبه لآدم أول ما وهبه: وما وهبه إِلا منه لأن الولد سرُّ أبیه. فمنه خرج وإِلیه عاد. فما أتاه غریب لمن عقل عن اللَّه. وکل عطاء فی الکون على هذا المجرى.
فما فی أحد من اللَّه شیء، وما فی أحد من سوى نفسه شیء وإِن تنوعت علیه الصور"13". وما کل )
12 - راجع هامش رقم 8 .
13 - جمیع العلوم باطنة فی الإنسان بل فی العالم کله
اعلم أن الإنسان قد أودع الله فیه علم کل شیء ثم حال بینه وبین أن یدرک ما عنده مما أودع الله فیه ، وما هو الإنسان مخصوص بهذا وحده ، بل العالم کله .
فإن کل جوهر فی العالم یجمع کل حقیقة فی العالم ، کما أن کل اسم إلهی مسمی بجمیع الأسماء الإلهیة ، وهو سر من الأسرار الإلهیة التی ینکرها العقل ویحیلها جملة واحدة.
وقربها من الذوات الجاهلة فی حال علمها قرب الحق من عبده ، ومع هذا القرب لا یدرک ولا یعرف إلا تقلیدا ولولا إخباره ما دل علیه عقل .
وهکذا جمیع ما لا یتناهى من المعلومات التی یعلمها ، هی کلها فی الإنسان وفی العالم بهذه المثابة من القرب ، وهو لا یعلم ما فیه حتى یکشف له عنه مع الآثات.
ولا یصح فیه الکشف دفعة واحدة لأنه یقتضی الحصر ، وقد قلنا إنه لا یتناهى فلیس یعلم إلا شیئا بعد شیء إلى ما لا یتناهى ، وهذا من أعجب الأسرار الإلهیة أن یدخل فی وجود العبد ما لا یتناهی کما دخل فی علم الحق ما لا یتناهی من المعلومات.
و علمه عین ذاته، والفرق بین تعلق علم الحق بما لا یتناهى وبین أن یودع الحق فی قلب العبد ما لا یتناهی ، أن الحق یعلم ما فی نفسه وما فی نفس عبده تعیینا وتفصیلا.
والعبد لا یعلم ذلک إلا مجملا ، ولیس فی علم الحق بالأشیاء إجمال مع علمه بالإجمال من حیث أن الإجمال معلوم للعبد من نفسه ومن غیره ، فکل ما یعلمه الإنسان دائما .
وکل موجود فإنما هو تذکر على الحقیقة وتجدید ما نسیه ، فالعبد أقامه الحق فی وقت ما مقام تعلق علمه بما لا یتناهی .
ولیس بمحال عندنا ، وإنما المحال دخول ما لا یتناهى فی الوجود لا تعلق العلم به ، ثم إن الخلق أنساهم الله ذلک کما أنساهم شهادتهم بالربوبیة فی أخذ المیثاق مع کونه قد وقع منهم ، وعرفنا ذلک بالإخبار الإلهی .
فعلم الإنسان دائما إنما هو تذکر ، فمنا من إذا ذکر تذکر أنه قد کان علم ذلک المعلوم و نسیه ، ومنا من لم یتذکر ذلک مع إیمانه به أنه قد کان یشهد بذلک ، ویکون فی حقه ابتداء علم .
ولولا أنه عنده ما قبله من الذی أعلمه ولکن لا شعور له بذلک ، ولا یعلمه إلا من نور الله بصیرته ، وهو مخصوص بمن ماله الخشیة مع الأنفاس ، وهو مقام عزیز لأنه لا یکون إلا لمن یستصحبه التجلی دائما ، وهذا العلم خاصة انفردت منه دون الجماعة فی علمی ». الفتوحات ج2/ 686 .
وهذا النص یناقض ما جاء فی هذا الفص مما نسب إلى الشیخ من أن العلم الذی اختص به هو کون العلم تابعا للمعلوم .
قال رضی الله عنه :(أحد "یعرف" هذا، وأَنَّ الأمر على ذلک، إِلا آحاد من أهل اللَّه.
فإِذا رأیت من یعرف ذلک فاعتمد علیه فذلک هو عین صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل اللَّه تعالى.
فأی صاحب کشف شاهد صورة تلقِی إِلیه ما لم یکن عنده من المعارف وتمنحه ما لم یکن قبل ذلک فی یده، فتلک الصورة عینه لا غیره. فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه،) "14"
14 - أما قول الشیخ فی هذا الفص « فمن شجرة نفسه جنی ثمرة علمه » فهو قوله فی عروجه المعنوی إلى سدرة المنتهى الفتوحات ج2/ 686.
"ورأیت فیها ما یجنی الإنسان إلا ثمرة غرسه لا غیر" .
ولکن الذی یلاحظ هنا هو التعارض الواضح بین قول الشیخ
« وهذا "العلم" خاصة انفردت به دون الجماعة فی علمی »
وبین ما ورد فی الفص « وما کل أحد "یعرف" هذا وأن الأمر على ذلک إلا آحاد من أهل الله ».
""التعقیب على الشیخ محمد محمود الغراب رحمه الله :
الشیخ محمد محمود اختلط علیه الأمر فی الفرق الکبیر بین العلم و المعرفة .
فالعلم : هو تعلم کل ما لم تکن تعلم عنه شیئا أی صفر معلومة او یسبقه الجهل وخاصة اذا أشار الى العلم من الله او رسل الله.
" وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ کُلَّهَا " 31 البقرة , " قَالُوا سُبْحَانَکَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا " 32 البقرة
" وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَکْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) " سورة البقرة
" الَّذِینَ آتَیْنَاهُمُ الْکِتَابَ یَعْرِفُونَهُ کَمَا یَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِیقًا مِنْهُمْ لَیَکْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ یَعْلَمُونَ (146) " البقرة" وَیُعَلِّمُهُ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِیلَ (48) " آل عمران
"وَعَلَّمَکَ مَا لَمْ تَکُن تَعْلَمُ " 114 النساء
" وَالَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لَا یَعْلَمُونَ (182) " الأعراف
" قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُکَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) " الأعراف
" فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَیْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) " الکهف
" یَاأَبَتِ إِنِّی قَدْ جَاءَنِی مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ یَأْتِکَ فَاتَّبِعْنِی أَهْدِکَ صِرَاطًا سَوِیًّا (43) " مریم" الَّذِی عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ یَعْلَمْ (5) ". سورة العلق
أما المعرفة : هو تذکر ما نسیت او کنت تعرفه من قبل او تتذکر ما حجب عنک اى لک به علم مسبق سواء کان علما تاما او جزئی مثل بوم "ألست بربکم" یوم المیثاق کلنا حضرناه وکلنا حجبه الله عنا والعارف من یذکره الله او یکشف له عنه فیتذکر ما کان یعلمه .
"فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا کَفَرُوا بِهِ "89 سورة البقرة.
" وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا یَعْرِفُونَهُمْ بِسِیمَاهُمْ " سورة الأعراف
"وَجَاءَ إِخْوَةُ یُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَیْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْکِرُونَ (58)" سورة یوسف .
"اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِی رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ یَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ ..(62)" سورة یوسف.
" سَیُرِیکُمْ آیَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا " 93 سورة النمل.
"یُدْنِینَ عَلَیْهِنَّ مِنْ جَلَابِیبِهِنَّ ذَلِکَ أَدْنَى أَنْ یُعْرَفْنَ فَلَا یُؤْذَیْنَ .. (59)" سورة الأحزاب
" أَمْ لَمْ یَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْکِرُونَ (69)" سورة المؤمنون
" وَیُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) " سورة محمد
"وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَیْنَاکَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِیمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِی لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ یَعْلَمُ أَعْمَالَکُمْ (30) "سورة محمد
"یُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِیمَاهُمْ فَیُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِی وَالْأَقْدَامِ (41) " سورة الرحمن
"فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَیْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ..(3)" سورة التحریم
" تَعْرِفُ فِی وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِیمِ (24) " سورة المطففین "
والشیخ فى الفصوص یتکلم عن المعرفة "وما کل أحد "یعرف" هذا وأن الأمر على ذلک إلا آحاد من أهل الله "
والشیخ فى الفتوحات یتکلم عن العلم "وهذا العلم خاصة انفردت به دون الجماعة فی علمی " فالمقارنة خطأ والإستشهاد هنا غیر جائز لعدم الإنطباق فی الوجه المقارن فیما کتبه الشیخ ""
قال رضی الله عنه : (کالصورة الظاهرة منه فی مقابلة الجسم الصقیل لیس غیرَه، إِلا أن المحل أو الحضرة التی رأى فیها صورة نفسه تلقى إِلیه تنقلب من وجه بحقیقة تلک الحضرة، کما یظهر الکبیر فی المرآة الصغیرة صغیراً أو المستطیلة مستطیلًا، والمتحرکة متحرکاً.
وقد تعطیه انتکاس صورته من حضرة خاصة، وقد تعطیه عینَ ما یظهر منها فتقابل الیمینُ منها الیمینَ من الرائی، وقد یقابل الیمینَ الیسارَ وهو الغالب فی المرایا بمنزلة العادة فی العموم: وبخرق العادة یقابل الیمینُ الیمینَ ویَظهر الانتکاس. "15"
وهذا کله من أعطیات حقیقة الحضرة المتجلَّى فیها التی أنزلناها منزلة المرایا. فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما کل من عرف قبوله یعرف استعداده إِلا بعد القبول، وإِن کان یعرفه مجملًا.
إِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعیفة یرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما یشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما یناقص الحکمة وما هو الأمر علیه فی نفسه. و لهذا عدل بعض النظار إِلى نفی الإمکان وإِثبات الوجوب بالذات و بالغیر.
والمحقق یثبت الإمکان ویعرف حضرته، والممکنَ ما هو الممکن ومن أین هو ممکن وهو بعینه واجب بالغیر، ومن أین صح علیه اسم الغیر الذی اقتضى له الوجوب. و لا یعلم هذا التفصیل إِلا العلماء باللَّه خاصة.
و على قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی.
وهو حامل أسراره، ولیس بعده ولد فی هذا النوع. فهو خاتم الأولاد.
وتولد معه أخت له فتخرج قبله ویخرج بعدها یکون رأسه عند رجلیها.
ویکون مولده بالصین ولغته لغة أهل بلده. ویسری العقم فی الرجال والنساء فیکثر النکاح من غیر ولادة ویدعوهم إِلى اللَّه فلا یجاب.
فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمنی زمانه بقی من بقی مثل البهائم لا یحِلُّون حلالًا و لا یحرمون حراماً، یتصرفون بحکم الطبیعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعلیهم تقوم الساعة.