الفقرة السابعة والثلاثون:
کتاب المفاتیح الوجودیة والقرآنیة لفصوص الحکم عبد الباقی مفتاح 1417هـ :
المرتبة 02 لفص حکمة نفثیة فی کلمة شیثیة
من الاسم الباعث واللوح المحفوظ وحرف الهاء ومیلة البطین من برج الحمل
کل الأسماء الحسنى تؤول فی أصلها إلى الباطن. وکلها بما فیها الباطن والظاهر منبعثة من عین الذات الواحدة.
فجاء الاسم الباعث فی المرتبة الثانیة قبل الباطن، متوجها على إیجاد اللوح المحفوظ المنبعث من القلم الأعلى، ونافث الأرواح فی الصور، وعلى إیجاد منزلة البطین من برج الحمل الناری الحار، والحرارة أصل الحیاة فی الأرواح، ومن بطین قلب الصدر یکون النفث للنفس النفسح فترتاح الروح ویتنفس الجسم، والباعث متوجه أیضا لإیجاد ثانی الحروف أی الهاء، وهی هاء الحریة التی منها تبعث الأسماء " هو الأول والآخر والظاهر" "هو الأول والأخر والظاهر والباطن " 3 سورة الحدید. " قل هو الله أحد " 1 سورة الإخلاص. وعددها خمسة، وهو العدد الوحید الحافظ لنفسه ولغیره فهی فی أتم المناسبة مع اللوح المحفوظ.
وأنسب الأنبیاء لهذه المرتبة الباعثة النافثة الحافظة هو شیث علیه السلام لأنه هو أول الکمل انبعاثا من آدم علیه السلام ، کاللوح أول الموجودات انبعاثا من القلم، وهو نافث علم المواهب والعطایا فی الأرواح، کاللوح النافث الأرواح فی الصور المسواة، وإمداد شبث کامداد اللوح محفوظان حافظان إلى یوم القیامة.
وقد أشار الشیخ إلى الاسم الباعت فی هذا الفص کقوله: "والصنف الآخر بعثه على السؤال... لأنه یعلم الباعث وهو الحال...".
وبدأ الفص بذکر العطایا. فالعطایا الذاتیة من الوجه الخاص للتجلی الإلهی هی مثل ما یأخذه اللوح من أمر الحق المباشر أو ما اختص به شیث عن آدم حسب استعداده.
والعطایا السببیة هی مثل العلوم التی یأخذها الشرح من القلم أو ورثها شیت من آدم علیهما السلام. وحیث أنه من الوجه الخاص للوح یعلم القضاء والقدر فقد خصص الشیخ لهذه المسألة فقرة بدأها بقوله: (فالاستعداد أخفی سؤال... سابقة قضاء... الواقفون على سر القدر وهم على قسمین: منهم من یعلم ذلک محملا) إشارة إلى إجمال القلم النونی .
(ومنهم من یعلمه مفصلا) إشارة إلى تفصیل القلم فی اللوح (وهذا انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الکشف والوجود). انتهی.
وکلامه على الاستعداد و تفاضل الأسماء مع أحدیة عینها المنبعثة عنها مناسب الکون نسبة اللوح الذی هو النفس الکلیة إلى کل صور العالم نسبة واحدة من غیر تفاضل إلا أن الصور تقبل من ذلک بحسب استعداداتها الذاتیة فیظهر بینها التفاضل. من کل هذا یتبین لماذا کانت حکمة هذا الفص نفثیة للنسبة اللفظیة والمعنویة بین: نفت، بعث، نفس.
یتکلم الشیخ على انبعاث النفس من العقل فیقول ما خلاصته:
"إن لله سبعین ألف حجاب من نور وظلمة لو کشفها لأحرقت سبحات وجهه ما أدرکه بصره من خلقه". وکان الله ولا شیء معه.
وقد سبق فی علمه أن یکمل الوجود العرفانی بظهور آثار الأسماء الإلهیة والنسب والإضافات لا أن یکمل هو بذلک تعالى عن ذلک علوا کبیرا، فهو الکامل على الإطلاق.
فتحلى الحق سبحانه بنفسه لنفسه بأنوار السبحات الوجهیة من کونه عالما مریدا فظهرت الأرواح المهیمة من الحلال والجمال.
وذلک أن الله تعالى أحب أن یعرف لیجود على العالم بالعلم به عز وجل.
وعلم أنه تعالى لا یعلم من حیث هویته ولا من حیث یعلم نفسه وإنه لا یحصل من العلم به تعالى فی العالم إلا أن یعلم العالم أنه لا یعلم، کما قال الصدیق: العجز عن درک الإدراک إدراک.
فلما اتصف لنا بالمحبة. والمحبة حکم یوجب رحمة الموصوف بها بنفسه.
ولهذا یجد المتنفس راحة فی نفسه. فیروز النفس من المتنفس عین رحمته بنفسه فما خرج منه تعالى إلا الرحمة التی وسعت کل شیء فانسحبت على جمیع العالم إلى ما لا یتناهی، فأول صورة قبل نفس الرحمن صورة العماء فهو بخار رحمانی هو عین الرحمة فکان الحق له کالقلب للإنسان کما أنه تعالى القلب الإنسان العارف المؤمن کالقلب للإنسان فهو قلب القلب کما أنه مالک الملک فما حواه غیره.
ثم إن جوهر ذلک العماء قبل صور الأرواح من الراحة والاسترواح إلیها وهی الأرواح المهیمة فلم تعرف غیر الجوهر الذی ظهرت فیه وبه وهو أصلها وهو باطن الحق وغیبه ظهر فظهر فیه وبه العالم، فإنه من المحال أن یظهر العالم، من حکم الباطن فلا بد من ظهور حق به یکون ظهور صور العالم فلم یکن غیر العماء فهو الاسم الظاهر الرحمن فهامت فی نفسها.
وخلق تعالى فی الغیب المستور الذی لا یمکن کشفه لمخلوق العنصر الأعظم، وکان هذا الخلق دفعة واحدة من غیر ترتیب عینی.
وما ثم روح یعرف أن ثم سواه لفنائه فی الحق بالحق واستیلاء سلطان الجلال علیه، ثم إنه سبحانه أوجد دون هذه الأرواح بتجلی آخر من غیر تلک المرتبة أرواحا متحیزة فی أرض بیضاء، خلقهم علیها وهیمهم فیها بالتسبیح والتقدیس لا یعرفون أن الله خلق سواهم، لاشتراکهم مع الأول فی نور الهیمان وکل منهم على مقام من العلم بالله والحال.
وهذه الأرض خارجة عن عالم الطبیعة فهی لا تتحلل ولا تتبدل، وللإنسان فی هذه الأرض مثال.
وله حظ فیهم وله فی الأرواح الأول مثال آخر وهو فی کل عالم له مثال.
ثم إن لذلک العنصر الأعظم المخزون فی غیب الغیب التفاتة مخصوصة إلى عالم التدوین والتسطیر ولا وجود لذلک العالم فی العین فأوجد سبحانه عند تلک الالتفاتة العقل الأول.
والالتفاتة إنما کانت للحقیقة الإنسانیة التی هی المقصود والغایة وعین الجمع والوجود. والعقل الأول وهو القلم الأعلى، هو واحد من تلک الأرواح المهیمة خص بتجلی خاص علمی
فانتقش فیه علم ما یکون إلى یوم القیامة مالا تعلمه الأرواح المهیمة .
فوجد فی ذاته قوة امتاز ما عن سائر الأرواح فشاهدهم وهم لا یشاهدونه ولا یشهدونه ولا یشهد بعضهم بعضا فرأى نفسه مرکبا منه ومن القوة التی وجدها علم بما صدوره کیف کان وعلم أن فی العلم حقائق معقولات من حیث أنه عقلها لما تمیزت عنده فهی للحق معلومات وللعقل ولأنفسها معقولات. ورأى فی جوهر العماء صورة الإنسان الکامل الذی هو للحق .
عزلة ظل الشخص من الشخص ورأى نفسه ناقصا عن تلک الدرجة وقد علم ما یتکون عنه من العالم إلى آخره فی الدنیا.
فعلم أنه لا بد أن یحصل له درجة الکمال التی للإنسان الکامل وإن لم یکن فیها مثله فإن الکمال فی الإنسان الکامل بالفعل وهو فی العقل الأول بالقوة.
وتحلى الحق للعقل فرأى لذاته ظلا.
فکان ذلک الظل المنبعث عن ذات العقل من نور ذلک التجلی و کثافة المحدث بالنظر إلى اللطیف الخبیر نفسا وهو اللوح المحفوظ والطبیعة الذاتیة مع ذلک کله وتسمى هناک حیاة وعلما وإرادة وقولا کما تسمى فی الأجسام حرارة وبرودة ویبوسة ورطوبة.
کما تسمی فی الأرکان نارا وهواء وماء وترابا کما تسمى فی الحیوان سوداء وصفراء و بلغم ودما، والعین واحدة والحکم مختلف.
فاللوح هو أول موجود انبعاثی لما انبعث من الطلب القائم بالقلم لموضع یکتب فیه. ولم یکن فی القوة العقلیة الاستقلال بوجود هذا اللوح فتأید بالاسم الباعث وبالوجه الخاص الذی انبعثت عنه هذه النفس - وهو قول الله لها: کن والعقل ثابت فی مقام الفقر والذلة إلى باریه له نسب وإضافات ووجوه کثیرة لا یتکثر فی ذاته بتعددها فیاض بوجهین: فیض ذاتی وفیض إرادی .
فما هو فی الذات مطلقا لا یتصف بالمنع، وما هو بالإرادة فإنه یوصف فیه بالمنع والعطاء.
وسماه الحق تعالى فی القرآن حقا وقلما و روحا، وفی السنة عقلا وهو الخازن الحفیظ العلیم الأمین على اللطائف الإنسانیة التی من أجلها وجد.
علم نفسه فعلم مبدعه فعلم العالم فعلم الإنسان فهر العقل من هذا الوجه وهو القلم من حیث التدوین والتسطیر وهو الروح من حیث التصرف وهو العرش المجید من حیث الاستواء بالعلم والرحمة وهو الإمام المبین من حیث الإحصاء.
و رقائقه التی تمتد إلى النقی إلى الهباء إلى الجسم إلى الأفلاک الثابتة إلى المرکز إلى الأرکان بالصعود إلى الأفلاک المتخیلة إلى الحرکات إلى المولدات إلى الإنسان إلى انعقادها فی العنصر الأعظم و بتواصلها .
هو حاصل ضرب: "360 * 360 * 360" رقیقة.
ولا یزال هذا العقل مترددا بین إقبال وإدبار یقبل على باریه مستفیدا فیتجلى له فیکشف فی ذاته عن بعض ما هو علیه فیعلم من باریه قدر ما علم من نفسه.
وعلمه بذاته لا یتناهى فعلمه بربه لا یتناهى.
وطریقة علمه به التجلیات وطریقة علمه بربه علمه به.
ویقبل على من دونه مفیدا هکذا أبدا لآباد فی المزید فهو الفقیر الغنی العزیز الذلیل العبد السید.
ولیس فوق القلم موجود محدث یأخذ عنه یعبر عنه بالنون.
وإنما نونه التی هی الدواة عبارة عن علمه الإجمالی بلا تفصیل ولا یظهر له تفصیل إلا فی اللوح.
وله 360 سنا من حیث هو فلم، و360 وجها ونسبة من حیث هو عقل، و360 لسانا من حیث ما هو روح مترجم عن الله.
ویستمد کل سن من 360 بحرا من أصناف العلوم، وهذه البحور هی إجمال الکلمات الإلهیة التی لا تنفد.
فألقى منها فی اللوح جمیع ما عنده إلى غایة یوم القیامة مسطرا منظوما.
فکان مما ألقى إلیه وما ضمه اللوح من الکلمات 269200 آیة • أی حاصل جمع (x 360 ) 2 + ( 100x100 360) وهو ما یکون فی الخلق من جهة ما تلقیه النفس فی العالم عند الأسباب وأما ما یکون من الوجوه الخاصة الإلهیة فذلک یحدث وقت وجوده لا علم لغیر الله به.
وهذا جمیع ما حصله العقل من النفس الرحمانی من حیث ما کلمه به ربه.
ولتلک الآیات سور تجمعها هی عشر سور على عدد المقولات المعلومة عند الحکماء وقد سبق ذکرها فی نص إسحاق.
وللإنسان الکامل عشر نیابات عن الحق تعالى مناسبة للمقولات العشرة (تنظر تفاصیلها فی الباب 360 من الفتوحات المتعلق بسورة النور).
وکما تعددت أسماء العقل الأول، کذلک تعددت أسماء النفس الکلیة فهی العرش العظیم والورقاء و الزمردة الخضراء والمشار إلیه بـ (کل شیء) .
قال تعالى: "وکتبنا له فی الألواح من کل شی " 145 سورة الأعراف.
وهر اللوح المحفوظ ... وأعطاها الله قوتین: علمیة وعملیة
بالعملیة تظهر أعیان الصور
وبالعلمیة تعلم المقادیر والأوزان ومن الوجه الخاص یکون القضاء والقدر.
ثم صرف العقل وجهه إلى العماء فرأى ما بقی منه لم یظهر فیه صورة وقد أبصر ما ظهرت فیه الصور منه قد أنار بالصور.
وما بقی دون صورة رآه ظلمة خالصة ورأى أنه قابل للصور والاستنارة، فأعلم أن ذلک لا یکون إلا بالتحامک بظلک وصورة التلقی الإلهی للعقل تحمل رحمانی عن محبة من المتجلی و المتجلى له.
فعمه التجلی الإلهی کما تعم لذة الجماع نفس الناکح حین تغیبه عن ما سواها.
فلما عمه نور التحلی رجع ظله إلیه واتحد به فکان نکاحا معنویا صدر عنه العرش. واستوى الحق علیه بالاسم الرحمن.
فلا أقرب من الرحمة إلى الخلق لأن ما ثم أقرب إلیهم من وجودهم ووجودهم رحمة بلا شک .
ومن هذا المقام جعل الله بین الزوجین المودة والرحمة فقال:"وَمِنْ آیَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَکُمْ مِنْ أَنْفُسِکُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْکُنُوا إِلَیْهَا وَجَعَلَ بَیْنَکُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِی ذَلِکَ لَآیَاتٍ لِقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ (21) " سورة الروم.
قول الشیخ فی هذا الفص: (وهذا العلم کان علم شیث علیه السلام وروحه هو الممد لکل من یتکلم فی مثل هذا من الأرواح ما عدا روح الخاتم فإنه لا تأتیه المادة إلا من الله لا من روح من الأرواح بل من روحه تکون المادة لجمیع الأرواح)
أی: لأن شیث بالنسبة إلى الأرواح بمثابة اللوح لما تحته من المراتب من حیث الإمداد هذا العلم. وأما الخاتم کالقلم الأعلى لا یتلقى إلا من الله وبحمد الجمیع حسب استعداداتهم.
ولهذا خصص الشیخ فی هذا الفص فقرة حول الختمیة لأنه بمراتب اللوح والقلم والإنسان تکمل دائرة الوجود وتختم دورة الظهور.
وصرح الشیخ بأنه هو خاتم الأولیاء المحمدی حیث ذکر أن الخاتم لا بد أن یرى نفسه على هیئة لبنتی فضة وذهب فی حائط الکعبة.
وقد ذکر فی الفتوحات "باب 65" أنه رأى هذه الرؤیا رآها بمکة سنة 599 هـ. أی 28 سنة قبل ظهور الفصوص.
هذا و الأختام عند الشیخ الأکبر أربعة کلها لها علاقة بختام العالم قرب یوم القیامة برجوع النفوس الجزئیة للنفس الکلیة التی ابتدأ منها النفخ قال تعالى: "کما بدأکم تعودون " 29 سورة الأعراف. ولهذا کانت خاتمة الزمان على قدم خاتم الأولاد الذی هو على قدم شبث الذی له فص مرتبة النفس الکلیة حسب ما ذکر فی ختام هذا الفص.
وقد صرح الشیخ هذا المعنى فی "الباب 64 ج الأول ص 311" من الفتوحات حیث یقول: (عین موت الإنسان هو قیامته ... وأن الحشر جمع النفوس الجزئیة إلى النفس الکلیة. هذا کله أقول به). وذلک لأن للأختام وظیفة الحفظ الدائمة المستمرة إلى غایة یوم القیامة، أو نهایة الدنیا، کاللوح المحفوظ.
وفی هذا المعنى یقول الشیخ فی إحدى قصائد کتابه "عنقاء مغرب فی ختم الولایة وشمس المغرب":
فمن شرف النبی على الوجود …. ختام الأولیاء من العقود
من البیت الرفیع وساکنیه …. من الجنس المعظم فی الوجود
وتبین الحقائق فی ذراها …. وفضل الله فیه من الشهود
لوان البیت یبقى دون ختم …. لجاء اللص یفتک بالولید
فحقق یا أخی نظرا إلى من …. حمی بین الولایة من بعید
والترتیب الزمنی للأختام الأربعة هو کالتالی: أولهم سیدنا محمد خاتم المرسلین صلى الله علیه وعلى آله وسلم، والآخرون من حسناته. ثم خاتم الولایة المحمدیة وصرح الشیخ الأکبر بأنه هو فی العدید من نصوصه تصریحا وتلویحا. ثم فی آخر الزمان خاتم الأقطاب الاثنی عشر الذین علیهم مدار العالم وهو المسمى بشمس البیت أی الإمام المهدی من آل بیت النبی صلى الله علیه وعلى آله وسلم وقد خصص الشیخ له الباب 366 من الفتوحات وهو منزل سورة الکهف وعنوانه: "فی معرفة منزل وزراء المهدی الظاهر فی آخر الزمان الذی بشر به رسول الله وهو من أهل البیت المطهر" .
وذکره أیضا فی الباب 463 بدون أن یصرح به وقال عنه أنه على قدم نوح علیه السلام و سورته (یس) وهو أکمل الأقطاب حکما لجمعه بین الخلافتین الظاهرة والباطنة ولو کان ثم قطب على قدم سیدنا محمد صلى الله علیه وسلم لکان هذا القطب.
وأما الختم الرابع فهو عیسى علیه حین یزل فی آخر الزمان یختم الله به الولایة العامة وخصص الشیخ له الباب "557" وهو الباب الذی ختم به أبواب هجرات الأقطاب من الفصل السادس فی الفتوحات.
والخامس والأخیر هو الذی ذکره الشیخ فی آخر هذا الفص الشیثی حیث یقول: (وعلی قدم شیث یکون آخر مولود یولد من هذا النوع الإنسانی. وهو حامل أسراره، ولیس بعده ولد فی هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ویخرج بعدها فیکون رأسه عند رجلیها. ویکون مولده بالصین. ولغته لغة أهل بلده. ویسری العقم فی الرجال والنساء فیکثر النکاح من غیر ولادة. ویدعوهم إلى الله فلا یجاب. فإذا قبضه الله تعالى وقبض مومنی زمانه بقی من بقی مثل البهائم لا یحلون حلالا ولا یحرمون حراما، یتصرفون بحکم الطبیعة شهر
محردة عن العقل والشرع فعلیهم تقوم الساعة) .
کلام الشیخ فی هذه الفقرة یذکر بحال عیسی علیه السلام عندما ینزل فی آخر الزمان.
فشیث وعیسى علیهما السلام یشترکان فی النفث الروحانی اللوحی من النفس الرحمانی بالکلمات اللفظیة وإمداد المواهب والعطایا وحفظ الولایة فی مقام القریة الذی کان شیث فاتحا لها بعد آدم علیه السلام و عیسی خاتمها عند نزوله فی آخر الزمان.
وعیسى هو أخر مولود من هذا النوع الإنسانی من أنواع الولادة فآدم خلق من غیر ذکر وأنثى، وحواء خلقت من ذکر هو آدم، وأبناؤهما خلقوا من ذکر وأنثى، وأخیرا عیسی خلق من أنثى بنفخ جبریل علیه السلام.
وحواء أم شیث هی أیضا أخت له لأن أباهما آدم وانبعاثهما منه یناسب انبعاث قوتی اللوح من القلم.
فحواء تناسب القوة العملیة للنفس الکلیة إذ منهما تظهر أعیان الصور، وشیث یناسب القوة العلمیة للوح إذ منهما نعلم المقادیر والأوزان وتوهب العطایا. وکذلک عیسى ومریم.
فحیث أنه لیس لعیسى أب بشری فکان عمران جده لأمه هو أب له ولأمه فهی کالأخت له خرجت قبله ورأسه عند رجلیها لبره بها .وهو القائل: " وبرا بوالدتی " 32 سورة مریم .
وذکر الشیخ السریان العقم فی الرجال والنساء فی آخر الزمان إشارة إلى غایة إعداد القوتین العلمیة والعملیة من اللوح عند قیام الساعة .
وذکر الشیخ للصین کمولد هذا الخاتم یشیر إلى علاقة متمیزة بین الملة الصینیة الأولى وشیث ذکرناها فی مفاتیح الفصوص.
ووجود الصین فی أقصى الشرق یناسب ظهور عیسى فی زمن أقصى دورة الملک قبل ظهور الرسول الخاتم صلى الله علیه وسلم
وظهوره فی آخر الزمان خاتما للولایة العامة (یلاحظ أن عدد کلمة: صین هو نفس عدد کلمة: عیسى وهو 150 بحساب الجمل المشرقی الکبیر، و15 بالصغیر).
وقوله: (فإذا قبضه الله تعالى وقبض مؤمن زمانه بقی من بقی مثل البهائم...) مناسب للأحادیث النبویة التی نصف عیسى فی آخر الزمان الحدیث الطویل الذی رواه الشیخ فی باب منزل المهدی من الفتوحات (فتوحات الجزء الثالث ص 331) وفی آخره یتکلم عن عیسى والمومنین بعد قتل الدجال ویاجوج وماجوج وختمه بقوله: (فبینما هم کذلک إذ بعث الله ریحا فقبضت روح کل مؤمن ویبقى سائر الناس یتهارجون کما یتهارج الحمر فعلیهم تقوم الساعة).
لکن القول بأن خاتم الأولاد الشیثی هو عیسى علیه السلام یرفضه بعض شارحی الفصوص کبالی أفندی الذی یقول: ومن قال إن هذا الولد هو عیسى علیه السلام فقد أخطأ فی الظاهر والباطن.
وقد تکلمنا فی کتاب (مفاتیح فصوص الحکم) على الظل الظلمانی للإمداد الشیثی واستمراریته عبر تاریخ أجبال البشریة فی الولایة الشیطانیة التی خانها الأمور المسیخ الدجال الذی یقتله المسیح علیه السلام فی آخر الزمان.
وفی القرآن الکریم وردت کلمة: (النفاثات فی سورة الفلق متعلقة بالسحر والنفوس الشیطانیة أی الجانب الظلمانی الأسفل للحکمة النفثیة. و للشیخ کلام نفیس حول أنوار وشرور عالم الترکیب الخلقی الأسفل فی الباب 271 من الفتوحات وهو لمنزل سورة الفلق.
وأشرنا إلى. علاقة الإمدادین النورانی و الظلمانی برمزیة حرف النون بشطریه العلوی الغیبی والسفلی المشهود المتقلب بین لیل ونهار والممتزج نوره بالظلمات. وحیث أن عدد النون هو 50 -وهو یشیر إلى حفظ الإمداد - فمجموع عددی شطری دائرة النون الکلیة هو 100 وعنه یقول الشیخ فی کتابه: (المیم والواو والنون): (فالنون مائة لمائة اسم إلهی لمائة درجة جنائیة نعیمیة إن کان سعیدا، لمائة حجاب إلهی لمائة درک ناری عقابی إن کان شقیا).
وکما ابتدأ إمداد العطایا والهبات ووراثة الخلافة الآدمیة من شیث کذلک انتهت بولی على قدمه.
فناسبت بدایة انبعاث الأنفاس الرحمانیة فی الحضرات الإنسانیة غایتها لأن سریان ذلک النفس عبر أنفاس الکمل من الأمة المحمدیة هو نفس رجوع وعروج إلى الأصل عندما انتهى إلى غایته فی الإنسان الأکمل سیدنا محمد صلى الله علیه وعلى آله وسلم بعد سریانه عبر حضرات الأنبیاء السابقین.
وقد أعطى القاشانی تأویلا لهذه الفقرة حول خاتم الأولاد وهو أن آخر مولود من النوع الإنسان یعنی النفس الناطقة أو القلب .
وهو مظهر النفس الکلیة فی کل إنسان وأخته المولودة معه هی النفس الحیوانیة التی تظهر فی النشأة قبل النفس الناطقة فهی تخرج للظهور قبل القلب.
والصین حیث یولدان هی آخر مراتب الوجود أی عین الإنسان وآخر ما یظهر فی نشأته النفس الحیوانیة ثم الناطقة.
فإذا کان رأسه عند رجلی أخته أی إذا تغلبت حیوانیة الإنسان على قلبه فإن أهل زمانه لا یستجیبون لدعوته، أی أن بقیة قوى النفس والجوارح لا تنقاد للحق.
فإذا قبض الله ذلک الولد ومؤمن زمانه أی إذا کان حکم القلب وقوى الروح حکما مقبوضا أی ضعیفا لا أثر له فلا یبقى فی الإنسان إلا حکم الطبیعة الحیوانیة بقواها الفاعلة والمنفعلة المناکحة والعقیمة لأنها لا تستطیع أن تلد أمرا فیه الروح لخلوها من مدد الروح.
وخاتم الأولاد مع أخته هما صورة إنسانیة للتوأمین فی کل مراتب الوجود أی لزوجیة الفعل والانفعال والمنفعلة لها القبلیة لأن بوجودها یکون الفاعل فاعلا فرأسه عند رجلیها.
فمن هذه التوائم فلکا البروج والمنازل وفلکا الکرسی والعرش، ومرتبتا الهباء والطبیعة.
وصفتا العلم والعمل فی النفس، ومقاما اللوح والقلم وهما کخاتم الأولاد وأخته آخر ما یظهر من المخلوقات صعودا .
لأنهما الأولان نزولا فی النفس الرحمانی کحرفی الماء والهمزة فی النفس الإنسان المتولدین فی أقصى مخارج الحروف کاللوح والقلم فی أقصى مراتب الوجود کالصین فی أقصى الشرق...
وأهل ذلک الملکوت الأعلى هم الأرواح المهیمة تحت فعل تجلیات الأسماء الإلهیة وهم لا یستجیبون لدعوة داع لعدم شعورهم به وبغیره.
وانفعالهم لتلک التجلیات انفعال عقیم فلا ینبعث منهم أی مولود بخلاف العقل الأول، لفنائهم تحت سلطان جلال العظمة.
فالمهیمون تحت تصریف حکم الطبیعة العمائیة الأسمائیة.
مقامهم بجرد عن حکم العقل و شرع اللوح.
وعلیهم تقوم الساعة إذ لا زمان هناک وما فوقهم إلا ظهور الحق تعالى لذاته بذاته فی ذاته.
وقد تکلم الشیخ فی الباب 11 من الفتوحات عن التوائم المتولدة من النکاح الساری فی جمیع الذراری فقال ما خلاصته: (کل موثر آب. وکل مؤثر فیه أم وکل نسبة بینهما معینة نکاح.
وکل نتیجة ابنه فأول الآباء العلویة الساری هو الاسم الجامع الأعظم الذی تتبعه جمیع الأسماء. وأول الأمهات شیئیة المعدوم الممکن. وأول نکاح القصد بالأمر. وأول ابن موجود عین تلک الشیئیة المذکورة لقوله تعالى: "إنما قولنا لشیء إذا أردته أن تقول له کن فیکون"40 سورة النحل.
وأول ظاهر من الأبناء العقل الأول وکان مؤثرا فیه بما أحدث الله فیه من انبعاث اللوح المحفوظ عنه کانبعاث حواء من آدم فی عالم الأجرام.
فکان بین اللوح والقلم نکاح معنوی معقول وأثر حسی مشهود ومن هنا کان العمل بالحروف الرقمیة عندنا وکان ما أودع اللوح من الأثر مثل الماء الدافق الحاصل فی رحم الأنثى، وما ظهر من تلک الکتابة من المعانی المودعة فی تلک الحروف .
بمنزلة أرواح الأولاد المودعة فی أجسامهم.
وکان مما أوجد الله فی اللوح صفتان :
صفة علم فاعلة وصفة عمل منفعلة ما تظهر صور العالم.
وکان مما ألقى القلم فی اللوح الطبیعة والهباء.
فکان أول أم ولدت توأمین فأول ما ألفت الطبیعة ثم تبعتها بالهباء.
فأنکح الطبیعة الهباء فولد بینهما صورة الجسم الکلی وهو أول جسم ظهر.
ثم نزل التوالد فی العالم إلى التراب على ترتیب مخصوص ذکرناه فی کتابنا (عقلة المستوفر).
وفی ذکر الشیخ للطبیعة فی ختام هذا الفص تمهید لفص نوح الموالی الذی له مرتبة الطبیعة. 2 - سورة فص شیث علیه السلام
موضوع هذا الفص هو العطایا والمنح الربانیة والهبات الإلهیة ومعنى "شیث" هبة الله.
والکلمات الأکثر تکرارا فی الفص مشتقة من العطاء والمواهب، هذا العطاء بجده فی سورة "الضحى" . "وَالضُّحَى (1) وَاللَّیْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَکَ رَبُّکَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَیْرٌ لَکَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَى (5) " فهذه کلها منح وبشائر تلاها بأعظمها " ولسوف یعطیک رئک فترضى ".
ثم عدد مواهبه له فقال : " أَلَمْ یَجِدْکَ یَتِیمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَکَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَکَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)" .
فسورة هذا الفص هی: سورة "الضحی".
وتکلم الشیخ فی أوائل الفص عن السؤال والمسؤول من الآیة 10 : "وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) ". وأعظم المواهب فی مقامات الولایة والرسالة مقام الختمیة.
ولهذا تکلم الشیخ طویلا فی هذه الفص عن الختمیة من الآیة الحالمة لها:"وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّکَ فَحَدِّثْ (11) ".
فتحدث عن اختصاصه بالختمیة المحمدیة التی أنعم ربه ها علیه کما أنعم على سیدنا محمد بختمیة الرسالة.
فمرتبة خانم الولایة مرتبة الصدر فی فلک الولایة المحیط، کما أن شیث له مرتبة الصدر فی الملة الآدمیة و کالضحى الذی هو صدر النهار ...
وقد جعل الشیخ عنوان الفقرة التابعة لسورة الضحى" فی الباب "559 - فتوحات : "یبدی الأسرار صدر النهار " لأن الصدر کما عرفه فی الباب 211 "المخصوص بسورة "الضحى" هو أنه فی المرتبة الثانیة من کل صورة سواء کانت الصورة جنسیة أو نوعیة أو شخصیة".
وجعل الشیخ هذا الباب "211 فتوحات " تحت عنوان: "منزل صدر الزمان وهو الفلک الرابع".
أی فلک الشمس القطبی المناسب لمقام خاتم الأولیاء الذی یبدی الأسرار وله الرتبة الثانیة بعد خاتم الرسل، و لشیث الرتبة الثانیة بعد آدم علیهم السلام، فمقامه کمقام الشمس عند إشراقها لا شروقها.علاقة هذا الفص بسابقه الفص الآدمی :
علاقة فصی آدم و شیث تظهر فی مسألة العطایا ومسألة الختمیة ومسألة الصدر :
فأعظم العطایا هی التی منحها الله لآدم الخلیفة وذریته، فبه ختمت المراتب.
فعطاء الختمیة فی فص شیث من "الضحى" أورده الشیخ فی وسط نص آدم حین قال: (فهو من العالم کفص الخاتم من الخاتم... کما یحفظ الختم الخزائن... فکان ختما على خزانة الأخرة ختما أبدیا).
وإذا کان شیث هو صدر ملة آدم، وله صدر النهار من سورة الضحى"، فآدم هو صدر الدنیا حسب ما ذکره الشیخ فی الباب "291 فتوحات"
فقال: (وصدر النهار إشراق الشمس لا شروقها... وصدر الدنیا وجود آدم)، وصدر العالم اللوح لأنه الثانی بعد القلم.
وفی فص شیث یشیر الشیخ إلى أن علاقته بفص آدم هی کعلاقة اللوح بالقلم فیقول: (لأن الولد سر أبیه فما أتاه غریب لمن عقل عن الله).
وأول من عقل عن الله تعالى العقل الأول أو قلم سورة العلق، وهو أول مظاهر المخاطب فی سورة الضحى بـ "ولسوف یعطیک ربک فترضى" صلى الله علیه وآله وسلم.