عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة الرابعة و العشرون:


کتاب المفاتیح الوجودیة والقرآنیة لفصوص الحکم عبد الباقی مفتاح 1417هـ :

03 -  لفص حکمة سبوحیة فی کلمة نوحیة

المرتبة 03 – لفص حکمة نوحیة فی کلمة توحیة من الاسم الباطن ومرتبة الطبیعة وحرف العین ومنزلة الثریا بین برجی الحمل و الثور

لیس بعد غایة الظهور عند الاسم الآخر إلا الباطن. فظهر الاسم الباطن فی المرتبة الثالثة متوجها على إیجاد الأم الکبرى أی الطبیعة.

والثلاثة أول الأفراد الجامعة بین الوتر الفاعل والشفع المنفعل هی مرتبة الإیجاد کما فصله الشیخ فی فصی صالح وسیدنا محمد علیهما الصلاة والسلام.

فالثلاثة فی تمام المناسبة للطبیعة التی هی محل الانفعالی للأمر الإلهی وفی هذا المعنى یقول الشیخ فی الباب 510 من الفتوحات: ... وتمم بقوله: (فقنا عذاب النار) (آل عمران، 191) ولیست إلا الطبیعة فی هذه الدار فإما محل الانفعال فیها الأفا لأمر الحق بمنزلة الأنثى للذکر ففیها یظهر التکوین أعینی تکوین کل ما سوى الله. وهی أمر معقول فلما رأى من رأى قوة سلطانها وما علم أن قوة سلطانها إنما هو فی قبولها لما یکونه الحق فیها فنسبوا التکوین لها وأضافوه إلیها ونسوا الحق فأنساهم أنفسهم إذ صرفهم عن آیات نفوسهم .

وهو قوله: "سأصرف عن آیاتی الذین" (الأعراف، 146) ووصفهم الحق.

فانقسم الخلق إلى قسمین :

قسم إلى الحق الصرف

وقسم إلى الطبیعة الصرف

وظهر بینهما برزخ ظهر فیه عالم ما هو ولا واحد من هذین القسمین فرأی ما یستحقه الحق فأعطاه حقه ولو لم یعطه فهو له ورای ما تستحقه الطبیعة فأعطاها حقها ولو لم یعطها فهو لها فإن الطبیعة لیست مجعولة بل هی لذاتها فی العقل لا فی العین کما هو الحق لذاته فی العقل والعین" ...".

وذلک لیکون الحکم فی الخلق بین الوجود والعدم فیقبل العدم من حیث الطبیعة ویقبل الوجود من جانب الحق"... " فللطبیعة القبول وللحق الوهب والتأثیر فی الأم العالیة الکبرى للعالم الذی لا یرى العالم إلا آثارها لا عینها.

کما أنه لا یرى أیضا من الحق إلا آثاره لا عینه فإن الأبصار لا تدر که والرؤیة لیست إلا بها فهو المجهول الذی لا یعلم سواه وهو المعلوم الذی لا یمکن لأحد الجهل به وإن لم یعلم ما هو.

من هذا النص یفهم لماذا اقترنت الطبیعة بالباطن إذ کلاهما ترى آثاره لا عینه.

ومن جهة أخرى لأن بطون الأرحام الطبیعة هی محال التکوین حسبما ذکره الشیخ فی حضرة البطون من الباب 558 من الفتوحات حیث یقول ما خلاصته.

البطون الذی وصف نفسه به إنما هو فی حقنا فلا یزال باطنا عن إدراکنا إیاه حسا ومعنى فإنه لیس کمثله شیء.

ولما کانت البطون محال التکوین والولادة و عنها ظهرت أعیان المولدات اتصف الحق بالباطن فظهر العالم عنه فنحن مبطونین فیه فخذ ذلک عقلا لا وهما لأنک إن أخذته خیالا ووهما رد علیک قوله:" لم یلد" (الإخلاص، 3) إلى آخر ما فصله. وحیث أن فی الطبیعة تظهر أعیان الأجسام والمولدات فأنسب الحروف لها هو الحرف اللفظی الثالث حرف العین.

ولحکم الاسم الباطن على هذه المرتبة العینیة الطبیعیة الثالثة تکرر فی هذا الفص الثالث الاسم الباطن مع أخیه الظاهر .

کما تکررت کلمة الطبیعة عدة مرات وکذلک ترددت الألفاظ المتعلقة بالبطون وعناصر الطبیعة .

مثل: الستر، الغیب، اللیل، الغفر، النار، الماء.

فهو یقول مثلا: "وبشر المخبتین الذین خبت نار طبیعتهم فقالوا إلها و لم یقولوا طبیعة...

فلو أخرجهم إلى السیف سیف الطبیعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفیعة رب اغفر لی ولوالدی من کنت نتیجة عنهما وهما العقل والطبیعة".

وحیث أن الباطن هو الذی لیس کمثله شیء فلا تدرکه الأبصار فإن حکمة هذا الفص سبوحیة لأن التسبیح تتریه.

هذا التنزیه الذی ظهر به نوح علیه السلام لانحراف قومه نحو التشبیه المطلق.

فنوح علیه السلام  هو مظهر التسبیح فی الإنسان الکامل وقطب مرتبة الطبیعة المتحقق بالاسم الباطن.

وقد ورد فی الحدیث الشریف ما یدل على هذا المقام النوحی وذلک فی وصیته لابنه سام حیث لم یرشده إلا إلى التوحید والتسبیح فقد روى الإمام أحمد (إن نبی الله نوحا الا لما حضرته الوفاة قال لابنه: إنی قاص علیک وصیة , آمرک باثنتین وأنهاک عن اثنتین: أمرک بلا إله إلا الله فإن السماوات السبع والأرضین السبع لو وضعت فی کفة و وضعت لا إله إلا الله فی کفة رجحت بهن لا إله إلا الله. وسبحان الله وبحمده فإن بها صلاة کل شیء وما یرزق الخلق. وأنهاک عن الشرک والکبر) انتهى، وسمی الشیخ نوحا فی الباب 14 من الفتوحات بالبکاء أی کثیر البکاء والنوح، الموافق لاسمه نوح . وروی عن جعفر الصادق رضی الله عنه أن اسم نوح عبد الغفار لقوله فی آخر آیة من سورته "رب إغفر لی ولوالدی ولمن دخل بیتی مؤمنا وللمؤمنین والمؤمنات ولا تزد الظالمین إلا تبارا " (نوح: 28) والغفر هو الستر والإبطان.

وکان الغالب على نوح علیه السلام الجلال کما غلب على إبراهیم علیه السلام الجمال .

لأن مدد نوح من الباطن أی جلال التنزیه ومدد إبراهیم کما سبق فی فصه من الظاهر أی جمال الخلة، و لنوح حرف العین ولإبراهیم حرف الغین.

وظهر حکم الطبیعة جلیا فی نوح بفیضان دموعه کما فاضت الطبیعة فی زمنه بالطوفان الأکبر.

والطبیعة تتمیز بعدم الاعتدال أی غلبة بعض الأرکان على الأخرى، ولهذا تکلم الشیخ فی هذا الفص عن غلبة التنزیه أو غلبة التشبیه وبین أن الکمال هو فی الاعتدال أی فهود البطون التنزیهی فی عین الظهور التشبیهی والعکس أیضا.

لکن عدم الاعتدال هو نفسه مظهر لازم من مظاهر الکمال وهذا هو مقام الطبیعة النوحیة.

یقول الشیخ فی الفصل 13 من الباب 198 وهو فصل الطبیعة ما خلاصته: (الطبیعة للکائنات الطبیعیة کالأسماء الإلهیة تعلم وتعقل وتظهر آثارها ولا عین لها من خارج.

کذلک الطبیعة تعطی ما فی قوتها من الصور ولا وجود لها من خارج فما أعجب مرتبتها وما أعلى أثرها فهی ذات معقولة بمجموع أربع حقائق یسمى أثرها فی الأجسام حرارة ویوسة وبرودة ورطوبة کالحیاة والعلم والإرادة والقول فی النسب الإلهیة.

فالحیاة تنظر إلى الحرارة.

والعلم ینظر إلى البرودة.

والإرادة تنظر إلى الیبوسة.

والقول ینظر إلى الرطوبة.

والطبیعة تعطی من أنفاس العالم ما تقع به الحیاة فی الأجسام من نمور حس لا غیر ذلک.

وأما حیاة العلم فمن عین النور الإلهی والنفس الرحمانی.

ولما کان لها وجود أعیان الصور کان لها من الحروف العین لأن الصور الطبیعیة لا روح لها من حیث الطبیعة وإنما أرواحها من الروح الإلهی، وکان لها وجود الثریا وهی سبع کواکبه لأن الطبیعة فی المرتبة الثالثة وهی أربع حقائق فکان من المجموع سبعة وظهرت عنها الثریا وهی سبعة أنجم، کما کان للعقل ثلاث نسب ووجوه فوجدت عنه الکثرة وظهرت عنه الشرطین ثلاثة أنجم .

والنفس مثل العقل فی ذلک وظهر عنها البطین ثلاثة أنجم و من کون النفسی ثانیة کان البطین فی المرتبة الثانیة من الشرطین. وعن هذه السبعة التی ظهرت فی الطبیعة ظهرت المسبعات فی العالم وهی أیضا السبعة أیام فی الجمعة.

والطبیعة لا تثبت على حالة واحدة فی الصور فلا سکون عندها.

ولهذا فالاعتدال فی الأجسام الطبیعیة العنصریة لا یوجد ولو کانت الطبیعة تقبل المیزان على السواء لما صح عنها وجود شیء ولا ظهرت عنها صورة.

بل لا بد من ظهور بعض حقائقها على بعض لأجل الإیجاد ولولا ذلک ما تحرک فلک ولا سبع ملک ولا وصفت الجنة بأکل وشرب وظهور فی صور مختلفة ولا تغیرت الأنفاس فی العالم جملة واحدة.

وأصل ذلک فی العلم الإلهی کونه تعالى کل یوم هو فی شأن والیوم الزمن الفرد والشأن ما یحدث الله فیه فمن أین یصح أن تکون الطبیعة معتدلة الحکم فی الأشیاء ولیس لها مستند فی الإلهیات) انتهى.

وهکذا ظهرت الکلمة النوحیة فی فصل الطبیعة فظهر عدم الاعتدال فی إدراک الحقائق عند أمته.

فغلب علیها التشبیه فکانوا أول أمة عبدت الأصنام وقالوا: "لا تذرن آلهتکم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا یغوث ویعوق ونسرا " (نوح، 23) فهذه خمسة أصنام لهم جعلوها على صور خمسة رجال صالحین وظنوا أنهم یتقربون إلى الله تعالى بعبادتهم.

وعددهم على عدد الأرکان الطبیعیة ومظاهرها العنصریة أی:

النار والهواء والماء والتراب والرکن الخامس الذی هو أصل هذه الأربعة ویسمیه البعض: الأثیر، ویسمیه آخرون الأم الأصلیة کنایة عن الطبیعة.

وهو الاسم الذی اختاره الشیخ حیث یقول فی الباب 11 من الفتوحات ما خلاصته: (فالأرواح کلها آباء والطبیعة أم لما کانت محل الاستحالات. وجاء شرعنا أکمل الشرائع حیث جرى مجرى الحقائق الکلیة فاقتصر الرجل على أربع نسوة فی النکاح الموقوف على العقد کعدد الأرکان الطبیعیة .

وأباح ملک الیمین فی مقابلة الأمر الخامس الذی هو أصل تلک الأربعة وهو المسمى بالطبیعة فإنها معقول واحد عنها ظهرت المتنافرات کالنار مع الماء والهواء مع التراب).

وقول الشیخ فی هذا الفص عن المخبتین أنهم هم الذین (خبت نار طبیعتهم فقالوا إلها ولم یقولوا طبیعة) یشیر إلى غلبة نار الطبیعة على قوم نوح وللنار شدة الظهور فمالوا إلى التشبیه المطلق.

والمنافر للنار الماء أی غلبة التنزیه البطونی ولهذا کان هلاکهم بالماء والنار، لأن هلاک کل شخص هو عین انحرافه.

قال تعالى: "مما خطیئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا" (نوح، 25) ، ولإخراجهم من نار التشبیه المطلق دعاهم نوح إلى ماء التنزیه من الاسم الباطن الغفار .

فقال: " استغفروا ربکم إنه، کان غفارا" (نوح، 10) و قرنه بالماء الذی یطفی النار فقال :"یرسل السماء علیکم مدرارا" (نوح، 11) إلى قوله :"ویجعل لکم جنات ویجعل لکم أنهارا" (نوح، 12).  

فلغلو القوم فی التشبیه والشرک دعاهم نوع إلى التسبیح والتوحید، ولکن حیث أن الحکم فی هذه المرتبة للطبیعة وهی غیر معتدلة، لم یستجیبوا له.

فدعا علیهم بالهلاک وهو عدم اعتدال أیضا، لکنه لازم .

وأغرقوا بما به کفروا أی بماء التنزیه فأدخلوا نار شرکهم والتشبیه...

ولا یذوق العبد حقیقة الأمر إلا بانعتاقه من عقال فرقان زوجیة الظاهر والباطن إلى قرآن جمع الضدین فی عین الأحدیة.

ولن یصل هذه الدرجة الرفیعة إلا من تجاوز سیف الطبیعة حسب تعبیر الشیخ وجمع الضدین فی نفس العین تجلى عند نوح بفوران التنور الناری ماء.

یقول الشیخ فی سفر نوح من کتاب "الإسفار" ما خلاصته: (لما عرف نوح أن الطوفان الذی قدره الله قرب وقته وأنه یکون فی برج السرطان وهو مائی وهو الذی خلق الله الدنیا به وهو منقلب غیر ثابت أخذ ینشىء السفینة.

ولم تکن آیته فی الطوفان فإنه ربما أدرک ذلک بعض أصحابه من العلماء فشورک فیه، وإنما آیته التنور حیث أنذر قومه بأنه سیفور بالماء فسخروا منه لتحققهم أن النار لا تستحیل ماء أصلا.

وذلک لجهلهم بجوهر العالم وصوره فلو علموا أن النار صورة فی الجوهر والماء کذلک أیضا لما سخروا.

ولما کان الماء یماثل العلم فی کون الحیاة منهما حسما ومعنى أهلکوا بالماء لردهم العلم .

وکان من التنور لأنهم ما کفروا إلا بماء التنور وما ردوا إلا العلم الذی شافههم به على لسان تنور جسمه وما علموا أنه مترجم عن معناه الذی هو النور المطلق.

فانجبوا بماء التنور عن التنور وما علموا أنه النور ودخلت علیه تاء تمام النشأة بوجود الجسم فعاد تنورا أی (نورا تام الملک فهو نور النار مظهره) انتهى.

ولعلاقة المقام النوحی بالتنزیه اللاهوتی والتشبیه الناسونی فإن له نسبة خاصة مع عیسى علیه السلام الذی غلبت روحانیته على طبیعته العنصریة بحکم نشأته من نفخ جبریل علیه السلام.

فنوح هو أول الرسل إلى البشر وعیسى آخرهم قبل خاتمهم علیهم الصلاة والسلام. ونوح هو فاتح دورة الإنسانیة بعد الطوفان لقول الله تعالى عنه : "وجعلنا ذریته هم الباقین" (الصافات، 77) وعیسى هو خاتمها عند نزوله آخر الزمان.

ومن هذه المناسبات نجد الشیخ عبد الکریم الجیلی فی کتابه "الإنسان الکامل" یقول إنه اجتمع بنوح علیه السلام فی السماء الثانیة التی هی سماء عیسى، وهی سماء المزج الجامعة لکل الطبائع.

ویقول إن اسم رئیس ملائکتها: نوحائیل. ولهذا نجد أیضا الشیخ الأکبر فی کتاب "العبادلة" فی الباب الذی عنوانه: "عبد الله بن شیث بن عبد العظیم".

یقول: آدم و محمد أخوان.

ونوح وعیسى أخوان.

وإبراهیم وسلیمان أخوان.

وموسى وداود أخوان.

هکذا تم الأمر لنا فی الکشف وما عرفت المناسبة. فبالقلب طولعت به وأطلعت علیه) انتهى.

فنوح وعیسى أخوان لحکم الاسم الظاهر الباطن علیهما.

أو لحکم فرقان التشبیه والتریه عند أمهما.

و لعلاقتهما بالطبیعة من جهة و بالمقام الشیثی من جهة أخرى...

فعلاقة عیسی بشیث سیأتی ذکرها فی الفص التالی وهی تتعلق بنفث الأرواح فی الأجسام.

وأما علاقة نوح بشبث فلان لشیث مرتبة اللوح أی النفس الکلیة، و لنوح مرتبة الطبیعة التی هی البنت المباشرة للنفس.

والطبیعة هی الأم الکبرى مثلها مثل المرأة الکاملة مریم علیها السلام، فمریم هی المثل الإنسانی للطبیعة المنفوخ فیها نفس الرحمان.

وفی الطبیعة ظهر المقام النوحی کما ظهر عیسی من مریم فکأن أمهما واحدة.

وکما أن هناک علاقة أخرى روحانیة بین عیسى و إدریس قطب السماء الرابعة. فکذلک هناک علاقة تاریخیة مباشرة بین نوح وإدریس کعلاقة التوأمین الطبیعة و الهباء المتولدین من النفس والعقل .

أو کعلاقة الاسمین الأخوین الحاکمین على حکمتی فصیهما أی السبوح القدوس. ولهذا ختم الشیخ هذا الفص بقوله: (من أراد أن یقف على أسرار نوح فعلیه بالرقی فی فلک یوح) أی فلک الشمس فی السماء الرابعة حیث إدریس صاحب الفص التالی الرابع.

وفی الجملة إشارة أخرى للطبیعة وهی أن حکم الطبیعة یتکرر کل سنة بانتهاء دورة شمسیة بتعاقب الفصول الأربعة، أی من أراد أن یقف على أسرار الطبیعة فعلیه بالرقی إلى فلک الشمس ونتبع دورتها خلال سنة کاملة.

وهو ما قام به الشیخ خلال معراجه الروحانی واجتماعه بإدریس کما فصله فی کتاب "التنزلات الموصلیة".


03: سورة فص نوح علیه السلام

" أول جملة فی هذا الفص تلوح مباشرة لسورته. فالفص الوحید الذی افتح بقوله:

( اعلم أیدک الله بروح منه) هو هذا الفص.

یشیر بذلک إلى الآیة " تنزل الملائکة والروح فیها بإذن ربهم " (القدر، 4) سورة القدر .

فسورة القدر هی سورة هذا الفص الحاکم علیه الاسمان "السبوح" و "الباطن" المتوجه على إیجاد الطبیعة و منزلة الثریا وحرف العین.

فمناسبة سورة "القدر" مع "السبوح الباطن" مرجعها للیل الذی یرمز عند الشیخ للغیب . أی "الباطن وإلى القریة الذی علیه مدار حکمة هذا الفص.

والتسبیح تعظیم للقدر. فلیلة القدر لها نسبة تامة مع الاسمین.

وللنهار الظهور والتشبیه. ولهذا نجد الشیخ یکثر فی هذا الفص من الکلام حول الستر والغفر والکفر والغیب والحجب.

(حول العلاقة بین "الغفار" و"الباطن" أنظر الباب "559 - فتوحات " فصل: "حضرة إسبال الستور وهی للاسم الغفار و الغافر والغفور".

ومناسبة سورة "القدر" للطبیعة هی أن الطبیعة عند الشیخ هی الأم الکبرى لجمیع الصور الوجودیة .

والفاعل فیها هو روح الأمر الإلهی بالتکوین، فهی کلیلة القدر الی: " تنزل الملائکة والروح فیها بإذن ربهم من کل أمر ".

ولهذا تجد الشیخ فی الباب "446"  الفتوحات یقرن اللیل بالطبیعة فیقول:

(فمن کان خلقه القرآن من ورثته وأنشأ صورة الأعمال فی لیل طبیعته فقد بعث محمد صلى الله علیه وسلم من قیره) .

ولهذا أیضا نجد الشیخ فی الباب "287" الفتوحات  المخصوص .بمنزل سورة القدر: یشبه لیلة القدر بالمرأة الرائعة الجمال ویقرنها بعالم الأمر الباطن فیقول:

شخص الزمان له نفس تدیره   ….. غیدا معطرة من عالم الأمر

جیم وعین وفاء من منازلها   ….. جاءت به رسله فی محکم الذکر

لها صلاتان من علم الغیوب وما  …. للظهر والعصر ذاک الفخر والفجر

فشخص الزمان هو السنة، والنفس التی ندبره فی لیلة القدر" أی الغیداء المعطرة بأنفاس الروحانیین والرحمة.

و الصلاتان هما المغرب والعشاء . وأشار بعلم الغیوب للیل أی لیلة القدر ولیل الهویة الباطنة المنزلة بالإنیة الإلهیة الظاهرة فی أول آیة هو إنا أنزلته فی لیلة القدر )

وهذا بدأ الشیخ هذا الباب" "بالکلام عن الإنیة ثم ذکر الهویة فقال: (فهذا منزل من منازل الغیوب لا ظهور له فی الشهادة). فالإنیة لها الظهور والفرقان والتشبیه والنهار، والهویة لها البطون والقرآن والتنزیه واللیل، فلتلک الإنیة من سورة "القدر" لیلة النصف من شعبان فلها التشعیب والتفصیل الفرقان.

ولتلک الهویة لیلة القدر فلها الجمع القرآنی لأن القدر فی اللغة هو التحدید والجمع. وإلى کل ذلک یشیر الشیخ فی هذا الفص حین یقول: (... والأمر قرآن لا فرقان... وهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد وهذه الأمة التی هی خیر أمة أخرجت للناس). فأشار بکلمة الأمر قرآن الأمر لیلة القدر التی خصت بها الأمة المحمدیة لأن نبیها فی الکمل کلیلة القدر فی اللیالی فهی أی أمته کذلک بالنسبة إلى الأمم الأخرى .

کما عبر عن ذلک البوصیری رحمه الله فی البردة: (بأکرم الرسل کنا أکرم الأمم).

فقوله: (خیر أمة أخرجت للناس) یشیر إلى الآیة: (خیر من ألف شهر).

قوله فی هذا الفص: (فالحق محدود بکل حد... إلا على قدر ما حصل لکل عالم من صورته) یشیر إلى القدر أی الحصر والحد.

وکلام الشیخ حول تدبیر الروح للصورة، وتدبیر الروح للجسد وتدبیر الحق تعالى للعالم مناسب لقوله فی الأبیات السابقة: (شخص الزمان له نفس تدیره) لأن أمور التصریف فی السنة کلها تعطی للمدبرات أمرا فی هذه اللیلة.

وهذا المعنى وضحه الشیخ فی الباب "م34" المخصوص بسورة الدخان التی أولها "حم (1) وَالْکِتَابِ الْمُبِینِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِی لَیْلَةٍ مُبَارَکَةٍ إِنَّا کُنَّا مُنْذِرِینَ (3) فِیهَا یُفْرَقُ کُلُّ أَمْرٍ حَکِیمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا کُنَّا مُرْسِلِینَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ (6)" سورة الدخان، 1-6.  

فقال: (سورة القدر تجمع ما تفرقه سورة الدخان). وسورة الدخان تفرق ما تجمعه سورة القدر.  فمن لا علم له بما شاهده یتخیل أن السورتین متقابلتان و لم یتفطن للمنزل الواحد الذی جمعهما ولم یتفطن لنشأته التی قامت من جمعها للمتقابلات الطبیعیة...

فسورة القدر کالجابیه لسورة الدخان إلى آخره. یشیر إلى أن لیلة قدر کل شخص هی عین نفسه، ولیلة القدر العظمى هی نفس "الإنسان الکامل" انظر هذا المعنى فی باب "سفر القرآن العزیز" من کتابه "الأسفار " .

وقوله: "قامت من جمعها للمتقابلات الطبیعیة" یشیر مرة أخرى إلى جمعیة لیلة القدر وعلاقتها الرمزیة مرتبة الطبیعة التی لها هذا الفص.

ویؤکد الشیخ هذه العلاقة فی الوصل الثامن عشر من الباب "369" -وهو الوصل الخاص بسورة القدر - فیجعل عنوانه "الوصل الثامن عشر من خزائن الجود یتضمن فضل الطبیعة على غیرها وذلک الشبهها بالأسماء الإلهیة... " إلى آخر الوصل، یشیر إلى الآیة فی لیلة القدر خیر من ألف شهر) القدر، 3)

وفی الفص إشارات أخرى للجمعیة القرآنیة للیلة القدر کقوله: "ومن جمع فی معرفته بین التنزیه والتشبیه بالوصفین على الإجمال... فقد عرفه مجملا لا على التفصیل کما عرف نفسه مجملا لا على التفصیل..."

وختم الفص بقوله: "ومن أراد أن یقف على أسرار نوح فعلیه بالرقی فی فلک یوح" أی من أراد أن یقف على أسرار هذا الفص المتعلق بسورة القدر وبالطبیعة ومنزلة الثریا وحرف العین فعلیه بالرقی فی فلک الشمس لأن لیلة القدر، وطبیعة اللیل والنهار والفصول والشهور، متعلقة بدورها، وبطلوعها تنتهی لیلة القدر، ولهذا ختم الشیخ الأبیات السابقة بکلمة الفجر إشارة إلى آخر کلمة من سورة القدر.

وموقع لیلة القدر مرتبط بالدورتین الشمسیة والقمریة وإلیه أشار فی الباب الخاص بالصوم.

وفیه یقول: "وجعل سبحانه إضافة اللیل إلى القدر دون النهار لأن اللیل شبیه بالغیب.

والتقدیر لا یکون إلا غیا، لأنه فی نفس الإنسان ... فهی لیلة یفرق فیها کل أمر حکیم. فیتزل الأمر إلینا عینا واحدة، ثم یفرق فیها بحسب ما یعطیه من التفاصیل... وعلامتها محو الأنوار بنورها، وجعلها دائرة منتفلة فی الشهور وفی أیام الأسبوع".

وفی فصل: "الغسل یوم الجمعة من باب الصلاة - الباب 69" یقول عن ساعة الإجابة یوم الجمعة وهی آخر ساعة فیه: "وهذه الساعة فی یوم الجمعة لیلة القدر فی السنة سواء" وهی إشارة فی غایة النفاسة کرر الشیخ التلویح إلیها فی آخر الباب 32.

والاسم "الباطن" کما هو متوجه على إیجاد الطبیعة، فهو أیضا متوجه إلى منزلة الثریا التی ثلتها الأول یقع تحت برج الحمل وهو برج شرف الشمس، وموقع هذا الشرف فی دائرة الفلک هو أشرف موقع فله نسبة کاملة مع شرف لیلة القدر، وقد حقق بعض علماء الفلک أن مولد رسول الله وقع لما دخلت الشمس تلک الدرجة الشریفة والله أعلم.

وللعلاقة بینه صلى الله علیه وسلم وبین لیلة القدر بعد الشیخ فی الباب: 432 الخاص بمنازلة فاتحة الکتاب التی هی سورته لا یتکلم عن جمعیة لیلة القدر وعلاقتها بالطبیعة یقول: "فأنت لیلة القدر لأنک من طبیعة وحق... فهی جامعة لکل أمر فهی العامة فی جمیع الموجودات".

علاقة هذا الفص بسابقه ولاحقه


ختم الشیخ فص شیث السابق بقوله عن بشر آخر الزمان: "یتصرفون بحکم الطبیعة" ورأینا من رموز الطبیعة لیلة القدر. 

فهذا القول تمهید للدخول فی فم نوح أو فص سورة القدر التی تتنزل فیها الروح.

 فبدأ فص نوح بقوله: "أعلم أیدک الله بروح منه".

والفقرة الأخیرة منه مشحونة بکلمات تفید الستر والظلام کقوله: "ولا تزد الظالمین من الظلمات أهل الغیب المکتشفین خلف الحجب الظلمانیة".

فهی تلویح للدخول إلى فلک یوح حیث إدریس قطب فلک الشمس أم اللیل والنهار، أی تلویح بالدخول إلى منزل سورة اللیل التی منها مدد فص إدریس التالی