عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة السابعة عشر :


نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشیخ عبد الرحمن أحمد الجامی 898 هـ :

الفص الإبراهیمی

5 - نقش فص حکمة مهیمیة فی کلمة إبراهیمیة

«الهیمان» شدة العشق. وهو صفة تقتضی عدم انحیاز صاحبها إلى جهة بعینها بل إلى المحبوب فی أیة جهة کان، لا على التعیین وعدم امتیاز صاحبها بصفة مخصوصة تقیده .

وهذه المرتبة تحققت أولا فی الأرواح العالیة المهیمة : تجلى لهم الحق سبحانه فی جلال جماله، فهاموا فیه وغابوا عن أنفسهم، فلا یعرفونها ولا غیر الحق؛ وغلب على خلقیتهم حقیه التجلی، فاستغرقهم واستهلکهم.

وثانیا من کل الأنبیاء فی إبراهیم علیه السلام، حیث غلب علیه محبة الحق حتى تبرأ عن أبیه فی الحق وعن قومه وذبح ابنه فی سبیل الله وخرج عن جمیع ما له مع کثرته المشهورة لله .

وأیضا من شدة المحبة جعل یطلبه فی مظاهر الکواکب لظهور النوریة فیها، ومن غلبة الهیمان قال : "لئن لم یهدنی ربی لأکونن من القوم الضالین" [الأنعام: 79]، أی الحائرین فی جمال الحق.

وعند کمال الهیمان فنی عن نفسه، وتجلى له الحق، فبقی بالحق فی مقام الجمع والفرق.

وأدرکه فی مظاهر سماوات الأرواح وأرض الأجسام والأشباح.

فقال : "إنی وجهت وجهی للذی فطر السموات والأرض" [الأنعام: 79] بتجلیه الوجودی علیها وسریان ذاته فیها "حنیفا" [الأنعام: 79] مسلما فانیا عن الأفعال والصفات والذات فی أفعاله وصفاته وذاته. "وما أنا من المشرکین " [الأنعام: 79] المثبتین للغیر. لوجد أن الذات الإلهیة فی صور جمیع الأکوان بالکشف والعیان.

قد ظهر مما سلف وجه اختصاص حکمة التهییم بکلمة إبراهیم.

وإنما قرنها بالحکمة القدوسیة لأنه وجب أن یذکر بعد الصفات التنزیهیة السلبیة أحکام الصفات الثبوتیة ومراتبها وأول مظاهرها الإنسانیة لتکمیل مرتبة المعرفة بالذات. فإن السلوب لا تفید معرفة تامة أصلا.

وکان الخلیل علیه السلام أول مرة ظهرت بها أحکام الصفات الإلهیة الثبوتیة وأول من حاز التخلق بها.

فله أولیة الظهور بالصفات الإلهیة الثبوتیة ، بمعنى أنه بحقیقته کسا الذات بالصفات. ولهذه المناسبة ورد فی الصحیح، «إن أول من یکسی من الخلق یوم القیامة إبراهیم» ، لأنه الجزاء الوفاق .

ولما کان الخلیل علیه السلام متحققا بالفناء فی الحق سبحانه ، وکان المتوهم أن یتوهم أن الفانی لا شیء محض ، واللاشیء یستحیل أن یتصف بالصفات الثبوتیة - فکیف یتصف الخلیل علیه السلام بالصفات الإلهیة الثبوتیة؟

(لا بد من إثبات عین العبد.  وحینئذ یصح أن یکون الحق سمعه وبصره ولسانه ویده ورجله .

فعم قواه وجوارحه بهویته على المعنى الذی یلیق به سبحانه . وهذه )

دفعه الشیخ رضی الله عنه بقوله: (لا بد)، أی فی مقام الفناء فی الله، (من إثبات عین العبد) الفانی فیه وذاته ، إذ لیس المراد بـ «الفناء» ههنا انعدام عین العبد مطلقا ؛ بل المراد منه فناء جهة البشریة فی الجهة الربانیة.

إذ لکل عبد جهة من الحضرة الإلهیة، هی المشار إلیها بقوله تعالی : " ولکل وجهة هو مولیها" [البقرة: 148]. وذلک لا یحصل إلا بالتوجه التام إلى جناب الحق المطلق سبحانه، إذ به تقوی جهة حقیته، فتغلب جهة خلقیته إلى أن تقهرها وتفنیها، کالقطعة من الفحم المجاورة للنار : فإنها بسبب المجاورة والاستعداد لقبول الناریة والقابلیة المختفیة فیها تشتعل قلیلا قلیلا إلى أن تصبر نارا.

فیحصل منها ما یحصل من النار من الإحراق و الإنضاج والإضاءة وغیرها.

وقبل الاشتعال کانت مظلمة کدرة باردة.

وذلک التوجه لا یمکن إلا بالمحبة الذاتیة الکامنة فی العبد.

وظهورها لا یکون إلا بالاجتناب عما یضادها و یناقضها، وهو التقوى مما عداها. فالمحبة هی المرکب، والزاد التقوى.

وهذا الفناء موجب لأن یتعین العبد بتعینات حقانیة وصفات ربانیة ، وهو البقاء بالحق ؛ فلا یرتفع التعین منه مطلقا .

(وحینئذ)، أی و حین إذ أثبت عین العبد حال الغناء فی الله ، وبقی ببقائه سبحانه ولم ینعدم مطلقا، (یصح أن) ینضاف إلیه الأمور، ویکون الحق سمعه الذی به یسمع (وبصره) الذی به یبصر (ولسانه) الذی به ینطق ویده التی بها یبطش (ورجله) التی بها پمشی.

(فعم) الحق سبحانه وتعالى (قواه)، أی قوى العبد الظاهرة والباطنة ، (وجوارحه) وأعضاءه البدنیة (بهویته) الساریة فی الموجودات کلها (على المعنى الذی یلیق) ذلک المعنى! (به سبحانه).

یشیر رضی الله عنه إلى ما یخطر لبعض المحجوبین أن الحق تعالى، إذا کان عین سمع أو بصر أو غیر ذلک، کان محدودا بحده، وهو غیر محدود.

فنبه على أن عموم الحق قوى العبد وجوارحه إنما یکون على وجه یلیق به سبحانه، وهو أن یحیط بالکل ویستغرق الکل غیر منحصر فی الکل.

لم یغادر صغیرة ولا کبیرة إلا أحصاها بعینه، فکان عینها ولم یتعین فی عین على التعیین.

فلم یتحدد بحد مخصوص على التخصیص والتمییز ؛ فلم یدرکه حد، ولم یبلغه حصر، وإن کان محدودة بکل حدا (وهذه)، أی کون الحق سمع العبد وبصره وعمومه سائر قواه وجوارحه،

(نتیجة حب النوافل. وأما حب الفرائض، فهو أن یسمع الحق بک ویبصر بک. والنوافل، فهو أن تسمع به وتبصر به .  فتدرک بالنوافل على قدر استعداد المحل؛ ویدرک بالفرائض کل مدرک. فافهم)

فإنه غیر محصور فی ذلک. فافهم، إن شاء الله العزیز .

(نتیجة حب النوافل) وقربها فی السیر المحبى وتقدم السلوک على الجذبة وسبق الفناء على البقاء، حیث یتجلى الحق بالاسم «الباطن» ویکون آلة لإدراک العبد المتجلى له.

(وأما حب الفرائض) وقربها، أی نتیجتهما فی السیر المحبوبی وتأخر السلوک عن الجذبة وتقدم البقاء الأصلی على الفناء، حیث یتجلى الحق سبحانه بالاسم

"الظاهر"، ویکون العبد المتجلى له آلة لإدراک الحق المتجلی.

(فهو أن یسمع الحق بک) على أن یکون المدرک هو الحق سبحانه، وأنت آلة لإدراکه، (ویبصر بک) کذلک.

وأما حب (النوافل، فهو)، أی نتیجته، (أن تسمع به وتبصر به) على أن یکون الحق سبحانه آلة لإدراکک على عکس قرب الفرائض

اعلم أن الوجود الحق هو الأصل الواجب وهو الفرض؛ ووجود العالم - وهو العبد - نفل وفرع علیه.

فإذا ظهر الحق، خفی فیه العبد.

فکان العبد سمع الحق وبصره وسائر قواه وجوارحه، کما قال صلى الله علیه و سلم : «إن الله قال على لسان عبده: "سمع الله لمن حمده ".

"هذه ید الله"، والید ید محمد  صلى الله علیه و سلم، وکذلک هو الرامی حقیقة فی "إذا رمیت" [الأنفال:17].

فیده ید الحق. وهو الرامی لنفیه الرمی عن محمد  صلى الله علیه و سلم فی قوله : " ولکن الله رمى " [الأنفال: 17]، وإثباته الرمی للحق سبحانه بقوله : " ولکن الله " [الأنفال: ۱۷]. هذا قرب الفرائض،

وأما قرب النوافل، فهو کون الحق سبحانه محمولا فی إنیة العبد، مستورة باطنا فیه. فهو سمع العبد وبصره ولسانه وسائر قواه .

اعلم أن مراتب القرب - التی هی العلة الغائیة لرفع الموانع من وجهی العنایة بالجدیة والهدایة بالسلوک - منحصرة فی رتب أربع :

أولها رتبة المحبة المترتبة على الجذبة المعنیة بقوله: «ما تقرب أحد أحب إلی من أداء ما افترضته علیه»، أو على السلوک المعنیة بقوله: «ولا یزال العبد یتقرب إلی بالنوافل حتى أحبه.

والثانیة رتبة التوحید المبنیة على المحبة المعنیة بقوله: «فإذا أحببته کنت سمعه وبصره.

والثالثة رتبة المعرفة المعنیة بقوله : «فبی یسمع وبی یبصر وبی یعقل»، المعبر عنها فی لسان

القوم به مقام البقاء بعد الفناء».

والرابعة رتبة التحقیق، وهی رتبة الخلافة والکمال المشتملة على الجمیع، الجامعة بین البدایة والنهایة .

وأحکامهما وأحکام الجمع والتفرقة والوحدة والکثرة والحقیة والخلقیة والقید والإطلاق عن حضور من غیر غیبة ویقین بلا ریبة، ثم فوق کل ذلک طور الأکملیة المختصة بالحضرة المحمدیة.

(فتدرک) أنت (بالنوافل)، أی بسبب القرب الحاصل منها حیث کان الحق سبحانه آلة لإدراکک ، (على قدر استعداد المحل)، الذی هو أنت لتجلی الحق فیه بصفة السمع والبصر وغیرهما.

فإن تجلیه سبحانه بأی صفة کان لیس إلا بمقدار استعداد المتجلى له، لا على ما هو علیه فی حد ذاته .

فإن ذلک لا یسعه مجلی، ولا یضبطه مظهر .

کیف؟ ولو لم یکن الأمر کذلک، للزم أن یکون کینونة الحق سمع عبده و بصره وعقله واقعة على نحو ما هو الحق علیه فی نفسه.

فیرى العبد إذن کل مبصر ویسمع کل مسموع سمعه الحق وأبصره.

ولزم أیضا أن یعقل کل ما عقله الحق وعلى نحو ما عقله، ومن جملة ذلک، بل الأجل من کل ذلک، عقله سبحانه ذاته على ما هی علیه ، ورؤیته لها کذلک، وسماعه کلامها وکلام سواها أیضا کذلک.

وهذا غیر واقع لمن صح له ما ذکرنا ولمن تحقق بأعلى المراتب وأشرف الدرجات . فما الظن بمن دونه؟

(ویدرک) الحق سبحانه بک حیث تکون الله له سبحانه (بالفرائض)، أی بسبب القرب الحاصل منها.

وفی بعض النسخ "وتدرک" بصیغة الخطاب ، وحینئذ یکون من قبیل إسناد الفعل إلى الآلة، أی یدرک الحق بک ، أو تدرک أنت حیث تکون الله لإدراکه

(کل مدرک) من غیر اختصاص بشیء دون شیء؛ لأن المدرک حینئذ هو الحق سبحانه، فیسری حکم إحاطته إلى الآلة.

قال الشیخ رضی الله عنه: «إذا کنت مع الحق أینما کان فهو معک أینما کنت، فأنت الرجل».. وهذا من قرب الفرائض .

ولا یخفى علیک أن تلک الإحاطة الإدراکیة لا یمکن وقوفها إلا بالتدریج والقوة، لا دفعة وبالفعل، لما مر آنفا.

(فافهم)، فإنه دقیق و بالتأمل حقیق.

والله ولی الهدایة والتوفیق .