عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة الحادی والعشرون:


نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشیخ عبد الرحمن أحمد الجامی 898 هـ :

06 - فص حکمة حقیة فی کلمة إسحاقیة

قال : (اعلم أن حضرة الخیال هی الحضرة الجامعة الشاملة لکل شیء وغیر شیء .

فلها على الکل حکم التصویر، وهی کلها صدق وتنقسم قسمین:

قسم مطابق لما )

06 - فص حکمة حقیة فی کلمة إسحاقیة

لما کان أخص أحکام الصفقات السلبیة سلب الکثرة عن وحدة الحق سبحانه .

کانت الموجودات الصادرة عن الحق من حیثیة الصفات السلبیة التنزیهیة أقربها نسبة إلى الوحدة وأبعدها من مرتبة الظهور، وهی الأرواح.

بخلاف الصفات الثبوتیة : فإنه یجب أن تکون الموجودات الصادرة عن الحق من حیثها أقرب نسبة إلى الظهور وأتم تحققا به.

وقد سبق أن أول حامل وظاهر بأحکام الصفات الثبوتیة الخلیل علیه السلام، فلزم أن یظهر فی ولده - الذی هو نتیجته .

حکم عالم المثال، الذی إذا اعتبر مطابقته للواقع، یسمى «حقا».

فلذلک وصفت تلک الحکمة بـ «الحقیة»، واختصت الحکمة الحقیة بالکلمة الإسحاقیة، وقرن فضها بالقصر الإبراهیمی.

(اعلم أن حضرة الخیال)، یعنی المرتبة الجامعیة للصور المرتسمة فی القوة المتخیلة المتصلة بنشأة الإنسان وأی متخیل کان - ویسمى «مثالا مقیدا » أیضا، کما یسمى عالم المثال «خیالا مطلقا»؛ ونسبتها إلى حضرة المثال .

نسبة الجداول إلى النهر العظیم الذی منه تفرعت - (هی الحضرة الجامعة الشاملة لکل شیء) موجود فی الخارج (و) لکل (غیر شیء) موجود فیه، یعنی الموجودات والمعلومات کلها.

(فلها)، أی لحضرة الخیال، (على الکل)، أی على کل واحد من الموجود والمعدوم، (حکم التصویر) وقدرة عرضهما على النفس فی صور المحسوسات، نوما بالنسبة إلى عموم الناس ویقظة بالنسبة إلى بعضهم، سواء کان مع الغیبة عن الإحساس أم لا.

(وهی)، أی حضرة الخیال والصور المرتسمة فیه، (کلها صدق)، مطابقة للواقع، بشرط أن یکون انطباعها فی الخیال من الجهة العلویة أو القلب النورانی، لا من الجهة السفلیة.

فإن المعنى الکلی العلمی ینزل من أم الکتاب إلى عالم اللوح المحفوظ - وهو بمثابة القلب للعالم - ومنه إلى عالم المثال، فیتجسد فیه ؛ ثم إلى عالم الحس.

فیتحقق فی الشاهد: وهو المرتبة الرابعة من الوجود النازل من العالم

قال : ( صورته الصورة من خارج، وهو المعبر عنه بـ «الکشف» . وقسم غیر مطابق، وفیه یقع التعبیر ).

العلوی إلى العالم السفلی ومن الباطن إلى الظاهر ومن العلم إلى الکون. والخیال من الإنسان هو عالم المثال المقید، کما أن عالم المثال هو الخیال المطلق، أی خیال العالم، فللخیال الإنسانی وجه إلى عالم المثال - لأنه منه، فهو متصل به  ووجه إلى النفس والبدن.

وکلما انطبع فیه نقش من هذه الجهة السفلیة، وتمثلت فیه صورة، کان ذلک محاکاة لهیئة نفسانیة أو هیئة مزاجیة، أو لبخار یرتفع إلى مصعد الدماغ، کما للمحرورین وأصحاب المالیخولیا ولا حقیقة له ؛ ویسمى «أضغاث أحلام».

وکلما انطبعت فیه صورة من الجهة العلویة، أی من عالم المثال أو من القلب النورانی الإنسانی، فیتجسد فیه، کان حقا، سواء کان فی النوم أو فی الیقظة .

(وتنقسم) الصور المرتسمة فی حضرة الخیال (قسمین: قسم مطابق لما صورته) حضرة الخیال، (الصورة) الکائنة (من خارج)، أی من خارج ما فی حضرة الخیال.

یعنی یکون الصورة الخارجیة مطابقة لما صورته القوة المتخیلة.

(وهو)، أی القسم المطابق هو، (المعبر عنه به "الکشف المجرد") عن تصرفات القوة الخیالیة.

(وقسم) آخر (غیر مطابق) لما صورته الصورة من خارج، لأن القوة المصورة تصرفت فیه وألبسته صورة مناسبة له، وإن لم تکن مطابقة. وهذا القسم یسمیه بعضهم با «الکشف المخیل».

(وفیه)، أی فی القسم الغیر المطابق، (یقع التعبیر)، وهو الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر.

وللصدق والإصابة أسباب بعضها راجع إلى النفس، وبعضها إلى البدن، وبعضها إلیهما جمیعا :

أما الأسباب الراجعة إلى النفس کالتوجه التام إلى الحق سبحانه والاعتقاد بالصدق ومیل النفس إلى العالم الروحانی العقلی وطهارتها عن النقائص وإعراضها عن الشواغل البدنیة واتصافها بالمحامد لأن هذه المعانی توجب تنورها وتقویها.

وبقدر ما قویت النفس وتنورت، تقدر على خرق العالم الحسی ورفع الظلمة الموجبة لعدم الشهود.

وأیضا تقوی المناسبة بینها وبین الأرواح المجردة لاتصافها بصفاتها. فیفیض علیها المعانی الموجبة للانجذاب إلیها من تلک الأرواح، فیحصل الشهود التام.

ثم إذا انقطع حکم ذلک الفیض، ترجع إلى الشهادة متصف بالعلم، منتقشة بتلک الصور بسبب انطباعها فی الخیال .


قال الشیخ : (والناس هنا على قسمین: عالم ومتعلم . والعالم یصدق فی الرؤیا، والمتعلم )

والأسباب الراجعة إلى البدن صحته واعتدال مزاجه الشخصی ومزاجه الدماغی.

والأسباب الراجعة إلیهما الإتیان بالطاعات والعبادات البدنیة والخیرات واستعمال القوى وآلاتها بموجب الأوامر الإلهیة .

وحفظ الاعتدال بین طرفی الإفراط والتفریط فیه ودوام الوضوء وترک الاشتغال بغیر الحق دائما.

بالاشتغال بالذکر وغیره خصوصا من أول اللیل إلى وقت النوم.

وأسباب الخطأ ما یخالف ذلک من سوء مزاج الدماغ و اشتغال النفس باللذات الدنیویة واستعمال القوى المتخیلة فی التخیلات الفاسدة والانهماک فی الشهوات والحرص على المخالفات، فإن کل ذلک ما یوجب الظلمة وازدیاد الحجب.

فإذا أعرضت النفس من الظاهر إلى الباطن بالنوم، یتجسد لها هذه المعانی، فتشغلها عن عالمها الحقیقی ، فیقع مناماته أضغاث أحلام لا یؤبه بها، أو یرى ما تخیلته المتخیله

(والناس هنا)، أی فی معرفة القسم الثانی من المنامات، (على قسمین) :

أحدهما (عالم) بموطن الرؤیا، یعلم ما أراد الله سبحانه بالصور المرئیة ، کنبینا صلى الله علیه وسلم حیث أتی فی المنام بقدح لبن.

قال: «فشربته حتى خرج الری من أظفاری، ثم أعطیت فضلی عمر".

قیل: «ما أولته یا رسول الله ؟ »

قال : «العلم».

وما ترکه لبنا على صورة ما رأی لعلمه بموطن الرؤیا وما یقتضیه من التعبیر

وهذا العلم لا یحصل إلا بانکشاف رقائق الأسماء الإلهیة والمناسبات التی بین الأسماء المتعلقة بالباطن وبین الأسماء التی تحت حیطة الظاهر، لأن الحق سبحانه إنما پهب المعانی صورة بحکم المناسبة الواقعة بینها، لا جزافا .

کما یظن المحجوبون أن الخیال یخلق تلک الصور جزافا، فلا یعتبرون ویسمونها «أضغاث أحلام - یل المصور هو الحق من وراء حجابیة الخیال، ولا یصدر منه ما یخالف الحکمة.

فمن عرف المناسبات التی بین الصور ومعانیها وعرف مراتب النفوس التی یظهر الصور فی حضرة خیالاتهم بحسبها یعلم علم التعبیر کما ینبغی.

ولذلک تختلف أحکام الصورة الواحدة بالنسبة إلى أشخاص مختلفة المراتب، وهذا الانکشاف لا یحصل إلا بالتجلی الإلهی من حضرة الاسم الجامع بین الظاهر والباطن.


قال الشیخ : یصدق الرؤیا حتى یعلمه الحق ما أراد بتلک الصورة التی جلی له.

(و)  ثانیهما (متعلم) غیر عالم بما أراد الله سبحانه بتلک الصور، لکنه مستأهل مستعد للترقی إلى مرتبة العلم.

(والعالم یصدق فی الرؤیا)، أی یوفی حقها - من قولهم، "صدق فی القتال"، إذا وفی حقه وفعل على ما یجب.

وعلیه قوله تعالی : "رجال صدقوا ما عاهدوا الله "[ الأحزاب :23 ]، أی حققوا العهد بما أظهروه من أفعالهم ..

(والمتعلم یصدق الرؤیا)، أی یأخذ الصور المرئیة صادقة مطابقة لما فی نفس الأمر مما یجب علیه، ویجتهد فی تحققها، (حتى یعلمه الحق) أنه (ما أراد) وأی أمر شاء (بتلک الصورة المرئیة التی جلی) الحق سبحانه وکشفها (له) فی المنام .

کالخلیل صلوات الله علیه حیث رأى فی المنام أنه یذبح ابنه ، وکان کبش ظهر فی صورة ابنه .

فصدق الرؤیا ولم یعبرها، لأن الأنبیاء والکتل أکثر ما یشاهدون الأمور فی عالم المثال المطلق. وکل ما یرى فیه لا بد أن یکون حقا مطابقة للواقع.

فظن علیه السلام أنه شاهد فیه، فلم یعبرها.

فصدق منامه حتى علمه الله سبحانه أن المراد بصورة ابنه هو الکبش.

اعلم أن عالم المثال المقید .

وهو عالم الخیال - إذا شوهدت فیه صورة ، وتجد له المعنى أو الروح فی صورة مثالیة أو خیالیة ، ثم إذا رجع إلى الحس وشاهد حقیة ذلک على الوجه المشهود.

فقد جعله الله حقا، أی أظهر حقیة ما رأی فی الوجود العینی حتة، فإن الخیال لا حقة له ولا ثبات.

کما قال یوسف علیه الصلاة والسلام : "هذا تأویل ژینی من قبل قد جعلها ربی حقا " [یوسف : 100].

وکان هذا حال إبراهیم علیه الصلاة والسلام فی مبدئه . فکان لا یرى رؤیا إلا وجد مصداقها فی الحس ورأی حقیتها عینا. فکان علیه السلام لا أول رؤیاه.  وهو نوع من الکشف الصوری.

وسر ذلک أن الوارد إذا نزل من الخارج على القلب، ثم انعکس من القلب إلى الدماغ، فصورته القوة المصورة فی المتخیلة و جسدته، خرج على صورة الواقع، لأن عکس العکس مطابق للصورة الأصلیة.

فیشاهد صاحب الکشف المذکور شاهد الوارد مطابقة للصورة الأصلیة على ما رآه فی عالم الخیال.

وکان مشاهد إبراهیم علیه السلام على هذا، وقد تعود بذلک.

ثم لما نقله الله سبحانه إلى مقام من وسع قلبه الحق، وصار محل الاستواء الإلهی، فلا ینطبع فی قلبه غالبا أمر من خارج ؛ بل من قلبه یکون المنبع، والانطباع الأول فی الدماغ.

فانبعث الوارد - یعنی القربان - من قلبه إلى القوة المتخیلة .

فصورت له المصورة ذلک القربان - وهو الکبش - على صورة إسحاق علیه السلام لمناسبة واقعة بینهما، وهی إسلامه لوجه الله وانقیاده لأحکامه.

وأیضا کان الکبش صورة السر الذی أوجب علیه القربان ، وهو استسلامه لله وفناؤه فیه ؛ و«الولد سر أبیه».

وحیث کان الانطباع واحدا، لم یظهر بصورة الأصل.

فاحتاج إلى التأویل المعرب عن الأمر المراد بذلک التصویر على نحو انبعاثه من القلب .

فلما استیقظ علیه السلام، لم یفسر رؤیاه بمقتضى الموطن.

بل جرى على سیرته الأولى على ما اعتاده .

وکان مشهد إسحاق علیه السلام أیضا من هذا القبیل.

فلما قال له: " یا بنی إنی أری  فی المنام أنی أذبحک" [الصافات: 102].

أی لله قربانا ، قال : " یا أبت أبی أفعل ما تؤمر ستجدنی إن شاء الله من الصابرین" [الصافات: 102].