عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة السادسة عشر 


(1) الحکمة الروحیة فی الکلمة الیعقوبیة

(1) یبحث هذا الفص فی المعانی المختلفة لکلمة «دین» و ما یتصل بها من معانی «الإسلام» و «الانقیاد» و «الجزاء» و «العادة».

و قد ربط ابن العربی بین هذه المعانی و معنى الدین الذی یرتضیه ربطاً بارعاً محکماً و وضح مفهومات هذه الألفاظ توضیحاً دقیقاً على طریقته الخاصة بحیث وصل فی النهایة إلى الغایة التی ینشدها و هی أن «الدین» هو دین وحدة الوجود لا الدین الشرعی الذی جاءت به الرسل.

أما الصلة بین هذه الحکمة و بین یعقوب فیظهر أنها لا تتعدى اقتران اسمه بکلمة الدین فی قوله تعالى: "وَ وَصَّى بِها إِبْراهِیمُ بَنِیهِ وَ یَعْقُوبُ یا بَنِیَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَکُمُ الدِّینَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" .

و من عادة ابن العربی أن یلتمس مثل هذه الآیات التی لها اتصال ما بالأنبیاء فینسب حِکمَه إلیهم، و یتخذ من الآیات أساساً لهذه الحکم یستخرج منها ما یشاء مما یتفق مع روح مذهبه.

و قد قرئت کلمة «رَوْحیة» الواردة فی عنوان الفص بفتح الراء من الرَّوح و هو الراحة لورودها فی قول یعقوب لبنیه: «یا بَنِیَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ یُوسُفَ وَ أَخِیهِ وَ لا تَیْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا یَیْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْکافِرُونَ» (س 12 آیة 87)، کما قرئت بضم الراء من الرُّوح لاتصال الدین الذی هو موضوع الفص بالروح.

و الدین نوعان: دین یأتی من عند اللَّه على ید من عرّفهم اللَّه به و هم الرسل، و على ید غیرهم ممن أخذوه عنهم. و دین من عند الخلق، و هو القوانین الحکمیة

التی وضعها الخلق لصلاحهم فی دینهم و دنیاهم. و من هذه القوانین الحکمیة نظم الرهبانیة التی نزلت فی حقها الآیة: «وَ رَهْبانِیَّةً ابْتَدَعُوها ما کَتَبْناها عَلَیْهِمْ إلخ». و یرى ابن العربی أن اللَّه قد اعتبر و أقر هذا الدین الذی وضعه الخلق، مخالفاً فی ذلک جمهور المفسرین الذین یفهمون من الآیة إنکار الرهبنة.

و الدین المعروف المعهود هو الأول، و هو الذی أتت به الرسل من عند اللَّه و اصطفاه اللَّه على غیره من الأدیان بدلیل قوله: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَکُمُ الدِّینَ».

و لکن اللَّه تعالى یقول: «إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ»، و یقول: «فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ».

و الإسلام الانقیاد، فمعنى «الدین» إذن الانقیاد، و الانقیاد من عمل العبد: فالدین من عمل العبد.

أما الذی من عند اللَّه فهو الشرع الذی ینقاد إلیه العبد.

بهذا المعنى اذن تستوی الأدیان کلها لأنها تشترک فی ذلک المعنى العام الذی هو الانقیاد، و بهذا المعنى أیضاً نقول ان الأدیان کلها من عمل العبد.

و لهذا قال: «فالعبد هو المنشئ للدین، و الحق هو الواضع للأحکام».

و قال فیما بعد: «فالدین کله للَّه، و الدین منک لا منه إلا بحکم الأصالة»: أی فالدین کله انقیاد للَّه، و لکنه صادر منک لا من اللَّه لأن الانقیاد عملک، و لا ینسب إلى اللَّه إلا بحکم أنه أصلک و أنت مظهره.

غیر أن الانقیاد فی الحقیقة لیس قاصراً على العبد، فإن عمل العبد من طاعة أو معصیة یقتضی الجزاء بالثواب أو بالعقاب، أو بطلب التجاوز و العفو فی حالة المعصیة، و لا بد من ذلک.

فحال العبد إذن لها حکمها فی الحق إذ أنها تؤثر فیه فتجعله ینقاد هو أیضاً فیثیب العبد أو یعاقبه أو یعفو عنه. هذا هو الدین بمعنى الجزاء. بعد هذا کله: أی بعد أن شرح المؤلف الدین بمعنى الانقیاد و الدین بمعنى الجزاء، و بعد أن بیَّن الانقیاد من جانب العبد و الانقیاد من جانب الحق، ضرب بکل ذلک عرض الحائط و قال: «و لکن هذا لسان الظاهر»: أما باطن المسألة و حقیقتها فتفسیر یعطیه لها مستمد من نظریته فی وحدة الوجود. لیس الجزاء فی حقیقة الأمر عوضاً یعطیه الحق للعبد على أفعاله، و لکنه تجلی الحق فی مرآة وجوده، أو تجلیه فی صور وجود العالم.

فهو یعطی هذه الصور التی یتجلى فیها مظاهِرَها الوجودیة المختلفة- لا على سبیل العوض، و لا إثابة على طاعة أو عقاباً على معصیة، بل لأن ذواتها أو أعیانها الثابتة قد اقتضته أن یعطیها ما یعطیها.

فإذا ظهرت هذه الذوات بمظهر یستحق الذم فهی المذمومة و هی التی جلبت الذم على نفسها، و إن ظهرت بمظهر یستحق الحمد فهی المحمودة و هی التی جلبت الحمد على نفسها.

و لهذا قال: «فلا یعود على الممکنات من الحق إلا ما تعطیه ذواتهم فی أحوالها» ... ثم قال فی العبد: «فلا یذمن إلا نفسه و لا یحمدن إلا نفسه».

فالجزاء بمعناه الحقیقی هو کل ما یعطیه الحق من نفسه للوجود بحسب طبیعة الموجود.


هذا هو الدین العام الذی یقول به ابن العربی، و هذا هو القانون الأعلى الذی یخضع له الوجود فی نظره. و فی هذا أیضاً تظهر جبریته الصارخة التی فصلنا القول فیها فیما سبق. و قد قضى فیها لا على معنى الدین فحسب، بل على معنى الثواب و العقاب کذلک.


(2) «وَ رَهْبانِیَّةً ابْتَدَعُوها» و هی النوامیس الحکمیة ... فی العرف».

(2) یذهب کل من القاشانی و القیصری إلى أن قوله «بالطریقة الخاصة» متعلق بابتدعوها: أی أنهم ابتدعوا الرهبانیة بوضع طریقة خاصة معلومة فی العرف کطریقة التصوف عند المسلمین، و طریقة الرهبنة عند المسیحیین.

و أنا أفضل أن یکون الجار و المجرور متعلقاً بقوله «یجی ء» ای لم یجی ء الرسول بهذه النوامیس الحکمیة من عند اللَّه بالطریقة الخاصة المعلومة فی العرف. و هذه الطریقة الخاصة هی أن الرسول یدعی أنه آت برسالة من عند اللَّه ثم یؤید هذه الدعوى بالمعجزة.


(3) «جعل فی قلوبهم تعظیم ما شرعوه- یطلبون بذلک رضوان اللَّه- على غیر الطریقة النبویة المعروفة بالتعریف الإلهی».

(3) یصح أن تفهم هذه الجملة على أحد الوجهین الآتیین: الأول: أن التعظیم المطلوب منهم لما شرعوه إنما طلب على غیر الطریقة المعروفة فی إرسال الرسل

: لأن هؤلاء إنما یکون تعظیمهم لما أتوا به بعد ظهور المعجزة على أیدیهم- و هذا هو المشار إلیه بالتعریف الإلهی: أی تعریف اللَّه الناس بهم.

الوجه الثانی: أن ما شرعوه إنما کان على غیر الطریقة النبویة المعروفة: أی أنه شی ء غیر ما جاءت به الرسل و زائد علیه. و ذلک کصوم الدهر و الإقلال من الطعام و الخلوة و کثرة الذکر و عدم الاختلاط بالناس و ما شاکل ذلک. و هذا الوجه هو الأقرب إلى المراد.

أما عن الرهبانیة فلسنا بحاجة إلى أن نذهب بعیداً لنعرف موقف الإسلام منها، فسیرة النبی صلى اللَّه علیه و سلم و سیرة صحابته و التابعین مثال واضح لحیاة رجال زهدوا فی الدنیا و لکنهم لم یهجروها، و عبدوا اللَّه و لکنهم لم ینقطعوا إلیه، و أحلوا الطیبات من الرزق و لم یحرموها. أخذوا بفضیلة الوسط فلم یفرطوا و لم یفرَّطوا.

و فی أقوال النبی لعثمان بن مظعون الذی ترهبن فی زمنه أعظم شاهد على ما نقول (راجع تلبیس إبلیس ص 219 - 220).

و قد وردت فی الرهبانیة آیة: «وَ رَهْبانِیَّةً ابْتَدَعُوها ما کَتَبْناها عَلَیْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعایَتِها فَآتَیْنَا الَّذِینَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَ کَثِیرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ» (یوسف : آیة 28) و ورد الحدیث: «لا رهبانیة فی الإسلام».

أما الحدیث فیقال إنه وضع فی القرن الثالث الهجری تأییداً للآیة و حسماً للنزاع فی معناها.

و أما الآیة فاختلف فیها المفسرون و القراء. فمنهم من رأى فیها معنى التحریم کالزمخشری، و منهم من رأى الإباحة کابن مجاهد و الجنید الصوفی. و لکن الرأی الغالب عند علماء المسلمین هو الأول.

و یکفی النص على أن الرهبانیة بدعة لیکسبها معنى التحریم أو الکراهیة.

أما ابن العربی فقد فسر هذه الآیة تفسیراً مختلفاً تماماً عن تفسیر أی مسلم قبله:

فهو یرى:

أولًا: أن الرهبانیة التی یقول إنها «النوامیس الحکمیة»، معتبرة عند اللَّه شأنها شأن الدین.

ثانیاً: أن اللَّه جعل فی قلوب الذین ابتدعوها تعظیم ما ابتدعوه.

ثالثاً: أنهم رعوها- و أنهم ما رعوها حق رعایتها إلا ابتغاء رضوان اللَّه.

رابعاً: أن اللَّه آتى الذین آمنوا (أی بها) أجرهم- و کثیر منهم «فاسقون» أی خارجون عن الانقیاد إلیها و القیام بحقها.


(4) «و معقول العادة أن یعود الأمر بعینه إلى حاله، و لیس هذا ثَمَّ».

(4) لما فسر «الجزاء» بأنه «عادة» بمعنى أنه ما یعود على العبد من خیر أو شر بحسب ما تقتضیه أحوال عینه الثابتة، أراد ألا یفهم من العادة معنى التکرار فی هذا المقام.

فقال إن العادة امر یعود بعینه إلى حاله: أی أمر یتکرر و لیس هذا حاصلًا فیما نتحدث عنه: أی فی «الجزاء» على رأی القیصری و جامی و بالی: أو فی «الدین» على رأی القاشانی: فلیس فی «الدین» تکرار أصلًا إذا فهمنا الدین بمعنى أنه تجلی الحق الدائم فی صور الموجودات: فإن هذه الصور فی تغیر مستمر، و کل تجلٍ فی صورة غیره فی الصورة الأخرى.

فالجوهر الواحد یظهر فی ما لا یتناهى من الصور و یلبس فی کل مظهر ثوباً جدیداً، و لا شی ء فی الوجود یعید نفسه أو یتکرر أصلا فإن الصور أو الاعراض کما تقول الأشاعرة لا تبقى زمانین.

هذا هو «الخلق الجدید» الذی یشرحه ابن العربی فی الفص السادس عشر.

و لیس فی «الجزاء» تکرار إذا فهمنا الجزاء بمعنى أنه ما یعطیه الحق لأعیان الموجودات مما تقتضیه طبیعة هذه الأعیان ذاتها.

و إذا کان ما یظهر من صفات الوجود فی عین من الأعیان مختلفاً عما یظهر منها فی عین أخرى لاختلاف مقتضیات

طبیعتهما، استحال التکرار لاستحالة اتفاق أعیان الموجودات فی أحوالها.

فوجود الحق فی صور الموجودات أشبه بوجود الإنسانیة فی أفراد الإنسان.

فزید إنسان و عمرو إنسان و بکر إنسان، «و ما عادت الإنسانیة إذ لو عادت لتکثرت، و هی حقیقة واحدة و الواحد لا یتکثر فی نفسه».

(قارن الفص الثانی: التعلیق التاسع) و إذا فهمنا الجزاء بمعنى ما یجنیه الإنسان ثمرة لعمله، خیراً کان ذلک أو شراً، کان فیه معنى العوْد- أی أنه عاد علیه ما تقتضیه حاله مما سماه العرف فی الخیر ثواباً و فی الشر عقاباً- و لم یکن فیه معنى التکرار، لأن جزاء کل إنسان خاص به قاصر علیه. و لما کان الجزاء لا یلاحظ فیه معنى العِوَض، بل هو ضرورة تقضی بها طبیعة الأشیاء قال:


(5) «فإنها من سر القدر المتحکم فی الخلائق».

(5) أی فإن مسألة «الجزاء» جزء من القانون العام المتحکم فی الخلق: و هو الذی یسمیه سر القدر.

و معناه- کما قلنا من قبل (التعلیق الثانی و الثالث على الفص الثانی) أن ما کنت علیه فی ثبوتک ظهرت به فی وجودک. و لیس ما تظهر به فی وجودک سوى ما یعطیک اللَّه إیاه. و هکذا ندور فی هذه الدائرة المغلقة التی یدور فیها ابن العربی فی جمیع تفکیره- و ننتهی إلى النتیجة الحتمیة الآتیة:

و هی أن الجزاء بالمعنى الدینی لا وجود له فی قاموس مصطلحاته. فلا مجازی یعطی الجزاء مراعیاً عمل العبد و استحقاقه، و لا مجازىً یعطَى ما یعطاه من أجل عمله و استحقاقه.


(6) «و الحق على وجهین فی الحکم فی أحوال المکلفین».

(6) قد شرح المؤلف بعض نواحی هذه المسألة فیما سبق من هذا الفص، و فی الفص الخامس حیث قرر أن الإنسان (بل کل موجود) هو الذی یعین مصیر نفسه و یجلب لها السعادة أو الشقاء.

و أن کل ما یترتب على أفعاله من حمد أو ذم راجع إلى عینه الثابتة التی اقتضت ظهور هذه الأفعال عنه من الأزل.

أما هنا فتعالج هذه المسألة مرة أخرى، و لکن من وجهة نظر الأدیان- أی من ناحیة تکلیف العبد و حکم اللَّه على أفعاله.

یقول: للحق وجهان فی الحکم على أحوال و أعمال المکلفین:

الوجه الأول الحکم علیها من ناحیة الإرادة الإلهیة،

و الوجه الثانی الحکم علیها من ناحیة الأمر الإلهی.

و الأول هو الحکم الإرادی

و الثانی الحکم التکلیفی.

فاللَّه یأمر العبد بأن یفعل کیت و کیت أو ینهاه عن فعل کیت و کیت، و یرید فی الوقت نفسه أن هذه الأوامر و النواهی یطیعها بعض الناس و یعصاها البعض الآخر. و لا غضاضة فی مذهب ابن العربی أن نقول إن اللَّه یرید وقوع المعصیة: ذلک لأن الإرادة الإلهیة تتعلق بالفعل بحسب ما یقتضیه علم الحق بذلک الفعل و فاعله، و یتعلق علم الحق بالفاعل بحسب ما یعطیه المعلوم من ذاته.

فاللَّه لا یعلم إلا ما هو واقع لا محالة، و هو لا یرید إلا ما یعلم.

بهذا المعنى یقول ابن العربی إن کل إنسان یطیع الإرادة الإلهیة لأنه لا یفعل من الأشیاء إلا ما کان متفقاً مع الإرادة الإلهیة.

و کان الأوْلى به أن یقول إن الإرادة الإلهیة تطیع أفعال العباد و تخضع لها، لأن اللَّه لا یرید فعلا- طاعة کان أو معصیة- إلا إذا کان ذلک الفعل متحقق الوقوع، و کان مما تقضی به طبیعة الفاعل ذاتها.

و لکن لیس کل إنسان یطیع الأمر الإلهی الذی هو الأمر التکلیفی:

فإن أتى فعل العبد مطابقاً لما أُمر به أو نهی عنه سمی ذلک منه طاعة، و إن خالف ما أُمر به أو نُهی عنه سمی معصیة.

و على ذلک کان کفر فرعون و معاصی العباد جمیعاً فی اتفاق تام مع ما أراده اللَّه و ما علمه أزلا، لا یختلفون فی ذلک مطلقاً عمن أتت أفعالهم موافقة لأوامر الدین.

و خلاصة القول أن أفعال العباد لا توصف فی ذاتها بأنها طاعة أو معصیة:

خیر أو شر، بل هی أفعال تقضی بها طبیعة الوجود: و إنما تدخل فی دائرة تلک الأحکام لسبب عارض و هو تطبیق المعاییر الدینیة أو الأخلاقیة علیها.

راجع ما قلناه فی الأمر التکلیفی و الأمر التکوینی:

الفص الخامس التعلیقات 4، 5، 6، 7.


(7) «فالرسول و الوارث خادم الأمر الإلهی بالإرادة، لا خادم الإرادة».

(7) مهَّد ابن العربی لهذه المسألة بذکر الطبیب الذی یخدم المریض بأن یستغل طبیعته فی العلاج، و هو فی الحقیقة خادم لأحوال مریضه، و هی أحوال تقضی بها طبیعة المریض ذاته.

کذلک الرسل و ورثتهم أطباء نفوس یخدمون من أرسلوا إلیهم من الخلق، و لکنهم فی الواقع خدم لأحوال هؤلاء الخلق، تلک الأحوال التی تقضی بها طبائعهم.

فإن قیل إن الرسل و ورثتهم خدم للأمر الإلهی کان ذلک بمعنى أنهم مرسلون لتبلیغ رسالة إلهیة إلى الخلق بأمر من اللَّه، و أن اللَّه أراد منهم تبلیغ هذه الرسالة.

و لکنهم لا یخدمون الإرادة الإلهیة من حیث طاعة الخلق و معصیتهم، و إلا لم یبلغوا رسالة اللَّه إلى الذین أراد اللَّه أن یکونوا من العاصین لها.


فهم یخاطبون بالأمر الإلهی جمیع الخلق على السواء: العاصین منهم و المطیعین، غیر عالمین بمن قدرت له الطاعة و من قدرت علیه المعصیة.