عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة السابعة عشر :


شرح فصوص الحکم من کلام الشیخ الأکبر ابن العربی أ. محمد محمود الغراب 1405 هـ:

08 - فص حکمة روحیة فی کلمة یعقوبیة

الدین دینان، دین عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرف من عرفه الحق. ودین عند الحق، وقد اعتبره الله.

فالدین الذی عند الله هو الذی اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العلیا على دین الخلق فقال تعالى «ووصى بها إبراهیم بنیه ویعقوب یا بنی إن الله اصطفى لکم الدین فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون»: أی منقادون إلیه.

وجاء الدین بالألف واللام للتعریف والعهد، فهو دین معلوم معروف وهو قوله تعالى «إن الدین عند الله الإسلام» وهو الانقیاد. فالدین عبارة عن انقیادک.

والذی من عند الله تعالى هو الشرع الذی انقدت أنت إلیه.

فالدین الانقیاد ، والناموس هو الشرع الذی شرعه الله تعالى.

فمن اتصف بالانقیاد لما شرعه الله له فذلک الذی قام بالدین وأقامه، أی أنشأه کما یقیم الصلاة.

فالعبد هو المنشئ للدین والحق هو الواضع للأحکام. فالانقیاد هو عین فعلک، فالدین من فعلک.

فما سعدت إلا بما کان منک. فکما أثبت للسعادة لک ما کان فعلک کذلک ما أثبت الأسماء الإلهیة إلا أفعاله وهی أنت وهی المحدثات. فبآثاره سمی إلها وبآثارک سمیت سعیدا.

فأنزلک الله تعالى منزلته إذا أقمت الدین وانقدت إلى ما شرعه لک.

وسأبسط فی ذلک إن شاء الله ما تقع به الفائدة بعد أن نبین الدین الذی عند الخلق الذی اعتبره الله.  فالدین کله لله وکله منک لا منه إلا بحکم الأصالة.

قال الله تعالى «ورهبانیة ابتدعوها» وهی النوامیس الحکمیة التی لم یجیء الرسول المعلوم بها فی العامة من عند الله بالطریقة الخاصة المعلومة فی العرف.

فلما وافقت الحکمة والمصلحة الظاهرة فیها الحکم الإلهی فی المقصود بالوضع المشروع الإلهی، اعتبرها الله اعتبار ما شرعه من عنده تعالى، «و ما کتبها الله علیهم».

ولم فتح الله بینه وبین قلوبهم باب العنایة والرحمة من حیث لا یشعرون جعل

_______________________

1 - المناسبة :

فی هذه الحکمة هی قول یعقوب علیه السلام لبنیه « یا بنی إن الله اصطفى لکم الدین » و من معانی الدین العادة من العود أی یعود علیکم بما کان من أعمالکم وسمیت الحکمة « روحیة ، من راح یروح روحا ورواها ، بمعنی الرجوع والعود .

فهو تعالى لا یعود على الخلق إلا بما کانوا علیه فی ثبوتهم وهو یتعلق بکون العلم تابعة للمعلوم کما سیأتی بیانه


ص 121


فی قلوبهم تعظیم ما شرعوه یطلبون بذلک رضوان الله على غیر الطریقة النبویة المعروفة بالتعریف الإلهی.

فقال: «فما رعوها»: هؤلاء الذین شرعوها وشرعت لهم: «حق رعایتها» «إلا ابتغاء رضوان الله» وکذلک اعتقدوا،"2" «فآتینا الذین آمنوا» بها «منهم أجرهم» «وکثیر منهم»:

أی من هؤلاء الذین شرع فیهم هذه العبادة «فاسقون» أی خارجون عن الانقیاد إلیها والقیام بحقها.  ومن لم ینقد إلیها لم ینقد مشرعه بما یرضیه.

لکن الأمر یقتضی الانقیاد: وبیانه أن المکلف إما منقاد بالموافقة وإما مخالف، فالموافق المطیع لا کلام فیه لبیانه، وأما المخالف فإنه یطلب بخلافه الحاکم علیه من الله أحد أمرین إما التجاوز والعفو، وإما الأخذ على ذلک، ولا بد من أحدهما لأن الأمر حق فی نفسه.

فعلى کل حال قد صح انقیاد الحق إلى عبده لأفعاله وما هو علیه من الحال. فالحال هو المؤثر."3"  فمن هنا کان الدین جزاء أی معاوضة بما

_____________________________________

2 - « فما رعوها حق رعایتها » نفس المعنى فی الفتوحات المکیة ج2 / 533


3- الحال هو المؤثر

الوجود کله حال لا یصح له الثبات على شأن واحد، لما تطلبه المحدثات من الزوائد ، فالأمر شؤون ، فلا یزال یقول لکل شیء کن فیکون .

الحال هو الحاکم فإن الوقت له ، وهو للنفس الناطقة کالمزاج للنفس الحیوانیة ، فإن المزاج حاکم على الجسم والحال حاکم على النفس ، فقامت الأحوال من الخلق والمواطن للحق مقام المزاج للحیوان ، فیقال فی الحق إنه یغضب إذا أغضبه عبده ، ویرضى إذا أرضاه العبد ، فحال العبد والموطن یرضی الحق ویغضبه ، کالمزاج للحیوان یلتذ بالأمر الذی کان بالمزاج الآخر یتألم به.

فهو بحسب المزاج کما هو الحق بحسب الحال . والموطن الا ترى فی نزوله إلى السماء الدنیا ما یقول ؟

فإنه نزول رحمة یقتضیها الموطن ، وإذا جاء یوم القیامة یقتضی الوطن أن یجیء للفصل والقضاء بین العباد ، لأنه موطن یجمع الظالم والمظلوم وموطن الحکم والخصومات ، فالحکم للمواطن والأحوال فی الحق ، والحکم فی التألم والالتذاذ للمزاج.

فالإنسان مصرف تحت حکم الأسماء الإلهیة ومحل لظهور آثار سلطانها فیه، ولکن یکون حکمها فیه بحسب ما یمکنها حال الإنسان أو زمانه أو مکانه .

فالأحوال والأزمان تولی الأسماء الإلهیة علیها .

راجع الفتوحات  ج 1 / 588 ، 683 -  ج 3 / 20 - ج 4 / 257 ، 370 .



یسر وبما لا یسر: فبما یسر «رضی الله عنهم ورضوا عنه» هذا جزاء بما یسر، «ومن یظلم منکم نذقه عذابا کبیرا» هذا جزاء بما لا یسر. «ونتجاوز عن سیئاتهم» هذا جزاء.

فصح أن الدین هو الجزاء، وکما أن الدین هو الإسلام والإسلام عین الانقیاد فقد انقاد إلى ما یسر وإلى ما لا یسر و هو الجزاء.

هذا لسان الظاهر فی هذا الباب. وأما سره وباطنه فإنه تجلی فی مرآة وجود الحق: فلا یعود على الممکنات من الحق إلا ما تعطیه ذواتهم فی أحوالها، فإن لهم فی کل حال صورة، فتختلف صورهم لاختلاف أحوالهم، فیختلف التجلی لاختلاف الحال، فیقع الأثر فی العبد بحسب ما یکون.

فما أعطاه الخیر سواه ولا أعطاه ضد الخیر غیره، بل هو منعم ذاته ومعذبها. فلا یذمن إلا نفسه ولا یحمدن إلا نفسه.  «فلله الحجة البالغة» فی علمه بهم إذ العلم یتبع المعلوم."4"

ثم السر الذی فوق هذا فی مثل هذه المسألة أن الممکنات على أصلها من العدم، ولیس وجود إلا وجود الحق بصور أحوال ما هی علیه الممکنات فی أنفسها وأعیانها."5"

فقد علمت من یلتذ ومن یتألم وما یعقب کل حال من الأحوال وبه سمی عقوبة وعقابا وهو سائغ فی الخیر والشر غیر أن العرف سماه فی الخیر ثوابا وفی الشر عقابا، وبهذا سمى أو شرح الدین بالعادة، لأنه عاد علیه ما یقتضیه ویطلبه حاله.

فالدین العادة قال الشاعر: کدینک من أم الحویرث قبلها أی عادتک.

ومعقول العادة أن یعود الأمر بعینه إلى حاله: وهذا لیس ثم فإن العادة تکرار.

لکن العادة حقیقة معقولة، والتشابه فی الصور موجود: فنحن نعلم أن زیدا عین عمرو فی الإنسانیة وما عادت الإنسانیة، إذ لو عادت تکثرت وهی حقیقة واحدة والواحد لا یتکثر فی نفسه.

ونعلم أن زیدا لیس عین عمرو فی الشخصیة: فشخص زید لیس شخص عمرو مع تحقیق وجود الشخصیة بما هی شخصیة فی الاثنین.

فنقول فی الحس عادت لهذا الشبه، ونقول فی الحکم الصحیح لم تعد.

فما ثم عادة بوجه وثم عادة بوجه،"6" کما أن ثم جزاء بوجه وما ثم جزاء بوجه فإن

____________________________

4 - العلم تابع للمعلوم راجع فص 2 هامش 3 ص 42


5 - الظاهر فی المظاهر راجع فص 5 هامش 6 ص 84


6 -  الإعادة

الإعادة تکرار الأمثال فی الوجود ، لأن تکرار العین لیس بواقع للاتساع الإلهی، ولکن الإنسان فی لبس من خلق جدید ، فهی أمثال یعسر الفصل فیها القوة الشبه ،


ص 123



الجزاء أیضا حال فی الممکن من أحوال الممکن.

وهذه مسألة أغفلها علماء هذا الشأن، أی أغفلوا إیضاحها على ما ینبغی لا أنهم جهلوها فإنها من سر القدر المتحکم فی الخلائق."7"

واعلم أنه کما یقال فی الطبیب إنه خادم الطبیعة کذلک یقال فی الرسل والورثة إنهم خادمو الأمر الإلهی فی العموم، وهم فی نفس الأمر خادمو أحوال الممکنات.

وخدمتهم من جملة أحوالهم التی هم علیها فی حال ثبوت أعیانهم.

فانظر ما أعجب هذا! إلا أن الخادم المطلوب هنا إنما هو واقف عند مرسوم مخدومه إما بالحال أو بالقول، فإن الطبیب إنما یصح أن یقال فیه خادم الطبیعة لو مشى بحکم المساعدة لها، فإن الطبیعة قد أعطت فی جسم المریض مزاجا خاصا به سمی مریضا، فلو ساعدها الطبیب خدمة لزاد فی کمیة المرض بها أیضا، وإنما یردعها طلبا الصحة والصحة من الطبیعة أیضا بإنشاء مزاج آخر یخالف هذا المزاج.

فإذن لیس الطبیب بخادم للطبیعة، وإنما هو خادم لها من حیث إنه لا یصلح جسم المریض ولا یغیر ذلک المزاج إلا بالطبیعة أیضا.

ففی حقها یسعى من وجه خاص غیر عام لأن العموم لا یصح فی مثل هذه المسألة. فالطبیب خادم لا خادم أعنی للطبیعة، وکذلک الرسل والورثة فی خدمة الحق.

والحق على وجهین فی الحکم فی أحوال المکلفین، فیجری الأمر من العبد بحسب ما تقتضیه إرادة الحق، وتتعلق إرادة الحق به بحسب ما یقتضی به علم الحق، ویتعلق علم الحق به على حسب ما أعطاه المعلوم من ذاته: فما ظهر إلا بصورته. "8"

__________________________________

فالإعادة إنما هی فی الحکم مثل السلطان بولی والیا ثم یعزله ثم یولیه بعد عزله ، فالإعادة فی الولایة ، والولایة نسبة لا عین وجودی .

فالأعیان، التی هی الجواهر ما فقدت من الوجود حتى تعاد إلیه بل لم تزل موجودة العین ، ولا إعادة فی الوجود الموجود فإنه موجود ، وإنما هی هیئات وامتزاجات نسبیة - والمقصود من الإعادة فی هذا الفص إنما هو عودة الحال الذی فی الثبوت إلى العین عند ظهورها فی الوجود.

والحال إنما هو حکم ونسبة معینة ، فلا نزال نراقب حکم العلم فینا من الحق حتى تعلم ما کنا فیه ، فإنه لا یحکم فینا إلا بنا

الفتوحات ج 2 / 471 - ج 4 / 182 .


7 - العلم تابع للمعلوم راجع فص 2 هامش 3 ص 42.


8 - العلم تابع للمعلوم راجع فص 2 هامش 3 ص 42

ظهور الحق بأحکام أعیان الممکنات - وحدة الوجود - المرایا

راجع فص 2 هامش 9 ص 45


ص 124



فالرسول والوارث خادم الأمر الإلهی بالإرادة، لا خادم الإرادة.

فهو یرد علیه به طلبا لسعادة المکلف فلو خدم الإرادة الإلهیة ما نصح وما نصح إلا بها أعنی بالإرادة.

فالرسول والوارث طبیب أخروی للنفوس منقاد لأمر الله حین أمره، فینظر فی أمره تعالى وینظر فی إرادته تعالى، فیراه قد أمره بما یخالف إرادته ولا یکون إلا ما یرید، ولهذا کان الأمر.

فأراد الأمر فوقع، وما أراد وقوع ما أمر به بالمأمور فلم یقع من المأمور، فسمی مخالفة ومعصیة.

فالرسول مبلغ "9": ولهذا قال شیبتنی «هود» وأخواتها لما تحوی علیه من قوله «فاستقم کما أمرت» فشیبه «کما أمرت فإنه لا یدری هل أمرت بما یوافق الإرادة فیقع، أو بما یخالف الإرادة فلا یقع.

ولا یعرف أحد حکم الإرادة إلا بعد وقوع المراد إلا من کشف الله عن بصیرته "10" فأدرک أعیان الممکنات فی حال ثبوتها على ما هی علیه، فیحکم

__________________________________________

9 ، 10 - الأمر والإرادة

أمر الإله من الإله تعلق     …. ما أمره فی العالمین محقق

إلا بواسطة الرسول فإنه  …… أمر مطاع سره یتحقق

إن خالفت أمر الإله إرادة  ….. منه نکاد النفس منه تزهق

ولذاک شیبت النبی مقالة  ….. هی فاستقم فیما أمرت توفق

فإذا أراد نقیض ما أمرت به … نفس المکلف فالوقوع محقق.


لما کان أحد لا یعرف هل وافق أمر الله إرادة فیه أنه یمتثل أمره أو یخالفه ، لهذا صعب على رسول الله صلى الله علیه وسلم  أمر الله واشتد.

فقال شیبتنی هود فإنها السورة التی نزل فیها « فاستقم کما أمرت » ، وأخواتها مما فیه هذه الآیة أو معناها ، فالناس من ذلک على خطر.


ألم تعلم بأن الله منا   ….. یرانا والوجود لنا شهید

فیلزمنا الحیاء فلا یرانا ……   بحیث نهی ونحن له شهود

وذا من أعجب الأشیاء عندی ….. فیأمرنا ویفعل ما یرید

یقول لی استقم ویرید منی  …… مخالفة یؤیدها الوجود

فیا قوم اسمعوا ما قلت فیمن ….. هو المولى ونحن له عبید

یرید الأمر لا المأمور فانظر …..   إلى حکم یشیب له الولید


ص 125



عند ذلک بما یراه ) "11" وهذا قد یکون لآحاد الناس فی اوقات لا یکون مستصحبا .

______________________________________

یقول العبد « یارب ما یبدل القول لدیک ، ولا یکون عنک إلا ما سبق به علمک ، فمشیئتک واحدة ، والاختیار المنسوب الی منک ، فالذی تقبله ذاتی من الانقیاد إلیک أن أکون لک حیث ترید لا حیث تأمر ، إلا إن وافق أمرک إرادتک . فحینئذ أجمع بینهما.

وأکثر من هذا فما تعطی حقیقتی إذا نسبتها إلیک ، أنت القائل « أفمن حق علیه کلمة العذاب أفأنت تنقذ من فی النار ، وهو أکرم المکلفین علیک ، وهذا الحکم منک وعلیک یعود ، فما کان انقیادک إلا إلیک.

وأنا صورة مماثلة للمحجوبین الذین لا یعرفونک معرفتی ، فیقولون قد أجاب الحق سؤالنا وانقاد إلینا فیما نریده منه ، وأنت ما أجبت إلا نفسک ، وما تعلقت به إرادتک ، فانقیادی أنا النفسی ، فإنه لا یتمکن أن أطلبک لک ، وإنما أطلبک لنفسی ، فلنفسی کان انقیادی لما دعوتنی ، وجعلت حجابا بینی وبین المحجوبین من خلقک الذین لا یعرفون.

فقالوا فلان أجاب أمر ربه حین دعاه ، وما علموا أن الانقیاد منی کان لإرادتک لا لأمرک ، فإنه ما یبدل الحکم لدی ، فإنی ما أقبل غیر هذا ، قبول ذات ، وفیه سعادتی ، وأثنیت علی به ، وأنت تعلم کیف کان الأمر ، فظهرت بأمر تشهد الحقیقة بخلافه .

فقلت : ولا یعصون الله ما أمرهم ، والحقیقة من خلف هذا الثناء تنادی لا یعصون الله ما أراد منهم سوقرن الأمر منه بإرادته فذلک هو الأمر الذی لا یعصیه مخلوق ، وهو قوله « إذا أردناه أن تقول له کن » هذا هو الأمر الذی لا یمکن للممکن الأمور مخالفته ، لا الأمر بالأفعال والتروک .

یعرف ذلک العارفون من عبادک ذوقا وشهودا ، فإن أمرت الفعل المأمور به أن یتکون فی هذا العبد المأمور بالفعل تکون ، فتقول هذا عبد طائع امتثل أمری وما بیده من ذلک شیء .

الفتوحات ج 2 / 218 ، 588 - ج 3 / 217 - ج 4 / 350 - دیوان .


11 - الممکنات فی الثبوت والوجود

الممکنات بقاؤها فی حالة العدم أحب إلیها لو خیرت ، فإنها فی مشاهدة ثبوتیة حالیة ، ملتذة بالتذاذ ثبوتی ، منعزلة کل حالة عن الحالة الأخرى ، لا تجمع الأحوال


ص 126

 

قال :« ما أدری ما یفعل بی ولا بکم » فصرح بالحجاب ، ولیس المقصود إلا أن یطلع فی أمر خاص لا غیر .

_________________________

عین واحدة فی حال الثبوت، فإنها تظهر فی شیئیة الوجود فی عین واحدة وهی الحامل، والأحوال هی المحمول ، فالمحمول أبدا منزلته فی الوجود مثل منزلته فی الثبوت ، فی نعیم دائم و الحامل لیس کذلک ، والعین الحاملة فی ثبوتها تظهر فیما تکون علیه فی وجودها إلى ما لا یتناهی .

فکل حال تکون علیها هو إلى جانبها ناظر إلیها لا محمول فیها ، فالعین ملتذة بذاتها والحال ملتذ بذاته .

فحال الأحوال لا یتغیر ذوقه بالوجود، وحال الحامل یتغیر بالوجود ، وهو علم عزیز ، وما تعلم الأعیان ذلک فی الثبوت إلا بنظر الحال إلیها ، ولکن لا تعلم أنه إذا حملته تتألم به ، لأنها فی حضرة لا تعرف فیها طعم الألم ، بل تتخذه صاحبا ، فلو علمت العین أنها تتألم بذلک الحال إذا اتصفت به لتألمت فی حال ثبوتها بنظره إیاها لعلمها أنها تتلبس به وتحمله فی حال وجودها .

فتألفها به فی الثبوت ننعم لها .

وهذا الفن من أکبر أسرار علم الله فی الأشیاء ، شاهدته ذوقا إلهیا ، لأن من عباد الله من بطلعه الله کشفا على الأعیان الثبوتیة فیراها على صورة ما ذکرناه من المجاورة والنظر ، ما یرى فیها حالا ولا محلا.

فإذا فهمت الفرق بین الوجود والثبوت ، وما للأعیان فی الوجود وما لها فی الثبوت من الأحکام : علمت أن بعض الأعیان لا ترید ظهور الأثر فیها بالحال .

الفتوحات ج 4 / 81

ص 127