الفقرة التاسعة عشر:
کتاب المفاتیح الوجودیة والقرآنیة لفصوص الحکم عبد الباقی مفتاح 1417هـ :
المرتبة 09: لفص حکمة نوریة فی کلمة یوسفیة
من الاسم: الغنی وفلک البروج ومولة الطرف وحرف الجیم
التقدیر تقسیم وتحدید، والجامع لکل الحدود والقیود یستلزم أن یکون غنیا عن کل حد وقید.
فالاسم المقدر یستلزم ظهور الاسم الغنی الذی له المرتبة التاسعة فتوجه على إیجاد تاسع الأفلاک مع الاسم: الدهر، وهو فلک البروج الاثنی عشر کل برج منصة الملک عظیم بیده مفاتیح خزائن ذلک البرج التی أودع الله فیها أحکاما تظهر آثارها فی العالم دنیا وأخرى حسب سیر الکواکب وتنزلات الأنوار.
وقد فصل الشیخ کل ذلک فی أبواب من الفتوحات وفی (عقلة المستوفز) وفی (التنزلات الموصلیة).
""حدیث: سئل ابن عباس، فقیل: یابن عباس، هل رأى محمد صلى الله علیه وسلم ربه؟ قال: نعم، فقلت لابن عباس: ألیس یقول الله: "لا تدرکه الأبصار وهو یدرک الأبصار" [الأنعام: 103] ، قال: لا أم لک، ذاک نوره الذی هو نوره الذی هو نوره، إذا تجلى بنوره لا یدرکه شیء"" رواه المقدسی فی المختارة والبیهقی وابن خزیمة وغیرهم.
ولذلک اقترن الاسم الغنی بفلک تلک الخزائن التی عددها 360 على عدد درجات الفلک.
ومن جهة أخرى لأن هذا الفلک الأطلس الذی لا صورة فوقه محسوسة هو مظهر للتنزبه الإلهی . أی لاسمه تعالى: الغنی عن العالمین.
ولهذا کرر الشیخ هذا الاسم مع الفقر فی آخر هذا الفص نحو30 مرة وختمه بالآیة ( یأیها الناس أن الفقراء إلى الله والله هو الولی الحمید) (فاطر، 15).
ومن أنسب الأنبیاء لحضرة الغنی یوسف علیه السلام الذی جعله الله أمینا على خزائن الأرض وعلى خزائن عالم المثال والتصویر فی السماء الثالثة ورفع أبویه على العرش.
ولهذا نجد الشیخ فی کتاب العبادلة یخصص باباعنوانه عبد الله بن یوسف بن عبد الغنی.
علاقة أخرى لطیفة بین فلک البروج الأطلس ویوسف وهی أنه علیه السلام أوتی شطر الحسن کما ورد فی الخبر .
ففی المقام الیوسفی لا یظهر من دائرة کمال الحسن إلا نصفها الجمالی والتنبهی کما ظهر على لسان النسوة حسب ما أخبر القرآن "فَلَمَّا رَأَیْنَهُ أَکْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَیْدِیَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَکٌ کَرِیمٌ " (یوسف، 31).
وکذلک الفلک الأطلسی لا یظهر منه إلا نصفه لوجودنا على الأرض والنصف الآخر فی الغیب بالنسبة لنا.
وإلى هذا أشار الشیخ فی أول الباب بذکره للستة التی هی عدد البروج الظاهرة فی نصف الفلک ومثلها المغیبة .
فقوله عن أمنا عائشة رضی الله عنها: (فمضى قولها ستة أشهر) إشارة لطیفة إلى مناسبة لطیفة بین المرأة الصدیقة والمقام الیوسفی.
فـ لیوسف شطر حسن الکمال. والزوجة نصف الرجل الکامل.
وفی القرآن وصف یوسف الصدیق کما لقبت عائشة بالصدیقة بنت الصدیق رضی الله عنهما وکانا کیوسف من أعلم الناس بعلم التعبیر، ...
والصدق فی الأقوال والأعمال یثمر الرؤى الصادقة ... والکمال لیس محصورا فی الشطر الجمالی المنبسط نوره، بل الکمال فی جمع وتکامل هذا الشطر الجمالی مع الشطر الآخر الجلالی المنبسط علیه الظل.
أی فی الجمع بین قوسی التنزیه والتشبیه أو الإطلاق والتقیید وغیر ذلک من الأضداد.
وبقدر الانحراف عن هذا الجمع الکمالی ینحرف المشاهد عن کمال المعرفة کما فصله الشیخ فی بدایات الباب 73 من الفتوحات.
وإلى ذلک التکامل أشار الشیخ فی قوله فی الأبیات التی استفتح بها الباب 372 من الفتوحات المخصوص بسورة یوسف:
من حاز شطر الکون فی خلقه ….. وشطره الآخر فی خلقه
فذاک عین الوقت فی وقته ….. وبدره الطالع فی أفقه
فبدره یطلع من غربه …… وضوءه یغرب فی شرقه
فکل مخلوق به هائم ….. وکلنا نهلک فی حقه
وفی هذا الباب 372 یتکلم عن البروج وفلکها لأنه من المعلوم فی الملة الإسرائیلیة أن لکل سبط من الأسباط الاثنی عشر برجا معینا، فقال (ألا أیها الفلک الدائر لمن أنت فی سیرکم سائر).
وکذلک فی الباب 421 من الفتوحات الموافق لمنازلة فی سورة یوسف یذکر بالتفصیل أسماء البروج مرتبة.
وعنوان هذا الباب وموضوعه حول التنزیه وهو : (منازلة من طلب الوصول الی بالدلیل والبرهان لم یصل إلى أبدا فإنه لا یشبهنی شیء).
ولهذا أیضا نجد فی کتاب "التراجم" باب منازلة سورة یوسف تحت عنوان:
ترجمة السلب والتنزیه.
وأنسب الحروف هذه المرتبة هو الجیم لأنه الحرف الوحید الخارج عن القبضة حسبما ذکره الشیخ فی جوابه عن السؤال 120 من أسئلة الترمذی،
والخروج عن القبضة هو الإطلاق والتنزیه.
والجیم هو مفتاح اسمه تعالى: جامع الخارج عن قبضتی الجلال والجمال لجمعیته لهما معا فی المقام الأحمدی الأحدی الکامل.
وهو مفتاح اسمه تعالى: جمیل جواد المتجلی فی المقام الیوسفی
وحکمة هذا النص نوریة لعلاقة النور بیوسف والخیال والفلک الأطلس فقد أعطى الله تعالى لیوسف نور علم التعبیر فکان یکشف به حقائق عالم المثال والخیال.
والخیال هو أعظم نور یدرک به الإنسان الأشیاء، وقد أطنب الشیخ فی هذا الموضوع فی أبواب کثیرة من الفتوحات خصوصا فی الباب 360 المخصوص .منزل سورة النور .
حیث یقول: (وإذا ثبت إلحاق الخیال فی قوة الإیجاد بالحق ما عدا نفسه فهو على الحقیقة المعبر عنه بالإنسان الکامل .
فإنه ما ثم على الصورة الحقیة مثله فإنه یوجد فی نفسه کل معلوم ما عدا نفسه وألحق نسبة الموجودات إلیه مثل هذه النسبة…
فما قبل شیء من المحدثات صورة الحق سوى الخیال فإذا تحققت ما قلناه علمت أنه فی غایة الوصلة).
وأما علاقة فلک البروج بالحکمة النوریة فلأن البروج ما تعینت إلا بسیر الشمس التی هی أعظم مظهر للنور المحسوس فی الدنیا.
فبالنور ظهرت البروج ولهذا قال الشیخ فی هذا الفص:
(ولکن باسمه النور وقع الإدراک) ولهذا کرر الشیخ ذکر الشمس والقمر والنجوم التی ظهر بها الفلک الأطلس کما ظهر ما المقام الیوسفی فی قوله فی سورته :«إنی رأیت أحد عشر کوکبا والشمس والقمر رأیتهم لی ساجدین»
و کما لا تدرک حضرة الخیال إلا بواسطة الصور المثالیة التی تعبره کذلک لا یدرک الفلک الأطلس إلا بواسطة الصور الکوکبیة السابعة تحته.
وکما أن الخیال برزخ بین المحسوسات والمعانی فکذلک الفلک الأطلس برزخ بین عالم الطبیعة العنصریة الحسیة وعالم الطبیعة النورانیة الروحیة الملکوتیة.
وکما أن الخیال حیرة لأن الصورة الخیالیة هی لا هی، فکذلک الفلک الأطلس هو فلک الحیرة.
وفی هذا المعنى یقول الشیخ فی الفصل 16 من الباب 198:
"ألا ترى الفلک الأطلس کیف ظهر من الحیرة فی الحق لأن المقادیر فیه لا تتعین للتماثل فی الأجزاء کالأسماء والصفات للحق لا تتعدد، فالحیرة ما ظهرت إلا فی الفلک الأطلس حیث قیل إن فیه بروجا ولا تتعین. فوضع على شکل الحیرة.
ووضع الفلک المکوکب بالمنازل على شکل الدلالات على ما وقعت فیه الحیرة فاستدل بالمنازل على ما فی الأطلس من البروج فهر على شکل الدلالة.
وجعل تنوع الأحکام بترول السیارة فی المنازل والبروج بمنزلة الصور الإلهیة التی یظهر فیها الحق فما للأطلس فیها من الحکم تجهل
ویقال لیس له صورة بالدلالة العقلیة وبما للمنازل فیها من الدلالات تعلم ویقال هذا هو الحق".
فقول الشیخ: (هذه الحکمة النوریة انبساط نورها على حضرة الخیال) یمکن فهمه من عدة وجوه: ففی الحضرة الکونیة لا تظهر حکمة فلک البروج إلا بانبساط نور الشمس خلال میرها فی فلکها .
قال تعالى ( ثم جعلنا الشمس علیه دلیلا ) (الفرقان، 45).
وفی الحضرة الإنسانیة الجزئیة: هذه الحکمة تتعلق بالقوة المتخیلة فی الإنسان التی هی أعظم نور فیه وأوسع حضرة منه فیه.
وأما فی الحضرة الإنسانیة الکلیة فحضرة الخیال هی أخص مظاهر الإنسان الکامل لأنها على صورة الحق الکاملة فی الإیجاد والاتساع. وهذا المظهر یسمى یوسف المحمدی.
أما یوسف الیعقوبی فنوره منبسط على حضرات الخیال المقیدة و روحانیته فی السماء الثالثة فهی قطب عالم المثال والتعبیر فی الدنیا، ومحتد نفسه فی الفلک الأطلس.
وأما فی الحضرة الإلهیة هذه الحکمة هی للتجلی الذاتی بالإسم النور فی حضرة الغنی وإظهار الممکنات لأنفسها مفتقرة للغنی الحمید.
ویتکلم الشیخ عن فلک البروج فیقول ما خلاصته :
الاسم الغنی جعل هذا الفلک أطلس لا کوکب فیه متماثل الأجزاء مستدیر الشکل لا تعرفی لحرکته بدایة ولالایة یقطع بحرکته فی الکرسی کما یقطعه من دونه من الأفلاک، وماله طرف.
بوجوده حدثت الأیام والشهور والسنون ولکن ما تعینت هذه الأزمنة فیه إلا بعدما خلق الله فی جوفه من العلامات التی میزت هذه الأزمنة.
وما عین منها هذا الفلک سوى یوم واحد وهی دورة واحدة عینها مکان القدم من الکرسی فتعینت من أعلى فذلک القدر یسمى یوما.
وما عرف هذا الیوم إلا الله تعالى لتماثل أجزاء هذا الفلک و کان ابتداء حرکته بأول درجة من برج الجوزاء المقابلة لقدم الکرسی فظهر أول یوم وهو یوم الأحد بانتهاء دورة واحدة ظهر عن صفة السمع.
فلهذا ما فی العالم إلا من یسمع الأمر الإلهی فی حال عدمه بقوله کن .
ومن دورته الثانیة ظهر یوم الاثنین من صفة الحیاة فما فی العالم جزء إلا وهو حی.
ومن دورته الثالثة ظهر یوم الثلاثاء من صفة البصر فما فی العالم جزء إلا وهو یشاهد خالقه من حیث عینه لا من حیث عین خالقه.
ومن دورته الرابعة ظهر یوم الأربعاء وحرکته عن صفة الإرادة فما فی العالم جزء إلا وهو یقصد تعظیم خالقه.
ومن دورته الخامسة ظهر یوم الخمیس وحرکته عن صفة القدرة فما فی الوجود جزء إلا وهو متمکن من الثناء على موجده.
ومن دورته السادسة ظهر یوم الجمعة وحرکته عن صفة العلم فما فی العالم جزء إلا وهو یعلم موجده من حیث ذاته إلا من حیث ذات موجده.
ومن دورته السابعة ظهر یوم السبت وحرکته عن صفة الکلام فما فی الوجود جزء إلا وهو یسبح بحمد خالقه.
ولم یتمکن الدهر أن یزید على سبعة أیام لأن الصفات الإلهیة الأمهات سبعة.
ومن حرکة هذا الفلک ظهرت الأحیاز وثبت وجود الجوهر الفرد المتحیز الذی لا یقبل القسمة.
ولما انقسمت الکلمة العرشیة الواحدة فی الکرسی إلى اثنین بتدلی القدمین وهما خیر وحکم.
والحکم خمسة أقسام: وجوب وحظر وإباحة وندب وکراهة. والخبر قسم واحد.
فإذا ضربت اثنین فی ستة کان المجموع اثنی عشر سنة إلهیة وستة کونیة لأنها على الصورة فأنقسم هذا الفلک الأطلس على اثنی عشر قسما لکل قسم حکم فی العالم ینتهی إلى غایة ثم تدور کما دارت الأیام سواء إلى غیر نهایة.
فأعطى للحمل 12000 سنة ثم تمشی على کل برج بإسقاط ألف حتى تنتهی إلى آخرها وهو الحوت فله 1000 سنة فجملة الدور 78000 سنة وتعود الحرکة الدوریة متجددة مع ثبات عین المتحرک والحرکة لا تعود عینها أبدا لکن مثلها.
وهذا الفلک هو سقف الجنة وعن حرکته یتکون فیها ما یتکون وهو لا ینخرم نظامه فالجنة لا تفنى لذاتها أبدا ولا یتخلل نعیمها ألم ولا تنغیص.
ولحکم الطبیعة على هذا الفلک ظهرت فیه ثلاثة بروج ناریة ومثلها ترابیة ومثلها هوائیة ومثلها مائیة .
ولکل برج ثلاثة وجوه فمجموعها 36 وجها، والحاکم فیه ملک عظیم بیده تنفیذ ما أوحى الله فیه من أمره .
فـ لملک الحمل "الحامد" مفتاح خلق الصفات والأعراض.
وللثور "الثابت" مفتاح خلق الجنة والنار و بحرکته وحدت جهنم وما یتکون فیها.
وللجوزاء "الجایز “ مفتاح خلق المعادن وفی أول الحادیة إحدى عشرة درجة منه ینتهی یوم القیامة فیستقر أهل الجنة فیها وأهل النار فیها إلى الأبد.
وللسرطان "السائق" مفتاح خلق الدنیا.
وللأسد "الأقلید" مفتاح خلق الآخرة وبطالعه خلقت الجنة.
وللسنبلة "السادن‘‘ تدبیر الأجسام البشریة ویطالعه خلق الإنسان والبرزخ.
وللمیزان "المانح" مفتاح خلق الزمان والأحوال والاستحالات.
وللعقرب "العادل" مفتاح خلق النباتات .
وللقوس "القائم" تدبیر الأجسام النوریة والظلمانیة والنار و مطالعه خلق الجان.
وللجدی "الجابر" مفتاح خلق اللیل والنهار .
وللدلو "الدائم" مفتاح خلق الأرواح .
وللحوت "الحائر" تدبیر الأجسام الحیوانیة.
والمتولی عذاب أهل النار هم القائم والاقلید والحامد والثابت والسادن والجابر ومالک
هو الخازن.
وهؤلاء مع الستة الباقین - أی الحائز والسائق والمانح والعادل والدائم والحافظ - فان جمیعهم یکون مع أهل الجنان ورضوان الخازن .
وفی الباب 361 من الفتوحات المتعلق بسورة المؤمنون فصل الشیخ بإسهاب آثار البروج فی الإنسان الکامل و الإنسان الحیوان.
وفی أواخر هذا الفص تکلم الشیخ عن الأحدیة تمهیدا للدخول إلى فص حکمة أحدیة فی کلمة هودیة وختم بکلمة: (وقد مهدنا لک السبیل فانظر).
إشارة إلى قول هود:" إن ربی على صراط مستقیم" .
وکلمة "انظر" تشیر الى فلک فص هود أی فلک الکواکب التی لا تدرک إلا بالنظر الأنوارها.
وحیث أن أنسب سورة للتنزیه والأحدیة والغنی الذاتی فی سورة الإخلاص إذ کل کلماتها دالة على ذلک .
فقد فسرها الشیخ فی هذا الفص وسمی منزلها فى الباب الثانی والسبعون ومائتان من الفتوحات المکیة فی معرفة منزل تنزیه التوحید.
وأشار إلى استمداد هذا الفص منها ومن الاسم الغنی فقال :
وهو الواحد منزه عن هذه النعوت فهو غنی عنها کما هو غنی عنا. وما للحق نسب إلا هذه السورة.
أن المراد بلفظة تنزیه التوحید أمران
اعلم أیدنا الله وإیاک بروح منه أن المراد بلفظة تنزیه التوحید أمران:
الواحد أن یکون التوحید متعلق التنزیه لا الحق سبحانه.
والأمر الآخر أن یکون التنزیه مضافا إلى التوحید على معنى أن الحق تعالى قد ینزه بتنزیه التوحید إیاه لا بتنزیه من نزهة من المخلوقین بالتوحید مثل حمد الحمد.
فإن قیام الصفة بالموصوف ما فیها دعوى ولا یتطرق إلیها احتمال.
09: سورة فص یوسف علیه السلام
هی التی فسرها الشیخ فی آخر هذا الباب أی: الإخلاص.
کما سبق بیانه وتسمى سورة الجمال المناسب لیوسف الذی قال الله عنه فی سورته "الآیة 24" "إنه من عبادنا المخلصین " ولفظة "النور" المنسوبة إلیه هذه الحکمة مناسبة لها.
فکون النور لا یدرک مناسب للآیة: "قل هو الله أحد" ، غنی الذات عن الغیر لأحدیتها . فهو تعالى : "لا تدرکه الأبصار" ، (الأنعام، 103).
وکون النور واسطة الإدراک مناسب للآیة: (" الله الصمد ") أی یفتقر إلیه افتقار البصر للنور. راجع تفصیل هذه المعانی فی آخر فص هارون علیه السلام .
ولخروج سورة الإخلاص عن قبضة کل تشبیه کانت فی تمام المناسبة مع حرف هذا الفص أی الجیم الخارج عن قبضة الحروف کما سبق ذکره....
ومن لطیف الاتفاق أن عدد الجیم المفصل هو "جیم -3+10+40-53" .
وکذلک سورة الإخلاص تتألف من 53 حرفا باعتبار المد والتضعیف والهمزة.
فإن قیل إن الشیخ ذکر فی أواخر فص هارون مسائل تتعلق بسورة الإخلاص حیث أکد على أحدیة الحق تعالى وتخیل العابد المعبوده و الإله الذی یصعد إلیه ویعلم من حیث الجملة ولا یشهد.
فما هی العلاقة بین فص هارون ونص یوسف بحیث یکادان یشترکان فی سورة الإخلاص ؟
الجواب له عدة وجوه:
أولا: سورة فص هارون هی: الکافرون.
ولها علاقة متمیزة معروفة بالإخلاص حتى أن النبی صلى الله علیه وسلم کان کثیرا ما یقرؤهما معا فی صلاة الفجر وصلاة الاستخارة وغیرها.
وذلک لأن فی "الکافرون" تبریء من کثرة الآلهة المعبودة وفی "الإخلاص" إثبات للإله الواحد الأحد الصمد المعبود فهما متکاملتان حیث أن فی "الکافرون" نفی للشرک وفی "الإخلاص" إثبات للتوحید.
فمجموعهما یمثل کلمة الإخلاص "لا إله إلا الله" فنصفها الأول لسورة الکافرون" والثانی الإخلاص.
ومن الاتفاق أن عدد حروف "الکافرون" هو "99" حرفا على عدد "لا إله إلا" وعدد حروف "الإخلاص" مع البسملة هو "66" على عدد الاسم "الله".
أی أن مجموع حروف البسملة مع السورتین یساوی عدد "لا إله إلا الله".
ثانیا: للفص الیوسفی الفلک الأطلس وهو فلک الحیرة. والفص الهارونی له مرتبة الحیوان.
وقد قال الشیخ فی الفتوحات أن الحیوان فی علمه بالله تعالى مفطور على الحیرة. وقال فی الباب 357 المخصوص بسورة النمل أن البهائم اختصت بهذا الاسم لما انبهم علینا فی أمرها فانبهام أمرها إنما هو من حیث حیرتنا
ولعلاقة الحیرة الحیوانیة بتزیه الفلک الأطلس وحیرته نجد الشیخ یتکلم عن تحقق العارف بالحیوانیة فی آخر الفص إلیاسی الذی مداره حول التعریه وتشبیه الأوهام وحیرة الأفکار...
ثالثا: هارون هو قطب السماء الخامسة سماء الهلال والقهر ویوم الثلاثاء.
ویوسف هو قطب السماء الثالثة سماء الجمال والحسن ویوم الجمعة.
فالجلال والجمال متکاملان تکامل سورتی الکافرون والإخلاص.
وروحانیة کوکب الزهرة الحاکم على نار الجمعة هو الحاکم أیضا على لیلة الثلاثاء کما هو معروف عند علماء الفلک و کما أشار إلیه الشیخ فی کتابه: "أیام الشأن" حیث یقول: وصلى الله على من کان یومه المعروف ویومه المشهود المؤثر الثلاثاء ویومه المخصوص بذاته الجمعة" انتهى.
وأما لیلة الجمعة ونهار الاثنین فـ لروحانیة القمر....
ولیوسف نسبة متمیزة مع العدد "ثلاثة" فهو صاحب روحانیة الزهرة فی السماء الثالثة التی لها نهار الجمال فار الجمعة ولیلة الحسن لیلة الثلاثاء.
فالجمعة هی سادس الأیام والستة هی ضعف الثلاثة والعدد ستة یرجع بنا إلى الأشهر الستة المذکورة أول الفص.
والثلاثاء هو ثالث الأیام وسورة الإخلاص ثالث السور والفلک الأطلس هو ثالث الأفلاک :
إذ الأول للعرش
والثانی الکرسی،
والثالث الفلک الأطلس
وهو تاسع مراتب نفس الرحمن فله الفصل التاسع والتسعة مکعب الثلاثة.
وقد ذکر رسول الله صلى الله علیه وسلم لیوسف علیه السلام ثلاثة آباء کرام فقال فی الحدیث الصحیح: "أتدرون من الکریم بن الکریم بن الکریم بن الکریم؟"
یعنی یوسف بن یعقوب بن إسحاق بن إبراهیم.
وإنما ذکرنا هذا لأن سبب نزول سورة هذا الفص الیوسفی أی "الإخلاص هو سوال الکفار للرسول صلى الله علیه وسلم : "أنسب لنا ربک".
ولهذا نجد الشیخ یبدأ الوصل الثالث من الباب 369 وهو المخصوص بسورة الإخلاص بقوله: "... من المولى الثالث وهو یتضمن علم الأمر الواقع عند السؤال" ویقول أیضا فی أخر باب منزل "الإخلاص" أی الباب "273": وفی هذا المنزل من العلوم علم النسب الإلهی"
وختم الشیخ هذا الفص بقوله: "فهو هویتنا..." إشارة إلى فاتحة الإخلاص: "قل هو"
کدلیل على علاقة سورة (الإخلاص) بیوسف والفلک الأطلس نذکر أبیاتا کتبها الشیخ فی متل سورة (الإخلاص) أی الباب (272 فتوحات) حیث یذکر ترید التوحید وأبیات من الباب (372 فی الخاص بسورة (یوسف) یذکر فیه الحیرة والفلک الدائر فیفتح الباب (272) قائلا:
بتنزیه توحید الأله أقول ... وذلک نور ما لدیه أقول
وتنزیهه ما بین ذات ورتبة ... وأن الذی یدری به لقلیل
تنزه عن تنزیه کل منزه … فمن شاء قولا فلیقل بیقول
فإن وجود الحق فی حرف غیبه ... فحرف حضور ما علیه قبول
وفی البیتین الأخیرین یشیر إلى فاتحة الإخلاص (قول هو )
وفی باب منزل سورة "یوسف" یقول:
ولما رأینا الحق فی صورة البشر ... علمنا بأن العقل فیه على خطر
فمن قید الحق المبین بعقله ... ولم یطلق التقیید ما عنده خبر
إذا ما تجلى لی على مثل صورتی ... تجلیت فی التنزیه عن سائر الصور
فإن قال ماذا قلت أنت ذکرت لی ... بأنک نعفو عن ظلوم إذا انتصر
وأنت مثلی قل فلم حزت صورتی ... ورؤیتی إیاکم کما یبصر القمر
فإن کنت مثلی فالتماثل حاکم ... على کل مثل کالذی یقتضى النظر
فکل شبیه للشبیه مشاکل ... على کل حال فی القدیم وفی البشر
لقد شرع الله السجود لسهونا ... بإرغام شیطان وجبر لما انکسر
فمالک لم تسجد وأنت أمامنا ... فأنت جدیر بالسجود کما ذکر
أتیناک نسعى فاثنیت مهرولا ... وأین خطى الأقدام من خطوة البصر
ومنها أیضا:
فمن فصلنا أو بمن قد وصلتنا ... وما هو إلا الله بالعین ولأثر
فشکرا لما أخفى وشکرا لما بدا ... وحاز مرید الخیر عبدا ذا شکر
وما هو إلا الحق یشکر نفسه ... ولکن حجاب القرب أرسل فاستتر
وفی هذا الباب یقول أیضا:
ألا أیها الفلک الدائر ..... لمن أنت فی سیرکم سائر
إلینا فنحن بأحشائکم ..... إلیه فسیرکم بائر
تعالى عن الحد فی نفسه ..... وقال هو الباطن الظاهر
تدور علینا بأنفاسنا ..... وأنت لنا الحکم القاهر
فشغلک بی شغل شاغل ..... وأنت إذا ما انقضى خاسر
فإن کنت فی ذاک عن أمره ..... فأنت به الرابح التاجر
ومن فوقکم ثم من فوقه ..... إله لرتقکم فاطر
تعین بالفتق فی رتقکم ..... فعقلک فی صنعه حائر
لذاک تدور وما تبرحن ..... بمثواک والمقبل الغابر
فقف فأبى الجبر إلا السری ..... وقال أنا الکاسر الجابر
سترت عیون النهی فانثنت ..... وقد علمت أننی الساتر
فسبحان من حکمه حکمة ..... ومن عینه الوارد الصادر
فلولاک ما لاح فی أفقه ..... بدورته کوکب زاهر
ولعلاقة یوسف بإخلاص التنزیه نجد الشیخ فی کتابة "التراجم" یجعل باب سورة یوسف تحت عنوان: "ترجمة السلب والتنزیه".
علاقة هذا الفص بسابقه ولاحقه
العلاقة بین فصی یوسف ویعقوب لها عدة مظاهر:
فـ یوسف بن یعقوب، والاسم (الغنی) "ابن" والشکور) لقوله تعالى: "لئن شکرتم لأزیدنکم" (إبراهیم، 7) .
وفلک البروج الأطلس "ابن" الکرسی وقد بین الشیخ العلاقة بینهما فی الفصل 19 من الباب 198.
وأما إشارة الشیخ للدخول لسورة فص هود التالی فتظهر فی آخر کلمة من الفص: (فقد مهدنا لک السبیل فانظر) إشارة إلى الصراط المستقیم الذی افتح به فص هود وقوله (فانظر) إشارة إلى فاتحة سورة فص هود کما ستراها أی (ألم تر کیف) من سورة (الفیل ).