الفقرة الأولی:
متن فصوص الحکم الشیخ الأکبر محمد ابن العربی الطائی الحاتمی 638 هـ :
10 - فص حکمة أحدیة فی کلمة هودیة
قال الشیخ الأکبر رضی الله عنه : (
إن لله الصراط المستقیم ... ظاهر غیر خفی فی العموم
فی کبیر وصغیر عینه ... وجهول بأمور وعلیم
ولهذا وسعت رحمته ... کل شیء من حقیر وعظیم
«ما من دابة إلا هو آخذ بناصیتها إن ربی على صراط مستقیم». فکل ماش فعلى صراط الرب المستقیم.
فهو غیر مغضوب علیهم من هذا الوجه ولا ضالون. فکما کان الضلال عارضا کذلک الغضب الإلهی عارض، والمآل إلى الرحمة التی وسعت کل شیء، وهی السابقة.
وکل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح. وما ثم من یدب بنفسه وإنما یدب بغیره. فهو یدب بحکم التبعیة للذی هو على الصراط المستقیم، فإنه لا یکون صراطا إلا بالمشی علیه.
إذا دان لک الخلق ... فقد دان لک الحق
و إن دان لک الحق ... فقد لا یتبع الخلق
فحقق قولنا فیه ... فقولی کله الحق
فما فی الکون موجود ... تراه ما له نطق
وما خلق تراه العین ... إلا عینه حق
ولکن مودع فیه ... لهذا صوره حق
اعلم أن العلوم الإلهیة الذوقیة الحاصلة لأهل الله مختلفة باختلاف القوى الحاصلة منها مع کونها ترجع إلى عین واحدة.
فإن الله تعالى یقول : «کنت سمعه الذی یسمع به وبصره الذی یبصر به ویده التی یبطش بها ورجله التی یسعى بها.
فذکر أن هویته هی عین الجوارح التی هی عین العبد. فالهویة واحدة والجوارح مختلفة.
ولکل جارحة علم من علوم الأذواق یخصها من عین واحدة تختلف باختلاف الجوارح، کالماء حقیقة واحدة مختلف فی الطعم باختلاف البقاع، فمنه عذب فرات ومنه ملح أجاج، وهو ماء فی جمیع الأحوال لا یتغیر عن حقیقته وإن اختلفت طعومه.
وهذه الحکمة من علم الأرجل وهو قوله تعالى فی الأکل لمن أقام کتبه: «ومن تحت أرجلهم». فإن الطریق الذی هو الصراط هو للسلوک علیه والمشی فیه، والسعی لا یکون إلا بالأرجل.
فلا ینتج هذا الشهود فی أخذ النواصی بید من هو على صراط مستقیم إلا هذا الفن الخاص من علوم الأذواق.
«فیسوق المجرمین» وهم الذین استحقوا المقام الذی ساقهم إلیه بریح الدبور التی أهلکهم عن نفوسهم بها، فهو یأخذ بنواصیهم والریح تسوقهم وهو عین الأهواء التی کانوا علیها- إلى جهنم، وهی البعد الذی کانوا یتوهمونه.
فلما ساقهم إلى ذلک الموطن حصلوا فی عین القرب فزال البعد فزال مسمى جهنم فی حقهم، ففازوا بنعیم القرب من جهة الاستحقاق لأنهم مجرمون.
فما أعطاهم هذا المقام الذوقی اللذیذ من جهة المنة، وإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم من أعمالهم التی کانوا علیها، وکانوا فی السعی فی أعمالهم على صراط الرب المستقیم لأن نواصیهم کانت بید من له هذه الصفة.
فما مشوا بنفوسهم وإنما مشوا بحکم الجبر إلى أن وصلوا إلى عین القرب.
«ونحن أقرب إلیه منکم ولکن لا تبصرون»: وإنما هو یبصر فإنه مکشوف الغطاء «فبصره حدید». وما خص میتا من میت أی ما خص سعیدا فی القرب من شقی.
«ونحن أقرب إلیه من حبل الورید» وما خص إنسانا من إنسان. فالقرب الإلهی من العبد لا خفاء به فی الإخبار الإلهی.
فلا قرب أقرب من أن تکون هویته عین أعضاء العبد وقواه، ولیس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى فهو حق مشهود فی خلق متوهم.
فالخلق معقول والحق محسوس مشهود عند المؤمنین وأهل الکشف والوجود.
وما عدا هذین الصنفین فالحق عندهم معقول والخلق مشهود. فهم بمنزلة الماء الملح الأجاج، والطائفة الأولى بمنزلة الماء العذب الفرات السائغ لشاربه.
فالناس على قسمین: من الناس من یمشی على طریق یعرفها ویعرف غایتها، فهی فی حقه صراط مستقیم.
ومن الناس من یمشی على طریق یجهلها ولا یعرف غایتها وهی عین الطریق التی عرفها الصنف الآخر.
فالعارف یدعو إلى الله على بصیرة، وغیر العارف یدعو إلى الله على التقلید والجهالة.
فهذا علم خاص یأتی من أسفل سافلین، لأن الأرجل هی السفل من الشخص، وأسفل منها ما تحتها ولیس إلا الطریق. فمن عرف أن الحق عین الطریق عرف الأمر على ما هو علیه، فإن فیه جل وعلا تسلک وتسافر إذ لا معلوم إلا هو، وهو عین الوجود والسالک والمسافر.
فلا عالم إلا هو.
فمن أنت؟ فاعرف حقیقتک وطریقتک، فقد بان لک الأمر على لسان الترجمان إن فهمت.
وهو لسان حق فلا یفهمه إلا من فهمه حق، فإن للحق نسبا کثیرة و وجوها مختلفة.
ألا ترى عادا قوم هود کیف «قالوا هذا عارض ممطرنا» فظنوا خیرا بالله تعالى وهو عند ظن عبده به.
فأضرب لهم الحق عن هذا القول فأخبرهم بما هو أتم وأعلى فی القرب، فإنه إذا أمطرهم فذلک حظ الأرض وسقى الحبة فما یصلون إلى نتیجة ذلک المطر إلا عن بعد فقال لهم: «بل هو ما استعجلتم به ریح فیها عذاب ألیم»: فجعل الریح إشارة إلى ما فیها من الراحة فإن بهذه الریح أراحهم من هذه الهیاکل المظلمة والمسالک الوعرة والسدف المدلهمة،
و فی هذه الریح عذاب أی أمر یستعذبونه إذا ذاقوه، إلا أنه یوجعهم لفرقة المألوف. فباشرهم العذاب فکان الأمر إلیهم أقرب مما تخیلوه فدمرت کل شیء بأمر ربها، فأصبحوا لا یرى إلا مساکنهم» وهی جثتهم التی عمرتها أرواحهم الحقیة.
فزالت حقیة هذه النسبة الخاصة وبقیت على هیاکلهم الحیاة الخاصة بهم من الحق التی تنطق بها الجلود والأیدی والأرجل وعذبات الأسواط والأفخاذ.
وقد ورد النص الإلهی بهذا کله، إلا أنه تعالى وصف نفسه بالغیرة، ومن غیرته «حرم الفواحش» ولیس الفحش إلا ما ظهر.
وأما فحش ما بطن فهو لمن ظهر له.
فلما حرم الفواحش أی منع أن تعرف حقیقة ما ذکرناه، وهی أنه عین الأشیاء، فسترها بالغیرة وهو أنت من الغیر.
فالغیر یقول السمع سمع زید، والعارف یقول السمع عین الحق، وهکذا ما بقی من القوى والأعضاء. فما کل أحد عرف الحق:
فتفاضل الناس وتمیزت المراتب فبان الفاضل والمفضول.
واعلم أنه لما أطلعنی الحق وأشهدنی أعیان رسله علیهم السلام وأنبیائه کلهم البشریین من آدم إلى محمد صلى الله علیهم وسلم أجمعین فی مشهد أقمت فیه بقرطبة سنة ست وثمانین و خمسمائة، ما کلمنی أحد من تلک الطائفة إلا هود علیه السلام فإنه أخبرنی بسبب جمعیتهم، و رأیته رجلا ضخما فی الرجال حسن الصورة لطیف المحاورة عارفا بالأمور کاشفا لها.
ودلیلی على کشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو آخذ بناصیتها إن ربی على صراط مستقیم». وأی بشارة للخلق أعظم من هذه؟
ثم من امتنان الله علینا أن أوصل إلینا هذه المقالة عنه فی القرآن، ثم تمها الجامع للکل محمد صلى الله علیه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عین السمع والبصر والید والرجل واللسان: أی هو عین الحواس. والقوى الروحانیة أقرب من الحواس. فاکتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد.
فترجم الحق لنا عن نبیه هود مقالته لقومه بشرى لنا، وترجم رسول الله صلى الله علیه وسلم عن الله مقالته بشرى: فکمل العلم فی صدور الذین أوتوا العلم «و ما یجحد بآیاتنا إلا الکافرون» فإنهم یسترونها وإن عرفوها حسدا منهم و نفاسة و ظلما.
وما رأینا قط من عند الله فی حقه تعالى فی آیة أنزلها أو إخبار عنه أو صله إلینا فیما یرجع إلیه إلا بالتحدید تنزیها کان أو غیر تنزیه.
أوله العماء الذی ما فوقه هواء وما تحته هواء. فکان الحق فیه قبل أن یخلق الخلق. ثم ذکر أنه استوى على العرش، فهذا أیضا تحدید.
ثم ذکر أنه ینزل إلى السماء الدنیا فهذا تحدید. ثم ذکر أنه فی السماء وأنه فی الأرض وأنه معنا أینما کنا إلى أن أخبرنا أنه عیننا.
ونحن محدودون، فما وصف نفسه إلا بالحد. وقوله لیس کمثله شیء حد أیضا إن أخذنا الکف زائدة لغیر الصفة.
ومن تمیز عن المحدود فهو محدود بکونه لیس عین هذا المحدود. فالإطلاق عن التقید تقیید، والمطلق مقید بالإطلاق لمن فهم.
وإن جعلنا الکاف للصفة فقد حددناه، وإن أخذنا «لیس کمثله شیء» على نفی المثل تحققنا بالمفهوم وبالإخبار الصحیح أنه عین الأشیاء، والأشیاء محدودة وإن اختلفت حدودها. فهو محدود بحد کل محدود.
فما یحد شیء إلا وهو الحق. فهو الساری فی مسمى المخلوقات والمبدعات، ولو لم یکن الأمر کذلک ما صح الوجود. فهو عین الوجود، «وهو على کل شیء حفیظ» بذاته، «ولا یؤده» حفظ شیء. فحفظه تعالى للأشیاء کلها حفظه لصورته أن یکون الشیء غیر صورته.
ولا یصح إلا هذا، فهو الشاهد من الشاهد والمشهود من المشهود.
فالعالم صورته، وهو روح العالم المدبر له فهو الإنسان الکبیر.
فهو الکون کله ... وهو الواحد الذی
قام کونی بکونه ... ولذا قلت یغتذی
فوجودی غذاؤه ... وبه نحن نحتذی
فبه منه إن نظرت ... بوجه تعوذی
ولهذا الکرب تنفس، فنسب النفس إلى الرحمن لأنه رحم به ما طلبته النسب الإلهیة من إیجاد صور العالم التی قلنا هی ظاهر الحق إذ هو الظاهر، وهو باطنها إذ هو الباطن، و هو الأول إذ کان و لا هی، و هو الآخر إذ کان عینها عند ظهورها.
فالآخر عین الظاهر والباطن عین الأول، « وهو بکل شیء علیم» لأنه بنفسه علیم.
فلما أوجد الصور فی النفس وظهر سلطان النسب المعبر عنها بالأسماء صح النسب الإلهی للعالم فانتسبوا إلیه تعالى فقال: «الیوم أضع نسبکم وأرفع نسبی» أی آخذ عنکم انتسابکم إلى أنفسکم وأردکم إلى انتسابکم إلی.
أین المتقون؟
أی الذین اتخذوا الله وقایة فکان الحق ظاهرهم أی عین صورهم الظاهرة، وهو أعظم الناس وأحقه وأقواه عند الجمیع.
وقد یکون المتقی من جعل نفسه وقایة للحق بصورته إذ هویة الحق قوى العبد. فجعل مسمى العبد وقایة لمسمى الحق على الشهود حتى یتمیز العالم من غیر العالم.
«قل هل یستوی الذین یعلمون والذین لا یعلمون إنما یتذکر أولوا الألباب» وهم الناظرون فی لب الشیء الذی هو المطلوب من الشیء. فما سبق مقصر مجدا کذلک لا یماثل أجیر عبدا.
وإذا کان الحق وقایة للعبد بوجه والعبد وقایة للحق بوجه.
فقل فی الکون ما شئت: إن شئت قلت هو الخلق.
وإن شئت قلت هو الحق.
وإن شئت قلت هو الحق الخلق.
وإن شئت قلت لا حق من کل وجه ولا خلق من کل وجه.
وإن شئت قلت بالحیرة فی ذلک فقد بانت المطالب بتعیینک المراتب.
ولو لا التحدید ما أخبرت الرسل بتحول الحق فی الصور ولا وصفته بخلع الصور عن نفسه.
فلا تنظر العین إلا إلیه ... و لا یقع الحکم إلا علیه
فنحن له وبه فی یدیه ... و فی کل حال فإنا لدیه
لهذا ینکر ویعرف وینزه ویوصف.
فمن رأى الحق منه فیه بعینه فذلک العارف.
ومن رأى الحق منه فیه بعین نفسه فذلک غیر العارف.
ومن لم یر الحق منه ولا فیه وانتظر أن یراه بعین نفسه فذلک الجاهل.
وبالجملة فلا بد لکل شخص من عقیدة فی ربه یرجع بها إلیه ویطلبه فیها :
فإذا تجلى له الحق فیها عرفه و أقر به، و إن تجلى له فی غیرها أنکره وتعوذ منه وأساء الأدب علیه فی نفس الأمر، وهو عند نفسه أنه قد تأدب معه فلا یعتقد معتقد إلها إلا بما جعل فی نفسه، فالإله فی الاعتقادات بالجعل، فما رأوا إلا نفوسهم و ما جعلوا فیها.
فانظر: مراتب الناس فی العلم بالله تعالى هو عین مراتبهم فی الرؤیة یوم القیامة.
وقد أعلمتک بالسبب الموجب لذلک . فإیاک أن تتقید بعقد مخصوص وتکفر بما سواه فیفوتک خیر کثیر بل یفوتک العلم بالأمر على ما هو علیه. فکن فی نفسک هیولى لصور المعتقدات کلها فإن الله تعالى أوسع وأعظم من أن یحصره عقد دون عقد فإنه یقول «فأینما تولوا فثم وجه الله» وما ذکر أینا من أین.
وذکر أن ثم وجه الله، ووجه الشیء حقیقته.
فنبه بذلک قلوب العارفین لئلا تشغلهم العوارض فی الحیاة الدنیا عن استحضار مثل هذا فإنه لا یدری العبد فی أی نفس یقبض، فقد یقبض فی وقت غفلة فلا یستوی مع من قبض على حضور.
ثم إن العبد الکامل مع علمه بهذا یلزم فی الصورة الظاهرة والحال المقیدة التوجه بالصلاة إلى شطر المسجد الحرام ویعتقد أن الله فی قبلته حال صلاته، و هو بعض مراتب وجه لحق من «فأینما تولوا فثم وجه الله». فشطر المسجد الحرام منها، ففیه وجه الله.
ولکن لا تقل هو هنا فقط، بل قف عند ما أدرکت و الزم الأدب فی الاستقبال شطر المسجد الحرام و الزم الأدب فی عدم حصر الوجه فی تلک الأبنیة الخاصة، بل هی من جملة أینیات ما تولى متول إلیها. فقد بان لک عن الله تعالى أنه فی أینیة کل وجهة، و ما ثم إلا الاعتقادات.
فالکل مصیب، وکل مصیب مأجور وکل مأجور سعید وکل سعید مرضی عند ربه وإن شقی زمانا ما فی الدار الآخرة.
فقد مرض وتألم أهل العنایة مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق فی الحیاة الدنیا. فمن عباد الله من تدرکهم تلک الآلام فی الحیاة الأخرى فی دار تسمى جهنم، و مع هذا لا یقطع أحد من أهل العلم الذین کشفوا الأمر على ما هو علیه أنه لا یکون لهم فی تلک الدار نعیم خاص بهم، إما بفقد ألم کانوا یجدونه فارتفع عنهم فیکون نعیمهم راحتهم عن وجدان ذلک الألم، أو یکون نعیم مستقل زائد کنعیم أهل الجنان فی الجنان و الله أعلم .
متن نقش فصوص الحکم للشیخ الأکبر محمد ابن العربی الطائی الحاتمی 638 هـ :
10 - نقش فص حکمة أحدیة فی کلمة هودیة
غایات الطریق کلها إلى الله والله غایتها . فکلها صراط مستقیم .
لکن تعبدنا الله بالطریق الموصل إلى سعادتنا خاصة وهو ما شرعه لنا . فللأول وسعت رحمته کل شیء .
فالمآل إلى السعادة حیث کان العبد وهو الوصول إلى الملائم من الناس .
من نال الرحمة من عین المنة .
ومنهم من نالها من حیث الوجوب ونال سبب حصولها من عین المنة ، وأما المتلقی فبله حالان : حال یکون فیه وقایة لله من المذام .
وحال یکون الله له وقایة فیه وهو معلوم .
الفکوک فی اسرار مستندات حکم الفصوص صدر الدین القونوی 673 هـ :
10 - فک ختم الفص الهودى
1 / 10 - اعلم ان للوحدة ثلاث مراتب ، لکل مرتبة اعتبار :
فالاعتبار المختص بالمرتبة الاولى هو اعتبار الوحدة من حیث هی هی ، هذا الوجه لا تغایر الاحدیة ، بل هی عینها لا من الوجهین الآخرین ، ولیست من هذا الوجه نعتا للواحد بل هی ذاته ، فمتى ذکرت الاحدیة الذاتیة وکان المترجم عنها الحق او واحد من أکابر المحققین الراسخین فی العلم فإنه انما یطلقها بهذا الاعتبار الذی ذکرناه .
ولکل شیء احدیة تخصه وهی اعتباره من حیث عدم مغایرة کل شأن من الشئون الذاتیة للذات المعنونة بالاحدیة بالتفسیر المشار الیه .
2 / 10 - والاعتبار المختص بالمرتبة الثانیة هو اعتبار الوحدة من کونها نعتا للواحد وتسمى بوحدة النسب باحدیة الصفات والإضافات ، وینضاف الى الحق من حیث الاسم الله الذی هو محتد الأسماء والصفات ومشرع الوحدة والکثرة المعلومتین للجمهور .
3 / 10 - والاعتبار المختص بالمرتبة الثالثة هو اعتبار الوحدة من حیث لا یلحقها من الاحکام التی هی على نوعین :
نوع متعقل فیها لکن ظهوره موقوف على شرط او شروط ، مع ان تلک الوحدة بالذات مشتملة علیها بالقوة .
والنوع الثانی من النعوت والاحکام لیست الوحدة بالذات مشتملة علیها ، وانما یلحق وینضاف إلیها من امور خارجة عن معقولیة صرافة وحدتها .
کقولنا : الواحد نصف الاثنین وثلث الثلاثة وانه مبدأ لما یتعقل من معنى التعدد النسبی او الوجودی .
4 / 10 - وهذا الوحدة التی یضادها الکثرة ویختص بمرتبة الأفعال لوحدة الفعل والفاعل وکثرة المحال التی بها یظهر الکثرة ، فإنها الخصیصة بهذا الفص الهودى وهو ذوق هود المذکور فی قصته علیه السلام فإنه ذکر الاخذ بالنواصی والمشی والصراط .
وکل هذه احکام التصرف والتصریف وانه الفعل لا محالة ، غیر انه غلب فی إخباره وحدة الفعل على تعددات العارضة له فی المحال المتأثرة والمعددة إیاه .
والسر فیه هو من أجل عدم اعتبار الوسائط والأسباب المشار إلیها بقوله تعالى : " ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِیَتِها " [ هود / 56 ] فأضاف الاخذ الى الهویة التی هی عین الذات ، حتى انه لم یذکر یدا ولا صفة ولا غیر ذلک .
5 / 10 - وهو مشهد المتوسطین من المحققین ، فان مقتضى ذوقهم ان الأسباب والوسائط معدات لا مؤثرات ، وان الفعل فی أصله واحد وانه اثر الحق لا اثر فیه لسواه من حیث ذات الفعل من کونه فعلا .
لکن یکتسب ذلک الفعل الوحدانى فعل المتعددات من المحال المتأثرة ویتبع ذلک التعدد کیفیات نافعة للمکتسب العدد وکیفیات مضرة له عاجلا وآجلا، مؤجل وغیر مؤجل ، وذلک النفع والضر تارة یعودان على الإنسان من حیث روحه وتارة یعودان علیه من حیث صورته ونشأته ، وتارة یعودان على المجموع .
6 / 10 - وثم صنف اعلى واکشف من هذا الصنف ومقتضى ذوقهم :
ان الفعل الوحدانى وان کان إلیها ومطلقا فی الأصل لا وصف له غیر ان تعینه بالتأثیر .
والتأثیر التکلیفی انما یکون بحسب المراتب التی یحصل فیها اجتماع جملة من احکام الوجوب والإمکان فی قابل لها وجامع ، فان ظهرت الغلبة لأحکام الوجوب على احکام الإمکان وصف الفعل بعد تقیده وقبوله التعدد طاعة وفعلا مرضیا حمیدا .
وان کانت الغلبة لأحکام الإمکان وتضاعف الخواص الوسائط کان الامر بالعکس بمعنى ان الفعل یسمى من حیث تقیده على ذلک الوجه وتکیفه بتلک الکیفیات معصیة وفعلا قبیحا غیر مرضى ونحو ذلک .
7 / 10 - والحسن والقبح راجعان الى ما یناسب مرتبة الشرع والعقل والى الملاءمة من حیث الطبع والغرض ، ولسان الشرع معرب اما عن بعض المحاسن الخافیة عن العقول عاجلا - وکذلک عن القبائح - او معرب عما یعود من ذلک الفعل من حیث الثمرات على الثمرات وعلى المعین والمکیف إیاه بذلک الوصف ، وکل ذلک بحسب ما یعلمه الشارع من سر ذلک تکیف والتعدد المخصوص بالنسبة الى عموم الفاعلین او بالنسبة الى الأکثرین منهم ، وبیان کیفیة التدارک والتلافی لذلک الضرر المودع فی الفعل غیر المرض او تنمیة ، وذلک النفع فی المودع المسمى فعلا مرضیا وتثبتة .
8 / 10 - وثم صنف اعلى ومن مقتضى ذوقهم وشهودهم معرفة ان کل سبب وشرط ووسائط لیس غیر تعین من تعینات الحق وانه فعله سبحانه الوحدانى یعود الیه من حیثیة کل تعین بحسب الامر المقتضى للتعین کان ما کان ، وان المضاف الیه ذلک الفعل ظاهرا یتصل به حکم الفعل وثمرته بحسب شهوده ومعرفته ونسبته الى الفعل الأصلی واحدیة التصرف والمتصرف وانصباغ أفعاله بحکم الوجوب وسر سبق العلم وموجبه ومقتضاه وبضعف ذلک او عدمه .
9 / 10 - ومن لم یذق هذا المشهد ولم یطلع علیه لم یعرف سر قوله تعالى :" وما رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ ولکِنَّ الله رَمى " [ الأنفال / 17 ] ،
ولا سر قوله تعالى : " إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَکَ إِنَّما یُبایِعُونَ الله " [ الفتح / 10 ] ،
ولا سر قوله صلى الله علیه وسلم : ان الله قال على لسان عبده : "سمع الله لمن حمده " ،
ولا سر قوله تعالى : "کنت سمعه وبصره ویده ورجله ، فبی یسمع وبى یبصر وبى یسعى وبى یبطش " ،
ولا سر قوله الذی هو دون ذلک کله : " قاتِلُوهُمْ یُعَذِّبْهُمُ الله بِأَیْدِیکُمْ " [ توبه / 14 ] .
ولا یعرف من اى وجه یصح نسبة الأفعال الى الحق من حیث اصالتها ومن حیث احدیة جمعها ، ومن اى وجه ایضا یصح نسبتها الى الحق وان تعددت وتکثرت .
10 / 10 - ولا یعرف ایضا هل مقام التمحض المشار الیه بقوله تعالى : " إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَکَ إِنَّما یُبایِعُونَ الله " اعلى .
او مقام التشکیک المنبه علیه بقوله :" وما رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ ولکِنَّ الله رَمى "
ولا یعرف مرتبة الحسن والقبح الحقیقی والنسبی .
ولا یعرف نتائج الأفعال والثمرات فی الدنیا والبرزخ والحشر والنار والجنة ولوازمها من الاسرار فتنبه ترشد .
11/ 10 - فهذا روح هذا الفص والخفی من شأنه ، وما سوى ذلک فقد نبه شیخنا رضى الله عنه على ما قدر له ذکره منه وما امر بتسطیره کما أشار الیه والله المرشد .
الجزء الثانی
کلمات و مصطلحات وردت فی فص حکمة أحدیة فی کلمة هودیة :
01 - الأحد عز وجل ومصطلح الأحدیة : الاسم من الأحد
أحد فی اللغة ": هو الفرد الذی لم یزل وحده ولم یکن معه آخر، وهو اسم بنی لنفی ما یذکر معه من العدد، والهمزة بدل من الواو وأصله وحد، لأنه من الوحدة .
ورد أحد فی القرآن الکریم (53) مرة وردت هذه اللفظة فی القرآن الکریم بمشتقاتها المختلفة، منها قوله تعالى:" قل هو الله أحد. الله الصمد. لم یلد ولم یولد. ولم یکن له کفوا أحد ".
و فى المصطلح الصوفی موسوعة الکسنزان
یقول الشیخ ابن العربی الطائی الحاتمی فی أن الاسم الأحد من النعوت الإلهیة والکونیة : " الاسم الأحد ینطلق على کل شیء: من ملک، وفلک، وکوکب، وطبیعة، وعنصر، ومعدن، ونبات، وحیوان، وإنسان مع کونه نعتا إلهیا فی قوله:" قل هو الله أحد ". وجعله نعتا کونیا فی قوله:" ولا یشرک بعبادة ربه أحدا "
یقول الشیخ الحسین بن منصور الحلاج:
الآحاد الظاهرة فی الوجود الحق أربعة:
أحد لا یتجزأ، ولا یفتقر إلى محل: وهو الباریء جل وعلا.
والثانی: أحد یتجزأ، وینقسم، ویفتقر إلى محل: وهو الجسم.
والثالث: أحد یتجزأ، ولا ینقسم، ویفتقر إلى محل: وهو الجوهر.
والرابع: أحد لا یتجزأ، ولا ینقسم، ویفتقر إلى محل: وهو العرض
یقول الشیخ ابن العربی الطائی الحاتمی:
" الأحدیة: هی موطن الأحد، علیها حجاب العزة لا یرفع أبدا فلا یراه فی الأحدیة سواه، لأن الحقائق تأبى ذلک
ویقول" الأحدیة: هی أشرف صفة الواحد من جمیع الصفات، وهی ساریة فی کل موجود. ولولا أنها ساریة فی کل موجود ما صح أن نعرف أحدیة الحق ، فما عرفه أحد إلا من نفسه، ولا کان على أحدیته دلیل سوى أحدیته
یقول الشیخ عبد الکریم الجیلی :
الأحدیة : أول تجلیات الذات فی نفسه لنفسه بنفسه
ویقول" أحدیته تعالى : هی عین الکثرة المتنوعة .
ویقول " الأحدیة : هی أخص مظاهر الذات لنفسها .
یقول الشیخ عبد الغنی النابلسی:
" الأحدیة : حضرة من حضرات الله تعالى یتجلى بها على هذا الروح المذکور " الروح الإنسانی " فیجذبه إلیه .
یقول الشیخ أبو العباس التجانی :
" الأحدیة : هو تجلیه بذاته فی ذاته لذاته عن ذاته ، مع ظهور نسبة الأحدیة ، ومحو جمیع النسب من الأسماء والصفات والکثرة والغیریة .
ویقول : " الأحدیة : هی مرتبة ظهور الحق بمرتبة تفریده فی الوجود حیث لا وجود لشیء معه.
ویقول الشیخ أبو بکر الواسطی:
" الأحد بأسمائه والواحد بأفعاله. والأحد فی أزلیته، والواحد فی سرمدیته .
یقول الشیخ محمد مهدی الرواس
الأحدیة : وهی المرتبة الإلهیة فوق حکم مرتبة الواحدیة ، وهی رتبة الإفراد للذات، کما أن الواحدیة رتبة الإفراد للصفات .
یقول الشیخ عبد القادر الجزائری عن الأحدیة :
هی الذات بشرط لا شیء أی بشرط الإطلاق ، فهی مرتبة تقییدها بتجردها عن القیود الثبوتیة ، فهی عبارة عن مجلى ذاتی لیس لشیء من الأسماء ولا لمؤثراتها فیه ظهور ... وکل اسم بعد الأحدیة فهو مخصص لا ینسب إلى الذات .
ویقول : " الأحدیة : اسم الذات الوجود المطلق عن الإطلاق والتقیید ، لأن الإطلاق تقید بالإطلاق ، والمراد : أنه لا شیء من قید وإطلاق ، ولهذا جعل الأحد بعض سادات
القیوم أول الأسماء، لأن الاسم موضوع للدلالة، وهی العلمیة الدالة على عین الذات، لا من حیث نسبة من النسب، أو صفة من الصفات، فلا یعقل معه إلا العین من غیر ترکیب، فلیس الأحد بنعت، وإنما هو عین، ولهذا منع أهل الله ، أن یکون لأحد من ملک أو بشر تجل بهذا الاسم، لأن الأحدیة تنفی بذاتها أن یکون معها ما یسمى غیرا وسوى. وهی أول المراتب والتنزلات من الغیب إلى المجالی المعقولة والمحسوسة
یقول الشیخ عبد القادر الجزائری الأحد الواحد عز وجل عند ابن العربی :
هو اسم علم على الذات، وهو الاسم الوحید بین الأسماء الإلهیة الذی لیس فیه غیر العلمیة .
ویضیف الشیخ عبد القادر الجزائری قائلا:
" وقولنا الأحد أو الوجود اسم الذات، تقریب للأمور الوجدانیة للأفهام، لأن اسمها معنى قائم بها فهو صفتها وصفتها عین ذاتها، فهذه المرتبة أحدیة جمع جمیع الأشیاء الإلهیة والکونیة المتکثرة بنعوتها. وکل ما تتحد به الأمور الکثیرة فهو أحدیة جمع جمیعها، کالحقیقة الإنسانیة، فإنها أحدیة جمع جمیع بنی آدم
یقول الشیخ الأکبر ابن العربی الطائی الحاتمی فی سریان الأحدیة فی کل موجود:
" الأحدیة قد أطلقت على کل موجود من إنسان وغیره لئلا یطمع فیها الإنسان فقال تعالى:" فلیعمل عملا صالحا ولا یشرک بعبادة ربه أحدا ".
وقد أشرک المشرکون معه الملائکة والنجوم والأناس والشیاطین والحیوانات والشجر والجمادات فصارت الأحدیة ساریة فی کل موجود فزال طمع الإنسان من الاختصاص. وإنما عمت جمیع المخلوقات الأحدیة للسریان الإلهی الذی لا یشعر به خلق إلا من شاء الله
ویقول الشیخ علی الخواص:
" معناه أنک إذا تحققت النظر وجدت جمیع الوجود قائما بالله أی بقدرته لا بنفس ذلک المخلوق، فمن شهد ذلک تحقق بشهوده سریان الأحدیة فی جمیع الوجود، فکما أن الروح لا قیام للجسد بغیرها فکذلک الروح نفسها لا قیام لها إلا بالله .
یقول الشیخ الأکبر ابن العربی الطائی الحاتمی عن الأحدیة وانتفاء خلق الإنسان منها:
" الإنسان الذی هو أکمل النسخ وأتم النشآت له مخلوق على الوحدانیة لا على الأحدیة، لأن الأحدیة لها الغنى على الإطلاق
یقول الشیخ محمد بهاء الدین البیطارعن تجلی مجموع الأحدیة:
" إن تجلی مجموع الأحدیة بمنزلة من شاهد صور الحقیقة على التفصیل مع علمه بأن الحقیقة تجمعها إلا أنه ناظر للحقیقة من حیث التمیز للأفراد المندرجة بها، کمن یرى صور زید وعمر وبکر إلى غیر ذلک، فهو وإن کان یعلم أن الحقیقة الإنسانیة تجمع هذه الصور إلا أنه لیس ناظرا لذلک بل نظره لتمیز کل صورة عن غیرها
یقول الشیخ عبد الکریم الجیلی فی امتناع تجلی الأحدیة:
" منع أهل الله تجلی الأحدیة ولم یمنعوا تجلی الألوهیة، فان الأحدیة ذات محض لا ظهور لصفة فیها فضلا عن أن یظهر فیها مخلوق، فامتنع نسبتها إلى المخلوق من کل وجه، فما هی إلا للقدیم القائم بذاته
یقول الشیخ عبد الغنی النابلسی فی الفرق بین الأحدیة والواحدیة:
" الأحدیة أخص من الواحدیة، لأن الواحدیة تعم واحد الأعداد، والأحدیة مختصة بلزوم الانفراد
یقول الشیخ محمد ماء العینین عن الفرق بین الأحدیة والأحد والواحدیة:
" الأحدیة: هی المجلى الأول للذات الإلهیة الأحدیة لیس لشیء من الاعتبارات والإضافة والأسماء والصفات ولا غیر ذلک فیها ظهور: فهی ذات صرف لکن قد نسبت الأحدیة إلیها ...
والأحد: اسم لمن لا یشارکه شیء فی ذاته.
کما أن الواحد : اسم لمن لا یشارکه شیء فی صفاته ، یعنی : أن الأحد هو الذات وحدها بلا اعتبار کثرة فیها ، فأثبت له الأحدیة التی هی الغنى عن کل ما عداه وذلک من حیث عینه وذاته من غیر اعتبار أمر آخر .
والواحد هو الذات مع اعتبار کثرة الصفات ، وهی الحضرة الأسمائیة ولذا قال تعالى :
" إن إلهکم لواحد " ولم یقل لأحد ، لأن الواحدیة من أسماء التقیید ، فبینهما وبین الخلق ارتباط أی من حیث الإلهیة والمألوهیة بخلاف الأحدیة إذ لا یصح ارتباطها بشیء .
یقول الشیخ عبد الکریم الجیلی فی الفرق بین الأحدیة والواحدیة والألوهیة:
" إن الأحدیة لا یظهر فیها شیء من الأسماء والصفات ، وذلک عبارة عن محض الذات الصرف فی شأنه الذاتی .
والواحدیة تظهر فیها الأسماء والصفات مع مؤثراتها ، لکن بحکم الذات لا بحکم افتراقها ، فکل منها فیه عین الآخر .
والألوهیة تظهر فیها الأسماء والصفات بحکم ما یستحقه کل واحد من الجمیع ، ویظهر فیها أن المنعم ضد المنتقم ، والمنتقم فیها ضد المنعم ، وکذلک باقی الأسماء والصفات حتى الأحدیة فإنها تظهر فی الألوهیة بما یقتضیه حکم الأحدیة وبما یقتضیه حکم الواحدیة ، فتشمل الألوهیة بمجلاها أحکام جمیع المجالی فهی مجلى إعطاء کل ذی حق حقه .
والأحدیة مجلى کان الله ولا شیء معه . والواحدیة مجلى وهو الآن على ما علیه کان قال الله تعالى : " کل شیء هالک إلا وجهه " .
فلهذا کانت الأحدیة أعلى من الواحدیة ، لأنها ذات محض ، وکانت الألوهیة أعلى من الواحدیة ، لأنها أعطت الأحدیة حقها ... فکانت أعلى الأسماء وأجمعها وأعزها وأرفعها وفضلها على الأحدیة کفضل الکل على الجزء ، وفضل الأحدیة على باقی المجالی الذاتیة کفضل الأصل على الفرع ، وفضل الواحدیة على باقی التجلیات کفضل الجمع على الفرق .
یقول الشیخ بالی زادة أفندی :
الأحدیة الأسمائیة: هی أحدیة مسمى الله، وهی مقام جمع الأسماء .
الأحدیة الذاتیة: هی أحدیة مسمى الله، وتسمى بالأحدیة الإلهیة .
یقول الشیخ ابن قضیب البان فی الوقوف عن مرتبة الأحدیة:
" أوقفنی الحق على بساط الأسماء ، وأول ما کشف لی عن مرتبة الأحدیة ، فرأیتها وقد استغرقت جمیع مراتب الأسماء والصفات والخلق والأمر . فصعقت ما شاء الله ، ثم أفقت فأثنیت على الله ، فقال لی : هذا مقام جمع الجمع ، ومنه حقیقة الحقائق . ولیس هنا من حال القرب والبعد والوصل والفصل .
یقول الشریف الجرجانی عن مرتبة الأحدیة :
هی ما إذا أخذت حقیقة الوجود بشرط أن لا یکون معها شیء ، فهو المرتبة المستهلکة جمیع الأسماء والصفات فیها ، ویسمى جمع الجمع ، وحقیقة الحقائق ، والعماء أیضا .
یقول الشیخ محمد بن فضل الله البرهانبوری عن مرتبة الأحدیة:
هی أول مراتب الوجود الحق ، وهی مرتبة کنه الحق I ولیس فوقها مرتبة أخرى ، بل کل المراتب تحتها .
وهی مرتبة اللاتعین والإطلاق والذات البحت ، لا بمعنى أن قید الإطلاق وسلب التعین ثابتان فی تلک المرتبة ، بل بمعنى أن ذلک الوجود فی تلک المرتبة منزه عن إضافة النعوت والصفات ، ومقدس عن کل قید حتى عن قید الإطلاق أیضا .
یقول الشیخ أبو العباس التجانی عن مرتبة الأحدیة : هی مرتبة کنه الحق ، وهی الذات الساذج التی لا مطمع لأحد فی نیل الوصول إلیها . وتسمى : حضرة الطمس ، والعماء الذاتی .
یقول الشریف الجرجانی أحدیة العین: هی من حیث أغناه عنا وعن الأسماء، ویسمى هذا: جمع الجمع
الدکتورة سعاد الحکیم أحدیة العین عند ابن العربی: هی الأحدیة الدالة على الذات الإلهیة المجردة عن الأسماء والصفات، وهی وقف على الحق لا یتصف بها الخلق
یقول الشریف الجرجانی أحدیة الکثرة: معناه واحد یتعقل فیه کثرة نسبیة، ویسمى هذا: مقام الجمع وأحدیة الجمع .
تقول الدکتورة سعاد الحکیم أحدیة الکثرة عند ابن العربی : هی الأحدیة الدالة على الذات الإلهیة المتصفة بالأسماء والصفات، وهی لیست وقفا على الحق فیشترک الخلق مع الحق فی صفة أحدیة الکثرة .
ویقول الشیخ الأکبر ابن العربی عن أحدیة المجموع:
هی أحدیة الألوهة له تعالى .
یقول الشیخ محمد بهاء الدین البیطار عن تجلی أحدیة المجموع:
فهو کمن یرى هذه الصور "صور الأشخاص" عین الحقیقة الإنسانیة، ولا یصرف نظره إلا لتلک الحقیقة واندراج تلک الصور بها، فتنمحی تلک الصور فی نظره بتلک الحقیقة وتنطوی بشهوده أحکام التمیز والتفصیل.
فلا یرى من الصور فی نظره بتلک الحقیقة وتنطوی بشهوده أحکام التمیز والتفصیل، فلا یرى من الصور إلا أحدیتها التی هی الحقیقة الإنسانیة .
یقول الشیخ حسین البغدادی الأحدیة الجامعة:
هی الذات الإلهیة المطلقة المجردة عن قید الإطلاق، الجامعة لجمیع الکمالات الأسمائیة والصفاتیة .
یقول الغوث الأعظم عبد القادر الجیلانی عن الآحاد الأفراد:
هم مریدوا الحق الصادقون فی إرادته، وهم فی القلة کالکبریت الأحمر، هم آحاد أفراد فی الشذوذ والندور .
کما یقول الآحاد الأفراد: هم أعیان الأولیاء المحجوبون فی الأرض، یرون الناس وهم لا یرونهم، هم الذین بهم تنبت الأرض وتمطر السماء ویرفع البلاء عن الخلق. طعامهم وشرابهم ذکر الله ـ عز وجل ـ والتسبیح والتهلیل کالملائکة .
فی اصطلاح الکسنزان نقول الآحاد الأفراد:
هم الأغواث الذین أفردهم الحق تعالى بهمة الإغاثة والإرشاد وتنویر طریق المریدین لله تعالى.
02 – مصطلح العماء
العماء فی اللغة : السحاب المرتفع أو الکثیف الممطر .
فی الاصطلاح الصوفی موسوعة الکسنزان
یقول الشیخ الأکبر ابن العربی الطائی الحاتمی :
العماء : حیرة ، وأعظمه الحیرة فی العلم بالله .
ویقول الشیخ : " العماء : هو بخار رحمانی ، فیه الرحمة ، بل هو عین الرحمة ، فکان ذلک أول ظرف قبله وجود الحق .
ویقول الشیخ " العماء : هو الأمر الذی … یکون فی القدیم قدیما ، وفی المحدث محدثا ، وهو مثل قولک أو عین قولک فی الوجود إذا نسبته إلى الحق
قلت : قدیم ، وإذا نسبته إلى الخلق ، قلت : محدث .
فالعماء من حیث هو ، وصف للحق هو وصف إلهی ، ومن حیث هو وصف للعالم هو وصف کیانی ، فتختلف علیه الأوصاف لاختلاف أعیان الموصوفین .
ویقول الشیخ : " العماء : هو مستوى الاسم الرب کما کان العرش مستوى الرحمن.
والعماء : هو أول الأینیات ، ومنه ظهرت الظروف المکانیات ، والمراتب فیمن لم یقبل المکان وقبل المکانة ، ومنه ظهرت المحال القابلة للمعانی الجسمانیة حسا وخیالا ، وهو موجود شریف ، الحق معناه وهو الحق المخلوق به کل موجود سوى الله ، وهو المعنى الذی ثبتت فیه واستقرت أعیان الممکنات ، ویقبل حقیقة الأین وظرفیة المکان ورتبة المکانة واسم المحل .
والعماء : هو البرزخ ، والحقیقة الإنسانیة الکاملة ، ومرتبة أهل الکمال ، وموقف الأعراف ، ومنزل الإشراف على الأطراف ، ومقام المطلع .
یقول الشیخ صدر الدین القونوی العماء :
هی مرتبة التنزل الربانی لیتصف الرب فیها بالصفات العبدانیة ، ومرتبة الارتقاء العبدانی لیتصف العبد فیها بالصفات الربانیة ، فهی البرزخ .
یقول الشیخ کمال الدین القاشانی العماء :
هو الحضرة الأحدیة عندنا ، لأنه لا یعرفها أحد غیره فهو فی حجاب الجلال .
وقیل : هی الحضرة الواحدیة التی هی منشأ الأسماء والصفات ، لأن العماء هو الغیم الرقیق والغیم هو الحائل بین السماء والأرض . وهذه الحضرة هی الحائلة بین سماء الأحدیة وبین أرض الکثرة الخلقیة .
ویقول الشیخ کمال القاشانی: " العماء : هو الحضرة العمائیة … هی النفس الرحمانی والتعین الثانی ، وإنها هی البرزخیة الحائلة بکثرتها النسبیة بین الوحدة والکثرة الحقیقیتین … وهی محل تفصیل الحقائق التی کانت فی المرتبة الأولى شؤونا مجملة فی الوحدة ، فسمیت بهذا الاعتبار بـ : العماء ، وهو الغیم الرقیق .
یقول الشیخ عبد الکریم الجیلی عن العماء :
هو عبارة عن حقیقة الحقائق التی لا توصف بالحقیة ولا بالخلقیة ، فهی ذات محض ، لأنها لا تضاف إلى مرتبة لا حقیة ولا خلقیة ، فلا تقتضی لعدم الإضافة وصفا ولا اسما ، وهذا معنى قوله صلى الله علیه وسلم : " إن العماء ما فوقه هواء ولا تحته هواء " یعنی لا حق ولا خلق ، فصار العماء مقابلا للأحدیة .
یقول الشیخ عبد الغنی النابلسی عن العماء :
هو الوارد فی حق الله تعالى … هی الحضرة التی لا وجود فیها لغیر الواحد .
ویقول : " العماء : أی الحجاب الأعظم الأحمى .
ویقول : " العماء … هو أول الأوائل من مراتب الحق تعالى المعتبرة فی معرفة الخلق بالحق العاری أی المجرد عن جمیع الإضافات والوسائل إلیه تعالى الکائنة بینه وبین خلقه .
یقول الشیخ ولی الله الدهلوی :
العماء هو طبیعة هیولانیة قابلة لجمیع الصور الروحانیة والجسمانیة … والعماء قدیم بالزمان حادث بالذات.
أحدها : مرتبة تجرده عن التعین وصرافته .
والثانی : عمومه وسریانه فی الموجودات .
والثالث : تقیده فی کل فرد فرد .
یقول الشیخ عبد الکریم الجیلی فی الفرق بین العماء والأحدیة:
" الفرق بین العماء والأحدیة ، أن الأحدیة حکم الذات فی الذات بمقتضى التعالی وهو الظهور الذاتی الأحدی ، والعماء حکم الذات بمقتضى الإطلاق فلا یفهم منه تعال ولا تدان وهو البطون الذاتی العمائی فهی مقابلة للأحدیة تلک صرافة الذات بحکم التجلی وهذه صرافة الذات بحکم الاستتار .
یقول الشیخ کمال الدین القاشانی عن الحضرة العمائیة :
هی حضرة العلم وحضرة الارتسام : وهی التعین الثانی .
یقول الشیخ کمال الدین القاشانی فی سبب التسمیة بالحضرة العمائیة:
فـ باعتبار البرزخیة الحاصلة بین الوحدة والکثرة المشتملة هذه البرزخیة على هذه الحقائق الکلیة الأصلیة المذکورة من حیث صلاحیة إضافتها إلى الحق بالأصالة وإلى الخلق بالتبعیة متمیزة بحکم الکلیة الأصلیة الجنسیة وانتشاء فروعها وأنواعها وجزئیاتها منها فی غیر هذه البرزخیة مفصلة متمیزة ، فلکون العماء هو الغیم الرقیق سمیت هذه البرزخیة الحائلة بین إضافة هذه الحقائق إلى الحق وإلى الخلق بالحضرة العمائیة .
یقول الشیخ عبد القادر الجزائری عن المرتبة العمائیة الخیالیة البرزخیة :
هی مرتبة اقتران الوجود الذات المنزه عن التجزؤ والانقسام والحلول فی الأرواح والأجسام بالممکنات ، وشروق نوره على أعیان الموجودات یسمى الحق - تعالى - بکل اسم من أسماء الممکنات ، ویوصف بکل وصف ، ویتقید بکل رسم ، ویقبل کل حکم ، ویدرک بکل حاسة من سمع وبصر ولمس وغیرها من الحواس ، والقوة الحسیة والعقلیة والخیالیة لسریانه فی کل شیء محسوس ومعقول ، ومتخیل بالنور الوجود البحت النزیه لذاته من غیر حلول ولا اتحاد .
الشیخ علی البندنیجی القادری عن عالم العماء :
هو مجمع بحری التقیید والإطلاق ، وفی هذا المقام یتصف المقید بأوصاف الإلهیة ، ویتصف المطلق بالنعوت الکونیة .
ویقول : " عالم العماء : هو عالم الخیال الحقیقی الذی فتح به أعیان ما سواه ، وهو عالم التفاصیل ، والحضرة الجامعة ، والمرتبة الشاملة .
ویقول : " عالم العمى : وهو ظاهر الحق والحق باطنه … وهو: الحق المخلوق به .
یقول الشیخ أبو العباس التجانی عن العماء الذاتی :
هی مرتبة الأحدیة ، مرتبة کنه الحق وهی الذات الساذج التی لا مطمع لأحد فی نیل الوصول إلیها ، وتسمى ، حضرة الطمس .
ممدّالهمم در شرح فصوصالحکم، علامه حسنزاده آملی، ص 253
10. فصّ حکمة أحدیّة فی کلمة هودیّة
[حق را صراط مستقیم است که در همه پیداست]
قیصرى فرماید:
چون در آخر فصّ قبل راجع به احدیت ذاتیه و احدیت الهیه از حیث اسماء سخن گفته است، در این فصّ شروع کرد به بیان احدیت از حیث ربوبیت و در احدیت طرق آنها، همراه با بیان معانى لازمهای که تابع آنهاست. زیرا احدیت را مراتبى است. اول آنها: احدیت ذات و ثانى: احدیت اسماء و صفات و ثالث: احدیت افعال که از ربوبیت ناتج است. شیخ احدیت را به کلمه هودیه اسناد داد، زیرا هود علیه السلام مظهر توحید ذاتى و اسمائى و ربوبیت آنها بود و قوم خود را به مقام تحقیق داعى بود که فرمود: ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِیَتِها إِنَّ رَبِّی عَلى صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ (هود: 56). (شرح فصوص قیصرى، ص 241)
شرح فصوص الحکم (خوارزمى/حسن زاده آملى)، ص: ۵۰۵-۵۰۷
[فصّ حکمة أحدیّة فى کلمة هودیّة]
فص حکمة أحدیة فى کلمة هودیة چون بیان «احدیّت ذاتیّه و احدیّت الهیّه» که من حیث الاسماء است در آخر فص گذشته گذشت، اکنون شروع مىکند در بیان «احدیّت» از روى «ربوبیّت»، و احدیّت طرق آن و بیان آنچه تابع اوست از معانى لازمه، چه احدیّت را مراتب است:
اوّل «احدیّت ذاتیّه».
دوم «احدیّت اسمائیه و صفاتیه».
سوم «احدیّت افعالى» که از نتائج ربوبیّت است.
و حکمت احدیّت را ازین جهت به کلمه هودیّه نسبت کرد که هود علیه السلام مظهر توحید ذاتى و اسمائى و ربوبیّاتش بود، دعوت قوم به مقام تحقیق مىنمود که: ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِیَتِها إِنَّ رَبِّی عَلى صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ.
حل فصوص الحکم (شرح فصوص الحکم پارسا)، ص: ۵۸۶
فصّ حکمة أحدیّة فی کلمة هودیّة
قال الشّارح الأوّل: نسبة هذه الحکمة إلى هود- علیه السّلام- هو أنّه لمّا کان الغالب علیه شهود أحدیّة الکثرة فأضاف کذلک إلى ربّه أحدیّة الطّریق بقوله: «إِنَّ رَبِّی عَلى صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ» و قال: «ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِیَتِها» فأشار إلى هویّة لها أحدیّة کثرة النّواصى و الدّواب.