الفقرة الثالثة عشر:
11 - فص حکمة فتوحیة فی کلمة صالحیة
قال الشیخ رضی الله عنه : (
من الآیات آیات الرکائب ... و ذلک لاختلاف فی المذاهب
فمنهم قائمون بها بحق ... و منهم قاطعون بها السباسب "2"
فأما القائمون فأهل عین ... و أما القاطعون هم الجنائب
و کل منهم یأتیه منه ... فتوح غیوبه من کل جانب "3"
1 - المناسبة فی تسمیة هذا الفص :
هی أن صالحا علیه السلام آیاته الناقة ، والناقة من الأنعام وهی الرکائب ، والشیخ یشیر فی مقدمة الفص بشعره إلى طبقة من الأولیاء تسمى الرکبان .
کما سیأتی فی شرح الأبیات الشعریة ، وما یذکره بعد ذلک فی الفص من فتوح الغیب على هذه الطبقة التحدث عن أن الإیجاد لا یکون إلا عن الفردیة والأفراد أولها الثلاثة .
ولهذا ساها فتوحیة والمناسبة بین الفردیة وصالح علیه السلام هی أنه علیه السلام هو القائل لقومه « تمتعوا فی دارکم ثلاثة أیام ذلک وعد غیر مکذوب » فأعقبت الثلاثة أیام الصیحة .
فذکره الثلاثة هو الرابط بینه علیه السلام وبین الفردیة .
2 - إشارة إلى قوله تعالی :
« الله الذی جعل لکم الأنعام لترکبوا منها ومنها تأکلون » غافر 79.
وإلى قوله تعالی : « والذی خلق الأزواج کلها وجعل لکم من الفلک والأنعام ما ترکبون » . الزخرف 12.
3 - یشیر الشیخ بهذه الأبیات إلى طبقة من الأولیاء ذکرهم فی الباب الثلاثین من الفتوحات المکیة ، حیث یقول :
فی معرفة الطبقة الأولى والثانیة من الأقطاب الرکبان
إن لله عبادا رکبوا ... نجب الأعمال فی اللیل البهیم
وترقت همم الذل بهم ... لعزیز جل من فرد علیم
فاجتباهم وتجلى لهمو ... وتلقاهم بکاسات الندیم
من یکن ذا رفعة فی ذلة ... أنه یعرف مقدار العظیم
رتبة الحادث إن حققتها ... إنما یظهر فیها بالقدیم
إن لله علوما جمة ... فی رسول ونبی وقسیم
لطفت ذاتا فما یدرکها ... عالم الأنفاس أنفاس النسیم
ص 162
قال الشیخ رضی الله عنه : (اعلم وفقک الله أن الأمر مبنی فی نفسه على الفردیة و لها التثلیث، فهی من الثلاثة فصاعدا. فالثلاثة أول الأفراد.
و عن هذه الحضرة الإلهیة وجد العالم فقال تعالى «إنما قولنا لشیء إذا أردناه أن نقول له کن فیکون» و هذه ذات ذات إرادة و قول.
فلو لا هذه الذات و إرادتها و هی نسبة التوجه بالتخصیص لتکوین أمر ما، ثم لو لا قوله)
من یکن ذا رفعة فی ذلة ... أنه یعرف مقدار العظیم
رتبة الحادث إن حققتها ... إنما یظهر فیها بالقدیم
إن لله علوما جمة ... فی رسول ونبی وقسیم
لطفت ذاتا فما یدرکها ... عالم الأنفاس أنفاس النسیم
اعلم أیدک الله أن أصحاب النجب فی العرف هم الرکبان قال الشاعر
فلیت لی بهمو قوما إذا رکبوا ..... شنوا الإغارة فرسانا ورکبانا
الفرسان رکاب الخیل والرکبان رکاب الإبل ، فالأفراس فی المعروف ترکبها جمیع الطوائف من عجم وعرب ، والهجن لا یستعملها إلا العرب ."لهجن من الإبل البیض الکرام"
والعرب أرباب الفصاحة والحماسة والکرم ، ولما کانت هذه الصفات غالبة على هذه الطائفة سیناهم بالرکبان ، فمنهم من یرکب نجب الهمم ، ومنهم من یرکب نجب الأعمال ، فلذلک جعلناهم طبقتین أولى وثانیة ، وهؤلاء أصحاب الرکبان هم الأفراد فی هذه الطریقة ، فإنهم رضی الله عنهم على طبقات .
فمنهم الأقطاب ومنهم الأئمة ومنهم الأبدال ومنهم النقباء ومنهم النجباء ومنهم الرجبیون ومنهم الأفراد .
وأول الأفراد الثلاثة .
قال مع الثلاثة رکب ، فأول الرکب الثلاثة إلى ما فوق ذلک ، ولهم من الحضرات الإلهیة الحضرة الفردانیة ، وفیها یتمیزون ، ومن الأسماء الإلهیة الفرد .
والمواد الواردة على قلوبهم من المقام الذی ترد منه على الأملاک المهیبة ولهذا یجهل مقامهم وما یأتون به ، مثل ما أنکر موسى علیه السلام على خضر ، مع شهادة الله فیه لموسى علیه السلام وتعریفه بمنزلته وتزکیة الله إیاه وأخذه العهد علیه إذ أراد صحبته .
ص 163
قال الشیخ رضی الله عنه : (عند هذا التوجه کن لذلک الشیء ما کان ذلک الشیء.
ثم ظهرت الفردیة الثلاثیة أیضا فی ذلک الشیء، وبها من جهته صح تکوینه واتصافه بالوجود، و هی شیئیته و سماعه و امتثاله أمر مکونه بالإیجاد.
فقابل ثلاثة بثلاثة: ذاته الثابتة فی حال عدمها فی موازنة ذات موجدها، وسماعه فی موازنة إرادة موجده، وقبوله بالامتثال لما أمر به من التکوین فی موازنة قوله کن، فکان هو فنسب التکوین إلیه فلولا أنه من قوته التکوین من نفسه عند هذا القول ما تکون.
فما أوجد هذا الشیء بعد أن لم یکن عند الأمر بالتکوین إلا نفسه.
فأثبت الحق تعالى أن التکوین للشیء نفسه لا للحق، والذی للحق فیه أمره خاصة.
وکذلک أخبر عن نفسه فی قوله «إنما قولنا لشیء إذا أردناه)
واعلم أیدک الله أن الأصول التی اعتمد علیها الرکبان کثیرة ، منها التبری من الحرکة إذا أقیموا فیها ، فلهذا رکبوا ، فهم الساکنون على مراکبهم ، المتحرکون بتحریک مراکبهم ، فهم یقطعون ما أمروا بقطعه بغیرهم لا بهم .
فیصلون مستریحین مما تعطیه مشقة الحرکة ، متبرئین من الدعوى التی تعطیها الحرکة ، حتى لو افتخروا بقطع المسافات البعیدة فی الزمان القلیل ، لکان ذلک الفخر راجعا للمرکب الذی قطع بهم تلک المسافة لا لهم .
فلهم التبری ، وما لهم الدعوى ، فهجیرهم لا حول ولا قوة إلا بالله ، و آیتهم « وما رمیت إذ رمیت ولکن الله رمی » .
یقال لهم وما قطعتم هذه المسافات حین قطعتموها ولکن الرکاب قطعتها ، فهم المحمولون ، فلیس للعبد صوله إلا بسلطان سیده ، وله الذلة والعجز والمهانة والضعف من نفسه .
ولما رأوا أن الله قد نبه بقوله تعالى « وله ما سکن » فأخلصه له .
علموا أن الحرکة فیها، الدعوى وأن السکون لا تشوبه دعوى ، فإنه فی الحرکة .
فقالوا إن الله قد أمرنا بقطع هذه المسافة المعنویة وجوب هذه المفاوز المهلکة إلیه ، فإن نحن قطعناها بنفوسنا ، لم تأمن على نفوسنا من أن تنسدح بذلک فی حضرة الاتصال .
فإنها مجبولة على الرعونة وطلب التقدم وحب الفخر ، فنکون من أهل النقص فی ذلک المقام بقدر ما ینبغی أن نحترم به ذلک الجلال الأعظم .
فلنتخذ رکابا نقطع به ، فإن أرادت الافتخار یکون الافتخار للرکاب لا للنفوس ، فاتخذت من « لا حول ولا قوة إلا بالله » نجبا .
فتوحات ج 1 / 199 ، 202
ص 164
قال الشیخ رضی الله عنه : ( أن نقول له کن فیکون» . "4"
فنسب التکوین لنفس الشیء عن أمر الله وهو الصادق فی قوله. و هذا هو المعقول فی نفس الأمر.
کما یقول الآمر الذی یخاف فلا یعصى لعبده قم فیقوم العبد امتثالا لأمر سیده.
فلیس للسید فی قیام هذا العبد سوى أمره له بالقیام، و القیام من فعل العبد لا من فعل السید.
فقام أصل التکوین على التثلیث أی من الثلاثة من الجانبین، من جانب الحق و من جانب الخلق. ثم سرى ذلک فی إیجاد المعانی بالأدلة:
فلا بد من الدلیل أن یکون مرکبا من ثلاثة على نظام مخصوص و شرط مخصوص)
4 - الأعیان الثابتة والوجود العینی
فی الآیة قولنا لا أمرنا ، قال تعالى :" إنما قولنا لشیء إذا أردناه أن تقول له کن فیکون » النحل 40 .
وقال تعالى « إنما أمره إذا أراد شیئا أن یقول له کن فیکون» یس ( 82 ) .
قوله تعالى « إنما قولنا لشیء إذا أردناه » الإرادة هنا التوجه الإلهی بالإیجاد ، فنفى الأثر فیه عن السبب إن کان أوجده عند سبب مخلوق ، ولما توقف حکم الإرادة على حکم العلم قال « إذا أردناه » .
فجاء بظرف الزمان المستقبل فی تعلیق الإرادة ، والإرادة واحدة العین ، فاتقل حکمها من ترجیح بقاء الممکن فی شیئیة ثبوته إلى حکمها بترجیح ظهوره فی شیئیة وجوده .
والشیء هو الممکن ، وأجناسه محصورة فی جوهر متحیز وجوهر غیر متحیز ، وأکوان وألوان ، وما لا ینحصر هو وجود الأنواع والأشخاص « أن تقول له کن فیکون » فجعل سبحانه نسبة التکوین إلى نفس المأمور به ، والقدرة من الممکن حتى یأتیه أمر الآمر من ربه .
فإذا أمره بالتکوین وقال له « کن » مکن القدرة من نفسه ، وتعلقت القدرة بإیجاده ، فکونته من حینه ، فالاسم المرید هو المرجح والمخصص جانب الوجود على جانب العدم .
واعلم أنه ما ورد فی الشرع قط أن الله یشهد الغیوب ، وإنما ورد یعلم الغیوب، ولهذا وصف نفسه بالرؤیة فقال « ألم یعلم بأن الله یرى » .
ووصف نفسه بالبصر وبالعلم ، ففرق بین النسب ومیز بعضها عن بعض ، لیعلم ما بینها ، ولما لم یتصور أن یکون فی حق الله غیب .
علمنا أن الغیب أمر إضافی لما غاب عنا ، وما یلزم من شهود الشیء العلم بحده وحقیقته ، ویلزم من العلم بالشیء العلم بحده وحقیقته ، عدما کان أو وجودا ، وإلا فما علمته ، وقد وصف الحق نفسه بأنه علام الغیوب ، والأشیاء
ص 165
قال الشیخ رضی الله عنه : (وحینئذ ینتج لا بد من ذلک، وهو أن یرکب الناظر دلیله من مقدمتین کل مقدمة تحوی على مفردین فتکون أربعة واحد من هذه الأربعة یتکرر فی المقدمتین لتربط إحداهما بالأخرى کالنکاح فتکون ثلاثة لا غیر لتکرار الواحد فیهما.
فیکون المطلوب إذا وقع هذا الترتیب على الوجه المخصوص و هو ربط إحدى المقدمتین بالأخرى بتکرار ذلک الواحد المفرد الذی به یصح التثلیث.
والشرط المخصوص )
کلها مشهودة للحق فی حال عدمها .
ولو لم تکن کذلک لما خصص بعضها بالإیجاد عن بعض ، فکون العلم میز الأشیاء بعضها عن بعض ، وفصل بعضها عن بعض ، هو المعبر عنه بشهوده إیاها وتعیینه لها .
أی هی بعینه یراها وإن کانت موصوفة بالعدم ، فما هی معدومة لله الحق من حیث علمه بها ، کما أن تصور الإنسان المخترع الأشیاء صورة ما یرید اختراعها فی نفسه ثم یبرزها ، فیظهر عینها لها.
فاتصفت بالوجود العینی ، وکانت فی حال عدمها موصوفة بالوجود الذهنی فی حقنا ، والوجود العلی فی حق الله ، فظهور الأشیاء من وجود إلى وجود ، من وجود علمی إلى وجود عینی .
واعلم أن الطبیعة للأمر الإلهی محل ظهور أعیان الأجسام ، فیها تکونت وعنها ظهرت، فأمر بلا طبیعة لا یکون ، وطبیعة بلا أمر لا تکون ، فالکون متوقف على الأمرین .
ولا تقل إن الله قادر على إیجاد شیء من غیر أن ینفعل أمر آخر ، فإن الله یرد علیک فی ذلک بقوله « إنما قولنا لشیء إذا أردنا أن نقول له کن فیکون » فتلک الشیئیة العامة لکل شیء خاص .
وهو الذی وقع فیها الاشتراک هی التی أثبتناها ، وأن الأمر الإلهی علیها یتوجه لظهور شیء خاص فی تلک الشیئیة المطلقة .
فإذا ظهرت الأجسام أو الأجساد ، ظهرت الصور والأشکال والأعراض وجمیع القوى الروحانیة والحسیة وربما قیل هو المعبر عنه بلسان الشرع العماء ، الذی هو للحق قبل خلق الخلق .
ما تحته هواء وما فوقه هواء ، فذکره وسماه باسم موجود یقبل الصور والأشکال وعلى ذلک فثبوت عین المسکن فی العدم به یکون التهیؤ لقبول الآثار ، وثبوته فی العدم کالبذر لشجرة الوجود . فهو فی العدم بذرة ، وفی الوجود شجرة
ثبوت العین فی الإمکان بذر …… ولولا البذر لم یک ثم نبت
ظهوری عن ثبوتی دون أمر …… إلهی محال حیث کنت
ص 166
قال الشیخ رضی الله عنه : (أن یکون الحکم أعم من العلة أو مساویا لها، و حینئذ یصدق، وإن لم یکن کذلک فإنه ینتج نتیجة غیر صادقة.
وهذا موجود فی العالم مثل إضافة الأفعال إلى العبد معراة عن نسبتها إلى الله أو إضافة التکوین الذی نحن بصدده إلى الله مطلقا.
والحق ما أضافه الا إلى الشیء الذی قیل له کن.
و مثاله إذا أردنا أن ندل أن وجود العالم عن سبب فنقول کل حادث فله سبب فمعنا الحادث و السبب. ثم نقول )
ویقول :
فلولا ثبوت العین ما کان مشهودا …. ولا قال کن کونا ولا کان مقصودا
فما زال حکم العین لله عابدا ….. وما زال کون الحق للعین معبودا
فلما کساه الحق حلة کونه ….. وقد کان قبل الکون فی الکون مفقودا
تکونت الأحکام فیه بکونه ….. فما زال سجادا فقیدا و موجودا
وحکم الثبوت بین الله والخلق خلاف حکم الوجود ، فبحکم الوجود یکون الخلق هو الذی ثنی وجود الحق ، ولیس لحکم الثبوت هذا المقام .
فإن الحق والخلق معا فی الثبوت ولیسا معا فی الوجود ، وکی نشرح لک ذلک المعنى نقول :
اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها ، وهی الوجود المطلق الذی لا یتقید ، وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه ، والعلوم الآخر العدم المطلق الذی هو عدم لنفسه وهو الذی لا یتقید أصلا .
وهو المحال ، وهو فی مقابلة الوجود المطلق ، فکانا على السواء ، حتى لو اتصفا لحکم الوزن علیهما ، وما من نقیضین إلا وبینهما فاصل به یتمیز کل واحد من الآخر ، وهو المانع أن یتصف الواحد بصفة الآخر.
وهو الفاصل الذی بین الوجود المطلق والعدم المطلق ، لو حکم المیزان علیه لکان على السواء فی المقدار من غیر زیادة ولا نقصان ، وهذا هو البرزخ الأعلى ، وهو برزخ البرازخ .
له وجه إلى الوجود ووجه إلى العدم ، فهو یقابل کل واحد من المعلومین بذاته وهو المعلوم الثالث وفیه جمیع الممکنات وهی لا تتناهى کما أنه کل واحد من المعلومین لا یتناهی .
وللممکنات فی هذا البرزخ أعیان ثابتة ، من الوجه الذی ینظر إلیها الوجود المطلق ، ومن هذا الوجه ینطلق علیها اسم الشیء ، الذی إذا أراد الحق
ص 167
قال الشیخ رضی الله عنه : ( فی المقدمة الأخرى والعالم حادث فتکرر الحادث فی المقدمتین.
والثالث قولنا العالم، فأنتج أن العالم له سبب، وظهر فی النتیجة ما ذکر فی المقدمة الواحدة وهو السبب.
فالوجه الخاص هو تکرار الحادث، و الشرط الخاص عموم العلة لأن العلة فی وجود الحادث السبب، وهو عام فی حدوث العالم عن الله أعنی الحکم.
فنحکم على کل حادث أن له سببا سواء کان ذلک السبب مساویا للحکم أو یکون الحکم أعم منه)
إیجاده قال له " کن" فیکون ، ولیس له أعیان موجودة من الوجه الذی ینظر إلیه من العدم المطلق .
ولهذا یقال له « کن » وکن حرف وجودی فإنه لو أنه کائن ما قیل له کن ، وهذه الممکنات فی هذا البرزخ بما هی علیه ، وما تکون إذا کانت ، مما تتصف به من الأحوال والأعراض والصفات والأکوان.
وهذا هو العالم الذی لا یتناهى ، وما له طرف ینتهی إلیه ، ومن هذا البرزخ وجود الممکنات ، وبها یتعلق رؤیة الحق للأشیاء قبل کونها .
وکل إنسان ذی خیال وتخیل إذا تخیل أمرا ما فإن نظره یمتد إلى هذا البرزخ وهو لا یدری أنه ناظر ذلک الشیء فی هذه الحضرة .
وهذه الموجودات المسکنات التی أوجدها الحق تعالى هی للأعیان التی یتضمنها هذا البرزخ بمنزلة الظلالات للأجسام ، ولما کان الظل فی حکم الزوال لا فی حکم الثبات.
وکانت الممکنات وإن وجدت فی حکم العدم سمیت ظلالات ، لیفصل بینها وبین من له الثبات المطلق فی الوجود ، وهو واجب الوجود، وبین ما له الثبات المطلق فی العدم وهو المحال .
لتتمیز المراتب ، فالأعیان الموجودات إذا ظهرت ففی هذا البرزخ هی ، فإنه ما ثم حضرة تخرج إلیها ، ففیها تکتسب حالة الوجود ، والوجود فیها متناه ما حصل منه ، والإیجاد فیها لا ینتهی .
فما من صورة موجودة إلا والعین الثابتة عینها ، والوجود کالثوب علیها ، والعجب من الأشاعرة کیف تنکر على من یقول إن المعدوم شیء فی حال عدمه وله عین ثابتة ثم یطرأ على تلک العین الوجود ، وهی تثبت الأحوال .
اللهم منکر الأحوال لا یتمکن له هذا ، ثم إن هذا البرزخ الذی هو المسکن بین الوجود والعدم سبب نسبة الثبوت إلیه مع نسبة العدم ، هو مقابلته للأمرین بذاته ، فالممکن ما هو من حیث ثبوته عین الحق ولا غیره ، ولا هو من حیث
ص 186
قال الشیخ رضی الله عنه : ( فیدخل تحت حکمه، فتصدق النتیجة.
فهذا أیضا قد ظهر حکم التثلیث فی إیجاد المعانی التی تقتنص بالأدلة.
فأصل الکون التثلیث، و لهذا کانت حکمة صالح علیه السلام التی أظهر الله فی تأخیر أخذ قومه ثلاثة أیام وعدا غیر مکذوب.
فأنتج صدقا و هو الصحیحة التی أهلکهم الله بها فأصبحوا فی دیارهم جاثمین.
فأول یوم من الثلاثة )
عدمه عین المحال ولا غیره ، فکأنه أمر إضافی ، ولهذا نزعت طائفة إلى تفی الممکن وقالت ما ثم إلا واجب أو محال ، ولم یتعقل لها الإمکان .
فالممکنات على ما قررناه أعیان ثابتة من تجلی الحق ، معدومة من تجلی العدم ، ومن هذه الحضرة علم الحق نفسه فعلم العالم ، وعلمه له بنفسه أزلا .
فإن التجلی أزلا ، وتعلق علمه بالعالم أزلا على ما یکون العالم علیه أبدا مما لیس حاله الوجود، لا یزید الحق به علما ولا یستفید ولا رؤیة ، تعالی الله عن الزیادة فی نفسه والاستفادة .
وقوله تعالى « إذا أردناه » هنا الإرادة تعلق المشیئة بالمراد.
قال علیه السلام « ما شاء الله کان وما لم یشأ لم یکن » فالممکن ما خرج عن حضرة الإمکان لا فی حال وجوده ولا فی حال عدمه .
والتجلی له مستصحب ، والأحوال علیه تتحول وتطرأ ، فهو بین حال عدمی وحال وجودی ، والعین هی تلک العین ، فما فی الوجود إلا الله تعالى وأسمائه وأفعاله .
فهو الأول من الاسم الظاهر ، وهو الآخر من الاسم الباطن ، فالوجود کله حق ، فما فیه شیء من الباطل.
إذ کان المفهوم من إطلاق لفظ الباطل عدما فیما ادعى صاحبه أنه موجود ، ولو لم یکن الأمر کذلک لانفرد الخلق بالفعل ولم یکن الاقتدار الإلهی یعم جمیع الکائنات ، بل کانت الإمکانات تزول عنه .
فسبحان الظاهر الذی لا یخفی وسبحان الخفی الذی لا یظهر ، حجب الخلق عن معرفته وأعماهم بشدة ظهوره ، فهم منکرون مقرون ، مترددون حائرون ، مصیبون مخطئون ، ومن أراد أن یعرف
حقیقة ما أومأت إلیه فی هذه المسألة ، فلینظر خیال الستارة وصوره ، ومن الناطق من تلک الصور عند الصبیان الصغار الذین بعدوا عن حجاب الستارة المضروبة بینهم وبین اللاعب بتلک الأشخاص والناطق فیها.
فالأمر کذلک فی صور العالم ، والناس أکثرهم أولئک الصغار الذین فرضناهم ، فالصغار فی المجلس یفرحون ویطربون ،
ص 169
قال الشیخ رضی الله عنه : ( اصفرت وجوه القوم، وفی الثانی احمرت و فی الثالث اسودت.
فلما کملت الثلاثة صح الاستعداد فظهر کون الفساد فیهم فسمى ذلک الظهور هلاکا، فکان اصفرار وجوه الأشقیاء فی موازنة إسفار وجوه السعداء فی قوله تعالى «وجوه یومئذ مسفرة» من السفور و هو الظهور.
کما کان الاصفرار فی أول یوم ظهور علامة الشقاء فی قوم صالح. )
والغافلون یتخذونه لهوا ولعبا .
والعلماء یعتبرون ویعلمون أن الله ما نصب هذا إلا مثلا لعباده لیعتبروا ولیعلموا أن أمر العالم مع الله مثل هذه الصور مع محرکها .
وأن هذه الستارة حجاب سر القدر الحکم فی الخلائق .
ولما کان تقدم العدم للممکنات نعتا نفسیا لأن الممکن یستحیل علیه الوجود أزلا ، فلم یبق إلا أن یکون أزلی العدم ، فنقدم العدم له نعت نفسی .
والمسکنات متمیزة الحقائق والصور فی ذاتها ، لأن الحقائق تعطی ذلک ، فلما أراد الله أن یلبسها حالة الوجود ، خاطبها من حیث حقائقها.
فقال « إنما قولنا » من کونه تعالی متکلما « لشیء » وهو المخاطب من الممکنات فی شیئیة ثبوتها ، فسماه شیئا فی حال لم تکن فیه الشیئیة المنفیة.
بقوله « لم یکن شیئا » فهی الشیئیة المتوجه علیها أمره بالتکوین إلى شیئیة أخرى ، فإن الممکنات فی حال عدمها بین یدی الحق ، ینظر إلیها ویمیز بعضها عن بعض بما هی علیه من الحقائق فی شیئیة ثبوتها .
ینظر إلیها بعین أسمائه الحسنى ، وترتیب إیجاد الممکنات یقتضی بتقدم بعضها على بعض ، وهذا ما لا یقدر على إنکاره ، فإنه الواقع ، فالدخول فی شیئیة الوجود إنما وقع مرتبا ، بخلاف ما هی علیه فی شیئیة الثبوت .
فإنها کلها غیر مرتبة ، لأن ثبوتها منعوت بالأزل لها والأزل لا ترتیب فیه ولا تقدم ولا تأخر ، فتوقف حکم الإرادة على حکم العلم .
ولهذا قال تعالى « إذا أردناه » فجاء بظرف الزمان المستقبل فی تعلیق الإرادة ، فأدخل الله تعلق إرادته تحت حکم الزمان ، فجاء بإذا وهی من صیغ الزمان ، والزمان قد یکون مرادا ولا یصح فیه إذا لأنه لم یکن بعد فیکون له حکم فقوله تعالى « إذا أردناه » هو التوجه الإلهی على الشیء فی حال عدمه و أن نقول له » وهو قوله لکل شیء یریده وذلک من کون الحق متکلما .
وما یأمر إلا من یسمع بسمع ثبوتی أو
ص 170
قال الشیخ رضی الله عنه : ( ثم جاء فی موازنة الاحمرار القائم بهم قوله تعالى فی السعداء «ضاحکة»، فإن الضحک من الأسباب المولدة لاحمرار الوجوه، فهی فی السعداء احمرار الوجنات.
ثم جعل فی موازنة تغیر بشرة الأشقیاء بالسواد قوله تعالى «مستبشرة» و هو ما أثره السرور )
وجودی ، یسمع الأمر الإلهی «کن» بالمعنى الذی یلیق بجلاله ، وکن حرف وجودی أو إن شئت أمر وجودی ، فما ظهر عنها إلا ما یناسبها .
فلا یکون عن هذا الحرف إلا الوجود ، ما یکون عنه عدم ، لأن العدم لا یکون ، لأن الکون وجود، وکن کلمة وجودیة من التکوین ، فکن عین ما تکلم به .
وهو الأمر الذی لا یمکن للمأمور به مخالفته ، لا الأمر بالأفعال والتروک ، فظهر عن هذا الأمر الذی قیل له « کن » فیکون ذلک الشیء فی عینه ، فیتصف ذلک المسکون بالوجود بعد ما کان یوصف بأنه غیر موجود .
فإذا ظهر عن قوله « کن » لبس شیئیة الوجود ، وهی على الحقیقة شیئیة الظهور لنفسه ، وإن کان فی شیئیة ثبوته ظاهرا متمیزا عن غیره بحقیقته ولکن لربه لا لنفسه ، فما ظهر لنفسه إلا بعد تعلق الأمر الإلهی من قوله «کن» بظهوره ، فاکتسب ظهوره لنفسه ، فعرف نفسه وشاهد عینه.
فاستحال من شیئیة ثبوته إلى شیئیة وجوده ، وإن شئت قلت استحال فی نفسه من کونه لم یکن ظاهرا لنفسه إلى حالة ظهر بها لنفسه ، فما ثم إلا الله والتوجه وقبول الممکنات لما أراد الله بذلک .
وأضاف الله التکوین إلى الذی یکون لا إلى الحق ولا إلى القدرة ، بل أمر فامتثل السامع فی حال عدم شیئیته وثبوته أمر الحق بسمع ثبوتی ، فأمره قدرته ، وقبول المأمور بالتکوین استعداده .
فإن الممکنات لها الإدراکات فی حال عدمها ، ولذا جاء فی الشرع أن الله یأمر الممکن بالتکوین فیتکون ، فلولا أن له حقیقة السمع وأنه مدرک أمر الحق إذا توجه علیه لم یتکون ، ولا وصفه الله بالتکوین ، ولا وصف قفسه بالقول لذلک الشیء المنعوت بالعدم .
فتعلق الخطاب بالأمر لهذه العین المخصصة بأن تکون فامتثلت فکانت ، فلولا ما کان للممکن عین ولا وصف لها بالوجود یتوجه على تلک العین الأمر بالوجود لما وقع الوجود ، فالمأمور به إنما هو الوجود .
ولذلک أعلمنا الله أنه خاطب الأشیاء فی حال عدمها وأنها امتثلت أمره عند توجه الخطاب ،
ص 171
السفر الحادی عشر فص حکمة فتوحیة فی کلمة صالحیة الفقرة الثالثة عشر الجزء الثانی .موسوعة فتوح الکلم فی شروح فصوص الحکم الشیخ الأکبر ابن العربی
موسوعة فتوح الکلم فی شروح فصوص الحکم الشیخ الأکبر ابن العربی الطائی الحاتمی ل
الفقرة الثالثة عشر على مدونة فتوح الکلم فى شروح فصوص الحکم
الفقرة الثالثة عشر: الجزء الثانی
قال الشیخ رضی الله عنه : ( بشرتهم کما أثر السواد فی بشرة الأشقیاء.
ولهذا قال فی الفریقین بالبشرى، أی یقول لهم قولا یؤثر فی بشرتهم فیعدل بها إلى لون لم تکن البشرة تتصف به قبل هذا.
فقال فی حق السعداء «یبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان» .
وقال فی حق الأشقیاء )
فبادرت إلى امتثال ما أمرها به ، فلولا أنها منعوتة فی حال عدمها بالنعوت التی لها فی حال وجودها ما وصفها الحق بما وصفها به من ذلک.
وهو الصادق المخبر بحقائق الأشیاء على ما هی علیه ، فما ظهرت أعیان الموجودات إلا بالحال التی کانت علیه فی حال العدم .
فما استفادت إلا الوجود من حیث أعیانها ومن حیث ما به بقاؤها، فکل ما هی علیه الأعیان القائمة بأنفسها ذاتی لها وإن تغیرت علیها الأعراض والأمثال والأضداد ، إلا أن حکمها فی حال عدمها لیس حکمها فی حال وجودها من حیث أمر ما.
وذلک لأن حکمها فی حال عدمها ذاتی لها لیس للحق فیها حکم ، ولو کان لم یکن لها العدم صفة ذاتیة ، فلا تزال الممکنات فی حال عدمها ناظرة إلى الحق بما هی علیه من الأحوال لا یتبدل علیها حال حتى تتصف بالوجود ، فتتغیر علیها الأحوال للعدم الذی یسرع إلى ما به بقاء العین ولیست کذلک فی حال العدم .
فإنه لا یتغیر علیها شیء فی حال العدم ، بل الأمر الذی هی علیه فی نفسها ثابت ، إذ لو زال لم تزل إلا إلى الوجود ، ولا یزول إلى الوجود إلا إذا اتصفت العین القائم به هذا المسکن الخاص بالوجود.
فالأمر بین وجود و عدم فی أعیان ثابتة على أحوال خاصة «فیکون» یعنی حکم ما توجه علیه أمر کن ، کان ما کان ، فیعدم به ویوجد ، فلیس متعلقه إلا الأثر ، فترى الکائنات ما ظهرت ولا تکونت من شیئیتها الثابتة إلا بالفهم ، لا بعدم الفهم ، لأنها فهمت معنی کن فتکونت .
ولهذا قال « فیکون » یعنی ذلک الشیء لأنه فهم عند السماع ما أراد بقوله کن فبادر لفهمه دون غیره بالتکوین .
وعندنا قوله تعالى « فیکون » ما هو قبول التکوین ، وإنما قبوله للتکوین أی یکون مظهرا للحق ، فهذا معنى قوله فیکون ، لا أنه استفاد وجودا ، وإنما استفاد حکم المظهریة.
حیث أنه قبل السماع من حیث عینه الثابتة الموجودة ، فالحق عین کل شیء فی الظهور ، وما هو عین الأشیاء فی ذواتها ، سبحانه وتعالى ، بل هو هو والأشیاء أشیاء
ص 172
قال الشیخ رضی الله عنه : ( «فبشرهم بعذاب ألیم»
فأثر فی بشرة کل طائفة ما حصل فی نفوسهم من أثر هذا الکلام.
فما ظهر علیهم فی ظاهرهم إلا حکم ما استقر فی بواطنهم من المفهوم.
فما أثر فیهم سواهم کما لم یکن التکوین إلا منهم. فلله الحجة البالغة.
فمن فهم هذه الحکمة وقررها فی نفسه وجعلها مشهودة له أراح نفسه من التعلق بغیره وعلم أنه)
فلولا الحق ما تمیزت الموجودات بعضها عن بعض ولکان الأمر عینا واحدا ، فعین سمییز الحق لها وجودها ، وعین تمییز بعضها عن بعض فلا نفسها .
ولذلک لم ترد کلمة الحضرة فی کل کائن عنها على کلمة « کن » شیئا آخر ، بل انسحب على کل کائن عین کن لا غیر .
فلو وقفنا مع کن لم نر إلا عینا واحدة ، وإنما وقفنا مع أثر هذه الکلمة ، وهی المکونات ، فکثرت وتعددت وتمیزت بأشخاصها ، والخلاصة هی أن الله سبحانه یرانا فی حال عدمنا فی شیئیة ثبوتنا .
کما یرانا فی حال وجودنا ، لأنه تعالی ما فی حقه غیب ، فکل حال له شهادة ، فیتجلى تعالى للأشیاء التی یرید إیجادها فی حال عدمها من اسمه النور تعالى ، فینفهق على تلک الأعیان أنوار هذا التجلی ، فتستعد لقبول الإیجاد ، فیقول له عند هذا الاستعداد کن فیکون من حینه من غیر تثبط .
الفتوحات ج 1 / 46 ، 260 ، 265 ، 323 ، 538 ، 732 .
ج 2 / 62 ، 190 ، 201 ، 259 ، 280 ، 302 ، 400 ، 4014 ، 402 ، 495 ، 672.
ج 3 / 46 ، 68 ، 90 ، 134 ، 217 ، 254 ، 255 ، 263 ، 282 ، 286 ، 289 ، 295 ، 525 .
ج 4 / 70 .
5 - البشارات فی القرآن :
و من جملة الخطابات الإلهیة البشارات ، وهی على قسمین بشارة بما یسوء مثل قوله « فبشرهم بعذاب ألیم » .
وبشارة بما یسر مثل قوله تعالى « فبشره بمغفرة. وأجر کریم » فکل خبر یؤثر وروده فی بشرة الإنسان الظاهرة فهو خبر بشرى.
فالبشرى لا تختص بالسعداء فی الظاهر ، وإن کانت مختصة بالخیر ، والکلام على هذه البشرى لغة وعرفا ، فأما البشری من طریق العرف.
فالمفهوم منها الخیر ولابد ، ولما کان هذا الشقی ینتظر البشری فی زعمه لکونه یتخیل أنه على الحق ، قیل بشره لانتظاره
ص 173
قال الشیخ رضی الله عنه : ( لا یؤتى علیه بخیر و لا بشر إلا منه. و أعنی بالخیر ما یوافق غرضه و یلائم طبعه و مزاجه، و أعنی بالشر ما لا یوافق غرضه و لا یلائم طبعه و لا مزاجه.
و یقیم صاحب هذا الشهود معاذیر الموجودات کلها عنهم و إن لم یعتذروا، و یعلم أنه منه کان کل ما هو فیه کما ذکرناه أولا فی أن العلم تابع للمعلوم. "6"
فیقول لنفسه إذا جاءه ما لا یوافق غرضه : یداک أوکتا و فوک نفخ.
و الله یقول الحق و هو یهدی السبیل. )
البشری ، ولکن کانت البشری له بعذاب ألیم ، وأما من طریق اللغة .
فهو أن یقال له ما یؤثر فی بشرته ، فإنه إذا قیل له خیر أثر فی بشرته بسط وجه وضحکا وفرحا واهتزازا وطربا .
وإذا قیل له شر أثر فی بشرته قبضا و بکاء وحزنا وکندا واغبرارا وتعبیسا.
ولذلک قال تعالى : " وجوه یومئذ مسفرة ضاحکة مستبشرة ، ووجوه یومئذ علیها غبرة ترهقها قترة » فذکر ما أثر فی بشرتهم .
فلهذا کانت البشرى تنطلق على الخیر والشر لغة ، وأما فی العرف فلا .
فقیل « بشرهم » لأثر ما بشر به فی بشرة کل من بشر .
یقول تعالى :" وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا "
فقیل : "فبشرهم بعذاب ألیم" .
وقیل : « یبشرهم ربهم برحمة منه » لأن کل واحد أثر فی بشرته ما بشر به.
الفتوحات ج 3 / 5 ، 85 - ج 4 / 410
6 - العلم تابع للمعلوم راجع فص 2 هامش 3 ص 42
"" العلم تابع للمعلوم الفص 2 هامش 3 ص 42
لیس سر القدر الذی یخفى عن العالم عینه الا اتباع العلم المعلوم ، فلا شیء أبین منه ولا أقرب مع هذا البعد ، فإن العلم تابع للمعلوم ما هو المعلوم تابع للعلم فافهمه.
وهذه مسألة عظیمة دقیقة ما فی علمی أن أحدا نبه علیها إلا إن کان وما وصل إلینا ، وما من أحد إذا تحققها یمکن له إنکارها ، وفرق یا أخی بین کون الشیء موجودا فیتقدم العلم وجوده ، وبین کونه على هذه الصورة فی حال عدمه الأزلی ، فهو مساوق للعلم الإلهی به ومتقدم علیه بالرتبة .
لأنه لذاته أعطاه العلم به ، فإن المعلوم متقدم بالرتبة على العلم وإن تساوقا فی الذهن من کون المعلوم معلوما ، لا من کونه وجودا أو عدما ، فإنه المعطی العالم العلم .
فاعلم ما ذکرناه فإنه ینفعک ویقویک فی باب التسلیم والتفویض للقضاء والقدر الذی قضاه حالک ، فلو لم یکن فی هذا الکتاب « الفتوحات المکیة » إلا هذه المسألة لکانت کافیة لکل صاحب نظر سدید و عقل سلیم .
واعلم أن الله تعالى ما کتب إلا ما علم ولا علم إلا ما شهد من صور المعلومات على ما هی علیه فی أنفسها ما یتغیر منها وما لا یتغیر ، فیشهدها کلها فی حال عدمها على تنوعات تغییراتها إلى ما لا یتناهی ، فلا یوجدها إلا کما هی علیه فی نفسها ، فمن هنا تعلم علم الله بالأشیاء معدومها وموجودها ، وواجبها وممکنها ومحالها ، ومن هنا إن عقلت وصف الحق نفسه بأن له الحجة البالغة لو توزع .
فإنه من المحال أن یتعلق العلم إلا بما هو المعلوم علیه فی نفسه ، فلو احتج أحد على الله بأن یقول له علمک سبق فیه بأن أکون على کذا فلم تواخذنی .
یقول له الحق هل علمتک إلا بما أنت علیه ؟ فلو کنت على غیر ذلک لعلمتک على ما تکون علیه.
ولذلک قال « حتى تعلم » فارجع إلى نفسک وأنصف فی کلامه ، فإذا رجع العبد على نفسه ونظر فی الأمر کما ذکرناه علم أنه محجوج، وأن الحجة لله تعالى علیه.
أما سمعته تعالى یقول: « وما ظلمهم الله" "وما ظلمناهم" .
وقال « ولکن کانوا أنفسهم یظلمون ، کما قال « ولکن کانوا هم الظالمین » یعنی أنفسهم .
فإنهم ما ظهروا لنا حتى علمناهم وهم معدومون إلا بما ظهروا به فی الوجود من الأحوال ، فعندنا ما کانت الحجة البالغة لله على عباده إلا من کون العلم تابعا للمعلوم ما هو حاکم على المعلوم.
فإن قال المعلوم شیئا کان الله الحجة البالغة علیه بأن یقول له ما علمت هذا منک إلا بکونک علیه فی حال عدمک ، وما أبرزتک فی الوجود إلا على قدر ما أعطیتنی من ذاتک بقبولک ، فیعرف العبد أنه الحق فتندحض حجة الخلق ، فلا نزال نراقب حکم العلم فینا من الحق حتى تعلم ما کنا فیه ، فإنه لا یحکم فینا إلا بنا.
فمن وقف فی حضرة الحکم وهی القضاء على حقیقتها شهودا علم سر القدر ، وهو أنه ما حکم على الأشیاء إلا بالأشیاء ، فما جاءها شیء من خارج ، "ولا ینکشف هذا السر حتى یکون الحق بصر العبد" ، فإذا کان بصر العبد بصر الحق نظر الأشیاء ببصر الحق، حینئذ انکشف له علم ما جهله، إذ کان بصر الحق لا یخفى علیه شیء ، ومن وقف على سر القدر ،" وهو أن الإنسان مجبور فی اختیاره "، لم یعترض على الله فی کل ما یقضیه و یجریه على عباده وفیهم ومنهم ، وهذا یشرح ما ذکره الشیخ فی کتابه المشاهد القدسیة من أن الحق قال له « أنت الأصل وأنا الفرع ".
وعلامة من یعلم سر القدر هو أن یعلم أنه مظهر ، وعلامة من یعلم أنه مظهر ، أن تکون له مظاهر حیث شاء من الکون کقضیب البان ، فإنه کان له مظاهر فیما شاء من الکون حیث شاء من الکون.
وإن من الرجال من یکون له الظهور فیما شاء من الکون لا حیث شاء ، ومن کان له الظهور حیث شاء من الکون کان له الظهور فیما شاء من الکون.
فتکون الصورة الواحدة تظهر فی أماکن مختلفة ، وتکون الصور الکثیرة على التعاقب تلبس الذات الواحدة فی عین المدرک لها ، ومن عرف هذا ذوقا .
کان متمکنا من الاتصاف بمثل هذه الصفة ، وهذا هو علم سر القدر الذی ینکشف لهم .
راجع الفتوحات ج2 / 2 , 13 . ج4/ 16 , 70 , 74 , 182 , 235. ""
ص 174