عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة الثالثة والعشرون :  


کتاب المفاتیح الوجودیة والقرآنیة لفصوص الحکم عبد الباقی مفتاح 1417هـ :

المرتبة 12: فص حکمة قلبیة فی کلمة شعیبیة من الاسم العلیم وسماء موسى السادسة ومنزلة الصرفة وحرف الضاد

غایة القهر هی حصول العلم فقوله تعالى: "وهو القاهر فوق عباده، " (الأنعام، 8).

یشیر إلى أنه بظهور اسمه القاهر یعلم المخلوق أنه عبد عاجز لرب کامل له فوقیة القهر. فظهور القاهر یستلزم الاسم العلیم.

فجاء العلیم فی المرتبة 12 متوجها على سماء العلم والسعادة التی لها فلک کوکب المشتری وروحانیة موسى علیه السلام الذی تربى تربیة النبوة والرسالة مدة عشر سنین عند شعیب علیه السلام وتزوج ابنته.

ولهذا جعل الشیخ لهذه المرتبة الکلمة الشعیبیة، من التشعیب الذی یستدعی الوسع.

قال تعالى: " والله واسع علیم " والرحمة والعلم مقرونان دائما بالوسع والزیادة ولهذا قال الشیخ فی هذا الفص:

"وکذلک العلم بالله ماله غایة فی المعارف یقف عندها بل العارف فی کل زمان یطلب الزیادة من العلم به "رب زدنی علما. رب زدنی علما. رب زدنی علما" 

ولما رأى موسى أنه أعلم أهل زمانه بعثه للعبد الذی علمه الله من لدنه علما وأتاه رحمة فازداد موسی علما إلى علم...

وحیث أن محل العلم هو القلب الواسع وکذلک الرحمة کانت حکمة هذا الفص قلبیة. وابتدأ بالکلام عن القلب الذی وسع الحق جل جلاله وعلى الرحمة...


وأکثر الشیخ فی هذا الباب من ذکر النفس والتنفیس فبدأ بقوله: 

"فإن الله وصف نفسه بالنفس" وختم بقوله: "إن الله تجلى فی کل نفس" لأن حیاة القلب مصدر النفس حسا و معنى،معنى بنفس الزیادة من العلم، وحسا بتنفس الهواء.

وقد اختصت هذه السماء السادسة بطبع الهواء الحار الرطب.

ومن ناحیة أخرى الغالب على شعیب التوسع فی العلم والفصاحة والصفات القلبیة المعتدلة من الأمر بالعدل والوزن بالقسط والقلب الکامل هو مرکز العدل بین الأضداد ومنه تتشعب الحیاة الحسیة للجوارح والحیاة المعنویة للقوى مونیا کل ذی حق حقه بالوزن الفسط.

یصف الشیخ القطب الثانی عشر الذی هو على قلب شعیب فی الباب 463 من الفتوحات فیقول:

 أن له علم البراهین و موازین العلوم ومعرفة الحدود.

حاکم على الطبیعة مؤید للشریعة بین أقرانه ضخم الوسیعة.

ولا یرى الحق فی شیء من تجلیه دون أن یرى المیزان بیده یخفض ویرفع.

جمع لهذا القطب من القوتین القوة العلمیة والقوة العملیة.

وله فی کل علم ذوق إلهی من العلوم المنطقیة والریاضیة والطبیعیة والإلهیة.

وکل أصناف هذه العلوم عنده علوم إلیة ما أخذها إلا عن الله وما رآها سوى الحق... إلخ).

وقد جعل الشیخ هذا القطب الشعبی الثانی عشر من الأقطاب الذین علیهم مدار العالم کما أن للکلمة الشعیبیة هذا الفص الثانی عشر لعلاقة هذه المرتبة بالقلب وتشعیبه. فهذه السماء السادسة هی قلب الأفلاک العلویة: تحتها خمس سماوات وفوقها خمس أفلاک: السماء السابعة والکوکب والأطلس والکرسی والعرش.

کذلک قلب العقائد الإیمانیة فی اثنی عشر حرفا هی:

 لا إله إلا الله أو: محمد رسول الله

ومنها تشعبت شعب الإیمان البضع والسبعون الواردة فی الحدیث، ومجموع الأعداد الاثنی عشر الأولى هو 78 الموافق لتلک الشعب.

قال الشیخ: (فتحقق یاولی ما ذکرته لک فی هذه الکلمة القلبیة.

وأما اختصاصها بشعیب لما فیها من التشعب، أی شعبها لا تنحصر، لأن کل اعتقاد شعبة فهی شعب کلها)...

ومن هذا التشعیب سمی الشیخ شعیب فی الباب 14 من الفتوحات بالمقسوم.

وشعب العقائد وأقسامها لا نهایة لصورها.

والعدد غیر المحدد یرمز له بالألف التی لها المرتبة 12 حسب قول الشیخ فی الباب 463: کل واحد إلى العاشر، والحادی عشر له المائة والثانی عشر له الألف".

ومدار کل الفص حول تکاثر الصور المختلفة على العین الواحدة تجدید الخواطر والأحوال فی کل نفس على القلب الواحد.

فهو فی کل آن یتقلب من صورة إلى صورة لأن الله یتجلى فی کل نفس ولا یکرر التجلی وکل تحل یعطی خلفا جدیدا ویذهب بخلق) ...

وأقرب العناصر لسرعة التحول فی الصور هو عنصر هذه السماء أی الهواء ، وأنسب المنازل الفلکیة لانصراف الصور وظهور صور أخرى بالخلق المتجدد هو: الصرفة من التصریف والانصراف التی تدل معانیها على التحویل والکثرة التقلیب.

 قال مؤلف مختار الصحاح:

(صرف الصبیان قلبهم) وقال: (قلب القوم صرفهم) 

وقال تعالى: (صرف الله قلوبهم) (التوبة، 127) وحرف هذه المنزلة هو حرف الفصاحة والاستطالة أی الضاد.

اختص بهذین الوصفین حتى قیل للعربیة لغة الضاد، فهو مناسب لشعیب المشهور بفصاحته حتى لقب بخطیب الأنبیاء .

و مناسب لموسى لاستطالة علوه وقوته حتى جعل الشیخ کلمته علویة کما سبق فی فصه .

وأما صفات الضاد الأخرى التی یشترک فیها مع حروف أخرى فهی:

الجهر والإطباق والاستعلاء والرخاوة.

ولکل من هذه الصفات نسبة مع صفات هذه المرتبة الثانیة عشره.

بقی سؤال: لماذا ذکر الشیخ اجتماعه بأرواح الأولیاء الأموات فی هذا الباب بالذات؟

فالجواب هو:  أن رسول الله صلى الله علیه وعلى آله وسلم فی لیلة المعراج أکثر التردد بین الله تعالى.

وموسی قطب هذه السماء فی شأن الصلاة کما هو مشهور فکان اجتماع الشیخ بسابقیه من الأولیاء واستفادتهم منه مناسب لما وقع بین موسى و سیدنا محمد علیهما السلام لیلة المعراج.


یقول الشیخ فی الفصل 22 من الباب 198 المخصوص هذه المرتبة متکلما عن سمائها:

فمن أمرها حیاة قلوب العلماء بالعلم واللین والرفق وجمیع مکارم الأخلاق ولذلک لم ینهی أحد من سکان السماوات من أرواح الأنبیاء علیهم السلام رسول الله صلى الله علیه وسلم لیلة فرض الله على أمته صلى الله علیه وسلم خمسین صلاة غیر موسی علیه السلام  فخفف الله عن هذه الأمة به .

ولها من الأیام یوم الخمیس (أی نهاره) ولها لیلة (الاثنین) فکل سر یکون للعارفین وعلم وتجلی ، فمن حقیقة موسى من هذه السماء و کل أثر یظهر فی الأرکان والمولدات یوم الخمیس فمن کوکب هذه السماء وحرکة فلکها محملا من غیر تفصیل.

ولها الضاد المعجمة.  ومن المنازل الصرفة.

فأما وجود الحروف المذکورة فی کل سماء فـ لتلک السماء أثر فی وجودها.

وأما قولنا أن لها من المنازل الصرفة أو کذا لکل سماء فلسنا نرید أن لها أثرا فی وجود المنزلة کما أردنا بالحرف ، وإنما أرید بذلک أن هذا الکوکب الخاص بهذا الفلک أول ما أوجده الله وتحرک أوجده فی المحلة التی نذکرها له بعینها فهی منزلة سعده حیث ظهر فیها وجوده.

فهذا معنى قولی له من المنازل کذا.

ولکل سماء وفلک أثر فی معدن من المعادن السبعة یختص به وینظر إلیه ذلک المعدن بقوته).

وختم الشیخ الفص بالکلام على الخلق الجدید فناء وبقاء.

وأنسب الصور العنصریة لفناء الخلق وبقاء صوره هی صورة النار لأنها تفنی ما تحرقه وتفنی بمجرد نزع الجسم الذی یشعلها وتبدل صورته ولا قیام لها إلا به.

وقد أشار إلى النار قبل ذلک فی قوله: (ونفخ فی غیر ضرم) والضرام هو الاشتعال.


کل هذا تمهید للدخول للفص الموالی الذی له مرتبة سماء المریخ التی طبعها النار و المستمد من الاسم " القاهر" والنار من مظاهر القهر .

 

12: سورة فص شعیب علیه السلام

 قال الشیخ: "فحقق یا ولی ما ذکرته لک فی هذه الحکمة القلبیة.

وأما اختصاصها بشعبب، لما فیها من التشعب، أی شعبها لا تنحصر، لأن کل اعتقاد شعبة، فهی شعب کلها".

فهذا القول یرمی بنا مباشرة لسورة هذا الفص أی سورة کثرة الشعب أی سورة "التکاثر". 

ولهذا کرر الشیخ کلمة "کثرة" فقال: "فتکون فی التجلی کثرة مشهودة... مع کثرة الصور واختلافها... فقال فی حق طائفة، بل أکثر العالم، ...".

ومدار کل الفص حول التکاثر، وفیه ذکر لتکاثر الأعداد والأشکال کقوله: "مائة ألف ألف مرة." 

وکقوله: "التربیع والتسدیس والثمین" ... وبدأ بذکر تکاثر صور الحق فی قلب العارف، وتکاثر الزیادة فی العلم فکرر ثلاث مرات: "رب زدنی علما"...

ثم تکاثر التجلیات ثم تکاثر الاعتقادات ثم تکاثر الخلق الجدید وتکاثر الأعراض عند الأشاعرة وأخیرا ختم بتکاثر تجلیات الحق فی کل نفس بلا تکرار....

وحیث أن کلمة "تعلمون" تکررت فی السورة ثلاث مرات وکلمة "علم" مرة واحدة.

فقد أکد الشیخ على العلم والزیادة منه وکرر کلمة "علم" فی الفص مرات کقوله: "وکذلک العلم بالله ماله غایة فی العارف" لأن الاسم الحاکم على هذا الفص کما ذکرناه. هو "العلیم" المتوجه على إیجاد سماء العلم أی سماء المشتری السادسة التی قطبها موسى صاحب شعیب علیهما السلام

وقوله:  "فإذا انکشف الغطاء انکشف لکل أحد بحسب معتقده..." 

یشیر إلى : "لترونها عین الیقین " (التکاثر، 7)

و کذلک قوله: "فإذا انکشف الغطاء رأى صورة معتقده..... فزال الاعتقاد وعاد علما بالمشاهدة".

یشیر إلى الانتقال من علم الیقین فی الآیة: ( کلا لو تعلمون علم الیقین ) (التکاثر، 5) إلى عین الیقین فی: ( لترون الجحیم ) (التکاثر، 6).

ثم قوله: "و بعد احتداد البصر لا یرجع کلیل النظر" إشارة إلى: (ثم لترونها عین الیقین ) (التکاثر، 7).

وقوله: "وقد ذکرنا صورة الترقی بعد الموت..." إلى آخره إشارة إلى : (حتى زرتم المقابر ) (التکاثر، 2) .

ولهذا سمی الشیخ منزل سورة التکاثر فی الباب "272" من الفتوحات: 

"منزل تزاور الموتی".

وقوله: "وصاحب التحقیق یرى الکثرة فی الواحد..." 

مطابق لما بدأ به الشیخ الوصل "73" من الباب "369" وهر وصل سورة التکاثر حیث یقول: 

"مآل الأمر الرجوع من الکثرة إلى الواحد من مؤمن ومشرک لأن المؤمن الذی یعطی کشف الأمور على ما هی علیه یعطی ذلک وهو قوله تعالى: (فکشفنا عنک غطاءک فبصرک الیوم حدید ) (ق، 22)...

وهو مطابق أیضا لقوله: "وبعد احتداد البصر لا یرجع کلیل النظر"...

قوله: "ومن أعجب الأمور أنه فی الترقی دائما.... وتشابه الصور مثل قوله تعالى : ( وأتوا به، متشابها ) (البقرة: 25) ولیس هو الواحد عین الآخر..."

یشیر إلى تشابه آیات التکاثر (5 - 3)

کـ تکرار: ( کلا سوف تعلمون . ثم کلا سوف تعلمون . کلا لو تعلمون ) .

و کـ تکرر کلمة "الیقین" مرتین.

و کـ تکرر "الرؤیة" مرتین

وکـ تکرر "کلا" ثلاثة مرات

وکـ تکرر "ثم" ثلاثة مرات.

 

علاقة الفص الشعیبی علیه السلام بسابقه ولاحقه:

بدأ الشیخ هذا الفص بذکر "القلب". فهذه البدایة مناسبة لکعبة قریش، بیت الرب، المذکورة فی سورة الفص السابق لأنها فی قلب الأمکنة.

وختم الفص بمسألة الخلق المتجدد أی تبدیل الصورة بصورة تتلوها وهو عین موضوع سورة فص لوط التالی أی "القارعة" فعند وقوع القارعة تتحول الجبال کالعهن المنفوش و الناس کالفراش المبثوث.

وفی الباب 283 - المتعلق مترل سورة "القارعة" المجاورة فی المصحف لسورة التکاثر توسع الشیخ فی تفصیل تحول الصور من شکل إلى شکل .

وفیه یقول: من هذه الحضرة تمسخ الصور الحسیة فی الدنیا والآخرة، ومن هذا المترل تمسخ البواطن.

ولعلاقة هذه السورة بعلم الیقین وسماء العلم حیث کوکب المشتری نجد الشیخ یقر فما فی دیوانه حیث یقول:

 "من روح سورة ألهاکم التکاثر

حق الیقین علوم لا یحصلها   .....   إلا بلم وهو المخصوص بالعلل

وهی العلوم التی أرست قواعدها   .....   بالمشتریّ وبالمعهود من زحل  

وعینه دونه ذوقا تشاهده   .....   ولو بقیت فیبقى فیه بالمثل

وعلمه دون هذا العین تعلمه   .....   بحدّه وهو إن أزیل لم یزل