الفقرة الثامنة عشر :
کتاب المفاتیح الوجودیة والقرآنیة لفصوص الحکم عبد الباقی مفتاح 1417هـ :
المرتبة 13: لفم حکمة ملکیة فی کلمة لوطیة من الاسم القاهر کوکب الأمر والسماء الخامسة ومعلة العوا وحرف اللام
ظهور النور قاهر للظلمات کما أن ظهور الحق قاهر للباطل. أی أن ظهور النور یستلزم ظهور الاسم القاهر. ولهذا نجد الاسم النهار فی القرآن فی ستة مواضع دائما مقترنا بالاسم الواحد، لأن نور الواحد القدم قاهر للمحدثات و السوی .
"سبحانه هو الله الواحد القهار " [الزمر، 4].
"قل الله خلق کل شئ وهو الواحد القهار" [الرعد، 16].
"و برزوا لله الواحد القهار" [ابراهیم، 48].
" أرباب متفرقون خیر أم الله الواحد القهار" [یوسف : 39].
" وما من إله إلا الله الواحد القهار " [ص: 65].
"لمن الملک الیوم لله الواحد القهار " [غافر، 16].
وأما الاسم القاهر فورد مرتین فی الآیتین 18 و 61 من سورة الأنعام : "وهو القاهر فوق عباده " .
وبظهور القاهر فی المرتبة 13 توجه على إیجاد السماء الخامسة وفلک الکوکب الأحمر المریخ ولیلة السبت ونهار الثلاثاء وهی سماء روحانیة هارون علیه السلام الذی له فص الاسم المذل کما سبق بیانه.
والمذل والقاهر أخوان فریبان فی المعین ولهذا کانت هذه السماء مختصة بالقهر والفتن وسفک الدماء .
ولها معدن الحدید الذی یشکل أهم أجزاء کوکبها المریخ الأحمر، وللحدید بأس شدید...
ولهذا کانت حکمة هذا الفص ملکیة لأن الملک هو الشدید القاهر للمملوکین ولإقتران الاسم الملک بالنهار فی الآیة " لمن الملک الیوم لله الواحد القهار" [غافر، 16].... وطبع هذه السماء طبع النار.
والنار هی رکن القهر والإفناء. وحیث أن الله تعالى جعل فی کل عسر یسرا وفی کل محنة منحة فقد أسکن روحانیة هارون علیه السلام فی هذه السماء وهو المشهور بلینه وتواضعه ورحمته خلافا لأخیه موسى علیه السلام المعروف بقوته فی الحق وبطشه لإزهاق الباطل وسرعة انفعاله.
فجعل الله تعالى موسى فی سماء اللین والرحمة والمودة والشفقة أی السماء السادسة کما جعل هارون فی سماء البطش والبأس.
وأنسب أنفاس الأنبیاء لهذه المرتبة هو نفس لوط علیه السلام لعلاقته المخصوصة بشدة القهر .
فقال تعالى عنه علیه السلام أنه قال: " لو أن لی بکم قوة أو آوی إلى رکن شدید" [هود: 80].
قال الشیخ: فنبه علیه السلام أنه کان مع الله من کونه شدیدا...
وقهر الحق تعالى قوم لوط أشد قهر فاستأصلهم بعد أن أرسل علیهم حجارة من سجیل منضود وجعل عالی أرضهم سافلها
ولهذا فإن مدار هذا الفص حول مظاهر القهر.
ففی أول الباب ذکر الشیخ الشدة والتحطیم "قیس بن الحطیم" والطعن والقوة والرکن الشدید.
ثم ذکر قهر الأمم الکافرة للرسل وقهر الله لتلک الأمم.
ثم انتقل إلى قهر الشیب وأرذل العمر للإنسان.
ثم تطرق إلى قهر الهمة: فأهل الأحوال لهم الهمة القاهرة فی التصریف، أما الکمل فهمتهم مقهورة للمعرفة... ثم تکلم على قهر المعلوم للعلم حیث أن العلم تابع للمعلوم وکل تابع مقهور...
وفی إطار هذا القهر ذکر أبا طالب مرتین فی هذا الفص لبیان حکم القهر :
فهو أقرب الناس للنبی صلى الله علیه وآله وسلم ومن أعلمهم بصدق رسالته، ومع هذا مات على ما مات علیه أی حسب ما سبق به العلم التابع لما هی علیه عینه الثابتة فی حضرة القدم.
وهذا الفص هو الرابع من الأبواب الأربعة المتتالیة التی تشترک فی صفة الشدة والقوة والقهر لأن الأمم المذکورة فی القرآن والتی قهرها الله بالدمار هی قوم هود وصالح وشعیب ولوط.
وأقرب الرسل لشعیب فی الزمان هو لوط قال شعیب لقومه:
"وما قوم لوط منکم ببعید " [هود، 89]. وناسبت حکمة لوط الملکیة محکمة شعیب القلبیة فی الفص الموالی لأن القلب هو ملک قوى الإنسان وأقواها وأوسعها.
وللوط صلة بالقلب المالک لأن لفظ لوط یعنی : ملصق.
ولهذا سماه الشیخ فی الباب 14 من الفتوحات بالملصق أی الأقرب لصوقا بالحضرة الإلهیة.
وألصق الحضرات الوجودیة ما هو قلب الإنسان الکامل.
وقد تکلم الشیخ فی الباب 361 من الفتوحات المخصوص مترل سورة المؤمنون عن هذا اللصوق
فقال ما خلاصته:
"لما قضى الله أن یکون للبروج أثر فی العالم جعل الله فی نشأة الإنسان الکامل اثنی عشر قابلا یقبل ها هذه الآثار.
فمنها لصوقها بالعالم حین حذیت علیه ولصوقها بحضرة الأسماء الإلهیة وبه صح الکمال لهذه النفس".
وأخیرا فإن مزلة هذه المرتبة هی العواء.
والعواء فی اللغة هو شدة الصیاح فهو صوت قاهر أو معبر عن قهر.
ولها حرف اللام وهو من الحروف المجهورة قریب من الشدة منفتح منسفل و مخصوص بصفة الانحراف.
وانحرف قوم لوط للفاحشة التی لم یسبقهم فیها أحد من العالمین فألصقهم القهار بأسفل سافلین انتقاما منهم.
یقول الشیخ فی مثل هذا المعنى فی الباب 198:
"إن هذا النفس الإلهی فی إیجاد الشرائع قد جعل طریقا مستقیما و خارجا عن هذه الاستقامة المعینة ویسمى ذلک تحریفا
وهو قوله: "یحرفونه. من بعد ما عقلوه " (البقرة : 75).
مع کون یرجع إلیه الأمر کله یقول وإن تعدد فالنفس یجمعه ، فسمی ذلک التحریف فی نفس المتنفس الإنسانی الحرف المنحرف فخالط أکثر الحروف وهو اللام ولیس لغیره هذه المرتبة".
وختم الفص بکلمة تفید قهر الانتقام وهی کلمة : الوتر.
والوتر فی اللغة الأخذ بالثأر انتقاما کما ذکره الشیخ فی الباب 172 من الفتوحات :
والوتر هو الواحد الأحد.
والأحد هو یوم الشمس الذی لمرتبتها الفص العزیری المجاور.
ففی البیتین اللذین ختم بما تمهید للدخول لذلک الفص حیث ذکر فیهما کلمة وتر وکلمة "بان" وکلمة "لاح" المثیرة للاسم النور المتوجه على إیجاد فلک الشمس العزیری الإدریسی :
فقد بان لک السر ….. وقد لاح لک الأمر
وقد أدرج فی الشفع …… الذی قیل هو الوتر
والعلاقة بین الفصین هی علاقة القضاء بالقدر. ففی هذا الفص تکلم عن القضاء من حیث تبعیة العلم للمعلوم.
وفی فص لوط تکلم عن القدر الذی هو توقیت ما هی علیه الأشیاء فی عینها.
13 - سورة فص لوط علیه السلام
سورة هذا الفص هی "القارعة" لأن القارعة فی اللغة هی الشدیدة من شدائد الدهر وهی الداهیة ولهذا بدا الشیخ الفص بالکلام عن الشدة وتکررت فی الفص مظاهر الشدة ککلمة القوة تکررت عدة مرات والهمة المؤثرة والتصرف.
وقد ذکرنا أن الاسم الحاکم على هذا النص هو "القاهر" المتوجه على إیجاد سماء المریخ الأحمر الخامسة وهی سماء القهر والشدة والحرب.
ولهذا نجد الشیخ یخصص فی الفتوحات الباب "283" للقارعة فیسمى متلها: "منزل القواصم وأسرارها".
ونسبة "القارعة" مع لوط هی الشدة التی لاقاها من قومه حتى قال "لو أن لی بکم قوة أو اوی إلى رکن شدید" [هود : 80] وکذلک شدة القهر الذی أصاب قومه فهلکوا بحجارة السجیل المنضود.
وکلام الشیخ حول الرجوع إلى الضعف یشیر إلى رجوع الناس عند القارعة کالفراش المبثوث ورجوع الجبال کالعهن المنفوش ومن أضعف الخلق الفراش والعهن.
وکلامه فی آخر الفص حول مسألة:
العلم تابع للمعلوم مرجعه للآیة " فأمه هاویة " [القارعة : 9 ].
فالأم هی الأصل وأصل کل شیء عینه الثابتة التی تبعها العلم....
وحیث أن فی السورة کلمة الموازین الثقیلة والخفیفة فقد وازن الشیخ فی هذا الفص بین مقادیر الرجال فی التصرف .
فوازن بین الشیخین أبو عبد الله بن قاید وأبو السعود بن الشبل.
ثم وازن بین بعض الأبدال والشیخ أبی مدین.
ثم وازن الشیخ الأکبر بین نفسه والشیخ أبی السعود.
وهذه الموازنة ذکرها أیضا فی آخر الباب "283" أی باب منزل "القارعة" حیث وازن بین الشیخ أبی البدر التماشکی البغدادی والشیخ رغیب الرحیی.
ووازن بین أبی السعود بن الشبل شیخ أبی البدر والشیخ عبد القادر الجیلانی شیخ أبی السعود.
وختم الباب بقوله عن أبی السعود: "إنی أقطع أن میزانه بین الشیوخ کان راجحا". أی أنه من الذین تحققوا بالآیة: "فأما من ثقلت موازینه, فهو فی عیشة راضیة " [القارعة : 6-7].
ومن الملاحظ أن الشیخ افتتح ذلک المترل بأبیات فیها لفظ: "القهار" أی الاسم الحاکم على هذا الفص فقال:
إذا کنت مشغوفا بحب المعاصم ….. تذکر من الآیات أی القواصم
فان لها عن ذاک زجرا وعصمة ….. وأفلح من تحییه أی العواصم
وهذی أمور لم أنلها بفکرة …… ولکنها جاءت على ید قاسم
ویعطی إله الخلق عدلا ومنة ….. بقصمة قهار وعصمة عاصم
فکم بین شخص بالملائک ملحق ….. وبین شخیص ملحق بالبهائم
علاقة فص لوط علیه السلام بسابقه ولاحقه
ربط الشیخ هذا الفص بذکره لتبدل الصور على ابن آدم فساق الآیة: " الله الذی خلقکم من ضعف جعل من بعد ضعف ، قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشیبة " [الروم : 54] .
ففی هذا تکاثر للصور على عین العبد، ثم ذکر الآیة: "ولکن أکثرهم لا یعلمون" [الأنعام، 37] إشارة إلى الکثرة وإلى العلم المذکورین فی سورة التکاثر التی لها فص شعیب السابق.
أما تمهیده لفص عزیر التالی الذی له الحکمة القدریة فتظهر فی نهایة هذا الفص اللوطی بقوله "أی ما قدرت علیهم الکفر".
والاسم المتوجه على فص عزیر الشمسی هو (النور) المنتشر من الموریات قدحا فی سورة العادیات.
وهو الذی أشار إلیه فی هذا الفص بقوله :
"فلما رأت الرسل ذلک وأنه لا یؤمن إلا من أنار الله قلبه بنور الإیمان:
ومتى لم ینظر الشخص بذلک النور المسمى إیمانا فلا ینفع فی حقه الأمر المعجز. فقصرت الهمم عن طلب الأمور المعجزة لما لم یعم أثرها فی الناظرین ولا فی قلوبهم کما قال فی حق أکمل الرسل وأعلم الخلق وأصدقهم فی الحال "إنک لا تهدی من أحببت ولکن الله یهدی من یشاء". "
تم بحمد الله
السفر الثالث عشر فص حکمة ملکیة فی کلمة لوطیة