الفقرة الخامسة عشر :
نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشیخ عبد الرحمن أحمد الجامی 898 هـ :
14 – شرح نقش فص حکمة قدریة فی کلمة عزیریة
قال الشیخ رضی الله عنه : (لله الحجة البالغة على خلقه. لأنهم المعلومون. والمعلوم یعطی العالم ما هو)
"القضاء" عبارة عن الحکم الکلى الإلهی فی أعیان الموجودات على ما هی علیه من الأحوال الجاریة من الأزل إلى الأبد.
و «القدر» هو تفصیل ذلک الحکم بإیجادها فی أوقاتها و أزمانها التی تقتضی الأشیاء وقوعها فیها باستعداداتها الجزئیة.
فتعلیق کل حال من أحوال الأعیان بزمان معیّن و سبب معیّن عبارة عن "القدر".
و سرّ القدر أنّه لا یمکن لعین من الأعیان الخلقیة أن یظهر فی الوجود ذاتا و صفة و فعلا إلّا بقدر خصوصیة قابلیته و استعداده الذاتی.
و سرّ سرّ القدر أنّ هذه الأعیان الثابتة لیست أمورا خارجة عن الحق- قد علمها أزلا، و تعیّنت فی علمه على ما هی علیه، بل هی نسب أو شئون ذاتیة، فلا یمکن أن تتغیّر عن حقائقها فانّها حقائق ذاتیات، و ذاتیات الحق سبحانه لا تقبل الجعل و التغییر و التبدیل و المزید و النقصان.
فبهذا علم أنّ الحق سبحانه لا یعیّن من نفسه شیئا أصلا- صفة کان أو فعلا أو حالا أو غیر ذلک- لأنّ أمره واحد، کما أنّه واحد. و أمره الواحد عبارة عن تأثیره الذاتی الوحدانى بافاضة الوجود الواحد المنبسط على الممکنات القابلة له، الظاهرة به و المظهرة إیّاه، متعدّدا متنوّعا مختلف الأحوال و الصفات بحسب ما اقتضته حقائقها الغیر المجعولة المتعیّنة فی علم الأزل.
فکان من مقتضى حقیقة عزیز علیه السلام و أحکام لوازمها انبعاث رغبة
منه نحو معرفة سرّ القدر و انتشاء فکره فی القریة الخربة بصورة استبعاد إعادتها على ما کانت علیه. فأظهر الله له بواسطة فکره و استبعاده أنواعا من صور الاعادة و أنواعا من أحکام القدرة.
فلذلک نسب رضى الله عنه الحکمة القدریة إلى الکلمة العزیریة.
"فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ" التامّة القویة (على خلقه) فیما یعطیهم و یحکم به علیهم من الکفر و الایمان و الطاعة و العصیان- لا للخلق علیه، کما قالت الجهلة البطلة الظلمة فی حکمهم على الله سبحانه أنّه قدّر على الکافر و الجاهل و العاصی الکفر و المعصیة و الجهل، ثمّ یؤاخذهم علیها بما لیس فی قوّتهم و وسعهم- (لأنهم)، أی الخلق هم، (المعلومون) له، و هو العالم بهم.
(و المعلوم)، کائنا ما
قال الشیخ رضی الله عنه : (علیه فی نفسه. وهو العلم. ولا أثر للعلم فی المعلوم. فما حکم على المعلوم إلا به. واعلم أن کل رسولٍ نبی وکل نبیٍ ولیّ وکل رسولٍ ولی.)
کان، (یعطى العالم) به، کائنا من کان. أی یجعله بحیث یدرک، (ما هو علیه فی نفسه)، أی فی حدّ ذاته من الأحوال الجاریة علیه من الأزل إلى الأبد و استعداداتها.
(و هو)، أی ذلک الإدراک هو، (العلم. و لا أثر للعلم فی المعلوم) بأن یحدث فیه ما لا یکون له فی حدّ ذاته، بل هو تابع للمعلوم، و الحکم على المعلوم تابع له.
(فلا حکم) من العالم (على المعلوم الا به)، أی بالمعلوم و بما یقتضیه بحسب استعداده الکلى و الجزئى.
فما قدّر الله سبحانه على الخلق الکفر و العصیان من نفسه، بل باقتضاء أعیانهم و طلبهم بلسان استعداداتهم أن یجعلهم کافرا أو عاصیا، کما یطلب عین الکلب صورته الکلبیة و الحکم علیه بالنجاسة العینیة. و هذا هو عین سرّ القدر.
(واعلم أن کل رسول نبى) من غیر عکس کلى فالرسالة خصوص مرتبة فی النبوّة.
(و کل نبى ولى) من غیر عکس کلى فالنبوّة خصوص مرتبة فی الولایة.
(فکل رسول ولى)، کما أنّه نبى.
فالرسل صلوات الرحمن علیهم أعلى مرتبة من غیرهم لجمعهم بین المراتب الثلاث : الولایة و النبوّة و الرسالة.
ثمّ الأنبیاء لجمعهم بین المرتبتین لکنّ مرتبة ولایتهم أعلى من نبوّتهم، و نبوّتهم أعلى من رسالتهم، لأنّ ولایتهم جهة حقّیّتهم لفنائهم فیه، و نبوّتهم جهة ملکیّتهم- إذ بها یحصل المناسبة لعالم الملائکة، فیأخذون الوحى منهم- و رسالتهم جهة بشریتهم المناسبة للعالم الإنسانی.
و إلیه أشار الشیخ رضى الله عنه بقوله،
مقام النبوّة فی برزخ ...... دوین الولى و فوق الرسول
أی النبوّة دون الولایة التی لهم و فوق الرسالة
فالولى هو الفانی فی الله سبحانه و الباقی به و الظاهر بأسمائه و صفاته
قال الشیخ رضى الله عنه:
«إذا سمعت أحدا من أهل الله، أو ینقل إلیک عنه أنّه قال، "الولایة أعلى من النبوّة"، فلیس یرید ذلک القائل إلّا ما ذکرنا».و هو أنّ ولایة النبی أعلى من نبوّته .
«أو یقول، : «إنّ الولى فوق النبی و الرسول»، فانّه یعنى بذلک «فی شخص واحد»، و هو أنّ الرسول من حیث أنّه ولى أتمّ منه من حیث أنّه نبى أو رسول، لا أنّ الولى التابع له أعلى منه".