عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة السابعة عشر :


شرح فصوص الحکم من کلام الشیخ الأکبر ابن العربی أ. محمود محمود الغراب 1405 هـ:

14  - فص حکمة قدریة فی کلمة عزیریة

قال الشیخ رضی الله عنه :  (اعلم أن القضاء حکم الله فی الأشیاء، وحکم الله فی الأشیاء على حد علمه بها وفیها.

وعلم الله فی الأشیاء على ما أعطته المعلومات مما هی علیه فی نفسها. "2"

والقدر توقیت ما هی علیه الأشیاء فی عینها من غیر مزید. فما حکم القضاء على الأشیاء إلا بها.

وهذا هو عین سر القدر «لمن کان له قلب أو ألقى السمع وهو شهید». «فلله الحجة البالغة».

فالحاکم فی التحقیق تابع لعین المسألة التی یحکم فیها بما تقتضیه ذاتها.

فالمحکوم علیه بما هو فیه حاکم على الحاکم أن یحکم علیه بذلک.

فکل حاکم محکوم علیه بما حکم به وفیه: کان الحاکم من کان.

فتحقق هذه المسألة فإن القدر ما جهل إلا لشدة ظهوره، فلم یعرف وکثر فیه الطلب والإلحاح. 

واعلم أن الرسل صلوات الله علیهم من حیث هم رسل لا من حیث هم أولیاء وعارفون على مراتب ما هی علیه أممهم.

فما عندهم من العلم الذی أرسلوا به إلا قدر ما تحتاج إلیه أمة ذلک الرسول: لا زائد ولا ناقص.

والأمم متفاضلة یزید بعضها على بعض.

فتتفاضل الرسل فی علم الإرسال بتفاضل أممها، وهو قوله تعالى «تلک الرسل فضلنا بعضهم على بعض» "3"

 کما هم أیضا فیما یرجع إلى ذواتهم علیهم السلام من العلوم والأحکام )

_______________________________

1 -  المناسبة فی تسمیة الحکمة :

هی أن العزیر علیه السلام کان کثیر السؤال عن القدر حتى نهاه الحق تعالی عن ذلک ، وهذا الفص یتعلق بعلم القدر وأنه محال علمه کما سیأتی فی شرح الفص ، وان الذی یمکن أن یعلم هو سر القدر ، وهو أن العلم تابع للمعلوم ، واستطرد الشیخ فی تفسیر نهی الحق العزیر بقوله تعالى له «لأمحون اسمک من دیوان النبوة » یعنی النبوة الخاصة والرسالة ویبقى علیه اسم الولی وهذا من أشق ما یتجرع مخاضته عباد الله تعالى کما سیأتی ذلک فی شرح الفص .

 

2 - العلم تابع للمعلوم یراجع فص 2 هامش 3 ص 42

 

3 - ( تلک الرسل فضلنا بعضهم على بعض » الآیة.

الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولا منهم الفاضل والأفضل وإن سبح الکل فی فلک الرسالة ، لأن کل مسف أشخاصه یفضل بعضهم بعضا، ولا تفاضل إلا بالعلم .

 ص 207

  

متفاضلون بحسب استعداداتهم، وهو قوله «ولقد فضلنا بعض النبیین على بعض». 

____________________________________________

فهؤلاء مع اجتماعهم فی الرسالة والکمال یفضل بعضهم بعضا ، فیما لهم من الأخلاق الخاصة بهم ، وهی مائة وسبعة عشر خلقا ، وقد جمعها کلها محمد صلى الله علیه وسلم  ، جمعت له عنایة أزلیة ، فإن الله تعالى لما خلق الخلق خلقهم أصنافا ، وجعل فی کل صنف خیارا . 

واختار من الخیار خواص وهم المؤمنون ، واختار من المؤمنین خواص وهم الأولیاء، واختار من هؤلاء الخواص خلاصة وهم الأنبیاء ، واختار من الخلاصة نقاوة وهم أنبیاء الشرائع المقصورة علیهم ، واختار من النقاوة شرذمة "قلة من الناس" قلیلة وهم صفاء النقاوة المروقة وهم الرسل أجمعهم .

واصطفى واحدة من خلقه هو منهم ولیس منهم وهو المهیمن على جمیع الخلائق ، جعله عمدا أقام علیه قبة الوجود ، جعله أعلى المظاهر وأسناها ، صح له المقام تعیینا وتعریفة ، فعلیه قبل وجود طینة البشر ، وهو محمد صلى الله علیه وسلم  ، لا یکاثر ولا یقاوم ، هو السید ومن سواه سوقة "الرعیة و العامة" .

قال عن نفسه : « أنا سید الناس ولا فخر » بالراء والزای ، روایتان ، أی أقولها غیر متبجح بباطل ، وأقولها ولا أقصد الافتخار على من بقی من العالم وإن کنت أعلى المظاهر الإنسانیة فأنا أشد الخلق تحققا بعینی .

« تلک الرسل فضلنا بعضهم على بعض » فمن حیث ما هی رسالة فلا فضل إذ الاسم یعم هذه الحالة ، ومن حیث ما هی رسالة بأمر ما یقع التفاضل ، فوقع التفاضل بین الرسل وهم الخلفاء لاختلاف الأزمان و اختلاف الأحوال ، ولهذا اختلفت آیات الأنبیاء باختلاف الأعصار « منهم من کلم الله ورفع بعضهم درجات و آتینا عیسى ابن مریم البینات وأیدناه بروح القدس » .

فایة کل خلیفة ورسول من نسبة ما هو الظاهر والغالب على ذلک الزمان وأحوال علمائه ، أی شیء کان من طب أو سحر او فصاحة أو ما شاکل هذا، وأعطی رسول الله صلى الله علیه وسلم جمیع ما فضلت به الرسل بعضهم على بعض ، لیتبین شرفه ، وما فضله الله به على غیره فی الدنیا بما اختص به ، وفی

 ص 208

 

بعض. » ."4" 

وقال تعالى فی حق الخلق «والله فضل بعضکم على بعض فی الرزق».

والرزق منه ما هو روحانی کالعلوم، وحسی کالأغذیة، وما ینزله الحق إلا بقدر معلوم، وهو 

________________________________

البرزخ والقیامة والجنة والکثیب .

قال تعالى « کنتم خیر أمة أخرجت للناس » لظهور رسول الله صلى الله علیه وسلم  بصورته فیها .

وکذلک القرن الذی ظهر فیه خیر القرون لظهوره فیه بنفسه ، فکانت الأمة المحمدیة خیر أمة أخرجت للناس عنایة منه تعالى لحضوره صلى الله علیه وسلم وظهوره فیها ، وإن کان العالم الإنسانی والناری کله أمنه ، فإنه المرسل إلى الناس کافة ، ولکن لهذه الأمة خصوص وصف ، فجعلهم تعالی خیر أمة أخرجت للناس ، هذا الفضل أعطاه ظهوره صلى الله علیه وسلم  بنشأتیه ( الروحانیة والجسدیة ) . 

فتوحات  ج 1 / 522 - ج 2 / 68 ، 73 ، 135 - ج 3 / 53 ، 142 ، 145 ، 169 ، 442 - ج 4 / 75 - کتاب ذخائر الأعلاق .

 

* قارن بین ما جاء فی هذا الشرح وبین ما جاء فی هذه الفقرة من أن تفاضل الرسل فی علم الإرسال بتفاضل أممها ، والعکس هو الصحیح ، فلا یصح نسبة ما جاء هنا إلى الشیخ رضی الله عنه ألبتة مع مقارنته بالثابت عنه فی الشرح .

 

4 -  « ولقد فضلنا بعض النبیین على بعض » الآیة 

« ولقد فضلنا بعض النبیین على بعض » مع أن النبوة موجودة ، فما زالوا فی النبوة مع فضل بعضهم على بعض ، فتفضل منازلهم بتفاضالهم وإن اشترکوا فی الدار. فقوله تعالی « ولقد فضلنا بعض النبیین على بعض » بما یقتضیه الشرف مع اجتماعهم فی درجة النبوة .

أی یزید کل واحد على صاحبه برتبة تقتضی المجد والشرف ، أی جعلنا عند کل واحد من صفات المجد والشرف ما لم نجعل عند الآخر ، فقد زاد بعضهم على بعض فی صفات الشرف والمراتب التی فضلوا بها بعضهم على بعض . 

أی أعطینا هذا ما لم نعط هذا ، وأعطینا هذا ما لم نعط من فضله ، ولکن من مراتب الشرف ، فمنهم من کلمه الله ، « وآتینا عیسى » البینات وأیدناه بروح القدس . ومنهم من فضله بأن خلقه بیدیه وأسجد له الملائکة ، ومنهم من فضله بالکلام القدیم

 ص 209

  

الاستحقاق الذی یطلبه الخلق: فإن الله «أعطى کل شی ء خلقه» فینزل بقدر ما یشاء

____________________________________

الإلهی بارتفاع الوسائط ، ومنهم من فضله بالخلة ، ومنهم من فضله بالصفوة وهو إسرائیل « یعقوب » .

فهذه کلها صفات شرف ومجد ، ولا یقال إن خلته أشرف من کلامه ، ولا إن کلامه أفضل من خلقه بیدیه ، بل کل ذلک راجع إلى ذات واحدة . 

لا تقبل الکثرة ولا المفاضلة ، ومذهب الجماعة أن کل واحد من الأنبیاء فاضل مفضول ، فخص آدم بعلم الأسماء الإلهیة ، وخص موسى بالکلام ، وخص رسول الله و بما ذکره عن نفسه ، وخص عیسى بکونه روحا ، ومع علمنا بأن الله فضل بعضهم على بعض ، فله سبحانه أن یفضل بین عباده بما شاء ، ولیس لنا ذلک .

 فإنا لا نعلم ذلک إلا بإعلامه ، فإن ذلک راجع إلى ما فی نفس الحق سبحانه منهم ، ولا یعلم أحد ما نفس الحق ، ولا دخول هنا للمراتب الظاهرة والتحکم ، وقد نهى رسول الله صلى الله علیه وسلم أن نفضل بین الأنبیاء ، وأن تفضله صلى الله علیه وسلم علیهم إلا بإعلامه أیضا ، وعین یونس علیه السلام وغیره . 

فمن فضل من غیر إعلام الله فقد خان رسول الله صلى الله علیه وسلم ، وتعدی ما حده له رسول الله صلى الله علیه وسلم .

أما الرسالة ونبوة الشرائع العامة أعنی المتعدیة إلى الأمم ، والخاصة بکل نبی فاختصاص إلهی فی الأنبیاء والرسل ، لا ینال بالاکتساب ولا بالتعمل ، فخطاب الحق قد ینال بالتعمل ، والذی یخاطب به إن کان شرعا یبلغه أو یخصه . 

ذلک هو الذی نقول فیه لا ینال بالتعسل ولا بالکسب ، وهو الاختصاص الإلهی المعلوم، وکل شرع ینال به عامله هذه المرتبة فإن نبی ذلک الشرع من أهل هذا المقام ، وهو زیادة على شریعة نبوته له ، فضلا من الله ونعمة ، وهو لمحمد صلى الله علیه وسلم  بالقطع ، وکل شرع لا ینال العامل به هذا المقام ، فإن نبی ذلک الشرع لم یحصل له هذا المقام الذی حصل لغیره من أنبیاء الشرائع .

قال تعالى « ولقد فضلنا بعض النبیین على بعض » وقال جل جلاله « تلک الرسل فضلنا بعضهم على بعض » فی وجوه منها هذا .

الفتوحات  ج 1 / 522 - ج 2 / 19 ، 52 ، 61 - ج 3 / 422 - ج 4 / 139 

 ص 210

  

(وما یشاء إلا ما علم فحکم به.

وما علم کما قلناه إلا بما أعطاه المعلوم. "5"

فالتوقیت فی الأصل للمعلوم، والقضاء والعلم والإرادة والمشیئة تبع للقدر.

فسر القدر من أجل العلوم، وما یفهمه الله تعالى إلا لمن اختصه بالمعرفة التامة. فالعلم به یعطی الراحة الکلیة للعالم به، ویعطی العذاب الألیم للعالم به أیضا.

فهو یعطی النقیضین. "6"

وبه وصف الحق نفسه بالغضب والرضا، وبه تقابلت الأسماء الإلهیة. )

_________________________________

*  قارن بین ما جاء فی هذا الشرح الثابت عن الشیخ من أن التفاضل راجع إلى ما فی نفس الحق ولا دخول هنا للمراتب الظاهرة والتحکم ، وبین ما نسب إلى الشیخ فی هذه الفقرة من أن تفاضل الأنبیاء بحسب استعدادهم .

 

5  - العلم تابع للمعلوم یراجع فص 2 هامش 3 ص 42


 "" العلم تابع للعلوم - الفص 2 رقم 3 ص 42

3 - العلم تابع للمعلوم

لیس سر القدر الذی یخفى عن العالم عینه الا اتباع العلم المعلوم ، فلا شیء أبین منه ولا أقرب مع هذا البعد ، فإن العلم تابع للمعلوم ما هو المعلوم تابع للعلم فافهمه.

وهذه مسألة عظیمة دقیقة ما فی علمی أن أحدا نبه علیها إلا إن کان وما وصل إلینا ، وما من أحد إذا تحققها یمکن له إنکارها ، وفرق یا أخی بین کون الشیء موجودا فیتقدم العلم وجوده ، وبین کونه على هذه الصورة فی حال عدمه الأزلی ، فهو مساوق للعلم الإلهی به ومتقدم علیه بالرتبة .

لأنه لذاته أعطاه العلم به ، فإن المعلوم متقدم بالرتبة على العلم وإن تساوقا فی الذهن من کون المعلوم معلوما ، لا من  کونه وجودا أو عدما ، فإنه المعطی العالم العلم .

فاعلم ما ذکرناه فإنه ینفعک ویقویک فی باب التسلیم والتفویض للقضاء والقدر الذی قضاه حالک ، فلو لم یکن فی هذا الکتاب « الفتوحات المکیة » إلا هذه المسألة لکانت کافیة لکل صاحب نظر سدید و عقل سلیم .

واعلم أن الله تعالى ما کتب إلا ما علم ولا علم إلا ما شهد من صور المعلومات على ما هی علیه فی أنفسها ما یتغیر منها وما لا یتغیر ، فیشهدها کلها فی حال عدمها على تنوعات تغییراتها إلى ما لا یتناهی ، فلا یوجدها إلا کما هی علیه فی نفسها ، فمن هنا تعلم علم الله بالأشیاء معدومها وموجودها ، وواجبها وممکنها ومحالها ، ومن هنا إن عقلت وصف الحق نفسه بأن له الحجة البالغة لو توزع .

فإنه من المحال أن یتعلق العلم إلا بما هو المعلوم علیه فی نفسه ، فلو احتج أحد على الله بأن یقول له علمک سبق فیه بأن أکون على کذا فلم تواخذنی ، یقول له الحق هل علمتک إلا بما أنت علیه ؟

فلو کنت على غیر ذلک لعلمتک على ما تکون علیه ، ولذلک قال « حتى تعلم » فارجع إلى نفسک وأنصف فی کلامه ، فإذا رجع العبد على نفسه ونظر فی الأمر کما ذکرناه علم أنه محجوج، وأن الحجة لله تعالى علیه.

أما سمعته تعالى یقول: « وما ظلمهم الله" "وما ظلمناهم" .

وقال « ولکن کانوا أنفسهم یظلمون ، کما قال « ولکن کانوا هم الظالمین » یعنی أنفسهم .

فإنهم ما ظهروا لنا حتى علمناهم وهم معدومون إلا بما ظهروا به فی الوجود من الأحوال ، فعندنا ما کانت الحجة البالغة لله على عباده إلا من کون العلم تابعا للمعلوم ما هو حاکم على المعلوم.

فإن قال المعلوم شیئا کان الله الحجة البالغة علیه بأن یقول له ما علمت هذا منک إلا بکونک علیه فی حال عدمک ، وما أبرزتک فی الوجود إلا على قدر ما أعطیتنی من ذاتک بقبولک ، فیعرف العبد أنه الحق فتندحض حجة الخلق ، فلا نزال نراقب حکم العلم فینا من الحق حتى تعلم ما کنا

فیه ، فإنه لا یحکم فینا إلا بنا.

فمن وقف فی حضرة الحکم وهی القضاء على حقیقتها شهودا علم سر القدر ، وهو أنه ما حکم على الأشیاء إلا بالأشیاء ، فما جاءها شیء من خارج ، "ولا ینکشف هذا السر حتى یکون الحق بصر العبد" ، فإذا کان بصر العبد بصر الحق نظر الأشیاء ببصر الحق، حینئذ انکشف له علم ما جهله، إذ کان بصر الحق لا یخفى علیه شیء ، ومن وقف على سر القدر ،" وهو أن الإنسان مجبور فی اختیاره "، لم یعترض على الله فی کل ما یقضیه و یجریه على عباده وفیهم ومنهم ، وهذا یشرح ما ذکره الشیخ فی کتابه المشاهد القدسیة من أن الحق قال له « أنت الأصل وأنا الفرع ".

وعلامة من یعلم سر القدر هو أن یعلم أنه مظهر ، وعلامة من یعلم أنه مظهر ، أن تکون له مظاهر حیث شاء من الکون کقضیب البان ، فإنه کان له مظاهر فیما شاء من الکون حیث شاء من الکون.

وإن من الرجال من یکون له الظهور فیما شاء من الکون لا حیث شاء ، ومن کان له الظهور حیث شاء من الکون کان له الظهور فیما شاء من الکون.

فتکون الصورة الواحدة تظهر فی أماکن مختلفة ، وتکون الصور الکثیرة على التعاقب تلبس الذات الواحدة فی عین المدرک لها ، ومن عرف هذا ذوقا .

کان متمکنا من الاتصاف بمثل هذه الصفة ، وهذا هو علم سر القدر الذی ینکشف لهم .

 راجع الفتوحات ج2 / 2 , 13 .  ج4/ 16 , 70 , 74 , 182 , 235. أهـ. ""


6 - سر القدر

قد یعلم سر القدر وتحکمه فی الخلائق . وقد أعلمنا به فعلمناه بحمد الله . 

ولیس سر القدر الذی یخفی عن العالم عینه إلا اتباع العلم المعلوم ، فلا شیء أبین منه ولا أقرب مع هذا البعد ، فإن العلم تابع للمعلوم ما هو المعلوم تابع للعلم فافهمه. وهذه مسألة عظیمة دقیقة ما فی علمی أن أحدا نبه علیها إلا إن کان وما وصل إلینا . وما من أحد تحققها یمکن له إنکارها ، وفرق یا أخی بین کون الشیء موجودا فیتقدم العلم وجوده ، وبین کونه على هذه الصورة فی حال عدمه الأزلی ، فهو مساوق للعلم الإلهی به ومقدم علیه بالرتبة ، لأنه لذاته أعطاه العلم به ، فاعلم ما ذکرناه فإنه یقویک فی باب التسلیم والتفویض للقضاء والقدر ، الذی قضاه حالک ، فلا نزال نراقب حکم العلم فینا من الحق حتى نعلم ما کنا فیه ، فإنه لا یحکم فینا إلا بنا . فمن وقف فی حضرة الحکم وهی القضاء على حقیقتها شهودا ، علم سر القدر وهو أنه ما حکم على الأشیاء إلا بالأشیاء فیما جاءها شیء من خارج ، ولا ینکشف هذا انسر حتى یکون الحق بصر العبد، فإذا کان العبد بصر الحق نظر الأشیاء ببصر الحق ، حینئذ انکشف له علم ما جهله ، إذ کان بصر الحق لا یخفى علیه شیء .

ومن وقف على سر القدر وهو أن الإنسان مجبور فی اختیاره لم یعترض على الله فی کل

 ص 211

  

فحقیقته تحکم فی الوجود المطلق والوجود المقید، لا یمکن أن یکون شیء أتم منها ولا أقوى ولا أعظم لعموم حکمها المتعدی وغیر المتعدی.

ولما کانت الأنبیاء صلوات الله علیهم لا تأخذ علومها إلا من الوحی الخاص الإلهی، فقلوبهم ساذجة من النظر العقلی لعلمهم بقصور العقل من حیث نظره الفکری، عن إدراک الأمور على ما هی علیه.

والإخبار أیضا یقصر عن إدراک ما لا ینال إلا بالذوق.

فلم یبق العلم الکامل 

_______________________________

ما یقضیه ویجریه على عباده وفیهم ومنهم ، وقد ذکرنا فی کتابنا المشاهد القدسیة أنه فال لی «أنت الأصل وأنا الفرع »

وفی ذلک أقول:

إن الإله بجوده   ..... یعطی العبید إذا افتقر

ما شاءه مما له   ..... ما ثم إلا ما ذکر

لما وقفت تحققا   ..... منه على سر القدر

وشهدته فرأیته   ..... سمع الحبیب مع البصر

فیه بدت أحکامه   ..... وله نهی وله أمر

ویقال هذا مؤمن   ..... ویقال هذا قد کفر

فلنا الحقائق کلها   ..... ولنا التحکم والأثر

ما الأمر إلا هکذا   ..... ما الأمر ما یعطی النظر

الحکم لیس لغیرنا   ..... فی کل ما تعطی الصور

والأمر فیه فیصل   ..... فی الکون من خیر وشر

لم تستفد منه سوى   ..... أکواننا وکذا ظهر

وانظر بربک لا   ..... بعقلک فی شئونک واعتبر

هذا هو الحق الصراح   ..... لمن تحقق وادکر

الحکم حکم ذواتنا   ..... لا حکمه فاعدل وسر

عنه إلیه بما لنا   ..... تعثر على الأمر الخطر

لا تأتلی لا تأتنی   ..... فإلیک منک المستقر

إن الغنی صفة له   ..... عنا فنستر ما ستر

لو لا افتقار المحدثات   ..... إلیه ما جاء الخبر

هذا هو المیت الذی   ..... یوم القیامة قد نشر

 ص 212

 

قال الشیخ رضی الله عنه :  (إلا فی التجلی الإلهی ، "7" وما یکشف الحق عن أعین البصائر والأبصار من الأغطیة فتدرک الأمور قدیمها وحدیثها، وعدمها ووجودها، ومحالها وواجبها وجائزها على ما هی علیه فی حقائقها وأعیانها.

فلما کان مطلب العزیر على الطریقة الخاصة، لذلک وقع العتب علیه کما ورد فی الخبر.

فلو طلب الکشف الذی ذکرناه ربما کان لا یقع علیه عتب فی ذلک.

والدلیل على سذاجة قلبه قوله فی بعض الوجوه «أنى یحیی هذه الله بعد موتها».

وأما عندنا فصورته علیه السلام فی قوله هذا کصورة إبراهیم علیه السلام فی قوله «رب أرنی کیف تحی الموتى». "8"

ویقتضی ذلک الجواب بالفعل الذی أظهره الحق فیه فی قوله تعالى «فأماته الله مائة عام ثم )

______________________________

إن هذا هو السر الذی أخفاه الله عمن شاء من عباده ، قد ظهر فی حکم افتقارنا فی غناه ، فأظهره الله لمن شاء أیضا ، فتأمل هذا الغنی وهذا الفقر ، وانظر بنور بصیرتک فی هذا الوجود والفقد.

وقل الله الأمر من قبل ومن بعد .

فلله الحجة البالغه على خلقه ، لأنهم المعلومون . والمعلوم بعطی العالم ما هو علیه فی نفسه وهو العلم . ولا أثر للعلم فی المعلوم ، فما حکم على المعلوم إلا به .

الفتوحات ج 1 / 405 - ج 2 / 63 - ج 4 / 16 ، 147 ، 182 ، 237 ، 245  

 

7 ۔ علم التجلی وهو علم الأذواق یراجع فص 12 هامش 9  

کلمة ساذجة لا تفید المعنى المقصود بخالیة أو فارغة ، قال ابن سیده أراها معربة وعسى أن یکون أصلها سادة ، یقال حجة ساذجة أی غیر بالغة ( لسان العرب ).

 

8 - قول إبراهیم علیه السلام « رب أرنی کیف تحیی الموتى »  

قال تعالى « وإذ قال إبراهیم رب أرنی کیف تحیی الموتى قال أولم تؤمن . قال بلى ولکن لیطمئن قلبی . قال فخذ أربعة من الطیر فصرهن إلیک ، ثم اجعل على کل جبل منهن جزءا ، ثم ادعهن یأتینک سعیا ، واعلم أن الله عزیز حکیم » 

فطلب إبراهیم علیه السلام کیفیة إحیاء الموتى لاختلاف الوجوه فی ذلک ، لا إنکار إحیاء الموتى « قال أو لم تؤمن قال بلى » یقول بلى آمنت ولکن وجوه الإحیاء کثیرة ، کما کان وجود الخلق ، فمن الخلق ما أوجدته عن کن ، ومنهم من أوجدته بیدک ، ومنهم من أوجدته بیدیک ، ومنهم من أوجدته ابتداء ، ومنهم من أوجدته عن خلق آخر ،

 ص 213

 

بعثه» فقال له «وانظر إلى العظام کیف ننشزها ثم نکسوها لحما» فعاین کیف تنبت الأجسام معاینة تحقیق، فأراه الکیفیة.

فسأل عن القدر الذی لا یدرک إلا بالکشف للأشیاء فی حال ثبوتها فی عدمها، فما أعطی ذلک فإن ذلک من خصائص الاطلاع الإلهی، فمن المحال أن یعلمه إلا هو فإنها المفاتح الأول، أعنی مفاتح الغیب

 ________________________________

فتنوع وجوه الخلق ، وإحیاء الخلق بعد الموت إنما هو وجود آخر فی الآخرة ، فقد یتنوع وقد یتوحد ، فطلب العلم بکیفیة الأمر ، هل هو متنوع أو واحد ، فإن کان واحدا فأی واحد من هذه الأنواع .

لذلک قال « ولکن لیطمئن قلبی » أی یسکن ، فإذا أعلمتنی به اطمأن قلبی وسکن بحصول ذلک الوجه ، والزیادة من العلم مما أمرت به ، فیطمئن قلبی أی یسکن إلى الوجه الذی یحیى به الموتى ویتعین لی إذ الوجوه لذلک کثیرة ، فأحاله الله على الکیفیة بالطیور الأربعة التی هی مثال الطبائع الأربع .

فقال « فخذ أربعة من الطیر » إخبارا بأن وجود الآخرة طبیعی یعنی حشر الأجساد الطبیعیة .

وأما حشر الأرواح التی یرید أن یعقلها إبراهیم من هذه الدلالة انتی أحاله الحق علیها فی الطیور الأربعة ، فهی فی الإلهیات کون العالم یفتقر فی ظهوره إلى إله قادر على إیجاده ، عالم بتفاصیل أمره ، مرید إظهار عینه ، حی لثبوت هذه النسب التی لا تکون إلا لحی ، فهذه أربعة لابد فی الإلهیات منها ، فإن العالم الا بظهر إلا ممن له هذه الأربعة ، فهذه دلالة الطیور له علیه السلام فی الإلهیات فی العقول والأرواح وما لیس بجسم طبیعی ، کما هی دلالة على تربیع الطبیعة لإیجاد الأجسام الطبیعیة والعنصریة « فصرهن إلیک » أی ضمهن والضم جمع عن تفرقة ، وبضم بعضها إلى بعض ظهرت الأجسام « ثم اجعل على کل جبل منهن جزءا » وهو ما ذکرناه من الصفات الأربع الإلهیات ، وهی أجبل لشموخها وثبوتها.

« ثم ادعهن یأتینک سعیا ، وما کان أذهب منهن شیئا إلا فساد عین الترکیب ، وأما الأجزاء فهی باقیة بأعیانها ، ولا یدعى إلا من یسمع ، وله عین ثابتة ، فأقام له الدعاء بها مقام قوله « کن » من قوله « إنما قولنا لشیء إذا أردناه أن تقول له کن فیکون » فلما أشهد الله خلیله إبراهیم علیه السلام الکیفیة سکن عما کان یجده من القاق لتلک الجذبات

 ص 214

 

التی لا یعلمها إلا هو. "9"

وقد یطلع الله من شاء من عباده على بعض الأمور من ذلک.

واعلم أنها لا تسمى مفاتح إلا فی حال الفتح، وحال الفتح هو حال تعلق التکوین بالأشیاء

 ______________________

التی للوجوه المختلفة ، وسکن سکونا لا یشوبه تحیر ، ولا تشویش فی معرفة الکیفیة ، وزاد یقینه طمأنینة بعامه بالوجه الخاص من الوجوه الإمکانیة ، وهنا دقیقة وهی ان تعلق القدرة الأزلیة بالإیجاد حارت فیها المشاهد والعقول وقد قال تعالى الإبراهیم علیه السلام حین قال « رب أرنی کیف تحیی الموتى » لما أراه آثار القدرة لا تعلقها .

عرف کیفیة الأشیاء والتحام الأجزاء : حتى قام شخصا سویا ، ولا رأی تعلق قدرة ولا تحققها، قال له الخبیر العلیم « واعلم أن الله عزیز حکیم » لما تقدمه فی صور الأطیار وتفریقه الأطوار . 

الفتوحات ج 2 / 36 ، 59 ، 520 ، 615 - ج 3 / 213 - عقلة المستوفز - عنقاء مغرب.

9 - القدر

کان العزیر رسول الله علیه السلام کثیر السؤال عن القدر إلى أن قال له الحق تعالی یا عزیر لئن سألت عنه لأمحون اسمک من دیوان النبوة ، فأفعال الحق لا ینبغی آن تعلل فإنه ما ثم علة موجبة لتکوین شیء إلا عین وجود الذات وقبول عین الممکن الظهور الوجود .

فالسبب الذی لأجله طوی علم القدر هو أن له نسبة إلى ذات الحق ونسبة إلى المقادیر ،فعز أن یعلم عز الذات ، وعز أن یجهل لنسبة المقادیر. 


فهو المعلوم المجهول ، ونهی العالم عن طلب العلم بالقدر ، فأولیاء الله لا یطلبون علمه للنهی الوارد عن طلبه ، فمن عصى الله طلبه من الله ، وهو لا یعلم بالنظر الفکری . 

فلم یبق إلا أن یعلم بطریق الکشف الإلهی ، والحق لا یقرب من عصاه بمعصیته . وطالب هذا العلم قد عصاه فی طلبه ، فلا ینال من طریق الکشف ، وما ثم طریق آخر یعلم به علم القدر ، فلهذا کان مطویة عن الرسل فمن دونهم ، فإن مرتبته بین الذات والمظاهر ، فمن علم الله علم القدر ، ومن جهل الله جهل القدر ، والله سبحانه مجهول فالقدر مجهول ، فمن المحال أن یعرف المألوه الله لأنه لا ذوق له فی الألوهیة .

ص 215


أو قل إن شئت حال تعلق القدرة بالمقدور ولا ذوق لغیر الله فی ذلک.

فلا یقع فیها تجل ولا کشف، إذ لا قدرة ولا فعل إلا لله خاصة، إذ له الوجود المطلق الذی لا یتقید. "10"

فلما رأینا عتب الحق له علیه السلام فی سؤاله فی القدر علمنا أنه طلب هذا الاطلاع، فطلب أن یکون له قدرة تتعلق بالمقدور، وما یقتضی ذلک إلا من له

___________________________________

فما من وجه من المعلومات إلا وللقدر فیه حکم لا یعلمه إلا الله ، فلو علم القدر علمت أحکامه ، ولو علمه أحکامه لاستقل العبد فی العلم بکل شیء وما احتاج إلى الحق فی شیء وکان الغنی له على الإطلاق ، فلما کان الأمر بعلم القدر یؤدی إلى هذا طواه الله عن عباده فلا یعلم ، ومن الأسباب التی لأجلها طوى علم القدر عن الإنسان ، لکون ذات الإنسان تقتضی البوح به ، لأنه أسنى ما یمدح به الإنسان، وأسنى ما یمدح به العبد العلم بالله ، وعلمه بالقدر علمه بالله .

مفاتح الغیب هی الأسماء الإلهیة التی لا یعلمها إلا الله العالم بکل شیء، والأسماء نسب غیبیة، إذ الغیب لا یکون مفتاحه إلا غیبا، و بالمشیئة ظهر أثر الطبیعة وهی غیب، فالمشیئة مفتاح ذلک الغیب والمشیئة نسبة إلهیة لا عین لها فالمفتاح غیب ، وقد تکون مفاتح الغیب هی استعدادات القوابل وهی غیر مکتسبة بل منحة إلهیة، فلهذا لا یعلمها إلا الله ولا تعلم إلا بإعلام الله . 

فتوحات ج 2 / 64 - ج 3 / 397 ، 542 .


10 - تعلق القدرة بالمقدور

هو حال الفعل عند تعلق الفاعل بالمفعول وکیفیة تعلق القدرة الأزلیة بالإیجاد الذی حارت فیه المشاهد والعقول ، وکل من رام الوقوف نکص على عقبه ورجع إلى مذهبه.

وقد قال تعالى فی أنفسهم وأقدسهم حین قال «رب أرنی کیف تحیی الموتى » فلما أراه آثار القدرة لاتعلقها عرف کیفیة الأشیاء والتحام الأجزاء حتى قام شخصا سویا.

ولا رأی تعلق القدرة ولا تحققها ، فقد تفرد الحق بسر نشأة خلقه ونشره ، فإنه لیس فی حقائق ما سوى الله ما یعطی ذلک ، فلا فعل لأحد سوى الله.

فقوله تعالی « ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم » هذه الآیة دلیل على عدم تجلی الحق فی الأفعال، أعنی نسبة ظهور الکائنات عن الذات التی تکون عنها،

 ص 216 


قال الشیخ رضی الله عنه :  (الوجود المطلق.

فطلب ما لا یمکن وجوده فی الخلق ذوقا، فإن الکیفیات لا تدرک إلا بالأذواق.

وأما ما رویناه مما أوحى الله به إلیه لئن لم تنته لأمحون اسمک من دیوان النبوة، أی أرفع عنک طریق الخبر وأعطیک الأمور على التجلی، والتجلی لا یکون إلا بما أنت علیه من الاستعداد الذی به یقع الإدراک الذوقی، فتعلم أنک ما أدرکت إلا بحسب استعدادک فتنظر فی هذا الأمر الذی طلبت، فإذا لم تره تعلم أنه لیس عندک الاستعداد الذی تطلبه وأن ذلک من خصائص الذات الإلهیة، وقد علمت أن الله أعطى کل شیء خلقه: ولم یعطک هذا الاستعداد الخاص، فما هو خلقک، ولو کان خلقک لأعطاکه الحق الذی أخبر أنه «أعطى کل شی ء خلقه».

فتکون أنت الذی تنتهی عن مثل هذا السؤال من نفسک، لا تحتاج فیه إلى نهی إلهی.

وهذه عنایة من الله بالعزیر علیه السلام علم ذلک من علمه وجهله من جهله.)

___________________________________

فما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم ،أی صدورها إلى الوجود.

أراد حالة الإیجاد ، فما شاهد أحد تعلق القدرة الإلهیة بالأشیاء عند إیجادها.

فإن الخلق یرید به المخلوق فی موضع مثل قوله « هذا خلق الله » ویرید به الفعل فی موضع مثل قوله : " ما أشهدتهم خلق السموات" فهنا یرید به الفعل بلا شک، لأنه لیس لمخلوق فعل أصلا.

فما فیه حقیقة من الله یشهد بها فعل الله، وما لمخلوق مما سوى الله ولا العقل الأول أن یعقل کیفیة اجتماع نسب یکون عن اجتماعها عین وجودیة مستقلة فی الظهور وغیر مستقلة فی الغنی. 

مفتقرة بالإمکان المحکوم علیها به ، وهذا علم لا یعلمه إلا الله تعالى ، ولیس فی الإمکان أن یعلمه غیر الله تعالى .

ولا یقبل التعلیم أعنی أن یعلمه الله من شاء من عباده ، فأشبه العلم به العلم بذات الحق ، والعلم بذات الحق محال حصوله لغیر الله .

فمن المحال حصول العلم بالعالم أو بالإنسان نفسه أو بنفس کل شیء لنفسه لغیر الله.

فنفهم هذه المسألة فإنی ما سمعت ولا علمت أن أحدا نبه علیها ، فإنها صعبة التصور . 

مع أن فحول العلماء یقولون بها ولا یعلمون أنها هی .

الفتوحات ج 1 / 195 - ج 2 / 70 ، 606 - ج 3 / 577 - ج 4 / 289 ، 296 - عنقاء مغرب - ذخائر الأعلاق .

 

11 - راجع فص 12 هامش 9 ص 189

ص 217


واعلم أن الولایة هی الفلک المحیط العام، ولهذا لم تنقطع ولها الإنباء العام. "12"

وأما نبوة التشریع والرسالة فمنقطعة.

وفی محمد صلى الله علیه وسلم قد انقطعت، فلا نبی بعده: یعنی مشرعا أو مشرعا له، ولا رسول وهو المشرع.

وهذا الحدیث 

______________________________

12 - مرتبة الولایة والنبوة والرسالة 

یقول الشیخ فی کتابه « التنزلات الموصلیة »: 

سماء النبوة فی برزخ   …. دوین الولی وفوق الرسول 

ویقول فی الفتوحات المکیة ح 2 ص 23 : الولایة أعم فلک إحاطی. 

وهو قوله فی التنزلات الموصلیة فی الباب الثالث :

سماء الولایة علویة   ..... تحیط بکل مقام جلیل


ویقول فی الفتوحات المکیة فی الجزء الأول ص 229 :

بین النبوة والولایة فارق   ..... لکن لها الشرف الأتم الأعظم

یعنو لها الفلک المحیط بسره  ..... وکذلک القلم العلی الأفخم

إن النبوة والرسالة کانتا  ..... وقد انتهت ولها السبیل الأقوم

وأقام بیتا للولایة محکما  ..... فی ذاته فله البقاء الأدوم

لا تطلبنه نهایة یسعى لها  ..... فیکون عند بلوغه یتهدم

صفة الدوام کذاته نفسیة  ..... فهو الولی فقهره متحکم

یأوی إلیه نبیه ورسوله  ..... والعالم الأعلى ومن هو أقدم


ولهذا یقول رضی اللّه عنه فی الفتوحات الجزء الثانی ص 246 :

الولایة نعت إلهی ، وهو للعبد خلق لا تخلق ، وتعلقه من الطرفین عام ، لکن لا یشعر بتعلقه عموما من الجناب الإلهی ، وعموم تعلقه من الکون أظهر عند الجمیع ، فإن الولایة نصر الولی ، أی نصر الناصر ، فهو ذو النصر العام فی کل منصور ، ولما کان نعتا إلهیا هذا النصر المعبر عنه بالولایة ، تسمى سبحانه به وهو اسمه الولی - وهذا معنى قوله فی البیت الأخیر - ومن هو أقدم -.

ثم یزید رضی اللّه عنه شرحا لمقام الولایة ، فی الفتوحات المکیة فی الجزء الثانی ص 256 فیقول . 

ص 218 

 

قصم ظهور أولیاء الله لأنه یتضمن انقطاع ذوق العبودیة الکاملة التامة.

فلا ینطلق علیه اسمها الخاص بها فإن العبد یرید ألا یشارک سیده- وهو الله فی اسم، والله لم یتسم بنبی ولا رسول، وتسمى بالولی واتصف بهذا الاسم فقال «الله ولی الذین 

______________________________

اعلم أن الولایة هی المحیطة العامة ، وهی الدائرة الکبرى ، فمن حکمها أن یتولى اللّه من شاء من عباده بنبوة ، وهی من أحکام الولایة ، وقد یتولاه بالرسالة وهی من أحکام الولایة أیضا ، فکل رسول لابد أن یکون نبیا ، وکل نبی لابد أن یکون ولیا ، فکل رسول لابد أن یکون ولیا ، فالرسالة خصوص مقام فی الولایة ، والرسالة فی الملائکة دنیا وآخرة ، لأنهم سفراء الحق لبعضهم وصنفهم ، ولمن سواهم من البشر فی الدنیا والآخرة ، والرسالة فی البشر لا تکون إلا فی الدنیا ، وینقطع حکمها فی الآخرة ، وکذلک تنقطع فی الآخرة بعد دخول الجنة والنار ، نبوة التشریع لا النبوة العامة ، وأصل الرسالة فی الأسماء الإلهیة ، وحقیقة الرسالة إبلاغ کلام من متکلم إلى سامع ، فهی حال لا مقام ، ولا بقاء لها بعد انقضاء التبلیغ . إهـ.


هذا ما أشرنا إلیه من کتاب القربة من قوله :

مرتبة الولایة والمعرفة ، ( أی النبوة العامة لا نبوة التشریع ) دائمة الوجود ، ومرتبة الرسالة منقطعة .

لذلک نرى الشیخ رضی اللّه عنه فی التکلم عن الولایة والأولیاء .


یقول فی الفتوحات من الجزء الثانی ص 24 :

فمن الأولیاء رضی اللّه عنهم الأنبیاء صلوات اللّه علیهم ، تولاهم اللّه بالنبوة ، فالولایة نبوة عامة ، والنبوة التی بها التشریع نبوة خاصة .

ثم یقول : ومن الأولیاء رضوان اللّه علیهم ، الرسل صلوات اللّه وسلامه علیهم تولاهم اللّه بالرسالة ، فهم النبیون المرسلون إلى طائفة من الناس ، أو یکون إرسالا عاما إلى الناس ، ولم یحصل ذلک إلا لمحمد صلى اللّه علیه وسلم .

ویقول فی ص 26 : ومن الأولیاء أیضا رضی اللّه عنهم المؤمنون والمؤمنات ، تولاهم اللّه بالإیمان الذی هو القول والعمل والاعتقاد . إهـ


ولذلک نراه یقول فی کتاب القربة :

الرسل من کونهم أولیاء عارفین أرفع من کونهم رسلا ، فإن الولایة والمعرفة تحصرهم فی بساط المشاهدة فی الحضرة المقدسة ، والرسالة تنزلهم إلى العالم الأضیق ومشاهدة الأضداد ومکابدة الأسماء الإلهیة القائمة بالفراعنة والجبابرة ، فلا شیء أشد علیهم من مقارعة الأسماء بالأسماء ، ولهذا کان یقول صلى الله علیه وسلم  بعد استعاذاته من

 ص 219 


آمنوا»: وقال «هو الولی الحمید».

وهذا الاسم باق جار على عباد الله دنیا وآخرة. فلم یبق اسم یختص به العبد دون الحق بانقطاع النبوة والرسالة: إلا أن الله لطف 

________________________

الأفعال والأحوال « أعوذ بک منک »لشدة سلطان هذا المقام ، فإذا سمعتم لفظة من عارف محقق مبهمة ، وهو أن یقول : إن الولایة هی النبوة الکبرى ، والولی العارف مرتبته فوق مرتبة الرسول ؛ فاعلموا أن الاعتبار بالشخص من حیث ما هو إنسان ، فلا فضل ولا شرف فی الجنس بالحکم الذاتی ، وإنما یقع التفاضل بالمراتب ، فالأنبیاء صلوات اللّه علیهم ما فضلوا الخلق إلا بالمراتب ، فالنبی صلى اللّه علیه وسلم له مرتبة الولایة والمعرفة والرسالة ، ومرتبة الولایة والمعرفة دائمة الوجود ، ومرتبة الرسالة منقطعة ، فإنها تنقطع بالتبلیغ ، والفضل للدائم الباقی ، والولی العارف مقیم عنده ، والرسول خارج ، وحالة الإقامة أعلى من حالة الخروج ، فهو صلى اللّه علیه وسلم من کونه ولیا عارفا ، أعلى وأشرف من کونه رسولا ، وهو الشخص بعینه ، واختلفت مراتبه ، لا أن الولی منا أرفع من الرسول ، نعوذ باللّه من الخذلان ، فعلى هذا الحد یقولها أصحاب الکشف والوجود ، إذ لا اعتبار عندنا إلا للمقامات ، ولا نتکلم إلا فیها لا فی الأشخاص . إ هـ


ویقول فی کتابه تلقیح الأذهان :

ففلک الولایة أعلا وأعم من فلک النبوة ، ولا تحجب فتقول الولی أفضل من النبی ، لا ، ولکن النبوة درجة فی الولایة ، فالولی الذی لیس بنبی ناقص عن رتبة النبوة ، وإنما النبی من حیث ولایته اتم منه من حیث نبوته ، کالإنسان من حیث إنسانیته أتم منه من حیث حیوانیته ،

کما أن النبوة فی حق ذات النبی أعم وأشرف من الرسالة ،فإنه یدخل فیها ما اختص به فی نفسه وما أمر بتبلیغه لأمته الذی هو منه رسول.فتوحات ج 1 / 429 .

 فالکلام فی المراتب وتفاضلها من حیث المقام والرتبة والأصل والفرع وعلو الأصل على الفرع والأساس على البناء والمقام على الحال والمستند إلیه على المستند ومقام النصرة على التبلیغ ، فمن نظر إلى المراتب وسعتها وان مرتبة الولایة وسعت الأنبیاء والرسل ، وأن مرتبة النبوة وسعت الرسل واقتصرت مرتبة الرسالة على الرسل فقط ، ونظر إلى أن الولایة هی الأساس وأنها هی الفلک المحیط الأوسع ،

ص 220

 

بعباده، فأبقى لهم النبوة العامة التی لا تشریع فیها، وأبقى لهم التشریع فی الاجتهاد فی ثبوت الأحکام، وأبقى لهم الوراثة فی التشریع فقال «العلماء ورثة الأنبیاء».  وما 

________________________

قال إن مرتبة الولایة أعلى وأشرف من مرتبة النبوة والرسالة ، ومن تنظر إلى أن مرتبة الولایة لها البقاء فی الدنیا والآخرة ، وأن مرتبة النبوة والرسالة منقطعة بالدنیا والحشر ، قال بعلو مقام الرتبة التی لها البقاء والدوام على الرتبة المنقطعة ، و من نظر إلى الاستناد إلى الأسماء الإلهیة وأن مرتبة الولایة مستندة إلى الاسم الإلهی الولی وأن النبوة والرسالة من أسماء العبودیة قال بشرف المرتبة بشرف المستند إلیه ، ومن نظر إلى المعنى قال إن الولایة نصرة ، ومقام النصرة له الشرف على مقام الإخبار ومقام التبلیغ.

کان محمد صلى الله علیه وسلم أعظم خلیفة وأکبر إمام ، وکانت أمته خیر أمة أخرجت للناس وجعل الله ورثته فی منازل الأنبیاء والرسل . 


فأباح لهم الاجتهاد فی الأحکام ، فهو تشریع عن خبر الشارع ، فکل مجتهد مصیب کما أنه کل نبی معصوم ، وتعبدهم الله بذلک لیحصل لهذه الأمة نصیب من التشریع وتثبت لهم فیه قدم ، فلم یتقدم علیهم سوى نبیهم صلى الله علیه وسلم ، فتحشر علماء هذه الأمة حفاظ الشریعة المحمدیة فی صفوف الأنبیاء لا فی صفوف الأمم ، فهم شهداء على الناس ، وهذا نص فی عدالتهم ، ولولا أن الشارع قرر حکم المجتهد من علماء هذه الأمة ما ثبت له حکم ، فالمجتهدون من علماء الشریعة ورثة الرسل فی التشریع ، وأدلتهم تقوم لهم مقام الوحی للأنبیاء ، واختلاف الأحکام کاختلاف الأحکام ، إلا أنهم لیسوا مثل الرسل .


فاختص الله هذه الأمة أعنی علماءها بأن شرع لهم الاجتهاد فی الأحکام ، وقرر حکم ما أداه إلیه اجتهادهم وتعبدهم به ، ونعبد من قلدهم به، کما کان حکم الشرائع للأنبیاء ومقلدیهم ، ولم یکن مثل هذا الأمة نبی ما لم یکن نبیا بوحی منزل ، فجعل الله وحی علماء هذه الأمة فی اجتهادهم ، کما قال لنبیه علیه السلام " لتحکم بین الناس بما أراک الله » فالمجتهد ما حکم إلا بما أراه الله فی اجتهاده.

 راجع الفتوحات ج 1 / 545 - ج 2 / 261 - ج 3 / 400 ، 401.  کتابنا « الفقه عند الشیخ الأکبر » ص 65

ص 221


ثم میراث فی ذلک إلا فیما اجتهدوا فیه من الأحکام فشرعوه. "13"

فإذا رأیت النبی 

_______________________________________

13 - حدیث «لا نبی بعدی ولا رسول »

" وقوله تعالى للعزیر : لئن لم تنته .." - الحدیث . 


یقول الشیخ فی الفتوحات ج 1 / 229  : -

اعلم أنه ثبت أن رسول الله صلى الله علیه وسلم  قال : إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدی ولا نبی - الحدیث بکماله - فهذا الحدیث من أشد ما جرعت الأولیاء مرارته ، فإنه قاطع للوصلة بین الإنسان وبین عبودیته ، وإذا انقطعت الوصلة بین الإنسان وبین عبودیته من أکمل الوجوه انقطعت الوصلة بین الإنسان وبین الله ، فإن العبد على قدر ما یخرج من عبودیته ، ینقصه من تقریبه من سیده ، لأنه یزاحمه فی أسمائه ، وأقل المزاحمة الاسمیة ، فأبقى علینا الاسم الولی وهو من أسمائه سبحانه ، وکان هذا الاسم قد نزعه من رسوله وخلع علیه وسماه بالعبد والرسول ،ولا یلیق بالله أن یسمی بالرسول.


فهذا الاسم من خصائص العبودیة التی لا تصح أن تکون للرب ، والرسالة قد انقطعت فارتفع حکم هذا الاسم بارتفاعها من حیث نسبتها بها من الله .


 ویقول فی الفتوحات ج 2 / 253 :  -

اعلم أن الحق لم یطلق على نفسه من النبوة أو الرسالة اسما کما أطلق فی الولایة فسمى قفسه ولیا وما سمى نفسه نبیا مع کونه أخبرنا وسمع دعاءنا .


ویقول فی الفتوحات ج 2 / 253 : -

فالنبی اسم خاص بالأنبیاء والرسل ما هو لله ولا للأولیاء بل هو اسم خاص للعبودیة التی هی عین القرب من السید وعدم مزاحمة السید فی رتبته ، بخلاف الولایة ، فإن العبد مزاحم له فی اسم الولی تعالى ، ولهذا شق على المستخلصین من العبید انقطاع اسم النبی واسم الرسول لما کان من خصائصها ولم یکن له فی الأسماء الإلهیة عین .


ولذلک یقول رضی الله عنه فی الفتوحات ج 1 / 229 :  -

ولما علم رسول الله صلى الله علیه وسلم أن فی أمته من یجرع مثل هذا الکأس ، وعلم ما یطرأ علیهم فی نفوسهم من الألم ، لذلک رحمهم . فجعل لهم نصیبا ، فقال للصحابة « لیبلغ الشاهد الغائب » فأمرهم بالتبلیغ کما أمره الله بالتبلیغ لینطلق علیهم أسماء الرسل التی هی مخصوصة بالعبید ، وقال صلى الله علیه وسلم « رحم الله امرأ سمع مقالتی

 ص 222

 

یتکلم بکلام خارج عن التشریع فمن حیث هو ولی وعارف، "14"  ولهذا، مقامه من حیث هو عالم أتم وأکمل من حیث هو رسول أو ذو تشریع وشرع.

فإذا سمعت أحدا من أهل الله یقول أو ینقل إلیک عنه أنه قال الولایة أعلى من النبوة، فلیس یرید ذلک 

________________________________

فوعاها فأداها کما سمعها » یعنی حرفا حرفا ، ومن هنا تعرف شرف مقام العبودیة وشرف المحدثین تقلة الوحی بالروایة ، فهذا القدر بقی من العبودیة ، وهو خیر عظیم امتن به علیهم ، ومهما لم ینقله الشخص بسنده متصلا غیر منقطع فلیس له هذا المقام ولا شم له رائحة . 

وکان من الأولیاء المزاحمین الحق فی الاسم الولی فنقصه من عبودیته بقدر هذا الاسم.


14 - علم الأسرار  

هو العلم الذی فوق طور العقل ، وهو علم نفث روح القدس فی الروع، یختص به النبی والولی ، والعالم بعلم الأسرار یعلم العلوم کلها ویستغرقها کلها ، ولا علم أشرف من هذا العلم المحیط الحاوی على جمیع المعلومات ، وما بقی إلا أن یکون المخبر به صادقا عند السامعین له معصوما. 


هذا شرطه عند العامة ، وأما العاقل اللبیب الناصح قفسه فلا یرمی به ولکن یقول هذا جائز عندی أن یکون صدقة أو کذبة ، وکذلک ینبغی لکل عاقل إذا أتاه بهذه العلوم غیر المعصوم وإن کان صادقا فی نفس الأمر فیما أخبر به ، ولکن کما لا یلزم هذا السامع صدقه لا یلزمه تکذیبه ولکن یتوقف ، وإن صدقه لم یضره لأنه أتی فی خبره بما لا تحیله العقول بل تجوزه أو تقف عنده ، ولا یهد رکن من أرکان الشریعة ولا یطل أصلا من أصولها ، فإذا أتی بأمر جوزه العقل وسکت عنه الشارع، فلا ینبغی لنا أن نرده أصلا ، ونحن مخیرون فی قبوله ، فعلوم النبوة والولایة وراء طور العقل ، لیس للعقل فیها دخول بفکر ، لکن له القبول خاصة عند السلیم العقل الذی لم یغاب علیه شبهة خیالیة فکریة ، یکون من ذلک فساد نظره ،فإن العقل بین النظر والقبول.

قال رسول الله صلى الله علیه وسلم « إن من العلم کهیئة المکنون لا یعلمه إلا العلماء بالله ، فإذا نطفوا به لم ینکره إلا أهل الغرة بالله » قال طبقة فی هذا العلم إنه وراء طور العقل ،

ص 223


القائل إلا ما ذکرناه.

أو یقول إن الولی فوق النبی والرسول، فإنه یعنی بذلک فی شخص واحد: وهو أن الرسول علیه السلام من حیث هو 

_______________________________

ومنه ما یستحیل عند الفکر ویقبلها العقل من الفکر مستحیلة الوجود، لا یسکن أن یکون له تحت دلیل الإمکان ، فیعلمها العقل من جانب الحق واقعة صحیحة غیر مستحیلة . 

ولا یزول عنها اسم الاستحالة ولا حکم الاستحالة عقلا ، ومن هذا العلم ما یکون تحت النطق ، فما ظنک بما عند هؤلاء العلماء من العلم مما هو خارج عن الدخول تحت حکم النطق ، فما کل علم یدخل تحت العبارات ، مثل علوم الأذواق کلها ، وجعل الله هذا العلم کهیئة المکنون ما جعله مکنونا ، إذ لو کان مکنونا لاتفرد به تعالى ، فلما لم یعلمه إلا العلماء بالله ، علم أن العلم بالله یورث العلم بما یعلمه الله . فهو مستور عن العموم معلوم للخصوص ، ومعنى العلم بالله أنه لا بعلم ، فقد علمنا أن ثم ما لا یعلم على التعیین ، وما عداه فیسکن العلم به ، فآکنه قلوب العلماء بالله ، فإذا نطقوا به فیما بینهم إذ لا یصح النطق به إلا على هذا الحد، واتفق أن یکون فی المجلس من لیس من أهله ولا من أهل الله، فإن أهل الله هم أهل الذکر وهم العلماء بالله ، أنکره علیهم أهل الغرة فأضاف أهلیتهم إلى الغرة ، وهم الذین یزعمون أنهم عرفوا الله ، قال أبو هریرة « حملت عن النبی صلى الله علیه وسلم جرابین ، أما الواحد فبثثته فیکم ، وأما الآخر فلو بثثته لقطع منی هذا البلعوم ».


یشیر أبو هریرة رضی الله عنه إلى ما کان یقول فیه علی بن أبی طالب رضی الله عنه حین یضرب بیده إلى صدره و یتنهد ویقول « إن ههنا لعلوما جمة لو وجدت لها حملة » .

وإلى ما کان یقوله عبد الله بن عباس البحر ، کان یلقب به لاتساع علمه ، فکان یقول فی قوله عز وجل د الله الذی خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن یتنزل الأمر بینهن » : لو ذکرت تفسیره لرجمتمونی ، وفی روایة ، لقلتم إنی کافر ، وإلى هذا العلم کان یشیر علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب ، زین العابدین ، علیهم الصلاة والسلام بقوله ، فلا أدری هل هما من قوله أو تسئل بهما

یا رب جوهر علم لو أبوح به    ….. لقیل لی أنت ممن یعبد الوثنا 

 ولا ستحل رجال مسلمون دمی   …. یرون أقبح ما یأتونه حسنا . 

الفتوحات  ج 1 / 200 ، 261 ، 483 - ج 2 / 114 - ج 3 / 244 

ص 224


قال الشیخ رضی الله عنه :  (القائل إلا ما ذکرناه.

أو یقول إن الولی فوق النبی والرسول، فإنه یعنی بذلک فی شخص واحد: وهو أن الرسول علیه السلام من حیث هو ولی أتم من حیث هو نبی رسول، لا أن الولی التابع له أعلى منه، فإن التابع لا یدرک المتبوع أبدا فیما هو تابع له فیه، إذ لو أدرکه لم یکن تابعا له فافهم. "15"

فمرجع الرسول والنبی المشرع إلى الولایة والعلم.

ألا ترى الله تعالى قد أمره بطلب الزیادة من العلم لا من غیره فقال له آمرا «وقل رب زدنی علما».

وذلک أنک تعلم أن الشرع تکلیف بأعمال مخصوصة أو نهی عن أفعال مخصوصة ومحلها هذه الدار فهی منقطعة، والولایة لیست کذلک إذ لو انقطعت لانقطعت من حیث هی کما انقطعت الرسالة من حیث هی.

وإذا انقطعت من حیث هی لم یبق لها اسم.

والولی اسم باق لله تعالى، فهو لعبیده تخلقا وتحققا وتعلقا.

فقوله للعزیر لئن لم تنته عن السؤال عن ماهیة القدر لأمحون اسمک من دیوان النبوة فیأتیک الأمر على الکشف بالتجلی ویزول عنک اسم النبی والرسول، وتبقى له ولایته. "16"

إلا أنه لما دلت قرینة الحال أن هذا الخطاب جرى مجرى الوعید علم من اقترنت عنده هذه الحالة مع الخطاب أنه وعید بانقطاع خصوص بعض مراتب الولایة فی هذه الدار، إذ النبوة والرسالة خصوص رتبة فی الولایة على بعض ما تحوی علیه الولایة من المراتب.

فیعلم أنه أعلى من الولی الذی لا نبوة تشریع عنده ولا رسالة.

ومن اقترنت عنده حالة أخرى تقتضیها أیضا مرتبة النبوة، یثبت عنده أن هذا وعد لا وعید.

فإن سؤاله علیه السلام مقبول إذ النبی هو الولی الخاص.

ویعرف بقرینة الحال أن النبی من حیث له فی الولایة هذا الاختصاص محال أن یقدم على ما یعلم أن الله یکرهه منه، أو یقدم على ما یعلم أن حصوله محال.

فإذا اقترنت هذه الأحوال عند من اقترنت عنده وتقررت عنده، أخرج هذا الخطاب الإلهی عنده فی قوله «لأمحون اسمک من دیوان النبوة» مخرج الوعد، وصار خبرا یدل على علو رتبة باقیة، وهی المرتبة الباقیة على الأنبیاء والرسل فی الدار الآخرة التی لیست بمحل لشرع یکون علیه أحد من خلق الله فی جنة ولا نار بعد دخول الناس فیهما. "17"

وإنما قیدناه بالدخول فی الدارین الجنة والنار لما شرع یوم القیامة )

__________________________

و الخلاف هنا فی صحة العبارة الواردة فی هذه الفقرة ، فلا یصح نسبتها بحال إلى الشیخ رضی الله عنه ، مع دقته فی التعبیر وانتقاء اللفظ کما یتضح من الشرح.


15 -  راجع هامش 12 ص 218

16 -  راجع هامش 13 ص 221

17  - راجع هامش 12 ص 218

 ص 225


قال الشیخ رضی الله عنه :  (لأصحاب الفترات والأطفال الصغار والمجانین، فیحشر هؤلاء فی صعید واحد لإقامة العدل والمؤاخذة بالجریمة والثواب العملی فی أصحاب الجنة.

فإذا حشروا فی صعید واحد بمعزل عن الناس بعث فیهم نبی من أفضلهم وتمثل لهم نار یأتی بها هذا النبی المبعوث فی ذلک الیوم فیقول لهم أنا رسول الحق إلیکم، فیقع عندهم التصدیق به ویقع التکذیب عند بعضهم.

ویقول لهم اقتحموا هذه النار بأنفسکم، فمن أطاعنی نجا ودخل الجنة، ومن عصانی وخالف أمری هلک وکان من أهل النار.

فمن امتثل أمره منهم ورمى بنفسه فیها سعد ونال الثواب العملی ووجد تلک النار بردا وسلاما.

ومن عصاه استحق العقوبة فدخل النار ونزل فیها بعمله المخالف لیقوم العدل من الله فی عباده. "18"

وکذلک قوله تعالى «یوم یکشف عن ساق» أی أمر عظیم من أمور الآخرة، «ویدعون إلى السجود» وهذا تکلیف وتشریع.

فمنهم من یستطیع ومنهم من لا یستطیع، وهم الذین قال الله فیهم «ویدعون إلى السجود فلا یستطیعون» کما لم یستطع فی الدنیا امتثال أمر الله بعض العباد کأبی جهل وغیره.

فهذا قدر ما یبقى )

___________________________________

18 - حدیث الحمیدی *

ما ورد فی هذه الفقرة هو الحدیث الذی أخرجه الحمیدی ، فی کتاب الموازنة ، ولم یثبت عند الشیخ ، لأنه یقول بخلاف ما جاء به ، فهو القائل فی حکم أطفال الکفار : الذی أقول به إنه متى قدر المسلم على الصلاة على من مات من الأطفال الصغار الذین لم یحصل منهم التمییز ولا العقل أنه یصلى علیهم ، فإنهم على فطرة الإسلام ، فالطفل یصلی علیه إذا مات بکل وجه ، ولا معنى لترک الصلاة علیه ، فإن الذریة تابعة للاباء فی الإیمان ولا یتبعونهم فی الکفر إن کان الآباء کفارا.

أما فی حق أهل الفترات فیقول : قبل التکلیف لا یقید الإنسان بل یجری بطبعه من غیر مؤاخذة أصلا ، فوجد العذر لمن لم تبلغه الدعوة الإلهیة ، وحکمه حکم من لم یبعث الله إلیه رسولا ، وهو قوله تعالى:" وما کنا معذبین حتى نبعث رسولا " وما کانت دعوة الرسل قبل رسول الله من عامة ، فیلزم أهل کل زمان الإیمان .

الفتوحات  ج 1 / 326 ، 519 ، 536 - ج 3 / 135 - ج 4 / 162

ص 226


من الشرع فی الآخرة یوم القیامة قبل دخول الجنة والنار، فلهذا قیدناه. "19"

والحمد لله.

 _________________________________

19 - ما بقی من التکلیف یوم القیامة 

یوم یکشف عن ساق الآخرة ، تقول العرب : کشفت الحرب عن ساقها ، وهی إذا حمی وطیسها ، واشتدت الحرب وعظم الخطب .

وکشف الساق کما یؤذن بالشدة ، کذلک یؤذن بسرعة انقضاء المدة ، فمع کل زعزع رخاء ، وعند انتهاء الشدائد یکون الرخاء ، یقال کشفت الحرب عن ساقها ، وعقدت علیها إزرة طوقها ، فاشتد اللزام ، وکانت نزال لما عظم القیام ، وجاء ربک فی ظلل من الغمام ، والملائکة للفصل والقضاء والنقض والإبرام ، وعظم الخطب واشتد الکرب ، وماج الجمیع بحکم الصدع ، ففی الموقف ترفع الحجب بین الله وبین عباده ، وهو کشف الساق ، ویأمرهم داعی الحق عن أمر الله بالسجود ، فلا یبقى أحد سجد لله خالصا على أی دین کان إلا سجد السجود المعهود ، ومن سجد اتقاء وریاء جعل الله ظهره طبقة نحاس ، کلما أراد أن یسجد خر على قفاه ، فهذا قوله « فلا یستطیعون » .

فقوله تعالی « یدعون إلى السجود » هو دعاء تمییز لا دعاء تکلیف ، فإن الآخرة لیست بمحل تکلیف إلا فی یوم القیامة فی موطن التمییز حین یدعون إلى السجود، إلا الحدیث الذی أخرجه الحمیدی فی کتاب الموازنة ، ولم یثبت ، ولما اقترن به الأمر أشبه التکلیف . 


فجوزوا بالسجود جزاء المکلفین ، فالتشریع لا یکون فی الآخرة إلا فی موطن واحد حین یدعون إلى السجود ، لیرجح بتلک السجدة میزان أصحاب الأعراف،لأنها سجدة تکلیف ، فیسعدون فینصرفون إلى الجنة بعد ما کان منزلهم فی سور الأعراف ، لیس لهم ما یدخلهم النار ولا ما یدخلهم الجنة ، وإن شئت قلت سجود تسییز لا سجود ابتلاء ، فیتمیز فی دعاء الآخرة إلى السجود من سجد لله ممن سجد اتقاء وریاء ، وفی الدنیا لا یتمیز لاختلاط الصور . 

الفتوحات ج 1 / 314 ، 509 ، 733 ، 751 - ج 2 / 211 - ج 3 / 439 - ج 4 / 367 

ص 227