عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة الثلاثون :


شرح فصوص الحکم من کلام الشیخ الأکبر ابن العربی أ. محمود محمود الغراب 1405 هـ:

15 - فص حکمة نبویة فی کلمة عیسویة 

قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : (

عن ماء مریم أو عن نفخ جبرین ... فی صورة البشر الموجود من طین

تکون الروح فی ذات مطهرة ... من الطبیعة تدعوها بسجین

لأجل ذلک قد طالت إقامته ... فیها فزاد على ألف بتعیین "2"

روح من الله لا من غیره فلذا ... أحیا الموات وأنشا الطیر من طین

حتى یصح له من ربه نسب "3" ... به یؤثر فی العالی وفی الدون

الله طهره جسما ونزهه  ....   روحا وصیره مثلا بتکوین  "4"

اعلم أن من خصائص الأرواح أنها لا تطأ شیئا إلا حیی ذلک الشیء وسرت الحیاة فیه. "5"

ولهذا قبض السامری قبضة من أثر الرسول الذی هو جبریل علیه السلام)

_________________

1 - المناسبة بین تسمیة الحکمة :

وعیسى علیه السلام فی قوله علیه السلام « إنی عبد الله أتانی الکتاب وجعلنی نبیا » فهو علیه السلام الوحید الذی أخبر عن نفسه بالنبوة وهو فی المهد ، فنسبت الحکمة النبویة إلیه .


2 - یشیر إلى أن عیسى علیه السلام لم یقتل :

وأنه لم یزل حیا فی الدار الدنیا ، فإن السماء الثانیة التی هی مسکنه الآن هی من الدار الدنیا ، وهو على زمن الشیخ قد جاوز عمره الألف سنة.


3 - یشیر إلى تسمیة عیسى علیه السلام « روح الله وکلته » فهذا هو نسبه.

4 - یشیر إلى قوله علیه السلام « أنی أخلق لکم من الطین کهیئة الطیر فأنفخ فیه فیکون طیرا بإذن الله » .

5 - قال ابن عباس رضی الله عنهما ، ما وطیء جبریل علیه السلام قط موضعا فی الأرض إلا حیی ذلک الموضع:

 وما یطؤه الروح یعطی الحیاة فی أی صورة مرکبة، فلما أبصر السامری جبریل علیه السلام حین جاء لموسى علیه السلام وعرفه وعلم أن روحه عین ذاته ، وأن حیاته حیاة ذاتیة ، فلا یطأ موضعا إلا حیی ذلک الموضع بمباشرة

ص 228


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : ( وهو الروح.

وکان السامری عالما بهذا الأمر.

فلما عرف أنه جبریل، عرف أن الحیاة قد سرت فیما وطئ علیه، فقبض قبضة من أثر الرسول بالصاد أو بالضاد أی بملء أو بأطراف أصابعه، فنبذها فی العجل فخار العجل، إذ صوت البقر إنما هو خوار، ولو أقامه صورة أخرى لنسب إلیه اسم الصوت الذی لتلک الصورة کالرغاء للإبل والثؤاج للکباش والیعار للشیاه والصوت للإنسان أو النطق أو الکلام.

فذلک القدر من الحیاة الساریة فی الأشیاء یسمى لاهوتا والناسوت هو المحل القائم به ذلک الروح. فسمی الناسوت روحا بما قام به.

فلما تمثل الروح الأمین الذی هو جبریل لمریم علیهما السلام بشرا سویا تخیلت أنه بشر یرید مواقعتها، فاستعاذت بالله منه استعاذة بجمعیة منها لیخلصها الله منه لما تعلم أن ذلک مما لا یجوز.

فحصل لها حضور تام مع الله وهو الروح المعنوی.

فلو نفخ فیها فی ذلک الوقت على هذه الحالة لخرج عیسى لا یطیقه أحد لشکاسة خلقه لحال أمه. فلما قال لها «إنما أنا رسول ربک» جئت «لأهب لک غلاما زکیا» انبسطت عن ذلک القبض وانشرح صدرها.

فنفخ فیها فی ذلک الحین عیسى: فکان جبریل ناقلا کلمة الله لمریم کما ینقل الرسول کلام الله لأمته، وهو قوله «وکلمته ألقاها إلى مریم وروح منه».

فسرت الشهوة فی مریم:

فخلق جسم عیسى من ماء محقق من مریم ومن ماء متوهم من جبریل، سرى فی رطوبة ذلک النفخ لأن النفخ من الجسم الحیوانی رطب لما فیه من رکن)

_____________________________________

تلک الصورة الممثلة إیاه ، وعلم أن وطأته یحیا بها ما وطئه من الأشیاء ، فقبض قبضة من أثر الرسول ، فلما صاغ العجل وصوره نبذ فیه تلک القبضة فحیی ذلک العجل وخار.

راجع فتوحات ج 1 / 168 ، 337 - ج 3 / 346 


6 - تکوین جسم عیسی علیه السلام

لما قال أهل الطبیعة إن ماء المرأة لا یتکون منه شیء ، وإن الجنین الکائن فی الرحم إنما هو من ماء الرجل ، لذلک جعلنا تکوین جسم عیسی تکوینا آخر ، وإن کان تدبیره فی الرحم تدبیر أجسام البنین ، فإن کان عن ماء المرأة إذ تمثل لها الروح بشرا سویا ، أو کان عن نفخ بغیر ماء ، فعلى کل وجه هو جسم رابع مغایر فی النشء غیره من أجسام النوع ( آدم ، وحواء ، والبنین ) 

ثم إن عیسی على ما قیل لم یلبث فی بطن مریم لبث البنین المعتاد ، لأنه أسرع إلیه التکوین لما أراد الله أن یجعله آیة .

ص 229


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : ( الماء.

فتکون جسم عیسى من ماء متوهم وماء محقق، وخرج على صورة البشر من أجل أمه، ومن أجل تمثل جبریل فی صورة البشر حتى لا یقع التکوین فی هذا النوع الإنسانی إلا على الحکم المعتاد.

فخرج عیسى یحیی الموتى لأنه روح إلهی "7"

 وان الإحیاء لله والنفخ لعیسى، کما کان النفخ لجبریل والکلمة لله.

فکان إحیاء عیسى للأموات إحیاء محققا من حیث ما ظهر عن نفخه کما ظهر هو عن صورة أمه.

وکان إحیاؤه أیضا متوهما أنه منه وإنما کان لله.

فجمع بحقیقته التی خلق علیها کما قلناه أنه مخلوق من ماء متوهم وماء محقق"8"  ینسب إلیه الإحیاء بطریق التحقیق من وجه وبطریق التوهم من وجه، فقیل فیه من طریق التحقیق «هو یحی الموتى»،)

_____________________________________

ویرد به على الطبیعیین حیث حکموا على الطبیعة بما أعطتهم من العادة ، لا بما تقتضیه مما أودع الله فیها من الأسرار والتکوینات العجیبة ، ومن کان عن أم وأب متوهم مثالی ، أشبه جده لأمه ، إذ لا أب له ، مثل عیسى علیه السلام ، فصفته صفة جده آدم فی صدوره عن الأمر ، بذا ورد التعریف الإلهی فقال « إن مثل عیسی عند الله کمثل آدم » أی الاسم الإلهی الذی وجد عنه آدم وجد عنه عیسی د خلقه من تراب » الضمیر یعود على آدم ، فعیسى أخ لحواء وهو ابن ابنتها .

فتوحات ج 1 / 125 ، 679 .


7 - یفسره البیت الرابع من الشعر

سمی الذکر الذی هو نقیض الأنثی من الذکر ، فهو الفاعل ، والأنثى منفعلة کحواء من آدم عن ذکر بشری صوری إلهی ( خلق الله آدم على صورته ) 

وعیسی عن ذکر روحی ملکی فی صورة بشر ( فتمثل لها بشرا سویا ) فحواء أتمر بسبب الصورة ، وعیسى أتم بالملکیة المتجلیة فی الصورة البشریة المخلوقة على الحضرة الإلهیة ، فجمع بین الصورة والروح ، فکان نشأة تمامیة ، ظاهره بشر وباطنه ملک ، فهو روح الله وکلمته . 

فتوحات  ج 2 / 31 


8 - راجع هامش رقم 6

ص 230


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : (

وقیل فیه من طریق التوهم «فتنفخ فیها فتکون طیرا بإذنی» فالعامل فی المجرور «یکون» لا قوله «تنفخ». 

ویحتمل أن یکون العامل فیه تنفخ، فیکون طائرا من حیث صورته الجسمیة الحسیة. 

وکذلک «تبرئ الأکمه والأبرص» وجمیع ما ینسب «إلیه وإلى إذن الله وإذن الکنایة فی مثل قوله بإذنی وبإذن الله.

فإذا تعلق المجرور «بتنفخ» فیکون النافخ مأذونا له فی النفخ ویکون الطائر عن النافخ بإذن الله. وإذا کان النافخ نافخا لا عن الإذن، فیکون التکوین للطائر طائرا بإذن الله، فیکون العامل عند ذلک «یکون». 

فلو لا أن فی الأمر توهما وتحققا ما قبلت هذه الصورة هذین الوجهین. بل لها هذان الوجهان لأن النشأة العیسویة تعطی ذلک. 

وخرج عیسى من التواضع إلى أن شرع لأمته أن «یعطوا الجزیة عن ید وهم صاغرون» وأن أحدهم إذا لطم فی خده وضع الخد الآخر لمن لطمه، ولا یرتفع علیه ولا یطلب القصاص منه.

هذا له من جهة أمه، إذ المرأة لها السفل، فلها التواضع لأنها تحت الرجل حکما وحسا. 

وما کان فیه من قوة الإحیاء والإبراء فمن جهة نفخ جبریل )

___________________________________

9 - « أنی أخلق لکم من الطین کهیئة الطیر فأنفخ فیه فیکون طیرا بإذن الله .. » الآیة .

هذه الآیة دالة على أنه ما من موجود خلقه الله عند سبب إلا بتجل إلهی خاص لذلک الموجود ، لا یعرفه السبب ، فیتکون هذا الموجود ، وهو قوله سبحانه وتعالى « فأنفخ فیه » فلم یکن للسبب غیر النفخ « فیکون طیرا بإذن الله » 

فالطائر إنما کان تتوجه الأمر علیه بالکون وهو قوله تعالی «کن» بالأمر الذی یلیق بجلاله ، فالعامل فی قوله تعانی « بإذن الله » یتعلق بیکون طیرة ، وأما عند مثبتی الأسباب فیتعلق بقوله « أنفخ » فإنه نسب الخلق إلى عیسى علیه السلام ، وهو إیجاد صورة الطائر من الطین .

 ثم أمره أن ینفخ فیه فقامت تلک الصورة التی صورها عیسى علیه السلام طائرا حیة ، وقوله « بإذن الله » یعنی الأمر الذی أمره الله به فی خلقه صورة الطائر والنفخ وإبراء الأکمه والأبرص وإحیاء المیت ، فأخبر أن عیسى علیه السلام لم ینبعت إلى ذلک من نفسه وإنما کان عن أمر الله ، لیکون ذلک وإحیاء الموتى من آیاته على ما یدعیه ، ویخرج علیه السلام ممن یدعی فیه الخلق.

 فتوحات ج 1 / 276 - ج 2 / 274 ، 675 - ج 3 / 149 

ص 231


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : (  فی صورة البشر. "10"

فکان عیسى یحیی الموتى بصورة البشر.

ولم یأت جبریل فی صورة البشر وأتى فی صورة غیرها من صور الأکوان العنصریة من حیوان أو نبات أو جماد لکان عیسى لا یحیى إلا حتى یتلبس بتلک الصورة ویظهر فیها.

ولو أتى جبریل أیضا بصورته النوریة الخارجة عن العناصر والأرکان إذ لا یخرج عن طبیعته لکان عیسى لا یحیی الموتى إلا حتى یطهر فی تلک الصورة الطبیعیة النوریة لا العنصریة مع الصورة البشریة من جهة أمه.

فکان یقال فیه عند إحیائه الموتى هو لا هو، و تقع الحیرة فی النظر إلیه کما وقعت فی العاقل عند النظر الفکری إذا رأى شخصا بشریا من البشر یحیی الموتى، و هو من الخصائص الإلهیة، إحیاء النطق لا إحیاء الحیوان، بقی الناظر حائرا، إذ یرى الصورة بشرا بالأثر الإلهی.

فأدى بعضهم فیه إلى القول بالحلول، و أنه هو الله بما أحیا به من الموتى، و لذلک نسبوا إلى الکفر و هو الستر لأنهم ستروا الله الذی أحیا الموتى بصورة بشریة عیسى.

فقال تعالى «لقد کفر الذین قالوا إن الله هو المسیح ابن مریم» فجمعوا بین الخطأ والکفر فی تمام الکلام کله لأنه لا بقولهم هو الله، ولا بقولهم ابن مریم،"11"

فعدلوا بالتضمین من الله من حیث إحیاء الموتى)

__________________________________

10 - اعلم أنه لما وجد عیسى من غیر شهوة طبیعیة :

فإنه کان من باب التمثیل فی صورة البشر ، فکان غالبا على الطبیعة بخلاف من نزل عن هذه الرتبة ، ولما کان الممثل به روحا فی الأصل کانت فی قوة عیسى إحیاء الموتى ، ألا ترى السامری لمعرفته بأن جبریل معدن الحیاة حیث سلک ، أخذ من أثره قبضة فرماها فی العجل فخار وقام حیا .

ذخائر الأعلاق.


11 - « لقد کفر الذین قالوا إن الله هو المسیح ابن مریم ۰۰» الآیة -

ما أجهل من قال بهذا القول من أمة عیسى علیه السلام ، فقد فاتهم علم کثیر حیث قالوا ابن مریم وما شعروا ، ولهذا قال الله تعالى فی إقامة الحجة على من هذه صفته « قل سموهم » فما یسمونهم إلا بما یعرفون به من الأسماء حتى یعقل عنهم ما یریدون ، فإذا سموهم تبین فی نفس الاسم أنه لیس الذی طلب منهم الرسول المبعوث إلیهم أن یعبدوه ، وادعى فی عیسى علیه السلام الألوهیة لأنه کان ظاهرا فی العالم باسم الدهر فی نهاره ، وباسم القیوم الذی لا تأخذه سنة ولا نوم فی لیله ،


ص  232 


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : (

إلى الصورة الناسوتیة البشریة بقولهم ابن مریم وهو ابن مریم بلا شک.

فتخیل السامع أنهم نسبوا الألوهیة لصورة وجعلوها عین الصورة وما فعلوا، بل جعلوا الهویة الإلهیة ابتداء فی صورة بشریة هی ابن مریم، ففصلوا بین الصورة والحکم، لا أنهم جعلوا الصورة عین الحکم کما کان جبریل فی صورة البشر ولا نفخ، ثم نفخ، ففصل بین الصورة والنفخ وکان النفخ من الصورة، فقد کانت ولا نفخ، فما هو النفخ من حدها الذاتی.

فوقع الخلاف بین أهل الملل فی عیسى ما هو؟

فمن ناظر فیه من حیث صورته الإنسانیة البشریة فیقول هو ابن مریم، ومن ناظر فیه من حیث الصورة الممثلة البشریة فینسبه لجبریل، ومن ناظر فیه من حیث ما ظهر عنه من إحیاء الموتى فینسبه إلى الله بالروحیة، فیقول روح الله، أی به ظهرت الحیاة فیمن نفخ فیه.

فتارة یکون الحق فیه متوهما- اسم مفعول وتارة یکون الملک فیه متوهما، وتارة تکون البشریة الإنسانیة فیه متوهمة: فیکون عند کل ناظر بحسب ما یغلب علیه.

فهو کلمة الله وهو روح الله وهو عبد الله "12"

 ولیس ذلک فی الصورة الحسیة لغیره، بل کل )

______________________________

فکان یصوم الدهر ولا یفطر ویقوم اللیل فلا ینام ، وما فیل ذلک فی نبی قبله ، فإنه غایة ما قیل فی العزیر أنه ابن الله ، ما قیل هو الله ، فأثرت هذه الصفة من خلف حجاب الغیب فی قلوب المحجوبین حتى قالوا « إن الله هو المسیح ابن مریم ، فنسبهم إلى الکفر فی ذلک ، إقامة عذر لهم ، فإنهم ما أشرکوا بل قالوا هو الله والمشرک یجعل مع الله إلها آخر ، فهذا کافر لا مشرک ، فوصفهم بالستر فإنهم انخذوا ناسوت عیسی مجلی .

فتوحات ج 1 / 652 ، 664 


12 - « یا أهل الکتاب لا نغلو فی دینکم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسیح عیسی ابن مریم رسول الله وکلمته ألقاها إلى مریم وروح منه ۰۰» الآیة .

من غلوهم فی دینهم وتعظیمهم لرسلهم قالوا إن عیسى هو الله وقالت طائفة هو ابن الله وقال من لم یغل فی دینه هو عبد الله وکلمه ، کما قال تعالى « وکلمته ألقاها إلى مریم » ولیست غیر عیسى علیه السلام ، لم یلق إلیها غیر ذلک ولا علمت غیر ذلک، فلم تکن الکلیة الإلهیة التی ألقیت إلیها إلا عین عیسی روح الله وکلمته وعبده « وروح منه ، وهو النفس الذی کانت به حیاته ، وسمی عیسی علیه السلام بروح الله لأن جبریل علیه السلام وهو روح القدس هو الذی وهبه لأمه . 

فتوحات ج 2 / 331 ، 400 - ج 3 / 283 ، 398 

ص 233


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : (

شخص منسوب إلى أبیه الصوری لا إلى النافخ روحه فی الصورة البشریة.

فإن الله إذا سوى الجسم الإنسانی کما قال تعالى «فإذا سویته» نفخ فیه هو تعالى من روحه فنسب الروح فی کونه وعینه إلیه تعالى.

وعیسى لیس کذلک، فإنه اندرجت تسویة جسمه وصورته البشریة بالنفخ الروحی، وغیره کما ذکرناه لم یکن مثله.

فالموجودات کلها کلمات الله التی لا تنفد، "13"  فإنها عن «کن» وکن کلمة الله. فهل تنسب الکلمة إلیه بحسب ما هو علیه فلا تعلم ماهیتها، أو ینزل هو تعالى  )

__________________________

13 - الموجودات هی کلمات الله

« قل لو کان البحر مدادا لکلمات ربی لنفد البحر قبل أن تنفد کلمات ربی ولو جئنا بمثله مددا » أعیان الموجودات کلها کلمات الحق وهی لا تنفد ، فمخلوقاته لا تزال توجد ولا یزال خالقا ، فنفس الرحمن هو المعطی صور الممکنات الوجود کما أعطى النفس الحروف ، فالعالم کلمات الله من حیث هذا النفس ، 

کما قال تعالى « وکلمته ألقاها إلى مریم » ولیست غیر عیسى علیه السلام ، 

وقال تعالى: ( ولو أنما فی الأرض من شجرة أقلام والبحر یمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت کلمات الله إن الله عزیز حکیم » فالممکنات هی کلمات الله التی لا تنفد ، وهی تحدث أی تظهر دائما ، فالوجود والإیجاد لا یزال دائما ، فمخلوقاته لا تزال توجد ولا یزال خالقا ، ولیست کلمات الله سوى صور الممکنات وهی لا تناهی ، وما لا یتناهى لا ینفد ولا یحصره الوجود والمادة التی ظهرت فیها کلمات الله وصدرت هذه الکلمات عن ترکیب یعبر عنه فی اللسان العربی لفظة کن ، فکلمات الله کاها عن کلمة الله « کن » وعنها تنشأ الکائنات ، وقد أخبر الله أنه ما من شیء یرید إیجاده إلا یقول له کن ، وجاء بلفظة کن لأنها لفظة وجودیة فنابت مناب جمیع الأوامر الإلهیة ، فتظهر أعیان الکلمات وهو المعبر عنها بالعالم بکلمة کن ، فالکلمة ظهورها فی النفس الرحمانی ، والکون ظهورها فی العماء ، فیما هو للنفس یسمى کلمة وأمر؟ ، وبما هو فی العماء یسمی کونا وخلقا وظهور عین ، فکلمات الله لا تنفد وهی أعیان موجوداته ، والوجود کله کلمات الله التی لا تنفد أبدا . 


فتوحات ج 2 / 90 ، 390 ، 423 ، 459 - ج 3 / 525 - ج 4 / 65 


ص 234


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : (

إلى صورة من یقول «کن» فیکون قول کن حقیقة لتلک الصورة التی نزل إلیها وظهر فیها؟

فبعض العارفین یذهب إلى الطرف الواحد، وبعضهم إلى الطرف الآخر، وبعضهم یحار فی الأمر ولا یدری. "14"

وهذه مسألة لا یمکن أن تعرف إلا ذوقا کأبی یزید حین نفخ فی النملة التی قتلها فحییت فعلم عند ذلک بمن ینفخ فنفخ فکان عیسوی المشهد.

وأما الإحیاء المعنوی بالعلم فتلک الحیاة الإلهیة الدائمة العلیة النوریة التی قال الله فیها «أو من کان میتا فأحییناه وجعلنا له نورا یمشی به فی الناس» "15"

فکل من )


________________________________________

14 - کلمة کن الإلهیة

« إنما قولنا لشیء إذا أردناه أن نقول له ، وهو قوله لکل شیء یریده وذلک من کون الحق متکاما «کن» بالمعنى الذی یلیق بجلاله.

فتوحات ج 2 / 62 ، 201 ، 280 ، 401.


15 - «أو من کان میتا فأحییناه ۰۰» الآیة .

هذا ضرب مثل فی الکفر والإیمان ، والعلم والجهل ، فالجهل موت والعلم حیاة لذلک قال تعالى « أو من کان میتا » أراد بالموت الجهل « فأحییناه ». بالعلم ، وهی الحیاة العلمیة التی نحیی بها القلوب ، فحیاة العلم یقابلها موت الجهل ، وبالنور یقع حصوله ، کما بالظلمة یکون الجهل ، فسون النفس بعدم العلم ، فإن قلت إن العلم بالله طاریء الذی هو حیاة النفوس والجهل ثابت لها قبل وجود العلم، فکیف یوصف الجاهل بالموت وما تقدمه علم ؟ 

قلنا إن العلم بالله سبق إلى نفس کل إنسان فی الأخذ المیثاقی حین أشهدهم على أنفسهم ، فلما عسرت الأنفس الأجسام الطبیعیة فی الدنیا فارقها العلم بتوحید الله ، فبقیت النفوس میتة بالجهل بتوحید الله ، ثم بعد ذلک أحیا الله بعض النفوس بالعلم بتوحید الله .

وأحیاها کلها بالعلم بوجود الله إذ کان من ضرورة العقل العلم بوجود الله ، فلهذا سمیناه میتا فقال تعالى « أو من کان میتا » یعنی بما کان الله قد قبض منه روح العلم بالله ، فقال تعالى فی معرض الامتنان « فأحییناه وجعلنا له نورا یمشی به فی الناس ».

فرد إلیه علمه فحیی به کما ترد الأرواح إلى أجسامها فی الدار الآخرة یوم البعث « کمن مثله فی الظلمات لیس بخارج منها »

ص 235


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : (

أحیا نفسا میتة بحیاة علمیة فی مسألة خاصة متعلقة بالعلم بالله، فقد أحیاه بها وکانت له نورا یمشی به فی الناس أی بین أشکاله فی الصورة.

فلولاه ولولانا ...  لما کان الذی کانا

فإنا أعبد حقا       ...    وإن الله مولانا

وإنا عینه فاعلم ...    إذا ما قلت إنسانا  "16"

فلا تحجب بإنسان ...  فقد أعطاک برهانا

فکن حقا وکن خلقا ... تکن بالله رحمانا

وغذ خلقه منه ...    تکن روحا وریحانا

فأعطیناه ما یبدو ...    به فینا وأعطانا "17"

فصار الأمر مقسوما   ...    بإیاه وإیانا

فأحیاه الذی یدری  ...   بقلبی حین أحیانا

فکنا فیه أکوانا    ...     وأعیانا وأزمانا

ولیس بدائم فینا   ...  ولکن ذاک أحیانا "18"

____________________________________

برید مقابلة النور الذی یمتی به فی الناس ، وما هو عین الحیاة ، فالحیاة الإقرار بالوجود أی بوجود الله لا بتوحیده ، ما تعرض للتوحید فی الإشهاد ، ولهذا أردف الله فی الآیة حین قال « فأحییناه » فلم یکتف حتى قال « وجعلنا له نورا یمشی به فی الناس » یرید العلم بتوحید الله لا غیره ، فإنه العلم الذی یقع به الشرف له والسعادة وما عدا هذا لا یقوم مکانه فی هذه المنزلة . 

فتوحات ج 1 / 350 ، 558 - ج 2 / 274 ، 342 ، 618 - ج 3 / 100 - ج 4 / 312


16 - یشیر إلى الظاهر فی المظاهر راجع الفص رقم 5 هامش 6 ص 83 .

"" 6 - وحدة الوجود - الظاهر فی المظاهر الفص رقم 5 هامش 6 ص 83

إظهار التجلی فی المظاهر ، أی فی مظهر ما ، وهو نسبة .

فان الظاهر لم یزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم یزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حکما فی الظاهر بحسب حقائقه النفسیة .

فانطلق على الظاهر من تلک الحقائق التی هو علیها المظهر المعدوم حکم یسمى إنسانا أو فلکا أو ملکا أو ما کان من أشخاص المخلوقات .

کما رجع من ذلک الظهور للظاهر اسم یطلق علیه یقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.

وما یعطیه ذلک التجلی من الأسماء ، وأعیان الممکنات على حالها من العدم کما أن الحق لم یزل له حکم الوجود .

فحدث لعین الممکن اسم المظهر ، و للمتجلی فیه اسم الظاهر .

فأعطى استعداد مظهر ما أن یکون الظاهر فیه مکلفا ، فیقال له افعل ولا تفعل ، ویکون مخاطبا بأنت وکاف الخطاب .

واعلم أن التجلی الذاتی ممنوع بلا خلاف بین أهل الحقائق فی غیر مظهر .

فوقتا یکون المظهر جسمیا و وقتا یکون جسمانیا ووقتا جسدیا ، ووقتا یکون المظهر روحیا ووقتا روحانیا.

فالتجلی فی المظاهر هو التجلی فی صور المعتقدات وهو کائن بلا خلاف.

والتجلی فی المعقولات کائن بلا خلاف . وهما تجلی الاعتبارات .

لأن هذه المظاهر سواء کانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور یعبر علیها بالعلم .

أی یعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا یصح أن یشهد ولا أن یعلم .

ولیس وراء ذلک المعلوم الذی لا یشهد ولا یعلم حقیقة ما یعلم أصلا .

وأما التجلی فی الأفعال ففیه خلاف بین أهل هذا الشأن لا یرتفع دنیا ولا آخرة .

فما فی المسائل الإلهیة ما تقع فیها الحیرة أکثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسیما فی تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقین.

فیخرجها ذلک التعلق أن تکون أفعال المخلوقین لغیر المخلوقین حین ظهورها عنهم ، وأفعال الله کلها حسنة فی مذهب المخالف الذی ینفی الفعل عن المخلوق ویثبت الذم للفعل بلا خلاف .

ولا شک عنده فی تعلق الذم، بذلک الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم فی حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ، فیلوح لهم ما لا یمکن لهم معه أن ینسبوها إلى أنفسهم ، ویلوح لهم ما لا یتمکن معه أن ینسبوه إلى الله .

فهم هالکون بین حقیقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما یقاسیه العارفون ، فإن الذی ینزل عن هذا المقام یشاهد أحد الطرفین فیکون مستریحا لعدم المعارض.

فمذهبنا العین الممکنة إنما هی ممکنة لأن تکون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فیکون الوجود عینها.

إذن فلیس الوجود فی الممکن عین الموجود ، بل هو حال لعین الممکن ، به یسمى الممکن موجودا مجازا لا حقیقة ، لأن الحقیقة تأبى أن یکون الممکن موجودا ، فلا یزال کل شیء هالک .


 الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606  .أهـ .""



17 - یشیر إلى العلم تابع للمعلوم  راجع الفص رقم 2 هامش 3 ص 42.

"" 3 - العلم تابع للمعلوم      الفص رقم 2 هامش 3 ص 42

لیس سر القدر الذی یخفى عن العالم عینه الا اتباع العلم المعلوم ، فلا شیء أبین منه ولا أقرب مع هذا البعد ، فإن العلم تابع للمعلوم ما هو المعلوم تابع للعلم فافهمه.

وهذه مسألة عظیمة دقیقة ما فی علمی أن أحدا نبه علیها إلا إن کان وما وصل إلینا ، وما من أحد إذا تحققها یمکن له إنکارها ، وفرق یا أخی بین کون الشیء موجودا فیتقدم العلم وجوده ، وبین کونه على هذه الصورة فی حال عدمه الأزلی ، فهو مساوق للعلم الإلهی به ومتقدم علیه بالرتبة .

لأنه لذاته أعطاه العلم به ، فإن المعلوم متقدم بالرتبة على العلم وإن تساوقا فی الذهن من کون المعلوم معلوما ، لا من کونه وجودا أو عدما ، فإنه المعطی العالم العلم .

فاعلم ما ذکرناه فإنه ینفعک ویقویک فی باب التسلیم والتفویض للقضاء والقدر الذی قضاه حالک ، فلو لم یکن فی هذا الکتاب « الفتوحات المکیة » إلا هذه المسألة لکانت کافیة لکل صاحب نظر سدید و عقل سلیم .

واعلم أن الله تعالى ما کتب إلا ما علم ولا علم إلا ما شهد من صور المعلومات على ما هی علیه فی أنفسها ما یتغیر منها وما لا یتغیر ، فیشهدها کلها فی حال عدمها على تنوعات تغییراتها إلى ما لا یتناهی ، فلا یوجدها إلا کما هی علیه فی نفسها ، فمن هنا تعلم علم الله بالأشیاء معدومها وموجودها ، وواجبها وممکنها ومحالها ، ومن هنا إن عقلت وصف الحق نفسه بأن له الحجة البالغة لو توزع .

فإنه من المحال أن یتعلق العلم إلا بما هو المعلوم علیه فی نفسه ، فلو احتج أحد على الله بأن یقول له علمک سبق فیه بأن أکون على کذا فلم تواخذنی ، یقول له الحق هل علمتک إلا بما أنت علیه ؟

فلو کنت على غیر ذلک لعلمتک على ما تکون علیه ، ولذلک قال « حتى تعلم » فارجع إلى نفسک وأنصف فی کلامه ، فإذا رجع العبد على نفسه ونظر فی الأمر کما ذکرناه علم أنه محجوج، وأن الحجة لله تعالى علیه.

أما سمعته تعالى یقول: « وما ظلمهم الله" "وما ظلمناهم" .

وقال « ولکن کانوا أنفسهم یظلمون ، کما قال « ولکن کانوا هم الظالمین » یعنی أنفسهم .

فإنهم ما ظهروا لنا حتى علمناهم وهم معدومون إلا بما ظهروا به فی الوجود من الأحوال ، فعندنا ما کانت الحجة البالغة لله على عباده إلا من کون العلم تابعا للمعلوم ما هو حاکم على المعلوم.

فإن قال المعلوم شیئا کان الله الحجة البالغة علیه بأن یقول له ما علمت هذا منک إلا بکونک علیه فی حال عدمک ، وما أبرزتک فی الوجود إلا على قدر ما أعطیتنی من ذاتک بقبولک ، فیعرف العبد أنه الحق فتندحض حجة الخلق ، فلا نزال نراقب حکم العلم فینا من الحق حتى تعلم ما کنا

فیه ، فإنه لا یحکم فینا إلا بنا.

فمن وقف فی حضرة الحکم وهی القضاء على حقیقتها شهودا علم سر القدر ، وهو أنه ما حکم على الأشیاء إلا بالأشیاء ، فما جاءها شیء من خارج ، "ولا ینکشف هذا السر حتى یکون الحق بصر العبد" ، فإذا کان بصر العبد بصر الحق نظر الأشیاء ببصر الحق، حینئذ انکشف له علم ما جهله، إذ کان بصر الحق لا یخفى علیه شیء ، ومن وقف على سر القدر ،" وهو أن الإنسان مجبور فی اختیاره "، لم یعترض على الله فی کل ما یقضیه و یجریه على عباده وفیهم ومنهم ، وهذا یشرح ما ذکره الشیخ فی کتابه المشاهد القدسیة من أن الحق قال له « أنت الأصل وأنا الفرع ".

وعلامة من یعلم سر القدر هو أن یعلم أنه مظهر ، وعلامة من یعلم أنه مظهر ، أن تکون له مظاهر حیث شاء من الکون کقضیب البان ، فإنه کان له مظاهر فیما شاء من الکون حیث شاء من الکون.

وإن من الرجال من یکون له الظهور فیما شاء من الکون لا حیث شاء ، ومن کان له الظهور حیث شاء من الکون کان له الظهور فیما شاء من الکون.

فتکون الصورة الواحدة تظهر فی أماکن مختلفة ، وتکون الصور الکثیرة على التعاقب تلبس الذات الواحدة فی عین المدرک لها ، ومن عرف هذا ذوقا .

کان متمکنا من الاتصاف بمثل هذه الصفة ، وهذا هو علم سر القدر الذی ینکشف لهم .


 راجع الفتوحات ج2 / 2 , 13 .  ج4/ 16 , 70 , 74 , 182 , 235. أهـ ""



18 - یشیر إلى أن هذا الشهود لیس بدائم

ص 236


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : (

ومما یدل على ما ذکرناه فی أمر النفخ الروحانی مع صورة البشر العنصری هو أن الحق وصف نفسه بالنفس الرحمانی ولا بد لکل موصوف بصفة أن یتبع الصفة جمیع ما تستلزمه تلک الصفة.

وقد عرفت أن النفس فی المتنفس ما یستلزمه.

فلذلک قبل النفس الإلهی صور العالم.

فهو لها کالجوهر الهیولانی، ولیس إلا عین الطبیعة. "19"

فالعناصر صورة من صور الطبیعة.

وما فوق العناصر وما تولد عنها فهو أیضا من صور الطبیعة وهی الأرواح العلویة التی فوق السماوات السبع. )

____________________________________________

19 - الطبیعة هی نفس الرحمن

اعلم أن الله وصف نفسه بأن له نفسا بفتح الفاء وأضافه إلى الاسم الرحمن ، لنعلم إذا ظهرت أعیاننا وبلغتنا سفراؤه هذا الأمر شمول الرحمة وعمومها ومآل الناس والخلق إلیها .

فإن الرحمن لا یظهر عنه إلا مرحوم ، فالنفس أول غیب فظهر لنفسه ، فکان فیه الحق من اسمه الرب ( إشارة إلى الحدیث النبوی ) مثل العرش الیوم الذی استوى علیه بالاسم الرحمن ، وهو أول کثیف شفاف نوری ظهر.

فلما تمیز عمن ظهر عنه ولیس غیره ، وجعله تعالی ظرفا له « إشارة إلى ما جاء فی الحدیث - کان الله فی عماء - » لأنه لا یکون ظرفا له إلا عینه ، فظهر حکم الخلاء بظهور هذا النفس ، ثم أوجد من هذا العماء جمیع صور العالم ، وفیه ظهرت الملائکة المهیمة والعقل والنفس والطبیعة ( البنت لا الأم) و الطبیعة (الأم) هی أحق نسبة بالحق مما سواها .

فإن کل ما سواها ما ظهر إلا فیما ظهر منها ، وهو النفس بفتح الفاء ، وهو الساری فی العالم ، أعنی فی صور العالم ، وبهذا الحکم یکون نجلی الحق فی الصور التی ذکرها عن نفسه لمن عقل عنه ما أخبر به عن نفسه تعالى .

فانظر فی عموم حکم الطبیعة ، وانظر فی قصور حکم العقل لأنه فی الحقیقة صورة من صور الطبیعة، بل من صور العماء ، والعماء هو من الطبیعة ، وإنما جعل من جعل رنیة الطبیعة دون النفس وفوق الهیولی لعدم شهوده الأشیاء، وإن کان صاحب شهود ومشى هذه المقالة فإنه یعنی بها الطبیعة ( البنت ) التی ظهرت بحکمها فی الأجسام الشفافة من العرش فما حواه ، فهی بالنسبة إلى الطبیعة نسبة البنت إلى المرأة التی هی الأم ، فتلد کا .تلد أمها ، وإن کانت البنت مولودة عنها ، فلها ولادة على کل من یولد عنها ، وکذلک

ص 237


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : (

وأما أرواح السموات السبع و أعیانها فهی عنصریة، فإنها من دخان العناصر المتولد عنها، و ما تکون عن کل سماء من الملائکة فهو منها، فهم عنصریون و من فوقهم طبیعیون: و لهذا وصفهم الله بالاختصام أعنی الملأ الأعلى لأن الطبیعة متقابلة. "20"

و التقابل الذی فی الأسماء الإلهیة التی هی النسب، إنما أعطاه النفس.

ألا ترى الذات )

___________________________________

العناصر عندنا القریبة إلینا ( الماء والهواء والتراب والنار ) هی طبیعة لما تولدت عنها ، فلهذا سمیناها طبیعة ( أی البنت ) ، فالعماء هو الجسم الحقیقی العام الطبیعی الذی هو صورة من قوة الطبیعة ( الأم ) تجلى لما یظهر فیه من الصور ، وما فوقه رتبة إلا رتبة الربوبیة التی طلبت صورة العماء من الاسم الرحمن ، فتنفس فکان العماء . 

فلو لم تکن الطبیعة - وهی موجود خامس هو أصل للأرکان الأربع - نورا فی أصلها لما وجدت بین النفس الکلیة وبین الهیولی الکل ، فعن الطبیعة ظهر کل جسم وجسد وجسمانی من عالم الأجسام العلوی والسفلی ، فترکیبها لا نهایة له فی الدنیا والآخرة .

فالنشأة الطبیعیة تحوی على الأسرار الإلهیة ، وأنها من نفس الرحمن ظهرت فی الکون ، فذمت وجهل قدرها فأول صورة قبل نفس الرحمن صورة العماء فهو بخار رحمانی فیه الرحمة بل هو عین الرحمة ، فجوهر العالم فی النفس الرحمانی الذی ظهرت فیه صور العالم . 

فتوحات ج 1 / 56 ، 723 - ج 2 / 352 ، 551 - ج 3 / 420 ، 430 ، 452 


20 ۔ خصام الملائکة

قال الله تعالی « ما کان لی من علم بالملأ الأعلى إذ یختصمون »

المولد من الأضداد المتنافرة لابد فیه من المنازعة ، ولاسیما المولد من الأرکان، فإنه مولد من مولد من مولد من مولد رکن عن فلک عن برج عن طبیعة عن نفس ، والأصل الأسماء الإلهیة المتقابلة .

ومن هنالک سرى التقابل فی العالم ، فنحن فی آخر الدرجات، فالخلاف فیما علا عن رتبة المولد من الأرکان أقل، وإن کان لا یخلو، الإ تړی إلى الملأ الأعلى کیف یختصمون .. وهذه الآیة مما یدل على أن الملائکة من بعالم

ص 238


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : (

الخارجة عن هذا الحکم کیف جاء فیها الغنى عن العالمین؟.

فلهذا أخرج العالم على صورة من أوجدهم، ولیس إلا النفس الإلهی.

فبما فیه من الحرارة علا، وبما فیه من البرودة والرطوبة سفل، وبما فیه من الیبوسة ثبت ولم یتزلزل. فالرسوب للبرودة والرطوبة.

ألا ترى الطبیب إذا أراد سقی دواء لأحد ینظر فی قارورة مائه، فإذا رآه راسا علم أن النضج قد کمل فیسقیه الدواء لیسرع فی النجح.

وإنما یرسب لرطوبته وبرودته الطبیعیة.

ثم إن هذا الشخص الإنسانی عجن طینته بیدیه وهما متقابلتان و إن کانت کلتا یدیه یمینا فلا خفاء بما بینهما من الفرقان، و لو لم یکن إلا کونهما اثنین أعنی یدین، لأنه لا یؤثر فی الطبیعة إلا ما یناسبها وهی متقابلة.

فجاء بالیدین: ولما أوجده بالیدین سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلک الجناب بالیدین المضافتین إلیه. "21"

وجعل ذلک من عنایته بهذا النوع الإنسانی فقال لمن أبى )

________________________________

الطبیعة ، مخلوقون مثل الأناسی غیر أنهم ألطف ، کما أن الجن ألطف من الإنسان مع کونهم من ثار من مارجها ، والنار من عالم الطبیعة ، فکذلک الملائکة علیهم السلام من عالم الطبیعة ، وهم عمار الأفلاک والسموات ، فإنهم یختصمون والخصام من الطبیعة لأنها مجموع أضداد ، والمنازعة والمخالفة هی عین الخصام ، ولا یکون إلا بین ضدین ، فلولا أن الملائکة فی نشأتها على صورة نشأتنا ، أی أن نشأتها عنصریة ، ما ذکر الله عنهم أنهم یختصمون ، والخصام لا یکون إلا مع الأضداد ، فالملائکة علیهم السلام لو لم تکن الأنوار التی خلقت منها موجودة من الطبیعة مثل السموات التی عمرتها هؤلاء الملائکة ، فإنها کانت دخانا ، فکانت السموات أجساما شفافة لأن کمیة الحرارة والیبس فیها أکثر من الرطوبة ، وخلق الله عمار کل فلک من طبیعة فلکه ، فلذلک کانت الملائکة من عالم الطبیعة وإن کانت أجسامهم نوریة فمن نور الطبیعة کنور السراج ، فأثر فیهم حکم الطبیعة الخصام لما فیها من التقابل والتضاد ، والضد والمقابل منازع لمقابله ، فهذه هی الحقیقة التی أورثتهم الخصومة.

ونعتوا بأنهم یختصمون لأن الخصام لا یکون إلا فیمن رکب من الطبائع لما فیها من التضاد ، فلا بد فیمن یتکون عنها أن یکون على حکم الأصل ، فالنور الذی خلقت منه الملائکة نور طبیعی ، فکانت فیها الموافقة من وجه و المخالفة من وجه .


21 - ولما أوجده بالیدین سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلک الجناب بالیدین المضافتین إلیه

نفس المعنى فی الفتوحات ج 2 / 70  - ج 4 / 410

"" أضاف الجامع : لما أوجده بالیدین سماه بشرا للمباشرة اللائقة بذلک الجناب

ذکر الشیخ عن خلق آدم على الصورة وبالیدین فی الفتوحات الباب الثامن والأربعون :

"إنما صحت الصورة لآدم لخلقه بالیدین فاجتمع فیه حقائق العالم بأسره والعالم یطلب الأسماء الإلهیة فقد اجتمع فیه الأسماء الإلهیة ولهذا خص آدم علیه السلام بعلم الأسماء کلها التی لها توجه إلى العالم ولم یکن ذلک العلم أعطاه الله للملائکة وهم العالم الأعلى الأشرف قال الله عز وجل وعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ کُلَّها ولم یقل بعضها وقال عَرَضَهُمْ ولم یقل عرضها فدل على أنه عرض المسمین لا الأسماء وقال رسول الله صلى الله علیه وسلم اللهم إنی أسألک بکل اسم سمیت به نفسک أو علمته أحدا من خلقک أو استأثرت به فی علم غیبک". أهـ 


وقال الشیخ رضی الله عنه عن الکامل من یعطى بالحالتین لیجمع بین الحقیقتین الفتوحات الباب السبعون فی معرفة أسرار الزکاة

"ورد من سن سنة حسنة الحدیث وأما الکامل من أهل الله فهو الذی یعطی بالحالتین لیجمع بین المقامین ویحصل النتیجتین وینظر بالعینین ویسلک النجدین ویعطی بالیدین فیعلن فی وقت فی الموضع الذی یرى أن الحق رجح فیه الإعلان ویسر بها فی وقت الموضع الذی یرى أن الحق رجح فیه الأسرار وهذا هو الأولى بالکمل من أهل الله فی طریق الله تعالى" أهـ.


قال الشیخ رضی الله عنه کن للشیء بالحرفین وخلق آدم بالیدین فی الفتوحات فی الرد على السؤال الثالث والأربعون للحکیم الترمذی :

" فقوله للشیء کن بالحرفین الکاف والنون بمنزلة الیدین فی خلق آدم فأقام القول للشیء مقام المباشرة وأقام الکاف والنون مقام الیدین وأقام الواو المحذوفة لاجتماع الساکنین مقام الجامع بین الیدین فی خلق آدم وأخفى ذکره کما خفیت الواو من کن غیر أن خفاءها فی کن لأمر عارض وخفاء الجامع بین الیدین لاقتضاء ما تعطیه حقیقة الفعل وهو قوله ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ والْأَرْضِ وهو حال الفعل لأنه لیس فی حقائق ما سوى الله ما یعطی ذلک المشهد فلا فعل لأحد سوى الله ولا فعل عن اختیار واقع فی الوجود فالاختیارات المعلومة فی العالم من عین الجبر فهم المجبورون فی اختیارهم والفعل الحقیقی لا جبر فیه ولا اختیار لأن الذات تقتضیه فتحقق ذلک " أهـ .


قال الشیخ رضی الله عنه عن ملک الآلاء فی سورة الرحمن فی الفتوحات فی إجابة سؤال الحکیم الترمذی الحادی عشر ومائة ما صفة ملک الآلاء؟

"فمن أراد تحقیق ملک الآلاء فلیتدبر سورة الرحمن من القرآن وینظر إلى تقدیم الإنس على الجن فی آیتها وقوله تعالى خَلَقَ الْإِنْسانَ أیضا فابتدأ به تقدیرا ومرتبة نطقیة تهمما به على الجن وإن کان الجن موجودا قبله یؤذن بأنه وإن تأخرت نشأته فهو المعتنى به فی غیب ربه لأنه المقصود من العالم لما خصه به من کمال الصورة فی خلقه بالیدین وعلمه الأسماء والإفصاح عما علمه بقوله عَلَّمَهُ الْبَیانَ " أهـ.


قال الشیخ رضی الله عنه أن لعیسى علیه السلام من علم الکیمیاء الطریقین الفتوحات الباب السابع والستون ومائة فی معرفة کیمیاء السعادة :

"فإن لعیسى "علیه السلام" من علم الکیمیاء الطریقین الإنشاء وهو خلقه الطیر من الطین والنفخ فظهر عنه الصورة بالیدین والطیران بالنفخ الذی هو النفس فهذه طریقة الإنشاء فی علم الکیمیاء الذی قدمناه فی أول الباب والطریق الثانیة إزالة العلل الطارئة وهو فی عیسى إبراء الأکمه والأبرص وهی العلل التی طرأت علیهما فی الرحم الذی هو من وظیفة التکوین فمن هنا یحصل لهذا التابع علم المقدار والمیزان الطبیعی والروحانی لجمع عیسى بین الأمرین ومن هذه السماء یحصل لنفس هذا التابع الحیاة العلمیة التی یحیی بها القلوب کقوله أَ ومن کانَ مَیْتاً فَأَحْیَیْناهُ وهی حضرة جامعة فیها من کل شیء وفیها الملک الموکل بالنطفة فی الشهر السادس ومن هذه الحضرة یکون الإمداد للخطباء والکتاب لا للشعراء ولما کان لمحمد صَلَّى اللهُ عَلیهِ وسَلَّم جوامع الکلم خوطب من هذه الحضرة وقیل ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ لأنه أرسل مبینا مفصلا والشعر من الشعور فمحله الإجمال لا التفصیل وهو خلاف البیان ومن هنا تعلم تقلیبات الأمور ومن هنا توهب الأحوال لأصحابها" أهـ.


قال الشیخ رضی الله عنه عن صورة الإنسان الأول المخلوق بالیدین الفتوحات الباب الثامن والتسعون ومائة فی معرفة النفس :

"والذات الحاملة لهاتین القوتین نفسا فإن کانت الصورة الإلهیة فلا تخلو إما أن تکون جامعة فهی صورة الإنسان أو غیر جامعة فهی صورة العقل فإذا سوى الرب الصورة العقلیة بأمره وصور الصورة الإنسانیة بیدیه توجه علیهما الرحمن بنفسه فنفخ فیهما روحا من أمره فأما صورة العقل فحملت فی تلک النفخة بجمیع علوم الکون إلى یوم القیامة وجعلها أصلا لوجود العالم وأعطاه الأولیة فی الوجود الإمکانى وأما صورة الإنسان الأول المخلوق بالیدین فحمل فی تلک النفخة علم الأسماء الإلهیة ولم یحملها صورة العقل فخرج على صورة الحق وفیه انتهى حکم النفس إذ لا أکمل من صورة الحق ودار العالم وظهر الوجود الإمکانى بین نور وظلمة وطبیعة وروح وغیب وشهادة وستر وکشف فما ولی من جمیع ما ذکرناه الوجود المحض کان نورا وروحا وما ولی من جمیع ما ذکرناه العدم المحض کان ظلمة وجسما وبالمجموع یکون صورة فإن نظرت العالم من نفس الرحمن قلت لیس إلا الله وإن نظرت فی العالم من حیث ما هو مسوى ومعدل قلت المخلوقات وما رَمَیْتَ من کونک خلقا إِذْ رَمَیْتَ من کونک حقا ولکِنَّ الله رَمى لأنه الحق فبالنفس کان العالم کله متنفسا والنفس أظهره وهو للحق باطن وللخلق ظاهر فباطن الحق ظاهر الخلق وباطن الخلق ظاهر الحق وبالمجموع تحقق الکون وبترک المجموع قیل حق وخلق فالحق للوجود المحض والخلق للإمکان المحض"أهـ.


قال الشیخ رضی الله عنه عن تشریف آدم بخلقه بالیدین الفتوحات الباب الأحد والستون وثلاثمائة فی معرفة منزل الاشتراک مع الحق فی التقدیر وهو من الحضرة المحمدیة:

"فإن الله ما ذکر أنه خاطب إلا الملائکة ولهذا قال فَسَجَدَ الْمَلائِکَةُ کُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ونصب إبلیس على الاستثناء المنقطع لا المتصل وهذه الأرواح المهیمة فی جلال الله لا تعلم أن الله خلق آدم ولا شیئا لشغلهم بالله یقول الله لإبلیس أَمْ کُنْتَ من الْعالِینَ أی من هؤلاء الذین ذکرناهم فلم تؤمر بالسجود والسجود التطأطؤ فی اللسان لأن آدم خلق من تراب وهو أسفل الأرکان لا أسفل منه ومن هنا یعرف شرف نقطة الدائرة على محیطها فإن النقطة أصل وجود المحیط فالعالون ما أمروا بالسجود لأنهم ما جرى لهم ذکر فی تعریف الله إیانا ولو لا ما ذکر الله إبلیس بالإباءة ما عرفنا أنه أمر بالسجود فما أضاف آدم إلى یدیه إلا على جهة التشریف على غیره والتنویه لتعلم منزلته عند الله ثم زاد فی تشریفه بخلقه بالیدین" أهـ.


قال الشیخ رضی الله عنه أن شجرة طوبى لجمیع شجر الجنات کآدم لما ظهر منه من البنین الفتوحات الباب الأحد والسبعون وثلاثمائة فی معرفة منزل سر :

" واعلم أن شجرة طوبى لجمیع شجر الجنات کآدم لما ظهر منه من البنین فإن الله لما غرسها بیده وسواها نفخ فیها من روحه وکما فعل فی مریم نفخ فیها من روحه فکان عیسى یحیی الموتى ویبرئ الأکمه والأبرص فشرف آدم بالیدین ونفخ الروح فیه فأورثه نفخ الروح فیه علم الأسماء لکونه مخلوقا بالیدین فبالمجموع نال الأمر وکانت له الخلافة والْمالُ والْبَنُونَ زِینَةُ الْحَیاةِ الدُّنْیا وتولى الحق غرس شجرة طوبى بیده ونفخ الروح فیها زینها بثمر الحلی والحلل الذین فیهما زینة للابسهما فنحن أرضها فإن الله جعل ما عَلَى الْأَرْضِ زِینَةً لَها وأعطت فی ثمر الجنة کله من حقیقتها عین ما هی علیه کما أعطت النواة النخلة وما تحمله مع النوى الذی فی ثمرها وکل من تولاه الحق بنفسه من وجهه الخاص بأمر ما من الأمور فإن له شفوفا ومیزة على من لیس له هذا الاختصاص ولا هذا التوجه والله یَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ یَهْدِی السَّبِیلَ " أهـ


قال الشیخ رضی الله عنه  لا یعرف قدر الحق إلا من عرف الإنسان الکامل الفتوحات  الباب السادس والتسعون وأربعمائة فی معرفة حال قطب کان منزله وما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ :

ما قدر الله غیره أبدا   .....   ولیس غیر فکلهم قدرا

ما حق قدر الآلة عندی سوى   .....   بأنه الله فاعرف الصورا

لو یعرف الخلق ما أفوه به   .....   فی حق قدر الآلة ما اعتبرا

لو عبروا عن وجود ذاتهم   .....   ما عرفوا الحق لا ولا البشرا

"لا یعرف قدر الحق إلا من عرف الإنسان الکامل الذی خلقه الله على صورته وهی الخلافة ثم وصف الحق فی الصورة الظاهرة نفسه بالیدین والرجلین والأعین وشبه ذلک مما وردت به الأخبار مما یقتضیه الدلیل العقلی من تنزیه حکم الظاهر من ذلک فی المحدثات عن جناب الله فحق قدره إضافة ما أضافه إلى نفسه مما ینکر الدلیل إضافته إلیه تعالى إذ لو انفرد دون الشرع لم یضف شیئا من ذلک إلیه فمن أضاف مثل هذا إلیه عقلا فذلک هو الذی ما قدر الله حق قدره وما قال أخطأ المضیف ومن أضافه شرعا وشهودا وکان عَلى بَیِّنَةٍ من رَبِّهِ فذلک الذی قدر الله حق قدره فالإنسان الکامل الذی هو الخلیفة قدر الحق ظاهرا وباطنا صورة ومنزلة ومعنى فمن کل شیء فی الوجود زوجان لأن الإنسان الکامل والعالم بالإنسان الکامل على صورة الحق والزوجان الذکر والأنثى ففاعل ومنفعل فیه فالحق الفاعل والعالم منفعل فیه لأنه محل ظهور الانفعال بما یتناوب علیه من صور الأکوان من حرکة وسکون واجتماع وافتراق ومن صور الألوان والصفات والنسب فالعالم قدر الحق وجودا وأما فی الثبوت فهو أظهر لحکم الأزل الذی هو للممکنات.أهـ"

ص 239

قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : (

عن السجود له «ما منعک أن تسجد لما خلقت بیدی أستکبرت» على من هو مثلک- یعنی عنصریا أم کنت من العالین عن العنصر ولست کذلک.

ویعنی بالعالین من علا بذاته عن أن یکون فی نشأته النوریة عنصریا وإن کان طبیعیا.

فما فضل الإنسان غیره من الأنواع العنصریة إلا بکونه بشرا من طین، فهو أفضل نوع من کل ما خلق من العناصر من غیر مباشرة.

والإنسان فی الرتبة فوق الملائکة الأرضیة والسماویة، والملائکة العالون خیر من هذا النوع الإنسانی بالنص الإلهی. "22"

فمن أراد أن یعرف النفس الإلهی فلیعرف العالم فإنه من عرف نفسه عرف ربه الذی ظهر فیه: أی العالم ظهر فی نفس الرحمن الذی نفس الله به عن الأسماء الإلهیة ما تجده من عدم)

___________________________________

22 - أفضلیة الملائکة على الإطلاق *

هذا التقسیم المذکور هنا یخالف ما ذهب إلیه الشیخ ونص علیه من أن الملائکة أفضل من البشر على الإطلاق إذ یقول : إن النبی صلى الله علیه وسلم  قام عندما رأى جنازة یهودی ، فقیل له إنها جنازة یهودی ، فقال : ألیس معها الملک ؟ وقال مرة أخرى : إن الموت فزع ، وقال مرة أخرى : ألیست نفسا ؟ 

ولکل قول وجه ، أرجى الأقوال ألیست نفسا لمن عقل ، فکان قیامه مع الملک ، وفی هذا الحدیث قیام المفضول للفاضل عندنا ، وعند من یرى أن الملائکة أفضل من البشر على الإطلاق .

هکذا قال لی رسول الله م فی مبشرة أریتها فی هذه المسألة الطفولیة التی بین الناس ، واختلافهم فی فضل الملائکة على البشر ، فإنی سألت رسول الله و فی الواقعة ، فقال لی : إن الملائکة أفضل .

فقلت له : یا رسول الله فإن سئات ما الدلیل على ذلک فما أقول ؟

فأشار إلی أن قد علمتم أنی أفضل الناس ، وقد صح عندکم وثبت وهو صحیح انی قلت عن الله تعالى أنه قال : من ذکرنی فی نفسه ذکرته فی نفسی ، ومن ذکرنی فی ملأ ذکرته فی ملأ خیر منهم ، وکم ذاکر لله تعالى ذکره فی ملا أنا فیهم ، فذکره الله فی ملأ خیر من ذلک الذی أنا فیهم - فما سررت بشیء سروری بهذه المسألة ، فإنه کان على قلبی منها کثیر ، فإن جماعة من أصحابنا غلطت فی هذه المسألة لعدم الکشف ، فقالت بطریق القوة والفکر الفاسد إن الکامل من بنی آدم أفضل من الملائکة عند الله مطلقا، ولم تقید صنفا ولا مرتبة من المراتب التی تقع علیها الفضلیة لمن هو فیها على غیره، 

ص 240


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : ( ظهور آثارها.

فامتن على نفسه بما أوجده فی نفسه، فأول أثر کان للنفس إنما کان فی ذلک الجناب، ثم لم یزل الأمر ینزل بتنفیس العموم إلى آخر ما وجد. "22"

_________________________________

وهم مسؤولون مؤاخذون بذلک عند الله ، والعالم بالله المکسل هو الذی یحمی نفسه أن یجعل الله علیه حجة بوجه من الوجوه ، ومن أراد أن یسلم من ذلک فلیقف عند الأمر والنهی ، ولیر نقب الموت ویلزم الصمت إلا عن ذکر الله من القرآن خاصة ، فالملأ الأعلى عند الله أنعرف من آدم علیه السلام ، ومع هذا فکان عند آدم ما لم یکن عندهم من علم الأسماء وقد أوضحت دلیل تفضیل الملأ الأعلى من الملائکة على أعلى البشر ، أعطانی ذلک الدلیل رسول الله صلى الله علیه وسلم فی رؤیة أریتها ، وقبل تلک الرؤیة ماکنت أذهب إلى مذهب جملة واحدة .

قال تعالى « إن الله وملائکته یصلون على النبی » فلو لم یکن من شرف الملائکة على سائر المخلوقات إلا جمع الضمیر فی « یصلون» بینهم وبین الله لکفاهم وما احتیج بعد ذلک إلى دلیل آخر ، فإن فضل آدم علیه السلام لم یعم ، هکذا أخبرنی رسول الله ما فی واقعة رأتها ، وهکذا أخبر الخلیل إبراهیم علیه السلام شیخنا أبا مدین بأن فضل آدم لم یعم ، فالإنسان اکسل نشأة والملک أکمل منزلة ، کذا قال لی رسول الله من فی الواقعة . 

الفتوحات ج 1 / 527 ، 640 - ج 2 / 61 ، 423 .


23 - محاضرة الأسماء ومحاوربها

یقول الشیخ فی کتابه « عنقاء مغرب » فی باب محاضرة أزلیة على نشأة أبدیه : اجتمعت الأسماء بحضرة المسمى اجتماعا کریما وتریا منزهة عن العدد ، من غیر مادة الأمد ، فلما أخذ کل اسم فیها مرتبته ، ولم یتعد منزلته ، فتنازعوا الحدت دون محاورة ، وأشار کل اسم إلى الذی یجانبه دون ملاصقة ومجاورة ، وقالت . 

یا لیت شعرنا ، هل یتضمن الوجود غیرنا ، فما عرف أحد منهم ما یکون ، إلا اسان أحدهما العلم المکنون ، فرجعت الأسماء إلى الاسم العلیم الفاضل : وقالوا أنت لنا

ص 241


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : (

فالکل فی عین النفس ... کالضوء فی ذات الغلس

والعلم بالبرهان فی ... سلخ النهار لمن نعس )

________________________________

الحکم العادل، فقال نعم " باسم الله"، وأشار إلى الاسم الجامع « الرحمن » وأشار إلى الاسم التابع «الرحیم»، وأشار إلى الاسم العظیم وصلى الله» ورجع إلى الاسم الجامع من جهة الرحمة « على النبی » وأشار إلى الاسم الخبیر والعلی" ، بمحمد الکریم ، وأشار إلى الاسم الحمید « خاتم الأنبیاء وأول الأمة، وصاحب لواء الحمد والنعمة » فنظر فی الأسماء من لم یکن له فیما ذکره العلیم حظ ، ولا جرى علیه من اسسه التکریم لفظ ، وقال العلیم ، من ذا الذی صلیت علیه ، وأثرت فی کلامک إلیه ، وقرنته بحضرة جمعنا (قرن الشهادة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) .

 وقرعت به باب سمعنا ، ثم خصصت بعضنا بالإشارة والتقیید، إلى اسمه الرحیم والحمید ، فقال لهم یا عجبا ، وهذا هو الذی سألتمونی عنه أن أبینه لکم تحقیقا ، وأوضح لکم إلى معرفته طریقا ، هو موجود یضاهیکم فی حضرتکم ، وتظهر علیه آثار نفحتکم، فلا یکون فی هذه الحضرة شیء إلا ویکون فیه ، ویحصله ویستوفیه ، ویشارککم فی أسمائکم ، ویعلم بی حقائق انبائکم ، وعن هذا الوجود المذکور الصادر من حضرتکم ، وأشار إلى بعض الأسماء منها الجود والنور یکون الکون ، والکیف والأین ، وفیه تظهر بالاسم الظاهر حقائقکم ، وإلیه بالاسم المنان وأصحابه تستد رقائقکم ، فقالت تنبیها على أمر لم یکن به علیما ، وکان هذا الاسم - وأشارت إلى المفضل - علینا عظیما ، فمتى یکون هذا الأمر ، ویلوح هذا السر ؟ 

فقال سألتم الخبیر ، واهتدیتم بالبصیر ، ولسنا فی زمانه ، فیکون بیننا وبین هذا الکون مدة وأوان ، فغایة الزمان فی حقنا ملاحظة المشیئة حضرة التقدیم ، فتعالوا نسأل هذا الاسم الإحاطی فی جنسه ، المنزه فی نفسه ، وأشارت إلى المرید ، فقیل له متى یکون عالم التقیید فی الوجود الذی یکون لنا فیه الحکم والصولة، ونجول بظهور آثارنا علیه فی الکون على ما ذکره الاسم الحکیم جولة ؟ 

فقال المرید وکان به

ص 242

قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : (

فیرى الذی قد قلته ... رؤیا تدل على النفس

فیریحه من کل غم ... فی تلاوته «عبس» )

_________________________________

قد کان ، ویوجد فی الأعیان ، وقال الاسم العلیم ویسی بالإنسان ، ویصطفیة الاسم الرحمن ، ویفیض علیه الاسم المحسن وأصحابه سوابغ الإحسان ، فأطلق الاسم الرحمن محیاه ، وحیا الاسم المحسن وبیاه ، وقال نعم الأخ ونعم الصاحب ، وکذلک الاسم الواهب ، فقام الاسم الوهاب ، فقال وأنا المعطی بحساب وبعیر حساب . 

فقال الاسم الحسیب ، أقید علیکم ما تهبونه ، وأحسب علیکم ما تعطونه ، بشهادة الاسم الشهید ، فإنه صاحب الضبط والتقیید ، غیر أن الاسم العلیم قد یعرفی المعطى له ما یحصل له فی وقت ، ویبهم علیه الاسم المرید فی وقت إبهامه یعلمه ولا یمضیه ، ویأمر بالشیء ویرید ضده فلا یقضیه ، فلا زوال لی عنکما ، ولا فراق لی منکما ، فأنا لکم لزیم ، فنعم الجار والحمیم ، فتوزعت الأسماء کلها مملکة العبد الإنسانی، على هذا الحد الربانی وتفاخرت فی الحضرة الإلهیة الذائیة بحقائقها . 

وبینت حکم مسالکها وطرائقها ، وتعجلت وجود هذا الکون ، رغبة فی أن یظهر لهم عین ، فلجأوا إلى الاسم المرید ، الموقوف علیه تخصیص الوجود ، وقالوا سألناک بهذه الحضرة التی جمعتنا ، والذات التی شملتنا ، إلا ما علقت نفسک بهذا الوجود المنتظر فأردته ، وأنت یا قادر سألناک بذاک إلا ما أوجدته ، وأنت یا حکیم سألناک بذلک إلا ما أحکمته ، وأنت یا رحمن سألناک بذاک إلا ما رحمته ، ولم نزل الأساء تسأل کلها واحدة واحدة ، قائما وقاعدة ، فقال القادر یا إخواننا على المرید بالتعلق وعلی بالإیجاد ، وقال الحکیم على القادر بالوجود وعلی" بالإحکام . 


فقام الرحمن وقال علی بصلة الأرحام فإنه شجنة منی فلا صبر لها عنی ، فقال له القادر کل ذلک تحت حکمی وقهری ، 

فقال له القاهر لا تفعل إن ذلک لی وأنت خادمی ، وإن کنت صاحبی وحمیمی ، فقال العلیم أما الذی قال تحت حکمی فلیقدم علی . 

فتوقف الأمر على جمیع الأسماء ، وأن بجملتها یصح وجود عالم الأرض والسماء ، وما بینهما إلى مقام

ص 243


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : (

ولقد تجلى للذی ... قد جاء فی طلب القبس )

________________________________

الأستواء ، ولو فتحنا علیک باب توقفها والتجاء بعضها إلى بعض لرأیت أمرا یهولک منظره ، ویطیب لک خبره ، ولکن فیما ذکرناه ، تنبیه على ما سکتنا عنه وترکناه .


ولنرجع ونقول والله یقول الحق ویهدی السبیل ، فعندما وقع هذا الکلام الأنفس ، فی هذا الجمع الکریم الأقدس ، تعطشت الأسماء إلى ظهور آثارها فی الوجود ، ولاسیما الاسم المعبود ، ولذلک خلقهم سبحانه وتعالى لیعرفوه بما عرفهم ، ویصفوه بما وصفهم .

فقال « وما خلقت الجن والإنس إلا لیعبدون ، ما أرید منهم من رزق وما أرید أن یطعمون » فلجأت الأسماء کلها إلى اسم الله الأعظم ، والرکن القوی الأعصم .

فقال ما هذا اللجاء ولأی شیء هذا الالتجاء ، فقالت أیها الإمام الجامع ، لما نحن علیه من الحقائق والمنافع ، ألست العالم أن کل واحد منا فی نفسه على حقیقة ، وعلى سنة وطریقة ، وقد علمت یقینا أن المانع من إدراک الشیء مع وجود النظر ، کونک فیه لا اکثر ، ولو تجرد عنک بمعزل لرأیته ، وتنزهت بظهوره وعرفته .

ونحن بحقائقنا متحدون لا نسمع لها خبرا ، ولا نرى لها أثرا، ولو برز هذا الوجود الکونی ، وظهر هذا العالم الذی یقال له العلوی والسفلی ، لامتدت إلیه رقائقنا ، وظهرت فیه حقائقنا ، فکنا نراه مشاهدة عین ، لما کان منا فی أین ، وفی حال فصل وبین ، ونحن باقون على تقدیسنا من الأینیة ، وتنزیهنا عن إحاطتهم بنا من جهة الماهیة والکیفیة ، فغایتهم أن یستدلوا برقائقها على حقائقنا استدلال مثال ، وطروق خیال ، وقد لجأنا إلیک مضطرین ، ووصلنا إلیک قاصدین ، فلجأ الاسم الأعظم إلى الذات ، کما لجأت إلیه الأسماء والصفات ، وذکر الأمر ، وأخبر السر ، فأجاب نفسه المتکلم بنفسه العلیم ، لک ذلک .

قد کان بالرحمن ، فقل للاسم المرید یقول للاسم القائل یأمر بکن ، والقادر یتعلق بإیجاد الأعیان فیظهر ما تمنیتم ، ویبرز لعیانکم ما اشتهیتم ، فتعلقت الإرادة والعلم والقول والقدرة ، فظهر أصل العدد والکثرة، وذلک من حضرة الرحمة وفیض النعمة .

ص 244

قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : (

فرآه نارا وهو نور ... فی الملوک وفی العسس "24"

فإذا فهمت مقالتی ... تعلم بأنک مبتئس

لو کان یطلب غیر ذا ... لرآه فیه وما نکس

وأما هذه الکلمة العیسویة لما قام لها الحق فی مقام «حتى نعلم» ویعلم، استفهما عما نسب إلیها هل هو حق أم لا مع علمه الأول بهل وقع ذلک الأمر أم لا فقال له «أأنت قلت للناس اتخذونی وأمی إلهین من دون الله».

فلا بد فی الأدب من الجواب للمستفهم لأنه لما تجلى له فی هذا المقام وهذه الصورة اقتضت الحکمة الجواب فی التفرقة بعین الجمع، فقال: وقدم التنزیه «سبحانک» فحدد بالکاف التی تقتضی المواجهة والخطاب «ما یکون لی» من حیث أنا لنفسی دونک «أن أقول ما لیس لی بحق» أی ما تقتضیه هویتی ولا ذاتی.

«إن کنت قلته فقد علمته» لأنک أنت القائل، ومن قال أمرا فقد علم ما قال، وأنت اللسان الذی أتکلم به کما أخبرنا رسول الله صلى الله علیه وسلم عن ربه فی الخبر الإلهی فقال «کنت لسانه الذی یتکلم به».

فجعل هویته عین لسان المتکلم، ونسب الکلام إلى عبده.

ثم تمم العبد الصالح الجواب بقوله «تعلم ما فی نفسی» والمتکلم الحق، ولا أعلم ما فیها. فنفى العلم عن هویة عیسى من حیث هویته لا من حیث إنه قائل وذو أثر.

«إنک أنت» فجاء بالفصل والعماد تأکیدا للبیان واعتمادا علیه،)

_____________________________________________

24 - الشعر

یرید تجلی الحق سبحانه وتعالى - ومن أسمائه النور «الله نور السموات والأرض» لموسى علیه السلام فی صورة النار، قال تعالى عن موسى علیه السلام قوله «إنی آنست نارا .. فلما جاءها نودی یا موسى ..)، وقال تعالى « أن بورک من فی النار ومن حولها .. »

فسبحان من علا فی نزوله، ونزل فی علوه، ثم لم یکن واحدا منهما، ولم یکن إلا هما، لا إله إلا هو العزیز الحکیم، فیعرف معرفة لا یشهد معروفها، فإنه سبحانه تجلى لموسى علیه السلام فی عین حاجته، فلم تکن تارة، فلا یرى الحق إلا فی الافتقار، ولا یتجلى إلا فی صور الاعتقادات وفی الحاجات 

وقلنا فی ذلک من قصیدة لنا

کنار موسى یراها عین حاجته   ….    وهی الإله ولکن لیس یدریه 

ج 2 / 74 ، 269 ، 277 - ج 3 / 119 .

ص 245


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : (

إذ لا یعلم الغیب إلا الله.   "25"

ففرق وجمع، ووحد وکثر، ووسع وضیق ثم قال متمما للجواب «ما قلت لهم إلا ما أمرتنی به» فنفى أولا مشیرا إلى أنه ما هو.

ثم أوجب القول أدبا مع المستفهم، ولو لم یفعل ذلک لاتصف بعدم علم الحقائق وحاشاه من ذلک، فقال «إلا ما أمرتنی به» وأنت المتکلم على لسانی وأنت لسانی.

فانظر إلى هذه التنبئة الروحیة الإلهیة ما ألطفها وأدقها، «أن اعبدوا الله» فجاء بالاسم «الله» لاختلاف العباد فی العبادات واختلاف الشرائع، لم یخص اسما خاصا دون اسم، بل جاء بالاسم الجامع للکل.

ثم قال «ربی وربکم»، ومعلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبیة لیست عین نسبته إلى موجود آخر، فلذلک فصل بقوله «ربی وربکم» بالکنایتین کنایة المتکلم وکنایة المخاطب.

«إلا ما أمرتنی به» فأثبت نفسه مأمورا ولیست سوى عبودیته، إذ لا یؤمر إلا من یتصور منه الامتثال وإن لم یفعل.

ولما کان الأمر ینزل بحکم المراتب، لذلک ینصبغ کل من ظهر فی مرتبة ما بما تعطیه حقیقة)

______________________________________

25 - " تعلم ما فی نفسی ولا أعلم ما فی نفسک " الآیة

شرح الشیخ هذا المعنی استنادا إلى الحدیث الصحیح فی مقام المحبوبیة وهو قوله تعالى « کنت لسانه الذی یتکلم به ۰۰» 

وقد ذهب الشیخ فی الفتوحات المکیة إلى ثلاث معان أخر فی ذلک :

فیقول فی الأول : 

إن علم الحق بنا قد یکون معلوما لنا وأما علمه بنفسه فلا یعلم العلو قدسه وهو قوله : « ولا أعلم ما فی نفسک » أی نفس الحق .

 الثانی : ولا أعلم ما فی نفسک من القضاء والقدر فإنه لا یعلم ما فی نفس الله .

الثالث : أن تکون النفس هنا تنفس عیسی عینه فإذا جهل العبد ما هی علیه نفسه من حکم الاستعداد فهو بما هو علیه فی المستأنف أجهل.

فأضاف عیسی علیه السلام نفسه إلیه من وجه ما هی له ، وأضافها إلى الله من وجه ما هی لله ، فقال « تعلم ما فی نفسی ولا أعلم ما فی نفسک » أی نفسی هی نفسک وملکک فإنک اشتریتها وما هی ملکی ، فأنت أعلم بما جعلت فیها ، فأضاف نفسه إلیه من حیث عینها ، ولا أعلم ما فی نفسک » من حیث وجودها وهو من حیث ما هی لک ، فهذه عینها ، ولا أعلم ما فی نفسک » من حیث وجودها وهو من حیث ما هی لک ، فهذه إضافة تشریف کمثل عبد الملک وخدیمه ، وهو أتم فی الثناء على الله والتبری مما نسب إلیه .

الفتوحات ج 1 / 500 - ج 2 / 300 ، 538 - ج 4 / 332 .

ص 246


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : ( تلک المرتبة:

فمرتبة المأمور لها حکم یظهر فی کل مأمور، ومرتبة الآمر لها حکم یبدو فی کل آمر.

فیقول الحق «أقیموا الصلاة» فهو الآمر والمکلف والمأمور.

ویقول العبد «رب اغفر لی» فهو الآمر والحق المأمور.

فما یطلب الحق من العبد بأمره هو بعینه یطلبه العبد من الحق بأمره.

ولهذا کان کل دعاء مجابا ولا بد، وإن تأخر کما یتأخر بعض المکلفین ممن أقیم مخاطبا بإقامة الصلاة فلا یصلی فی وقت فیؤخر الامتثال ویصلی فی وقت آخر إن کان متمکنا من ذلک. فلا بد من الإجابة ولو بالقصد. "26"

___________________________________

26 - کل دعاء مجاب ولابد *

یقول العبد « رب اغفر لی » کما قال له الحق « أفم الصلاه لدکری » فیسی ما کان من جانب الحق للعبد أمرا ، ویسمى ما کان من جانب العبد للحق دعاء . 

أدبا إلهیا ، وإنما هو على الحقیقة أمر ، فإن الحد یشمل الأمرین معا ، ولا بد من أخذ الإرادة فی حد الأمر ، لأنه اقتضاء وطلب من الآمر بالمأمور ، سواء کان المأمور دونه أو مثله أو أعلى ، وفرق الناس بین أمر الدون وبین أمر الأعلى ، فسوا أمر الدون إذا أمر الأعلى طلبا وسئولا مثل قول « اهدنا » فلا یشک أنه أمر من العبد لله . 

فسمی دعاء ، قال تعالى « ادعونی أستجب لکم » وهذا غایة النزول الإلهی لعبده . فیقول العبد « اغفرلی » « ارحمنی » « انصرنی » « اجبرنی » ، فیفعل. 

ویقول الله له « ادعنی » « أقم الصلاة » « وآت الزکاة » « اصبروا ورابطوا » « جاهدوا » فیطیع ویعصی ، وأما الحق فیجیب عبده لما دعاه إلیه بشرط تفرغه لدعائه ،

والدعاء على نوعین :

1 - دعاء بلسان نطق وقول .

2 - و دعاء بلسان حال .

فدعاء القول یکون من الحق ومن الخلق ، ودعاء الحال یکون من الخلق ولا یکون من الحق إلا بوجه بعید .

« وقال ربکم ادعونی أستجب لکم » اعلم أن العبد لا یکون مجیبا للحق حتى یدعوه الحق إلى ما یدعوه إلیه قال تعالى: " فلیستجیبوا لی" ، 

کذلک رأیناه تعالی لا یستجیب إلا بعد دعاء العبد إیاه کما شرع ، فاشترک العبد والحق فی القضیة ، من کون الحق یجیب العبد إذا دعاه وسأله ، کما أن العبد یجیب أمر الله إذا أمره ، وإجابة الحق إیانا فیما دعوناه به على ما یرى الإجابة فیه ، فهو أعلم بالمصالح منا ،

ص 247


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : (

ثم قال «وکنت علیهم» ولم یقل على نفسی معهم کما قال ربی وربکم. «شهیدا ما دمت فیهم» لأن الأنبیاء

شهداء على أممهم ما داموا فیهم.

«فلما توفیتنی»: أی رفعتنی إلیک )

_____________________________________

فإنه تعالى لا ینظر لجهل الجاهل فیعامله بجهله ، وإنما الشخص یدعو والحق یجیب ، فإن اقتضت المصلحة البطء أبطأ عنه ، فإن المؤمن لا یتهم جانب الحق ، وإن اقتضت المصلحة السرعة أسرع فی الجواب ، وإن اقتضت المصلحة الإجابة فیما عینه فی دعائه أعطاه ذلک سواء أسرع به أو أبطأ ، وإن اقتضت المصلحة أن یعدل مما عینه الداعی إلى أمر آخر أعطاه أمرا آخر لا ما عینه ، فما جاز الله المؤمن فی شیء إلا کان له فیه خیر ، فإیاک أن تتهم الحق فتکون من الجاهلین .

وقال تعالى ( وإذا سألک عبادی عنی فإنی قریب أجیب دعوة الداع إذا دعان »،

أعلم أن الإجابة على نوعین :، 

إجابة امتثال وهی إجابة الخلق لما دعاه إلیه الحق ، 

وإجابة امتنان وهی إجابة الحق لما دعاه إلیه الخلق ، 

فإجابة الخلق معقولة ، 

وإجابة الحق منقولة ، 

لکونه تعالى أخبر بها عن نفسه « فلیستجیبوا لی » یعنی إذا دعوتهم إلى القیام بما شرعته لهم ، فإنک لا تعامل إلا بما عاملت ، فإنه إذا دعاک فأجبته یجیبک إذا دعوته ، لذلک قال « فلیستجیبوا لی » 

فإنی دعوتهم على ألسنة أنبیائی بلسان الشرع وفی کتبی المنزلة التی أرسلت رسلی بها إلیهم، أما اتصاف الحق بالقرب فی الإجابة فهو اتصافه بأنه أقرب إلى الإنسان من حبل الورید ، فشبه قربه من عبده قرب الإنسان من نفسه إذا دعا نفسه لأمر ما تفعله فتفعله ، فما بین الدعاء والإجابة الذی هو السماع زمان ، بل زمان الدعاء زمان الإجابة ، فقرب الحق من إجابة عبده قرب العبد من إجابة نفسه إذا دعاها ، 

ثم ما یدعوها إلیه یشبه فی الحال ما یدعو العبد ربه إلیه فی حاجة مخصوصة ، فقد یفعل له ذلک وقد لا یفعل ، 

کذلک دعاء العبد نفسه إلى أمر ما قد یفعل ذلک الأمر الذی دعاها إلیه وقد لا تفعل الأمر عارض یعرض له ، 

فقد قرن الحق تعالى إجابته لکم بإجابتکم له ، وقد تقدم دعاؤه لکم فی قوله تعالی « یا قومنا أجیبوا داعی الله وآمنوا یغفر لکم من ذنوبکم ویجرکم من عذاب الیم »

ص 248


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : (

وحجبتهم عنی وحجبتنی عنهم «کنت أنت الرقیب علیهم» فی غیر مادتی، بل فی موادهم إذ کنت بصرهم الذی یقتضی المراقبة.

فشهود الإنسان نفسه شهود الحق إیاه.)

_____________________________________

فإن استجبتم استجاب لکم، وإن تصاممتم فما ظلمناهم ولکن کانوا أنفسهم یظلمون، وإنما هی أعمالکم ترد علیکم ، فکرامة عنده سبحانه وتعالى إجابته لهم إذا دعوه الارتباط الحکمة فی المناسبة ، فلا یجاب إلا من یجیب " ومن لا یجب داعی الله فلیس بمعجز فی الأرض ولیس له من دونه أولیاء أولئک فی ضلال مبین" ، فقد غفر لکم وأجابکم إن أتم أجبتم داعیة ، وکلامه حق ووعده صدق .

فما دعا الله أحد إلا أجابه إلا أن الأمور مرهونة بأوقاتها لمن یعلم ذلک ، فلا تستبطیء الإجابة فإنها فی الطریق، وفی بعض الطریق بعد وهو التأجیل، واعلم أن الله أخبر أنه یجیب دعوة الداع ، وما دعاؤه إیاه إلا عین قوله حین ینادیه باسم من أسمائه فیقول یا الله ، یا رب . رب . 

یاذا المجد والکرم وما أشبه ذلک ، فالدعاء نداء ، وهو تأبه بالله ، فإجابة هذا القدر الذی هو الدعوة وبها سمی داعیا أن یلبیه الحق فیقول لبیک ، فهذا لا بد منه من الله فی حق کل سائل ، ثم ما یأتی بعد هذا النداء فهو خارج عن الدعاء ، وقد وقعت الإجابة کما قال ، فیوصل العبد بعد النداء من الحوائج ما قام فی خاطره مما شاءه ، فلم یضمن إجابته فیما سأل فیه ودعاه من أجله ، فهو إن شاء قضى حاجته وإن شاء لم یفعل ، ولهذا ما کل مسؤول فیه یقضیه الله لعبده ، وذلک رحمة به ، 

فإنه قد یسأل فیما لا خیر له فیه ، فلو ضمن الإجابة فی ذلک لوقع، ویکون فیه هلاکه فی دینه وآخرته ، وربما فی دنیاه من حیث لا یشعر ، 

فمن کرمه أنه ما ضمن الإجابة فیما یسأل فیه ، وإنما ضمن الإجابة فی الدعاء خاصة ، وهذا غایة الکرم من السید فی حق عبده ، 

ومن تحقق بالقرب الإلهی لابد أن یسمع الإجابة الإلهیة ذوقا، فلابد من علامة یعطیها الله لهذا المتحقق، یعلم بها أنه قد أجاب دعاءه، ومعلوم أنه أجاب دعاءه ، وإنما أرید أن یعلمه أن الذی سأل فیه قد قضی وإن تأخر أو أعطى بدله على طریق العوض لما له فی البدل من الخیر .

الفتوحات ج 1 / 182 ، 183 - ج 2 / 50 - ج 4 / 71 ، 177 ، 245 ، 255 ، 429 ، 445 . کتاب الکتب - کتاب مواقع النجوم .

ص 249


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : ( إیاه. "27"

وجعله بالاسم الرقیب لأنه جعل الشهود له فأراد أن یفصل بینه و بین ربه حتى یعلم أنه هو لکونه عبدا وأن الحق هو الحق لکونه ربا له، فجاء لنفسه بأنه شهید و فی الحق بأنه رقیب، وقدمهم فی حق نفسه فقال «علیهم شهیدا ما دمت فیهم» إیثارا لهم فی التقدم وأدبا، وأخرهم فی جانب الحق عن الحق فی قوله «الرقیب علیهم» لما یستحقه الرب من التقدیم بالرتبة.

ثم أعلم أن للحق الرقیب الاسم الذی جعله عیسى لنفسه وهو الشهید فی قوله علیهم شهیدا. فقال «وأنت على کل شی ء شهید».

فجاء «بکل» للعموم و«بشیء» لکونه أنکر النکرات.

وجاء بالاسم الشهید، فهو الشهید على کل مشهود بحسب ما تقتضیه حقیقة ذلک المشهود. فنبه على أنه تعالى هو الشهید على قوم عیسى حین قال «وکنت علیهم شهیدا ما دمت فیهم».

فهی شهادة الحق فی مادة عیسویة کما ثبت أنه لسانه وسمعه وبصره.

ثم قال کلمة عیسویة ومحمدیة: أما کونها عیسویة فإنها قول عیسى بإخبار الله عنه فی کتابه، وأما کونها محمدیة فلموقعها من محمد صلى الله علیه وسلم بالمکان الذی وقعت منه، فقام بها لیلة کاملة یرددها لم یعدل إلى غیرها حتى مطلع الفجر.

«إن تعذبهم فإنهم عبادک وإن تغفر لهم فإنک أنت العزیز الحکیم».

و«هم» ضمیر الغائب کما أن «هو» ضمیر الغائب.

کما قال «هم الذین کفروا» بضمیر الغائب، فکان الغیب سترا لهم عما یراد بالمشهود الحاضر.

فقال «إن تعذبهم» بضمیر الغائب وهو عین الحجاب الذی هم فیه عن الحق.

فذکرهم الله قبل حضورهم حتى إذا حضروا تکون الخمیرة قد تحکمت فی العجین فصیرته مثلها.

«فإنهم عبادک» فأفرد الخطاب للتوحید الذی کانوا علیه.

ولا ذلة أعظم من ذلة العبید لأنهم لا تصرف لهم فی أنفسهم.

فهم بحکم ما یریده بهم سیدهم ولا شریک له فیهم فإنه قال «عبادک» فأفرد.

والمراد بالعذاب إذلالهم ولا أذل منهم لکونهم عبادا.

فذواتهم تقتضی أنهم أذلاء، فلا تذلهم فإنک لا تذلهم بأدون مما هم فیه من کونهم عبیدا.

«وإن تغفر لهم» أی تسترهم عن إیقاع العذاب الذی یستحقونه بمخالفتهم أی تجعل لهم غفرا یسترهم عن ذلک ویمنعهم منه.

«فإنک أنت العزیز» أی المنیع الحمى.

وهذا الاسم إذا أعطاه الحق لمن أعطاه من عباده تسمى الحق بالمعز، والمعطى له هذا الاسم بالعزیز.

فیکون منیع الحمى عما یرید به المنتقم والمعذب من الانتقام والعذاب.

وجاء بالفصل والعماد أیضا تأکیدا للبیان ولتکون الآیة على مساق واحد فی قوله «إنک أنت علام الغیوب» وقوله «کنت أنت الرقیب علیهم».

فجاء أیضا «فإنک أنت العزیز الحکیم». )

________________________________

27 - راجع شرح «کنت سمعه وبصره » فص 9، هامش 9، ص 136

""  9 - «کنت سمعه وبصره » الحدیث فص 9، هامش 9، ص 136

یقول تعالى : « ولا یزال عبدی یتقرب إلی بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته کنت سمعه الذی یسمع به وبصره الذی یبصر به ۰۰. الحدیث »

اعلم أن العبد حادث فلا تنفی عنه حقیقته لأنه لو انتفت ، انتفت عینه ، وإذا انتفت عینه فمن یکون مکلفا بالعبادة .

 ففی هذا الحدیث أثبتک و نفاک ، فتکون أنت من حیث ذاتک ، ویکون هو من حیث تصرفاتک وإدراکاتک .

فأنت مکلف من حیث وجود عینک ومحل للخطاب ، وهو العامل بک من حیث أنه لا فعل لک .

إذ الحادث لا أثر له فی عین الفعل ، ولکن له حکم فی الفعل إذ کان ما کلفه الحق من حرکة وسکون لا یعمله الحق إلا بوجود المتحرک والساکن .

إذ لیس إذا لم یکن العبد موجودا إلا الحق ، والحق تعالی عن الحرکة والسکون أو یکون محلا لتأثیره فی نفسه ، فلابد من حدوث العبد حتى یکون محلا لأثر الحق ، فإذا کان العبد ما عنده من ذاته سوى عینه بلا صفة ولا اسم سوى عینه ، حینئذ یکون عند الله من المقربین و بالضرورة یکون الحق جمیع صفاته .

و یقول له : أنت عبدی حقا ، فما سمع سامع فی نفس الأمر إلا بالحق ولا أبصر إلا به ولا علم إلا به ولا حیی ولا قدر ولا تحرک ولا سکن ولا أراد ولا قهر ولا أعطى ولا منع ولا ظهر علیه وعنه أمر ما هو عینه إلا وهو الحق لا العبد.

فما للعبد سوى عینه سواء علم ذلک أو جهله ، وما فاز العلماء إلا بعلمهم بهذا القدر فی حق کل ما سوى الله لا أنهم صاروا کذا بعد أن لم یکونوا.

فالضمیر فی قوله «کنت سمعه» هو عین العبد . والسمع عین الحق فی کل حال. فکشف له سبحانه عن ذلک فإن قوله « کنت » یدل على أنه کان الأمر على هذا وهو لا یشعر .

فکانت الکرامة التی أعطاها هذا التقرب الکشف والعلم بأن الله کان سمعه وبصره فهو یتخیل أنه یسمع بسمعه وهو یسمع بربه .

کما کان یسمع الإنسان فی حال حیاته بروحه فی ظنه لجهله وفی نفس الأمر إنما یسمع بریه ، ألا ترى نبیه الصادق فی أهل القلیب کیف قال : ما أنتم بأسمع منهم ، فأثبت الله للعبد بالضمیر عینه عبدا لا ربوبیة له .

وجعل ما یظهر به وعلیه ومنه أن ذلک هو الحق تعالى لا العبد .

فما ثم إلا حق لحق وحق لخلق ، فحق الحق ربوبیته وحق الخلق عبودیته .

الفتوحات ج 1 / 203 ، 305 ، 378 ، 397 ، 406 ، 407 ، 415 ، 434 ، 445 ، 468 ، 675 .

الفتوحات ج 2 / 65 ، 189 ، 323 ، 341 ، 479 ، 502 ، 513 ، 559.


إکمال فص 10 هامش 9   أهـ. ""

ص 250


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : ( الحکیم». "28"

فکان سؤالا من النبی علیه السلام وإلحاحا منه على ربه فی المسألة لیلته الکاملة إلى طلوع الفجر یرددها طلبا للإجابة.

فلو سمع الإجابة فی أول سؤال ما کرر.

فکان الحق یعرض علیه فصول ما استوجبوا به العذاب عرضا مفصلا فیقول له فی عرض عرض وعین عین «إن تعذبهم فإنهم عبادک وإن تغفر لهم فإنک أنت العزیز الحکیم».

فلو رأى فی ذلک العرض ما یوجب تقدیم الحق وإیثار جنابه لدعا علیهم لا لهم.

فما عرض علیه إلا ما استحقوا به ما تعطیه هذه الآیة من التسلیم لله والتعریض لعفوه.

وقد ورد أن الحق إذا أحب صوت عبده فی دعائه إیاه أخر الإجابة)

_________________________________

28 - «إن تعذبهم فإنهم عبادک» الآیة

عرض عیسی علیه السلام بالمغفرة لقومه لما عصوا الله ولم یتوبوا بقوله هذا، وذلک لما علم أن رحمته تعالی سبقت غضبه، وقد قام النبی محمد صلى الله علیه وسلم بهذه الآیة لیلة کاملة، ما زال یرددها حتى طلع الفجر، إذ کانت کلمة غیره، فکان یکررها حکایة وقصده معلوم فی ذلک، 

کما قیل فی المثل «إیاک أعنی فاسمعی یا جارة» ولما کان فی هذا اشتباه على المحجوبین من المعتزلة وغیرهم، الذین یقولون إن کفر العبد منسوب إلى اختراعه، غیر مستند إلى إرادة ربه سبحانه وإلا لما جاز أن یعاقبه علیه، لا جرم بین الله تعالی جوابهم على لسان نبیه عیسى علیه السلام فی قوله «إن تعذبهم فإنهم عبادک» علل جواز تعذیبه لهم بأنهم عباده ، تنبیها على أن التعذیب لا یحتاج فی جوازه عقلا إلى معصیة ولا کفر ،

ولهذا لم یقل فإنهم عصوک، وإنما مجرد کونهم عبادا یجوز للمالک أن یفعل بهم ما یشاء، حتى ولیس علیه حق، ومهما قال فالحسن الجمیل «وإن تغفر لهم فإنک أنت العزیز الحکیم» ولم یقل «إنک أنت الغفور الرحیم» أدبا مع الجناب الإلهی، فتأدب العبد الصالح مع الله فی هذا القول لما عصى قومه الله ولم یتوبوا.

نصیحة لا تدخل بین الله وبین عباده، ولا تسع عنده فی خراب بلاده، هم على کل حال عباده، قل کما قال العبد الصالح ، صاحب العقل الراجح ، «إن تعذبهم فإنهم عبادک وإن تغفر لهم فإنک أنت العزیز الحکیم » انظر فی هذا الأدب النبوی ، أین هو مما نسب إلیه من النعت البنوی ، هو عین روح الله وکلمته ، ونفخ روحه وابن

ص 251


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : (

عنه حتى یتکرر ذلک منه حبا فیه لا إعراضا عنه، ولذلک جاء بالاسم الحکیم، والحکیم هو الذی یضع الأشیاء مواضعها ولا یعدل بها عما تقتضیه وتطلبه حقائقها بصفاتها.

فالحکیم العلیم بالترتیب.

فکان صلى الله علیه وسلم بترداد هذه الآیة على علم عظیم من الله تعالى. "29"

فمن تلا فهکذا یتلو، وإلا فالسکوت أولى به.

وإذا وفق الله عبدا إلى النطق بأمر ما فما وفقه الله إلیه إلا وقد أراد إجابته فیه وقضاء حاجته، فلا یستبطئ أحد ما یتضمنه ما وفق له، ولیثابر مثابرة رسول الله صلى الله علیه وسلم على هذه الآیة فی جمیع أحواله حتى یسمع بأذنه أو بسمعه کیف شئت أو کیف أسمعک الله الاجابة.

فإن جازاک بسؤال اللسان أسمعک بأذنک، وإن جازاک بالمعنى أسمعک بسمعک.)

________________________________

أمته ، ما بینه وبین ربه سوى النسب العام ، الموجود لأهل الخصوص من الأنام . وهو التقوى لا أمر زائد، فی غیر واحد.

مناجاة - الهی جلت عظمتک أن یعصیک عاص أو ینساک ناسی، ولکن أوجبت روح اوامرک فی أسرار الکائنات ، فذکرک الناسی بنسیانه ، وأطاعک العاصی بعصیانه، وإن من شیء إلا یسبح بحمده ، إن عصی داعی إیمانه فقد أطاع داعی سلطانک ، ولکن قامت علیه حجتک ، فلله الحجة البالغة ، لا یسأل عما یفعل وهم یسألون.

الفتوحات ج 2 / 50 - ج 4 / 378 .


29 ۔ مخالفة لأصول الشیخ : *

ما جاء فی هذه الفقرة مخالف لأصول الشیخ التی سبق ذکرها، ومنها: لا ذوق الأحد فی ذوق الرسل.

فلا ذوق للولی فی حال من أحوال أنبیاء الشرائع، ومن أصولنا أنا لا تتکلم إلا عن ذوق، ونحن لسنا برسل ولا أنبیاء شریعة.

فکیف یصح ما جاء فی هذه الفقرة وهو حال من أحوال رسول الله صلى الله علیه وسلم فی قیامه لیلة من اللیالی 

الفتوحات ج 2 / 51 - - راجع کتابنا «الرد على ابن تیمیة» ص 25


"" التعقیب على الإستاذ محمود محمود الغراب رحمه الله :

الإستاذ محمود فهم کلام الشیخ الأکبر ابن العربی من وجه دون الوجوه الآخرى وحصره فی اتجاه واحد فقط وهو ما فهمه واعتقده دون غیره مع أنه أوضح وأکثر سطوعا من شمس الظهیرة  ومنه مثال واحد فقط یکفیک دلیلا :

این ذوق الرسول موسى وهو من أولی العزم من الرسل ولا جدال من ذوق الخضر علیهما السلام ؟؟؟؟

فرسول الله موسى لم یکن على علم مطلق بما یعلمه الخضر ولا ذوق له فیه علیهما السلام  

فی حین ان الخضر فیما یعلم ان رسول الله موسی لاذوق ولا علم له فیما یعلم  

لقوله تعالى : " قَالَ إِنَّکَ لَنْ تَسْتَطِیعَ مَعِیَ صَبْرًا (67) وَکَیْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِی إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِی لَکَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِی فَلَا تَسْأَلْنِی عَنْ شَیْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَکَ مِنْهُ ذِکْرًا (70) فَانْطَلَقَا " سورة الکهف.


إیضاح لعبارة الشیخ ابن العربی رضی الله عنه  الله عنه :

"لا ذوق الأحد فی ذوق الرسل. فلا ذوق للولی فی حال من أحوال أنبیاء الشرائع، ومن أصولنا أنا لا تتکلم إلا عن ذوق، ونحن لسنا برسل ولا أنبیاء شریعة."

یقصد به الشیخ فیما ارسلوا به من شرائع لقومهم وهو أمر خاص لهم مع شرائع قومهم فهم أعلی ذوق فیما ارسلوا به من تجلیات وامداد الله لهم .

اما فیما یعلمه الله تعالی ولم یعلمهم إیاه وعلمه احد من عباده فهو اعلى من اى بشر آخر به والدلیل شهادة الله تعالى على ذلک کما جاء بالآیات بعالیه.""

ص 252