الفقرة الحادیة والثلاثون :
کتاب المفاتیح الوجودیة والقرآنیة لفصوص الحکم عبد الباقی مفتاح 1417هـ :
15 - فص حکمة نبویة فی کلمة عیسویة
المرتبة 15 لفص حکمة نبویة فی کلمة عیسویة من الاسم المصور والسماء الثالثة ومنزلة الغفر وحرف الراء
ذکرنا علاقة المحصی بالکتابة . والکتابة تصویر للحروف : الحروف الرقمیة فی قرطاس ، والحروف اللفظیة فی الهواء ، والحروف الخیالیة فی الخیال والحروف الکونیة فی کتاب الوجود الکبیر .
فظهور المحصی یستلزم ظهور الاسم المصور فله المرتبة 15 وبتوجهه وجدت حضرة التصویر فی الدنیا وهی السماء الثالثة وکوکبها الأزهر : الزهرة وقطبها المخلوق فی أجمل صورة یوسف علیه السلام ولها لیلة الثلاثاء ونهار الجمعة أحسن الأیام الذی خلق اللّه فیه الإنسان فی أحسن تقویم .
لهذا افتتح هذا الفص بتصویر عیسى فی بطن أمه وکل الباب یدور حول مفهوم ومعانی
الصورة فتکررت فیه کلمة : صورة أکثر من ثلاثین مرة .
یقول الشیخ عن هذا التوجه للاسم المصور : " وکان ظهور ذلک فی منزلة الغفر وأوحی فیها إظهار صور الأرواح والأجسام والعلوم فی العالم العنصری .
وعنها ظهر حرف الراء " . . . والراء من أنسب الحروف للمصور لأنه حرف الرؤیة التی بها یتم شهود الصور وهو الحرف المکرر والصور تتکرر فی کل آن مختلفة على نفس العین .
وفی القرآن کثیرا ما یقترن التصویر بالحسن کقوله تعالى :" وَصَوَّرَکُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَکُمْ" ( غافر ، 64 ) ، . . .
ولاقتران البصر برؤیة الصور فی هذه السماء الیوسفیة نجد الشیخ فی کتاب العبادلة یخصص بابا عنوانه : " عبد اللّه بن یوسف بن عبد البصیر " . .
وأقرب الأنبیاء نسبة إلى حضرة التصویر الزهرائیة هو عیسى علیه السلام لأنه خلق من تصور جبریل إلى مریم ونفخه فیها فکان یصور من الطین کهیئة الطیر وینفخ فیه فیکون طائرا بإذن اللّه تعالى ، ولهذا سرى سلطان اسمه تعالى المصور فی المسیحیین فصوروا فی کنائسهم التصاویر وظهرت فی صناعاتهم عجائب التصویر کما ذکره الشیخ فی الباب 36 من الفتوحات .
وفی کتاب العبادلة نجد العنوان : " عبد اللّه بن عبد اللّه بن عبد المصور " یعنی بعبد اللّه عیسى الذی قال :"إِنِّی عَبْدُ اللَّهِ آتانِیَ الْکِتابَ وَجَعَلَنِی نَبِیًّا"( مریم ، 30 ) لهذا کانت حکمة فصه نبویة فبدأت نبوته بولادته.
وکلمة " نبویة " مشتقة من نبأ ینبو أی ارتفع وعلا لأنه رفع إلى السماء وخص بولادة من نفخ جبریل وخص بختام دورة الملک السابقة والممهدة للدورة المحمدیة کما خص بختمه الولایة العامة عند نزوله آخر الزمان کمقرر للشرع المحمدی .
فیکون کما قال عنه الشیخ فی الباب " 480 فتوحلت " " من الفائزین برؤیة الحق تعالى فی الصورة المحمدیة بالرؤیة المحمدیة " ، وهی أشرف رؤیة وأکملها . . .
ولهذا جمعت مرتبة هذا الباب الکلمتین العیسویة والمحمدیة حسبما أشار الیه فی أواخر الفص عند قوله : " ثم قال کلمة عیسویة محمدیة . . . " لا سیما وأن لهذه السماء الیوسفیة الزهرائیة یوم الجمعة المخصوص بالأمة المحمدیة . . .
وهی أیضا سماء الجمال والزینة والنکاح فذکر فی هذا الفص أصناف النکاح الروحانی والبشری والطبیعی والعنصری . . .
وفی أواخره کرر کلمات ستر وحجب وغفر وغیب ومشتقاتها وهذا مناسب لاسم المنزلة الفلکیة لهذا الباب أی منزلة الغفر فی برج المیزان ، وهو البرج المناسب للیل الغیب فی مقابلة برج الحمل المناسب لنهار الظهور الربیعی . . .
وقد بین الشیخ فی الباب " 12 ف " أن بعثة رسول اللّه صلى اللّه علیه وسلم کانت عند مطلع حکم المیزان ، کما حقق بعض الفلکیین أن مولده صلى اللّه علیه وسلم کان عند طلوع الغفر من برج المیزان ودخول الشمس درجة شرفها من برج الحمل . . .
فمنزلة الغفر جامعة للکلمتین المحمدیة والعیسویة . . .
وفی الفص مقارنة بدیعة بین کیفیة خلق عیسى بالنفخ الجبریلی فی مریم وخلق العالم الطبیعی بنفخ الروح الکلی فی الصور الطبیعیة وأول مولود کان الشکل الکلی فی صورة الجسم الکلی المحیط . . .
ومن هذه العلاقة تکلم فی هذا الفص عن الطبیعة المناسبة لمریم ، کما تکررت فیه کلمة حکمة ومشتقاتها لأن الاسم المتوجه على إیجاد الشکل الکلی هو الحکیم ، وفصه فص إسحاق علیه السلام
. . . فالبدایة بالحکمة والنهایة بالصورة فکان إسحاق والد إسرائیل ومدده من الاسم الحکیم ، وکان عیسى خاتم رسل بنی إسرائیل ومدده من الاسم المصور مبشرا بإتیان کمال الصورة الأحمدیة . . .
ومن هذه العلاقة بین حکمة إسحاق وصورة عیسى نجد الشیخ یکثر من الشعر فی فصیهما . ففیهما من الأبیات أکثر من جمیع الأبواب الأخرى : ففی فص إسحاق :
27 بیتا وفی فص عیسى 25 بیتا ،
وسبب هذا أن الشعراء یستمدون من هذه السماء الثالثة حسب ما ذکره الشیخ فی عدة مواضع لأنها سماء الخیال والحسن وجمال التصویر کما سبق ذکره .
والشعر کلام مقید بشکل الوزن والقافیة ، فهو تحت حکم الاسمین : الحکیم و المصور
وهذه السماء الثالثة هی سماء الخیال والمرائی فی النوم وإلیها أشار فی قوله :
والعلم بالبرهان فی ..... سلخ النهار لمن نعس
فیرى الذی قد قلته ..... رؤیا تدل على النفس
وفی الفصوص 19 بابا تحتوی على أبیات شعر مجموعها 132 .
والعدد 132 هو عدد اسم ( محمد ) - باعتبار تضعیف المیم - أو عدد ( اللّه اللّه ) أو عدد ( إسلام ) أو عدد ( قلب ) .
وإذا کان لهذه السماء بنفسها العیسوی وروحها الیوسفی إمداد الشعراء فللسماء التی تحتها أسماء الکاتب بنفسها السلیمانی وروحها العیسوی إمداد الکتاب والخطباء .
وکتمهید للدخول لفصها تکلم الشیخ فی آخر هذا الباب عن النطق والإجابة واللسان والسمع . . .
وحضرة النطق من أنسب الحضرات لسلیمان الذی قال :"عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّیْرِ"(النمل ، 16).
15 - سورة فص حکمة نبویة فی کلمة عیسویة
صرح الشیخ فی کتابه " التنزلات الموصلیة " أن صلاة العصر هی الصلاة الوسطى البرزخیة المخصوصة بالکمال لاعتدال ظهور الشمس فی وقتها .
وذکر أنها تناسب عیسى علیه السلام فی سمائه الثانیة سماء الاعتدال والوسطیة لأنها سماء المزج تجتمع فیها کل الطبائع کامتزاج عیسى من الروحانیة الجبریلیة والبشریة المریمیة . ولکوکبها الکاتب نهار الأربعاء أوسط الأیام إذ قبله ثلاثة الأحد أولها وبعده ثلاثة السبت آخرها . . .
کذلک فی الباب " 281 " من الفتوحات المخصوص بسورة " العصر " یصرح الشیخ بأن صلاة العصر هی الصلاة الوسطى وهی أنسب الصلوات للإنسان الکامل المعصور من تقابل ذات عبد مطلق مع ذات حق مطلق فقال :
صلاة العصر لیس لها نظیر ...... لنظم الشمل فیها بالحبیب
هی الوسطى لأمر فیه دور ...... محصلة على أمر عجیب
وفی الباب " 22 " من الفتوحات أشار لسورة العصر بمنزل الصلاة الوسطى . ومن الاتفاق أن عدد کلمة " عصر " هو .
360 المشیر لکمال درجات الدور المذکور فی البیت السابق وهو عدد کلمة : ( لعمرک ) من الآیة 72 من سورة الحجر .
والعدد الصغیر لکل منهما هو 18 أی عدد اسمه تعالى : ( حی ) . فعمر النبی صلى اللّه علیه وسلم هو العصر الحی المقسم به .
وبدأ الباب بذکر عیسى علیه السلام وقارن قوله بقول سیدنا محمد صلى اللّه علیه وسلم فی شأن الصدقة ، إشارة إلى أن مرتبة العصر الوسطى الکمالیة مشترکة بینهما وهو عین ما ذکره فی أواخر هذا الفص بدءا من قوله : " کلمة عیسویة محمدیة " . . .
فسورة هذا الفص هی سورة " العصر " . والاسم الحاکم علیه " المصور " وفی ذلک الباب " 281 " ذکر الشیخ إسرافیل علیه السلام لعلاقته مع عیسى علیه السلام إذ کلاهما یحیی الصور بالنفخ بإذن اللّه تعالى ولهذا یقول الشیخ فی الباب " 73 " أن کل ولی على قدم عیسى فهو على قالب إسرافیل . . .
وجل هذا الفص مداره حول سر النفخ وحیاته بروح اللّه تعالى .
وقول الشیخ : " فتارة یکون الحق فیه متوهما - اسم مفعول - وتارة یکون الملک فیه متوهما . . . . . فبعض العارفین یذهب إلى الطرف الواحد ، وبعضهم إلى الطرف الآخر ، وبعضهم یحار فی الأمر ولا یدری . . . " هذا مناسب للاختلاف والحیرة الواقعة بین الفقهاء فی مسألة تحدید بدایة ونهایة صلاة العصر وقد فصلها تفصیلا واسعا فی الوصل الخاص بوقت صلاة العصر من باب الصلاة أی الباب " 69 " من الفتوحات .
وفی آخره تکلم عن نور الهدایة الإلهیة والنور المطلق وهو نظیر کلامه فی هذا الفص على الحیاة الإلهیة العلمیة النوریة التی قال اللّه فیها
"أوَمَنْ کانَ مَیْتاً فَأَحْیَیْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً یَمْشِی بِهِ فِی النَّاسِ" ( الأنعام ، 122 ) والحیرة فی وقت صلاة العصر هی نفس الحیرة الواقعة فی تحدید مفهوم معنى " العصر " أی الوقت أو زمان الآن الحاضر فهو کالنقطة المتوهمة بین ماض انعدم ومستقبل معدوم فمثله مثل الإنیة الشخصیة الوهمیة الظاهرة بین اسمه تعالى " الأول " واسمه " الآخر " ولهذا عبر الشیخ فی کتابه " مشاهد الأسرار " عن العبد بأنه العدم الظاهر .
ثم إن الحیرة متعلقة بالتنزیه وهو ما شرحه الشیخ فی باب منزل سورة " العصر " - الباب 281 " - حیث یقول عن صلاة العصر : " فقربت من التنزیه عن تقیید الحدود فعظم قدرها النبی صلى اللّه علیه وسلم للمناسبة فی نفی تحقیق الحدود . . . "
ومن هذا الأصل حارت النصاری فی طبیعة عیسى بن مریم علیهما السلام فاختلطت بین طوائفهم الحدود بین اللاهوت والناسوت ولهذا ختم الشیخ هذا الفص بکلام بدیع حول حوار عیسى والحق تعالى یوم القیامة فی شأنهم . . . .
علاقة هذا الفص بلاحقه
تکلم الشیخ فی هذا الفص عن کلمة " کن " المتحقق بها عیسى علیه السلام ، وهی کالبسملة للعارف إذا أراد التکوین .
فافتتح فص سلیمان الموالی بالکلام عن البسملة ، ونسب حکمته للاسم " الرحمن " وفی هذا الفص توسع الشیخ فی الکلام عن النفس لأن نفس عیسى من نفس الرحمن الحاکم على فص سلیمان .
وفی أواخر هذا الفص تکررت کلمة " شهید ومشهود " کتمهید للدخول إلى سورة فص سلیمان ، أی الهمزة التی فی وسطها کلمة الاطلاع على الأفئدة - والهمزة تتلو العصر کتتالی فصیهما . وختم الفص بالکلام عن النطق الذی به افتتحت سورة الهمزة :" وَیْلٌ لِکُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ " ومن النطق الهمز واللمز .
وقال سلیمان : " علمنا منطق الطیر " - الآیة 16 من النمل .
تم بحمد الله وفضله