عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة الرابعة والعشرون :

   

کتاب المفاتیح الوجودیة والقرآنیة لفصوص الحکم عبد الباقی مفتاح 1417هـ :

16 - فص رحمانیة فی کلمة سلیمانیة

المرتبة 16 : لفص حکمة رحمانیة فی کلمة سلیمانیة من الاسم المحصی وسماء الکاتب وحرف الطاء ومنزلة الزبانا

المبین المتین هو الذی به تتمیز الأشیاء بقبضها فی حدودها . ولا تتمیز الأشیاء إلا بمعرفة کیفیاتها وکمیاتها وهذا یستلزم ظهور الاسم المحصی.

فله الرتبة 16 قال تعالى :وَأَحْصى کُلَّ شَیْءٍ عَدَداً( الجن ، 28 ) ،

وقال عن الکتاب :لا یُغادِرُ صَغِیرَةً وَلا کَبِیرَةً إِلَّا أَحْصاها( الکهف ، 49 ) ،

وقال عن اللوح المحفوظ :وَکُلَّ شَیْءٍ أَحْصَیْناهُ فِی إِمامٍ مُبِینٍ( یس ، 12 ) ،

وقال :وَکُلَّ شَیْءٍ أَحْصَیْناهُ کِتاباً( النبأ ، 29 ) ، والمحصی هو المتوجه على إیجاد السماء الثانیة وکوکبها المسمى الکاتب ، للعلاقة بین وظیفة الکاتب وفعل الإحصاء لأن الکاتب هو الذی یحصی الحروف ویجمعها ولهذا فإن الخطباء والکتاب یستمدون من هذه السماء حسب ما نبه علیه الشیخ فی عدة مواضع .

ولهذا نجده فی حضرة الإحصاء من الباب 558 من الفتوحات یقول :

( وهذا مقام کاتب صاحب الدیوان کاتب الحضرة الإلهیة وهذا الکتاب هو الإمام المبین. . إلخ) .

ولیلة هذا الکوکب هی لیلة الأحد ونهاره الأربعاء ، وقطب هذه السماء عیسى ومعه یحیى علیهما السلام وأنسب الأنبیاء لنفسها الرحمانی سلیمان علیه السلام ولهذا جعل فصه لمرتبتها . فما السر فی تطابق نفس سلیمان مع عیسى فی سماء الکتابة ؟

الجواب - واللّه أعلم - هو سر الجمعیة من الاسم المحصی .

 

فلروح اللّه عیسى - مثل إسرافیل نافخ الأرواح ، ومثل الإمام المبین معدن النفوس - رقائق ممتدة إلى جمیع الحضرات .

وکذلک هذه السماء الثانیة تتمیز عن السماوات الأخرى بکونها حضرة الجمع لکل ما تفرق فی غیرها لاستمداد وجودها من جمعیة المحصی التی تستلزم الإحاطة .

وأخو المحصی من الأسماء هو الاسم المحیط کما ذکره الشیخ فی حضرة الإحصاء من الباب 558 حیث یقول : ( یدعى صاحبها

عبد المحصی وهی حضرة الإحاطة أو أختها لا بل هی أختها لا عینها قال تعالى :وَأَحاطَ بِما لَدَیْهِمْ وَأَحْصى کُلَّ شَیْءٍ عَدَداً( الجن ، 28 ) ، وأنسب الأنبیاء لهذه الحضرة هو عیسى من حیث روحه وسلیمان من حیث نفسه لأن عیسى ممتزج النشأة بین روحانیة جبریل النافخ فی أمه وبشریة مریم علیهم السلام .

وإلیه انتهى نفس الرسالة فی دورة الملک التی مهدت لظهور الرسول الخاتم صلى اللّه علیه وسلم . وإلى عیسى أیضا ینتهی نفس الولایة العامة آخر الزمان عند نزوله فی مقام القربة من الأمة المحمدیة .

 

فهو جامع لمراتب الروحانیة والبشریة والرسالة والولایة ومن جمعیته بالحق تعالى أحیا الموتى بإذن اللّه الذی رفعه إلیه وأسکنه السماء الثانیة التی یسمیها الفلکیون سماء المزج لأنها جامعة لکل الطبائع والأوصاف فهی ناریة هوائیة مائیة ترابیة وکوکبها لیلی نهاری ینقلب مع کل أمر حسب وصفه وهو أیضا ذکر وأنثى حسب تقسیم الکواکب والبروج إلى مذکر ومؤنث .

وأما سلیمان فقد ظهر علیه الاسم المحصی حسا ومعنى ظاهرا وباطنا وعبر عن ذلک هو نفسه فی قول القرآن :وَقالَ یا أَیُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّیْرِ وَأُوتِینا مِنْ کُلِّ شَیْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِینُ( النمل ، 16 ) .

قال المفسرون فی قوله وَأُوتِینا مِنْ کُلِّ شَیْءٍ أی من کل ما یحتاج الملک إلیه من العدد والآلات والجنود والجیوش والجماعات من الجن والإنس والطیور والوحوش والریاح والشیاطین والعلوم والفهوم والتعبیر عن ضمائر المخلوقات من الناطقات والصامتات.

فأحصى سلیمان فی ملکه ما لم یؤت أحد بعده مثله من حیث الظهور به .

وهذا ما أکده الشیخ داخل هذا الفص .

ومن سر جمعیة المحصی سمی کوکب هذه السماء الکاتب ومعنى کتب فی اللغة جمع وضم ، فسمی الکتاب کتابا لجمعه أنواعا من الجمل التی تضم کلمات وحروفا

 وسمیت جماعة الجنود المنظمة کتیبة . . . والمنزلة الفلکیة لهذه المرتبة هی الزبانا وسط برج المیزان . والمیزان هو آلة الإحصاء .

والزبن فی اللغة الدفع والضم والجمع ولها حرف الطاء الذی عدده تسعة آخر الآحاد فهو أنسب الأعداد للإحصاء والإحاطة .

والفلک التاسع هو المحیط العرشی وإلى إحصائه وإحاطته یشیر الشیخ فی تعریف حرف الطاء فی الباب 2 من الفتوحات :

فی الطاء خمسة أسرار مخبأة  ... منها حقیقة عین الملک فی الملک

والحق فی الحق والأسرار نائبة ... والنور فی النار والإنسان فی الملک

فهذه خمسة مهما کلفت بها ...  علمت أن وجود الفلک فی الفلک

وقد اقترن سلیمان بالکتاب فی سورة النمل الآیة 28

"اذْهَبْ بِکِتابِی هذا فَأَلْقِهْ إِلَیْهِمْ " وصاحبه الذی عنده علم من الکتاب أتى بعرش بلقیس قبل ارتداد الطرف .

ولهذا استفتح الشیخ هذا الباب بالکلام على الکتاب السلیمانی الذی فاتحته البسملة الجامعة لأسرار القرآن الجامع والجامعة لرحمتی الوجوب والامتنان .

ولهذا نسب الشیخ هذا الفص إلى الحکمة الرحمانیة لتحقق سلیمان کمال التحقق برحمانیة البسملة :" إِنَّهُ مِنْ سُلَیْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ " ( النمل ، 28 ) ، وباسمه الرحمن استوى الحق تعالى على العرش المحیط .

والاسم المحیط أخو المحصی هو المتوجة على إیجاد العرش .

فمن هذه العلاقة : " محیط - عرش - رحمان - بسملة - سلیمان - محصی " کانت حکمة سلیمان رحمانیة فأسبغ اللّه علیه الرحمة المعنویة والحسیة وخصه بأنواع الرحمات العامة والخاصة الذاتیة والصفاتیة وسخر له العوالم برحمته فهو " النعمة السابغة والحجة البالغة والضربة الدامغة " واستواء سلیمان على عرش ملکه یلوح لاستواء الرحمان على العرش العظیم .

ومن أتم مظاهر نفس الرحمن فی عالم الإنسان کلمة اللّه عیسى قطب هذه السماء . . .

فجاءت حکمة سلیمان رحمانیة لکمال ظهوره بالتحقق بالاستواء العرشی وظهرت رحمة البسملة السلیمانیة فی بلقیس حین أسلمت مع سلیمان للّه رب العالمین .

فکما جمع کوکب عطارد الکاتب بین الأنوثة والذکورة جمع هذا الفص عرش بلقیس مع عرش سلیمان .

 

وذکر الشیخ للعرش فیه إشارة لعلاقة هذا الفص بالاسمین " المحیط المحصی " .

وأکد هذه الإشارة بذکره للأعضاء الثمانیة تلویحا لحملة العرش الثمانیة .

وفلک هذه السماء هو الثامن بدءا من الفلک الأطلس ونزولا منه

ولهذا فإن علماء الحروف والأوفاق یخصون کوکب الکاتب بالوفق المثمن ویوم الأربعاء .

ثم ذکر الشیخ أن للکتابة مظهرها الإلهی فأورد الآیة :" کَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ " ( الأنعام ، 12 ) ، وتکلم على الفرق بین تصرف الجن والأنس وعلى تمثل المعانی صورا فی عالم المثال کتمثل العلم لبنا لأن من الأمور المخصوصة بهذه السماء سر التصریف فی الروحانیات واستنزالها والتحکم فی الجن وتسخیرهم وحقیقة الخیال المنفصل والمتصل وکل ما یتصل بالتمثیل الحقیقی والوهمی والبرزخی وعلوم السحر والسیمیاء والتصرف بالحروف والکلمات .

 

وهذا العلم أی علم أسرار الحروف هو من العلوم السلیمانیة والعیسویة کما ذکره الشیخ فی الباب 20 من الفتوحات لأن عیسى کلمة اللّه فکان یقول للشیء کن فیکون بإذن اللّه .

وکن عند العارف السلیمانی هی عین بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ کما ذکره الشیخ فی الباب 288 من الفتوحات .

 

ومما یؤکد مرة أخرى أن لسلیمان حضرة الإحصاء الجامعة ما قاله الشیخ فی تسخیر الریح له فهی تجری بأمره من غیر جمعیة ولا همة بل بمجرد الأمر .

فهو لا یحتاج إلى جمعیة لأنه هو عین الجمعیة .

والذی هو متفرق فی الفرق هو الذی تلزمه الجمعیة . . . ولهذا أکثر الشیخ من ذکر کلمات مشتقة من " جمع " فی هذا الفص فقال : " فعلمنا أنه ما اختص إلا بالمجموع من ذلک . . . وقد یختص بالمجموع والظهور . . . کالآیة الجامعة للنفی والإثبات . . . نعرف أن أجرام العالم تنفعل لهمم النفوس إذا أقیمت مقام الجمعیة . . . " .

 

وإذا کان لسلیمان الإحصاء والجمع وبسملة القرآن ، فلوالده داود صاحب الفص المجاور التفرقة والإبانة ومنازل الفرقان فی سماء القمر الآدمیة بمنازلها الثمانیة والعشرین فجاءت حروف سلیمان مجتمعة وحروف داود متفرقة فالفصان متکاملان تکامل الحکم والعلم والفهم وتکامل الوجود الفرقانی الداودی والجمع القرآنی السلیمانی .

 

وهو ما جمعه الکامل المحمدی فی قوله فی هذا الفص : " فأعطیت هذه الأمة المحمدیة رتبة سلیمان علیه السلام فی الحکم ورتبة داود علیه السلام .

فما أفضلها من أمة " . . . وختم بالمقارنة بین المطلب السلیمانی والمطلب المحمدی وهما الملک والعلم وتکلم على الزیادة فی العلم وفی عدة مواضع من الفتوحات یشبه الزیادة من العلم باللّه تعالى ومنازله بزیادة نور القمر

وفی هذا إشارة وتمهید للدخول لفص سماء القمر الداودی .

 

16- سورة فص سلیمان علیه السلام

هی سورة الهمزة التی لها الباب " 280 " فی الفتوحات وبدأ الکلام فیه عن مسألة الغنى .

هذا الغنى الذی ظهر به على الکمال سلیمان علیه السلام .

والغنى بالمال هو المذکور فی آیة الهمزة :الَّذِی جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ( الهمزة ، 2 ) فکلمة " عدده " مناسبة للاسم " المحصی " الحاکم على هذا الفص .

کما أن کلمة " جمع " مناسب لکلام الشیخ عن الجمعیة ، کما أن کلامه حول طلب النبی صلى اللّه علیه الزیادة من العلم وطلب سلیمان الملک الذی لا ینبغی لأحد من بعده مطابق تماما لما ذکره فی الباب " 280 " المذکور أعلاه " ج ص 612 " .

وفی الفص کلام عن الحساب والمحاسبة مناسب للاسم المحصی ولآیة "یَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ( الهمزة ، 3 )

وقوله فی آخر الفص : " لرأیت أمرا یهولک الاطلاع علیه " یشیر إلى أول السورة وآخرها :وَیْلٌ. . .نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ( 6 ) الَّتِی تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ( 7 ) إِنَّها عَلَیْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ( 8 ) فِی عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ( الهمزة : 1 - 9 ) .

 

علاقة هذا الفص بسابقة ولاحقه

الرابطة بین هذا الفص وسابقه العیسوی تتمثل فی الکلام عن جبریل الذی تمثل لمریم علیهما السلام ، وعن الخیال وتأویل المرائی ، وکل ذلک تابع للسماء الثالثة التی لها فص عیسى علیه السلام .

- وختم الفص بجزاء یوم الدین الذی هو فاتحة سورة فص داود الموالی أی سورة الماعون الآیة ( 1 ) :أَرَأَیْتَ الَّذِی یُکَذِّبُ بِالدِّینِ وکل من سورتی الهمزة والماعون تشترکان فی کلمة " ویل " المتوجهة على البخلاء .17 :

فالأولیاء بالنسبة للمریدین وعامة الناس امرهم کله غرابا.