عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة العشرون :


کتاب المفاتیح الوجودیة والقرآنیة لفصوص الحکم عبد الباقی مفتاح 1417هـ :

17 - فص حکمة وجودیة فی کلمة داودیة 

المرتبة 17: لفص حکمة وجودیة فی کلمة داودیة من الاسمین المبین والمتین وسماء القمر وحرف الدال ومنزلة الإکلیل

 القابض هو الذی یجعل حدا معینا للمقبوض علیه . فبالقابض تتبین الحدود فتتمیز المراتب إذ أن لکل مرتبة قیود تقبضها فی حدودها لتتمیز .

أی أن الاسم القابض یستلزم ظهور الاسم المبین الذی به تتبین حقائق الأشیاء متمیزة عن بعضها البعض ، کما یستلزم ظهور الاسم المتین لأن الإبانة من مظاهر المتانة ، ولا معنى للقبض بدون متانة أی أن لا بقاء للمقبوض فی القبضة إن لم یکن القابض متینا .

فلهذا کان للمتین المرتبة 17 . وهو المتوجه على إیجاد السماء الدنیا وکوکبها القمر وفلکه ولیلته لیلة الجمعة ونهار الاثنین وحرف الدال ومنزلة الإکلیل .

وقطب هذه السماء آدم علیه السلام . .

وللسماء علاقة بالمتین إذ أنها سقف مرفوع یستلزم قوة ، قال تعالى :" وَالسَّماءَ بَنَیْناها بِأَیْدٍ" ( الذاریات ، 147 ) ،

أی بقوة کقوله تعالى :" داوُدَ ذَا الْأَیْدِ " ( ص ، 17 ) أی صاحب القوة .

ولهذا فإن أنسب الأنبیاء لهذه المرتبة هو داود علیه السلام صاحب الکلمة الوجودیة .

 

کذلک فللقمر علاقة بالمبین والمتین لأن القرآن وصف القمر بأنه نور وأهم صفة للنور التبیین والمتانة إذ لا قاهر للظلمات إلا النور رغم لطافته ، وقد قرن الحق تعالى النور الحق بالمبین فقال فی الآیة 25 من سورة النور " :" وَیَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِینُ " وفی الآیة 15 من المائدة :" قَدْ جاءَکُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَکِتابٌ مُبِینٌ".

والمتین کما یعرفه الشیخ فی حضرة المتانة من الباب 559 من الفتوحات - هو الثابت الذی لا تتغیر عینه رغم تنوع صوره وتجلیاته وآثاره فهو کالنور . . .

وعلاقة الثبات بداود تظهر فی الرمزیة الحرفیة التی فصلها الشیخ فی الباب 463 من الفتوحات خلال کلامه عن القطب الذی على قدم داود فیقول عنه : ( وماله علم یتقدم فیه على غیره إلا علم ثبوت المحبة الإلهیة والکونیة ولهذا کان فی مقام التفرقة )

 . . . ( یقول هذا القطب أن الحب ما ثبت وکل حب یزول فلیس بحب . . . إلخ )

وفی اسم داود کلمة : ( ود ) وهو ثبوت الحب ولهذا نجد فی کتاب العبادلة عنوانا هو : ( عبد اللّه ابن داود بن عبد الودود ) . . .

ولمقامه فی التفرقة صلة بالمبین إذ الإبانة تمییز وتفریق .

ولحاله فی الحب والتفرقة خوطب بقوله تعالى : " تَتَّبِعِ الْهَوى فَیُضِلَّکَ عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ "( ص ، 26)

 ومن الإبانة عن نعم اللّه الشکر ولهذا نجد فی کتاب " العبادلة " عنوانا هو " عبد اللّه بن عبد الشکور ابن داود " لقوله تعالى :" اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُکْراً " ( سبأ ، 13 ) .

ولهذا تکلم الشیخ فی هذا الفص عن الشکر والزیادة التی تنتج عنه . . . ومن المتین تکلم عن الشدة التی تمیز بها داود وظهرت فی آیات منها " وَشَدَدْنا مُلْکَهُ " ( ص ، 20 ) .

"وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِیدَ " ( سبأ ، 10 ) . " وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ " ( البقرة ، 251 ) .

فقال الشیخ : ( وأعطاه القوة ونعته بها ) أی من اسمه المتین .

وأعطاه الحکمة وفصل الخطاب أی من اسمه المبین .

ثم المنة الکبرى والمکانة الزلفى التی خصه اللّه بها التنصیص على خلافته .

ولهذه المرتبة فلک القمر خلیفة الشمس وروح آدم خلیفة الحق تعالى .

وبین آدم وداود علاقات کثیرة جلها تستمد من الاسمین المبین المتین . فمن المبین خص کلاهما بکمال النطق وحسنه .

ولذلک جعل الشیخ فی الباب 73 من الفتوحات داود قطب عالم الأنفاس من الأولیاء أصحاب العدد الثابت ویعنی بعالم الأنفاس عالم الحروف اللفظیة . . .

وأول من تلفظ بها هو آدم علیه السلام قال تعالى : " الرَّحْمنُ ( 1 ) عَلَّمَ الْقُرْآنَ ( 2 ) خَلَقَ الْإِنْسانَ ( 3 ) عَلَّمَهُ الْبَیانَ " ( الرحمن ، 1 - 4 ) ، فلکون الإنسان خلق على صورة الرحمن کان نفسه الظاهر بالحروف مثلا کاملا لنفس الرحمن الظاهر بمراتب الوجود الثمانیة والعشرین المناسبة لمنازل القمر ، لکل منزلة حرف . . .

 

ومن الاسم المبین أیضا کان لکل من آدم وداود مقام التفرقة ، حتى إن الشیخ رمز لاسم آدم فی الباب 14 من الفتوحات باسم :

المفرق أی الذی منه تفرقت الذریة وبوجوده تبینت المراتب وتمیزت درجات السعداء ودرکات الأشقیاء کما تبینت أسماء إلهیة بآثارها التی لا ظهور لها إلا فی الإنسان کاسمه تعالى : الجامع . . .

فبسریان نور الظهور فی حضرات الأسماء تبینت مراتب الوجود فی النفس الرحمانی ، وبسریان القمر فی دائرة الفلک تبینت المنازل الفلکیة وبسریان الهواء عبر مخارج الحروف من نفس الإنسان تبینت الحروف . . .

ومن هذه التفرقة کانت حروف آدم وداود مفترقة .

 

وقد خصص الشیخ لرمزیة حروفهما الباب 515 من الفتوحات

وقارن بینها وبین حروف محمد صلى اللّه علیه وسلم لاشتراکهم فی الخلافة المنصوص علیها فی القرآن فلآدم : "إِنِّی جاعِلٌ فِی الْأَرْضِ خَلِیفَةً " ( البقرة ، 30 ) " وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ کُلَّها "( البقرة ، 31 ) .

ولداود : " یا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناکَ خَلِیفَةً فِی الْأَرْضِ " ( ص ، 26 ).

" وَآتَیْناهُ الْحِکْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ " ( ص ، 20 ) .

ولمحمد صلى اللّه علیه وآله وسلم : " إِنَّ الَّذِینَ یُبایِعُونَکَ إِنَّما یُبایِعُونَ اللَّهَ " ( الفتح ، 10 ) ،" "وَما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوى ( 3 ) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْیٌ یُوحى" ( النجم ، 3 - 4 ) ،

وقوله صلى اللّه علیه وسلم :  أوتیت جوامع الکلم .

فانظر کیف قرن " شَدِیدُ الْقُوى " ( النجم ، 5 ) ، بالنطق لصلة المتین بالمبین . . .

ولا شک أن الخلافة تستلزم المتانة أی الشدة ولهذه الشدة التی ظهرت على داود کان اسمه الخاص به " عبد الملک " حسب ما ذکره الشیخ فی الباب 270 من الفتوحات .

ومن المتین ظهر على لسان آدم ذکر :

لا حول ولا قوة إلا باللّه وهو الهجیر الذی یستمد منه قلب کل خلیفة لأنه قلب الأذکار

حسب ما ذکره الشیخ فی الباب 466 .

وهو الذکر الذی علمه آدم للملائکة لیذکروه خلال الطواف بالکعبة .

ولأنه هو الذکر الذی علمه الملک من حملة العرش الأربعة الذی هو على صورة آدم ، علمه لبقیة الحملة فأستطاعوا به حمل العرش حسب ما ذکره الشیخ فی الباب 476 من الفتوحات.

 

وأما وصف حکمة هذا الفص بالوجودیة فلعلاقة داود بالوجد والوجود .

فمن شدة وجده کان یسری حاله فی ما یحیط به من أکوان فتسبح بتسبیحه الطیر والجبال . . .

ثم إنه کما کملت مراتب الوجود بالإنسان فکذلک کملت مراتب الإنسان بالنطق والخلافة اللذین ظهر بهما على الکمال داود .

أی أنه بالکلمة الداودیة تمت مراتب الوجود فی الإنسان ، فحکمته وجودیة .

والوجود فرقان لأن الخلیفة لا یمکن له التصرف إلا فی مقام التفرقة بخلاف الجمع الذی هو قرآن . . .

والمحمدی هو صاحب الجمع والوجود لتحققه بالقرآن والفرقان فی عین العین

 وللخلیفة المشیئة التی یسمیها الشیخ أحیانا بالوجود . . .

لکل هذه الاعتبارات تکلم الشیخ فی هذا الفص عن الشکر وعن حروف الأسماء وعن الشدة والحدید والدروع وعن الخلافة والهوى والمشیئة .

 

وختم الفص بتلیین النار للحدید وفی هذا إشارتان :

الأولى : علاقة هذه السماء القمریة ذات النفس الداودی والروح الآدمی وبیان الحروف وشدة المتین ، علاقتها بالسماء الخامسة حیث روح هارون علیه السلام صاحب الفصاحة من الاسم المبین کما وصفه أخوه موسى علیه السلام :و " َأَخِی هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّی لِساناً " ( القصص ، 34 ) ، وسماؤه بکوکبها الأحمر لها طبع النار ومعدن الحدید وهی سماء الحرب والجهاد  .

وکان داود مجاهدا صانعا للحدید حتى سماه الشیخ فی الباب 14 من الفتوحات بالصانع . . . ویسمی الشیخ سماء هارون أحیانا بسماء الخلافة لأن هارون کان خلیفة موسى علیه السلام.

 

الثانیة : فی ذکر الشیخ للنار فی آخر هذا الفص وللاسمین المنتقم الرحیم ، تمهید للدخول فی الفص 18 الموالی الموافق لمرتبة النار فی فص یونس علیه السلام .

 

وهذه هی عادة الشیخ اللطیفة فی التمهید آخر کل باب للباب الموالی لإظهار الارتباط الوثیق والتسلسل المحکم البدیع لمراتب الوجود .

وأما حرف هذه المرتبة فهو الدال الذی هو بدایة ونهایة داود وقلب آدم .

 

وهو حرف الثبات والشدة لاستمداده من الاسم المتین وله عدد الثبات أی الأربعة التی بها قیام کل نشأة . . .

فالدال من الحروف المجهورة الشدیدة المنفتحة المنسفلة ، وهو من حروف اسم الذات المقدسة لعدم اتصاله بالحروف . . .

وله منزلة الإکلیل التی ثلثها الأول فی برج المیزان الهوائی وثلثاها الباقیان لبرج العقرب المائی فالغالب علیها الرطوبة کسماء القمر . . .

ومعنى الإکلیل التاج أو ما یوضع على الرأس فهو مناسب لمعنى الرئاسة والخلافة . . .

 

ولعلاقة الدال بالتربیع ذکر الشیخ فی الفصل 27 من الباب 198 المناسب لهذه المرتبة أنه خلال تقییده رأى واقعة مدارها حول العدد أربعة .

 

فالرؤیة وقعت فی اللیلة الرابعة من شهر ربیع الآخر لیلة الأربعاء عام 627 هـ - أی خلال کتابته للفصوص - فرأى ظاهر الهویة وباطنها فی بساط نور فی طبقات أربع من حیث شکلها وفی طبقات أربع من حیث روحها . . .

 

وفی هذا الفصل بین علاقة الحروف المقطعة فی أوائل السور بمنازل القمر وکیفیة العمل بها کما بین علاقة الحروف اللفظیة بملائکتها ومراتبها الوجودیة ،

وفصل مکانة الآدمی فی الوجود وأن الخلیفة هو الکلمة الجامعة وله من القوة بحیث أنه ینظر فی النظرة الواحدة إلى الحضرتین الإلهیة والکونیة فیتلقى من الحق ویلقی إلى الخلق کما یتلقى القمر النور من الشمس لیلقیه على الأرض .


17 - سورة فص داود علیه السلام

سورة هذا الفص هی " الماعون " التی مدارها حول أوصاف المکذب بالدین فبدأ الفص بذکر الوهب والجزاء ، والجزاء بعد الحساب من معانی کلمة الدین .

ولهذا بدأ الشیخ الباب 277 فی الفتوحات وهو منزل سورة الماعون بقوله : " . . . إن العلم بالجزاء عن نور الإیمان لا عن نور العقل . . . " .

وجل الفص مداره حول الخلافة والرسالة والاجتهاد وکلها تابعة للقیام بالدین . . .

ومن معانی کلمة " الدین " الانقیاد" ، فذکر انقیاد الخلق لحکم الخلیفة ، وعدم انقیاد الیهود لعیسى علیه السلام .

 

وتکلم عن الشکور لأن جزاء الشکر الزیادة ، والجزاء هو الدین والقیام بالدین من الشکر کما قال صلى اللّه علیه وسلم لما تورمت قدماه من قیام اللیل : " أفلا أکون عبدا شکورا " .

 

ویقال : " الصلاة عماد الدین وبرهانه الزکاة وروحه الإخلاص " وهذه هی الأعمال الظاهرة فی سورة الماعون حیث إن فیها ذما للسهو عن الصلاة والبخل والریاء المناقضین للشکر وقد خاطب الحق تعالى آل داود بقوله :" اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُکْراً وَقَلِیلٌ مِنْ عِبادِیَ الشَّکُورُ "( سبأ ، 13 ) .

 

ولعلاقة داود بالحکمة الوجودیة نجد الشیخ یقرن سورة الدین - أی الماعون - بالعون وبالوجود فیقول فی دیوانه : "

 من روح سورة الدین :

إن القبول للاقتدار معین .....  فیعان فی حکم النهى ویعین

فالأمر ما بینی وبین مقسمی  .... فهو المعین وإننی لمعین

الحق حق فالوجود وجوده  ..... وأنا الأمین وما لدی أمین

دفع الیتیم محرم فی شرعنا  ..... والشرع جانبه إلیه یلین