عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة الثانیة عشرة :  


کتاب تعلیقات د أبو العلا عفیفی على فصوص الحکم الشیخ الأکبر ابن العربی 1385 هـ :

الفص الثامن عشر حکمة نفسیة فی کلمة یونسیة

(1) فص حکمة نفسیة فی کلمة یونسیة

(1) النقطة الأساسیة التی یحوم حولها هذا الفص هی الإنسان، طبیعته و منزلته من الوجود، و لذا نجد وجوه شبه کثیرة بینه و بین الفص الأول لا سیما فی اعتبار الإنسان کونا جامعا صغیرا یحوی الکون الجامع الأکبر و یمثل عناصر الوجود فیه.

و لکننا نجد فی هذا الفص خاصة إشارات قویة إلى القیمة الانسانیة و کرامة الإنسان عند الله الذی خلقه على صورته، کما نجد دعوة حارة من المؤلف إلى الإبقاء على النوع الانسانی و صیانته، و تحذیرا قویا ضد هدم النشأة الانسانیة لأن فی هدمها قضاء على أکمل صورة لله فی الوجود.

و للفص صلات أخرى بالفصین السابقین علیه لا سیما فیما یتصل بموضوع الخلافة، غیر أن هذا الموضوع یعالج هنا معالجة خاصة من الناحیة السیکولوجیة، فإن المؤلف یشرح النفس الانسانیة و طبائعها الثلاث و یبین أنه ما دام الإنسان حیا فإنه یرجى له أن یصل إلى أعلى درجة من درجات الکمال التی یستطیع أن یصل إلیها.

أما نسبة حکمة هذا الفص إلى یونس فلا یمکن تعلیلها إلا على أساس أن المؤلف یعتبر یونس مجرد رمز للنفس الانسانیة الناطقة التی نادت ربها فی ظلمات البدن- المرموز إلیه فی القرآن بالحوت- فإنه صاح فی الظلمات «أن لا إله إلا أنت سبحانک إنی کنت من الظالمین» (قرآن س 21 آیة 88).

و إذا کان فی مقدور النفس الانسانیة وحدها أن تعرف الله و أن تسبحه و تقدسه، فهی الجدیرة وحدها بأن تحمل اسم الإنسان و أن تکون منه موضع الکرامة.

بهذه الطریقة نستطیع أن نفسر الصلة بین موضوع هذا الفص واستعمال اسم یونس هذا الاستعمال الرمزی.

 

(2) «ذکر الله».

(2) الذکر فی الأصل معناه التلفظ أو التذکر، و لکن هذه الکلمة قد اکتسبت معنى أوسع من هذا فی الاصطلاح الصوفی غیر أنها تستعمل فی هذا الفص استعمالا خاصا محدودا،

فإن المؤلف یستعملها مرادفة لکلمة الفناء بالمعنى الذی یفهمه أصحاب وحدة الوجود: أعنی الحال التی یتحقق فیها الصوفی بوحدته الذاتیة مع الله.

فذکر الله معناه هنا الحضور مع الله والفناء فیه وهذا یقتضی الصوفی أن یجمع جمیع قواه البدنیة والروحیة بحیث یکون حضورها جمیعا تاما مع الله، وإذا وصل الصوفی إلى هذا المقام انکشف له الحق وانمحى کل أثر بین الواحد والکثیر: أی بین الحق والخلق والذاکر والمذکور وتحققت وحدة الاثنین.

وغنی عن البیان أن المراد «بذکر الله» الوارد فی الحدیث التعبد جملة والتأمل الذی ینأى بصاحبه عن الفحشاء والمنکر، ویحصل له الطمأنینة النفسیة کما وردت بذلک الآیات القرآنیة: قال تعالى: «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنکر ولذکر الله أکبر».

وقال: «ألا بذکر الله تطمئن القلوب».

ولکن الذکر کما یفهمه ابن العربی ویشرحه فیما بعد معناه کما قلنا التحقق بوحدة الوجود وهو فی نظره أعلى مرتبة من ذکر أی کائن آخر، لأنه صادر عن أکمل المخلوقات.

على أن ذکر الإنسان لله قد یکون فی مراتب أخرى أدنى من هذه وذلک إذا کان صادرا عن اللسان وحده أو القلب وحده.

أما إذا صدر عن الإنسان فی مرتبة الجمعیة وسرى فی کل جزء من أجزائه الروحیة والبدنیة فإنه یمثل أرقى حال وأکمل سعادة یمکن أن یصل إلیهما السالک إلى الله.

فی هذا تتمثل الکرامة الانسانیة ویظهر فضل الإنسان على سائر المخلوقات حتى الملائکة، فإن کل مخلوق یذکر الله ویتجلى له الله بحسب مرتبته فی الذکر وهذا معنى أشار إلیه ابن العربی فی مواضع أخرى عند ما تکلم عن تسبیح الکائنات وتقدیسها لله.

ویکون تجلی الله للعبد أکمل ما یکون عند ما تتحقق الوحدة بین الذاکر والمذکور ولا یکون هذا إلا للإنسان.

ولذا یقول ابن العربی فیما بعد «وذلک أنه لا یعلم قدر هذه النشأة الإنسانیة إلا من ذکر الله الذکر المطلوب منه».

 

(3) «فإذا أخذه إلیه سوى له مرکبا غیر هذا المرکب من جنس الدار التی ینتقل إلیها، و هی دار البقاء».

(3) لا یعتبر ابن العربی أن فی الموت فناء للمیت و إنما هو تفریق أجزاء.

بل إن للموت عنده معنى أوسع بکثیر من المعنى العادی لأنه یمثل نقطة الانتقال من حال إلى حال أو من صورة إلى صورة فی مجرى الوجود الدائم التغیر والتحول:

فإن کل موجود ینتقل فی کل آن من صورة إلى صورة أخرى فیفنى فی الأولى ویبقى فی الثانیة.

وهذا هو الخلق الجدید کما أشار إلیه مرارا.

فالموت إذن هو فناء الصور، أما الذات التی تعرض لها هذه الصور فهی باقیة على الدوام.

على أن العبارة المذکورة قد یفهم منها معنى التناسخ على نحو ما یفهمه فلاسفة الإشراق، فإننا لا نعرف على سبیل التحقیق ما یرید ابن العربی بالصورة (التی یشیر إلیها باسم المرکب) التی یسوی الله للإنسان غیرها عند ما یأخذه إلیه، ولکن لیس هناک من شک فی أنه لا یدین بمبدإ عودة الإنسان إلى هذا العالم بشخصه فی أیة صورة أخرى، فإنه یصرح أن الدار التی ینتقل إلیها الإنسان هی دار البقاء.

ولیس لها معنى فی عرف أصحاب وحدة الوجود إلا الذات الإلهیة.

لیس فی هذه الدار إذن موت، أی لیس فیها تفرق فی أجزاء الجسم.

وفی هذا إشارة إلى أن المرکب الذی یسویه الله للإنسان عند ما ینتقل إلیه لیس جسما.

على أن بعض شراح الفصوص یرون أن ذلک المرکب سیکون من صورة مثالیة تختلف فی لطافتها أو کثافتها بحسب المرتبة الروحیة التی بلغها المنتقل إلى الله