عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة الرابعة عشر :

  

نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشیخ عبد الرحمن أحمد الجامی 898 هـ :

 19 – شرح نقش فص حکمة غیبیة فی کلمة أیوبیة

لمّا کانت أحواله علیه السلام فی زمان الابتلاء و قبله و بعده غیبیة، أسندت هذه الحکمة الغیبیة إلى الکلمة الأیوبیة:  أمّا قبل زمان الابتلاء، فلأنّ الله تعالى أعطاه من الغیب بلا کسبه ما لم یعط أحدا من المال و البنین و الزرع و الضرع و الخول و العبید.

و أمّا فی زمان الابتلاء، فلأنّه کان یصعد له من الأعمال الزاکیة مثل ما یصعد من أهل الأرض أو أوفى، فغار علیه إبلیس و بنوه، و قصده بالأذیة هو و ذووه.

و کانوا یستکبرون ما یعمل و یستکثرونه. و کان الله تعالى یشکره فی الملإ الأعلى و یذکره.

فقال إبلیس، "مع هذه المواهب و النعماء و الآلاء التی أنعم بها الله علیه أعماله قلیلة".

فلو کان فی حال الابتلاء والفقر وصبر و لم یجزع، لکان ما یأتى من الأعمال أعظم قدرا و أعلى مکانة». فأذن له فی اختباره و ابتلائه.

و القصّة مشهورة فی بلائه . فسلّط الشیطان على ما تمنّى، فغارت العیون، وانقطعت الأنهار، وخربت الدیار، ویبست الأشجار والثمار، وهلکت مواشیه، ومات من کان من بناته و بنیه، وهجره جلّ أهله و ذویه.

کل هذا ابتلاء غیبى من غیر سبب معهود و موجب مشهود فی مدّة یسیرة.

وبعد غیبته عن أهله وماله مسّه الشیطان بضرّ فی نفسه. فظهرت من غیوب جسمه الآلام والأسقام، و تولّد الدود فی جسمه و غیوب أعضائه و أجزائه.

فصبر لما عرف السرّ. و لم یجزع و لم یقطع الذکر و الشکر متلقّیا بحسن الصبر هذا الأمر. و لم یشک إلى غیر الله إلى انقضاء مدّة الابتلاء.

و أمّا بعد زمان الابتلاء، فلأنّه لمّا بلغ الابتلاء غایته، و تناهی الضرّ نهایته، و لم ینقص من أعماله و طاعاته و أذکاره و أنواع شکره شیئا، و لم یظهر الشکوى و الجزع، تمّت حجّة الله على اللعین و على غیره من الشیاطین.


فتجلّى من غیبه ربّه تجلّیا غیبیا، فنادى ربّه، "أَنِّی مَسَّنِیَ الشَّیْطانُ بِنُصْبٍ".

فکشف عنه ما به من ضرّ و وهب «لَهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً» من عنده و خزانة غیبه.

و أظهر له من غیب الأرض


قال الشیخ رضی الله عنه :  ( لمّا لم یناقض الصبر الشکوى إلى الله ولا قاوم الإقتدار الإلهی لصبره .

وعُلم هذا منه . أعطاه الله أهله ومثلهم معهم .  ورکض برجله عن أمر ربه . )


مغتسلا باردا و شرابا. و کل ذلک کان من قوّة إیمانه بالغیب و ثقته بما ادّخر الله له فی الغیب. فکان أمره کله من الغیب.

(لما لم یناقض الصبر الشکوى الى الله سبحانه) - و لذلک أثنى الله‏ على أیّوب بالصبر مع دعائه فی رفع الضرّ عنه.

(و لا قاوم) ، یعنى أیّوب علیه السلام، (الاقتدار الإلهی بصبره ) و حبسه النفس عن الشکوى إلیه تعالى بل شکى إلیه و ناداه، «أَنِّی مَسَّنِیَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ» .

(و علم هذا) الأمر، یعنى عدم المقاومة، (منه)، أی من أیّوب، (أعطاه الله أهله) بأن أحیا من مات من بنیه و بناته و رزقه (مثلهم معهم) من الأولاد.

ذهب علماء الظاهر و أهل السلوک الذین لم یصلوا إلى مقام التحقیق بعد إلى أنّ الصبر هو حبس النفس عن الشکوى مطلقا، زعما منهم أنّ من یکون شاکیا لا یکون راضیا بالقضاء، سواء کانت الشکایة إلى الله أو إلى غیره.

و لیس کذلک، لأنّ القضاء حکم الله فی الأشیاء على حدّ علمه بها و ما یقع فی الوجود المقضی به الذی تطلبه عین العبد باستعداده من الحضرة الإلهیة.

و لا شکّ أنّ الحکم غیر المحکوم به و المحکوم علیه، لکونه نسبة قائمة بهما.

فلا یلزم من الرضا بالحکم- الذی هو من طرف الحق- الرضا بالمحکوم به و من عدم الرضا بالمحکوم به لا یلزم عدم الرضا بالحکم.


و إنّما لزم الرضا بالقضاء، لأنّ العبد لا بدّ أن یرضى بحکم سیّده و أمّا المقضی به، فهو مقتضى عین العبد، سواء رضى بذلک أو لم یرض.

و ذهب المحقّقون من هذه الطائفة إلى أنّ الصبر هو حبس النفس عن الشکوى إلى غیر الله، لا إلى الله، لأنّ الشکایة إلى الغیر تستلزم الاعراض عن الله، و هو مذموم.

و الشکایة إلى الله تستلزم إظهار العجز و المسکنة و الافتقار إلى الله سبحانه و إظهار أنّ الحق قادر على إزالة موجبات الشکوى، و کلها محمودة.

قال الشیخ رضى الله عنه فی فتوحاته المکیة الباب الثالث والسبعون :

«إن کان الدعاء إلى الله فی رفع الضرّ و دفع البلاء یناقض الصبر المشروع المطلوب فی هذا الطریق، لم یثن الله على أیّوب بالصبر و قد أثنى علیه به. بل عندنا من سوء الأدب مع الله أن لا یسأل العبد رفع البلاء عنه، لأنّ فیه رائحة من مقاومة القهر الإلهی بما یجده من الصبر و قوّته.


قال العارف: "إنّما جوّعنى لأبکى". فالعارف و إن وجد القوّة الصبریة، فلیفرّ إلى موطن


قال الشیخ رضی الله عنه :  ( فأزال بتلک الرکضة آلامه . ونبع الماء الذی هو سر الحیاة الساریة فی کل حی طبیعی . فمن ماءٍ خُلق . وبه یرى . فجعله رحمةً لهُ . وذکرى لنا وله .

ورفق به فیما نذره تعلیماً لنا لیتمیز فی الموّفین بالنذر .

وجعلت الکفارة فی أمة محمدٍ صلى الله علیه وسلم لسترهم عما یعرض لها من العقوبة فی الحنث .

والکفارة عبادة .)


الضعف و العبودیة و حسن الأدب، فانّ القوّة للَّه جمیعا.

فیسأل ربّه رفع البلاء عنه أو عصمته منه إن توهّم وقوعه.

و هذا لا یناقض الرضا بالقضاء، فانّ البلاء إنّما هو عین المقضی، لا القصاء: فیرضى بالقضاء و یسأل الله فی رفع المقضی عنه فیکون راضیا صابرا."


(و رکض) أیّوب علیه السلام (برجله)، أی ضرب الأرض بها، رکضة صادرة (عن أمر ربه)، حیث أمره بها بقوله، «ارْکُضْ بِرِجْلِکَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ».

(فأزال) ربّه (بتلک الرکضة آلامه) و أماط بها أسقامه، (و نبع‏) بها، أی بتلک الرکضة، من تحت رجله الماء، الذی هو سر الحیاة و أصلها، فانّ بالماء حیى ما حیى من الأجسام الطبیعیة العنصریة.

فهو أصل الحیاة، أی الحیاة (الساریة فی کل حى) جسمانى (طبیعى) عنصرى، فانّ کلّ ما له حیوة من الأجسام الطبیعیة العنصریة خلق من الماء.


إذ النطف التی یخلق منها الحیوان ماء. و ما یتکوّن بغیر توالد، فهو أیضا بواسطة المائیة المتعفّنة.  و کذلک النبات لا تنبت إلّا بالماء.

(فمن ماء)، یعنى النطفة، خلق، و به، أی بالماء حین نبع من تحت رجله، (بری‏ء) من الآلام و الأسقام، فانّه علیه السلام لمّا ضرب برجله الأرض، نبعت عینان، فاغتسل بإحداهما حتّى ذهب الداء من ظاهره.

ثمّ شرب من الأخرى، فذهب الداء من باطنه. (فجعله)، أی جعل الله سبحانه الماء النابع من تحت رجله، (رحمة) من عنده (و ذکرى)، أی تذکیرا، (لنا و له)، أی لأیّوب علیه السلام.

یعنى جعله رحمة و ذکرى لکل واحد منّا و منه: أما کونه رحمة له، فلما بری‏ء به من الأسقام و أمّا کونه رحمة لنا، فلأنّ جعله تذکیرا لنا، هو عین الرحمة.

و أمّا کونه تذکیرا لنا، فلأنّ إذا سمعنا بما أنعم علیه لصبره، نرغب فی الصبر على البلاء و أمّا کونه تذکیرا له، فبالنسبة إلى سائر أحواله و أوقاته.


و یجوز أن یکون قوله «لنا و له» نشرا على غیر ترتیب اللفّ بأن یکون رحمة له و ذکرى لنا. و فی بعض النسخ: «رحمة له و ذکرى لنا و له»، فیکون رحمة بالنسبة إلیه علیه السلام و ذکرى بالنسبة إلى الکل.

(و رفق) الله سبحانه (به)، أی بأیّوب، و رخص له (فیما نذره) حین حلف فی مرضه لیضربنّ امرأته مائة إن بری‏ء.

فلمّا بری‏ء، أمره الله سبحانه‏ أن یأخذ ضغثا، أی حزمة من الحشیش، یضرب بها امرأته.

فحلّل الله یمینه بأهون شی‏ء علیه و علیها،


قال الشیخ رضی الله عنه :  ( والأمر بها أمرٌ بالحنث . إذ رأى خیراً مما حلف علیه . فراعى الإیمان . وإن کان فی معصیة ذاکرٌ لله فیطلب العضو الذاکر نتیجة ذکره إیاه .

وکونه فی معصیة أو طاعة حکم آخر لا یلزم الذاکر منه شیء . )



لحسن خدمتها إیّاه و رضاه عنها.

ثمّ إنّه سبحانه أخبرنا بذلک (تعلیما) و ترخیصا (لنا، لنتمیز) بهذا الرفق و الترخیص (فی الموفین بالنذر)، أی فیما بین الذین یوفون بنذورهم و أیمانهم، فان هذه الرخصة باقیة.

و عن النبی صلّى الله علیه و سلّم أنّه أتى بمخدج قد خبث بأمة، فقال، «خذوا عثکالا فیه مائة شمراخ، فاضربوه بها ضربة".  رواه النسائی فی السنن و أبن أبی عاصم فی الآحاد والمثانی والحافظ ابن حجر العسقلانی فی بلوغ المرام من أدلة الأحکام.


(و جعلت الکفارة) و شرعت (فی أمة محمد صلّى الله علیه و سلّم لتسترهم) الکفّارة (عما یعرض لها)، أی لهذه الأمّة، و یتوجّه إلیها (من العقوبة) الواقعة (فی) مقابلة (الحنث) فی الأیمان.

و فیه إشارة إلى أنّ الکفّارة من «الکفر» بمعنى الستر، سمّیت بها لأنّها تستر الحالف و تحفظه عمّا یعرض له من عقوبة الحنث.

(و الکفارة عبادة) مأمور بها. (و الامر بها) قبل الحنث (أمر بالحنث)، ضرورة توقّف تحقّقها على تحقّقه فیکون الحنث أیضا مأمورا به،

لکن (إذا رأى) الحالف (خیرا مما حلف علیه، فراعى الله) سبحانه (الایمان)، أی راعى حقّها لاشتمالها على ذکره تعالى حیث شرع الکفّارة المانعة عن أن یعرض للحالف، عقوبة.



(و ان کان) الحالف (فی معصیة) بسبب الحنث، (فانّه)، أی الحالف، ذاکر للَّه فی یمینه ببعض الأعضاء.

(فیطلب العضو الذاکر) منه- و هو اللسان- (نتیجة ذکره إیاه سبحانه) من الرحمة و الثواب و حفظه مع سائر الأجزاء من العقاب، فانّه بالجزء الذاکر یحفظ باقى الأجزاء، کما یحفظ العالم بوجود الکامل، الذی یعبد الله فی جمیع أحواله، فکما أنّ الدنیا لا تخرب، و لا یستأصل ما فیها، ما دام الکامل فیها، فکذلک وجود العالم الإنسانی یکون محفوظا بالعنایة الإلهیة ما دام جزء منه ذاکرا للحق سبحانه.


و کونه، أی کون الحالف، (فی معصیة أو طاعة حکم آخر لا یلزم) العضو (الذاکر منه)، أی من ذلک الحکم، (شی‏ء) من عقوبة و مثوبة فانّ الإنسان- من حیث أنّه مرکّب من حقائق مختلفة روحانیة أو جسمانیة- کثیر لیس أحدى العین، و إن کان من حیث کلّه المجموعى أحدیا.

و ما یلزم من طاعة جزء ما و معصیته طاعة جزء آخر و معصیته.


 

اعلم أنّ البلایا و المحن التی تلحق بالأنبیاء و الأکابر من أهل الله تنقسم إلى ثلاثة أقسام، لکل قسم منها موجب و حکم و ثمرة:

فتارة تکون بالنسبة إلى البعض مصاقل لقلوبهم و متمّمات لاستعداداتهم الوجودیة المجعولة، لیتهیّئوا بتلک الأمور لقبول ما یتمّ به لهم أذواق مقاماتهم التی حصّلوها، ولم یکمل لهم التحقّق بها.

فیکون تلبّسهم بتلک المحن سببا لاستیفائهم ذوق مقامهم الناقص وترقّیهم فیه إلى ذروة سنامه‏  الموجب للاطّلاع على ما فیه فانّه من لم یتکلّم على المقام، أیّ مقام کان، ولم یترجم عنه بطریق الحصر لأصوله والاستشراف على جملة ما فیه، فانّه إنّما یتکلّم على ذوقه من ذلک المقام، لیس بحاکم علیه و لا محیط به.  فافهم.


و موجب القسم الثانی هو سبق علم الحق سبحانه بأنّ المقام الفلانی سیکون لزید، لا محالة، مع علم الحق أیضا أنّ حصول ذلک المقام لمن قدّر حصوله له لابدّ وأن یکون للکسب فیه مدخل فلا یتمحّض الموهبة الذاتیة فیه.

فان ساعد القدر الإلهی والتوفیق بارتکاب الأعمال التی هی شروط فی حصول ذلک المقام، کان ذلک ...

وإن لم یساعد القدر ولم یف العمر باستیفاء تلک الأعمال المشترط ارتکابها للتحقّق بذلک المقام، أرسل الله المحن على صاحب المقام ورزقه الرضا بها و الصبر علیها و حبس النفس فیها عن الشکوى إلى غیر الله و الاستعانة فی رفعها بسواه.

فکان ذلک کلّه عوضا عن تلک الأعمال المشترطة فیما ذکرنا و قائمة مقامها.


فحصل المقام المقدّر حصوله لصاحبه بالشروط التی یتوقّف حصوله علیها، فانّ الصبر والرضا والإخلاص للَّه دون الالتجاء إلى غیره وطلب المعونة من سواه کلها أعمال باطنة یسرى حکمها فی الأحوال الظاهرة، کالنیة ونحوها.

فاعلم ذلک و تدبّر ما ذکر لک تعرف کثیرا من أسرار محن أیّوب علیه السلام و ما ابتلى به وثمراته.

و أمّا موجب القسم الثالث، فهو سعة مرآة حقائق الأکابر المضاهیة للحضرة الإلهیة المترجم عنها بقوله تعالى، «وَ إِنْ من شَیْ‏ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ».


فمن کانت مرآة حقیقته أوسع، کان قبوله ممّا فی الحضرة وحظّه منها أوفر.

فکما أنّ حظّهم ممّا یعطى السعادة و یثمر مزید القرب من الحق سبحانه والاحتظاء بعطایاه الاختصاصیة أوفر، فکذلک قبول ما لا یلائم الطبع والمزاج العنصری الذی به تمّت الجمعیة، وصحّت المضاهاة المذکورة، یکون أکثر.

فافهم، فقد بیّن لک أسرار المحن و البلایا المختصّة بالأکابر محصورة الأقسام.


وأمّا الخصیصة بعموم المؤمنین، فهی وإن کانت من بعض فروع القسم الأوّل، لکن قد أخبرت الشریعة بأحکامها و ثمراتها فلا حاجة إلى ضبط القول فیها.

والله المرشد.