عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة الخامسة عشر :  


کتاب تعلیقات د أبو العلا عفیفی على فصوص الحکم الشیخ الأکبر ابن العربی 1385 هـ :

الفص التاسع عشر حکمة غیبیة فی کلمة أیوبیة

(1) فص حکمة غیبیة فی کلمة أیوبیة

(1) یبحث هذا الفص بوجه عام فی عالم الغیب الذی یشیر إلیه أصحاب وحدة الوجود بهویة الحق و یشیر إلیه ابن العربی خاصة باسم النفس الرحمانی و باسم الماء الوارد ذکره فی القرآن فی قصة أیوب.

 و لیس المراد بأیوب هنا النبی المعروف المشهور بالصبر و احتمال الأذى و البلاء الذی ابتلاه الله به، بل یصوره ابن العربی بصورة السالک إلى الله الباحث عن العلم الیقینی بعالم الغیب.

أما الألم الذی یحسه ذلک السالک فلیس بالألم الجسمانی الذی یصاحب أحیانا أدواء البدن، و لکنه عذاب روحی یشعر به رجل محجوب عن حقائق العلم الیقینی، فهو یدعو الله أن یکشف عنه ضره فیکشف الله عنه ضره بأن یریه مغتسل الماء الذی تحت قدمیه و یأمره بأن یغتسل فیه.

فلما اغتسل أیوب بالماء ذهب عنه ضره لأنه رفع عنه الحجاب و ظهر له الطریق إلى الله.

فالماء رمز لعالم الغیب کما قلنا أو هو رمز لمبدإ الحیاة الساری فی جمیع أجزاء الوجود، أو هو الله.

فباغتساله فی الماء أی بانغماسه فی بحر الوجود عرف سر الوجود، أو بعبارة أخرى بشربه من الماء أروى تعطشه إلى العلم بحقیقة الوجود و هی الله.

أما ما عدا هذه المسألة من المسائل التی یعالجها الفص فمرتبط بها ارتباط النتیجة بالمقدمات لا سیما مسألة الأسباب النوعیة و السبب الواحد العام الذی هو الله.


(2) «فأشار إلى نسبة التحت إلیه کما أن نسبة الفوق إلیه».

(2) یرى المؤلف أن نسبتی «الفوق» و «التحت» نسبتان لله بمعنى خاص سنشرحه فیما بعد.

أما القرآن فقد وردت فیه نسبة «الفوق» إلى الله فی مثل الآیات الآتیة: «یخافون ربهم من فوقهم» و «و هو القاهر فوق عباده» و غیرهما.

و لکن المراد بالفوقیة هنا مجموع صفات الألوهیة فإن کل آیة وردت فیها هذه الفوقیة تشیر إلى ناحیة خاصة من نواحی صلة الألوهیة بالکون.

و لکن ابن العربی یشیر إلى نسبة أخرى بین الحق و الخلق أو بین الله و العالم و هی نسبة «التحتیة» ثم یشرع فی تلمس مصدر من القرآن أو الحدیث یعزز به فکرته فلا یجد إلا الحدیث القائل «لو دلیتم بحبل لهبط على الله»، و هو فی نظره دلیل کاف على نسبة التحتیة إلى الله على معنى أن الله أصل کل الموجودات و أساسها.

على أنه تلمس لفکرته أسانید من القرآن أیضا فعثر على بعض النصوص التی أولها تأویلا بعیدا خرج بها عن معناها الأصلی مثل قوله تعالى: «و لو أنهم أقاموا التوراة و الإنجیل و ما أنزل إلیهم من ربهم لأکلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم».

و الفکرة التی یرید أن یشیر إلیها بسیطة و واضحة بقطع النظر عما یؤیدها به من حدیث أو نص قرآنی، ذلک أن نسبة التحتیة عنده نسبة الذات الإلهیة الواحدة إلى صور الموجودات الکثیرة المتجلیة فیها. هی بعبارة أخرى مذهبه فی وحدة الوجود.


و قد یبدو أن بین نسبتی الفوقیة و التحتیة تناقضا ظاهرا لأن الأولى تشیر إلى فکرة عن الله (بالمعنى الدینی) فی حین أن الثانیة تشیر إلى فکرة الواحد فی الکل (فکرة وحدة الوجود).

و لکن لا وجود لهذا التناقض فی الحقیقة، لأن ابن العربی لا یعتبر الفوقیة و التحتیة إلا وجهین لنظرنا نحن إلى حقیقة الوجود الواحدة: فإن الله فی نظره لیس الإله الذی یصوره الدین و إنما هو الحقیقة الوجودیة التی إن نظرنا إلیها من وجه قلنا إنها «فوق» کل شیء بمعنى أنها تتعالى عن کل شیء، و هذه هی صفة التنزیه التی شرحناها من قبل،

و إذا نظرنا إلیها من وجه آخر قلنا إنها «تحت» کل شیء أو إنها أصل کل شیء- و هذه هی صفة التشبیه التی ذکرناها أیضا.


(3) «و إنما قلنا هذا من أجل من یرى أن أهل النار لا یزال غضب الله علیهم دائما أبدا فی زعمه».

(3) الإشارة هنا إلى مسألة النعیم الدائم و العذاب الدائم فی الدار الآخرة،

و قد شرحنا هذه المسألة فی الفص السابع (التعلیقین 15، 16) (راجع أیضا الفتوحات ج 3 ص 98 السطر الرابع من أسفل).


 

(4) «فزال الغضب لزوال الآلام ... إلى قوله حجابا و سترا».

(4) أی فزال غضب الله عن أهل النار بزوال الآلام عنهم، و ذلک لأن صفة الغضب لا تکون لله إلا عند ما یعذب أهل النار بآلامها، فإن زالت هذه الآلام عنهم ارتفع وصف الغضب عن الله، و ابن العربی یعتقد أن عذاب أهل النار إلى حین، و أن مآلهم فی النهایة إلى النعیم المقیم، کما یعتقد أن وصف الغضب وصف یزول عن الله بزوال سببه و أن وصفه بالرضا إنما هو الوصف الدائم الذی لا یزول عنه أبدا.

غیر أننا یجب أن نتذکر أن اللغة الرمزیة التی یصوغ بها المؤلف نظریته فی وحدة الوجود لا تسمح بوجود جنة حقیقیة ولا نار حقیقیة فی دار غیر هذه الدنیا.

فإن النار عنده لیس لها معنى إلا «ألم الحجاب» أو الحال التی لا یدرک فیها الإنسان الوحدة الوجودیة للموجودات، کما أن الجنة عنده لیست سوى الحال التی یدرک فیها الإنسان هذه الوحدة.

والحجاب عن الحقیقة یستلزم الألم کما أن إدراکها على الوجه الصحیح یستلزم السعادة.

وحیث إن الحق فی زعم ابن العربی هو هویة کل موجود فإنه یلزم من ذلک أنه هو الذی یشعر بهذه السعادة أو ذلک الألم فی صورة کل من یشعر بهما.

فأهل التنزیه عنده محجوبون عن الحقیقة لأنهم ینزهون الحق عن الاتصاف باللذة أو الألم أو ما شابههما من صفات الحوادث، أما أصحاب الکشف والذوق فلا یتحرجون عن وصف الحق بهذه الأوصاف بل ینسبون کل ما یجری فی الکون إلیه على أنه حادث فیه.


یقول ابن العربی إن قوله تعالى: «وإلیه یرجع الأمر کله فاعبده وتوکل علیه» 

یمکن تفسیره على وجهین: 

الوجه الصوفی وهو الذی یرد کل شیء إلى الله لأن کل شیء منه وإلیه، 

والوجه الآخر هو رأی المتکلمین الذین یعتبرون الله مخالفا لجمیع الحوادث وینظرون إلیه من حیث هو إله معبود، 

فإن العبادة تتضمن اثنینیة العابد والمعبود ولا یقول بهذه الاثنینیة إلا المحجوبون عن حقیقة الوحدة الوجودیة.


(5) «ثم کان لأیوب علیه السلام ذلک الماء شرابا لإزالة ألم العطش الذی هو من النصب والعذاب الذی مسه به الشیطان».

(5) کلمة شیطان مشتقة من شطن التی من معانیها بعد، فالشیطان الذی مس أیوب و ورد ذکره فی القرآن فی قوله: «أنی مسنی الشیطان بنصب و عذاب» إنما هو البعد عن الحقیقة و الجهل بها.

ومن معانی کلمة شیطان فی اللغة العربیة عطش الصحراء لأن العرب یسمون العطش شیطان القلا.

ولهذا قرن المؤلف الشیطان بالماء الذی شربه أیوب لیزیل عنه ألم ذلک العطش، فهو لا یرید بالشیطان مطلقا المعنى المتعارف. فالعطش الذی أحس أیوب بألمه- کما شرحنا ذلک فی التعلیق الأول من تعلیقات هذا الفص- إنما کان شوقه إلى معرفة الحقیقة التی کان یجهلها، و الشیطان الذی مسه بالنصب و العذاب لم یکن سوى حالة الحرمان الروحی التی کان علیها. (راجع الفیروزآبادی فی مادة شطن).


(6) «فکل مشهود قریب من العین ولو کان بعیدا بالمسافة، فإن البصر یتصل به من حیث شهوده ولو لا ذلک لم یشهده، أو یتصل المشهود بالبصر».

(6) تشیر هذه العبارة إلى نظریتین من أقدم النظریات فی الإبصار:

الأولى نظریة أفلاطون فی طیماوس وهی أن البصر کغیره من الحواس یدرک المبصرات إدراکا لمسیا بواسطة شعاع یخرج من العین ویقع على الأشیاء المبصرة،

والثانیة هی نظریة أرسطاطالیس وهی أن المبصرات تنطبع صورها على شبکیة العین عند ما ینیرها مصدر من مصادر الضوء، وعلى کلتا النظریتین یحصل اتصال مباشر بین البصر والمبصرات مهما بعدت المسافة بینهما.


(7) «ولهذا کنی أیوب فی المس فأضافه إلى الشیطان مع قرب المس».

(7) لو فهمنا الشیطان على أنه حالة البعد، والمس على أنه حالة القرب، کان معنى قول أیوب: «أنی مسنی الشیطان» أن حالة البعد عن إدراک الحقیقة قد قربت منی قرب اللامس من الملموس.

فهو یستعمل کلمة مس على سبیل الکنایة بدلا من کلمة قرب، وینسب المس إلى الشیطان الذی هو البعد، بالرغم من أن المس یقتضی القرب أو أنه هو القرب نفسه.

فکأنه قال: «إننی قریب من حالة البعد عن إدراک الحقیقة».

ویتضح المعنى بعض الشیء عند ما نقرأ قول المؤلف بعد ذلک «البعید منی قریب لحکمه فی».

فالبعید منه هو إدراکه للحقیقة الوجودیة، و هو یلمس فی نفسه أثر ذلک البعد (و هو الذی یسمیه بالحکم)، أو أن حالة الحجاب عن الحقیقة شدیدة القرب منی لأنی أحس بها.

 

(8) «و اعلم أن سر الله فی أیوب الذی جعله عبرة لنا و کتابا مسطورا حالیا ... »

(8) یمکننا أن نقرأ الکلمة حالیا بتشدید الیاء على أنها نسبة إلى الحال أو بالیاء المخففة حالیا على أنها من الحلیة

و یقرؤها جامی فی شرحه على الفصوص (ج 2 ص 243) حاکیا أی مخبرا،

فمعنى الجملة:

على الوجه الأول أن الله جعل من قصة أیوب لنا کتابا مسطورا ندرک معناه بالحال أی بالذوق الصوفی،

و على الوجه الثانی أن الله صاغ لنا قصة أیوب فی کتاب مسطور مزدان بالحکمة و الموعظة،

و على الوجه الثالث أن الله أخبرنا بقصة أیوب فی کتاب مسطور یحکی لنا أمره.

وجامی هو المفسر الوحید الذی انفرد بهذه القراءة الأخیرة ولم أجد فی نص من النصوص القدیمة ما یؤیدها.


(9) «و إنما جنح إلى سبب خاص لم یقتضه الزمان و لا الوقت».

(9) یشیر إلى عدم استجابة الله لدعاء بعض الناس لأنهم لا یتوجهون فی دعائهم إلى الله ذاته وإنما یتوجهون إلى الأسباب الخاصة:

أی لا یتوجهون إلى المسبب بل یتوجهون إلى الأسباب التی لا فعل لها ولا أثر لها من ذاتها، وإنما تفعل وتؤثر لأن الله یفعل عند حضورها.

والأسباب الخاصة التی یفعل الله عند حضورها کثیرة. 

فإذا اتجه الإنسان بالدعاء إلى الله أن یکشف عنه ضرا بواسطة سبب خاص ولم یتعلق العلم الإلهی بهذا السبب ولم یقتضه زمان معین أو وقت خاص قدر الله فیه رفع الضر عن هذا الداعی، لم یحصل له استجابة من الله، فیظن الداعی أنه دعا الله ولم یستجب له، والواقع أنه لم یدع الله وإنما دعا ذلک السبب.

 

بقی أن نشرح الوقت و الزمان.

أما الزمان فهو فی عرف الفلاسفة مقیاس حرکة الفلک الأطلس.

و فی عرف المتکلمین مجموعة من الآنات نستطیع بوساطتها أن نعین وقوع حدث غیر معلوم بحدث معلوم.

أما الوقت فهو «الحال» فی عرف الصوفیة و هو «الآن» الذی یکون فیه أی شیء على ما هو علیه.

فالسبب الخاص الذی لم یحن زمانه و لا وقته فی رفع الضر عمن یتوجه إلى الله برفعه بوساطته لیس من الأسباب التی یستجیب الله عندها لدعاء الداعی.

 

ویفرق ابن العربی بین السبب الکلی والأسباب الکونیة الخاصة على نحو ما فرق بین الحق والخلق والواحد والکثیر والله والعالم.

وهو یرى أن الأسباب الخاصة إنما هی أمور اختلقها العقل فی محاولته فهم حقیقة الوجود: لأن العقل البشری غیر المؤید بالوحی أو الإلهام الصوفی قد عجز عن إدراک الوجود فی وحدته.


أما السبب الکلی فهو أصل کل ما نسمیه بالأسباب أی أنه هو الفاعل على الحقیقة والمؤثر فی کل ما نعزوه إلى الأسباب الخاصة.

هو الجزء الإلهی فی کل موجود، الصادر عنه کل تغیر و کل حرکة.

وإذا کان لا بد لنا من القول بوجود کثرة فی الأسباب لوجود کثرة فی المسببات، فإننا لا بد أن نعترف بأن هذه الأسباب لیست إلا وسائل أو وسائط على یدیها یعمل المسبب الواحد الذی هو الحق.

و هذه نظریة تذکرنا من بعض الوجوه بالنظریة الحدیثة المعروفة باسم "نظریة المناسبات" Occasionalism"

إلا أن الفرق بینهما هو أن ابن العربی فی نظریته لا یعترف بوجود کثرة حقیقیة فی الأسباب ولا فی الموجودات إطلاقا، ویعتبر ما نسمیه کثرة ضربا من ضروب الأوهام، وهذا رأی قد لا یوافقه علیه کثیر من أنصار النظریة الحدیثة.

وإذا کانت الأسباب کلها ترجع إلى سبب واحد هو الفاعل على الحقیقة، ففیم التوجه إلى أی سبب خاص لإحداث أثر من الآثار؟

إن علمنا بالأسباب الخاصة علم ناقص وکذلک علمنا بالأوقات التی تقع فیها آثار هذه الأسباب.

لهذا یجب أن نغفل الأسباب الخاصة فی دعائنا ونتوجه إلى مسبب الأسباب.