عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة السابعة عشر :


کتاب المفاتیح الوجودیة والقرآنیة لفصوص الحکم عبد الباقی مفتاح 1417هـ :

 19 – فص حکمة غیبیة فی کلمة أیوبیة

المرتبة 19 - لفص حکمة غیبیة فی کلمة أیوبیة . من الاسم الحی وفلک الهواء وحرف الزای ومنزلة الشولة .

فعل الإحیاء لا یظهر الا ممن له الحیاة الذاتیة ، فهو لا یستمد حیاته من غیره أی أن الاسم : المحیی یستلزم ظهور الاسم : الحی .

فلهذا جاءت المرتبة 19 للحی الذی هو أول الأسماء الصفاتیة وینبوع الکمالات وإلیه ترجع الأسماء الأمهات .

ولمکانته القطبیة ظهر بتوجهه أقوى الأرکان وأعمها وسبب حیاة الکائنات جمیعها أی الهواء الذی یقول عنه الشیخ فی الفصل 29 ن الباب 198 باختصار : ( ولا یسمى الهواء ریحا إلا إذا تحرک وتموج .

وهو ذو روح یعقل کسائر أجسام العالم وهبوبه تسبیحه وما ثم شیء أقوى منه إلّا الإنسان حیث یقدر على قمع هواه الذی أوجده اللّه فیه فیظهر عقله فی حکمه على هواه.

فإنه لقوة الصورة التی خلق علیها ، الریاسة له ذاتیة ، ولکونه ممکنا الفقر والذلة له ذاتیة .

فإذا غلب فقره على ریاسته فظهر بعبودیته ولم یظهر لربوبیة الصورة فیه أثر لم یکن مخلوق أشد منه .

فالهواء موجود عظیم وهو أقرب الأرکان نسبة إلى نفس الرحمن .

وهو نفس العالم الکبیر وهو حیاته وله القوة والاقتدار ، وهو أقوى المؤثرات الطبیعیة فی الأجسام والأرواح . 

وهو أصل حیاة العالم الطبیعی کما أن الماء أصل الصور الطبیعیة . فصورة الهواء من الماء وروح الماء من الهواء . ولو سکن الهواء لهلک کل متنفس وکل شیء فی العالم متنفس فان الأصل نفس الرحمن .


وجعله اللّه لطیفا یسوق الأرواح إلى المشام ویوجد النغمات فیؤثر السماع الطبیعی فی الأرواح ویحرک ویطفی ویشعل وفیه تظهر صور الحروف والکلمات فلولا الهواء ما نطق ناطق ولما کان الباری متکلما ویحدث فیه صور الجنین فی النکاح والثمر فی اللقاح

قال تعالى :وَأَرْسَلْنَا الرِّیاحَ لَواقِحَ ( الحجر ، 22 ) ووصف الحق تعالى نفسه بأن له نفسا وإن کان لیس کمثله شیء ولکن نبه عباده العارفین أن علمه بالعالم علمه بنفسه ووصف نفسه سبحانه بأنه ینفخ الأرواح فیعطى الحیاة فی الصور المسواة فجاء بالنفخ الذی یدل على النفس .


فحیاة العالم بالنفخ الإلهی من حیث أن له نفسا فلم یکن فی صور العالم أحق بهذه الحیاة من الهواء فهو الذی خرج على صورة النفس الرحمانی الذی ینفس اللّه به عن عباده ما یجدونه من الکرب والغم الذی تعطیه الطبیعیة ) انتهى .


وأنسب الأنبیاء لهذا النفس الرحمانی الهوائی هو أیوب علیه السلام الذی نفس علیه ما یجده من کرب المرض وغم فقدان الأهل والمال بعد أن قال له :ارْکُضْ بِرِجْلِکَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ( ص ، 42 ) ، فجعل الشیخ هذا الباب 19 للکلمة الأیوبیة وبدأه بذکر سر الحیاة ، أی الهواء الساری فی الماء کسریان الاسم : الحی فی الاسم : المحیی .


ثم أشار إلى علاقة هذا الفص بالهواء والنفس

فقال : " من أجل أن الحقائق والشهود تعطی التکوین مع الأنفاس على الدوام " .

وفی أول الباب مقارنة خفیة بین العرش المحمول على الماء ، والماء على الهواء ، وبین أیوب الذی انفجر الماء تحته فسرى فیه نفس الرحمة والحیاة ،

وفی هذا إشارة إلى أن الإنسان الکامل مکتنف بالرحمة من جمیع جوانبه کالعرش إذ کلاهما مجلى استواء الرحمانیة ومن تحتهما تتفجر میاه الحیاة الأزلیة . . .

وأما وصف حکمة أیوب بالغیبیة فلأنّ أقرب الأرکان للغیب هو الهواء لأنه هو أصل الأرکان والأصل غیب الهویة ولهذا تکلم الشیخ فی هذا الفص على الهویة

فقال : فالعارف لا یحجبه سؤال هویة الحق فی رفع الضر عنه عن أن تکون جمیع الأسباب عینه من حیثیة خاصة .

وهذا لا یلزم طریقته إلّا الأدباء من عباد اللّه الأمناء على أسرار اللّه ، فإن للّه أمناء لا یعرفهم الا اللّه ویعرف بعضهم بعضا


( وکتم أسرار الأمانة من مظاهر الغیب الدال على أن صاحبه ممن ملک هواه . یقال : الریح نمامة أی تشیع الخبر والروائح والأنغام کما یشیع النمام الحدیث . . . والأدیب الأمین بتحکیم عقله على هواه کاتم للأسرار فباطنه غیب . . . ) وقد تکلم الشیخ فی الباب 371 من الفتوحات المخصوص بسورة الرعد عن علاقة الهواء بالغیب

 فیقول : ( فالعرش إنما یحمله الماء الجامد ، والحملة التی له إنما هی خدمة له تعظیما وإجلالا . وذلک الهواء نفس الظلمة التی هی الغیب 

ولا یعلم أحد تلک الظلمة إلا اللّه کما قال :عالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلى غَیْبِهِ أَحَداً( الجن ، 26 ) ، وفیها یکون الناس على الجسر إذا بدلت الأرض غیر الأرض .


ویقول الشیخ فی هذا الباب :

 فإن الهواء هو الأصل عندنا ولذلک هو أقرب نسبة إلى العماء الذی هو نفس الرحمن

فجمع بین الحرارة والرطوبة .

فمن حرارته ظهر رکن النار ،

ومن رطوبته ظهر رکن الماء

ومن جمود الماء کان الأرض .

فالهواء ابن للنفس وهو العماء

والماء والنار ولدان للهواء والأرض ولد الولد وهو ما جمد من الماء ).


( وأما علاقة أیوب بالغیب فلأن کل أحواله عطاء من الغیب بلا کسب کالأموال والبنین ثم الابتلاء بفقدهم وصبره على ذلک ثم کشفه الضر عنه بالماء المتفجر تحته وبإعادة أهله وأمواله ومثلهم معهم کل ذلک من یقینه بغیب اللّه فرحمه اللّه من غیبه .

حتى ورد فی الحدیث الذی رواه أحمد وابن أبی حاتم وابن حبان : ( لما عافى اللّه أیوب علیه السلام أمطر علیه جرادا من ذهب فجعل یأخذ منه بیده ویحمل فی ثوبه فقیل له : یا أیوب أما تشبع ؟   قال : یا رب ومن یشبع من رحمتک ) .


وأما الحرف اللفظی التاسع عشر الموجود عن توجه الحی فهو الزای الذی له صفات .

الجهر والإرتخاء والانفتاح والإنسفال والصفیر .

وهو عند الشیخ من الحروف المقدسة التی تتصل بها الحروف وهو لا یتصل بها فهو أحد حروف الذات السبعة " أدذرزولا " وهو مخصوص بالتتریه الذاتی وتتریهه هذا مناسب لحکمته الغیبیة فالغیب الباطن هو المتره .


یقول الشیخ عنه فی تعریفه فی الباب الثانی من الفتوحات :

فی الزای سرّ إذا حققت معناه ... کانت حقائق روح الأمر مغناه

إذا تجلى إلى قلب بحکمته ... عند الفناء عن التنزیه أغناه

فلیس فی أحرف الذات النزیهة من ... یحقق العلم أو یدریه إلا هو


فانظر کیف ختم الأبیات بهویة الغیب المترهة .

وأما المترلة الفلکیة المناسبة لهذه المرتبة الأیوبیة فهی الشولة .

وفعل " شال " یعنی : رفع .

فالشولة تشیر إلى الحرکة نحو العلو کما یرفع الهواء الأجسام ، والرفع إلى العلو تتریه .

والثلثان الأولان للشولة فی برج العقرب الذی له طبع الماء البارد الرطب ، وبید ملک هذا البرج مفتاح خلق النباتات .

وثلثها الأخیر فی برج القوس الناری الحار الیابس ولملکه تدبیر الأجسام النوریة والظلمانیة ومفتاح خلق النار حسب ما ذکره الشیخ فی " عقلة المستوفز ".

 ولتأکید المناسبات بین الاسم الإلهی وما یوجد عنه من مراتب وحروف ومنزلة فلکیة


یقول الشیخ فی آخر هذا الفصل 29 من الباب 198 :

" فله - أی للهواء - حرف الزای وهو من حروف الصفیر فهو مناسب لأن الصفیر هواء بشدة وضیق وله الشولة وهی حارة فافهم " .


19 : سورة فص أیوب علیه السلام

سورة هذا الفص هی " الشرح " المناسبة تماما لحال أیوب الذی شرح اللّه صدره بالنبوة ووضع وزره الذی أنقض ظهره من البلاء العظیم الذی أصابه ، ورفع ذکره فی القرآن وجعل له بعد العسر یسرا ، ووفقه للصبر ،

 ورغب من ربه وحده فی رفع الضر عنه متحققا بآخر آیة من " الشرح " الآیة ( 8 ) :وَإِلى رَبِّکَ فَارْغَبْ ولهذا ختم الشیخ الفص بالشکوى إلى اللّه والرغبة إلیه فأیوب أواب إلى اللّه تعالى أی راغب فی فضله رجاع له لا إلى الأسباب .

وأتى الشیخ بجملة هی کالشرح للآیتین الأخیرتین من " الشرح " فقال فی نهایة الفص : " فقد نصحناک فاعمل " إشارة إلى الآیة ( 7 ) :فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ

ثم قال : " وإیاه سبحانه فاسأل " إشارة إلى "وَإِلى رَبِّکَ فَارْغَبْ" والاسم الحاکم على هذا الفص - هو " الحی " المتوجه على إیجاد الهواء . وبالهواء یشرح الصدر حسا .


وفی الفص کلام عن إزالة الآلام وزوال الغضب ، کل ذلک من الآیات :وَوَضَعْنا عَنْکَ وِزْرَکَ. . .إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْراً( الشرح ، 2 - 6 ) وهو نفس ما نجده فی الوصل " 21 " من الباب " 369 فـ " وهو الوصل الخاص بسورة " الشرح " حیث یقول : " . . . وزال ما کان یجده من ثقل الکون الذی من أجله سمی الجن والإنس : الثقلین .

وهو اسم لکل موجود طبیعی . وزال عنه ما کان یحس به من الألم النفسی والحسی ورفعه اللّه عند هذا مکانا علیا وهو نصیبه من مقام إدریس علیه السلام فارتفعت مکانته وزالت زمانته وحمد مسراه وحمد ما أعطاه سراه . . . "

وأما الآیة ( 4 ) : وَرَفَعْنا لَکَ ذِکْرَکَ

فیناسبها قول الشیخ : " وأعلم أن سر اللّه فی أیوب الذی جعله عبرة لنا وکتابا مسطورا خالیا تقرؤه هذه الأمة المحمدیة لتعلم ما فیه فتحلق بصاحبه تشریفا لها . "


علاقة هذا الفص بسابقة ولاحقه

الفص السابق تکلم عن القتل والموت من تباب سورة " المسد " . وکل موت من موطن هو حیاة فی موطن آخر .

فجاء هذا الفص یتکلم عن الحیاة بعد الهلاک من سورة " الشرح " لأیوب .

وفی الفص السابق کلام حول الذکر ورفعته :وَرَفَعْنا لَکَ ذِکْرَکَ ، کذکر یونس :لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَکَ إِنِّی کُنْتُ مِنَ الظَّالِمِینَ( الأنبیاء ، 87 ) وفی هذا الفص کلام عن تسبیح کل شیء .

وآخر ما ختم به هذا الفص " نصحناک فاعمل وإیاه سبحانه فاسأل " من آخر الشرح الآیة " 7 - 8 " :فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ( 7 ) وَإِلى رَبِّکَ فَارْغَبْ هو ما نجده عملیا فی سورة " الکوثر " الآیة " 2 " التی لها فص یحیى التالی :فَصَلِّ لِرَبِّکَ وَانْحَرْ.


ولفص " یحیى " الاسم " المحیی " وفلک الماء الذی حیی به أیوب والذی لفصه الاسم " الحی " : فالفصان متکاملان وسورتاهما فی غایة المناسبة فموضوعهما ذکر النعم والتکالیف المخاطب بها سیدنا محمد صلى علیه وسلم وفیهما کبرى البشائر له .

فناسب شرح صدره صلى اللّه وعلیه وسلم فص أیوب وناسب کوثره صلى اللّه علیه وسلم فص یحیى علیه السلام.