الفقرة السابعة :
نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشیخ عبد الرحمن أحمد الجامی 898 ه:
20 – شرح نقش فص حکمة جلالیة فی کلمة یحیویة
إنّما اختصّت الکلمة الیحیویة بالحکمة الجلالیة لأنّ من شأن الجلال القهر لما یقال له «الغیر» و «السوی» و إثبات الوحدة الإطلاقیة و نفى ما یشعر بالثنویة على ما هو مقتضى التعیّنات الجلائیة، و لذلک یستلزم الأوّلیة و الخفاء.
و کان فی یحیى أیضا هذه الوحدة حتّى لا تغایر بین اسمه و صفته و صورته و معناه، و به صار مظهرا للأوّلیة بأن لم یکن له سمیّا قبله.
و أیضا کان الغالب على حاله أحکام الجلال من القبض و الخشیة و الحزن و البکاء و الجدّ و الجهد فی العمل و الهیبة و الرقّة و الخشوع فی القلب. روى أنّه بکى من خشیة الله حتّى خدّت الدموع فی خدّه أخادید. و کان لا یضحک إلّا ما شاء الله.
و ورد فی الحدیث ما معناه أنّ یحیى و عیسى علیهما السلام تفاوضا،
فقال یحیى لعیسى کالمعاتب له لبسطه، «کأنّک قد أمنت مکر الله و عذابه».
فقال عیسى، "کأنّک أیست من فضل الله و رحمته".
فأوحى الله إلیهما "أنّ أحبّکما إلىّ أحسنکما ظنّا بى".
و کل ذلک من مقتضیات حضرة الجلال و القیام بحقّها.
و لذلک قتل فی سبیل الله، و قتل على دمه سبعون ألفا حتّى سکن دمه من فورانه.
اعلم أنّه لیس فی الوجود موجود یستهلک کثرة صفاته و أفعاله فی وحدة ذاته بحیث یضمحلّ لدیها کلّ عدد و معدود إلّا الحق سبحانه.
فمن عنایته بشأن یحیى علیه السلام أن جعل له من هذا الکمال نصیبا، فأقامه مقام نفسه.
فأدرج اسمه و صفته و فعله فی وحدة ذاته بأن جمع فی اسمه بین الدلالة على ذاته و بین الدلالة على صفته و فعله فاتّحد الکل بحسب الوجود اللفظی:
أمّا دلالته على ذاته، فللعلمیة و أمّا على فعله، فلأنّه صیغة فعل یدلّ على إحیائه ذکر زکریّا علیه السلام و أمّا على صفته، فلأنّه لیس
قال الشیخ رضی الله عنه : ( أنزله منزلته من الأسماء . فلم یجعل له من قبل سمیاً . فبعد ذلک وقع الاقتداء به فی اسمه . لیرجع إلیه . وآثرت فیه همة أبیه لما أشرب قلبه من مریم . وکانت منقطعة من الرجال . فجعلهُ حصوراً بهذا التخیل .
والحکماء عثرت على هذا مثل هذا .
فإذا جامع أحدٌ أهله فلیخیل فی نفسه عند إنزاله الماء أفضل الموجودات .
فإن الولد یأخذ من ذلک بحظٍ وافر . إن لم یأخذه کله .)
إحیاؤه ذکر زکریّا إلّا للاتّصاف بصفاته و الظهور بها.
و لمّا کانت الوحدة تستلزم الأوّلیة و عدم المسبوقیة بالغیر، (أنزله)، أی أنزل الله یحیى، أی (منزلة)، أی منزلة نفسه تعالى، (فی) أوّلیة الأسماء فکما کان لاسمه سبحانه الأوّلیة- أعنى الاسم «الله»، حیث لم یسمّ به غیره سبحانه قبله و لا بعده- کذلک أعطاه الأوّلیة فی الاسم.
(فلم یجعل له)، أی لیحیى، (من قبل)، أی قبل تسمیته بـ «یحیى»، (سمیا)، أی مشارکا له فی هذا الاسم. و المراد بأوّلیة اسم الشیء أن یکون اسمیّته و علمیّته أوّلا بالنسبة إلى ذلک الشیء، لا إلى غیره.
فبعد ذلک، أی بعد أن أعطاه الأوّلیة فی ذلک الاسم، (وقع) من غیره (الاقتداء به)، أی بیحیى، (فی اسمه) هذا، (لیرجع الیه) ، و یجعل أصلا فی التسمیة بهذا الاسم.
فمن سمّى به إنّما سمّى به على سبیل التطفّل و التبعیة.
(و أثرت فیه)، أی فی یحیى، (همة أبیه) زکریّا علیه السلام- فانّ الهمّة من الأسباب الباطنة- (لما أشرب قلبه) ، أی قلب أبیه زکریّا، (من) حبّ (مریم)، فانّ أوّل الأسباب فی وجود یحیى استحسان أبیه علیهما السلام حال مریم.
فتوجّه بهمّته ملتجئا إلى ربّه بدعائه.
فاستجاب له ربّه و رزقه یحیى علیه السلام. (فجعله) الله أو أبوه (حصورا) لم یقرب النساء، حصرا لنفسه، أی منعا لها عن الشهوات، بهذا التخیل، أی بسبب تخیّله مریم و استحسانه أحوالها عند إرسال همّته على وجود یحیى.
و فی بعض النسخ: «فجعله حصورا هذا التخیّل»، على أن یکون «هذا التخیّل» فاعلا لقوله "جعله".
(و الحکماء عثرت) و اطّلعت (على مثل هذا، فإذا جامع أحد أهله، فلیخیل هو فی نفسه) و أهله أیضا فی نفسها (عند انزال الماء) فی رحمها (أفضل الموجودات) المستحضرة عنده، (فان الولد یأخذ من ذلک التخیّل بحظ وافر) و نصیب کامل من الأمر المتخیّل و أحواله و أوصافه و أخلاقه، (ان لم یأخذ کله).
و ذلک لأنّ الولد إنّما یتکوّن بحسب ما غلب على الوالدین من الصفات و الهیئات النفسانیة و الأعراض الجسمانیة و الصور الذهنیة الخیالیة.
فالصورة التی یشهدها الوالدان أو یتخیّلانها حال المواقعة لها تأثیر عظیم فی حال الولد حتّى قیل: "إنّ امرأة ولدت ولدا صورته صورة البشر، و جسمه جسم الحیّة و لمّا سئلت عنها، أخبرت بأنّها حین المواقعة رأت حیّة."