الفقرة العاشرة :
کتاب المفاتیح الوجودیة والقرآنیة لفصوص الحکم عبد الباقی مفتاح 1417هـ :
20 - فص حکمة جلالیة فی کلمة یحیاویة
المرتبة 20 : لفص حکمة جلالیة فی کلمة یحیاویة . من الاسم المحیی ومرتبة الماء وحرف السین ومنزلة النعائم .
إبقاء کل صفة یستلزم وجود ضدها . . . فلا معنى ولا بقاء للاسم الممیت إلا بضده أی المحیی . وما الموت إلا انتقال من هیئة إلى أخرى .
فالخروج من الأولى باسمه الممیت هو عین الدخول فی الأخرى باسمه المحیی .
أی أن ظهور الممیت یستلزم ظهور المحیی فهما وجهان لحقیقة واحدة متلازمان کالوالد وولده .
ولهذا لما کانت للمرتبة 21 لزکریا ، الوالد والأرض والممیت کان للمرتبة 20 یحیى الولد والماء والاسم المحیی .
هذا التلازم یؤکده ما نجده فی کتاب العبادلة حیث نجد بابا تحت عنوان :
" عبد اللّه بن یوسف بن عبد المحیی "
والباب الذی یتلوه عنوانه : " عبد اللّه بن یعقوب بن عبد الممیت . . . " .
وأما وصف هذه الحکمة بالجلالیة فلأن الغالب على یحیى الجلال قبضا وخشیة وبکاء وهیبة وقتل شهیدا هو ووالده . وقیل إنه قتل فی دمه سبعون ألفا . . .
ومن هذا الجلال نجده مترددا بین سماء هارون الخامسة وسماء عیسى الثانیة . . .
ومعلوم أن سماء هارون هی فلک المریخ الأحمر وهی سماء الجلال والقهر والفتن والقتل والأضاحی . . .
ویحیى هو الذی یضحی بکبش الموت فی آخر یوم القیامة . . .
وأما علاقة المحیی بالماء الذی له هذه المرتبة فمعروفة کثیرة الورود فی القرآن کقوله تعالى : وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ کُلَّ شَیْءٍ حَیٍّ( الأنبیاء ، 30 )
وقد تکلم علیه الشیخ فی الفصل 30 من الباب 198 حیث قارن بین وظیفة وقوة الملائکة والماء
ثم قال : ( والماء وإن کان من الملائکة فهو ملک عنصری وأصله فی العنصر من نهر الحیاة الطبیعیة الذی فوق الأرکان وهو الذی ینغمس فیه جبریل کل یوم غمسة وینغمس فیه أهل النار إذا خرجوا منها بالشفاعة . فهذا الماء العنصری من ذلک الماء الذی هو نهر الحیاة )
. . . (وهذا الرکن هو الذی یعطی الصور فی العالم کله وحیاته فی حرکاته . . . ) .
وحیث أن أخص صفات الروح هی الحیاة ، وعیسى روح اللّه ، کان یحیى ملازما لعیسى فی الدنیا وفی السماء الثانیة .
وتلازمهما کتلازم الجلال والجمال . وقد ورد اسمه تعالى .
ذو الجلال الحاکم على حکمة یحیى مرتین فی القرآن فی سورة الرحمن مقترنا بالإکرام الذی هو من مظاهر الجمال . . .
ومن هذا التلازم قارن الشیخ فی هذا الفص بین سلام اللّه على یحیى وسلام عیسى على نفسه . . .
وحتى یکون یحیى مظهرا کاملا للحیاة مات شهیدا مع والده والشهداء أحیاء عند ربهم یرزقون . وقتله مظهر جلالی کما أن رفع عیسى للسماء مظهر جمالی وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ ( النساء ، 157).
وأما المنزلة الفلکیة المناسبة لهذه المرتبة المتوجه علیها الاسم " المحیی " فهی النعائم ، والحیاة والماء من أعظم النعم ، والأنعام هی الحیوانات ، ولها حرف السین الذی له صفات الهمس وا لإرتخاء والانفتاح والصفیر والإنسفال وکلها صفات المقهور تحت هیبة الجلال . . .
وکعادة الشیخ فی التمهید لمرتبة الفص الموالی ، ذکر فی آخر هذا الفص الحائط والجذع الیابس إشارة إلى التراب –
ومن معانی الحائط فی اللغة البستان - وإلى الأرض التی لها فص زکریاء بصفته المالکة حیث أن فلک التراب هو آخر أفلاک المملکة وما بقی بعده إلا المولدات وعمار المنازل .
20 : سورة فص یحیى علیه السلام
سورة هذا الفص هی " الکوثر " التی خصص الشیخ لها الباب " 276 ف " ومداره حول خیال الإنسان وللخیال علاقة بیحیى .
فالشیخ یقول إن صورة مریم الکاملة المنطبعة فی خیال زکریاء هی السبب فی ولادة یحیى حصورا کما کانت مریم بتولا . . .
وقد تکلم فی فص زکریاء التالی عن الوهم وأثره فی أصحابه .
والاسم الحاکم على هذا الفص هو " المحیی " المتوجه على إیجاد فلک " الماء " وعلى منزلة " النعائم " .
ومن نعم اللّه على رسوله صلى اللّه علیه وسلم حوض کوثر ماء الحیاة الدائمة والعلاقة بین الحیاة ویحیى والماء والکوثر ظاهرة .
ووجه المناسبة بین الفص وسورة " الکوثر " یظهر فی الآیة الأخیرة :إِنَّ شانِئَکَ هُوَ الْأَبْتَرُ أی المقطوع الذکر فلا عقب ولا وارث له .
أما أنت أیها الرسول فسترثک أمتک فی مقام الدین .
وهذا ما أکد علیه الشیخ فی هذا الفص بقوله : " لأنه علیه السلام آثر بقاء ذکر اللّه فی عقبه إذ الولد سر أبیه
فقال : " یرثنی ویرث من آل یعقوب " ولیس ثم موروث فی حق هؤلاء إلا مقام ذکر اللّه والدعوة إلیه " .
فیحیى ، حتى وإن کان حصورا ولم یعقب ولدا ، لیس بأبتر لأن ذکره باق فی العالمین أبد الآبدین ، بل هو الذی یذبح الموت فینحره على سور الأعراف عند نهایة یوم القیامة واستقرار أهل الجنة وأهل النار فیهما استقرار الخلود ، فهو آخر متحقق بالکلمة الوسطى فی " الکوثر " أی :" . . . وانحر " .
وقول الشیخ : " . . . فقدم الحق على ذکر ولده " یشیر إلى تقدم آیة فَصَلِّ لِرَبِّکَ وَانْحَرْ
أی القیام بحق الحق تعالى - على ذکر الولد فی آیة إِنَّ شانِئَکَ هُوَ الْأَبْتَرُ والمصلی هو المتأخر عن السابق .
وقد توسع الشیخ فی تفصیل هذا المعنى فی الباب " 369 فـ " الوصل السابع المتعلق بسورة " الکوثر " .
علاقة هذا الفص بسابقة ولاحقه
بدأ هذا الفص بمسألة مقام ذکر اللّه والرغبة فی دوامه وفی هذا تلویح لسورة الفص السابق أی " الشرح " .
فکما ورث یحیى زکریاء ، ورثت الأمة المحمدیة من نبیها مقام الذکر والدعوة إلى اللّه .
فآیة : فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ( 7 ) وَإِلى رَبِّکَ فَارْغَبْ تتمثل فی آیة : فَصَلِّ لِرَبِّکَ وَانْحَرْ وآیة : وَرَفَعْنا لَکَ ذِکْرَکَ تتمثل فی آیة : إِنَّ شانِئَکَ هُوَ الْأَبْتَرُ وآیة :أَلَمْ نَشْرَحْ لَکَ صَدْرَکَ مظهر من مظاهر :إِنَّا أَعْطَیْناکَ الْکَوْثَرَ.
وقوله فی هذا الفص :
" إن الولد سر أبیه " تمهید لسورة فص زکریاء التالی أی " البلد " من آیتها : " ووالد وما ولد " فلیحیى الجلال والاسم " الحی " وفلک الماء .
ولوالده الشدة من الاسم " المالک الممیت " وفلک التراب ، فالحی والممیت ، کالماء والتراب ، متکاملان لأن الموت من عالم هو عین الحیاة فی عالم آخر . . .
وکل من یحیى وزکریاء کابد من الیهود القهر والجلال والشدة فکانا من الذائقین للآیتین : " ووالد وما ولد لقد خلقنا الإنسان فی کبد ".