عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة الثالثة عشر :


الجزء الأول

شرح فصوص الحکم من کلام الشیخ الأکبر ابن العربی أ. محمود محمود الغراب 1405 هـ:

21 - فص حکمة مالکیة فی کلمة زکریاویة

اعلم أن رحمة الله وسعت کل شیء وجودا وحکما، وأن وجود الغضب من رحمة الله بالغضب. 

فسبقت رحمته غضبه أی سبقت نسبة الرحمة إلیه نسبة الغضب إلیه. 

ولما کان لکل عین وجود یطلبه من الله، لذلک عمت رحمته کل عین، فإنه برحمته التی رحمه بها قبل رغبته فی وجود عینه، فأوجدها.

فلذلک قلنا إن رحمة الله وسعت کل شیء وجودا وحکما. "2"

والأسماء الإلهیة من الأشیاء، وهی ترجع إلى عین واحدة. "3"

فأول ما وسعت رحمة الله شیئیة تلک العین الموجدة للرحمة بالرحمة


………………………..


1 - المناسبة بین تسمیة الحکمة بمالکیة وزکریا علیه السلام 

هی أن الرحمة لما ذکرت زکریا علیه السلام قامت به وکانت لها الحکم فیه وعلیه ، فکان راحما مرحوما فملکته ، والأسماء الإلهیة جمیعها ملکت الوجود فإنه عنها صدرت وخاصة الاسم الرحمن ، فکان مال العالم إلى الرحمة فإنها ملکته .


2 - شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب

راجع فص 7، هامش 17، ص 117


"" 17 ۔ شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب فص 7، هامش 17، ص 117

من اختصاص البسملة فی أول کل سورة تویج الرحمة الإلهیة فی منشور تلک السورة أنها منه کعلامة السلطان على مناشیره، وسورة التوبة والأنفال سورة واحدة قسمها الحق على فصلین ، فإن فصلها وحکم بالفصل فقد سماها سورة التوبة ، أی سورة الرجعة الإلهیة بالرحمة على من غضب علیه من العباد ، فما هو غضب أبد لکنه غضب أمد ، والله هو التواب .

فما قرن بالتواب إلا الرحیم لیؤول المغضوب علیه إلى الرحمة ، أو الحکیم لضرب المدة فی الغضب وحکمها فیه إلى أجل ، فیرجع علیه بعد انقضاء المدة بالرحمة ، فانظر إلى الاسم الذی نعت به التواب تجد حکمه کما ذکرنا ، والقرآن جامع لذکر من رضی عنه وغضب علیه ، وتتویج منازله بالرحمن الرحیم ، والحکم للتتویج ، فإنه به یقع القبول ، وبه یعلم أنه من عند الله ، فثبت انتقال الناس فی الدارین فی أحوالهم من نعیم إلى نعیم ، ومن عذاب إلى عذاب ، ومن عذاب إلى نعیم ، من غیر مدة معلومة لنا ، فإن الله ما عرفنا ، إلا أنا استروحنا من قوله « فی یوم کان مقداره خمسین ألف سنة » أن هذا القدر مدة إقامة الحدود .

خلق الله الخلق قبضتین فقال هؤلاء للنار ولا أبالی ، وهؤلاء إلى الجنة ولا أبالی .


فمن کرمه تعالی لم یقل هؤلاء للعذاب ولا أبالی وهؤلاء إلى النعیم ولا أبالی وإنما أضافهم إلى الدارین لیعمروها ، فإنه ورد فی الخبر الصحیح أن الله لما خلق الجنة والنار قال لکل واحدة منهما لها علی" ملؤها ، أی أملؤها سکانا ، فیستروح من هذا عموم الرحمة فی الدارین وشمولها حیث ذکرهما ولم یتعرض لذکر الآلام وقال بامتلائهما وما تعرض لشیء من ذلک .

فکان معنى « ولا أبالی » فی الحالتین لأنهما فی المال إلى الرحمة ، فلذلک لا یبالی فیهما ، ولو کان الأمر کما یتوهمه من لا علم له من عدم المبالاة.

ما وقع الأخذ بالجرائم ، ولا وصف الله نفسه بالغضب ، ولا کان البطش الشدید ، فهذا کله من المبالاة والتهمم بالمأخوذ ، إذ لو لم یکن له قدر ما عذب ولا استعد له ، وقد قیل فی أهل التقوى إن الجنة أعدت للمتقین ، وقال فی أهل التقاء « وأعد لهم عذابا ألیما » فلولا المبالاة ما ظهر هذا الحکم .


فما أعظم رحمة الله بعباده وهم لا یشعرون ، فإن الرحمة الإلهیة وسعت کل شیء ، فما ثم شیء لا یکون فی هذه الرحمة « إن ربک واسع المغفرة » فلا تحجروا واسعا فإنه لا یقبل التحجیر ، ولقد رأیت جماعة ممن ینازعون فی اتساع رحمة الله وأنها مقصورة على طائفة خاصة ، فحجروا وضیقوا ما وسع الله ،


فلو أن الله لا یرحم أحدا من خلقه لحرم رحمته من یقول بهذا ، ولکن أبی الله تعالى إلا شمول الرحمة ، قال تعالى لنبیه صلى الله علیه وسلم : « وما أرسلناک إلا رحمة للعالمین » ،


وما خص مؤمنا من غیره ، والله أرحم الراحمین کما قال عن نفسه ، وقد وجدنا من نفوسنا ، وممن جبلهم الله على الرحمة انهم یرحمون جمیع العباد ، حتى لو حکمهم الله فی خلقه لأزالوا صفة العذاب من العالم ، بما تمکن حکم الرحمة من قلوبهم ، وصاحب هذه الصفة أنا وأمثالی مخلوقون أصحاب أهواء وأغراض ، وقد قال عن نفسه جل علاه أنه أرحم الراحمین ، فلا شک أنه أرحم منا بخلقه ، و نحن قد عرفنا من تفوسنا هذه المبالغة فی الرحمة .

فکیف یتسرمد، علیهم العذاب وهو بهذه الصفة العامة من الرحمة ، إن الله أکرم من ذلک ، ولا سیما وقد قام الدلیل العقلی على أن الباری لا تنفعه الطاعات، ولا تضره المخالفات، وان کل شیء جار بقضائه وقدره وحکمه.


وأن الخلق مجبورون فی اختیارهم ، وقد قام الدلیل السمعی أن الله یقول فی الصحیح « یا عبادی » فأضافهم إلى نفسه ، وما أضاف الله قط العباد لنفسه إلا من سبقت له الرحمة ألا یؤبد علیهم الشقاء وإن دخلوا النار .

فقال : « یا عبادی لو أن أولکم وآخرکم وإنسکم وجنکم اجتمعوا على أتقى قلب رجل واحد منکم ما زاد ذلک فی ملکی شیئا ، یا عبادی لو أن أولکم وآخرکم وإنسکم وجنکم اجتمعوا على أفجر قلب رجل واحد منکم ما نقص ذلک من ملکی شیئا » .

وهذه مسألة المکاشف لها قلیل ، والمؤمن بها أقل ، وهو سر عجیب ، ما رأینا أحدا نبه علیه من خلق الله ، وإن کانوا قد علموه بلا شک ، وما صانوه والله أعلم إلا صیانة لأنفسهم ورحمة بالخلق .

لأن الإنکار یسرع إلیه من السامعین ، ووالله ما نبهت علیه هنا إلا لغلبة الرحمة علیه فی هذا الوقت ، فمن فهم سعد ومن لم یفهم لم یشق بعدم فهمه وإن کان محروما ، فقد أظهرت أمرا فی هذه المسألة لم یکن باختیاری ، ولکن حق القول الإلهی بإظهاره ، فکنت فیه کالمجبور فی اختیاره ، والله ینفع به من یشاء لا إله إلا هو .

الفتوحات : ج2 / 148 ، 244 ، 674 - ج 3 / 25 ، 100 ، 101 ، 383 . ج 4 / 163 .  أهـ ""



3- الأسماء الإلهیة نسب وإضافات *

« ولله الأسماء الحسنى » ولیست سوى هذه النسب ، وهل لها أعیان وجودیة أم لا ؟

ففیه خلاف بین أهل النظر ، وأما عندنا فما فیها خلاف أنها نسب وأسماء على

حقائق معقولة غیر وجودیة ، فالذات غیر متکثرة بها ، لأن الشیء لا یتکثر إلا بالأعیان الوجودیة لا بالأحکام والإضافات والنسب.

واعلم أنه لما کانت الأسماء الإلهیة نسبا تطلبها الآثار، لذلک لا یلزم ما تعطل حکمه منها ما لم یتعطل ، وإنما یقدح ذلک لو اتفق أن تکون أمرا وجودیة ، فالله إله



ص 317



 * * * * * 

……………………….

سواء وجد العالم أو لم یوجد ، فإن بعض المتوهمین تخیل أن الأسماء تدل على أعیان وجودیة قائمة بذات الحق ، فإن لم یکن حکمها یعم وإلا بقی منها ما لا أثر له معطلا، فلما خلق الله العالم رأیناه ذا مراتب وحقائق مختلفة ، 

تطلب کل حقیقة منه من الحق نسبة خاصة ، فلما أرسل تعالى رسله کان مما أرسلهم به لأجل تلک النسبة أسماء تسی بها لخلقه ، یفهم منها دلالتها على ذاته تعالى وعلى أمر معقول لا عین له فی الوجود ، له حکم هذا الأثر ، 

والحقیقة الظاهرة فی العالم من خلق ورزق و نفع وضر وإیجاد و اختصاص وأحکام وغلبة وقهر ولطف وتنزل واستجلاب ومحبة وبغض وقرب وبعد وتعظیم وتحقیر وکل صفة ظاهرة فی العالم تستدعی نسبة خاصة . 


لها اسم معلوم عندنا من الشرع ، فمنها مشترکة وإن کان لکل واحد من المشترکة معنى إذا ظهر تبین أنها متباینة ، فالأصل فی الأسماء التباین والاشتراک فیه لفظی . ومنها متباینة ، ومنها مترادفة ، ومع ترادفها فلابد أن یفهم من کل واحد معنى لا یکون فی الآخر ، فعلمنا ما سمی به نفسه واقتصرنا علیها .

فالأسماء الإلهیة نسب وإضافات ترجع إلى عین واحدة ، إذ لا یصح هناک کثرة بوجود أعیان فیه کما زعم من لا علم له بالله من بعض النظار ، 

ولو کانت الصفات أعیانا زائدة ، وما هو إله إلا بها ، لکانت الألوهیة معلولة بها ، فکون الباریء عالما حیا قادرا إلى سائر الصفات ، نسب وإضافات له ، لا أعیان زائدة ، لما یؤدی إلى نعتها بالنقص ، 

إذ الکامل بالزائد ناقص بالذات عن کماله بالزائد ، وهو کامل بذاته ، فالزائد بالذات على الذات محال ، وبالنسب والإضافة لیس بمحال ، 

وأما قول القائل لا هی هو ولا هی أغیار له ، فکلام فی غایة البعد . 

فإنه قد دل صاحب هذا المذهب على إثبات الزائد وهو الغیر بلا شک ، إلا أنه أنکر هذا الإطلاق لا غیر ، ثم تحکم فی الحد بأن قال الغیران هما اللذان یجوز مفارقة أحدهما الآخر مکانا وزمانا ، وجودا وعدما ، ولیس هذا بحد للغیرین عند جمیع العلماء به ، فلیس للأسماء أعیانا موجودة

 


ص 318



فأول شیء وسعته الرحمة نفسها ثم الشیئیة المشار إلیها، "4" 

ثم شیئیة کل موجود یوجد إلى ما لا یتناهى دنیا وآخرة، وعرضا وجوهرا، ومرکبا وبسیطا.

ولا یعتبر فیها حصول غرض ولا ملاءمة طبع، بل الملائم وغیر الملائم کله وسعته الرحمة الإلهیة وجودا.

وقد ذکرنا فی الفتوحات أن الأثر لا یکون إلا للمعدوم لا للموجود، وإن کان للموجود فبحکم المعدوم: وهو علم غریب ومسألة نادرة، "5"

ولا یعلم تحقیقها إلا أصحاب الأوهام، فذلک بالذوق عندهم.

وأما من لا یؤثر الوهم فیه فهو بعید عن هذه المسألة.

فرحمة الله فی الأکوان ساریة ... وفی الذوات وفی الأعیان جاریة

مکانة الرحمة المثلى إذا علمت ... من الشهود مع الأفکار عالیة،  "6"

………………………….

وإنما هی نسب . فمستند الآثار إلى أمر عدمی والعالم کله موجود عند ذلک التوجه المختلف النسب

فتوحات ج 1 / 42 ، 163 -  ج 3 / 411 - ج 4 / 294 



4 - راجع قلب العارف أوسع من رحمة الله

فص 12 ، هامش رقم 2، ص 174 


"" 2 - قلب العارف أوسع من رحمة الله فص 12 ، هامش رقم 2، ص 174 

الفقرة الواردة فی هذا الفص توضح ما أشار إلیه الشیخ رضی الله تعالی عنه فی الفتوحات الجزء الرابع ص 99  حیث یقول فی هذه المسألة : 

إلا أن فی الأمر نکتة أومیء إلیها ولا أنص علیها ، وذلک أن الله قد وصف نفسه بالغضب والبطش الشدید بالمغضوب علیه ، والبطش رحمة لما فیه من التنفیس وإزالة الغضب وهذا القدر من الإیماء کاف فیما ترید بیائه من ذلک . ""



5 - هب الأثر لا یکون إلا لمعدوم

أعلم أن الحکمة کلها والأمور أجمعها إنما هی قلمراتب لا للأعیان ، وأعظم المراتب الألوهیة ، وأنزل المراتب العبودیة ، فما ثم إلا مرتبتان ، فما ثم إلا رب وعبد لکن للألوهیة أحکام کل حکم منها یقتضی رتبة ، فإما یقوم ذلک الحکم بالإله فیکون. هو الذی حکم على نفسه ، وهو حکم المرتبة فی المعنى ، ولا یحکم بذلک الحکم إلا صاحب المرتبة ، لأن المرتبة لیست وجود عین ، وإنما هی أمر معقول ونسبة معلومة محکوم بها ولها الأحکام ،

وهذا من أعجب الأمور ، تأثیر المعدوم ، وإما أن یقوم ذلک الحکم بغیره فی الموجود إما أمرا وجودیا وما نسبة ، فلا تؤثر إلا المراتب ، مثال ذلک تأثیر رتبة العبد فی سیده ، فهو قیام السید بمصالح عبده لیبقى علیه حکم


ص 319



فکل من ذکرته الرحمة فقد سعد،  "6" 

 وما ثم إلا من ذکرته الرحمة.

……………………………………..

السیادة ، ومن لم یقم بمصالح عبده فقد عزلته المرتبة ، فإن المراتب لها حکم التولیة والعزل بالذات لا بالجمل کانت ما کانت . فتوحات ج 3 / 408 

یلاحظ ما جاء فی الأسماء الإلهیة أنها نسب وإضافات .

 


6 - ذکر الرحمة .

« ذکر رحمت ربک عبده زکریا » فی هذه الآیة ، الرحمة هی التی تذکر العبد ، ما هو یذکرها ، فتعطیه بذکره حقیقة ما فیها ، لأنها تطلب منه التعشق بها ، فإنه لا ظهور لها إلا به ، فهی حریصة على مثل هذا. 

وهذه الآیة تعرف إلهی بوجوب حکم الرحمة فیمن تذکره من عباده سبحانه وتعالى ، وجاء زکریا لا لخصوص الذکر، وإنما ساقته عنایة العبد ، فإنها ما ذکرته إلا لکونه عبدا له تعالى فی جمیع أحواله ، فأی شخص أقامه الله فی هذا المقام فبرحمته به أقامه ، لتذکره رحمة ربه عنده تعالی فحال عبودیته هو عین رحمته الربانیة التی ذکرته ، فأعلمت ربها أنها عند هذا العبد ، فأی شیء صدر من هذا الشخص فهو مقبول عند الله تعالى ، و من هذا المقام یحصل له من الله ما یختص به مما لا یکون لغیره ، وهو الأمر الذی یمتاز به ویخصه ، فإنه لابد لکل مقرب عند الله من أمر یختص به.


ولما کانت الصفات نسبا وإضافات ، والنسب أمور عدمیة ، وما ثم إلا ذات واحدة من جمیع الوجوه ، لذلک جاز أن یکون العباد مرحومین فی آخر الأمر ، ولا پسرمد علیهم عدم الرحمة إلى ما لا نهایة له ، إذ لا مکره له على ذلک ، والأسماء والصفات لیست أعیانا توجب حکما علیه فی الأشیاء ، فلا مانع من شمول الرحمة للجمیع ، ولا سیما وقد ورد سبقها للغضب ، فإذا انتهى الغضب إلیها کان الحکم لها ، فکان الأمر على ما قلناه . 

فتوحات ج 1 / 163 - ج 4 / 153 

راجع شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب - فص 7 - هامش 17 - ص 117

موجودة هامش 2 بهذا الفص

 


ص 320



فکل من ذکرته الرحمة فقد سعد، وما ثم إلا من ذکرته الرحمة.

وذکر الرحمة الأشیاء عین إیجادها إیاها. "7"  فکل موجود مرحوم.

ولا تحجب یا ولی عن إدراک ما قلناه بما ترى من أصحاب البلاء وما تؤمن به من آلام الآخرة التی لا تفتر عمن قامت به.  

واعلم أولا أن الرحمة إنما هی فی الإیجاد عامة. "8"

فبالرحمة بالآلام أوجد الآلام.

ثم إن الرحمة لها أثر بوجهین: أثر بالذات، وهو إیجادها کل عین موجودة. "9"

ولا تنظر إلى غرض ولا إلى عدم غرض، ولا إلى ملائم ولا إلى غیر ملائم: فإنها ناظرة فی عین کل موجود قبل وجوده. بل تنظره فی عین ثبوته، ولهذا رأت الحق المخلوق فی الاعتقادات عینا ثابتة فی العیون الثابتة فرحمته بنفسها بالإیجاد.

ولذلک قلنا إن الحق المخلوق فی الاعتقادات أول شیء مرحوم بعد رحمتها نفسها فی تعلقها بإیجاد الموجودین.

ولها أثر آخر بالسؤال، فیسأل المحجوبون الحق أن یرحمهم فی اعتقادهم، وأهل الکشف یسألون رحمة الله أن تقوم بهم، فیسألونها باسم الله فیقولون یا الله ارحمنا.

ولا یرحمهم إلا قیام الرحمة بهم، فلها الحکم، لأن الحکم إنما هو فی الحقیقة للمعنى القائم بالمحل.

فهو الراحم على الحقیقة. فلا یرحم الله عباده المعتنى بهم إلا بالرحمة، فإذا قامت بهم وجدوا حکمها ذوقا. فمن

…………………………………...


7، 9 ، 8 - الرحمة والإیجاد

اعلم أن العالم إنما صدر من نفس الرحمن ، لأنه نفس به عن الأسماء لما کانت نجده من عدم تأثیرها ، والرحمن ما رحم إلا حبابة المحب وهو رقة الشوق إلى لقاء المحبوب . 

ورد فی الحدیث الصحیح کشفا غیر الثابت نقلا عن رسول الله ما عن ربه عز وجل أنه قال «کنت کنزا لم أعرف فأحببت أن أعرف فخلقت الحلق وتعرف إلیهم فعرفونی » وذکر الله نفس الرحمن ، فلما ذکر المحبه . 

علمنا من حقیقة الحب ولوازمه مما یجده المحب فی نفسه ، وان الحب لا یتعلق إلا بمعدوم یصح وجوده . 

وهو غیر موجود فی الحال ، والعالم محدث والله کان ولا شیء معه . 

فکان الحب اصل سبب وجود العالم والسماع سبب تکوینه . 

وبهذا الحب وقع التنفس . 

وأظهر العالم تنفس الرحمن ، لإزالة حکم الحب وتنفس ما یجد الحب ، فکان العماء المسمى بالحق المخلوق به ، فکان ذلک العماء جوهر العالم ، فقبل صور العالم وأرواحه وطبائعه کلها ، وهو قابل لا یتناهی .  

فتوحات 2 / 123 ، 399 - ج 4 / 259


 


ص 321



ذکرته الرحمة فقد رحم.

واسم الفاعل هو الرحیم والراحم.

والحکم لا یتصف بالخلق لأنه أمر توجبه المعانی لذواتها.

فالأحوال لا موجودة ولا معدومة، أی لا عین لها فی الوجود لأنها نسب، "11" ولا معدومة فی الحکم لأن الذی قام به العلم یسمى عالما وهو الحال.

فعالم ذات موصوفة بالعلم، ما هو عین الذات ولا عین العلم، وما ثم إلا علم وذات قام بها هذا العلم.

وکونه عالما حال لهذه الذات باتصافها بهذا المعنى.

فحدثت نسبة العلم إلیه، فهو المسمى عالما.

والرحمة على الحقیقة نسبة من الراحم، وهی الموجبة للحکم، وهی الراحمة.

والذی أوجدها فی المرحوم ما أوجدها لیرحمه بها وإنما أوجدها لیرحم بها من قامت به.

وهو سبحانه لیس بمحل للحوادث، فلیس بمحل لإیجاد الرحمة فیه.

وهو الراحم، ولا یکون الراحم راحما إلا بقیام الرحمة به. فثبت أنه عین الرحمة. "12"

ومن لم یذق هذا الأمر ولا کان له فیه قدم ما اجترأ أن یقول إنه عین الرحمة أو عین الصفة، فقال ما هو عین الصفة ولا غیرها.

فصفات الحق عنده لا هی هو ولا هی غیره، لأنه لا یقدر على نفیها ولا یقدر أن یجعلها عینه، فعدل إلى هذه العبارة وهی حسنة، وغیرها أحق بالأمر منها وأرفع للإشکال، "13" وهو القول بنفی أعیان الصفات وجودا قائما بذات الموصوف.


………………………………………...

10 - راجع هامش   6 ص 320



11 - النسبة أمر معقول غیر موجود بین اثنین ،

فالنسب لا تقبل معنى الحدوث ولا القدم ، فإنه لا یقبل هذا الوصف إلا الوجود أو العدم ، فالنسب لا تصف بالوجود ولا بالعدم .

 فتوحات ج 1 / 253 - ج 2 / 56 ، 57


"" أضاف الجامع :

قال الشیخ رضی الله عنه الفتوحات الباب الثالث والسبعون عن الذات والأسماء والنسب والمظاهر:-

فاعلم إن هذه الأسماء الإلهیة التی بأیدینا هی أسماء الإلهیة التی سمى بها نفسه من کونه متکلما فنضع الشرح الذی کنا نوضح به مدلول تلک الأسماء على هذه الأسماء التی بأیدینا

وهو المسمى بها من حیث الظاهر ومن حیث کلامه وکلامه علمه وعلمه ذاته

فهو مسمى بها من حیث ذاته والنسب لا تعقل للموصوف بالأحدیة من جمیع الوجوه

إذا فلا تعقل الأسماء إلا بأن تعقل النسب ولا تعقل النسب إلا بأن تعقل المظاهر المعبر عنها بالعالم

فالنسب على هذا تحدث بحدوث المظاهر لأن المظاهر من حیث هی أعیان لا تحدث ومن حیث هی مظاهر هی حادثة فالنسب حادثة فالأسماء تابعة لها ولا وجود لها مع کونها معقولة الحکم . أهـ ""



12 - راجع هامش 6  ص 320


13 - الصفة عین الموصوف بالنسبة للحق تعالی

اعلم أن وجود العالم من حیث ما هو موجود بغیره ، مرتبط بالواجب الوجود لنفسه ، وأن عین الممکن محل تأثیر الواجب الوجود لنفسه بالإیجاد ، ولا یعقل إلا هکذا ،

فمشیئته تعالى وإرادته وعلمه وقدرته ذاته ، تعالى الله أن یتکثر فی ذاته علوا کبیرة ، بل له الوحدة المطلقة وهو الواحد الأحد ، فعین العالم عین الحى عین المرید



ص 322



وإنما هی نسب وإضافات بین الموصوف بها وبین أعیانها المعقولة."14"

وإن کانت الرحمة جامعة فإنها بالنسبة إلى کل اسم إلهی مختلفة، فلهذا یسأل سبحانه أن یرحم بکل اسم إلهی. "15"

فرحمة الله والکنایة هی التی وسعت کل شیء.

ثم لها شعب کثیرة تتعدد بتعدد الأسماء الإلهیة.

فما تعم بالنسبة إلى ذلک الاسم الخاص الإلهی فی قول السائل رب ارحم، وغیر ذلک من الأسماء.

حتى المنتقم له أن یقول یا منتقم ارحمنی، "16"

وذلک لأن هذه الأسماء تدل على الذات المسماة، وتدل بحقائقها على معان مختلفة.

فیدعو بها فی الرحمة من حیث دلالتها على الذات المسماة بذلک

……………………………………………………..

عین القادر ، وعین الحیاة هی عین العلم عین الإرادة عین القدرة . وعین الحیاة هی عین الحی عین العالم عین المرید عین القادر ، وکذلک ما بقی ، فالنسب مختلفة والعین واحدة ، وهو قول القائل یسمع بما به یبصر بما به یتکلم ، فکلام الله علیه وعلمه دانه ، ولیس یصح أن یکون کلامه لیس هو ، فإنه کان یوصف بأنه محکوم علیه بالزائد على ذاته ، وهو لا یحکم علیه عز وجل .


* یلاحظ التعارض بین قوله فی هذه الفقرة عن قول القائل : 

إن صفاته تعالی « لا هی هو ولا هی غیره ، أن هذه عبارة حسنة . 

وبین ما جاء عن هذه العبارة فی الهامش رقم (3) أن هذا کلام فی غایة البعد . 

فتوحات ج 1 / 291 -  ج 2 / 400 ، 608 



14 - راجع هامش رقم 3 ، ص 317



15 ، 16 - هل سال الله سبحانه أن یرحم بکل اسم ؟ وهل للمنتقم له أن یقول یا منتقم ارحمنی ؟ *

قال الله تعالى لنبیه صلى الله علیه وسلم « قل هو الله أحد» وعرفه فقال : « ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذین یلحدون فی أسمائه » یقول یمیلون عن أسمائه . 

لا بل یقول یمیلون فی أسمائه إلى غیر الوجه الذی قصد بها « سیجزون ما کانوا یعملون » من ذلک ، فکل یجزى بما مال إلیه فیما أوحینا ، یقول اتبع ما أوحی إلیک من ربک. ولا تمل بمیلهم. 

الفتوحات ج 4 / 77 



ص 323


 


الاسم لا غیر، لا بما یعطیه مدلول ذلک الاسم الذی ینفصل به عن غیره ویتمیز. "17"

فإنه لا یتمیز عن غیره وهو عنده دلیل الذات، وإنما یتمیز بنفسه عن غیره لذاته، إذ المصطلح علیه بأی لفظ کان حقیقة متمیزة بذاتها عن غیرها:

وإن کان الکل قد سیق لیدل على عین واحدة مسماة.

فلا خلاف فی أنه لکل اسم حکم لیس للآخر، فذلک أیضا ینبغی أن یعتبر کما تعتبر دلالتها على الذات المسماة. "18"

ولهذا قال أبو القاسم


…………………………………………..


17 - قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أیاما تدعوا فله الأسماء الحسنى «الآیة» *

« هل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن » من حیث المسمى فإنه قال « أیا ما تدعو » من حیث دلالته على عین المسمى « فله » أی لذلک المسمى « الأسماء الحسنى » والمسی هو المقصود فی هذه الآیة 

ولذلک قال « فله الأسماء الحسنى » ومن أسمائه الحسنى الله والرحمن إلى کل اسم سمى به نفسه ما تعلم وما لا تعلم ومما لا یصح أن یعلم أنه استأثر بأسماء فی علم غیبه ، فالحکم للمدعو بالأسماء الإلهیة لا للأسماء فإنها وإن تفرقت معانیها وتمیزت ، فإن لها دلالة على ذات معینة فی الجملة وفی نفس الأمر . 

وإن لم نعلم ولا یدرکها حد، فإنه لا یقدح ذلک فی إدراکنا وعلمنا أن ثم ذاتا ینطلق علیها هذه الأسماء

الحکم للمدعو بالأسماء     ….. ما الحکم للأسماء فی الأشیاء

لکن لها التحکیم فی تصریفها    …. فیه کمثل الحکم للأنواء 

الفتوحات ج 1 / 611 - ج 3 / 126 - ج 4 / 118

ومن أراد زیادة المعنى فلیراجع کتاب الجلال والجمال ، فتوحات ج 4 /196


راجع الدعاء بالأسماء لا بالهویة - فص 19، هامش 21 ص 308

 


""21 - الدعاء بالأسماء الإلهیة لا بالهویة * فص 19، هامش 21 ص 308

لما کان الاسم الله جامعا للنقیضین فهو وإن ظهر فی اللفظ فلیس المقصود إلا اسما خاصا منه تطلبه قرینة الحال ، فإذا قال طالب الرزق المحتاج إلیه «یا الله ارزقنی» والله هو المانع أیضا. 

فما یطلب بحاله إلا الاسم الرزاق، فما قال بالمعنى إلا «یا رزاق ارزقنی» فمن أراد الإجابة من الله فلا یسأله إلا بالاسم الخاص بذلک الأمر. 

ولا یسأل باسم یتضمن ما یریده و غیره . 

ولا یسأل بالاسم من حیث دلاله على داب المسی . 

ولکن یسأل من حسن المعنى الذی هو علیه . 

الذی لأجله جاء وتسبز عن غیره من الأسماء تمیز معنى لا تسیز لفظ .

فتوحات ج 2 / 462  ""


18 - « ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها » *

« ولله الأسماء الحسنى » وإن کان له جمیع الأسماء التی یفتقر کل فقیر إلى مسماها ، ولا فقر إلا إلى الله ، ومع هذا فلا یطاق علیه من الأسماء إلا ما یعطی الحسن عرفا وشرعا ، ولذلک نعت أسماءه بالحسنى ، والحق هو الذی نصبه الشرع للعباد . وبما سمى به نفسه نسمیه ، وبما وصف به ذاته نصفه ، لا تزید على ما أوصل إلینا .

 ص 324


الجزء الثانی

بن قسی فی الأسماء الإلهیة إن کل اسم إلهی على انفراده مسمى بجمیع الأسماء الإلهیة کلها:

إذا قدمته فی الذکر نعته بجمیع الأسماء، وذلک لدلالتها على عین واحدة، وإن تکثرت الأسماء علیها واختلفت حقائقها، أی حقائق تلک الأسماء. "19"

ثم إن الرحمة تنال على طریقین، طریق الوجوب، وهو قوله «فسأکتبها للذین یتقون ویؤتون الزکاة» وما قیدهم به من الصفات العلمیة والعملیة.

والطریق الآخر الذی تنال به هذه الرحمة طریق الامتنان الإلهی الذی لا یقترن به عمل وهو قوله «ورحمتی وسعت کل شیء» ومنه قیل «لیغفر لک الله ما تقدم من ذنبک وما تأخر»، ومنها قوله «اعمل ما شئت فقد غفرت لک» فاعلم ذلک. "20"

………………………………...

ولا نخترع له اسما من عندنا . 

وقال لنا « فادعوه بها » فإذا دعوته باسم منها تجلی مجیبا لک فی عیں ذلک الاسم . وإن الاسم الله وإن کان جامعا للنقبتیں . فهو وإن ظهر فی اللفظ فلیس المقصود إلا اسما خاصا منه . تطلبه قرینة الحال . 

فإذا قال مطالب الرزق المحتاج إلیه با الله ارزقنی ، والله هو المانع أیضا ، فما یطاب بحاله إلا الاسم الرزاق . 

فما قال بالمعنى الا یا رزاق ارزقنی ، 

فمن أراد الإجابة من الله فلا یسأله إلا بالاسم الخاص بذلک الأمر . 

ولا یسأل باسم یتضمن ما یریده وغیره . 

ولا یسأل بالاسم من حیث دلالته على ذات المسمی ، ولکن یسأل من حیث المعنى الذی هو علیه الذی لأجله جاء وتمیز به عن غیره من الأسماء تمیز معنى لا تمیز لفظ . 

الفتوحات ج 2 / 462 - ج 3 / 498 - ج 4 / 171 ، 199


19 - قول أبی القاسم ابن قسی

راجع کل اسم إلهی یتسمى بجمیع الأسماء - فص 4، هامش 10، ص 81


""  10 - کل اسم إلهی یتسمى بجمیع الأسماء وینعت بها فص 4، هامش 10، ص 81

سبب ذلک التوحید العین ، وعدم التشبیه بالکون ، وهذا مشهد عزیز لا یناله إلا الأعز من عباده ، المتوحدین به الذین لانظر لأنفسهم إلا بعینه , والمغیب کونهم فی کونه .

"یشیر إلى الحدیث :  فإذا أحببته، کنت سمعه الذی یسمع به، وبصره الذی یبصر به، ویده التی یبطش بها، ورجله التی یمشی بها فإن سألنی عبدی، أعطیته، وإن استعاذنی، أعذته "

 الموحد له لا لهم ، فلا یطلب بالعقول مالا یصح الیه الوصول فکل اسم إلهی یتضمن جمیع الأسماء کلها .

ولتعلم وفقک الله أن کل اسم ینعت بجمیع الأسماء فی أفقه ، فکل اسم فهو حی قادر سمیع بصیر متکلم فی أفقه وفی علمه ، وإلا فکیف یصح أن یکون ربا لعابده ؟

فکل اسم جامع لما جمعت الأسماء من الحقائق .

الفتوحات ج1/ 101 , ذخائر الأعلاق


راجع   "لکل عبد اسم هو ربه"   فص 7 هامش 2 ص 105


""  2 - لکل عبد اسم هو ربه   فص 7 هامش 2 ص 105

لولا العصر والمعاصر ، و الجاهل والخابر ، ما عرف أحد معنى اسمه الأول والآخر ، ولا الباطن والظاهر ، وإن کانت أسماؤه الحسنى ، على هذا الطریق الأسنى ،

ولکن بینها تباین فی المنازل ، یتبین ذلک عندما تتخذ وسائل لحلول النوازل ، فلیس عبد الحلیم هو عبد الکریم ، ولیس عبد الغفور هو عبد الشکور ، فکل عبد له اسم هو ربه ، وهو جسم ذلک الاسم قلبه .

ویقول رضی الله عنه :

فقد أنشأ سبحانه الحقائق على عدد أسماء حقه ، وأظهر ملائکة التسخیر على عدد خلقه ، فجعل لکل حقیقة اسما من أسمائه تعبده وتعلمه ، وجعل لکل سر حقیقة ملکا یخدمه ویلزمه .

فمن الحقائق من حجبته رؤیة نفسه عن اسمه، فخرج عن تکلیفه وحکمه ، فکان له من الجاحدین ، ومنهم من ثبت الله أقدامه واتخذ اسمه أمامه ، وحقق بینه وبینه العلامة وجعله إمامه ، فکان له من الساجدین .

اعلم علمک الله سرائر الحکم ووهبک من جوامع الکلم ، أن الأسماء الحسنى التی تبلغ فوق أسماء الإحصاء عددا ، وتنزل دون أسماء الإحصاء سعادة ، هی المؤثرة فی هذه العالم ، وهی المفاتح الأولى التی لا یعلمها إلا هو ، وأن لکل حقیقة اسما ما یخصها من الأسماء ، وأعنی بالحقیقة حقیقة تجمع جنسا من الحقائق ، رب تلک الحقیقة ذلک الاسم .


وتلک الحقیقة عابدته و تحت تکلیفه لیس غیر ذلک - وإن جمع لک شیء ما أشیاء کثیرة فلیس الأمر على ما توهمته ، فإنک إن نظرت إلى ذلک الشیء وجدت له من الوجوه ما یقابل به تلک الأسماء التی تدل علیها وهی الحقائق التی ذکرناها .

مثال ذلک ، ما ثبت لک فی العلم الذی فی ظاهر العقول وتحت حکمها فی حق موجود ما فرد لا ینقسم ، مثل الجوهر الفرد الجزء الذی لا ینقسم ، فإن فیه حقائق متعددة تطلب أسماء إلهیة على عددها ، فحقیقة إیجاده یطلب الاسم القادر ووجه أحکامه یطلب الاسم العالم .

ووجه اختصاصه یطلب الاسم المرید ، ووجه ظهوره یطلب الاسم البصیر والرائی إلى غیر ذلک ، فهذا وإن کان فردا فله هذه الوجوه وغیرها مما لم نذکرها.


ولکل وجه وجوه متعددة تطلب من الأسماء بحسبها ، وتلک الوجوه هی الحقائق عندنا الثوانی والوقوف علیها عسیر وتحصیلها من طریق الکشف أعسر - واعلم وفقک الله أن کل اسم إلهی یتضمن جمیع الأسماء کلها وأن کل اسم ینعت بجمیع الأسماء فی أفقه .

فکل اسم حی قادر سمیع بصیر متکلم فی أفقه وفی علمه ، وإلا فکیف یصح أن یکون ربا لعابده ، هیهات هیهات.


فکل اسم جامع لما جمعت الأسماء من الحقائق ، ولکل عین من أعیان الممکنات اسم إلهی خاص ینظر إلیه ، وهو یعطیه وجهه الخاص الذی یمتاز به عن غیره ، والممکنات غیر متناهیة فالأسماء غیر متناهیة ، لأنها تحدث النسب بحدوث الممکن ، ولذلک فالحضرات الإلهیة تکاد لا تنحصر لأنها نسب ، ومعنی توجه اسم معین على إیجاد موجود معین هو کون ذلک الاسم هو الأغلب علیه وحکمه أمضى فیه ، مع أنه ما من ممکن یوجد إلا و للأسماء المتعلقة بالأکوان فیه أثر .

ولکن بعضها أقوى من بعض فی ذلک الممکن المعین وأکثر حکما ، فلهذا ننسبه إلیه ، فالحضرة الإلهیة اسم لذات وصفات وأفعال ، وإن شئت قلت صفة فعل وصفة تنزیه ، وهذه الأفعال تکون عن الصفات والأفعال أسماء لا بد ، فالحضرات الإلهیة کنی عنها بالأسماء الحسنى ، وکل حضرة لها عبد کما لها اسم إلهی ، وکل متخلق باسم من الأسماء یسمى عبد کذا ، مثل عبد الرحمن ، وعبد الملک ، وعبد القدوس

الفتوحات  ج 1 / 2 ،4 ، 99 ج 2 / 468 ج 4 / 196 ، 204 ، 208 ، 288 ، 318 . أهـ ""


 لابد من اسم إلهی حاکم فی الوقت - فتوحات ج 1 / 683 


20 - الرحمات الثلاث 

راجع فص 16 - هامش 3 - ص 254


"" 3 - الرحمات الإلهیة الثلاث فص 16 - هامش 3 - ص 254


جعل الله فی أم الکتاب أربع رحمات فضمن الآیة الأولى من أم الکتاب وهی البسملة رحمتین وهی قوله « الرحمن الرحیم » وضمن الآیة الثالثة منها أیضا رحمتین وهما قوله « الرحمن الرحیم » فهو رحمن بالرحمتین وهی رحمة الامتنان ، وهو رحیم بالرحمة الخاصة وهی الواجبة فی قوله « فسأکتبها للذین یتقون » الآیات ، وقوله « کتب ربکم على نفسه الرحمة » وأما رحمة الامتنان فهی التی تنال من غیر استحقاق بعمل ، وبرحمة الامتنان رحم الله من وفقه للعمل الصالح الذی أوجب له الرحمة الواجبة ، فیها (أی رحمة الامتنان ) ینال العاصی وأهل النار إزالة العذاب وإن کان مسکنهم ودارهم جهنم ، وهذه رحمة الامتنان ،فالرحمن فی الدنیا والآخرة والرحیم اختصاص الرحمة بالآخرة.


واعلم أن الرحمة الإلهیة التی أوجده الله فی عباده لیتراحموا بها مخلوقة من الرحمة الذاتیة التی أوجد الله بها العالم حین أحب أن یعرف وبها کتب على نفسه الرحمة ، والرحمة المکتوبة منفعلة عن الرحمة الذاتیة ، والرحمة الامتنانیة هی التی وسعت کل شیء ، فرحمة الشیء لنفسه تمدها الرحمة الذاتیة وتنظر إلیها ، وفیها یقع الشهود من کل رحیم بنفسه ، والرحمة التی کتبها على نفسه لا مشهد لها فی الرحمة الذاتیة ولا الامتنانیة ، فإنها مکتوبة لأناس مخصوصین بصفات مخصوصة ، وأما رحمة الراحم بمن أساء إلیه وما یقتضیه شمول الإنعام الإلهی والاتساع الجودی فلا مشهد لها إلا رحمة الامتنان ، وهی الرحمة التی یترجاها إبلیس فمن دونه ، لا مشهد لهؤلاء فی الرحمة المکتوبة ولا فی الرحمة الذاتیة ، وما رأیت أحدا من أهل


الله نبه على تثلیث الرحمة بهذا التقسیم ، فإنه تقسیم غریب کما هو فی نفس الأمر ، فما علمناه إلا من الکشف ، وما أدری لماذا ترک التعبیر عنه أصحابنا، مع ظنی بأن الله قد کشف لهم عن هذا. 


وأما النبوات فقد علمت أنهم وقفوا على ذلک وقوف عین ، ومن نور مشکاتهم عرفناه

الله أرحم الراحمین کما قال عن نفسه ، وقد وجدنا فی نفوسنا ومن جبلهم الله على الرحمة أنهم یرحمون جمیع عباد الله ، حتى لو حکمهم الله فی خلقه لأزالوا صفة العذاب من العالم بما تسکن حکم الرحمة من قلوبهم ، وصاحب هذه الصفة ، أنا وأمثالی ، ونحن مخلوقون أصحاب أهواء وأغراض ، وقد قال عن نفسه جل علاه إنه أرحم الراحمین، فلا نشک أنه أرحم منا بخلقه، و نحن قد عرفنا من نفوسنا هذه المبالغة فی الرحمة،

فکیف یتسرمد علیهم العذاب وهو بهذه الصفة من الرحمة ، إن الله أکرم من ذلک ، 

ولاسیما وقد قام الدلیل العقلی على أن الباری لا تنفعه الطاعات ولا تضره المخالفات ، وأن کل شیء جار بقضائه وقدره وحکمه ، وأن الخلق مجبورون فی اختیارهم، وقد قام الدلیل السمعی أن الله یقول فی الصحیح إنه ما ینقص من ملکه شیء .


أخبرنی الوارد- والشاهد یشهد له بصدقه منی - بعد أن جعلنی فی ذلک على بینة من ربی بشهودی إیاه لما ألقاه من الوجود فی قلبی ، أن اختصاص البسملة فی أول کل سورة تتویج الرحمة الإلهیة فی منشور تلک السورة أنها تنال کل مذکور فیها ، فإنها علامة الله على کل سورة أنها منه ، کعلامة السلطان على مناشیره ، فقلت للوارد فسورة التوبة عندکم ؟ 


قال : هی والأنفال سورة واحدة قسمها الحق على فصلین ، فإن فصلها وحکم بفصلها سماها سورة التوبة أی سورة الرجعة الإلهیة بالرحمة على من غضب علیه من العباد، فما هو غضب أبد لکنه غضب أمد ، 

والله هو التواب : فما قرن بالتواب إلا الرحیم لیؤول المغضوب علیه إلى الرحمة ، أو الحکیم الضرب المدة فی الغضب وحکمها فیه إلى أجل ، فیرجع علیه بعد انقضاء المدة بالرحمة ، فانظر إلى الاسم الذی نعت به التواب تجد حکمه کما ذکرناه.

والقرآن جامع لذکر من رضی عنه وغضب علیه ، وتتویج منازله بالرحمن الرحیم ، والحکم للتتویج ، فإنه به یقع القبول ، وبه یعلم أنه من عند الله ، هذا إخبار الوارد لنا ونحن نشهد ونسمع ونعقل ، لله الحمد والمنة على ذلک ، ووالله ما قلت ولا حکمت إلا عن تفث فی روع من روح الهی قدسی ، علمه الباطن حین احتجب عن الظاهر ، للفرق بین الولایة والرسالة . 

الفتوحات ج 3 / 25 ، 100 ، 101 ، 496 ، 505 ، 550 . أهـ ""

 ص 325