عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة الرابعة عشر :


کتاب المفاتیح الوجودیة والقرآنیة لفصوص الحکم عبد الباقی مفتاح 1417هـ :

21 - فص حکمة مالکیة فی کلمة زکراویة

المرتبة 21 : فص حکمة مالکیة فی کلمة زکراویة. من الاسم الممیت ومرتبة الأرض وحرف الصاد ومنزل البلدة .

 لا ظهور لعزة العزیز إلا بظهور عکس العزة وهو القهر الذی ینتهی بالموت .

وغایة العز هو البقاء والثبات فی الکمال والغنى ، وهذا یستلزم أن یکون غیره متغیرا تحت قهر الإستحالات أی فناء صورة واستبدال أخرى بها وهو المعبر عنه بالموت .

أی أن ظهور العزیز یستلزم ظهور اسمه تعالى الممیت لیتمیز الحق تعالى بعزته عن خلقه المقهور فی کل آن تحت حکم الممیت .

وبظهور الممیت وتوجهه وجدت المرتبة الإحدى والعشرون المتمثلة فی رکن الأرض الترابی وحرف الصاد ومنزل البلدة بطبعها الیابس الحار الممیت لأنه طبع النار لوجود البلدة فی حکم برج القوس النارى ، والقوس من رموز الموت بسهمه المصیب .

وفی القرآن نجد الموت مقترنا بالأرض والتراب فی العدید من الآیات کقوله تعالى :فَأَحْیَیْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها( فاطر ، 9 ) .فَلَمَّا قَضَیْنا عَلَیْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ( سبأ ، 14 ) .

ووردت لفظة بلدة مقترنة بالموت أیضا :فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَیْتاً( الزخرف ، 11 ) ،وَأَحْیَیْنا بِهِ بَلْدَةً مَیْتاً( ق ، 11 )

فانظر کیف اقترن الممیت بمنزل البلدة ورکن التراب . .

وأنسب الأنبیاء إلى هذه المرتبة هو زکریا، علیه السلام لما ظهر فیه وفی زوجه من اشتعال الرأس بالشیب والعقم ثم رحمه اللّه تعالى فأصلح زوجه - کما یحیى اللّه بالماء الأرض - ووهبه یحیى .

لکن یحیى کان حصورا فلم یتزوج ولم یترک عقبا .

ومات زکریا ، ویحیى مقتولین شهیدین فاسمه تعالى الممیت کان له خصوص توجه للمظهر الزکراوی من حقیقة الإنسان الکامل . .

ولهذا أیضا کانت حکمة هذا الفص مالکیة لأن المالک هو الشدید ومن أکبر الشدائد الموت .

وکان الغالب على زکریا ، حکم المالک لتشدیده على نفسه فی المجاهدات ولشدة نفوذ همته فی طلب الوارث من اللّه تعالى فصلحت زوجه العقیم فی سن إلیاس وأنجبت یحیى .

وأما علاقة المالک بالأرض فلأن الأرض هی عرش الخلافة ومنصة ملکها أی الإنسان الکامل وخلفاؤه وهو المخلوق على صورة الرحمن خلیفة اللّه فی الأکوان وللصورة حرف الصاد الذی یقول الشیخ عنه ( ف ص 71 ) الصاد حرف من حروف الصدق والصون والصورة . . .

حرف شریف عظیم أقسم عند ذکره بمقام جوامع الکلم وهو المشهد المحمدی فی أوج الشرف بلسان التمجید ) .

فالصدق والصون والصورة من أوصاف الکامل المالک خلیفة الرحمن . . .

ومدار هذا الفص کله على رحمة الرحمن الواسعة ، التی لها علاقة بالممیت إذ یقال عن المیت إنه انتقل إلى رحمة اللّه ویسمى عادة بالمرحوم واقترنت الرحمة بزکریاء وحرف الصاد فی فاتحة سورة مریم : کهیعص ( 1 ) ذِکْرُ رَحْمَتِ رَبِّکَ عَبْدَهُ زَکَرِیَّا.

ومن شدة الممیت المالک تکلم الشیخ فی هذا الفص على الآلام والبلاء والانتقام . . .


وکما أن لحرف هذه المرتبة أی الصاد الصدق - أی الشدة فی التوجه - والصون - أی الشدة فی الستر - والصمت - أی الشدة فی الکتم - والصورة الرحمانیة التی هی مجلى السیادة المالکة

فقد وصف الشیخ فی الفصل 31 من الباب 198 الخاص بهذه المرتبة رکن الأرض بنفس تلک الصفات الصادیة السیادیة التی ظهرت فی زکریاء وابنه یحیى الذی سماه اللّه فی القرآن سیدا وحصورا ، فحاله کحال التراب عبودیة وثباتا لعدم استحالته .


یقول الشیخ ما خلاصته : الأرض هی أول مخلوق من الأرکان ثم الماء ثم الهواء ثم النار ثم السماوات وجعلها محلا لتکوین المعادن والنبات والحیوان والإنسان وجعلها حضرة الخلافة والتدبیر فهی موضع نظر الحق وسخر فی حقها جمیع الأرکان والأفلاک والأملاک وأنبت فیها من کل زوج بهیج .

وما جمع لمخلوق بین یدیه سبحانه إلا لما خلق منها وهی طینة آدم علیه السلام خمرها بیدیه وهو لیس کمثله شیء وأقامها مقام العبودیة

فقال :الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا( الملک ، 15 ) ، وجعل لها مرتبة النفس الکلیة التی ظهر عنها العالم کذلک ظهر عن هذه الأرض من العالم المولدات إلى مقعر فلک المنازل ) .


ویضیف الشیخ : ( وهذا الرکن لا یستحیل إلى شیء ولا یستحیل إلیه شیء وإن کان بهذه المثابة بقیة الأرکان ولکنه فی هذا الرکن أظهر حکما منه فی غیره ( . . . )

فالرجل الذی رأى الحق حقا فاتبعه وحکم الهوى وقمعه " أی تحقق باسم المالک لنفسه الممیت لهواه " فإذا جاع جوع اضطرار وحضر بین یدیه أشهى ما یکون من الأطعمة تناول منه بعقله لا بشهوته ودفع به سلطان ضرورته ثم أمسک عن الفضل غنى نفس وشرف همة فذلک سید الوقت فاقتد به ،

وذلک صورة الحق أنشأها اللّه صورة جسدیة بعیدة المدى لا یبلغ مداها ولا یخفى طریق هداها وهذا هو طبع الأرض التی لا تقبل الاستحالة فیظهر فیها أحکام الأرکان ولا یظهر لها حکم فی شیء تعطی جمیع المنافع من ذاتها ، هی محل کل خیر فهی أعز الأجسام .

( . . . ) وهی الصبور القابلة الثابتة الراسیة سکن میدها جبالها التی جعلها اللّه أوتادها لما تحرکت من خشیة اللّه أمنها اللّه بهذه الأوتاد فسکنت سکون الموقنین .

ومنها تعلم أهل الیقین یقینهم ، فإنها الأم التی منها أخرجنا وإلیها نعود ومنها نخرج تارة أخرى .

لها التسلیم والتفویض . هی ألطف الأرکان معنى .

وما قبلت الکثافة والصلابة إلا لستر ما أودع اللّه فیها من الکنوز لما جعل اللّه فیها من الغیرة فحار السعاة فیها فلم یخرقوها ولا بلغوا جبالها طولا.

أعطاها صفة التقدیس فجعلها طهورا

 ( . . . ) أنزلها منزلة النقطة من المحیط فلو زالت زال المحیط ولو زال المحیط لم یلزم زوالها فهی الدائمة الباقیة فی الدنیا والآخرة .

أشبهت نفس الرحمن فی التکوین ( . . . ) جعلها بعد أن کانت رتقا سبعة أطباق لکل أرض فلک سماء : فالأرض الأولى هی التی نحن علیها للسماء العلیا ثم تنزل إلى أن تنتهی إلى الأرض السابعة والسماء الدنیا ( . . . )

وجعلها سبعة أقالیم لکل إقلیم بدل یمسک اللّه وجود ذلک الإقلیم به.

وهؤلاء الأبدال السبعة على قلوب أقطاب السماوات السبعة حسب ترتیبهم :

إبراهیم وموسى وهارون مع یحیى وإدریس ویوسف وعیسى مع یحیى وآدم علیهم السلام .


وفی آخر الفص أورد الشیخ الآیة : "فَسَأَکْتُبُها لِلَّذِینَ یَتَّقُونَ وَیُؤْتُونَ الزَّکاةَ" (الأعراف ، 156 )، یشیر بالزکاة إلى المال المکنوز کتمهید للفص الموالی الإلیاسی الذی له مرتبة المعدن .

ومن المعادن الذهب والفضة .


والکنوز التی تلزم زکاتها . . . ثم ذکر رحمتی الوجوب والامتنان وصفتی العلم والعمل المناسبتین لنوعی تدبیر المعادن کما وصفهما فی الباب 167 من الفتوحات وهما إزالة علة المعدن أو إلقاء الإکسیر علیه ،

وإشارة إلى الطریقتین المتبعتین فی ذلک:

 إما بطریق الحکمة والعلم وهی الأشرف

وإما بطریق الهمة وخرق العادة کما ذکرناه فی آخر المرتبة السابقة .

وأخیرا فان للفصین المتتابعین الإلیاسی والزکراوی علاقة تتمثل فی سلطان الوهم .


ففی هذا الفص یقول :

" الأثر لا یکون إلا للمعدوم لا للموجود وإن کان للموجود فبحکم المعدوم وهو علم غریب ومسألة نادرة ولا یعلم تحقیقها إلا أصحاب الأوهام فذلک بالذوق عندهم وأما من لا یؤثر الوهم فیه فهو بعید عن هذه المسألة .

ثم فصل حقیقة الوهم فی فص إلیاس فقال :

(ولذلک کانت الأوهام أقوى سلطانا فی هذه النشأة من العقول ... فالوهم هو السلطان الأعظم فی هذه الصورة الکاملة الإنسانیة وبه جاءت الشرائع.) .


21 : سورة فص زکریا علیه السلام

سورة هذا الفص هی سورة " البلد " والاسم الحاکم على هذا الفص هو " الممیت " المتوجه على إیجاد " التراب " وعلى منزل " البلدة " فی برج القوس ، وعلى حرف الصاد من الحروف اللفظیة .  وله من الحروف الرقمیة حرف " الشین " .

فمن الاتفاق اللطیف أن اسم السورة " البلد " مطابق للمنزلة الفلکیة " البلدة " وبرج القوس له طبع النار حار یابس جلالی الحال له الشدة والبأس المناسبان للآیة " 4 " من البلد :لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِی کَبَدٍوسهم القوس مناسب للاسم " الممیت " .


ولهذا کانت حکمة هذا الفص مالکیة لأن المالک هو الشدید القهر . وکان زکریاء شدید المجاهدة عظیم المکابدة . ومن مظاهر الشدة فی السورة :فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ( 11 ) وَما أَدْراکَ مَا الْعَقَبَةُ. . .عَلَیْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌالآیة " 11 - . . . - 20 " والآیة " 17 " :. . . وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ . . . والاسم " الممیت " المتوجه على إیجاد " التراب " له صداه فی السورة فی کلمة یَوْمٍ ذِی مَسْغَبَةٍ( البلد ، 14 ) والجوع قریب من الموت ، وکذلک للتراب صداه فی کلمة أَوْ مِسْکِیناً ذا مَتْرَبَةٍ( البلد 16 )

ومدار جلّ الفصل حول وسع الرحمة من الآیة : " وتواصوا بالمرحمة " وفی السورة أمر بالتخلق بالرحمة رحمة الأسیر والیتیم والمسکین .


ولهذا نجد الشیخ فی الباب " 294 فتوحات  " المتعلق بمنزل سورة " البلد " یتکلم عن وسع الرحمة ، ویختم الباب بنفس ما بدأ به هذا الفص حیث یذکر سبق الرحمة للغضب وأن الرحمة ستعم بعد إقامة الحدود .

قوله فی هذا الفص: "وقد ذکرنا فی الفتوحات أن الأثر لا یکون إلا للمعدوم لا للموجود" . فهذا مناسب لقوله فی الباب " 294 فتوحات  " :

" اعلم أن هذا المنزل یتضمن علم مرتبة العالم عند اللّه بجملته ، وهل العدم له مرتبة عند اللّه یتعین تعظیمه من أجلها أم لا "

وفی وسط الباب یقول : " فلا یعرف اللّه مما سوى اللّه أعظم معرفة من العدم المطلق " . . .

وقد افتتح هذا الباب الخاص بمنزل سورة البلد بالإشارة إلى وراثة النبوة من الآیة " ووالد وما ولد " کوراثة یحیى لزکریا أو وراثة العلماء والأولیاء للنبی صلى اللّه علیه وسلم


فقال :

حرم اللّه قلب کل نبی  .... وکذا قیل قلب کل ولی

ورثوه وورثوه بنیهم  .... فی علوم وفی مقام علی


علاقة هذا الفص بلاحقه:

ختم الفص بالمغفرة فی الآیة المخاطب بها الرسول صلى اللّه علیه وسلم :لِیَغْفِرَ لَکَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِکَ وَما تَأَخَّرَ( الفتح ، 2 )

وبدایة هذه الآیة فی سورة الفتح هی :إِنَّا فَتَحْنا لَکَ فَتْحاً مُبِیناً

وآخرها :وَیَنْصُرَکَ اللَّهُ نَصْراً عَزِیزاً( الفتح ، 1 - 3 ) .

وهذا النصر والفتح والمغفرة هو عین ما نجده فی سورة الفص الإلیاسی التالی أی سورة " النصر " :إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. . .وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ کانَ تَوَّاباً( النصر ، 1 - 3 )

والفتح المذکور فی سورة فص إلیاس هو فتح مکة أی البلد المقسم به فی فاتحة سورة فص زکریاء :لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ ( 1 ) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ( البلد ، 1 - 2 ) .


وکلمة " عزیزا " من الآیة تشیر إلى الاسم " العزیز " الحاکم على فص إلیاس بمرتبته المعدنیة.