عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة العشرون :


شرح فصوص الحکم من کلام الشیخ الأکبر ابن العربی أ. محمود محمود الغراب 1405 هـ:

22 - فص حکمة إیناسیة فی کلمة إلیاسیة

إلیاس هو إدریس کان نبیا قبل نوح، ورفعه الله مکانا علیا، فهو فی قلب الأفلاک ساکن وهو فلک الشمس.

ثم بعث إلى قریة بعلبک، وبعل اسم صنم، وبک هو سلطان تلک القریة.

وکان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملک.

وکان إلیاس الذی هو إدریس  "2" قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة،

………………………………….

1 - المناسبة

یقول الشیخ رضی الله عنه : « اعلموا أن الله تعالى لما خلق القوة المسماة عقلا جعلها فی النفس الناطقة لیقابل بها الشهوة الطبیعیة إذا حکمت على النفس أن تصرفها فی غیر المصرف الذی عین لها الشارع ، وأودع الله فی قوة العقل القبول لما یعطیه الحق ولما تعطیه القوة المفکرة ، فخلق الله تعالى العقل فی الإنسان لدفع سلطان الشهوة  والهوى . 

وفطر الله تعالى الإنس والجن على العقل لا لاکتساب علم ، ولکن جعله الله آلة للإنس والجن لیردعوا به القهوة فی هذه الدار خاصة لا فی الدار الآخرة . 

ولولا ما حصر الشرع فی الدنیا تصرف الشهوة ، ما کان للعقل جلوة » ، فناسب العقل إلیاس علیه السلام الذی یقول عنه فی أول هذا الفص إنه کان عقلا بلا شهوة . 

ولما کان هذا الفص یتکلم فی العقائد وعن التنزیه والتشبیه وظه العقل من ذلک وقد قال إلیاس علیه السلام لقومه « أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقین » فخاطبهم بالدلیل العقلی الذی هو تأنیس للعقل لأنه بین النظر والقبول ، فإن العام الصحیح هو ما کان عن کشف محقق ، لذلک سیت حکمة إیناسیة .


2 - إدریس وإلیاس علیهما السلام *

ذکر البخاری فی صحیحه فی کتاب بدء الخلق قال : ویذکر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلیاس هو إدریس ، ولم یرفع ذلک لا إلى النبی مع ولا إلى کل من ابن مسعود أو ابن عباس ، ومعلوم لدى أهل العلم ضعف قیل ویذکر ، وذکر الشیخ

 ص 326

وهی الحاجة عن فرس من نار، وجمیع آلاته من نار.

فلما رآه رکب علیه فسقطت عنه الشهوة، فکان عقلا بلا شهوة، فلم یبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسیة.

……………………………………...

ابن العربی فی کتابه مسامرة الأخیار نسبین مختلفین لکل من إدریس وإلیاس علیهما السلام ثم قال وقیل إن إلیاس هو إدریس . 

إشارة لما ذکره البخاری فی صحیحه . 

أما تحقیق هذه المسألة فنراه مذکورة فیما کتبه الشیخ بخط یده حین یقول فی الفتوحات المکیة ما یلی : 


الفتوحات ج 2 / 5 - أبقى الله تعالی بعد رسول الله صلى الله علیه وسلم من الرسل الأحیاء بأجسادهم فی هذه الدار الدنیا ثلاثة وهم : 

إدریس بقی حیا بجسده وأسکنه الله السماء الرابعة . 


وأبقى فی الأرض أیضا إلیاس وعیسی ( من حیث أن عیسى علیه السلام سینزل إلى الأرض فی آخر الزمان ) وکلاهما من المرسلین ، وهما قائمان بالدین الحنیف الذی جاء به محمد صلى الله علیه وسلم فهؤلاء ثلاثة من الرسل المجمع علیهم أنهم رسل . وأما الخصر وهو الرابع فهو من المختلف فیه عند غیرنا لا عندنا . 


فهؤلاء باقون بأجسامهم فی الدار الدنیا ، فکلهم الأوتاد . واثنان منهم الإمامان . وواحد منهم القطب الذی هو موضع نظر الحق من العالم . 

والواحد من هؤلاء الأربعة الذین هم : عیسى وإلیاس وإدریس وخضر هو القطب . واثنان منهم هما الإمامان أربعتهم هم الأوتاد . 

والمطب میں هؤلاء لا یموت أبدا أی لا یصعق .


الفتوحات ج 1 / 254 - من حصل علوم الوهب مما لیس بسرع جماعة من الأولیاء منهم الخضر على التعیین فإنه قال : من لدنه . 

والذی عرفناه من الأنبیاء علیهم السلام آدم وإلیاس و زکریا و یحیی و عیسی و ادریس وإسماعیل ، وإن کان قد حصله جمیع الأنبیاء علیهم السلام ، ولکن ما ذکرنا منهم إلا من حصل لنا التعریف به وأسسوا لنا من الوجه الذی نأخذ عن الله تعالى منه . 

فلهذا سمینا هؤلاء ولم نذکر غیرهم .


الفتوحات ج 3 / 39 - أما الیوم فإلیاس والخضر ( الموجودان الآن فی الأرض حتى نزول عیسى علیه السلام) على شریعة محمد صلى الله علیه وسلم ، إما بحکم الوفاق أو بحکم الاتباع . 

وعلى کل حال فلا یکون لهما ذلک إلا على طریق التعریف لا على طریق النبوة .


الفتوحات ج 3 / 514  - الخضر وإلیاس و عیسی ( بعد نزوله ) من أمة محمد صلى الله علیه وسلم  الظاهرة .

ص 327

فکان الحق فیه منزها، فکان على النصف من المعرفة بالله، "3"

فإن العقل إذا تجرد لنفسه من حیث أخذه العلوم عن نظره، کانت معرفته بالله على التنزیه لا على التشبیه.

وإذا أعطاه الله المعرفة بالتجلی کملت معرفته بالله، فنزه فی موضع و شبه فی موضع، ورأى سریان الحق فی الصور الطبیعیة والعنصریة.

وما بقیت له صورة إلا ویرى عین الحق عینها.

وهذه المعرفة التامة التی جاءت بها الشرائع المنزلة

……………………………….

الفتوحات ج 3 / 230 - یتمیز على سائر الأنبیاء من أدرک شریعة محمد صلى الله علیه وسلم  الظاهرة ، کعیسی ( عند نزوله ) وإلیاس ( الموجود الآن على قید الحیاة على الأرض) فهذان قد کسل لهم المقام المحمدی . 


الفتوحات ج 3 / 50 - إدریس علیه السلام کان نبیا .  ولم یجیء له نص فی القرآن برسالته .  بل قیل فیه صدیقا نبیا ، فکان علیه السلام من الأنبیاء الذین بعثوا قبل نوح علیه السلام الذی هو أول رسول أرسل .


الفتوحات ج 2 / 445 - اعلم أن الاسم النور توجه على إیجاد السماء الرابعة وهی قلب العالم وقلب السموات . 

فأظهر عینها یوم الأحد، وأسکن فیها فطب الأرواح الإنسانیة وهو إدریس علیه السلام ، وسمی الله هذه السماء مکانا علیا ، لکونه قلبا ، فإن الدی فوقها أعلى منها ، فأراد علو مکانة المکان ، فلهذا المکان من المکانة رتبة العلو .

 

الفتوحات ج 2 / 455 - ( السماء الرابعة ) وأسکنها ادریس علیه السلام وهو القطب الذی لم یمت إلى الآن. والأقطاب فینا نوابه.

هذا هو الثابت عن النسخ بخط یده ، فلا داعی للتعنی بشرح ما هو مخالف له ما لم یثبت صحة نسبة إلیه ، کما جاء فی هذا النص من هذا الکتاب - راجع مقدمة الکتاب ص 12.


3 - ملاحظة *

هذا یخالف تماما القواعد التی أرساها الشیخ فی التحدث عن علوم الأنبیاء وأذواقهم ، وهو الذی یقول إن نهایات الأولیاء بدایات الأنبیاء . 

راجع ما جاء فی خاتم الأولیاء فص 2

ص 328

من عند الله،  "4"  و حکمت بهذه المعرفة الأوهام کلها.

ولذلک کانت الأوهام أقوى سلطانا فی هذه النشأة من العقول، لأن العاقل ولو بلغ فی عقله ما بلغ لم یخل من حکم الوهم علیه والتصور فیما عقل.

فالوهم هو السلطان الأعظم فی هذه الصورة الکاملة الإنسانیة، "5"

و به جاءت الشرائع المنزلة فشبهت و نزهت، شبهت فی التنزیه بالوهم، و نزهت فی التشبیه بالعقل. "6"


فارتبط الکل بالکل، فلم یتمکن

……………………………………..

4 - راجع الظاهر فی المظاهر

- راجع وحدة الوجود       فص 2، هامش 6 ، ص 45 ، فص 5 ، هامش 6، ص 84


"" 6 - وحدة الوجود - المرایا   فص 2، هامش 6، ص 45 

اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها :

وهی الوجود المطلق الذی لا یتقید وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه ، والمعلوم الآخر العام المطلق الذی هو عدم لنفسه وهو الذی لا یتقید أصلا وهو المحال ،

والعلوم الثالث هو البرزخ الذی بین الوجود المطلق والعدم المطلق وهو الممکن ، وسبب نسبة الثبوت إلیه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرین بذاته .

 وذلک أن العدم المطلق قام للوجود المطلق کالمرآة فرأی الوجود فیه صورته فکانت تلک الصورة عین الممکن ، فلهذا کان للممکن عین ثابتة وشیئیة فی حال عدمه ولهذا خرج على صورة الوجود المطلق .

ولهذا أیضا اتصف بعدم التناهی فقیل فیه إنه لا یتناهی ، وکان أیضا الوجود المطلق کالمرآة للعدم المطلق فرأى العدم المطلق فی مرآة الحق نفسه .

فکانت صورته التی رأی فی هذه المرأة هو عین العدم الذی اتصف به هذا الممکن ، وهو موصوف بأنه لا یتناهی کما أن العدم

المطلق لا یتناهی ، فاتصف الممکن بأنه معدوم ، فهو کالصورة الظاهرة بین الرائی والمرأة ، لا هی عین الرائی ولا غیره

وقد علمنا أن العالم ما هو عین الحق وإنما هو ما ظهر فی الوجود الحق ، إذ لو کان عین الحق ما صح کونه بدیعا ، کما تحدث صورة المرئی فی المرآة ، ینظر الناظر فیها، فهو بذلک النظر کأنه أبدعها مع کونه لا تعمل له فی أسبابها، ولا یدری ما یحدث فیها .

ولکن بمجرد النظر فی المرآة ظهرت صور ، هذا أعطاه الحال ، فما لک فی ذلک من التعمل إلا قصدک النظر فی المرآة .

ونظرک فیها مثل قوله « إنما قولنا لشیء إذا أردناه » وهو قصدک النظر « أن نقول له کن » وهو بمنزلة النظر « فیکون » وهو بمنزلة الصورة التی تدرکها عند نظرک فی المرآة ،.

ثم إن تلک الصورة ما هی عینک الحکم صفة المرآة فیها من الکبر والصغر والطول والعرض ، ولا حکم لصورة المرآة فیک فما هی عینک ولا عین ما ظهر ممن لیس أنت من الموجودات الموازیة لنظرک فی المرآة ، ولا تلک الصورة غیرک ، لما لک فیها من الحکم .


فإنک لا تشک أنک رأیت وجهک ، ورأیت کل ما فی وجهک ظهر لک بنظرک فی المرآة من حیث عین ذلک لا من حیث ما طرأ علیه من صفة المرآة ، فما هو المرئی غیرک ولا عینک ، کذلک الأمر فی وجود العالم الحق .

أی شیء جعلت مرآة أعنی حضرة الأعیان الثابتة أو وجود الحق، فإما أن تکون الأعیان الثابتة الله مظاهر ، فهو حکم المرآة فی صورة الرائی ، فهو عینه وهو الموصوف بحکم المرآة ، فهو الظاهر فی المظاهر بصورة المظاهر.

أو یکون الوجود الحق هو عین المرآة ، فترى الأعیان الثابتة من وجود الحق ما یقابلها منه ، فترى صورتها فی تلک المرآة و یترائی بعضها البعض ، ولا ترى ما ترى من حیث ما هی المرآة علیه ، وإنما ترى ما ترى من حیث ما هی علیه من غیر زیادة ولا نقصان .

وکما لا یشک الناظر وجهه فی المرآة أن وجهه رأی ، وبما للمرآة فی ذلک من الحکم یعلم أن وجهه ما رأى .


فهکذا الأمر فانسب بعد ذلک ما شئت کیف شئت ، فإن الوجود للعین الممکنة کالصورة التی فی المرآة ، ما هی عین الرائی ولا غیر الرائی ، ولکن المحل المرئی فیه به و بالناظر المتجلی فیه ظهرت هذه الصورة ، فهی مرآة من حیث ذاتها والناظر ناظر من حیث ذاته والصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العین الظاهرة فیها .

کالمرأة إذا کانت تأخذ طولا ترى الصورة على طولها والناظر فی نفسه على غیر تلک الصورة من وجه ، وعلى صورته من وجه ، فلما رأینا المرآة لها حکم فی الصورة بذاتها ورأینا الناظر یخالف تلک الصورة من وجه .


علمنا أن الناظر فی ذاته ما أثرت فیه ذات المرآة ، ولما لم یتأثر ولم تکن تلک الصورة هی عین المرأة ولا عین الناظر ، وإنما ظهرت من حکم التجلی للمرآة ، علمنا الفرق بین الناظر وبین المراة وبین الصورة الظاهرة فی المرآة التی هی غیب فیها ، ولهذا إذا رؤی الناظر یبعد عن المرآة یرى تلک الصورة تبعد فی باطن المرآة ، وإذا قرب قربت .

وإذا کانت فی سطحها على الاعتدال ورفع الناظر یده الیمنى رفعت الصورة الید الیسرى ، تعرفه إنی وإن کنت من تجلیک وعلى صورتک فما أنت أنا ولا أنا أنت ، فإن عقلت ما نبهناک علیه فقد علمت من أین اتصف العبد بالوجود، ومن هو الموجود، ومن أین اتصف بالعدم، ومن هو المعدوم ومن خاطب ومن سمع ومن عمل ومن کلف .

وعلمت من أنت ومن ربک وأین منزلتک ، وأنک المفتقر إلیه سبحانه وهو الغنی عنک بذاته.

فسبحان من ضرب الأمثال وأبرز الأعیان دلالة علیه أنه لا یشبهه شیء ولا یشبه شیئا ، ولیس فی الوجود إلا هو ، ولا یستفاد الوجود إلا منه، ولا یظهر الموجود عین إلا بتجلیه.


فالمرأة حضرة الإمکان والحق الناظر فیها والصورة أنت بحسب إمکانیتک ، فإما ملک وإما فلک وإما إنسان وإما فرس ، مثل الصورة فی المرآة بحسب ذات المرآة من الهیئة فی الطول والعرض والاستدارة واختلاف أشکالها مع کونها مرآة فی کل حال .

کذلک الممکنات مثل الأشکال فی الإمکان والتجلی الإلهی یکسب الممکنات الوجود والمرآة تکسبها الأشکال ، فیظهر الملک و الجوهر والجسم والعرض ، والإمکان هو هو لا یخرج عن حقیقته ، وأوضح من هذا البیان فی هذه المسألة لا یمکن إلا بالتصریح ، فقل فی العالم ما تشاء و انسبه إلى من تشاء بعد وقوفک على هذه الحقیقة کشفة وعلما .

راجع الفتوحات ج3/ 46 , 80 , 352 . - ج4/ 316.


"" أضاف الجامع :

یقول الدکتور أبو العلا عفیفی:

" وحدة الوجود التی یقول بها ابن العربی الطائی الحاتمی لیست وحدة وجود مادیة تنکر الألوهیة ولوازمها أو تنکر القیم الروحیة ،

بل العکس هو الصحیح : أی أنها وحدة وجود تنکر العالم الظاهر ، ولا تعترف بالوجود الحقیقی إلا لله - الحق .


أما الخلق فظل للوجود الحق ولا وجود له فی ذاته ".


تقول د. سعاد الحکیم فی وحدة الوجود عند الشیخ الأکبر ابن العربی الطائی الحاتمی

" إن عبارة وحدة الوجود لا تدخل ضمن مصطلحات ابن العربی ، إذ أنها من ناحیة لم ترد عنده مطلقا ،

ومن ناحیة ثانیة هی تشکل تیارا فکریا له جذوره البعیدة فی تأریخ النظریات الفلسفیة ،

ولکننا لم نستطع أن نتغافل عن بحثها بحجة أنها تدخل ضمن نظریات شیخنا الأکبر بالنظر لأهمیتها عنده ، إذ فیها تتبلور مصطلحاته وتتکشف ، ویتجلى وجه ابن العربی الطائی الحاتمی الحقیقی ، فنلمس فیه الفکر والمنطق إلى جانب الشهود والتصوف ".


إن عبارة وحدة الوجود ابتدعها دارسوا ابن العربی الطائی الحاتمی ،

أو بالأحرى صنفوه فی زمرة لقائلین بها . إذ أن الباحث لا یلتقط فکر مفکر إلا بتحلیله إلى عناصره البسیطة ، وإعادة ترکیبه ترکیبا یتلاءم وینضبط مع التیارات الفکریة المعروفة . وبالتالی استدل الملتمس وجه ابن العربی الطائی الحاتمی من جمل أمثال :

( الوجود کله واحد ) ، ( ما ثمة إلا الله ) ، ( ما فی الوجود إلا الله ) ، إلى القول بأنه من وحدة الوجود ، وحدة تفارق وحدة المادیین بتغلیب الجانب الإلهی فیها .

ولکن ما حقیقة موقف ابن العربی الطائی الحاتمی من الوحدة الوجودیة ؟

وما نسبة التفکیر النظری إلى الشهود الصوفی فیها ؟


( وحدة وجود ) أم ( وحدة شهود ) ؟

کثیرا ما یتوقف الباحث أمام نتائج ابن العربی الطائی الحاتمی متسائلا :

أوحدة وجود عنده أم وحدة شهود ؟

ثم لا یلبث ان یقرر انها وحدة وجود ، من حیث أنها لم تبرز فی صیحة وجد ، بل کانت نتیجة باردة لتفکیر نظری .

ویعود تردد الباحث بین الوحدتین إلى أنهما یتطابقان فی النتیجة ، فکلتاهما ترى :

إن الوجود الحقیقی واحد وهو الله .

ولکن صاحب وحدة الشهود یقولها فی غمرة الحال ، على حین یدافع عنها ابن العربی الطائی الحاتمی فی صحو العلماء وبرود النظریین .

والحقیقة أن وحدة ابن العربی الطائی الحاتمی تختلف عن وحدة شهود غیره بسبب جوهری ، وهو أن الشیخ الاکبر لم یقطفها ثمرة فیض فناء فی الحق ، فناء افناه عن رؤیة کل ما سوى الحق .

ولم یقل بعدم کل ما سواه ، إن ابن العربی  یرى الکثرة ، وشهوده یعطیه الکثرة ، وبصره یقع على الکثرة . إذن الکثرة عنده موجودة .

وهنا نستطیع ان نقول : أن ( وحدته ) على النقیض من وحدة الشهود ، تعطی : کثرة شهودیة . فالنظر یقع على کثرة عنده . وهذا ما لا یمکن أن ینطبق على وحدة الشهود .

ولکن ابن العربی الطائی الحاتمی لا یقف مع الکثرة الشهودیة أو بتعبیر أدق المشهودة ، بل یجعلها ( کثرة معقولة ) لا وجود حقیقی لها .

وهی - إذا امکن التعبیر بلغتنا - خداع بصر . وبلغة ابن العربی الطائی الحاتمی : خیال . ""


"" 6 - وحدة الوجود - الظاهر فی المظاهر  فص 5 هامش 6، ص 84

الموجودات على تفاصیلها فی ظهور الحق فی مظاهر أعیان الممکنات بحکم ما هی الممکنات علیه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعیان التی ظهر فیها مختلفة ، فتمیزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعیان وتمیزها فی نفسه فما فی الوجود إلا الله وأحکام الأعیان ، وما فی العدم شیء إلا أعیان الممکنات مهیأة للاتصاف بالوجود .

فهی لا هی فی الوجود ، لأن الظاهر أحکامها فهی ، ولا عین لها فی الوجود فلا هی ، کما هو لا هو.

لأنه الظاهر فهو والتمیز بین الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحکام الأعیان فلا هو ، فیا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .

مغازلة رقیقة وإشارة دقیقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العیان وأثبتها .

ما من شیء فی تفاصیل العالم إلا وفی الحضرة الإلهیة صورة تشاکل ما ظهر ، أی یتقید بها، ولولا هی ما ظهر .

فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وکل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهیة إنما متعلقها إظهار التجلی فی المظاهر ، أی فی مظهر ما ، وهو نسبة .

فان الظاهر لم یزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم یزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حکما فی الظاهر بحسب حقائقه النفسیة .

فانطلق على الظاهر من تلک الحقائق التی هو علیها المظهر المعدوم حکم یسمى إنسانا أو فلکا أو ملکا أو ما کان من أشخاص المخلوقات .

کما رجع من ذلک الظهور للظاهر اسم یطلق علیه یقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.

وما یعطیه ذلک التجلی من الأسماء ، وأعیان الممکنات على حالها من العدم کما أن الحق لم یزل له حکم الوجود .


فحدث لعین الممکن اسم المظهر ، و للمتجلی فیه اسم الظاهر .

فأعطى استعداد مظهر ما أن یکون الظاهر فیه مکلفا ، فیقال له افعل ولا تفعل ، ویکون مخاطبا بأنت وکاف الخطاب .

واعلم أن التجلی الذاتی ممنوع بلا خلاف بین أهل الحقائق فی غیر مظهر .

فوقتا یکون المظهر جسمیا و وقتا یکون جسمانیا ووقتا جسدیا ، ووقتا یکون المظهر روحیا ووقتا روحانیا.

فالتجلی فی المظاهر هو التجلی فی صور المعتقدات وهو کائن بلا خلاف.

والتجلی فی المعقولات کائن بلا خلاف . وهما تجلی الاعتبارات .

لأن هذه المظاهر سواء کانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور یعبر علیها بالعلم .

أی یعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا یصح أن یشهد ولا أن یعلم .

ولیس وراء ذلک المعلوم الذی لا یشهد ولا یعلم حقیقة ما یعلم أصلا .

وأما التجلی فی الأفعال ففیه خلاف بین أهل هذا الشأن لا یرتفع دنیا ولا آخرة .


فما فی المسائل الإلهیة ما تقع فیها الحیرة أکثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسیما فی تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقین.

فیخرجها ذلک التعلق أن تکون أفعال المخلوقین لغیر المخلوقین حین ظهورها عنهم ، وأفعال الله کلها حسنة فی مذهب المخالف الذی ینفی الفعل عن المخلوق ویثبت الذم للفعل بلا خلاف.

ولا شک عنده فی تعلق الذم، بذلک الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم فی حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ،

فیلوح لهم ما لا یمکن لهم معه أن ینسبوها إلى أنفسهم ، ویلوح لهم ما لا یتمکن معه أن ینسبوه إلى الله .

فهم هالکون بین حقیقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما یقاسیه العارفون ، فإن الذی ینزل عن هذا المقام یشاهد أحد الطرفین فیکون مستریحا لعدم المعارض.

فمذهبنا العین الممکنة إنما هی ممکنة لأن تکون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فیکون الوجود عینها .

إذن فلیس الوجود فی الممکن عین الموجود ، بل هو حال لعین الممکن ، به یسمى الممکن موجودا مجازا لا حقیقة ، لأن الحقیقة تأبى أن یکون الممکن موجودا ، فلا یزال کل شیء هالک .

 الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606 . أهـ  ""


5 - الوهم

إن للوهم حکما فی الإنسان کما للعقل حکما فیه ، فمن القوى التی خلقها الله فی هذا الخلیفة بل فی الإنسان الکامل والحیوان وهو مطلق الإنسان قوة تسمى الوهم وقوة تسمى العقل وقوة تسمى الفکر ، ومیز الحضرات الثلاث لهذا الخلیفة ، وجعل فیه قوة مصورة تحت حکم العقل والوهم ، یتصرف فیها العقل بالأمر ، کذلک الوهم یتصرف فیها بالأمر ، وقوى فی هذه النشأة سلطان الوهم على العقل ، والوهم سریع الزوال لإطلاقه بخلاف العقل ، فإنه مقید محبوس بما استفاده ، فأثر الأوهام فی النفوس البشریة أظهر وأقوى من أثر العقول إلا من شاء الله تعالى ، فالغالب على الخلق حکم الأوهام لسلطنة الوهم على العقل ۰

"العقل مشتق من العقال وهو القید"

الفتوحات ج 1 / 415 - ج 3 / 364 - ج 4 / 409 


6 - التشبیه والتنزیه

لما أخذ الرسول یصف للناس مرسله الحق تعالی لیعرفهم به المعرفة التی لیست عندهم ، مما کانوا أحالوا مثل ذلک على الحق تعالی وسلبه عنه أهل الأدلة النظریة ، وأثبتوا تلک الصفات للمحدثات دلالة على حدوثها ، فلما سمعوا ما تنکره الأدلة العقلیة النظریة وترده ، افترقوا عند ذلک على فرق ، فمنهم من ارتد على عقبه وشک فی دلیله الذی دله على صدقه وأقام له فی ذلک الدلیل شبهات قادحة فیه صرفته

ص 329

أن یخلو تنزیه عن تشبیه ولا تشبیه عن تنزیه: قال تعالى «لیس کمثله شیء» فنزه و شبه، «وهو السمیع البصیر» فشبه.

وهی أعظم آیة تنزیه نزلت،  و مع

…………………………………...

عن الإیمان والعلم به فارتد على عقبه ، ومنهم من قال إن فی جمعنا هذا من لیس عنده سوی نور الإیمان ولا یدری ما العلم ولا من طریقه ، وهذا الرسول لا نشک فی صدقه وفی حکمته ، ومن الحکمة مراعاة الأضعف ، فخاطب هذا الرسول بهذه الصفات التی نسبها إلى ربه أنه علیها هذا الضعیف الذی لا تنظر له فی الأدلة .

 ولیس عنده سوی نور الإیمان رحمة به ، لأنه لا یثبت له الإیمان إلا بمثل هذا الوصف . 

وللحق أن یصف نفسه بما شاء على قدر عقل القابل ، وإن کان فی نفسه على خلاف ذلک ، واتکل هذا المخبر بهذا الوصف والمراعی حق هذا الأضعف على ما یعرفه من علمنا به وتحققنا من صدقنا فیه ووقوفنا مع دلیلنا، فلا یقدح شیء من هذا فیما عندنا ، إذ قد عرفنا مقصود هذا الرسول بالأمر، فثبتوا على إیمانهم مع کونهم أحالوا ما وصف الرسول به ربه فی أنفسهم ، وأقروه حکمة واستجلابا للأضعف ، وفرقة أخرى من الحاضرین قالوا هذا الوصف یخالف الأدلة ، ونحن على یقین من صدق هذا المخبر . 

وغایتنا فی معرفتنا بالله سلب ما نسبناه لحدوثها ، فهذا أعلم بالله منا فی هذه النسبة . فنؤمن بها تصدیقا له، ونکل علم ذلک إلیه وإلى الله، فإن الإیمان بهذا اللفظ ما یضرنا. 


ونسبة هذا الوصف إلیه تعالی مجهولة عندنا ، لأن ذاته مجهولة من طریق الصفات الثبوتیة ، والسلب فما یعول علیه ، والجهل بالله هو الأصل ، فالجهل بنسبة ما وصف الحق نفسه به فی کتابه أعظم ، فلنسلم ولنؤمن على علمه بما قاله فی نفسه ، وفرقة أخرى من الحاضرین قالوا لا نشک فی دلالتنا على صدق هذا الخبر .

وقد أتانا فی نعت الله الذی أرسله إلینا بأمور إن وقفنا عند ظاهرها وحملناها علیه تعالی کما تحملها على نفوسنا أدى إلى حدوثه وزال کونه إلها ، وقد ثبت ، فننظر هل لها مصرف فی اللسان الذی جاء به ، فإن الرسول ما أرسل إلا بلسان قومه .

 فنظروا أبوابا مما یؤول إلیها ذلک الوصف مما یقتضی التنزیه وینفی التشبیه ، فحملوا تلک الألفاظ على ذلک التأویل ، فإذا قیل لهم فی ذلک أی شیء دعاکم إلى ذلک ؟ قالوا

  ص 330

ذلک لم تخل عن التشبیه بالکاف. "7"

فهو أعلم العلماء بنفسه، وما عبر عن نفسه

………………………………………………...

أمران ، القدح فی الأدلة ، فإنا بالأدلة العقلیة أثبتنا صدق دعواه ولا نقبل ما یقدح فی الأدلة العقلیة فإن ذلک القدح فی الأدلة على صدقه ، والأمر الآخر قد قال لنا هذا الصادق إن الله الذی أرسله لیس کمثله شیء ، و وافق الأدلة العقلیة ، فتقوى صدقه عندنا بمثل هذا ، فإن قلنا ما قاله فی الله على الوجه الذی یعطیه ظاهر اللفظ وتحمله علیه کما تحمله على المحدثات ضللنا ، فأخذنا فی التأویل إثباتا للطریقین، وفرقة أخرى وهی أضعف الفرق لم یتعدوا حضرة الخیال ، وما عندهم علم بتجرید المعانی ولا بغوامض الأسرار ولا علموا معنى قوله « لیس کمثله شیء » ولا قوله « وما قدروا الله حق قدره » وهم واقفون فی جمیع أمورهم مع الخیال ، وفی قلوبهم نور الإیمان والتصدیق ، وعندهم جهل باللسان ، فحملوا الأمر على ظاهره ، ولم یردوا علمه إلى الله فیه ، فاعتقدوا نسبة ذلک النعت إلى الله مثل نسبته إلى نفوسهم ، وما بعد هذه الطائفة طائفة فی الضعف أکثر منها ، فإنهم على نصف الإیمان حیث قبلوا نعت التشبیه ولم یعقلوا نعوت التنزیه من لیس کمثله شیء ، والفرقة الناجیة من هؤلاء الفرق المصیبة للحق ، هی التی آمنت بما جاء من عند الله على مراد الله وعلمه فی ذلک مع نفی التشبیه بلیس کمثله شیء .

فتوخات ج 2 / 306 - للاستزادة راجع کتابنا الفقه عند الشیخ الأکبر ص 114 - المشبهة والمجسمة ص 122 - مراتب الناس ص 135

 

7- «لیس کمثله شیء وهو السمیع البصیر ) .. الآیة

اعلم أنه لما اختلفت الأمزجة کان فی العالم العالم والأعلم ، والفاضل والأفضل ، فمنهم من عرف الله مطلقا من غیر تقیید ، ومنهم من لا یقدر على تحصیل العلم بالله حتى یقیده بالصفات التی لا توهم الحدوث وتقتضی کمال الموصوف ، ومنهم من لا یقدر على العلم بالله حتى یقیده بصفات الحدوث ، فیدخله تحت حکم ظرفیة الزمان وظرفیة المکان والحد والمقدار ، ولما کان الأمر فی العلم بالله فی العالم فی أصل خلقه ، وعلى هذا المزاج الطبیعی أنزل الله الشرائع على هذه المراتب ، حتى یعم

ص 331

إلا بما ذکرناه.

ثم قال «سبحان ربک رب العزة عما یصفون» وما یصفونه إلا

…………………………………….

الفضل الإلهی جمیع الخلق کله ، فأنزل « لیس کمثله شیء » وهو لأهل العلم بالله مطلقا من غیر تقید ، وأنزل قوله تعالى « أحاط بکل شیء علما » « وهو على کل شیء قدیر » « فعال لما یرید » " وهو السمیع البصیر " « الله لا إله إلا هو الحی القیوم » « فأجره حتى یسمع کلام الله » « وهو بکل شیء علیم » وهذا کله فی حق من قیده بصفات الکمال ، وأنزل تعالى من الشرائع « الرحمن على العرش استوى » « وهو معکم أینما کنتم » « وهو الله فی السموات والأرض » « تجری بأعیننا » "ولو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا " وهذا فی حق من قیده بصفات الحدوث ، فعمت الشرائع ما تطلبه أمزجة العالم ، ولا یخلو المعتقد من أحد هذه الأقسام ، والکامل المزاج هو الذی یعم جمیع هذه الاعتقادات . ویعلم مصادرها ومواردها ، ولا یغیب عنه منها شیء ، فإن ذات الحق وإنیته مجهولة عند الکون . ولاسیما وقد أخبر جل جلاله عن نفسه بالنقیضین فی الکتاب والسنة. فشبه فی موضع ونزه فی موضع بـ " لیس کمثله شیء " وشبه بقوله « وهو السمیع البصیر » فتفرقت خواطر التشبیه ، وتشتت خواطر التنزیه ، فإن المنزه على الحقیقة قد قیده وحصره فی تنزیهه، وأخلى عنه التشبیه ، والمشبه أیضا قیده وحصره فی التشبیه، وأخلى عنه التنزیه ، والحق فی الجمع بالقول بحکم الطائفتین فلا ینزه تنزیها یخرج عن التشبیه ، ولا یشبه تشبیها یخرج عن التنزیه . فلا تطاق ولا تقید، لتمیزه عن التقیید ، ولو تمیز تقید فی إطلاقه ، ولو تقید فی إطلاقه لم یکن هو ، فهو المقید بما قید به نفسه من صفات الجلال ، وهو المطلق بما سی به نفسه من أسماء الکمال ، وهو الواحد الحق الجلی الخفی ، لا إله إلا هو العلی العظیم . یقول بعض علماء التوحید إن الحق یعطی المناسبة من وجه ، ولا یعطی المناسبة من وجه ، ویقول جماعة من العلماء بنفی المناسبة جملة واحدة ، ومذهبنا أنا بحسب ما یلقی إلینا فی حق نفسه ، فإن خاطبنا بالمناسبة قلنا بها حیث خاطبنا ، لا نتعدی ذلک الموضع ونقتصر علیه ، وإن خاطبنا برفع المناسبة رفعناها فی ذلک الموطن الذی

ص 332

* * * * *

…………………………………...

رفعها فیه لا تتعداه ، فیکون الحکم له لا لنا ، هذا هو الذی نعتمد علیه ، فقوله « لیس کمثله شیء » على زیادة الکاف رفع للمناسبة الشیئیة ، لأنه ما ثم موجود لا یغیب . 

له عین ، ولا یحصره این ، إلا الله ، وتمام الآیة « وهو السمیع البصیر » إثبات للمناسبة ، والآیة واحدة ، والکلمات مختلفة ، فلا نعدل عن هذه المحجة : فهی أقوى حجة ، وعلى ذلک نقول فی هذه الآیة « لیس کمثله شیء وهو السمیع البصیر » إنها أصل فی النزیه لأهله ، وأصل فی التشبیه لأهله ، ففی هذه الآیة تفی التشبیه المفهوم منه على زیادة الکاف أو فرض المثل ، إذ کان لا یستحیل فرض المحال ، فإن بعض العلماء یرى أنه لو فرض له مثل لم یماثل ذلک المثل : 


فأحرى أن یماثل هو فی نفسه ، فما حظ العقل من الشرع مما یستقل به دلیله إلا «لیس کمثله شیء » على زیادة الکاف لا على إثباتها صفة ، ومن وجه التشبیه فإن الکاف کاف الصفة ما هی زائدة کما یرى بعضهم ، وتدل عند بعضهم على نفی المثل عن المثل المحقق ، وهو معنى قوله صلى الله علیه وسلم : « إن الله خلق آدم على صورته » فی بعض وجوه محتملان ، فجعله متلائم نفی أن یماثل ذلک المثل فقال : « لیس کمثله شیء » أی لیس مثل مثله شیء ، فالکاف فی « کمثله » على وجهین ، وقتا على زیادة الکاف ، ووقتا على کونها صفة لفرض المثل . 

وهو مذهبنا والحمد لله ، فارتفع بهذه الآیة « لیس کمثله شیء » الأشکال والأمثال ، ولم یتقید أمر الإله ولا انضبط، وجهل الأمر ، وتبین أنه لم یکن معلوما وقت الاعتقاد بأنه کان معلوما لنا ، ولم یحصل فی العلم به أمر ثبوتی ، بل سلب محقق و نسبة معقولة . 

 

أعطتها الآثار الموجودة فی الأعیان ، فلا کیف ولا أین ولا متى ولا وضع ولا إضافة ولا عرض ولا جوهر ولا کم وهو المقدار ، وما بقی من العشرة إلا انفعال محقق . وفاعل معین ، أو فعل ظاهر من فاعل مجهول ، یثرى أثره ولا نعرف خبره ولا یعلم عینه ولا یجهل کونه ، فالحق لا یضاهی لأنه لیس کمثله شیء ، أما صفات التشبیه فهی مضاهاة مشروعة ، فما أنت فاهیته ، فالعقل ینافی المضاهاة ، والشرع ثبت

ص  333

بما تعطیه عقولهم. فنزه نفسه عن تنزیههم إذ حدوده بذلک التنزیه "8"

، وذلک

………………………………………..

وینفی ، والإیمان بما جاء به الشرع هو السعادة ، فلا یتعدى العاقل ما شرع الله له والعاقل من هجر عقله ، وتبع شرعه بعقله من کونه مؤمنا ، وأکمل العقول عقل ساوی إیمانه وهو عزیز.

الفتوحات ج 1 / 290 ، 351 - ج 2 / 174 ، 211 ، 219 ، 290 ، 291 ، 470 ، 661 ، 662 ، 692 - ج 3 / 534 - ج 4 / 411 

8 - «سبحان ربک رب العزة عما یصفون ».. الآیة

« سبحان ربک رب العزة عما یصفون» هی حضرة لا تقبل التنزیه ولا التشبیه فیتنزه عن الحد بنفی التنزیه الذی کان یتخیله المنزه ، فإن التنزیه یحده ، ویشیر إلیه ویقیده ، ویتنزه عن المقدار بنفی التشبیه فی « سبحان ربک رب العزة » أی هو الممتنع لنفسه أن یقبل ما وصفوه به فی نظرهم وحکموا علیه بعقولهم ، وأن الحق لا یحکم علیه الخلق ، والعقل والعاقل خلق ، وإنما یعرف الحق من الحق بما أنزله إلینا وأطلعنا علیه کشفا وشهودا بوحی إلهی أو برسالة رسول ثبت صدقه وعصمته فیما یبلغه عن الله ،

فدخل تحت قوله تعالى فی تنزیه نفسه « عما یصفون » ما یصفه به عباده مما تعطیهم أدلتهم فی زعمهم بالنظر الفکری ، فالحق سبحانه لا یعرف فی " لیس کمثله شیء" ، وفیما ذکره فی سورة الإخلاص ، وفی عموم قوله بالتسبیح الذی هو التنزیه « رب العزة عما یصفون » والعزة تقتضی المنع أن یوصل إلى معرفته، وإن کان تعبدنا بما وصف به نفسه شرعا ، فنقرره فی موضعه ، وتقوله کما أمرنا به على جهة القربة إلیه ،


وما ظفر بالأمر إلا من جمع بین التنزیه و التشبیه ، فقال بالتنزیه من وجه عقلا و شرعا ، وقال بالتشبیه من وجه شرعا لا علا ، فقد قال تعالى « سبحان ربک رب العزة عما یصفون » فأوقف العالم فی مقام الجهل والعجز والحیرة . 

لیعرف العارفون ما طلب منهم من العلم به ، وما لا یمکن أن یعلم ، فیتأدبون ولا یتجاوزون مقادیرهم ، کما قالت الیهود فی الخبر النبوی المشهور ، من کون الحق یضع الأرض یوم القیامة على أصبع والسماوات على إصبع ۰۰۰ ( الحدیث ) فقرأ النبی صلى الله علیه وسلم 


ص 334

لقصور العقول عن إدراک مثل هذا. "9"

ثم جاءت الشرائع کلها بما تحکم به الأوهام. فلم تخل عن صفة یظهر فیها.

کذا قالت، و بذا جاءت. فعملت الأمم على ذلک فأعطاها الحق التجلی فلحقت بالرسل وراثة ، فنطقت بما نطقت به رسل الله «الله أعلم حیث یجعل رسالته .

«فالله أعلم» موجه: له وجه بالخبریة إلى رسل الله، و له وجه بالابتداء إلى أعلم حیث یجعل رسالاته .

و کلا الوجهین حقیقة فیه، "10"

ولذلک قلنا بالتشبیه فی التنزیه وبالتنزیه فی التشبیه. "11"

وبعد أن تقرر هذا

………………………………...

« وما قدروا الله حق قدره » فصاحب علم النظر الواقف مع عقله المتحکم على الحق بدنیله هیهات أن یدرک الألوهیة ، وأین الألوهیة من الکون ، وأبن المحدث من حضرة العین ، کیف یدرک من له شبه من لا شبه له ، للعقل عقل مثله ، ولیس للحق حق مثله ، محال وجود ذاتین وإلهین ، لا یشبه شیئا ولا یتقید بشیء ولا یحکم علیه شیء ، بل ما یضاف إلیه إلا بقدر ما تمس حاجة الممکن المقید إلیه ، فالعقل ما عرفه ، کیف یلتس بأمر هو خلقه عاجزا فقیرة مستمدة ؟! تعالى الله عن إدراک المدرکین علوا کبیرا « سبحان ربک رب العزة عما یصفون » « لیس کمثله شیء وهو السمیع البصیر » فلا یطاب بالعقول ما لا یصح إلیه الوصول . 

فتوحات ج 2 / 283 ، 580 - ج 3 / 536  - کتاب ذخائر الأعلاق .


9 - راجع حکم العقل هامش رقم (21)  بالفص الحالی


10 ۔ " وإذا جاءتهم آیة قالوا لن نؤمن حتى وتی مثل ما أوتی رسل الله ، الله أعلم حیث یجعل رسالته "۰


إذا قرأت « رسل الله الله » فإن انقطع نفسک على الجلالة الثانیة کان ، وإلا فاقصد ذلک ثم ابتدئ " الله أعلم حیث یجعل رسالته "، قال تعالى فی الذین یبایعون الرسول « إنما یبایعون الله » ، فأنزله منزلته . 

فتوحات ج 4 / 122 ، 405

هذا الذی جاء فی الفتوحات هو أوضح وأدق تعبیرا عن المراد والمقصود بالاستشهاد بهذه الآیة فی هذا الوطن عن التعبیر بقوله هنا « الله أعلم ». 


 11 - راجع هامش رقم 6

ص 335

 فنرخی الستور و نسدل الحجب على عین المنتقد والمعتقد ، وإن کانا من بعض صور ما تجلى فیها الحق.

ولکن قد أمرنا بالستر لیظهر تفاضل استعداد الصور، وأن المتجلی فی صورة بحکم استعداد تلک الصورة، فینسب إلیه ما تعطیه حقیقتها و لوازمها لا بد من ذلک:  "12"  مثل من یرى الحق فی النوم ولا ینکر هذا وأنه لا شک الحق عینه فتتبعه لوازم تلک الصورة وحقائقها التی تجلى فیها فی النوم، ثم بعد ذلک یعبر أی یجاز عنها إلى أمر آخر یقتضی التنزیه عقلا.

فإن کان الذی یعبرها ذا کشف و إیمان ، فلا یجوز عنها إلى تنزیه فقط، بل یعطیها حقها فی التنزیه و مما ظهرت فیه.

فالله على التحقیق عبارة لمن فهم الإشارة. وروح هذه الحکمة و فصها أن الأمر

………………………………………………….

12 - التجلی فی الصور

الخیال من جملة ما خلق الله ، وهو رحم یصور الله فیه ما یشاء . 

فظهر لنا سبحانه فیه بأسمائه وصفاته صورا ، فإن المواطن تحکم بنفسها فی کل ما ظهر فیها . 

فمن مر على موطن انصبغ به ، والدلیل الواضح فی ذلک رؤیتک الله تعالى فی النوم . وهو موطن الخیال ، فلا ترى الحق فیه إلا صورة جسدیة ، کانت تلک الصورة ما کانت ، والحکم على الله أبدا بحسب الصورة التی یتجلى فیها ، فما یصح لتلک الصورة من الصفة التی تقبلها، فإن الحق یوصف بها ویصف بها نفسه ، وهذا فی العموم إذا رأى الحق أحد فی المنام فی صورة ، أی صورة کانت . 


حمل علیه ما تستلزمه تلک الصورة التی رآه فیها من الصفات ، وهذا ما لا ینکره أحد فی النوم ، ومن رجال الله من یدرک تلک الصورة فی حال الیقظة ، ولکن هی فی الحضرة الخیالیة التی یراه فیها النائم لا غیر، وهذه المرتبة یجتمع فیها الأنبیاء والأولیاء رضی الله عنهم ، فما ظهرت صورة فی جوهر العالم لا ظهرت بجمیع أحکامها سواء کانت الصورة محسوسة أو متخیلة ، فإن أحکامها تتبعها. 


کما قال الأعرابی لما سمع رسول الله صلى الله علیه وسلم یصف الحق جل جلاله بالضحک ، 

قال : لا نعدم خیرا من رب یضحک، إذ من شأن من یضحک أن یتوقع منه وجود الخیر ، فکما أتبع الصورة الضحک أتبعها وجود الخیر منها ، وهذا فی الجناب الإلهی فکیف فی جوهر العالم . 

فتوحات  ج 3 / 452 ، 507 ، 538 - ج 4 / 108 ، 200

ص 336

ینقسم إلى مؤثر و مؤثر فیه وهما عبارتان: فالمؤثر بکل وجه وعلى کل حال وفی کل حضرة و هو الله.

والمؤثر فیه بکل وجه و على کل حال و فی کل حضرة هو العالم فإذا ورد.

فألحق کل شیء بأصله الذی یناسبه ، فإن الوارد أبدا لا بد أن یکون فرعا عن أصل کما کانت المحبة الإلهیة عن النوافل من العبد .

فهذا أثر بین مؤثر و مؤثر فیه: و کما کان الحق سمع العبد وبصره و قواه عن هذه المحبة. فهذا أثر مقرر لا یقدر على إنکاره لثبوته شرعا إن کنت مؤمنا.

وأما العقل السلیم، فهو إما صاحب تجل إلهی فی مجلى طبیعی فیعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم یؤمن به کما ورد فی الصحیح.

ولا بد من سلطان الوهم أن یحکم على العاقل الباحث فیما جاء به الحق فی هذه الصورة لأنه مؤمن بها.

وأما غیر المؤمن فیحکم على الوهم بالوهم فیتخیل بنظره الفکری أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلک التجلی فی الرؤیا، و الوهم فی ذلک لا یفارقه من حیث لا یشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلک قوله تعالى «ادعونی أستجب لکم».

قال تعالى «و إذا سألک عبادی عنی فإنی قریب أجیب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا یکون مجیبا إلا إذا کان من یدعوه، وإن کان عین الداعی عین المجیب.

فلا خلاف فی اختلاف الصور، فهما صورتان بلا شک. "13"

وتلک الصور کلها کالأعضاء لزید: فمعلوم أن زیدا حقیقة واحدة شخصیة، وأن یده لیست صورة رجله و لا رأسه

……………………………………………...

13 - المؤثر والمؤثر فیه

کل مؤثر فیه من العالم فمن الإجابة الإلهیة ، وأما اسم الفاعل من ذلک فهو معلوم عند کل أحد، ومن علم أنه سبحانه علا فی صفاته وعلی، وجل فی ذاته وجلی۔ وأن حجاب العزة دون سبحانه مسدل ، وباب الوقوف على معرفة ذاته مقفل ، إن


خالب عبده فهو المسمع السمیع ، وإن فعل ما أمر بفعله ، فهو المطاع المطیع : فهو سبحانه یطیع نفسه إذا شاء بخلقه . 

وینصف نفسه مما تعین علیه من واجب حقه . فلیس إلا أشباح خالیة ، على عروشها خاویة ، وفی ترجیع الصدى ، سر ما أشرنا إلیه لمن اهتدى ، فهو فعل الحق فی شرعک ، مع أصل وضعک ، ناداک فی سرک . 

فأجابه الصدى من شرعک ، فاشکر شکر من نحقق أنه بالتکلیف ظهر الاسم المعبود ، و بوجود حقیقة لا حول ولا قوة إلا بالله ظهرت حقیقة الجود، وحقیقة العبودیة الوقوف عند أوامر السید . 

وما مأمور إلا من یصح منه الفعل بما أمر به . والأفعال خلق الله .

ص 337

ولا عینه ولا حاجبه. فهو الکثیر الواحد: الکثیر بالصور ، الواحد بالعین.

وکالإنسان: واحد بالعین بلا شک. ولا نشک أن عمرا ما هو زید ولا خالد ولا جعفر، وأن أشخاص هذه العین الواحدة لا تتناهى وجودا.

فهو و إن کان واحدا بالعین، فهو کثیر بالصور والأشخاص .

وقد علمت قطعا إن کنت مؤمنا أن الحق عینه یتجلى یوم القیامة فی صورة فیعرف، ثم یتحول فی صورة فینکر، ثم یتحول عنها فی صورة فیعرف، وهو المتجلی لیس غیره فی کل صورة.

ومعلوم أن هذه الصورة ما هی تلک الصورة الأخرى: فکأن العین الواحدة قامت مقام المرآة، فإذا نظر الناظر فیها إلى صورة معتقده فی الله عرفه فأقر به.

وإذا اتفق أن یرى فیها معتقد غیره أنکره، کما یرى فی المرآة صورته وصورة غیره.

فالمرآة عین واحدة والصور کثیرة فی عین الرائی، ولیس فی المرآة صورة منها جملة واحدة، مع کون المرآة لها أثر فی الصور بوجه وما لها أثر بوجه: فالأثر الذی لها کونها ترد الصورة متغیرة الشکل من الصغر والکبر والطول والعرض، فلها أثر فی المقادیر، وذلک راجع إلیها.

وإنما کانت هذه التغیرات منها لاختلاف مقادیر المرائی: فانظر فی المثال مرآة واحدة من هذه المرایا، لا تنظر الجماعة، وهو نظرک من حیث کونه ذاتا: فهو غنی عن العالمین، ومن حیث الأسماء

……………………………………………..

فهو الآمر والمأمور ، فأین التصرف الحقیقی الذی به یسى العبد عبدا قائما بأوامر سیده ، أو منازعا له فیتصف بالإباق ، فبقى المسى عبدا على ظهور الاقتدار بجریان الفعل على ظاهره وباطنه ، إما بموافقة الأمر أو بمخالفته ، وإذا کان هذا الذی ذکرناه فلا عبودیة تصریف ، فهو ( أعنی العبد ) موجود بلا حکم ، وهذا مقام تحقیقه عند جمیع علماء الذوق من أهل الله ، 


إلا طائفة من أصحابنا وغیرهم ممن لیسوا منا ، یرون خلاف ذلک ، وأن الممکن له فعل ، وأن الله قد فوض إلى عباده أن یفعلوا المسکنات من الأفعال ، فکلفهم فعلها ، فقال « أقیموا الصلاة » و « آتوا الزکاة » و « أتموا الحج والعمرة لله » و « جاهدوا فی سبیل الله » وأمثال هذا ، فإذا أثبتوا أن للعبد فعلا فلا یصح ترک عبودیة التصریف ،

وأما عبودیة الإسکان فأجمعوا على کونها وأنه لا یتصور ترکها ، فإن ذلک ذاتی للسکن ، وبعض أصحابنا یلحظ فی ترک العبودیة ، کون الحق قوى العبد وجوارحه ، فإنه یغیب عن عبودیته فی تلک الحال ، فهو ترک حال لا ترک حقیقة .

ص 338

الإلهیة فذلک الوقت یکون کالمرایا: فأی اسم إلهی نظرت فیه نفسک أو من نظر، فإنما یظهر فی الناظر حقیقة ذلک الاسم: فهکذا هو الأمر إن فهمت . "14"

فلا تجزع ولا تخف فإن الله یحب الشجاعة ولو على قتل حیة، ولیست الحیة سوى نفسک. والحیة حیة لنفسها بالصورة والحقیقة.

والشیء لا یقتل عن نفسه. و إن أفسدت الصورة فی الحس فإن الحد یضبطها والخیال لا یزیلها. وإذا کان الأمر على هذا فهذا هو الأمان على الذوات والعزة والمنعة، فإنک لا تقدر على فساد الحدود.

وأی عزة أعظم من هذه العزة؟ فتتخیل بالوهم أنک قتلت، وبالعقل و الوهم لم تزل الصورة موجودة فی الحد . "15"

والدلیل على ذلک «وما رمیت إذ رمیت ولکن الله رمى»

………………………………………….

فإذا سمعتم العبد یکلم فذلک تکوین الحق فیه . 

والعبد على أصله صامت واقف بین یدیه تعالى ، فالسنة العالم کلها أقوال الله وتقسیمها لله ، فیضیف إلى نفسه منها ما یشاء ، ویترک منها ما یشاء، فانظر النطق من غیر محل النطق نجده الحق،وانظر المستمع تجده مستمعا مسمعا ، مخاطبا مخاطبا، فإذا کان هو المتکلم والمکلم. 

المستسع المسع ، فأنت عدم وإن کنت موجودا ، کما أنت حاضر وإن کنت مفقودة . ولذلک أشار مع مخبرا عن ربه « ولا یزال العبد یتقرب إلی بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته کنت سمعه وبصره ۰۰ » فمن کان الحق سمعه وبصره . 

فکیف یخفى علیه شیء ، ومن کان الحق لسانه کیف ینتهی کلامه.

فتوحات ج 1 / 2 - ج 2 / 216 - ج 3 / 211 ، 218 ، 260 . کتاب تاج الرسائل - کتاب التدبیرات الإلهیة.

راجع وحدة الوجود الظاهر فی المظاهر فص 5 ،هامش 6، ص 84


14 - راجع فص 2 ، هامش 4، ص 44


15 - الجهاد الأکبر

ما جاء فی هذه الفقرة یشیر إلى الجهاد الأکبر جهاد النفس والهوى فإن نفسک لک حیة ما دامت هی حیة ، فهی عدو لک ، وقتلها قتل معنوی وهو الذی عبر عنه بقوله « فتتخیل بالوهم أنک قتلت » مع بقائها فی الحد حقیقة موجودة ، 

وفی ذلک یقول الشیخ الأکبر رضی الله عنه :-

 ص 339

والعین ما أدرکت إلا الصورة المحمدیة التی ثبت لها الرمی فی الحس، وهی التی نفى الله الرمی عنها أولا ثم أثبته لها وسطا، ثم عاد بالاستدراک أن الله هو الرامی فی صورة محمدیة.

ولا بد من الإیمان بهذا. فانظر إلى هذا المؤثر حتى أنزل الحق فی صورة محمدیة.

وأخبر الحق نفسه عباده بذلک، فما قال أحد منا عنه ذلک بل هو قال عن نفسه.

وخبره صدق والإیمان به واجب، سواء أدرکت علم ما قال أو لم تدرکه: فإما عالم و إما مسلم مؤمن . "16"

ومما یدلک على ضعف النظر العقلی من حیث فکره،

……………………………………..

الجهاد الأکبر هو جهاد الهوى فإنه أکبر الأعداء إلیک الذین یلونک ، فإنه بین جنبیک ، ولا أکفر من النفوس بنعم الله ، فإنها فی کل نفس تکفر نعمة الله علیها من بعد ما جاءتها ، ولا یلی الإنسان أقرب إلیه من نفسه ، وجهاد النفس أعظم من جهاد العدو ، لذلک قال علیه السلام إن جهاد النفس هو الجهاد الأکبر ، 


لأن الإنسان لا یخرج إلى جهاد العدو إلا بعد جهاد نفسه ، وجهاد العدو قد یقع من العبد للریاء والسمعة والحمیة ، وجهاد النفس أمر باطن لا یطلع علیه إلا الله ، فحظ کل موفق أن ینظر إلى نفسه الأمارة بالسوء التی تحمله على کل محظور ومکروه ، وتعدل به عن کل واجب ومندوب ، للمخالفة التی جبلها الله علیها ، وهی أقرب الکفار والأعداء إلیه ، 


فإذا جاهدها وقتلها أو أسرها حینئذ یصح له أن ینظر فی الأغیار على حسب ما یقتضیه مقامه ، فإنک إذا جاهدت نفسک هذا الجهاد خلص لک الجهاد الآخر فی الأعداء ، الذی إن قتلت فیه کنت من الشهداء الأحیاء ، فالهوى هو أقرب الکفار إلیک فاشتغل به وإلا اشتغل بک فیهدم دینک.

الفتوحات ج 1 / 467 - ج 4 / 462 . کتاب الوصیة - کتاب مواقع النجوم - کتاب التدبیرات الإلهیة .


16 - قوله تعالى «وما رمیت إذ رمیت ولکن الله رمى » .. الآیة

فی حضرة الأفعال ینسب الفعل بالعوائد إلى المخلوق والحق مبطون فیه . 

وینسب الفعل بخرق العادة إلى الله لا إلى المخلوق ، لأنه خارج عن قدرة المخلوق .

 فیظهر الحق وإن کان لا یظهر إلا فی الخلق ، ومن هنا یتبین أن ما قام فیه الإنسان عین ما قام فیه الحق بین ظاهر و باطن ، فإذا ظهر من. ظهر بطن الآخر ، وذلک قوله تعالى لنبیه صلى الله علیه وسلم  فی رمیه التراب فی أعین المشرکین « وما رمیت إذ رمیت » فالرمی 

 ص 340

کون العقل یحکم على العلة أنها لا تکون معلولة لمن هی علة له : هذا حکم العقل لا خفاء به، وما فی علم التجلی إلا هذا، وهو أن العلة تکون معلولة لمن هی علة له.

والذی حکم به العقل صحیح مع التحریر فی النظر، وغایته فی ذلک أن یقول إذا رأى الأمر على خلاف ما أعطاه الدلیل النظری، إن العین بعد ثبت أنها واحدة فی هذا الکثیر،فمن حیث

………………………………………..

وقع منه صلى الله علیه وسلم  بقول الله . وإیصال الرمی إلى أعین الکفار حتى ما بقیت عین لمشرک خاص إلا وقع من التراب فی عینه . فهذا لیس المخلوق . 

فقال تعالى « ولکن الله رمى » إثباتا للنفی فی أول الآیة . 

فإن الله محا رسول الله صلى الله علیه وسلم  فی حکم رمیه مع وجود الرمی عنه ، فقال « وما رمیت » فمحاه « إذ رمیت » فأثبت السبب « ولکن الله رمى » وما رمى إلا بید رسول الله صلى الله علیه وسلم . 

فقوله تعالی « وما رمیت » نفی « إذ رمیت » إثبات عین ما نفی « ولکن الله رمى » نفی عین ما أثبته .


فصار إثبات الرمی بین طرفی نقی . 

فالنفی الأول عین النفی الآخر . فمن المحال أن یبت عین الوسط بین النفیین لأنه محصور . فیحکم علیه الحصر . 

ولاسیما أن النفی الآخر زاد على النفی الأول باتبان الرمی له لا للوسط ، فتبت الرمی فی الشهود الحسی لمحمد صلى الله علیه وسلم  بثبوت محمد صلى الله علیه وسلم . 

فمحمد صلى الله علیه وسلم  رام لا رام ، وهذا لا یدرک إلا بعین البصیرة . فالبصیرة بها تدرک الأمر على ما هو علیه . 

لأنه علم محقق ، وإذا أدرک بالنور عین نسبة ما ظهر فی الحس سمی بصرا. 

فاختلفت الألقاب باختلاف المواطن ، فأبان الله لنا فیما ذکره فی هذه الآیة ، الذی کنا نظنه حقیقة محسوسة ، إنما هی متخیلة یراها رأی العین . 

والأمر فی نفسه على خلاف ما تشهده العین، وهذا سار فی جمیع القوى الجسمانیة والروحانیة. 

ولولا الاسم الباطن ما عرفنا أن الرامی هو الله فی صورة محمدیة ، فإنه ما رمى إلا محمد صلى الله علیه وسلم  ، وما وقع الحس إلا على رمیه ، وما رمى إلا الله . 

فأین محمد صلى الله علیه وسلم ؟ 

محاه وأثبته ثم محاه ، فهو مثبت بین محوین ، کما ورد فی الخبر کنت سمعه وبصره ، فأین الإنسانیة هنا؟ 

فإنه نفى عین ما أثبته لک، وأثبته لنفسه فقال « ولکن الله رمى » وما رمى إلا العبد ، فأعطاه أسمه وسماه به ، وبقی الکلام فی أنه هل حلاه به کما سماه به أم لا ؟ 

فإنا لا نشک أن العبد رمی ، ولا شک أن الله تعالی قال « ولکن الله رمی » وقد نفى الرمی عنه أولا ، والحق لا یباهت خلقه . 

فما بقول

ص 341 

هی علة فی صورة من هذه الصور لمعلول ما، فلا تکون معلولة لمعلولها، فی حال کونها علة، بل ینتقل الحکم بانتقالها فی الصور، فتکون معلولة لمعلولها، فیصیر معلولها علة لها .

هذا غایته إذا کان قد رأى الأمر على ما هو علیه، و لم یقف مع نظره الفکرى.

وإذا کان الأمر فی العلیة بهذه المثابة، فما ظنک باتساع النظر العقلی فی غیر هذا المضیق؟

…………………………………………………...

إلا ما هو الأمر علیه فی نفسه ، فقوله « إذ رمیت » أثبت لک ما رأیت ، ودل قوله « ولکن الله رمى » على أمر یستوی فیه البصیر والأعمى ، فید الله ید الأکوان وإن اختلفت الأعیان ، وهذا عهد من الله تعالى إلینا أن الفعل الذی یشهد به الحس أنه العبد ، هو الله تعالى لا للعبد ، فإن أضفته لنفسی فإنما أضیفه بإضافة الله لا بإضافتی . فأنا أحکی وأترجم عن الله به وهو قوله « والله خلقکم وما تعملون » فرد الفعل الذی أضافه إلى نفسه وهو حقه الذی له قبلی بهذه الإضافة ، ولکن لابد من میزان إلهی نرده به إلیه ، وهو قوله صلى الله علیه وسلم « اعبد الله کأنک تراه » فإن الوزن نعت إلهی . 

لا ینبغی لعبد من عباد الله أن یغفل عنه فی کل فعل ظاهر فی الکون من موجود ما من الموجودات ، فلا یزال مراقبا له فی غیره ، فیحکم علیه بالمیزان الموضوع عنده . 

ولیس إلا الشرع ، وهذه الآیة تشیر إلى نفی الرکون إلى الأسباب لا الأسباب ، فإن الله لا یعطل حکم الحکمة فی الأشیاء ، والأسباب حجب إلهیة موضوعة لا ترفع .

فمن الحکمة إبقاء الأسباب مع محو العبد من الرکون إلیها ، على نفی أثرها فی المسببات ، فالأسباب ستور وحجب ، وفی هذه الآیة علم إضافة الأفعال ، هل تضاف إلى الله أو إلى العبد أو إلى الله وإلى العبد ؟ 

فإن وجودها محقق و نسبتها غیر محققة . وهذا موضوع اختلف الناس فیه ، والخلاف لا یرتفع من العالم بقولی ، فمن الناس من نسب الأفعال إلى الخلق ، ومنهم من نسب الأفعال إلى الله ، ومنهم من نسب الفعل إلى الله بوجه و إلى العباد بوجه ، فعلق المحامد والحسن بما ینسب من الأفعال للحق . 

وعلق المذام والقبح بما ینسب من الأفعال العباد . لحکم الاشتراک العقلی . 

وکمال الوجود توقف على وجودها ، قال تعالى :" وما رمیت إذ رمیت ولکن الله رمى" فنفى الرمی عمن أثبته له، فأثبت بهذه الآیة أعیان العالم، والفعل کله إنما یظهر صدوره من الصورة ، وهو القائل « ولکن الله رمى » فکان الحق عین الصورة التی

ص 342

فلا أعقل من الرسل صلوات الله علیهم وقد جاءوا بما جاءوا به فی الخبر عن الجناب الإلهی، فأثبتوا ما أثبته العقل وزادوا ما لا یستقل العقل بإدراکه، وما یحیله العقل رأسا ویقر به فی التجلی.

فإذا خلا بعد التجلی بنفسه حار فیما رآه

………………………………………….

نشاهد الأعمال منها . وهذا مقام الحیرة . فصدق الله الخواص فی حیرتهم بقوله هذا الأخص خلفه علما و معرفة ، فنفى عین ما أثبت ، فما أثبت وما نفى ، فأین العامة من هذا الخطاب ؟ فالعلم بالله حیره. والعلم بالخلق حیرة . 

وقد حجر النظر فی ذاته وأطلقه فی خلقه ، فالهداف فی النظر فی خلقه لأنه الهادی وقد هدى . 

والعسی فی النظر فی الحق فإنه قد حجر وجعله سبیل الردی : وهذا خطاب خاطب به العقلاء فما زادهم إلا إیمانا بالحیرة و تسلیما لحکمها ، 

ولذلک قال تعالى فی هذه الآیة « ولیبلی المؤمنین منه بلاء حسنا » فجاء بالخبرة بقوله تعالى « ولیبلی » أی قلنا هذا اختبارا المؤمنین فی إیمانهم لنا فی ذلک من تناقض الأمور الذی یزلزل إنسان من فی إیمانه نقص عما یستحقه الإیمان من مرتبة الکمال ، فإن الله خیر المؤمنین وهو ابتلاؤه با ذکر من فی الرمی وإثباته .

 وجعله بلاء حسنا . أی إن تفاه العبد عمه أصاب . وإن أنبه له أصاب ، وما بقی إلا أی الإصابتین أولى بالعبد ، وإن کان کله حسناء وهذا موضع الحیرة ، ولذلک سماه بلاء أی موضع اختبار ، فمن أصاب الحق وهو مراد الله أی الإصابتین أو أی الحکمین أراد . حکم النفی أو حکم الإنبات . کان أعظم عند الله من الذی لا یصیب لذلک قال : « إن الله واسع علیم » . 

فتوحات ج 1 / 731 - ج 2 / 69 ،147 ، 553 - ج 3 / 286 ، 411 ، 525 - ج 4 / 33، 213 ، 580 ، 335 ، 414


17 - الخیال والمحال

ما أوسع حضرة الخیال ، فیها یظهر وجود المحال ، بل لا یظهر فیها على التحقیق إلا وجود المحال ، فإن الواجب الوجود وهو الله تعالى لا یقبل الصور ، وقد ظهر بالصورة فی هذه الحضرة ، فقد قبل المحال الوجود الوجود فی هذه الحضرة ، فما قبل شیء من المحدثات صورة الحق سوى الخیال .

الفتوحات ج 2 / 312 

 راجع حکم العقل . هامش رقم 21

ص 343

 فإن کان عبد رب رد العقل إلیه، و إن کان عبد نظر رد الحق إلى حکمه .

وهذا لا یکون إلا ما دام فی هذه النشأة الدنیویة محجوبا عن نشأته الأخرویة فی الدنیا.

فإن العارفین یظهرون هنا کأنهم فی الصورة الدنیا لما یجری علیهم من أحکامها،  "18"  والله تعالى قد حولهم فی بواطنهم فی النشأة الأخرویة، لا بد من ذلک.

فهم بالصورة مجهولون إلا لمن کشف الله عن بصیرته فأدرک.

فما من عارف بالله من حیث التجلی الإلهی إلا و هو على النشأة الآخرة: قد حشر فی دنیاه و نشر فی قبره ، فهو یرى ما لا ترون،

…………………………………...

18 - الملامیة

الملامیة هم رجال الله الذین حلوا من الولایة فی أقصى درجاتها ، وما فوقهم إلا درجة النبوة . 

وهذا یسمى مقام القربة فی الولایة ، و آیتهم من القرآن « حور مقصورات فی الخیام » پنبه بنعوت نساء الجنة وحورها على نفوس رجال الله . 


الذین اقتطعهم إلیه ، وصانهم وحبسهم فی خیام صون الغیرة الإلهیة فی زوایا الکوں أن تستند إلیهم عین فتشغلهم ، لا والله ما یشغلهم نظر الخلق إلیهم ، حبس ظواهرهم فی خیمات العادات والعبادات من الأعمال الظاهرة والمثابرة على الفرائض منها والنوافل ، فلا یعرفون بخرق عادة فلا یعظمون ، 

ولا یشار إلیهم بالصلاح الذی فی عرف العامة ، مع کونهم لا یکون منهم فساد ، فهم الأخفیاء الأبریاء الأمناء فی العالم . 

الغامضون فی الناس ، فیهم قال رسول الله صلى الله علیه وسلم عن ربه عز وجل « إن أغبط أولیائی عندی لمؤمن خفیف الحاذ ذو حظ من صلاة ، أحسن عبادة ربه وأطاعه فی السر والعلانیة وکان غامضا فی الناس » یرید أنهم لا یعرفون بین الناس بکبیر عبادة ، ولا ینتهکون المحارم سرا وعلنا ، فهم المجهولون فی الدنیا لأنهم لا یتمیزون بأمر یخرجهم عن حکم ما یعطیه موطن الدنیا ، ومن هذا ظهر خواص الله الأکابر فی الحکم بصورة العامة ، فجهلت مرتبتهم ، فلا یعرفهم سواهم ، وما لهم مزیة فی العالم . 

بخلاف أصحاب الأحوال فإنهم متمیزون فی العموم مشار إلیهم بالأصابع ، لما ظهر علیهم بالحال خرق العوائد : وأهل الله أنفوا من ذلک الاشتراک غیر الجنس معهم فی ذلک ، فأهل الله معلومون بالمقام مجهولون بالشهود لا یعرفون .

الفتوحات ج 1 / 181 - ۲۹۹ج 2 / 269 - ج 3 / 457 .

ص 344

ویشهد ما لا تشهدون، عنایة من الله ببعض عباده فی ذلک. "19"

فمن أراد العثور على هذه الحکمة الإلیاسیة الإدریسیة الذی أنشأه الله نشأتین، فکان نبیا قبل نوح ثم رفع و نزل رسولا بعد ذلک، فجمع الله له بین المنزلتین "20" فلینزل عن حکم عقله  "21" إلى شهوته، "22"  و یکون حیوانا مطلقا

………………………………………...

19 - العارف فی باطنه على النشأة الآخرة

شهوة الجنة یقع لها اللذة بالمحسوس والمعقول على صورة ما یقع بالمحسوس من وجود الأثر البرزخی عند نیل المنتهى المعقول سواء ، ولا أعنی بالجنة أن هذه الشهوة التی هذا حکمها لا توجد إلا فی الجنة ، وإنما أضفناها إلى الجنة لأنها تکون فیها لکل أحد من أهل الجنة ، وفی الدنیا لا تقع إلا لآحاد من العارفین ، 


فإن لهم مقام الآخرة فی الدنیا ، فلهم الکشف والمشاهدة ، وهما أمران یعطیهما عین الیقین ، وهو أتم مدارک العلم ، فالعلم الحاصل عن العین له أعظم اللذات فی المعلومات المستلذة ، فهم فی الآخرة حکما ، وفی الدنیا حسا ، وهم فی الآخرة مکانة وفی الدنیا مکانا ، 

ثم یتصل لهم ذلک بالآخرة من القبر إلى الجنة وما بینهما من منازل الآخرة ، وهو قوله تعالى : « لهم البشرى فی الحیاة الدنیا ، وهی ما هم فیه من مشاهدة « وفی الآخرة » من القبر إلى الجنة ، فهو نعیم متصل ، فهذا نعیم العارفین ، ولیس لغیرهم هذا النعیم الدائم . 

الفتوحات ج 2 / 193 ، 654


20 - راجع هامش رقم 2 *


21 - حکم العقل

اعلم أن العقل ما عنده شیء من حیث نفسه ، وأن الذی یکتسبه من العلوم إنما هو من کونه عنده صفة القبول، وهو بالنظر إلى ذاته لا علم عنده إلا بالضروریات التی فطر علیها ، فهو من جملة القوى یستفید من جمیع القوى ولا یفید العقل سائر القوى شیئا ، وعنده فضول کثیر ، أداه إلیه حکم الفکر علیه وجمیع القوى التی فی الإنسان ، فلا شیء أکثر تقلیدا من العقل ، وهو یتخیل أنه صاحب دلیل إلهی ، وإنما هو صاحب دلیل فکری ، فإن دلیل الفکر یمشی به حیث یرید، والعقل

ص 345

* * * *  

…………………………..

کالأعمى بل هو أعمى عن طریق الحق ، فإن الجن والإنس جعل الله لهم العقل لیردوا به الشهوة إلى المیزان الشرعی ، ویدفع عنهم به منازعة الشهوة فی غیر المحل المشروع لها. لم یوجد لهم العقل لاقتناء العلوم، والذی أعطاهم الله لاقتناء العلوم إنما هی القوة المفکرة ، فالعقل بین النظر والقبول ، 

فإن الأمر جله ومعظمه فوق طور العقل . فإن العقل لا یصح أن یدرک الحق ، فإن العقل لا یقبل إلا ما علمه بدیهیة أو ما أعطاه الفکر ، وقد بطل إدراک الفکر للحق ، فقد بطل إدراک العقل له من طریق الفکر . 


ولکن مما هو عقل ، إنما حده أن یعقل ویضبط ما حصل عنده ، فقد یهبه الحق المعرفة به فیعقلها لأنه عقل لا عن طریق الفکر ، هذا لا نمنعه ، فإن هذه المعرفة التی یهبها الحق تعالی لمن شاء من عباده لا یستقل العقل بإدراکها ولکن یقبلها ، فلا یقوم علیها دلیل ولا برهان لأنها وراء طور مدارک العقل ، ولهذا یقال فی علوم النبوة والولایة إنها وراء طور العقل لیس للعقل فیها دخول بفکر لکن له القبول خاصة عند السلیم العقل الذی لم یغلب علیه شبهة خیالیة فکریة، یکون فی ذلک فساد نظره . 

الفتوحات ج 1 / 94 ، 261 ، 289 - ج 2 / 290 ، 358 ، 523 ، 644 - ج 3 / 99


22 - الشهوة


الشهوة آلة للنفس تعلو بعلو المشتهى وتسفل باستفال المشتهى ، 

والشهوة إرادة الالتذاذ بما ینبغی أن یلتذ به ، فالشهوة هی إرادة الملذوذات فهی لذة والتذاذ بملذوذ عند المشتهی ، فإنه لا یلزم أن یکون ذلک ملذوذا عند غیره ، ولا أن یکون موافقا لمزاجه ولا ملایمة طبعه ، وذلک أن الشهوة شهوتان . 

عرضیة وهی التی یمنع من اتباعها فإنها کاذبة وإن تفعت یوما ما فلا ینبغی للعاقل أن یتبعها لئلا یرجع ذلک له عادة فتؤثر فیه العوارض ، 

وشهوة ذاتیة فواجب علیه اتباعها فإن فیها صلاح مزاجه الملایمتها طبعه ، وفی صلاح مزاجه صلاح دینه ، وفی صلاح دینه سعادته ، ولکن یتبعها بالمیزان الإلهی الموضوع من الشارع ، وهو حکم الشرع المقرر فیها ، وسواء کان

 ص 346

الکشف غیر أنه لم یحفظ علیه الخرس فلم یتحقق بحیوانیته.

ولما أقامنی الله فی هذا المقام تحققت بحیوانیتی تحققا کلیا، فکنت أرى وأرید النطق

بما أشاهده فلا أستطیع، فکنت لا أفرق بینی و بین الخرس الذین لا یتکلمون.

فإذا تحقق بما ذکرناه انتقل إلى أن یکون عقلا مجردا فی غیر مادة طبیعیة، فیشهد  أمورا هی أصول لما یظهر فی

………………………………………..

بدرجة البهائم ، والدلیل على ذلک أن رسول الله صلى الله علیه وسلم قد ذکر عنه فی الصحیح أنه قال « إن للمیت جؤارة وإن السعید منهم یقول قدمونی قدمونی ، یعنی إلى قبره . 

وإن الشقی منهم یقول "إلى أین تذهبون بی " وأخبر صلى الله علیه وسلم أن کل شیء یسمع ذلک منه إلا الإنس والجن ، فدخل تحت قوله کل شیء مما یمر علیه ذلک المیت من جماد ونبات وحیوان ، 


وثبت أن رسول الله صلى الله علیه وسلم کان راکبا على بغلة فمر على فبر داثر ، فنفرت البغلة ، فقال إنها رأت صاحب هذا القبر یعذب فی قبره ، فلذا نفرت ، 

وقال فی ناقته لما هاجر ودخل المدینة ترک زمامها، فأراد بعض الصحابة أن یسسکها. 

فقال دعوها فإنها مأمورة، ولا یأمر إلا من یعقل الأمر، حتی برکت بفناء دار أبی أیوب الأنصاری. 

فنزل به ، وقال فی الصحیح إن المؤذن یشهد له مدى صوته من رطب ویابس ، وهذا کله معاین لکل شیء ، ولا یشهد هذا من الإنس والجن إلا أفراد من أفراد هذین النوعین ، 


وقال تعالى : "وما من دابة فی الأرض ولا طائر یطیر بجناحیه إلا أمم أمثالکم" ، والأمثال هم الذین یشترکون فی صفات النفس ، فکلهم حیوان ناطق یعرف ذلک أهل الکشف عینا ویسمعونه بأذائهم ، کما یسمعون کل صوت ، وما من حیوان إلا ویشهد ذلک ، ولذلک أخرسهم الله عن تبلیغ ما یشهدونه إلینا ، فهم أمناء بصورة الحال فی حقنا ، ولا یکشف الله لأحد من النوع الإنسانی ما یکشفه للبهائم ما ذکرناه إلا إذا رزقه الله الأمانة ، وهی أن یستر عن غیره ما یراه من ذلک إلا بوحی من الله بالتعریف ، فإن الله ما أخذ بأبصار الإنس وبأسماعهم فی الأکثر . 

وبالفهم فی أصوات هبوب الریاح وخریر المیاه وکل مصوت إلا لیکون مستورا ، فإذا أفشاه هذا المکاشف فقد أبطل حکمة الوضع ، إلا أن یوحى إلیه بالکشف عن بعض ذلک فحینئذ یعذر فی الإفشاء بذلک القدر .

الفتوحات ج 3 / 490 ، 491 

ص 348

صور الطبیعة فیعلم من أین ظهر هذا الحکم فی صور الطبیعة علما ذوقیا.

فإن کوشف على أن الطبیعة عین نفس الرحمن فقد أوتی خیرا کثیرا، "24"

وإن اقتصر معه على ما ذکرناه فهذا القدر یکفیه من المعرفة الحاکمة على عقله: فیلحق بالعارفین و یعرف عند ذلک ذوقا «فلم تقتلوهم و لکن الله قتلهم»: و ما قتلهم إلا الحدید و الضارب، و الذی خلف هذه الصور.

فبالمجموع وقع القتل و الرمی، فیشاهد الأمور بأصولها و صورها، فیکون تاما. فإن شهد النفس کان مع التمام کاملا: فلا یرى إلا الله عین ما یرى.

فیرى الرائی عین المرئی . "25"  وهذا القدر کاف، والله الموفق الهادی.

…………………………………...


24 - الطبیعة نفس الرحمن

راجع فص 15 ، هامش 19 ، ص 237 


"" 19 - الطبیعة هی نفس الرحمن   فص 15 ، هامش 19 ، ص 237 

اعلم أن الله وصف نفسه بأن له نفسا بفتح الفاء وأضافه إلى الاسم الرحمن ، لنعلم إذا ظهرت أعیاننا وبلغتنا سفراؤه هذا الأمر شمول الرحمة وعمومها ومآل الناس والخلق إلیها .


فإن الرحمن لا یظهر عنه إلا مرحوم ، فالنفس أول غیب فظهر لنفسه ، فکان فیه الحق من اسمه الرب ( إشارة إلى الحدیث النبوی ) مثل العرش الیوم الذی استوى علیه بالاسم الرحمن ، وهو أول کثیف شفاف نوری ظهر.


فلما تمیز عمن ظهر عنه ولیس غیره ، وجعله تعالی ظرفا له « إشارة إلى ما جاء فی الحدیث - کان الله فی عماء - » لأنه لا یکون ظرفا له إلا عینه ، فظهر حکم الخلاء بظهور هذا النفس ، ثم أوجد من هذا العماء جمیع صور العالم ، وفیه ظهرت الملائکة المهیمة والعقل والنفس والطبیعة ( البنت لا الأم) و الطبیعة (الأم) هی أحق نسبة بالحق مما سواها .


فإن کل ما سواها ما ظهر إلا فیما ظهر منها ، وهو النفس بفتح الفاء ، وهو الساری فی العالم ، أعنی فی صور العالم ، وبهذا الحکم یکون نجلی الحق فی الصور التی ذکرها عن نفسه لمن عقل عنه ما أخبر به عن نفسه تعالى .


فانظر فی عموم حکم الطبیعة ، وانظر فی قصور حکم العقل لأنه فی الحقیقة صورة من صور الطبیعة، بل من صور العماء ، والعماء هو من الطبیعة ، وإنما جعل من جعل رنیة الطبیعة دون النفس وفوق الهیولی لعدم شهوده الأشیاء، وإن کان صاحب شهود ومشى هذه المقالة فإنه یعنی بها الطبیعة ( البنت ) التی ظهرت بحکمها فی الأجسام الشفافة من العرش فما حواه ، فهی بالنسبة إلى الطبیعة نسبة البنت إلى المرأة التی هی الأم ، فتلد کا .تلد أمها ، وإن کانت البنت مولودة عنها ، فلها ولادة على کل من یولد عنها ،


وکذلک العناصر عندنا القریبة إلینا ( الماء والهواء والتراب والنار ) هی طبیعة لما تولدت عنها ، فلهذا سمیناها طبیعة ( أی البنت ) ، فالعماء هو الجسم الحقیقی العام الطبیعی الذی هو صورة من قوة الطبیعة ( الأم ) تجلى لما یظهر فیه من الصور ، وما فوقه رتبة إلا رتبة الربوبیة التی طلبت صورة العماء من الاسم الرحمن ، فتنفس فکان العماء . 


فلو لم تکن الطبیعة - وهی موجود خامس هو أصل للأرکان الأربع - نورا فی أصلها لما وجدت بین النفس الکلیة وبین الهیولی الکل ، فعن الطبیعة ظهر کل جسم وجسد وجسمانی من عالم الأجسام العلوی والسفلی ، فترکیبها لا نهایة له فی الدنیا والآخرة .


فالنشأة الطبیعیة تحوی على الأسرار الإلهیة ، وأنها من نفس الرحمن ظهرت فی الکون ، فذمت وجهل قدرها فأول صورة قبل نفس الرحمن صورة العماء فهو بخار رحمانی فیه الرحمة بل هو عین الرحمة ، فجوهر العالم فی النفس الرحمانی الذی ظهرت فیه صور العالم . 

فتوحات ج 1 / 56 ، 723 - ج 2 / 352 ، 551 - ج 3 / 420 ، 430 ، 452 . أهـ ""


25 - راجع وحدة الوجود - الظاهر فی المظاهر - المرایا .

راجع فص 2، هامش 6، ص 45 

راجع فص 5 هامش 6، ص 84

موجود بالهامش 4

ص 349