عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة الحادیة والعشرون :

                      

کتاب المفاتیح الوجودیة والقرآنیة لفصوص الحکم عبد الباقی مفتاح 1417هـ :

22 - فص حکمة إیناسیه فی کلمة إلیاسیة

المرتبة 22 : لفص حکمة إیناسیه فی کلمة إلیاسیة من الاسم العزیز ومرتبة المعادن وحرف الظاء ومنزلة سعد الذابح

لا یکون الرزاق رزاقا للجمیع إلا إذا کان غنیا عن أن یأتیه الرزق من غیره .

فظهور الرزاق یستلزم ظهور الاسم العزیز المتعزز بأرزاقه للمرزوقین ولعزته عن الافتقار إلى رزق من غیره .

فظهر العزیز فی المرتبة المسامته للرزاق فله الرتبة 22 وبظهوره ظهر عالم المعادن المسامت لعالم النبات .

وقد قرن الحق تعالى فی سورة الحدید بین الحدید وبین الاسم العزیز

فقال :وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْکِتابَ وَالْمِیزانَ لِیَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِیدَ فِیهِ بَأْسٌ شَدِیدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِیَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ یَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَیْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِیٌّ عَزِیزٌ( الحدید ، 25 ) .

وأعز المعادن وأکملها الذهب المعدن الشمسی لظهوره فی الأرض بتوجه وحرکة روحانیة السماء القطبیة الرابعة وکوکبها الشمس وهی سماء إلیاس وإدریس الذی سماه الشیخ فی الباب 15 من الفتوحات بمداوی الکلوم

وهو أول من أظهر علوم الکیمیاء والفلک وتدبیر المعادن وسر الإکسیر وعلاقة کل ذلک بالحروف والأوزان .

" أنظر ما ذکره الشیخ حول هذا الموضوع فی الباب 167 من الفتوحات:

 " فأنسب الأنبیاء لمرتبة المعادن هو إلیاس وإدریس لتحققهما ظاهرا بسر المعادن ولتحققهما باطنا بسر العزة ،

فإدریس هو قطب الأرواح لرفعة مکانه فی قطب الأفلاک الشمسی قال تعالى عنه :وَرَفَعْناهُ مَکاناً عَلِیًّا( مریم ، 57 ) .

وإلیاس صعد إلى السماء على فرس من نار وجمیع آلاته من نار فسقطت عنه الشهوة فکان عقلا بلا شهوة لعزته عن الأغراض النفسیة

فناسب تمام المناسبة إدریس صاحب الحکمة القدوسیة لعزة القدوس .

وأشار الشیخ فی هذا الفص للاسم العزیز بذکره للآیة : " سبحان ربک رب العزة عمّا یصفون " وبکلامه على التنزیه . . . ثم أکد مرة أخرى تلک الإشارة

بقوله : " وأی عزة أعظم من هذه العزة " بعد ذکره للقتل . . . والقتل یتم عادة بالمعدن . . . وإشاراته للمعدن داخل الفص متعددة منها ذکره للنار التی بها یتم التأثیر فی المعادن فتحولها من کثافة جبل لبنان لینفلق إلى لطافة فرس من نار . . .


ومنها ذکره للمرآة بوجهیها :

وجه الصفاء الصقیل حیث تتجلی الصورة ،

ووجهها الثانی المعدنی الکثیف الذی لولا وجوده فی ظهر المرآة ما ظهرت الصورة کاملة فی وجهها الصقیل ،

إشارة إلى أن الکمال لا یظهر الا بالجمع بین التنزیه والتشبیه والإطلاق والتقیید . . .

ومنها ذکره فی آخر الفص للحدید والضارب . . . وذکره لتحول نشأة البواطن إشارة إلى تحول المعادن من خسیسة إلى نفیسة وهو علم الکیمیاء الإدریسی الإلیاسی العیسوی . . .

فالعلوم الإدریسیة والعیسویة متداخلة متشابهة ومنها اشتراکهما فی علم الإحیاء وسر الإکسیر والتصرف بالحروف والأسماء .

وقد ذکر الشیخ فی الباب 167 علاقة عیسى بهذه العلوم الإدریسیة .

وختم الشیخ الباب بذکر الصلة بین الصور الطبیعیة التی منها المعادن والأسماء الإلهیة الظاهرة بالنفس الرحمانی .

وأما المنزلة الفلکیة المتوجه على إیجادها الاسم العزیز فهی منزلة سعد الذابح ولها حرف الظاء . فانظر کیف ناسب معنى " سعد الذابح " عزة المعدن .

فالعزة من مظاهر السعادة ، والذبح لا یکون عادة إلا بالمعادن وقد أشار إلى هذا المعنى فی آخر الفص عند قوله :فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلکِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ( الأنفال ، 17 ) وما قتلهم إلا الحدید والضارب ..

وکذلک حرف الظاء هو من الحروف المستعلیة التی لها العزة والعلو ومن الحروف المجهورة التی لها الظهور وهو من أوصاف العزة ، ومن الحروف المطبقة الأربعة ، والإطباق من الصفات القویة المناسبة للمعادن . . .


وفی الفصل 32 من الباب 198 المناسب لهذا الفص فصل الشیخ ظهور المعدن بالعزة

فقال ما خلاصته : ( اعلم أن الذات لما اختصت بسبع نسب تسمى صفات إلیها یرجع جمیع الأسماء والصفات ( . . . )

وکانت السماوات سبعا والسیارة سبعة والأرضون سبعة والأیام سبعة

جعل اللّه تکوین المعادن فی هذه الأرض عن سباحة هذه السبعة الدراری بسبعة أفلاکها فی الفلک المحیط فأوجد فیها سبعة معادن


ولمّا کان الاسم العزیز المتوجه على إیجادها ولم یکن لها مشهود سواه عند وجودها أثر فیها عزة ومنعا فلم یقو سلطان الاستحالة التی تحکم فی المولدات والأمهات من العناصر فإن الاستحالة تسرع إلیها أو إلیهنّ وهذا یبعد حکمه فی المعادن فلا تتغیر الأحجار مع مرور الأزمان والدهور إلا عن بعد عظیم وذلک لعزتها التی اکتسبتها من الاسم الإلهی العزیز .

ثم إن هذا الاسم طلب بإیجادها رتبة الکمال لها حتى تتحقق بالعزة فلا یؤثر فیها دونه اسم إلهی نفاسة منه لأجل انتسابها إلیه .

وعلم العلماء بأن وجودها مضاف إلیه فلم یکن القصد بها إلا صورة واحدة فیها عین الکمال وهو الذهبیة . . . الخ . . .


فخلع المعدن صورة المرض والانحراف لیلتحق بالکمال الذهبی کخلع إلیاس کثافة جبل جثمانه الترابی بعد انفلاقه على فرس اللطافة الناریة الذی عرج به إلى فلک الشمس القلبی حیث رتبة الکمال الذهبی . . .

ولا یکون ذلک الا بتدبیر نار المجاهدة ، وتربیة حرارة الشوق واصطلاء جذوة الذوق ،


یقول الشیخ فی آخر هذا الفصل : ( ومن هذا الاسم الإلهی وجود الأحجار النفیسة کالیواقیت واللآلىء من زبرجد وزمرد ومرجان ولؤلؤ وبلخش . وجعل فی قوة الإنسان إیجاد هذا کله أی هو قابل أن یتکون عنه مثل هذا ویسمى ذلک فی الأولیاء خرق عادة والحکایات فی ذلک کثیرة ولکن الوصول إلى ذلک من طریق التربیة والتدبیر أعظم فی المرتبة فی الإلهیات ممن یتکون عنه فی الحین بهمته وصدقه فإن الشرف العالی فی العلم بالتکوین لا فی التکوین لأن التکوین إنما یقوم مقام الدلالة على أن الذی تکون عنه هذا بالتدبیر عالم ، وصاحب خرق العادة لا علم له بصورة ما تکون عنه بکیفیة تکوینها فی الزمن القریب ، والعالم یعلم ذلک).


وإلى مثل هذا العلم الذوقی یشیر الشیخ فی قوله آخر الفص : ( . . . فیعلم من أین ظهر هذا الحکم فی صور الطبیعیة علما ذوقیا ، فإن کوشف على أن الطبیعة عین نفس الرحمن فقد أوتی خیرا کثیرا )


یشیر الشیخ هنا إلى الدخول إلى فص لقمان الحکیم لقول اللّه تعالى :وَمَنْ یُؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِیَ خَیْراً کَثِیراً( البقرة ، 269 ) .

ثم زاد التمهید تأکیدا بذکره لکلمة " حاکمة " المشیرة للحکمة فقال : ( وان اقتصر معه على ما ذکرناه فهذا القدر یکفیه من المعرفة الحاکمة على عقله).

ومن ناحیة أخرى ، فإن فی ذکر الشیخ للحیوان فی أواخر الفص إشارة لعلاقته بالباب 24 المخصوص بالمرتبة الحیوانیة المتوجه على إیجادها الاسم المذل الذی هو عکس الاسم الحاکم على هذا الباب وهو المعز أو العزیز.

 فللمعدن حکم العقل العزیز بعلمه وللحیوان الشهوة المذلة . . . وبینهما مرتبة النبات التی لها حکمة الاحسان اللقمانی .


بقی سؤال : ما علاقة الحکمة الإیناسیة بالکلمة الإلیاسیة ؟

الجواب - : واللّه أعلم أن کلمة : إیناس مشتقة من کلمة : إنس .

والإنس یتمیز عن غیره من المخلوقات بجمعه بین العقل والشهوة أو العزة والذلة أو التتریه والتشبیه أو اللطافة السماویة والکثافة الأرضیة أو الملکیة والحیوانیة أو الإطلاق والتقیید لأن اللّه تعالى خلقه بیدیه فله الجمع بین کل ضدین . . . وهذا هو موضوع هذا الفص . . .

هذا ومن ناحیة أخرى فإن کلمة آنس وردت فی القرآن مقترنة بالنار أربع مرات

آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً( القصص ، 29 )

إِنِّی آنَسْتُ ناراً لَعَلِّی آتِیکُمْ مِنْها بِقَبَسٍ( طه ، 10 ) .

إِنِّی آنَسْتُ ناراً سَآتِیکُمْ مِنْها بِخَبَرٍ( النمل ، 7 ) .

وعلى فرس النار رکب إلیاس لغلبة عزة الروحانیة فیه حتى ناسب ملائکة السماء وأنس بهم کما أنس بالإنس ، وبلغ من کمال التروحن عدم التأثر بالموت الحسی ، کالمعادن التی لا تتأثر . بمرور الدهور لا سیما الذهب ،

فاتصلت حیاته البرزخیة بحیاته الدنیویة کإدریس وخضر وعیسى لشربهم من إکسیر عین الحیاة الذی یقلب المعادن الخسیسة الزائلة إلى جواهر نفیسة باقیة . .


22 : سورة فص إلیاس علیه السلام

سورة هذا الفص هی سورة " النصر " :

- ومناسبتها لموضوع الفص تظهر فی الآیة :فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ( النصر ، 3 ) ومدار کل الفص على التسبیح والتنزیه .

قال الشیخ عن إلیاس : " فکان الحق فیه منزها " وذکر الآیتین :لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ( الشورى ، 11 ) وسُبْحانَ رَبِّکَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا یَصِفُونَ( الصافات ، 180 ) .

فهذه العزة مقرونة بالتنزیه .

والاسم الحاکم على مرتبة هذا الفص هو " العزیز " المتوجه على إیجاد المعادن .

فمناسبة " النصر " للعزیز واضحة لأن العزة مقرونة بالنصر والفتح ، ودخول الناس فی دین اللّه أفواجا قال تعالى :وَیَنْصُرَکَ اللَّهُ نَصْراً عَزِیزاً( الفتح ، 3 )

وقال :وَمَغانِمَ کَثِیرَةً یَأْخُذُونَها وَکانَ اللَّهُ عَزِیزاً حَکِیماً( الفتح ، 19 ) .

وقال :أَعِزَّةٍ عَلَى الْکافِرِینَ( المائدة ، 54 )

ومناسبة " النصر " مع المعادن هی أن نصر اللّه لرسله مقرون ببأس الحدید .

قال تعالى فی الآیة 65 من سورة الحدید :الْحَدِیدَ فِیهِ بَأْسٌ شَدِیدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِیَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ یَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَیْبِ

وقال عن الفاتح الصالح ذی القرنین :آتُونِی زُبَرَ الْحَدِیدِ. . .أُفْرِغْ عَلَیْهِ قِطْراً( الکهف ، 96 ) - والقطر النحاس المذاب .  

وقال عن الخلیفة داود :وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِیدَ [ سبأ آیة 10 ].

ونصر اللّه إلیاس ونجاه من عدوه بانفتاح جبل لبنان عن فرس ناری فرکبه وفتح به باب السماء إِنَّهُ کانَ تَوَّاباً( النصر ، 3 )

ومن الاتفاق اللطیف أن المنزلة الفلکیة المناسبة لهذا الفص هی " سعد الذابح " والذبح قتل بالمعدن عادة .

وقد کرر الشیخ کلمة القتل وکلمة الرمی فقال مثلا فی إشاراته لسورة " النصر " :

فلا تجزع ولا تخف فإن اللّه یحب الشجاعة . . ولو على قتل حیة ولیست الحیة سوى نفسک...


وأی عزة أعظم من هذه العزة فتتخیل بالوهم أنک قتلت . . .وَما رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ وَلکِنَّ اللَّهَ رَمى ( الأنفال ، 17 ) . . .

وقال فی آخر الفص :فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلکِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ( الأنفال ، 17 ) وما قتلهم إلا الحدید والضارب . . . فبالمجموع وقع القتل والرمی . . . " .

وأشار الشیخ إلى کلمة " واستغفره " من الآیة الأخیرة للنصر ، بقوله : " . . . نرخی الستور ونسدل الحجب . . . قد أمرنا بالستر " والغفر هو الستر ، والأمر بالستر هو الاستغفار .

وقول الشیخ فی أواخر الفص أن العارف قد حشر فی دنیاه ونشر فی قبره تلویح إلى أن سورة " النصر " هی آخر سورة نزلت

فکانت کما فهمها علماء الصحابة - إعلاما للنبی صلى اللّه علیه وسلم بقرب انتقاله للرفیق الأعلى ورجوعه إلى الحضرة الزلفى التی لم یفارقها بحال إِنَّهُ کانَ تَوَّاباً


وهنا تظهر صلة أخرى بین هذا الفص وسابقه

الحاکم علیه الاسم " الممیت " : فالقتل والرمی ورجوع إلیاس للسماء ورجوع سیدنا محمد صلى اللّه علیه وسلم إلى الرفیق الأعلى کلها من مظاهر " الممیت " .

وکلام الشیخ فی آخر الفص عن التحقق بالحیوانیة التی یرى صاحبها أحوال الموتى فی قبورهم ، تلویح لفص عزیر الذی له مرتبة الشمس حیث إدریس علیه السلام .

فإلیاس لما صعد إلى السماء التحق فی سماء الشمس بمقامه الإدریسی .

وقد رأینا أن سورة ذلک الفص الشمسی الوسطی الرابع عشر هی العادیات ، أی الأفراس المعدة للجهاد کفرس إلیاس الناری الذی صعد به إلى السماء .


وسمى الشیخ منزل العادیات فی الباب 22 من الفتوحات : " منزل النفوس الحیوانیة " .

فرجوع إلیاس إلى مقامه کان تحت حکم الاسم " العزیز " الحاکم على هذا الفص

وإلیه أشار الشیخ فی کلامه عن آیة :إِنَّهُ کانَ تَوَّاباً من سورة النصر التی خصص لها الوصل الخامس من الباب " 396 ف " فقال : " . . . ویتضمن هذا المنزل الخامس من العلوم الإلهیة علم تفصیل الرجوع الإلهی بحسب الرجوع إلیه من أحوال العباد وهو علم عزیز " .

ولعلاقة العزیز بالنصر یقول الشیخ فی دیوانه :

" من روح سورة النصر والفتح :

من اسم العزیز النصر إن کنت تعقل * ومن بعده فتح له النفس تعمل- وختم الشیخ الفص بالکلام عمن أوتی خیرا کثیرا ، کتمهید لفص لقمان الذی أوتی الحکمة وَمَنْ یُؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِیَ خَیْراً کَثِیراً( البقرة ، 269 ) ،

وله سورة الزلزلة التی فیها ذکر الخیر :فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ( الزلزلة ، 7 )


وإلى هذه الرؤیة أشار فی آخر الفص قائلا : " فلا یرى إلا اللّه عین ما یرى ، فیرى الرائی عین المرئی. "

وإذا کانت " النصر " بشرى للنبی صلى اللّه علیه وسلم بقرب انتقاله للرفیق الأعلى ،

ففی " الزلزلة " وصف لانقلاب أمر الدنیا للآخرة والرجوع إلى اللّه تعالى .


ومنزلا السورتین یقعان فی " منزل الدهور " حسبما ذکره الشیخ فی الباب 22 فـ " أی ضمن السور المفتتحة بلفظة " إذا " فللزلزلة " منزل الولادة " أی ولادة یوم القیامة


وللنصر منزل " البشارة باللقاء ".