الفقرة الثانیة :
جواهر النصوص فی حل کلمات الفصوص شرح الشیخ عبد الغنی النابلسی 1134 هـ :
قال الشیخ رضی الله عنه : (
إذ شاء الإله یرید رزقا ... له فالکون أجمعه غذاء
وإن شاء الإله یرید رزقا ... لنا فهو الغذاء کما یشاء
مشیئته إرادته فقولوا ... بها قد شاءها فهی المشاء
یرید زیادة و یرید نقصا ... ولیس مشاءه إلا المشاء
فهذا الفرق بینهما فحقق ... ومن وجه فعینهما سواء )
23 - فص حکمة إحسانیة فی کلمة لقمانیة
هذا فص الحکمة اللقمانیة ، ذکره بعد حکمة إلیاس الذی هو إدریس علیه السلام لأن الکلام فیه عن ظهور الحق تعالى فی عین کل معلوم ، وتقریر ذلک بإشارات القرآن وعبارات الفرقان ، وحکمة إلیاس علیه السلام مشتملة على ذلک ، فهی تکمیل لها وتتمیم لبیان ما ذکر فیها ، ولأن إلیاس علیه السلام مختلف فیه بل هو إدریس علیه السلام أولا ، وهل إدریس علیه السلام رسول أو لا ؟
فناسب تعقیبه بلقمان علیه السلام المختلف فی نبوّته أیضا بین العلماء .
(فص حکمة إحسانیة) ، أی منسوبة إلى الإحسان وهو أن تعبد اللّه کأنک تراه فإن لم تکن تراه فإنه یراک ، وهکذا ورد تفسیره فی الحدیث الشریف (فی کلمة لقمانیة).
إنما اختصت حکمة لقمان علیه السلام بکونها إحسانیة ، لأن الکلام فیها عن مقام الإحسان فی العبادة بشهود الحق تعالى فی کل ما هو ظاهر من الأعیان ، وما هو متجدد فی کل آن من الأکوان والألوان ، والتحقق بذلک على وجه الحکمة فی حقیقة لقمان ، وعند المحمدیین مقام الإحسان .
شعر :-
قال رضی الله عنه : ( إذا شاء الإله یرید رزقا ... له فالکون أجمعه غذاء )
(إذا شاء الإله) سبحانه وتعالى ، أی المعبود بالحق فی السماوات والأرض ، فهو حضرة أسمائه القائمة بذاته وهی الطالبة للغذاء ، أی المادة للظهور (یرید رزقا له) تعالى ، أی مادة لظهوره بها من حیث أسماؤه الحسنى لا من حیث ذاته فإنها غنیة عن العالمین (فالکون) ، أی المخلوق (أجمعه) محسوسه ومعقوله غذاء له تعالى
مادة لظهوره سبحانه فیظهر به بحیث إذا تم ذلک المخلوق بطن تعالى من ظهوره به واستأنف له ظهور آخر بمخلوق آخر وهکذا فالکون له تعالى بمنزلة الغذاء للجسد الحیوانی یمده فی البقاء فی الدنیا بوصف الحیاة .
قال رضی الله عنه : (وإن شاء الإله یرید رزقا ... لنا فهو الغذاء کما یشاء )
(وإن شاء الإله) تعالى (یرید رزقا لنا) معشر الکائنات المخلوقة (فهو) تعالى من حیث کونه ممدا لنا بقیومیته علینا (الغذاء) الذی نتغذى به فظهوره بصفة قیومیته لنا من حضرة اسمه القیوم والحفیظ والمقیت بکل مأکول ومشروب هو غذاؤنا (کما) هو على الوصف والمقدار والزمان والمکان الذی (یشاء) تعالى ثم لما وقع فی الکلام شاء یرید فی الموضعین ذکر قوله .
قال رضی الله عنه : (مشیئته إرادته فقولوا ... بها قد شاءها فهی المشاء )
(مشیئته) تعالى (إرادته) بالنصب مفعول مشیئته یعنی مشیئته لإرادته سبحانه (فقولوا) یا معشر المسترشدین بها ، أی بالمشیئة للإرادة قد شاءها ، أی الإرادة سبحانه فی الأزل (فهی) ، أی الإرادة (المشاء) بالضم بصیغة اسم المفعول التی وقعت علیها المشیئة فهی مشیوء له تعالى ، أی مرادها مشیوء له سبحانه ،
فالمشیئة کأنها الحاکمة بطریق الإلزام من الأزل بما اقتضته الإرادة من الأمور المختلفة ، فاختلاف الأشیاء راجع إلى تأثیر الإرادة ، ولزوم ذلک الاختلاف راجع إلى تأثیر المشیئة ولیست الإرادة أثرا عن المشیئة وإنما تأثیر الإرادة تأثیر أیضا للمشیئة من وجه آخر غیر وجه کونها تأثیر الإرادة فقد اتحدت المشیئة والإرادة فی صدور التأثیر الواحد واشتراکهما فی التعلق به واختلفتا فی جهة التعلق به ، فالإرادة متعلقة به من جهة اختلافه فی نفسه وزیادته ونقصانه ، والمشیئة متعلقة به من جهة إلزامه بما اقتضته الإرادة فیه ،
ولهذا قال رضی الله عنه : (یرید زیادة ویرید نقصا ... ولیس مشاءه إلّا المشاء )
(یرید) تعالى (زیادة) فی بعض الأمور (ویرید) أیضا (نقصا) فی بعض آخر من الأمور عن تلک الأمور الزائدة بالنسبة إلى هذه الناقصة ، هذا مقتضى الإرادة الإلهیة من الأزل (ولیس مشاءه) تعالى بالفتح أی موضع وقوع مشیئته ومظهر حصول تعلقها فی الأزل (إلا المشاء) بالفتح أیضا ، أی موضعها ذلک ومظهر تعلقها المذکور من غیر اعتبار الزیادة ولا النقصان فی کل ما تعلقت به ، فیرجع تعلقها إلى الإلزام فقط کما ذکرنا .
قال رضی الله عنه : (فهذا الفرق بینهما فحقّق ... ومن وجه فعینهما سواء ).
(فهذا) الأمر المذکور وهو (الفرق بینهما) ، أی بین المشیئة والإرادة وهو فرق اعتباری ، لأن متعلقهما واحد وهو جهة التخصیص فی الممکن ویختلف ذلک التخصیص باعتبار الزیادة والنقصان فیه ووقوع التفاوت بین المخصوصات ، وهو وجه تعلق الإرادة واعتبار قطعیة التخصیص وإلزامه وعدم التردد فیه من الأزل ، لأنه محال وهو وجه تعلق المشیئة .
(فحقق) یا أیها السالک معرفة هذا الفرق المذکور (ومن وجه) آخر غیر وجه الفرق بینهما (فعینهما) ، أی عین کل واحدة منهما (سواء) وهو وجه اشتراکهما فی تخصیص الممکن ؛ ولهذا لما کان النظر فی الأشیاء من جهة لزومها بالإیجاد مع عدم اعتبار اختلافها بالزیادة والنقصان وغیرهما ، سمیت أشیاء جمع شیء وأصله شیء فعیل بمعنى مفعول ، أی مشیوء ، لأن المشیئة تعلقت به فألزمته بما هو فیه من زیادة أو نقصان من غیر اعتبار تلک الزیادة ولا النقصان ، وبسبب ذلک کان الشیء أنکر النکرات لعموم مفهومه فی کل کائن ، ولم یسم مرادا إلا باعتبار وجه خصوصه بما یمیزه عن غیره من الأشیاء .
شرح فصوص الحکم مصطفى سلیمان بالی زاده الحنفی أفندی 1069 هـ :
قال الشیخ رضی الله عنه : (
إذ شاء الإله یرید رزقا ... له فالکون أجمعه غذاء
وإن شاء الإله یرید رزقا ... لنا فهو الغذاء کما یشاء
مشیئته إرادته فقولوا ... بها قد شاءها فهی المشاء
یرید زیادة و یرید نقصا ... ولیس مشاءه إلا المشاء
فهذا الفرق بینهما فحقق ... ومن وجه فعینهما سواء )
23 - فص حکمة إحسانیة فی کلمة لقمانیة
ولاختصاص الخیر الکثیر بلقمان بالنص أورد هذه الحکمة فی کلمته
"" أضاف المحقق :
موضع هذا الفص « الإحسان » وهو فی اللّغة فعل ما ینبغی أن یفعل من الخیر ، بالمال أو بالقول أو العمل .
وفی الشرع أن تتوجه إلى اللّه فی عبادتک بکلیتک وتتمثله فی محرابک .
وهو فی عرف أصحاب « وحدة الوجود » شهود الحق فی جمیع المراتب الوجودیة والتحقق من أنه متجل فی کل شیء . وهذا المعنى الأخیر هو ما یدور علیه هذا الفص. أهـ ""
شعر:
إذ شاء الإله یرید رزقا ... له فالکون أجمعه غذاء
(إذ شاء الإله یرید رزقا له ) أی إذا أراد الحق سببا لظهور نفسه .
( فالکون أجمعه غذاء له ) من حیث إظهارها إیاه واختفاؤها فیه .
وإن شاء الإله یرید رزقا ... لنا فهو الغذاء کما یشاء
( وإن شاء اللّه یرید رزقا لنا فهو ) أی الحق ( الغذاء ) لنا من حیث اختفائه فینا وبقاء وجودنا به ( کما نشاء ) من اللّه بحسب استعدادنا. وقابلیتنا الرزق والغذاء
ولفظ کما نشاء یجوز على صیغة المتکلم والغائب فالرزق والغذاء روحانی ومجاز من الغذاء الصوری والرزق الصوری یطلق على هذا المعنى لأدنى مناسبة ففرق بین المشیة والإرادة حیث جعل المشیة متعلقة بالإرادة
فکانت سابقة على الإرادة فکانت سابقة على الإرادة بالسبق الذاتی کسبق بعض الصفات على البعض فهی غیرها من هذا الوجه
مشیئته إرادته فقولوا ... بها قد شاءها فهی المشاء
( مشیته ) عین ( إرادته فقولوا بها قد شاءها ) أی بالمشیئة قد شاء الإرادة
( فهی ) أی الإرادة ( المشاء ) بفتح المیم أی المراد فهذا وجه اتحادهما ومعنى البیت الأول على تقدیر الاتحاد إذ شاء الإله أن یشاء فحینئذ یکون المشیئة المشاء ویفرق بینهما فرقا آخر
یرید زیادة و یرید نقصا ... ولیس مشاءه إلا المشاء
بقوله ( یرید زیادة ویرید نقصا ) یعنی أن الإرادة یتعلق بزیادة شیء ونقصه ( ولیس مشاؤه إلا المشاء ) أی لا یتعلق مشیته بزیادة شیء ونقصه بل هی العنایة الإلهیة المتعلقة بإیجاد المشاء من غیر تعرض إلى الزیادة والنقصان.
فهذا الفرق بینهما فحقق ... ومن وجه فعینهما سواء
( فهذا الفرق بینهما محقق فمن وجه فعینهما سواء ) وهو کون عین کل واحد منهما عین الذات من حیث الأحدیة .
شرح فصوص الحکم عفیف الدین سلیمان ابن علی التلمسانی 690 هـ:
قال الشیخ رضی الله عنه : (
إذ شاء الإله یرید رزقا ... له فالکون أجمعه غذاء
وإن شاء الإله یرید رزقا ... لنا فهو الغذاء کما یشاء
مشیئته إرادته فقولوا ... بها قد شاءها فهی المشاء
یرید زیادة و یرید نقصا ... ولیس مشاءه إلا المشاء
فهذا الفرق بینهما فحقق ... ومن وجه فعینهما سواء )
23 - فصّ حکمة إحسانیة فی کلمة لقمانیة
قلت : قال رضی الله عنه: إذ شاء الإله یرید رزقا له فالکون أجمعه غذاء
یعنی: إذا شاء الحق تعالى أن یرید الرزق لنفسه وهو وجود صرف فما رزقه إلا الأکوان،
ویعنی بالأکوان الذوات وهی التی تسمیها هو الأعیان الثابتة
والغذاء استعارة لتناول الوجود تلک الذوات بمعنى أنه یظهرها، أی یظهر بأحکامها وهو تعالى قد شاء هذه الإرادة أی أنه یرید هذا المعنى.
وإن شاء الإله یرید رزقا ….. لنا فهو الغذاء کما یشاء
یعنی: وإن شاء أن یبدو منه إرادة أن یکون الرزق للأکوان کان هو لها غذاء فبه یغتذی وهو غذاؤها، وذلک أنه نسبة افتقار الأعیان الثابتة فی فقرها إلى الوجود الإلهی، لیکون به موجودة کافتقار الجیاع إلى الزاد ولا زاد من غیر الحق إذ لا سواه.
مشیئته إرادته فقولوا …… بها قد شاءها فهی المشاء
واعلم أن هذا البیت جواب عن سؤال مقدر تقریره: ما هذه المشیئة المتعلقة بالإرادة؟ فقال: هما سواء فلا فرق أن تقول: أراد أن یشاء الرزق أو تقول: شاء أن یرید الرزق.
یرید زیادة ویرید نقصا ….. ولیس مشاءه إلا المشاء
یعنی بإرادة الزیادة، الإظهار الإیجادی ویرید بإرادة النقص، الإخفاء الإعدامی. والمشاء، بضم المیم، هو المراد، أعنی المفعول، وأما المشاء الثانی، وهو المفتوح المیم، فهو مصدر شاء یشاء ویجوز أن یرید بالمشاء، بفتح المیم ، جمع مشیئة مثل تمرة وتمر وقمحة وقمح وهی أسماء جموع یتمیز فیه المفرد عن الجمع بإثبات التاء.
فهذا الفرق بینهما فحقق …… ومن وجه فعینهما سواء
یعنی هذا الفرق بین الإرادة والمشیئة وهذا المعنى ما یتعلق به کثیر فائدة.
قوله: ولقد آتینا لقمان الحکمة فإذن قد أوتی خیرا کثیرا لقوله تعالى:"ومن یؤت الحکمة فقد أوتی خیرا کثیرا"[البقرة: 269] .
وقد بین الحکمة المنطوق بها ، والحکمة المسکوت عنها،
وبین بعد ذلک أن المؤتی به من السماء أو من الأرض إنما هو الحق تعالى،
فهو إذن الغذاء لنا کما ذکر ونحن الغذاء له کما شرح،
وبین سبب القول بذلک بالنص من قوله: "وهو الله فی السماوات وفی الأرض " [الأنعام: 3].
شرح فصوص الحکم الشیخ مؤید الدین الجندی 691 هـ :
قال الشیخ رضی الله عنه : (
إذ شاء الإله یرید رزقا ... له فالکون أجمعه غذاء
وإن شاء الإله یرید رزقا ... لنا فهو الغذاء کما یشاء
مشیئته إرادته فقولوا ... بها قد شاءها فهی المشاء
یرید زیادة و یرید نقصا ... ولیس مشاءه إلا المشاء
فهذا الفرق بینهما فحقق ... ومن وجه فعینهما سواء )
23 - فصّ حکمة إحسانیة فی کلمة لقمانیة
إنّما أضیفت هذه الحکمة إلى الکلمة اللقمانیة ، لکون الغالب على لقمان علیه السّلام شهود مقام الإحسان ، وهو شهود علمیّ على ما یأتی فی وصایاه لابنه سرّ : " وَوَصَّیْنَا الإِنْسانَ بِوالِدَیْه ِ حُسْناً " وغیر ذلک .
" کان الغالب على حاله فی کشفه وشهوده الإحسان ، وأوّل مرتبته الأمر بالعبادة على البصیرة والشهود ، کما أمر لقمان ابنه فی وصیّته إیّاه " یا بُنَیَّ لا تُشْرِکْ بِالله إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ " نهاه عن الشرک للإخلاص فی عبادته وعبودیته لله .
وهو أعلى مرتبة الإحسان ، ثم عرّفه بوصیّته تعالى الإنسان بالإحسان ، ولقد أحسن فی بیان إحسان الله تعالى إلى المرزوقین ، کما ستقف على أسراره عن قریب."
قال رضی الله عنه : (إذا شاء الإله یرید رزقا .... له فالکون أجمعه غذاء)
یعنی رضی الله عنه : إذا تعلَّقت مشیّة الحق بإرادة الرزق له من حیث إنّه عین الوجود الحق المتعیّن بأعیان الممکنات ، فإنّ الکون کلَّه والأحکام الظاهرة الإلهیة بالکون غذاء للوجود ، لظهوره بها فی ملابس من الأسماء والصفات والنسب والإضافات ،
فإنّ الهویة الإلهیة الحقّیة - من حیث غیبها وتجرّدها عن المظاهر - غنیّة عن العالمین وعن الأسماء کما عرفت من قبل .
وأمّا تعلَّق المشیّة بإرادة الرزق فمن کونه ظاهرا ومتعیّنا فی أعیان العالم ، والإرادة عین المشیّة من وجه ،
وکذلک قوله :" وإن شاء الإله یرید رزقا .... لنا فهو المشاء کما یشاء "
أی هو المراد ، کما " شاء " و " أراد " بمعنى ، وإن تعلَّقت مشیّة الحق بإرادة الرزق من لدنه لنا فهو - من حیث کونه عین الوجود - یکون مرادا له فی تعلَّق مشیّته ، فیکون رزقا لنا بوجوده کما شاء .
وإنّما نحن نقوش وصور وأشکال وهیئات وحروف وکلمات وسور وآیات ، والکلّ تعیّنات نسبیة لا تحقّق لها فی حقائقها ، لکن بالمتعیّن بها ، فما لنا وجود ولا حیاة ولا بقاء إلَّا بالوجود الحق المتعیّن بنا وفینا ،
فهو رزقنا وهو غذاؤنا ، کما نحن غذاؤه بالأحکام ، فکما أنّ بقاءنا بالوجود ، فکذلک بقاء الأسماء الإلهیة والنسب الربّانیة والحقائق الوجودیة الوجوبیة بأعیان الأکوان ، وقد مرّ هذا الذوق فی الحکمة الإبراهیمیة ، فتذکَّر .
ثمّ قال رضی الله عنه : ( مشیّته إرادته فقولوا .... بها قد شاءها فهی المشاء )
یأمر رضی الله عنه بالقول : « إنّ المشیّة تتعلَّق بالإرادة مع أنّها عینها »
أی قولوا : " شاء أن یرید " فمفعول المشیّة إذن الإرادة ، ولمّا کانت الإرادة تخصیص المعلوم المراد لما یقتضیه ، والإرادة من جملة المعلومات ، ولا سیّما الإرادة المخصوصة ، فإنّه من حیث ذاته لیست نسبة المشیئة أو اللامشیّئة إلیه أولى من إحداهما ، فهو من کونه إلها له أن یرید فتخصّص حقیقة الإرادة لتخصیص ما أراد .
ثم قال رضی الله عنه : (یرید زیادة ویرید نقصا .... ولیس مشاءه إلَّا المشاء )
یرید رضی الله عنه : أنّ المشیّئة قد تتعلَّق بالإرادة کالإرادة الإیجاد ، وتتعلَّق بإرادة النقص بالإعدام ، فالإرادة تعلَّق المرید بالمراد المعلوم لیوجده ، کقوله تعالى " : فَعَّالٌ لِما یُرِیدُ أی یوجد ، فإنّ فعله الإیجاد ،
وما تعلَّقت الإرادة حیث وردت فی القرآن العظیم إلَّا بالمعلوم المعدوم العین لیوجده ،
کقوله تعالى : " إِنَّما قَوْلُنا لِشَیْءٍ إِذا أَرَدْناه ُ " أی للإیجاد ( أَنْ نَقُولَ لَه ُ کُنْ فَیَکُونُ )
وکقوله : " فَأَرادَ رَبُّکَ أَنْ یَبْلُغا أَشُدَّهُما وَیَسْتَخْرِجا کَنزَهُما " [الکهف : 82]
وقوله : " فَأَرَدْنا أَنْ یُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَیْراً مِنْه ُ " [الکهف : 81]
وأمّا المشیّة فتعلَّقها أعمّ ، فإنّها تتعلَّق بالموجود للإعدام وتتعلَّق بالمعدوم أیضا للإیجاد ، کقوله تعالى : " إِنْ یَشَأْ یُذْهِبْکُمْ وَیَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِیدٍ " .
فتعلَّقت بهم وهم موجودون لیذهبهم ، وهو إعدام عینهم وتعیّنهم الشخصیّ العینیّ ، " وَیَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِیدٍ " تتعلَّق بخلق معدوم الأعیان لم یأت بعد لیأتی به .
قال رضی الله عنه : (فهذا الفرق بینهما فحقّق ..... ومن وجه فعینها سواء)
یرید : أنّ المشیّة تتعلَّق بالزیادة عند الإیجاد ، وتتعلَّق بالنقص عند الإعدام والإفساد ، ولیست الإرادة کذلک ، فإنّها مخصوصة بالإیجاد والفعل دون الإعدام ، فهذا هو الفرق بین المشیّة والإرادة ، وهما من حیث حقیقتهما - الأحدیة الجمعیة التی تشملهما - عین واحدة .
وإنّما أورد هذه المسألة فی هذا الفصّ ، لما یتضمّن من حکمة الرزق ، وأنّه لا بدّ من إیصال کل رزق إلى کل مرزوق ، وکیفیة توصیله بتفصیله .
شرح فصوص الحکم الشیخ عبد الرزاق القاشانی 730 هـ :
قال الشیخ رضی الله عنه : (
إذ شاء الإله یرید رزقا ... له فالکون أجمعه غذاء
وإن شاء الإله یرید رزقا ... لنا فهو الغذاء کما یشاء
مشیئته إرادته فقولوا ... بها قد شاءها فهی المشاء
یرید زیادة و یرید نقصا ... ولیس مشاءه إلا المشاء
فهذا الفرق بینهما فحقق ... ومن وجه فعینهما سواء)
23 - فص حکمة إحسانیة فی کلمة لقمانیة
إنما اختصت الکلمة اللقمانیة بالحکمة الإحسانیة ، لأن الغالب على حاله علیه السلام الإحسان بالشهود العلمی والحکمة والتوحید والإسلام فی قوله تعالى " ومن یُسْلِمْ وَجْهَه إِلَى الله " تعالى ( وهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَکَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى )
وقوله ( آتَیْنا لُقْمانَ الْحِکْمَةَ ) .
والإحسان والحکمة أخوان ، لأن الإحسان فعل ما ینبغی ، والحکمة وضع الشیء فی موضعه ، وفی وصیته لابنه : ( یا بُنَیَّ لا تُشْرِکْ بِالله إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ ) .
وأول مراتب الإحسان المعاملة مع الحق بمحض التوحید ، ثم الشهود فی الطاعة والعبادة کما فی قوله علیه الصلاة والسلام « الإحسان أن تعبد الله کأنک تراه » أی فی غایة الظهور ،
ومن هذا الباب قوله : ( یا بُنَیَّ إِنَّها إِنْ تَکُ مِثْقالَ حَبَّةٍ من خَرْدَلٍ فَتَکُنْ فی صَخْرَةٍ أَوْ فی السَّماواتِ أَوْ فی الأَرْضِ یَأْتِ بِهَا الله ) ثم فی معاملة الخلق کالإحسان بالوالدین ، وجمیع وصایاه لابنه من باب الإحسان :
( إذا شاء الإله یرید رزقا .... له فالکون أجمعه غذاء )
أی إذا تعلقت مشیئة الله بإرادة الرزق له من حیث أنه عین الوجود الحق المتعین بأعیان الممکنات ، فالکون کله والأحکام الإلهیة الظاهرة بالکون کلها غذاء له لظهوره بها فی ملابس الصفات والأسماء ،
فإن الهویة الإلهیة الجمعیة من حیث عینها بذاتها غنیة عن العالمین وعن الأسماء کلها ، وأما تعلق المشیئة بإرادة الرزق فهو من حیث کونه ظاهرا فی مظاهر الأکوان وأعیان العالم ، والفرق بین المشیئة والإرادة أن المشیئة عین الذات وقد تکون مع إرادة وبدونها ، والإرادة من الصفات الموجبة للاسم المرید ،
فالمشیئة أعم من الإرادة فقد تتعلق بها وتنقبض بها کمشیئة الکراهة أی بالإیجاد والإعدام . ولما کانت الإرادة من الحقائق الأسمائیة فلا تقتضی إلا الوجود فتتعلق بالإیجاد لا غیر ، ولهذا علقها بالإرادة لتختص بوجود الرزق ،
وأصل الکلام أن یرید الرزق لأنها مفعول المشیئة ، فحذف إن ورفع الفعل کقوله :
( ألا أیهذا الزاجری أحضر الوغى )
قال الشیخ رضی الله عنه : ( وإن شاء الإله یرید رزقا .... لنا فهو الغذاء کما یشاء )
أی وإن تعلقت مشیئته بإرادة الرزق لنا من لدنه فهو المراد أن یکون لنا رزقا من حیث أنه الوجود الحق ، فیوجدنا کما یشاء ویختفى فینا ویظهرنا کالغذاء بالنسبة إلى المغتذى ،
فإنا نقوش وهیئات وشئون وتعینات لا وجود لنا ولا تحقق فهو المتعین بنا ومظهرنا وغذاؤنا ورزقنا بالوجود کما نحن غذاؤه بالأحکام ،
وفی نسخة : فهو الغذاء کما تشاء أی کما تقتضی أعیاننا أن توجد به ، وکما أن تحققنا وإبقاءنا بالوجود فکذلک بقاء أسمائه بالأعیان .
"" إضافة بالی زادة : ( إذا شاء الإله یرید رزقا ) له أی أراد الحق سببا لظهور نفسه ( فالکون أجمعه غذاء ) له من إظهارها إیاه واختفاؤه فیها .أهـ بالى زاده. ""
قال الشیخ رضی الله عنه : ( مشیئته إرادته فقولوا ..... بها قد شاءها فهو المشاء )
ولما کانت الإرادة لا تتعلق إلا بالإیجاد أی بمعدوم یرید إیجاده لأن تأثیر الأسماء الإلهیة إنما هو فی المعدومات لإیجادها
لقوله : ( إِنَّما قَوْلُنا لِشَیْءٍ إِذا أَرَدْناه ). والمشیئة من حیث کونها عین الذات ولا بد لکل اسم من الذات کانت عین الذات من وجه وأعم منها من وجه لأنها قد تتعلق بالإعدام أی بوجود یرید إعدامه
کقوله : ( إِنْ یَشَأْ یُذْهِبْکُمْ ویَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِیدٍ ) - فقال مشیئته إرادته ، أی هما متحدان فی التعلق بالفعل والإیجاد فقولوا بهذه المشیئة ،
أی المقتضیة للإیجاد التی هی عین الإرادة قد شاء الإرادة ، فهی : أی فالإرادة هی مفعول المشیئة فالمشاء اسم مفعول بمعنى المراد ، وأصله على قیاس اللغة المشیء لکنه غیر مستعمل
قال الشیخ رضی الله عنه : ( یرید زیادة ویرید نقصا .... ولیس مشاؤه إلا المشاء )
المشاء بفتح المیم هنا مصدر میمى أی المشیئة کما کانت عین الذات ، ولم یثبت لها اسما کالإرادة ولیست إلا العنایة لم تقتض لوجود ، فقد تتعلق بإرادة الزیادة وهی الإیجاد ، وقد تتعلق بالنقص وهی الإعدام ، ولیست المشیئة فی القسمین إلا المشیئة ، بخلاف الإرادة فإنها لم تتعلق فی القرآن إلا بالإیجاد ، ولهذا قال بالفرق بینهما من وجه وباتحادهما من وجه
"" إضافة بالی زادة :
وقیل : إن المشیئة تخصیص المعدوم للوجود والموجود للعدم ، والإرادة تخصیص المعدوم للوجود فقط ( مشیئته عین إرادته فقولوا بها ) أی بالمشیئة قد شاءها الإرادة فهی أی الإرادة بالمشاء بفتح المیم أی المراد فهذا وجه اتحادهما ، ومعنى البیت الأول على تقدیر الاتحاد إذا شاء الإله أن یشاء فحینئذ تکون المشیئة المشاء
ویفرق بینهما بفرق آخر بقوله: (یرید زیادة ویرید نقصا ) یعنى أن الإرادة تتعلق بزیادة شیء ونقصه
(ولیس مشاؤه إلا المشاء ) أی لا تتعلق مشیئته بزیادة شیء ونقصه بل هی العنایة الإلهیة المتعلقة بإیجاد المشاء من غیر تعرض إلى الزیادة والنقصان .أهـ بالى زاده. ""
فی قوله :( فهذا الفرق بینهما فحقق .... ومن وجه فعینهما سواء )
مطلع خصوص الکلم فی معانی فصوص الحکم القَیْصَری 751هـ :
قال الشیخ رضی الله عنه : (
إذ شاء الإله یرید رزقا ... له فالکون أجمعه غذاء
وإن شاء الإله یرید رزقا ... لنا فهو الغذاء کما یشاء
مشیئته إرادته فقولوا ... بها قد شاءها فهی المشاء
یرید زیادة و یرید نقصا ... ولیس مشاءه إلا المشاء
فهذا الفرق بینهما فحقق ... ومن وجه فعینهما سواء)
23 - فص حکمة إحسانیة فی کلمة لقمانیة
( الإحسان ) لغة فعل ما ینبغی أن یفعل من الخیر بالمال والقال والفعل والحال ،
کما قال صلى الله علیه وسلم : " إن الله کتب الإحسان على کل شئ ، فإذا ذبحتم ، فأحسنوا الذبحة . وإذا قتلتم ، فأحسنوا القتلة " - الحدیث .
وفی ظاهر الشرع : " أن تعبد الله کأنک تراه " . کما فی الحدیث المشهور .
وفی باطنه : والحقیقة شهود الحق فی جمیع مراتب الوجودیة . إذ قوله ، علیه السلام : " کأنک تراه " ، تعلیم وخطاب لأهل الحجاب .
فللإحسان مراتب ثلاث :
أولها اللغوی وهو أن تحسن على کل شئ ، حتى على من أساء إلیک وتعذره ، وتنظر على الموجودات بنظر الرحمة والشفقة .
وثانیها ، العبادة بحضور تام کأن العابد یشاهد ربه .
وثالثها ، شهود الرب مع کل شئ وفی کل شئ . کما قال تعالى : " ومن یسلم وجهه إلى الله ( وهو محسن ) فقد استمسک بالعروة الوثقى " . أی ، مشاهد لله تعالى عند تسلیم ذاته وقلبه إلیه .
وإنما خصت الحکمة ( الإحسانیة ) بالکلمة ( اللقمانیة ) لأنه صاحب الحکمة بشهادة قوله تعالى : " ولقد آتینا لقمان الحکمة ومن یؤت الحکمة فقد أوتى خیرا کثیرا " .
فهو صاحب الخیر، والخیر هو ( الإحسان ) والإحسان فعل ما ینبغی أن یفعل . و ( الحکمة ) وضع الشئ فی موضعه . فهما من واد واحد .
وأیضا الحکمة یستلزم الإحسان على کل شئ ، فلذلک قارن ( الإحسان ) بکلمته .
شعر :
( إذا شاء الإله یرید رزقا ..... له فالکون أجمعه غذاء )
( یرید ) مفعول ( شاء ) تقدیره : إذا شاء أن یرید . فحذف ( أن ) ورفع الفعل .
کقول الشاعر طرفة بن العبد البکری فی معلقته:
( ألا أیهذا الزاجرى أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدی)
( فإن کنت لا تستطیع منع منیتی ... فدعنی أبادرها بما ملکت یدی)
المعنى : یا أیها الزاجرى هل تضمن لی البقاء بزجرک إیای ومنعک لی من منازلة الأقران.
أی ، أن أحضر الوغا أو لا أحضره لن یمنع قدر موتى او یجعلنی من الخالدین .
أی ، إذا تعلقت مشیئته بأن یرید له ..... رزقا ، فالکون بأجمعه غذاء له .
وقد تقدم أن الحق من حیث أسمائه وصفاته لا یظهر فی الشهادة إلا بأعیان الأکوان ، وإن کان من حیث ذاته ، مع قطع النظر عن الظهور والبطون والأسماء والصفات ، غنیا عن العالمین .
فالأعیان غذاء له من حیث إظهارها إیاه ، ومن حیث فناؤها واختفاؤها فیه ، لیظهر بوحدته الحقیقة ، کفناء الغذاء وانعدامها واختفائها فی المغتذى ، وإن کان باعتبار آخر هو غذاء للأعیان . وإلیه أشار بقوله :
قال الشیخ رضی الله عنه : (وإن شاء الإله یرید رزقا .... لنا فهو الغذاء کما یشاء )
( یشاء ) یجوز أن یکون ب ( النون ) للمتکلم ، وب ( الیاء ) للغائب .
تقدیره : وإن شاء الإله أن یرید رزقا لنا ، فهو غذاؤنا کما نشاء . أو کما یشاء الحق ذلک .
لأن الغذاء هو ما یختفی فی عین المغتذى ویظهر على صورته لیقوم به العین ، والهویة الإلهیة هی التی تختفی فی أعیان الخلائق وتصیر ظاهرة بصورها مقومة لها ، فهی غذاء للأعیان .
ونسبة الاغتذاء والرزق إلیه - مع أنه یطعم ولا یطعم - ونسبة کونه غذاء لنا بعینها کنسبة بعض الصفات الکونیة إلیه بقوله : ( من ذا الذی یقرض الله قرضا حسنا ) . و ( مرضت فلم تعدنی ) . وأمثال ذلک مما جاء فی الشرع . وهذه النسبة أیضا من باطن الشرع ، فإن النبی ، صلى الله علیه وسلم ، أعطى الکتاب وأمر بإخراجه إلى الخلق ، فلا ینبغی أن یسئ أحد ظنه من المؤمنین فی حق الأولیاء والکاملین فی أمثال هذه الأشیاء .
ولما کانت المشیئة والإرادة یجتمعان فی معنى ویفترقان فی آخر ، قال : ( مشیئته إرادته فقولوا بها ) أی بالمشیئة . قد شاءها فهی المشاء ) أی ، شاء الإرادة وعینها . فالإرادة هی المشاء ، أی المراد .
ف ( المشاء ) فی قوله : ( فهی المشاء ) ، بفتح ( المیم ) ، اسم مفعول من ( شاء ، یشاء ) من غیر القیاس .
والقیاس : ( مشى ) ، إذ أصله : ( مشیوء ) . نقلت ضمة ( الیاء ) إلى ما قبلها ، واجتمعت ( الواو ) و ( الیاء ) ، وسبقت أحدهما بالسکون ، فقلبت الواو یاء وأدغمت فی ( الیاء ) وکسرت ما قبلها للمناسبة ، وحذفت الهمزة تخفیفا .
أو مصدر میمی بمعنى المشیئة . فعلى هذا التقدیر یکون معنى البیت : مشیئته هی عین الإرادة ، فقولوا بالمشیئة ، قد شاء الحق المشیئة المسماة بالإرادة ، فالإرادة هی المشیئة . وعلى هذا ، ضمیر ( شاءها ) عائد إلى ( المشیئة ) .
وهذا أنسب من الأول ، لأنه ینافی قوله : ( مشیئة إرادته ) . والله أعلم .
قال الشیخ رضی الله عنه : (یرید زیادة ویرید نقصا ..... ولیس مشاءه إلا المشاء)
المشاء بفتح ( المیم ) فیهما ، لأنه المصدر المیمی .
والأول خبر ( لیس ) .
والثانی اسمه . أی ، لیست مشیئه إلا مشیئته .
ومعناه : أن المشیئة بعینها هی الإرادة الذاتیة من حیث الأحدیة ، لأنهما ، کما ذکرنا ، فی کونهما عین الذات شئ واحد .
وأما باعتبار امتیازهما من الذات ونسبتهما إلیها کباقی الصفات . فهما حقیقتان متغائرتان یجتمعان ویفترقان من حیث الإلهیة .
فنبه بقوله : ( مشیئته إرادته ) إلى آخر البیت ، على أنهما فی کونهما عین الذات واحد فی عین الأحدیة .
وبقوله : ( یرید زیادة ) إلى آخره ، على الفرق بینهما . هذا على المعنى الثانی فی البیت السابق .
وأما على الأول ، فیکون قوله : ( فقولوا بها قد شاءها فهی المشاء ) ، بفتح ( المیم ) ، تنبیها على أن الإرادة مترتبة على المشیئة ، کما المشیئة تترتب على العلم ، والعلم على الحیاة ، فهی غیرها .
وقوله : ( یرید زیادة ) فارق آخر . وهو أن الإرادة تتعلق بالزیادة والنقصان فی الجزئیات ، أی ، یرید أن یکون شئ ناقصا وآخر زائدا ، ولیست المشیئة کذلک ، فإنها هی العنایة الإلهیة المتعلقة بالکلیات لا الجزئیات .
فحاصل البیت الثانی : أن المتعلقات الإرادة یزید وینقص ، بخلاف متعلقات المشیئة ، فإنها على حالها أزلا وأبدا ، لأن المشیئة متعلقة بالکلیات لا بالجزئیات ، والکلی لا یوصف بالزیادة والنقصان .
ومن تتبع مواضع استعمالات ( الإرادة ) فی القرآن یعلم أن الإرادة یتعلق بإیجاد المعدوم ، لا بإعدام الموجود ، بخلاف ( المشیئة ) ، فإنها متعلقه بالإیجاد والإعدام .
قال الشیخ رضی الله عنه : ( فهذا الفرق بینهما فحقق ... ومن وجه فعینهما سواء ) "المعنى" ظاهر .
خصوص النعم فى شرح فصوص الحکم الشیخ علاء الدین المهائمی 835 هـ :
قال الشیخ رضی الله عنه : (
إذ شاء الإله یرید رزقا ... له فالکون أجمعه غذاء
وإن شاء الإله یرید رزقا ... لنا فهو الغذاء کما یشاء
مشیئته إرادته فقولوا ... بها قد شاءها فهی المشاء
یرید زیادة و یرید نقصا ... ولیس مشاءه إلا المشاء
فهذا الفرق بینهما فحقق ... ومن وجه فعینهما سواء )
الفصّ اللّقمانی
23 - فص حکمة إحسانیة فی کلمة لقمانیة
قال رضی الله عنه : ( إذا شاء الإله یرید رزقا ... له فالکون أجمعه غذاء .. وإن شاء الإله یرید رزقا ... لنا فهو الغذاء کما یشاء .. مشیئته إرادته فقولوا ... بها قد شاءها فهی المشاء ... یرید زیادة ویرید نقصا ... ولیس مشاءه إلّا المشاء .... فهذا الفرق بینهما فحقّق ... ومن وجه فعینهما سواء )
أی : ما یتزین به ، ویکمل العلم الیقینی المتعلق بالإحسان الذی هو رؤیة ربه فی کل شیء ، ورؤیة الحق صور أسمائه وآثارها فی الخلق ، وکل ذلک عن إحسان الحق بمشیئته لا بطریق الوجوب علیه ، ویتبع هذا الإحسان الإحسان الذی هو بمعنى فعل ما ینبغی لما ینبغی ، فیحصل لصاحب الإنسان الأول لا محالة ،
وإن کان قد لا یحصل لصاحب هذا الإحسان الإحسان بالمعنى الأول ، وهو یفید زیادة أنس أیضا ولتبعیة الإحسان بالمعنى الثانی للإحسان بالمعنى الأول أورده الشیخ رحمه اللّه وإن کان فیه ما هو أساس الإحسان بالمعنى الأول ،
فظهر ذلک العلم بزینته وکماله فی الحقیقة الجامعة المنسوبة إلى لقمان علیه السّلام ، إذ أوتی الحکمة المستلزمة لإیتاء الخیر الکثیر الذی لا یکمل إلا بالرؤیتین المذکورتین .
وقد أشار إلیهما لقمان علیه السّلام فی حکمته المنطوق بها والمسکوت عنها ، فنطق بما یدل على رؤیته وسکت عن رؤیتنا إیاه بطریق التصریح ،
فأشار رحمه اللّه إلى وجه کونهما من الخیر الکثیر من حیث إنهما کمال غیر واجب علیه بل حاصل بمشیئته ، فیکون إحسانا وتفضیلا ؛ ذلک لاستغنائه بکماله الذاتی عن طلب کمال آخر ، لکن من شأن الکامل
التفضل بالتکمیل ، وهو إنما یکون بالمشیئة لکنها محل لوجوب اعتبار الوحدة فی صفاته سیما التی قربت منه ، وکانت بلا اعتبار واسطة صفة أخرى بحسب التعقل ، وإن کان الکل معا فی الوجود ؛ فلابدّ من أمر یفصلها فی تعقلها بجزئیات الأکوان ، وهو الإرادة ؛
(إذا شاء الإله یرید رزقا ... له فالکون أجمعه غذاء)
فقال رضی الله عنه : ( إذا شاء الإله یرید ) أی : یرید ( رزقا له ) ، أی : کمالا لأسمائه بإخراج ما فیها بالقوة من صورها وآثارها إلى الفعل ، وإن کانت غنیة عنها بحسب تعلقها بالذات ،
فقال رضی الله عنه : ( فالکون ) أی : الوجود الجاذب ( أجمعه غذاء ) کمال لها وراء الکمال الذی لها فی ذواتها مع غناها به نفی هذا الکمال ،
(وإن شاء الإله یرید رزقا ... لنا فهو الغذاء کما یشاء)
وإن شاء الإله ( یرید رزقا لنا ) بتکمیلنا ، ( فهو ) أی : ( الغذاء ) فرؤیته فی کل شیء هو الکمال لنا ، لکن لیست رؤیته على ما هو علیه ، بل ( کما شاء ) على تفاوت استعداد الرائین منا . ثم أشار إلى سبب جمعه بین المشیئة والإرادة وإیقاع المشیئة علیها بقوله :
(مشیئته إرادته فقولوا ... بها قد شاءها فهی المشاء)
( مشیئته ) ، وهی الصفة المرجحة أحد طرفی المقدور ، فهی وإن کانت مجملة لوحدتها باعتبار تعلقها بالذات بلا اعتبار واسطة ؛ فهی ( إرادته ) المتصلة من حیث التعلق بجزئیات الأکوان ، وهذا التعلق للإرادة من المشیئة ، ( فقولوا : بها ) أی : المشیئة ( قد شاءها ) أی : شاء تعلق الإرادة ، فهی أی : الإرادة وإن کانت قدیمة ، کأنها ( هی المشاء ) بفتح المیم مصدر میمی أرید به اسم المفعول وإذا لم یؤنثه ، وإنما کانت إرادته تفصیلیة ؛
(یرید زیادة ویرید نقصا ... ولیس مشاءه إلّا المشاء)
لأنه ( یرید زیادة ) فی بعض الأکوان ، ( ویرید نقصا ) فی البعض الآخر ، ( ولیس مشاؤه ) أی : متعلق مشیئة الحق من حیث وحدتها ( إلا المشاء ) أی : إلا الذی شاءه من الإرادة ، فإنها واحدة وإن کانت مفصلة التعلق ، ولا یمکن اعتبار ذلک فیما قرب من الحق لغلبة الوحدة هناک بخلاف ما کان له بالواسطة .
(فهذا الفرق بینهما فحقّق ... ومن وجه فعینهما سواء)
فقال رضی الله عنه : ( فهذا الفرق ) من الإجمال والتعلق والتفصیل فیه ( بینهما ) أی : بین المشیئة والإرادة ، ( فحقق ) أی : قل فیه بالتحقیق فلا یتوهم جواز التفصیل فی تعلق الوصف الأقرب مما لحق ، ( ومن وجه ) أی : ومن حیث أن کلا منهما صفة ترجح أحد طرفی المقدور ، ( فعینهما ) أی : حقیقتهما ( سواء ) ؛
ولذلک صح قولنا : مشیئته إرادته وصح ، فلا یجوز إطلاق کل منهما بدل الآخر ، وإذا کانت الکمالات بالمشیئة کان إیجادها والاطلاع علیها من الإحسان الذی هو الخیر الکثیر اللازم للحکمة بدلیل أنه..
شرح فصوص الحکم الشیخ صائن الدین علی ابن محمد الترکة 835 هـ:
قال الشیخ رضی الله عنه : (
إذ شاء الإله یرید رزقا ... له فالکون أجمعه غذاء
وإن شاء الإله یرید رزقا ... لنا فهو الغذاء کما یشاء
مشیئته إرادته فقولوا ... بها قد شاءها فهی المشاء
یرید زیادة و یرید نقصا ... ولیس مشاءه إلا المشاء
فهذا الفرق بینهما فحقق ... ومن وجه فعینهما سواء )
23 - فصّ حکمة إحسانیّة فی کلمة لقمانیّة
( الإحسان ) لغة یقال على وجهین : أحدهما الإنعام على الغیر ، والثانی إحسان فی فعله ، وذلک إذا علم علما حسنا أو عمل عملا حسنا .
وعلى هذا قول أمیر المؤمنین : « الناس أبناء ما یحسنون » أی منسوبون إلى ما یعلمونه ویعملونه من الأفعال المعجبة لهم ، وقوله تعالى : “ الَّذِی أَحْسَنَ کُلَّ شَیْءٍ خَلَقَه ُ “[32 / 17 ].
وتحقیقا : على إظهار الحسن، یعنی ما فیه النسبة الکمالیّة التی هی مبدأ الحیاة والحمد، فإنّ الإحسان له تلویح بیّن على السین والحاء باسمیهما ،
والأوّل کاشف عن تمام النسبة ،
والثانی على کمال إظهارها کما مرّ تحقیقه فهو أوثق نسبة بین الحقّ والعبد وأظهرها ،
کما قال تعالى :" وَمن یُسْلِمْ وَجْهَه ُ إِلَى الله وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَکَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى " [ 31 / 22 ] .
وقال صلَّى الله علیه وسلَّم : « الإحسان أن تعبد الله کأنّک تراه ، فإن لم تکن تراه فإنّه یراک ».رواه البخاری ومسلم وأین ماجه وغیرهم.
فإنّه قد اعتبر فی مفهومه النسبة بأبلغ وجه ، کما هو مؤدّى عبارته الختمیّة ، حیث صرّح بالتشبیه الذی هو النسبة الکمالیّة بین أمرین ، الجامعة لوجوه المناسبات بالرؤیة التی هی أبین نسبة بین الحقّ والعبد ، ثمّ کرّر المنتسبین ثلاث مرّات إبانة لأمر تلک النسبة فی صورة تمام الإظهار .
تسمیة الفصّ
ثمّ إنّه لغلبة سلطان هذه النسبة على الکلمة اللقمانیّة تراه - عند إبلاغه نبأه الکمالی وإظهاره حکمه الحسنة - مخاطبا لابنه خطاب شفقة وعطوفة ، وبیّن أن الخطاب هو أقرب النسب بین الرسول والمرسل إلیه ، کما أنّ الابن الذی هو المخاطب فیه مختصّ بأوثق النسب ، مؤدّى فی صیغة تصغیر الإشفاق ، الدالّ على کمال تلک النسبة ،
وبیّن أنّ النسبة کماله الأتمّ فی الوثاقة وقوّة الربط أن یؤول أمرها إلى الاتّحاد بین منتسبیها بغلبة وجوه الجمع على ما به الامتیاز کالاغتذاء مثلا ، فإنّه إنما یتحقّق عند جعل الغذاء جزء للمغتذی متّحدا به فی صورته الشخصیّة التی بها أصبح واحدا کلَّا .
ومن ثمّة صدّر هذا الفصّ اللقمانیّ بتحقیق تلک النسبة الغذائیّة بین الحقّ والخلق لما بینهما من النسبة الظاهرة لفظا ، ولما عرفت من قرب تأدّیها للکشف عن الوجوه الجمالیّة التی هو بصدده هنا .
وأیضا فی الصورة النظمیّة من النسبة الوثیقة الجمعیّة ما لیس فی النثر ، فهو اللائق بتحقیق أمرها ، کما هو مؤدّى الکلمة اللقمانیّة فقال :
( إذا شاء الإله یرید رزقا .... له ، فالکون أجمعه غذاء )
مفصحا عن مبدأ تلک النسبة من حضرة الأسماء ، یعنی المشیئة والإرادة اللتین بهما یتحقّق الشیء والمراد ، وما یدور به أمر ظهوره من الأحکام والخصائص فالمشیئة لها تقدّم - کما سبق فی المقدّمة .
ثمّ إنّک قد عرفت أنّ نسبة القرب بین الخلق والحقّ تارة فی صورة الفرض القطعی ، وهو أن یتوجّه المشیئة والإرادة نحو الکون الدائر فی دائرة إحاطته وجمعیّته ، إلى أن یغتذی به الحقّ ، فهذا إشارة إلیه وأخرى فی صورة النفل الزائد ، وهو أن یتوجّها نحو رزاقیّة الحقّ إیّاه ، لیغتذی به الخلق ،
وإلیه أشار بقوله وإن شاء الإله یرید رزقا .... لنا، فهو الغذاء کما یشاء )
أیّ یکون المشیئة متوجّهة إلیه ، فهو الشیء .
ثمّ بعد تحقیق أمر النسبة بین الحقّ والخلق یرید إبانة ما بین مبدأیهما من النسبة - یعنی المشیئة والإرادة - بوجهی جمّیتهما وافتراقهما ، فإلى الأولى منهما أشار بقوله :
مشیئة الحقّ إرادته
( مشیئته إرادته ) ، أی هما متّحدان عند نسبتهما إلى الهویّة الذاتیّة ، ولکن للمشیئة تقدّم على الإرادة تقدّم إحاطة وشمول ، کما نبّهت علیه فی المقدّمة عند الکلام فی ترتیب الأسماء وإنّ المشیئة هی توجّه الذات نحو حقیقة الشیء وعینه ، اسما کان أو وصفا أو عینا ، والإرادة تعلَّقها بتخصیص أحد الجائزین من الممکن ، فتکون الإرادة مما یتعلَّق به المشیئة ،
وإلیه أشار بقوله : ( فقولوا . بها ) أی بالإرادة ، فإنّ التغایر بینهما اعتباریّ إنما یظهر حکمه فی القول والعقل فقط ، دون العین ( قد شاءها ، فهی المشاء ) بفتح المیم ، اسم مفعول من المشیئة على غیر القیاس هذا جهة جمعیّتهما ، وأما جهة الفرق ،
فقد أشار إلیه بقوله یرید زیادة ویرید نقصا .... ولیس مشاءه إلَّا المشاء )
أی متعلق الإرادة قابل للزیادة والنقص ، حیث أنّها تعلَّق الذات بتخصیص أحد الجائزین من طرفی الممکن ، دون المشیئة ، فإنّ متعلَّقها ذات الشیء ، وهی بحالها فـ « المشاء » هاهنا مصدر میمی ، ولو جعل الأول مصدرا والثانی اسم مفعول ، له معنى .
( فهذا الفرق بینهما ، فحقّق .... ومن وجه ، فعینهما سواء )
لأنّه لا تمایز بینهما فی العین کما عرفت .
شرح الجامی لفصوص الحکم الشیخ نور الدین عبد الرحمن أحمد الجامی 898 هـ :
قال الشیخ رضی الله عنه : (
إذ شاء الإله یرید رزقا ... له فالکون أجمعه غذاء
وإن شاء الإله یرید رزقا ... لنا فهو الغذاء کما یشاء
مشیئته إرادته فقولوا ... بها قد شاءها فهی المشاء
یرید زیادة و یرید نقصا ... ولیس مشاءه إلا المشاء
فهذا الفرق بینهما فحقق ... ومن وجه فعینهما سواء )
23 - فص حکمة إحسانیة فی کلمة لقمانیة
قال الشیخ رضی الله عنه : ( إذا شاء الإله یرید رزقا ... له فالکون أجمعه غذاء .. وإن شاء الإله یرید رزقا ... لنا فهو الغذاء کما یشاء)
فص حکمة إحسانیة فی کلمة لقمانیة
لما کان لقمان علیه السلام آتاه اللّه الحکمة والإحسان ، فعل ما ینبغی فعله لما ینتهی کما ینبغی وهو من لوازم الحکمة سمیت حکمته إحسانیة ونسبت إلیه ( إذا شاء الإله یرید رزقا . . له فالکون أجمعه غذاء ) له .
اعلم أن المشیئة توجه الذات الإلهیة نحو حقیقة الشیء ونفسه اسما کان ذلک الشیء أو صفة أو ذاتا ، والإرادة تعلق الذات الإلهیة بتخصیص أحد الجائزین من طرفی الممکن أعنی وجوده وعدمه فعلى هذا إذا توجهت الذات الإلهیة نحو صفة الإرادة واقتضت تعلقها بأحد طرفی الممکن کما هو مقتضاها لا یبعد أن یسمى ذلک التوجه والاقتضاء مشیئة الإرادة ،
فهذا وجه تعلق المشیئة بالإرادة ، فمعنى البیت إذا توجهت الذات الإلهیة نحو صفة الإرادة لتتعلق بتخصیص وجود الرزق وترجیحه على عدمه لیکون رزقا للّه تعالى ، فالکون أی المکونات بأجمعها غذاء له سبحانه ،
وإنما کانت المکونات غذاء له ، لأنه تعالى من حیث أسماؤه وصفاته لا یظهر فی الأعیان إلا بها ، کما أن ذات المغتذی لا تنمو إلا بالغذاء ، فظهور أسمائه وصفاته بالمکونات بمنزلة نماء المغتذی فإنهما یشترکان فی معنى الزیادة على الذات ،
وإذا کان الفعل الذی وقع فی بیان معنى الإحسان منقسما إلى الفرائض والنوافل ، والفرائض تورث قربا یکون العبد فیه باطنا والحق ظاهرا ،
والنوافل تورث قربا یکون الحق فیه باطنا والعبد ظاهرا ونسبة الباطن إلى الظاهر حیث کان نسبة العبد إلى المغتذی ، فتارة یکون العبد رزقا للحق وتارة یکون الحق رزقا للعبد ، فلا یبعد أن یکون هذا البیت إشارة إلى قرب الفرائض الذی یکون الحق فیه ظاهرا والعبد باطنا ، کما لا یبعد أن یکون البیت الثانی إشارة إلى قرب النوافل الذی یکون العبد فیه ظاهرا والحق باطنا ،
فقوله : یرید رزقا مفعول المشیئة بحذف أن الناصبة وأثرها ( وإن شاء الإله یرید رزقا . . لنا فهو الغذاء کما یشاء ) لاختفائه بصورتنا کما أن الغذاء یختفی بصورة المغتذی ، لأن إیجاده للموجودات لیس إلا اختفاءه بصورتها
قال الشیخ رضی الله عنه : (
مشیئته إرادته فقولوا ... بها قد شاءها فهی المشاء
یرید زیادة ویرید نقصا ... ولیس مشاءه إلّا المشاء
فهذا الفرق بینهما فحقّق ... ومن وجه فعینهما سواء)
(مشیئته إرادته ) لأنهما متجهتان بالنسبة إلى هویتها الغیبیة الذاتیة ولکن للمشیئة تقدم ذاتی على الإرادة کما عرفت ( فقولوا : بها ) ، أی کونوا قائلین بالإرادة ومغایرتها للمشیئة لکان ذلک التقدم وقول ( قد شاءها فهی المشاء ) ، حال من الضمیر فی بها إشارة إلى تعلیل القول بمغایرة الإرادة للمشیئة ، فإنه لو لم یکن بینهما مغایرة کیف تتعلق المشیئة بالإرادة ، ویحتمل أن یکون المعنى : فقولوا یسبب له الإرادة ومغایرتها للمشیئة بواسطة تقدمها الذاتی هذا القول أعنی قد شاءها فهی المشاء فیکون هذا القول على هذا التقدیر مقول القول .
وکان المشاء فی موضعه الأول والثانی من هذه الأبیات فی النسخة المقروءة علیه رضی اللّه عنه مقیدا بضم المیم فی موضعه الثالث بفتحها ، وکأنه بضم المیم اسم مفعول من الثلاثی على صیغة من المزید على خلاف القیاس ویحتمل المصدریة ،
لأن قیاس المصدر المیمی من المزید صیغة اسم المفعول وبفتح المیم مصدر میمی من الثلاثی ویحتمل أن یکون بمعنى اسم المفعول ( یرید زیادة ) ، أی یزید تارة زیادة الوجود عن الماهیة وهی الإیجاد ( ویرید ) تارة ( نقصا ) ، أی نقص الوجود عن الماهیة وهی الإعدام ،
فالإرادة إذا تعلقت بالماهیة یرجح تارة جانب وجوده وتارة جانب عدمه بخلاف المشیئة فإن متعلقها نفس الماهیة من غیر ترجیح أحد جانبیها وإلى هذا أشار بقوله ( ولیس مشاءه إلا المشاء ) ،
أی ولیس متعلق المشیئة فی الحالین النفس متعلق المشیئة لما عرفت ، أولیس المشیئة إلا المشیئة فی الحالین لعدم التغیر فی متعلقها ، وإنما قدر المیم من المشاء فی موضعه الثالث بالفتح لئلا یلزم الإیطاء أعنی التکرر فی القافیة وهو مرفوع على أنه اسم لیس ،
والمقدم علیه منصوب على أنه خبرها ولا یجوز العکس ، وإلا یلزم الإقواء فی القافیة وهو اختلاف الروی بالحرکة .
( فهذا ) ، أی الذی ذکرنا من التقدم الذاتی للمشیئة على الإرادة وإمکان الاختلاف فی متعلق الإرادة دون المشیئة هو ( الفرق بینهما فحقق . . ومن وجه ) وهو وجه اتحادهما بالنسبة إلى الهویة العینیة الذاتیة ( فعینهما سواء .)
ممدّالهمم در شرح فصوصالحکم، علامه حسنزاده آملی، ص: ۵۰۰
إذا شاء الإله یرید رزقا لنا فالکون أجمعه غذاء
هر گاه خداوند براى خود رزق را اراده کند جمیع کون غذاى اوست. زیرا که حق از حیث اسماء و صفاتش ظاهر نمیشود مگر به سبب اعیان اکوان هر چند از حیث ذاتش با قطع نظر از ظهور و بطون و اسماء و صفات، غنى از عالمیان است. پس جمیع اعیان غذاى او هستند از جهت اظهار آنها مر حق تعالى را و از جهت فنا و اختفاى آنها در حق تعالى تا به وحدت حقیقیهاش در مظاهر ظاهر شود.
و إن شاء الإله یرید رزقا لنا فهو الغذاء کما نشاء
و اگر خداوند براى ما رزق را اراده کند خود او غذاى ماست. چنانکه ما میخواهیم یا چنانکه او میخواهد (این دو بیت همان مطلبى است که چند بار گفته شد ظهور تو به من است و وجود من از تو، و نسبت رزق و غذا به او- با آن که او یطعم و لا یطعم- از این جهت است که بعضى از صفات کونیه را نسبت به خود داده است مثل مَنْ ذَا الَّذِی یُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً* (بقره:245) یا به موساى کلیم فرمود: «مرضت فلم تعدنی».
مشیئته إرادته فقولوا بها قد شاءها فهی المشاء
یرید زیادة و یرید نقصا و لیس مشاءه إلّا المشاء
مشیت خداوند همان اراده اوست. زیرا مشیت عین اراده است. پس بگویید: خداوند به مشیت خواسته است، مشیت مسمّى به اراده را یعنى اراده را خواسته است. پس اراده همان مشیت است.
مشیت توجه ذات به سوى حقیقت شیء و عین آن است خواه اسم باشد خواه وصف خواه عین، و اراده تعلق مشیت است به تخصیص یکى از دو امر جایز ممکن، پس اراده از چیزهایى است که مشیت به او تعلق میگیرد. پس نتیجه اینکه مشیت و اراده به نسبت هویت غیبیه ذاتیه حق، متحدند و لکن مشیت بر اراده تقدم ذاتى دارد و میشود که ضمیر بها راجع به اراده باشد یعنى قائل به اراده بشوى و آن را مغایر با مشیت بدانى که مشیت تقدم ذاتى دارد هر چند به لحاظ غیب ذات، متحدند. سپس در شعر تالى در فرق بین اراده و مشیت گوید که اراده به زیادة و نقصان در جزئیات تعلق میگیرد- به خلاف مشیت که مشیت، عنایت الهیه متعلق به کلیات است نه به جزئیات و مشیت نیست مگر مشیت او که وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ یَشاءَ اللَّهُ* شارح قیصرى گوید:
کسى اگر مواضع استعمالات اراده را در قرآن تتبع کند میداند که اراده متعلق به ایجاد معدوم است نه به اعدام موجود به خلاف مشیت که متعلق به ایجاد و اعدام است.( شرح قیصرى، ص 430، ستون دوم.)
فهذا الفرق بینهما فحقق و من وجه فعینهما سواء
یعنى فرق میان مشیت و اراده آن است که گفتیم اراده مترتب بر مشیت است. چنانکه مشیت بر علم و علم بر حیات. پس مشیت غیر از اراده است. هر چند از جهتى عین هر دو یکى است. یعنى به حسب هویت غیبیه ذاتیه حق تعالى در وجود متحدند.
شرح فصوص الحکم (خوارزمى/حسن زاده آملى)، ص:۹۴۷-۹۴۸
إذا شاء الإله یرید رزقا له فالکون أجمعه غذاء
یعنى وقتى که مشیّت حقّ متعلّق شود به ارادت غذاء از براى خویش همه کون او را غذاست.
و پیشتر گذشت که حقّ سبحانه و تعالى از روى اسماء و صفات ظاهر نمىشود در شهادت مگر به اعیان اکوان. اگرچه از حیثیّت ذات و از روى قطع نظر از ظهور و بطون و اسماء و صفات غنى است از همه عالم، پس اعیان غذاى حق است از روى فناء و اختفایش در وى تا ظاهر گردد به وحدت حقیقیّه. چون فناى غذاء و انعدام و اختفااش در مغتذى، اگرچه به اعتبار دیگر او سبحانه و تعالى غذاى اعیان است و إلیه اشار بقوله:
و إن شاء الإله یرید رزقا لنا فهو الغذاء کما یشاء (کما نشاء- معا)
مىشاید که «نشاء» به نون متکلم باشد، و مىشاید که به یاى غائب بود.
تقدیر آنکه اگر خداى خواهد که از براى ما اراده رزق کند او غذاست ما را، چنانکه ما مىخواهیم یا چنانکه او مىخواهد.
و این بدان معنى است که غذا آنست که مختفى مىشود در عین مغتذى و ظاهر مىگردد بر صورتش تا مقوّم او باشد؛ و هویّت الهیّه است که مختفى است در اعیان خلایق و ظاهر به صور ایشان و مقوّم مر همه را، پس او غذاست اعیان را.
و نسبت اغتذاء و رزق به سوى حقّ سبحانه با آنکه صفت او یطعم و لا یطعم است و نسبت غذا بودن او ما را بعینه چون نسبت بعضى صفات کونیّه است به سوى او عزّ شانه کما فى قوله تعالى مَنْ ذَا الَّذِی یُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً*
«مرضت و لم تعدنى»
و امثال این از آنچه در شرع آمده است.
و این نسبت نیز از باطن شرع است از آنکه نبى صلى اللّه علیه و سلم این کتاب را به شیخ داده است و به اخراج او به سوى خلق امر کرده، پس هیچ احدى را از مؤمنین نمىباید که در حق اولیاء بدگمان باشد و به ردّ و انکار کاملان در امثال این اشیاء مبادرت نماید. و چون مشیّت و ارادت در معنى مجتمعاند، و در معنى دیگر متفرّق، شیخ فرمود:
مشیئته إرادته فقولوا بها قد شاءها فهى المشاء
یعنى مشیّت او عین ارادت اوست از روى احدیّت پس قائل شوید به مشیّت و حال آنکه حقّ تعالى ارادت را که مشیّت است خواسته است، پس ارادت عین مشیّت است.
یرید زیادة و یرید نقصا و لیس مشاءه إلّا المشاء
در هر دو به فتح میم است از آنکه مصدرى است یعنى مشیّتش غیر مشیّتش نیست. و معنیش آنست که مشیّت بعینها ارادت ذاتیّه است از حیثیّت احدیّت از آنکه هر دو در عین ذات بودن شىء واحد است؛ و اما به اعتبار امتیاز ایشان از ذات نسبت ایشان به ذات به حسب الهیّت چون باقى صفاتاند. پس این هر دو متغایراناند که مجتمع مىشوند و مفترق مىگردند.
پس شیخ- قدّس اللّه سرّه- درین بیت که مشیئته إرادته تنبیه کرد بر اینکه هر دو در عین احدیّت واحدند و در بیت دیگر که مىگوید یرید زیادة و یرید نقصا إلى آخره تنبیه مىکند بر فرق میان هر دو.
پس حاصل بیت ثانى آنکه متعلّقات ارادت زیادت مىشود و نقصان مىپذیرد؛ به خلاف متعلّقات مشیّت که ازلا و ابدا بر حال خود است. از براى آنکه مشیّت متعلّق است به کلّیات نه به جزئیات، و کلّیات موصوف به زیادت و نقصان نیست و هرکه تتبع مواضع استعمالات ارادت کند در او داند که ارادت متعلّق به ایجاد معدوم است نه به اعدام موجود؛ به خلاف مشیّت که متعلّق مىشود به ایجاد و هم به اعدام.
فهذا الفرق بینهما فحقّق و من وجه فعینهما سواء
پس این است فرق در میان این دو به تحقیق دریاب، و از وجه دیگر هر دو برابرند، چنانکه مشروح به تقدیم رسید.
حل فصوص الحکم (شرح فصوص الحکم پارسا)، ص: ۶۵۴
إذا شاء الإله یرید رزقا له فالکون أجمعه غذاء
شرح یعنى هر گاه که مشیّت حق متعلّق شود به روزى براى خود، اعیان عالم بأسره غذاى اوست. یعنى عند ظهوره بالاستغناء و الظاهریّة اختفى، و تلاشى الکون فی غناه، «کُلُّ شَیْءٍ هالِکٌ إِلَّا وَجْهَهُ».
و إن شاء الإله یرید رزقا لنا فهو الغذاء کما یشاء
شرح یعنى چون مشیّت او- تعالى- متعلّق آن گردد که از براى ما روزى خواهد، او غذاى ما شود؛ چنانچه خواهد تا هویّت خود را به ما مختفى گرداند، و این مقتضاى اسم ظاهر و باطن است.
مشیئته إرادته فقولوا بها قد شاءها فهی المشاء
شرح أمرنا القول بأنّ المشیئة یتعلّق بالإرادة مع أنّها عینها أی قولوا:
«شاء أن یرید»، فمفعول المشیئة اذن الإرادة.
یرید زیادة و یرید نقصا و لیس مشاؤه إلّا المشاء
شرح یرید أنّ المشیئة قد تتعلّق بالإرادة، کإرادة الإیجاد.
و یتعلّق بإرادة النّقص و الإعدام، و ما تعلّقت الإرادة حیث وردت فی القرآن إلّا بالمعلوم المعدوم العین لتوجده. و أمّا المشیئة فتعلّقها اعمّ، فإنّها تتعلّق بالموجود للإعدام، و تتعلّق بالمعدوم للإیجاد.
فهذا الفرق بینهما فحقّق و من وجه فعینهما سواء
شرح یرید أنّ المشیئة تتعلّق بالإیجاد و الإعدام، و الإرادة تختصّ بالإیجاد لا غیر. فهذا هو الفرق بینهما، و هما من حیثحقیقتهما الأحدیّة الّتی تشملها عین واحدة.