عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة الثالثة عشر :

                               

کتاب تعلیقات د أبو العلا عفیفی على فصوص الحکم الشیخ الأکبر ابن العربی 1385 هـ :

23 - فص حکمة إحسانیة فی کلمة لقمانیة

الفص الثالث والعشرون حکمة إحسانیة فی کلمة لقمانیة

(1) حکمة إحسانیة فی کلمة لقمانیة «الحکمة الإحسانیة».

(1) موضوع هذا الفص «الإحسان» و هو فی اللغة فعل ما ینبغی أن یفعل من الخیر، بالمال أو بالقول أو العمل.

و فی الشرع أن تتوجه إلى الله فی عبادتک بکلیتک و تتمثله فی محرابک کما ورد فی الحدیث المشهور عند ما سئل النبی عن الإحسان ما هو فقال: «أن تعبد الله کأنک تراه».

وهو فی عرف أصحاب وحدة الوجود شهود الحق فی جمیع المراتب الوجودیة، والتحقق من أنه متجل فی کل شیء.

و هذا الأخیر هو المعنى الذی یدور علیه هذا الفص و الذی یستخلصه المؤلف من الآیات الواردة فی حق لقمان فی قوله تعالى: «و إذ قال لقمان لابنه و هو یعظه یا بنی لا تشرک بالله إن الشرک لظلم عظیم ...

یا بنی إنها إن تک مثقال حبة من خردل فتکن فی صخرة أو فی السماوات أو فی الأرض یات بها الله إن الله لطیف خبیر».

فلقمان فی هذا الفص لسان من ألسنة وحدة الوجود التی یتخذها ابن العربی مترجمة عن مذهبه.

أما نسبة الفص إلیه فلشهرته بالحکمة و شهادة الله له بذلک.

و الحکمة وضع الأشیاء فی موضعها و معرفة الأشیاء بحقائقها، وهی عند الصوفیة المعرفة الذوقیة بحقیقة الوجود (راجع الفص الأول، التعلیق الأول)، وعند ابن العربی هی المعرفة الذوقیة لوحدة الوجود.

و من هنا تظهر الصلة بین الحکمة و الإحسان و السبب الذی من أجله نسب الحکمة الإحسانیة إلى لقمان.

 

(2) «إذا شاء الإله یرید رزقا» (الأبیات).

(2) المشیئة و الإرادة لفظان یستعملان فی اللغة على سبیل الترادف، و یستعملان بمعنیین مختلفین فی اصطلاح ابن العربی و الحسین بن منصور الحلاج من قبله.

فهما من ناحیة أنهما صفتان للذات الإلهیة متحدتان- کما أن الأسماء الإلهیة الکثیرة واحدة العین من حیث دلالتها على مسمى واحد هو الحق- و لکنهما مختلفتان من حیث إن المشیئة مرادفة للعنایة الإلهیة أو للأمر الإلهی التکوینی الذی یتعین به کل شیء على نحو ما هو علیه، فی حین أن الإرادة صفة یتعین بها وجود شیء من الأشیاء أو عدمه بعد إیجاده.

و هذا معنى قول المؤلف «یرید زیادة و یرید نقصا»: أی یرید تحقق موجود من الموجودات، و هو المشار إلیه بالزیادة، و عدم تحقق موجود آخر و هو المشار إلیه بالنقص.

و لکن الکل خاضع للمشیئة التی تقضی بأنه سیکون هنالک زیادة أو نقص، وجود أو عدم وجود، طاعة أو معصیة. فالمشیئة إذن فی مذهب ابن العربی الجبری أشبه شیء بالقانون العام للوجود، أو بمجموعة قوانین الوجود لأنها تتعلق بماهیات الأشیاء- و الأشیاء أعم من الموجودات لأنها تشمل الموجودات و المعدومات: أی الأشیاء التی قد تتحقق بالفعل و التی لا تتحقق أصلا- فتعینها على النحو الذی هی علیه.

و لذلک یسمیها ابن العربی أحیانا بالوجود (الفتوحات ج 4 ص 55)، و بعرش الذات، متبعا فی ذلک أبا طالب المکی (الفتوحات ج 2 ص 51 ج 3 ص 62 ج 4 ص 55).

فوجود الأشیاء على النحو الذی توجد علیه، أو عدم وجودها إطلاقا، یتعلق بالمشیئة. و لکن وجود شیء من الأشیاء فی العالم الخارجی أو انعدام وجوده بعد أن یوجد، متعلق بالإرادة.

هذا هو الفرق بین الاثنین کما یفهمه جامی (شرح الفصوص ج 2 ص 287، 288) و هو رأی یتفق مع الروح العامة لمذهب ابن العربی کما نجده فی الفصوص و الفتوحات.

و لکن القاشانی (شرح الفصوص 374) و الجرجانی (تعریفات ص 147) یذهبان إلى أن المشیئة هی التی تتعلق بإیجاد الأشیاء فی العالم الخارجی و بانعدامها بعد وجودها، فی أن الإرادة تتعلق بالإیجاد وحده. و یؤیدان مذهبهما بأن هذا هو الاصطلاح الذی جرى علیه القرآن فی استعمال الکلمتین. یقول القاشانی: «و الفرق بین المشیئة و الإرادة أن المشیئة عین الذات، و قد تکون مع إرادة و بدونها. و الإرادة من الصفات الموجبة للاسم المرید.

فالمشیئة أعم من الإرادة: فقد تتعلق بها و تنقبض بها کمشیئة الکراهة: أی بالإیجاد و الإعدام.

و لما کانت الإرادة من الحقائق الأسمائیة، فلا تقتضی إلا الوجود فتتعلق بالإیجاد لا غیر».

و یقول الجرجانی «مشیئة الله عبارة عن تجلی الذات و العنایة السابقة لإیجاد المعدوم أو إعدام الموجود. و إرادته عبارة عن تجلیه لإیجاد المعدوم.

فالمشیئة أعم من وجه من الإرادة. و من تتبع مواضع استعمالات المشیئة و الإرادة فی القرآن یعلم ذلک، و إن کان بحسب اللغة یستعمل کل منهما مقام الآخر».

و الإرادة خاضعة للمشیئة لأنها صفة من الصفات الإلهیة أو شیء من الأشیاء التی یعینها قانون الوجود العام.

و هذا هو معنى قوله: مشیئة إرادته فقولوا بها قد شاءها فهی المشاء

 

أما کلمة مشاء الواردة مرة فی البیت الثالث و مرتین فی البیت الرابع، فقد قرئت بفتح المیم و بضمها.

و یقول جامی (ص 287) إنها بضم المیم فی موضعها الأول و الثانی حسب النسخة المقروءة على المؤلف، و بفتح المیم فی موضعها الثالث.

و لکنها إذا قرئت بالضم کانت اسم مفعول من الثلاثی على صیغة المزید و هذا خلاف القیاس.

و أما الرزق الذی أشار إلیه فی البیتین الأولین فرمز لما یقوم کلا من الذات الإلهیة و العالم و یظهر کلا منهما بمظهره الخاص به. فالعالم من ناحیة غذاء للذات الإلهیة لأن به تظهر هذه الذات فی صور الوجود الخارجی و تظهر فیها کمالاتها.

و الذات الإلهیة من ناحیة أخرى غذاء للعالم لأنها هی الجوهر المقوم لصور الوجود و لا وجود لصورة من غیر جوهر یقومها، کما لا وجود لجسم من غیر غذاء یقومه.

 

(3) «و الحکمة قد تکون متلفظا بها و مسکوتا عنها».

(3) قسم الحکمة قسمین: حکمة متلفظ بها کالأحکام الشرعیة، و حکمة مسکوت عنها کالأسرار الإلهیة المستورة على غیر أهلها.

والأولى یخاطب بها العوام،

والثانیة قصر على الخواص.

ومن هذا الباب بعینه تسربت إلى الإسلام البدع والشناعات وجمیع التأویلات التی لا یقرها الدین فی قلیل و لا کثیر، تارة تحت ستار الکشف والذوق، وطورا تحت عنوان «علم الخواص» أو «علم الباطن» أو «المضمون به على غیر أهله» و نحو ذلک.

و نحن هنا بإزاء مثال من أمثلة هذا الضرب العجیب من التأویل یوضح به ابن العربی الفرق بین نوعی الحکمة.

قال لقمان لابنه: «یا بنی إنها إن تک مثقال حبة من خردل فتکن فی صخرة أو فی السماوات أو فی الأرض یات بها الله».

فیفهم ابن العربی فی هذا النص معنیین یدلان على حکمتین.

أما الأول، و هو ما یدل علیه ظاهر النص، فهو أن لقمان جعل الله هو الآتی بحبة الخردل مهما یکن موضعها فی السموات أو فی الأرض، دالا بذلک على إحاطة علم الله و قدرته، و أنه لا یوجد موجود فی السموات أو فی الأرض مهما کان صغیرا إلا و یعلمه الله. هذه هی الحکمة المتلفظ بها.

وأما الحکمة المسکوت عنها فهی أن لقمان لم یصرح بالمؤتى إلیه، ولم یقل لابنه إن الله یأتی بها إلیک أو إلى فلان أو فلان، بل أرسل الإتیان عاما و لم یقصره على فرد بعینه.

و فی هذا تنبیه على أن ما فی السموات والأرض هو الحق لا غیره:

أی فیه تنبیه على أن ما فی السموات (وهو ما فی العالم العلوی من الحقائق الروحانیة)

وما فی الأرض (وهو ما فی العالم السفلی من الحقائق الکونیة والآثار المادیة على اختلاف مراتبها) کل ذلک معلوم للحق، بل إنه لیس شیئا سوى الحق.

فالحکمة الظاهرة فی الآیة على هذا التأویل هی أن الحق هو الآتی بالوجود المرموز إلیه بحبة الخردل،

والحکمة الباطنة هی أنه عین ذلک الوجود، أی عین کل معلوم، وأنه یأتی به إلى کل شیء فی السموات و الأرض، لا إلى شیء دون شیء.

ومعنى إتیانه بالوجود إلى الأشیاء ظهوره فیها فی جمیع مراتبها ودرجاتها

وفی هذا إشارة إلى معنى قوله تعالى «و هو الله فی السماوات و فی الأرض».

 

(4) «إن الحق عین کل معلوم لأن المعلوم أعم من الشیء، فهو أنکر النکرات».

(4) ذکرنا فی التعلیق السابق أنه قرر أن الحق عین کل معلوم، و لم یشأ أن یقول عین کل شیء، لأن المعلوم أعم من الشیء إذا قصدنا بالشیء الموجود المتحقق بالفعل بحیث یخرج منه الموجود الثابت فی العلم غیر المتحقق فی الخارج.

وبما أن علم الله شامل لجمیع الموجودات، سواء ما یتحقق منها فی الخارج وما لم یتحقق مما له ثبوت فی العلم فقط، قال إن «المعلوم» أعم من «الشیء» وأدخل فی المعلوم المعدومات التی لها الثبوت دون الوجود الخارجی.

وقد ذهب بعض المتکلمین إلى أن الشیء مساو للمعلوم، فأدخلوا الأعیان الثابتة فی الأشیاء مع أنها لا وجود لها إلا فی العلم الإلهی، واستشهدوا بقوله تعالى: «إنما قولنا لشیء إذا أردناه أن نقول له کن فیکون».

فقد أطلق الله تعالى على العین اسم الشیء قبل کونها وتحققها فی الخارج.

أما قوله «فهو أنکر النکرات» فیصح أن یکون الضمیر فیه عائداً على «المعلوم» کما یقول جامی (ج 2 ص 290) لأنه یعم الموجودات و المعدومات أی یعم الموجودات العینیة والعلمیة من الممکنات و الممتنعات، والشیء مختص بالوجود العینی وحده.

ویصح أن یکون عائداً على الحق سبحانه کما یقول القیصری (ص 245) بمعنى أن الحق لما کان عین کل معلوم، سواء أ کان موجوداً فی العین أم لم یکن، والمعلوم أعم من الشیء، والشیء أنکر من کل نکرة، لزم أن الحق أنکر النکرات لأنه لا یعلم حقیقته إلا هو.

والحق الذی هو أنکر النکرات بهذا المعنى هو الذات الإلهیة المطلقة عن کل التعینات، المنزهة عن جمیع الصفات و الأسماء.

وإلا فالحق الظاهر بصور الوجود المتصف بجمیع صفاتها، أعرف المعارف.

وإذا کان الحق عین کل معلوم سواء أ کان المعلوم أعم من الشیء أم مساویاً له وکان عالماً بکل معلوم فی السموات وفی الأرض، لزم أن العالِمَ و العلم والمعلوم حقیقة واحدة لا فرق بینها إلا بالاعتبار.

 

(5) «فقال إِنَّ اللَّهَ لَطِیفٌ خَبِیرٌ ... إلى قوله فقال خبیراً».

(5) فسر فی هذه الفقرة قوله تعالى «إِنَّ اللَّهَ لَطِیفٌ خَبِیرٌ» * تفسیراً جریئاً صریحاً فی دلالته على وحدة الوجود،

فقال إن لطف اللَّه مشتق من اللطافة التی هی مقابل الکثافة.

ویظهر لطفه تعالى فی أنه الجوهر الساری فی خفاء فی الوجود بأسره.

فهو فی کل شیء عین ذلک الشیء مهما أطلق علیه من الأسماء وحُدَّ به من الحدود، فإن الأشیاء لا تختلف إلا فی أمور عرضیة أو أمزجة خاصة من أجلها یطلق على کل منها اسم خاص یتمیز به عما عداه: فیقال هذا شجر وهذا حجر وهذه سماء والجوهر واحد فی الجمیع.

ولیس هذا الجوهر سوى الذات الإلهیة الواحدة.

ومن هذه الناحیة شابه مذهب ابن العربی مذهب الأشاعرة الذین قالوا إن العالم کله متماثل بالجوهر مختلف بالأعراض.

ولیس ببعید أن تکون فکرة الأشاعرة إحدى الأفکار التی أوحت إلیه بمذهبه فی وحدة الوجود مع بعد الفرق بین الفکرتین.

فالأشاعرة یدینون بالخلق و یقررون وجود اللَّه إلى جانب وجود العالم.

أما هو فلا یدین إلا بوجود واحد، إذا نظرت إلیه فی إطلاقه قلت إنه هو ذلک الجوهر المؤلف منه العالم، و إذا نظرت إلیه فی تقییده- أو فی تعدده و تکثره- قلت إنه هو العالم. و لیس اختلاف جوهر العالم بالأعراض وهو قول الأشاعرة فی نظره سوى اختلاف الذات الإلهیة وتکثرها بالصور والنسب (قارن الفص الثانی عشر، التعلیق الثالث عشر).

 

أما نعت اللَّه نفسه بأنه «خبیر» فمعناه أنه عالم عن اختبار، و العلم عن اختبار هو العلم الذوقی. و العلم الذوقی مقید بالقوى و حاصل عنها.

و قد أخبر الحق عن نفسه أنه عین قوى العبد فی قوله «کنت سمعه و بصره» إلخ. و معنى هذا ان الله خبیر أی أنه یعلم علم الأذواق فی صورة من له القوى التی یحصل بها هذا العلم.

فهو علم مکتسب للحق، بل هو المشار إلیه فی قوله تعالى: «ولنبلونکم حتى نعلم».

فجعل نفسه مع علمه بما هو الأمر علیه مستفیدا علما. و فی هذا تفرقة بین مطلق العلم و العلم المقید بالقوى الروحانیة و الجسمانیة الذی هو علم الأذواق.

 

(6) «لا تشرک بالله إن الشرک لظلم عظیم. و المظلوم المقام حیث نعته بالانقسام».

(6) إنما وصف الشرک بأنه ظلم عظیم لأن الشرک یفترض الانقسام فی مقام الألوهیة وهو مقام یأبى الانقسام فالمظلوم هو هذا المقام الذی وصف بوصف لا یصدق علیه.

وذلک لأن تعدد الإله عبارة عن أن یشرک معه غیره فی الألوهیة، وهذا باطل لانتفاء وجود ذلک الغیر ولأن عین الوجود واحدة.

فإشراک أی شیء مع ما هو عینه غایة الجهل.

وهو راجع إلى أن من لا معرفة له بحقیقة الوجود ولا باختلاف الصور على العین الواحدة، یتوهم وجود مشارکة فی مقام الألوهیة حیث لا مشارکة.

فالمشارکة الحقیقیة فی مقام الألوهیة منتفیة، والمشرکون واهمون فی شرکهم. هذا من وجه، ومن وجه آخر لا توجد مشارکة حقیقیة فی أی شیء یتنازعه اثنان، لأن الشیء الواقع فیه الاشتراک إما منقسم بین الشریکین بحیث یکون لکل منهما جزء غیر الجزء الذی للآخر، و إذن فلا شرکة بینهما على الحقیقة.

وإما أن یکون ما یقع فیه الاشتراک بین الشریکین مشاعا یتوارد علیه الشریکان على سبیل البدل، وذلک باطل أیضا لأن وقوع التصریف من أحد الشریکین یزیل الإشاعة ویجعل الأمر المشترک فیه مختصا بأحد الشریکین وهو المتصرف.

فلا مشارکة على الحقیقة.

وبعد أن أبطل الشرک والشرکة و بیّن أنهما لیس لهما وجود حقیقی، أشار إلى شرکة حقة لیست کفراً ولا ظلماً: وهی اشتراک الأسماء الإلهیة جمیعها فی العین الواحدة التی هی الذات الإلهیة، فقال: «قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ: هذا روح المسألة»:

أی حقیقة مسألة الشرکة هی أنها واقعة فی الأسماء الإلهیة،

فإن اسم اللَّه هو عین اسم الرحمن بل عین کل اسم من الأسماء الإلهیة من حیث دلالة هذه الأسماء على الذات الأحدیة الجامعة لها.


و إذا کان الشرک بمعناه الأول شرک الأشقیاء الجاهلین المحجوبین، فهذا الأخیر شرک السعداء العارفین.