عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة الرابعة عشر :


شرح فصوص الحکم من کلام الشیخ الأکبر ابن العربی أ. محمود محمود الغراب 1405 هـ:

23 - فص حکمة إحسانیة فی کلمة لقمانیة

إذ شاء الإله یرید رزقا ...  له فالکون أجمعه غذاء "2"

وإن شاء الإله یرید رزقا ... لنا فهو الغذاء کما یشاء   "3"

…………………..

1- المناسبة فی تسمیة هذا الفص :-

هی أن الحکمة هی الخیر الکثیر والاسم الحکیم ورد فی القرآن مقرونا بالاسم العلیم والخبیر فالحکیم علیم عن خبر وهو علم الأذواق. 

ولما کان الإحسان ذوقیا قال صلى الله علیه وسلم فیه « أن تعبد الله کأنک تراه فإن لم تکن تراه فإنه یراک » فالإحسان إحسانان إحسان کأنک تراه ، وإحسان أعلى تضمنه الحدث بانک إن لم تکن تراه یعنی أن هناک من یراه وهو الإحسان الأعلى ، وکلاهما من الذوق فی هذا المقام ، فاجتمعت الحکمة ومقام الإحسان فی الذوقیة ، 

ولما کان لقمان قد نص الحق علیه بأنه أتاه الحکمة فوقعت المناسبة بینه وبین مقام الإحسان فسمیت حکمة إحسانیة فی کلمة لقمانیة . 

شرح الأبیات :-


2  - یشیر إلى غذاء الأسماء الإلهیة


راجع فص 5 ، هامش 11، ص 88


"" 11 – الغذاء الأسماء الإلهیة  فص 5 ، هامش 11، ص 88

کل غذاء أعلا من حیاته المتولدة عنه ، فلا تزال من العالم الأدنۍ ترتقی فی أطوار العوالم أغذیة وحیاة حتى تنتهی إلى الغذاء الأول الذی هو غذاء أغذیة الأغذیة.

وهی الذات المطلقة ، والأسماء الإلهیة أقواتها أعیان آثارها فی الممکنات .

فبالآثار تعقل أعیانها ، فلها البقاء بآثارها .

فقوت الاسم أثره، وتقدیره مدة حکمه فی الممکن أی ممکن کان ، ولما لم یکن فی الکون إلا علة و معلول ، علمنا أن الأقوات العلویة والسفلیة أدویة لإزالة أمراض ، ولا مرض إلا الافتقار.

فقوت القوت الذی یتقوت به هو استعماله .

 فالمستعمل قوت له لأنه ما یصح أن یکون قوتا إلا إذا تقوت به ، فاعلم من قوتک ومن أنت قوته.

من قدر القوت فقد قدرا     …… والقوت ما اختص بحال الوری

 بل حکمه سار فقد عمنا    …… ونفسه فانظر تری ما تری

 کل تغذی فیه قام فی       …… وجوده حقا بغیر افتری

فأول رزق ظهر عن الرزاق ما تغذت به الأسماء من ظهور آثارها فی العالم ، وکان فیه بقاؤها ونعیمها و فرحها وسرورها .

وأول مرزوق فی الوجود الأسماء ، فتأثیر الأسماء فی الأکوان رزقها الذی به غذاؤها وبقاء الأسماء علیها .

وهذا معنى قولهم إن للربوبیة سرا لو ظهر لبطلت الربوبیة ، فإن الإضافة بقاء عینها فی المتضایفین ، وبقاء المضافین من کونهما مضافین إنما هو بوجود الإضافة، فالإضافة رزق المتضایفین، و به غذاؤهما وبقاؤهما متضایفین .

فهذا من الرزق المعنوی الذی یهبة الاسم الرزاق ، وهو من جملة المرزوقین .

فهو أول من تغذى بما رزق ، فأول ما رزق نفسه .

ثم رزق الأسماء المتعلقة بالرزق الذی یصلح لکل اسم منها.

وهو أثره فی العالم المعقول والمحسوس .

الفتوحات  ج2 / 462 , ج4 / 248 , 409 ""


3 - یشیر إلى قول سهل بن عبد الله عندما سئل عن القوت فقال « الله »

إذا کان قوت الخلق کونا  …. محققا فإله الحق للعبد قوته

إن المحبین من رجال الله العارفین شغلوا نفوسهم بما أمرهم به محبوبهم فهم ناظرون إلیه حبا وهیمانة ، قد تیمهم بحبه وهیمهم بین بعده وقربه ، فمن هنا نعتوا بأنهم آثروه على کل مصحوب ، فلما قیل لسهل « ما القوت » قال « الله » 

قال تعالى « فأما إن کان من المقربین فروح » لما هو علیه من الراحة حیث رآه عین کل شیء " وریحان" ، لما رآه عین الرزق الذی یحیی بتناوله ، کما قال سهل :

ص 350


مشیئته إرادته فقولوا ... بها قد شاءها فهی المشاء   "4"

یرید زیادة و یرید نقصا ... ولیس مشاءه إلا المشاء  "5"

فهذا الفرق بینهما فحقق ... ومن وجه فعینهما سواء  "6"

…………………………………………..

وما قوت النفوس سوى قواها    …. وإن العین عین کل قوت 

وسهل  ما له  قوت سواه   …. و أین الحق من خبز وحوت 

جمیع الخلق فی الأقوات تاهوا  …. وسهل ما یراه سوى المقیت

والحیاه تنتهی إلى الغذاء الأول الذی هو غذاء الأغذیة وهى الذات المطلقة . 

فلیکن قوتک فی معاشک الله ، وریاشک زینة الله ، فالعارف یقول فی هذا الغذا : ألغ ذا  

الفتوحات ج 2 / 355 - ج 3 / 544 - ج 4 / 248 ، 409 - الدیوان.


4 - البیت الثالث

مشیئته إرادته فقولوا ... بها قد شاءها فهی المشاء

مشیئته سبحانه إرادته وعلمه وقدرته ذاته ، فان قلت هذا النوع ما تعلفه ؟ 

هل متعلقه الإرادة ؟ قلنا لا ، فإنه لیس للإرادة اختیار . 

ولا نطق بها کتاب ولا سنة ولا دل علیها عقل ، وإنما ذلک للمشیئة ، فإن شاء کان ، وإن شاء لم یکن . 

قال علیه السلام ما شاء الله کان ، وما لم یشأ لم یکن ، فعلق النفی والإثبات بالمشیئة ، وما ورد « ما لم یرد لم یکن » بل ورد لو أردنا أن یکون کذا لکان کذا ، فخرج من المفهوم الاختیار ، فالإرادة تعلق المشیئة بالمراد ، وهو قوله « إنما قولنا لشیء إذا أردناه » هذا تعلق المشیئة ، فالحکم للمشیئة ، ولیست مشیئته غیر ذاته ، فأسماؤه عینه وأحکامها أحکامه . 

الفتوحات ج 1 / 291 - ج 3 / 48 ، 317 

راجع فص 21 - توحید الصفة عین الموصوف هامش 13 ص 


5 - البیت الرابع

برید قوله تعالى «وما تشاؤون إلا أن یشاء الله » وقوله صلى الله علیه وسلم : « ما شاء الله کان وما لم یشأ لم یکن » .


6 - البیت الخامس

یرید ما جاء فی البیت الثالث أن الفرق بین المشیئة والإرادة فی تعلق کل منهما ومن وجه التوحید فهما سواء من حیث أن الصفة عین الموصوف .

ص 351


قال تعالى «ولقد آتینا لقمان الحکمة: ومن یؤت الحکمة فقد أوتی خیرا کثیرا».

فلقمان بالنص ذو الخیر الکثیر بشهادة الله تعالى له بذلک.

والحکمة قد تکون متلفظا بها و مسکوتا عنها مثل قول لقمان لابنه «یا بنی إنها إن تک مثقال حبة من خردل فتکن فی صخرة أو فی السماوات أو فی الأرض یأت بها الله».

فهذه حکمة منطوق بها، وهی أن جعل الله هو الآتی بها، "7"

وقرر ذلک الله فی کتابه، ولم یرد هذا 

…………………………………..


7 - الرزق مضمون مکفول

پنبه الحق بهذه الآیة على أن الرزق مضمون ، لابد أن یوصله للعبد. 

فإن رزقه ورزق عیاله لابد أن یأتی به الله ، فیقول لقمان لابنه « یا بنی إنها إن تکن مثقال حبة من خردل » أی أینما کان مثقال هذه الحبة من الخردل لقلتها بل خفائها « فتکن فی صخرة » أی عند ذی قلب قاس لا شفقة له على خلق الله ، 


قال تعالى « ثم قست قلوبکم من بعد ذلک فهی کالحجارة أو أشد قسوة » روی فی النبوة الأولى أن له تعالی تحت الأرض صخرة صماء ، فی جوف تلک الصخرة حیوان لا منفذ له فی الصخرة ، وأن الله قد جعل له فیها غذاء ، وهو یسبح الله ویقول « سبحان من لا ینسانی على بعد مکانی »


یعنی من الموضع الذی تأتی منه الأرزاق لا على بعد مکانها من الله « أو فی السموات » بما أودع الله فی سباحة الکواکب فی أفلاکها من التأثیرات فی الأرکان لخلق أرزاق العالم ، أو الأمطار أیضا فإن السماء فی لسان العرب المطر ، قال الشاعر « إذا سقط السماء بأرض قوم » یعنی بالسماء هنا المطر .


أو فی الأرض ، بما فیها من القبول والتکوین للأرزاق ، فإنها محل ظهور الأرزاق. کذلک الکوکب یسبح فی الفلک ، وعن سباحته یکون ما یکون فی الأرکان الأمهات من الأمور الموجبة للولادة ، فأینما کان مثقال هذه الحبة « یأت بها الله » ولم یقل یأت إلیها، فهو تعالى الأتی برزقک إلیک حیث کت و کان رزقک ، فهو یعلم موضعک ومقرات، ویعلم عین رزقک « إن الله لطیف» أی هو أخفى أن یتعلم ویوصل إلیه ، أی العلم به ، من حبة الخردل « خبیر » للطفه بمکان من یطلب تلک الخردلة منه لما له من الحرص على دفع ألم الفقر عنه ، فإن الحیوان ما یطلب الرزق إلا لدفع الآلام لا غیر . 

الفتوحات ج 1 / 506 - ج 4 / 114.

ص 352


القول على قائله.

وأما الحکمة المسکوت عنها و علمت بقرینة الحال، فکونه سکت عن المؤتى إلیه بتلک الحبة، فما ذکره، و ما قال لابنه یأت بها الله إلیک ولا إلى غیرک.

فأرسل الإتیان  "8" عاما وجعل المؤتى به فی السموات إن کان أو فی الأرض تنبیها لینظر الناظر فی قوله «و هو الله فی السماوات و فی الأرض».

فنبه لقمان بما تکلم و بما سکت عنه أن الحق عین کل معلوم، "9"

لأن المعلوم أعم من الشیء فهو أنکر النکرات .

ثم تمم الحکمة واستوفاها لتکون النشأة کاملة فیها فقال "إن الله لطیف "10"

فمن لطفه ولطافته أنه فی الشیء المسمى کذا المحدود بکذا عین 

…………………………….


8 - الرزق من أکله لا لمن جمعه

قوله تعالى : « یأت بها » ولم یقل « یأت إلیها » من هذا یستدل أن صاحب الرزق من یأکله لا من یجمعه . الفتوحات ج 3 / 359

 

9 - وحدة الوجود الظاهر فی المظاهر

راجع فص 5 ، هامش 06 ص 84 

 

""  6 - وحدة الوجود - الظاهر فی المظاهر  فص 5 ، هامش 06 ص 84 

الموجودات على تفاصیلها فی ظهور الحق فی مظاهر أعیان الممکنات بحکم ما هی الممکنات علیه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعیان التی ظهر فیها مختلفة ، فتمیزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعیان وتمیزها فی نفسه فما فی الوجود إلا الله وأحکام الأعیان ، وما فی العدم شیء إلا أعیان الممکنات مهیأة للاتصاف بالوجود .

فهی لا هی فی الوجود ، لأن الظاهر أحکامها فهی ، ولا عین لها فی الوجود فلا هی ، کما هو لا هو .

لأنه الظاهر فهو والتمیز بین الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحکام الأعیان فلا هو ، فیا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .

مغازلة رقیقة وإشارة دقیقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العیان وأثبتها .

ما من شیء فی تفاصیل العالم إلا وفی الحضرة الإلهیة صورة تشاکل ما ظهر ، أی یتقید بها، ولولا هی ما ظهر .

فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وکل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهیة إنما متعلقها إظهار التجلی فی المظاهر ، أی فی مظهر ما ، وهو نسبة .

فان الظاهر لم یزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم یزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حکما فی الظاهر بحسب حقائقه النفسیة .

فانطلق على الظاهر من تلک الحقائق التی هو علیها المظهر المعدوم حکم یسمى إنسانا أو فلکا أو ملکا أو ما کان من أشخاص المخلوقات .

کما رجع من ذلک الظهور للظاهر اسم یطلق علیه یقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.

وما یعطیه ذلک التجلی من الأسماء ، وأعیان الممکنات على حالها من العدم کما أن الحق لم یزل له حکم الوجود .

فحدث لعین الممکن اسم المظهر ، و للمتجلی فیه اسم الظاهر .

فأعطى استعداد مظهر ما أن یکون الظاهر فیه مکلفا ، فیقال له افعل ولا تفعل ، ویکون مخاطبا بأنت وکاف الخطاب .

واعلم أن التجلی الذاتی ممنوع بلا خلاف بین أهل الحقائق فی غیر مظهر .

فوقتا یکون المظهر جسمیا و وقتا یکون جسمانیا ووقتا جسدیا ، ووقتا یکون المظهر روحیا ووقتا روحانیا.

فالتجلی فی المظاهر هو التجلی فی صور المعتقدات وهو کائن بلا خلاف.

والتجلی فی المعقولات کائن بلا خلاف . وهما تجلی الاعتبارات .

لأن هذه المظاهر سواء کانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور یعبر علیها بالعلم .

أی یعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا یصح أن یشهد ولا أن یعلم .

ولیس وراء ذلک المعلوم الذی لا یشهد ولا یعلم حقیقة ما یعلم أصلا .

وأما التجلی فی الأفعال ففیه خلاف بین أهل هذا الشأن لا یرتفع دنیا ولا آخرة .

فما فی المسائل الإلهیة ما تقع فیها الحیرة أکثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسیما فی تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقین.

فیخرجها ذلک التعلق أن تکون أفعال المخلوقین لغیر المخلوقین حین ظهورها عنهم ، وأفعال الله کلها حسنة فی مذهب المخالف الذی ینفی الفعل عن المخلوق ویثبت الذم للفعل بلا خلاف .

ولا شک عنده فی تعلق الذم، بذلک الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم فی حضرة الأفعال، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم،

فیلوح لهم ما لا یمکن لهم معه أن ینسبوها إلى أنفسهم ، ویلوح لهم ما لا یتمکن معه أن ینسبوه إلى الله .

فهم هالکون بین حقیقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما یقاسیه العارفون ، فإن الذی ینزل عن هذا المقام یشاهد أحد الطرفین فیکون مستریحا لعدم المعارض.


فمذهبنا العین الممکنة إنما هی ممکنة لأن تکون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فیکون الوجود عینها .

إذن فلیس الوجود فی الممکن عین الموجود ، بل هو حال لعین الممکن ، به یسمى الممکن موجودا مجازا لا حقیقة ، لأن الحقیقة تأبى أن یکون الممکن موجودا ، فلا یزال کل شیء هالک .

 الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606


"" أضاف الجامع :

یقول الدکتور أبو العلا عفیفی:

" وحدة الوجود التی یقول بها ابن العربی الطائی الحاتمی لیست وحدة وجود مادیة تنکر الألوهیة ولوازمها أو تنکر القیم الروحیة ،

بل العکس هو الصحیح : أی أنها وحدة وجود تنکر العالم الظاهر ، ولا تعترف بالوجود الحقیقی إلا لله - الحق . أما الخلق فظل للوجود الحق ولا وجود له فی ذاته ".

 

تقول د. سعاد الحکیم فی وحدة الوجود عند الشیخ الأکبر ابن العربی الطائی الحاتمی

" إن عبارة وحدة الوجود لا تدخل ضمن مصطلحات ابن العربی ،

إذ أنها من ناحیة لم ترد عنده مطلقا ،

ومن ناحیة ثانیة هی تشکل تیارا فکریا له جذوره البعیدة فی تأریخ النظریات الفلسفیة ،

ولکننا لم نستطع أن نتغافل عن بحثها بحجة أنها تدخل ضمن نظریات شیخنا الأکبر بالنظر لأهمیتها عنده ، إذ فیها تتبلور مصطلحاته وتتکشف ، ویتجلى وجه ابن العربی الطائی الحاتمی الحقیقی ، فنلمس فیه الفکر والمنطق إلى جانب الشهود والتصوف ".

إن عبارة وحدة الوجود ابتدعها دارسو ابن العربی الطائی الحاتمی ،

أو بالأحرى صنفوه فی زمرة لقائلین بها . إذ أن الباحث لا یلتقط فکر مفکر إلا بتحلیله إلى عناصره البسیطة ، وإعادة ترکیبه ترکیبا یتلاءم وینضبط مع التیارات الفکریة المعروفة . وبالتالی استدل الملتمس وجه ابن العربی الطائی الحاتمی من جمل أمثال :

( الوجود کله واحد ) ، ( ما ثمة إلا الله ) ، ( ما فی الوجود إلا الله ) ، إلى القول بأنه من وحدة الوجود ، وحدة تفارق وحدة المادیین بتغلیب الجانب الإلهی فیها .


ولکن ما حقیقة موقف ابن العربی الطائی الحاتمی من الوحدة الوجودیة ؟

وما نسبة التفکیر النظری إلى الشهود الصوفی فیها ؟


( وحدة وجود ) أم ( وحدة شهود ) ؟

کثیرا ما یتوقف الباحث أمام نتائج ابن العربی الطائی الحاتمی متسائلا :

أوحدة وجود عنده أم وحدة شهود ؟

ثم لا یلبث ان یقرر انها وحدة وجود ، من حیث أنها لم تبرز فی صیحة وجد ، بل کانت نتیجة باردة لتفکیر نظری .

ویعود تردد الباحث بین الوحدتین إلى أنهما یتطابقان فی النتیجة ، فکلتاهما ترى :

إن الوجود الحقیقی واحد وهو الله .

ولکن صاحب وحدة الشهود یقولها فی غمرة الحال ، على حین یدافع عنها ابن العربی الطائی الحاتمی فی صحو العلماء وبرود النظریین .

والحقیقة أن وحدة ابن العربی الطائی الحاتمی تختلف عن وحدة شهود غیره بسبب جوهری ، وهو أن الشیخ الاکبر لم یقطفها ثمرة فیض فناء فی الحق ، فناء افناه عن رؤیة کل ما سوى الحق .

ولم یقل بعدم کل ما سواه ، إن ابن العربی  یرى الکثرة ، وشهوده یعطیه الکثرة ، وبصره یقع على الکثرة . إذن الکثرة عنده موجودة .

وهنا نستطیع ان نقول : أن ( وحدته ) على النقیض من وحدة الشهود ، تعطی : کثرة شهودیة . فالنظر یقع على کثرة عنده . وهذا ما لا یمکن أن ینطبق على وحدة الشهود .

ولکن ابن العربی الطائی الحاتمی لا یقف مع الکثرة الشهودیة أو بتعبیر أدق المشهودة ، بل یجعلها ( کثرة معقولة ) لا وجود حقیقی لها .

وهی - إذا امکن التعبیر بلغتنا - خداع بصر . وبلغة ابن العربی الطائی الحاتمی : خیال .أهـ ""


10 - الاسم اللطیف *

هذا المراد لا یستقیم بالاستدلال وشاهد اسم اللطیف فی هذه الآیة ضعیف بل المراد به هو ما جاء فی شرح الهامش رقم 7، ویؤیده بمناسبة ذکر الرزق ما جاء فی معنى الاسم اللطیف حیث ذکر فی قوله تعالى « الله لطیف بعباده یرزق من یشاء وهو القوی العزیز » فإن اللطف الإلهی هو الذی یدرج الراحة من حیث لا یعرف من لطف به ، ومن لطفه أنه الذی یأتیهم بکل ما هم فیه ، ولا تقع أبصار العباد إلا على الأسباب التی یشهدونها فیضیفون ما هم فیه إلیها .


أما المعنى المقصود هنا من أنه سبحانه هو الظاهر فی المظاهر من حیث الاسم اللطیف فیتضمنه قوله تعالى « لا ندرکه الأبصار وهو یدرک الأبصار وهو اللطیف الخبیر » البصر من العبد هویة الحق ، فعینک غطاء على بصر الحق ، فبصر الحق أدرک الحق ورآه لا أنت، فإن الله لا تدرکه الأبصار وهو یدرک الأبصار ، ففی مدلول هذه الآیة أنه یدرک تعالى نفسه بنفسه ، لأنه إذا کان بهویته بصر العبد ، ولا نفع

ص 353


ذلک الشیء، حتى لا یقال فیه إلا ما یدل علیه اسمه بالتواطؤ والاصطلاح.


فیقال هذا سماء ورض و صخرة وشجر وحیوان و ملک ورزق وطعام. "11"

والعین واحدة من کل شیء و فیه. "12"

کما تقول الأشاعرة إن العالم کله متماثل بالجوهر: فهو جوهر واحد، فهو عین قولنا العین واحدة.

ثم قالت ویختلف بالأعراض، وهو قولنا ویختلف ویتکثر بالصور والنسب حتى یتمیز فیقال هذا لیس هذا من حیث صورته أو عرضه أو مزاجه کیف شئت فقل.

وهذا عین هذا من حیث جوهره، ولهذا  یؤخذ عین الجوهر فی کل حد صورة و مزاج: فنقول نحن إنه لیس سوى الحق، ویظن المتکلم أن مسمى الجوهر وإن کان حقا، ما هو عین الحق الذی یطلقه أهل الکشف والتجلی.

فهذا حکمة کونه لطیفا. "13"


ثم نعت فقال «خبیرا» أی عالما عن اختبار وهو قوله «ولنبلونکم حتى نعلم» وهذا هو علم الأذواق. 

………………………...


الإدراک البصری إلا بالبصر ، وهو عین البصر المضاف إلى العبد ، وقال إنه یدرک الأبصار وهو عین الأبصار ، فقد أدرک نفسه . 

لذلک قال « وهو اللطیف » ولا الطف من هویة تکون عین بصر العبد ، وبصر العبد لا یدرک الله ، ولیس فی القوة أن یفصل بین البصرین ، اللطیف من حیث أنه لا تدرکه الأبصار ، واللطیف المعنی من حیث أنه یدرک الأبصار ، أی درکه للأبصار درکه لنفسه ، وهذا غایة اللطف والرقة ، فما لطفه وأخفاه إلا شدة ظهوره ، فإنه البصر لکل عین تبصر « الخبیر » یشیر إلى علم ذلک ذوقا ، فهو العلیم خبرة أنه بصر العبد فی بصر العبد ، و کذا هو الأمر فی نفسه . 

فتوحات ج 2 / 542 ، 547 - ج 4 / 2 ، 238 ، 301


 ملاحظة هذا ما أشرنا إلیه فی مقدمة الکتاب من ضعف الاستدلال والشاهد مع ذکر الشیخ لما هو أقوى وأصح فی الکتب الأخرى ( راجع ص 7).


11 - وحدة الوجود - الظاهر فی المظاهر - کل الأسماء والصفات الله تعالی بالأصالة .

فص 5 ، هامش 5 و 6، ص 83 ، 84 

انظر هامش  9


12 - العین واحدة والحکم مختلف

راجع فص 4 ، هامش 5، ص 78


""  5 - العین واحدة والحکم مختلف فص 4 ، هامش 5، ص 78  ، فص 3 هامش 5 ص 68

ما یعرف الله إلا الله فاعترفوا    …… العین واحدة والحکم مختلف

                                                     الفتوحات ج1 / 185 .

فالله والرب والرحمن والملک     ….. حقائق کلها فی الذات تشترک

فالعین واحدة والحکم مختلف     …… لذا بدا الجسم والأرواح والفلک

                                               الفتوحات  ج3 / 310.

فالعین واحدة والحکم مختلف       ….. وذاک سر لأهل العلم ینکشف

                                            الفتوحات ج3 / 430

والعین واحدة والحکم مختلف      ….. إذا تنوعت الأرواح والصور

                                                الفتوحات  ج2 / 392

فالعین واحدة والحکم یختلف      ….. والقائلون بذا قوم لهم نظر

                                              الإسفار عن نتائج الأسفار ص 55

فالعین واحدة والحکم للنسب   …… والعین ظاهرة والکون للسبب

                                                  الفتوحات ج3 ص 525  

والعین واحدة والحکم مختلف    ….. والعبد یعبد الرحمن معبود

                                                 الفتوحات  ج2 ص 484

من الزوائد أن تعلم أن حکم الأعیان لیس نفس الأعیان ، وأن ظهور هذا الحکم فی وجود الحق، وینسب إلى العبد بنسبة صحیحة، وینسب إلى الحق بنسبة صحیحة فزاد الحق من حیث الحکم حکما لم یکن علیه ، وزاد العین إضافة وجود إلیه لم تکن یتصف به أزلا .


قال تعالى : « کل یوم هو فی شأن » أحوال إلهیة فی أعیان کیانیة بأسماء نسبیة عینتها تغییرات کوئیة ، فتجلى أحدی العین فی أعیان مختلفة الکون ، فرات صورها فیه ، فشهد العالم بعضه بعضا ، فی تلک العین ، فمنه المناسب وهو الموافق . ومنه غیر المناسب وهو المخالف.    الفتوحات المکیة ج2 ص 521 , 305 .

راجع وحدة الوجود - المرایا - فص 2 هامش رقم 6  ص 45


"" 6- وحدة الوجود – المرایا فص 2 هامش رقم 6  ص 45

اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها :

وهی الوجود المطلق الذی لا یتقید وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه ،

والمعلوم الآخر العام المطلق الذی هو عدم لنفسه وهو الذی لا یتقید أصلا وهو المحال ،

والعلوم الثالث هو البرزخ الذی بین الوجود المطلق والعدم المطلق وهو الممکن ، وسبب نسبة الثبوت إلیه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرین بذاته .

 وذلک أن العدم المطلق قام للوجود المطلق کالمرآة فرأی الوجود فیه صورته فکانت تلک الصورة عین الممکن ، فلهذا کان للممکن عین ثابتة وشیئیة فی حال عدمه ولهذا خرج على صورة الوجود المطلق .

ولهذا أیضا اتصف بعدم التناهی فقیل فیه إنه لا یتناهی ، وکان أیضا الوجود المطلق کالمرآة للعدم المطلق فرأى العدم المطلق فی مرآة الحق نفسه .


فکانت صورته التی رأی فی هذه المرأة هو عین العدم الذی اتصف به هذا الممکن ، وهو موصوف بأنه لا یتناهی کما أن العدم المطلق لا یتناهی ، فاتصف الممکن بأنه معدوم ، فهو کالصورة الظاهرة بین الرائی والمرأة ، لا هی عین الرائی ولا غیره

وقد علمنا أن العالم ما هو عین الحق وإنما هو ما ظهر فی الوجود الحق ، إذ لو کان عین الحق ما صح کونه بدیعا ، کما تحدث صورة المرئی فی المرآة ، ینظر الناظر فیها، فهو بذلک النظر کأنه أبدعها مع کونه لا تعمل له فی أسبابها، ولا یدری ما یحدث فیها .

ولکن بمجرد النظر فی المرآة ظهرت صور ، هذا أعطاه الحال ، فما لک فی ذلک من التعمل إلا قصدک النظر فی المرآة .


ونظرک فیها مثل قوله « إنما قولنا لشیء إذا أردناه » وهو قصدک النظر « أن نقول له کن » وهو بمنزلة النظر « فیکون » وهو بمنزلة الصورة التی تدرکها عند نظرک فی المرآة ،.

ثم إن تلک الصورة ما هی عینک الحکم صفة المرآة فیها من الکبر والصغر والطول والعرض ، ولا حکم لصورة المرآة فیک فما هی عینک ولا عین ما ظهر ممن لیس أنت من الموجودات الموازیة لنظرک فی المرآة ، ولا تلک الصورة غیرک ، لما لک فیها من الحکم .


فإنک لا تشک أنک رأیت وجهک ، ورأیت کل ما فی وجهک ظهر لک بنظرک فی المرآة من حیث عین ذلک لا من حیث ما طرأ علیه من صفة المرآة ، فما هو المرئی غیرک ولا عینک ، کذلک الأمر فی وجود العالم الحق .

أی شیء جعلت مرآة أعنی حضرة الأعیان الثابتة أو وجود الحق، فإما أن تکون الأعیان الثابتة الله مظاهر ، فهو حکم المرآة فی صورة الرائی ، فهو عینه وهو الموصوف بحکم المرآة ، فهو الظاهر فی المظاهر بصورة المظاهر.


أو یکون الوجود الحق هو عین المرآة ، فترى الأعیان الثابتة من وجود الحق ما یقابلها منه ، فترى صورتها فی تلک المرآة و یترائی بعضها البعض ، ولا ترى ما ترى من حیث ما هی المرآة علیه ، وإنما ترى ما ترى من حیث ما هی علیه من غیر زیادة ولا نقصان .

وکما لا یشک الناظر وجهه فی المرآة أن وجهه رأی ، وبما للمرآة فی ذلک من الحکم یعلم أن وجهه ما رأى .

فهکذا الأمر فانسب بعد ذلک ما شئت کیف شئت ، فإن الوجود للعین الممکنة کالصورة التی فی المرآة ، ما هی عین الرائی ولا غیر الرائی ، ولکن المحل


المرئی فیه به و بالناظر المتجلی فیه ظهرت هذه الصورة ، فهی مرآة من حیث ذاتها والناظر ناظر من حیث ذاته والصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العین الظاهرة فیها .


کالمرأة إذا کانت تأخذ طولا ترى الصورة على طولها والناظر فی نفسه على غیر تلک الصورة من وجه ، وعلى صورته من وجه ، فلما رأینا المرآة لها حکم فی الصورة بذاتها ورأینا الناظر یخالف تلک الصورة من وجه .


علمنا أن الناظر فی ذاته ما أثرت فیه ذات المرآة ، ولما لم یتأثر ولم تکن تلک الصورة هی عین المرأة ولا عین الناظر ، وإنما ظهرت من حکم التجلی للمرآة ، علمنا الفرق بین الناظر وبین المراة وبین الصورة الظاهرة فی المرآة التی هی غیب فیها ، ولهذا إذا رؤی الناظر یبعد عن المرآة یرى تلک الصورة تبعد فی باطن المرآة ، وإذا قرب قربت .


وإذا کانت فی سطحها على الاعتدال ورفع الناظر یده الیمنى رفعت الصورة الید الیسرى ، تعرفه إنی وإن کنت من تجلیک وعلى صورتک فما أنت أنا ولا أنا أنت ، فإن عقلت ما نبهناک علیه فقد علمت من أین اتصف العبد بالوجود، ومن هو الموجود، ومن أین اتصف بالعدم، ومن هو المعدوم ومن خاطب ومن سمع ومن عمل ومن کلف .


وعلمت من أنت ومن ربک وأین منزلتک ، وأنک المفتقر إلیه سبحانه وهو الغنی عنک بذاته.


فسبحان من ضرب الأمثال وأبرز الأعیان دلالة علیه أنه لا یشبهه شیء ولا یشبه شیئا ، ولیس فی الوجود إلا هو ، ولا یستفاد الوجود إلا منه، ولا یظهر الموجود عین إلا بتجلیه.


فالمرأة حضرة الإمکان والحق الناظر فیها والصورة أنت بحسب إمکانیتک ، فإما ملک وإما فلک وإما إنسان وإما فرس ، مثل الصورة فی المرآة بحسب ذات المرآة من الهیئة فی الطول والعرض والاستدارة واختلاف أشکالها مع کونها مرآة فی کل حال .


کذلک الممکنات مثل الأشکال فی الإمکان والتجلی الإلهی یکسب الممکنات الوجود والمرآة تکسبها الأشکال ، فیظهر الملک و الجوهر والجسم والعرض ، والإمکان هو هو لا یخرج عن حقیقته ، وأوضح من هذا البیان فی هذه المسألة لا یمکن إلا بالتصریح ، فقل فی العالم ما تشاء و انسبه إلى من تشاء بعد وقوفک على هذه الحقیقة کشفة وعلما .

راجع الفتوحات ج3/ 46 , 80 , 352 . - ج4/ 316.   ""


13 - راجع هامش رقم 10

 

ص 358

 

فجعل الحق نفسه مع علمه بما هو الأمر علیه مستفیدا علما.

ولا نقدر على إنکار ما نص الحق علیه فی حق نفسه: ففرق تعالى ما بین علم الذوق والعلم المطلق، "14"  فعلم الذوق مقید بالقوى.

وقد قال عن نفسه إنه عین قوى عبده فی قوله «کنت سمعه»، وهو قوة من قوى العبد، «وبصره» وهو قوة من قوى العبد، «ولسانه» وهو عضو من أعضاء العبد، «ورجله ویده». "15"

فما اقتصر فی التعریف على القوى فحسب حتى ذکر الأعضاء: ولیس العبد بغیر لهذه الأعضاء والقوى.

فعین مسمى العبد هو الحق، لا عین العبد هو السید، فإن النسب متمیزة لذاتها، و لیس المنسوب إلیه متمیزا، فإنه لیس ثم سوى عینه فی جمیع النسب.

فهو عین واحدة ذات نسب 

………………………………………...

14 - الاسم الخیر *

وقع فی هذه الفقرة خلط بین قوله تعالى « ولنبلونکم حتى نعلم » أی لنختبرکم حتى نعلم ، من الاختبار ، فیقول الشیخ فی ذلک : حکم الحق على نفسه

بما حکم لخلقه من حدوث تعلق العلم ، وهذا غایة اللطف فی الحکم والتنزل الإلهی . فنزل مع خلقه فی العلم المستفاد ، إذ کان علمهم مستفادة ، کما شرک نفسه تعالى مع خلقه فی الأحکام الخمسة ، فمع علمه بما یکون من خلقه قال « حتى نعلم » وأعلم من الله لا یکون ، ومع ذلک أنزل نفسه فی هذا الإخبار منزلة من یستفید بذلک علما ، وهو سبحانه العالم بما یکون منهم فی ذلک قبل کونه - 


الفتوحات ج 3 / 111، ج 2 / 423 


ویکون هذا الخبیر کما جاء فی شرح الأسماء الحسنی 

الفتوحات ج 4 / 322 


حیث یقول : الخبیر بما اختبر به عباده ، ومن اختباره قوله « حتى نعلم » فیرى هل ننسب إلیه حدوث العلم أم لا ؟ 

فانظر أیضا هذا اللطف ، ولذلک قرن الخبیر باللطیف فقال اللطیف الخبیر ، فاختلط المعنی هنا فی هذه الآیة « ولنبلونکم » من الاختبار وهو متعلق بالاسم الخبیر بمعنى العلیم خبرة وهو أیضا متعلق بالاسم الخبیر فی آیة « یدرک الأبصار ولا تدرکه الأبصار وهو اللطیف الخبیر » 


- راجع هامش رقم  7 ، 10 .


15 - راجع « کنت سمعه وبصره ۰۰» الحدیث

هامش 10 ، 14 وفص 10 ، هامش 9 ، ص 146


""  9 - فإذا أحببته کنت سمعه .. الحدیث  فص 10 ، هامش 9 ، ص 146


اعلم أن القرب قربان:

قرب فی قوله تعالى «ونحن أقرب إلیه من حبل الورید » وقوله تعالى «وهو معکم أینما کنتم».

وقرب هو القیام بالطاعات وهو المقصود فی هذا الحدیث ، فالقرب الذی هو القیام بالطاعات فذلک القرب من سعادة العبد من شقاوته ، وسعادة العبد فی نیل جمیع أغراضه کلها ، ولا یکون ذلک إلا فی الجنة ، وأما فی الدنیا فإنه لابد من ترک بعض أغراضه القادحة فی سعادته .

فالقرب من السعادة بأن یطیع لیسعد ، وهذا هو الکسب فی الولایة بالمبادرة لأوامر الله التی ندب إلیها ، أما قوله « من أداء ما افترضته علیه » لأنها عبودیة اضطراریة « ولا یزال

العبد یقترب إلی بالنوافل » وهی عبودیة اختیار « حتى أحبه » .

إذ جعلها نوافل ، فإذا ثابرت على أداء الفرائض فإنک تقربت إلى الله بأحب الأمور المقربة إلیه ، وإذا کنت صاحب هذه الصفة کنت سمع الحق و بصره .

وتکون یدک ید الحق « إن الذین بیا یعونک إنما یبایعون الله ید الله فوق أیدیهم » وهذه هی المحبة العظمى التی ما ورد فیها نص جلی کما ورد فی النوافل ، فإن للمثابرة على النوافل حبا إلهیا منصوصا علیه یکون الحق سمع العبد ونظره ، فانظر ما تنتجه محبة الله ، فثابر على أداء ما یصح به وجود هذه المحبة الإلهیة .


ولا یصح نفل إلا بعد تکملة الفرض ، فالحق سبحانه روح العالم وسمعه وبصره ویده ، فبه یسمع العالم و به یبصر وبه یتکلم وبه یبطش و به یسعى ، إذ لا حول ولا قوة إلا بالله العلی العظیم .


ولا یعرف هذا إلا من تقرب إلى الله بنوافل الخیرات ، کما ورد فی الحدیث الصحیح ، فانتبه لقوله « کنت سمعه الذی یسمع به ولسانه الذی یتکلم به وما تکلم إلا القائل فی الشاهد وهو الإنسان، وفی الإیمان الرحمن ، فمن کذب العیان کان قوی الإیمان ، ومن تردد فی إیمانه تردد فی عیانه ، فلا إیسان عنده ولا عیان ، فما هو صاحب مکان ولا إمکان .

ومن صدق العیان وسلم الإیمان کان فی أمان ، فإن الله أثبت أن ذلک للعبد بالضمیر عینه عبدا لا ربوبیة له ، وجعل ما یظهر به وعلیه ومنه أن ذلک هو الحق تعالى لا العبد فما ثم إلا حق لحق وحق لخلق ، فحق الحق ربوبیته ، وحق الخلق عبودیته.


فنحن عبید وإن ظهرنا بنعوته ، وهو ربنا وإن ظهر بنعوتنا ، فإن التعوت عند المحققین لا أثر لها فی العین المنعوتة.

ولهذا تزول بمقابلها إذا جاء ولا تذهب عینا .

فقوله تعالی « کنت سمعه وبصره » جعل کینوتنه سمع عبد منعوت بوصف خاص ، وهذا أعظم اتصال یکون من الله بالعبد حیث یزیل قواه من قواه ویقوم بکینوته فی العبد مقام ما أزال على ما یلیق بجلاله من غیر تشبیه ولا تکییف ولا حصر ولا إحاطة ولا حلول


ولا بدلیه ، فإنه أثبت عین الشخص بوجود الضمیر فی قوله « کنت سمعه » فهذه الهاء عینه ، والصفة عین الحق لا عینه ، فالشخص محل لأحکام هذه الصفات التی هی عین الحق لا غیره .

کما یلیق بجلاله ، فنعته سبحانه بنفسه لا بصفته ، فهذا الشخص من حیث عینه هو ومن حیث صفته لا هو ، وهذا من ألطف ما یکون فظهور رب فی صورة خلق عن إعلام إلهی لا تعرف له کیفیة ولا تنفک عنه بینیة .


والکرامة التی حصلت لهذا الشخص إنما هی الکشف والاطلاع لا أنه لم یکن الحق سمعه ثم کان ، والجاهل إذا سمع ذلک أداه إلى فهم محظور من حلول أو تحدید ، فبالوجه الذی یقول فیه الحق إنه سمع العبد به بعینه یقول إنه حیاة العبد وعلمه وجمیع صفاته .

فمثلا سر الحیاة سری فی الموجودات فحییت بحیاة الحق ، فهی نسب وإضافات وشهود حقائق ، والله هو العلی الکبیر عن الحلول والمحل.


الفتوحات ج 3 / 14 ، 63 ، 68 ، 184 ، 298 ، 356 ، 531 ، 557 . ج 4 / 5 ، 362 ، 449 . ""

ص 355


وإضافات وصفات. "16"

فمن تمام حکمة لقمان فی تعلیمه ابنه ما جاء به فی هذه الآیة من هذین الاسمین الإلهیین «لطیفا خبیرا»، سمى بهما الله تعالى.

فلو جعل ذلک فی الکون وهو الوجود فقال «کان» لکان أتم فی الحکمة و أبلغ.

فحکى الله قول لقمان على المعنى کما قال: لم یزد علیه شیئا وإن کان قوله إن الله لطیف خبیر من قول الله لما علم الله من لقمان أنه لو نطق متمما لتمم بهذا. "17"

وأما قوله «إن تک مثقال حبة من خردل» لمن هی له غذاء، ولیس إلا الذرة المذکورة فی قوله «فمن یعمل مثقال ذرة خیرا یره، ومن یعمل مثقال ذرة شرا یره».

فهی أصغر متغذ و الحبة من الخردل أصغر غذاء.

و لو کان ثم أصغر لجاء به  "18"  کما جاء بقوله تعالى «إن الله لا یستحیی أن یضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها».

ثم لما علم أنه ثم ما هو أصغر من البعوضة قال «فما فوقها» یعنی فی الصغر.

وهذا قول الله و التی فی «الزلزلة» قول الله أیضا.

فاعلم ذلک فنحن نعلم أن الله تعالى ما اقتصر على وزن الذرة وثم ما هو أصغر منها، فإنه جاء بذلک على المبالغة والله أعلم. "20"

وأما تصغیره اسم ابنه فتصغیر رحمة

…………………………………...

16 - راجع هامش 12 


17 -  ملاحظة *

قال تعالى فی سورة الحج « ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطیف خبیر ) .

نورد هذه الآیة لیقف القاریء أنه لا دخل فی أن یکون لقمان أتم فی الحکمة لو قال « إن الله کان لطیفا خبیرة » فإن هذا لا یغیب عن الشیخ وهو الحافظ صاحب التفاسیر والقراءات ، وقد ورد عن الأنبیاء « والله واسع علیم » ۰

فیبعد أن یکون هذا من کلام الشیخ رضی الله عنه .


18 - راجع المعنى الثابت صحته عن الشیخ فی هامش رقم 7

 

19 - نفس المعنى جاء فی الفتوحات ج 2 / 223 ، 226 وفی تفسیر القرآن 

للشیخ رضی الله عنه « إیجاز البیان فی الترجمة عن القرآن ».

 

20 - ملاحظة *

یستبعد أن یکون هذا من کلام الشیخ الذی له اکثر من تفسیر للقرآن وهو جامع للقراءات ویعلم أن الله تعالى قال فی سورة سبأ- 3 « عالم الغیب لا یعزب عنه

ص 356


و لهذا أوصاه بما فیه سعادته إذا عمل بذلک.

وأما حکمة وصیته فی نهیه إیاه أن لا تشرک بالله إن الشرک لظلم عظیم ، والمظلوم المقام حیث نعته بالانقسام وهو عین واحدة، فإنه لا یشرک معه إلا عینه وهذا غایة الجهل.

وسبب ذلک أن الشخص الذی لا معرفة له بالأمر على ما هو علیه، ولا بحقیقة الشیء إذا اختلفت علیه الصور فی العین الواحدة، وهو لا یعرف أن ذلک الاختلاف فی عین واحدة، جعل الصورة مشارکة للأخرى فی ذلک المقام فجعل لکل صورة جزءا من ذلک المقام.

ومعلوم فی الشریک أن الأمر الذی یخصه مما وقعت فیه المشارکة لیس عین الآخر الذی شارکه، إذ هو للآخر ».

فإذن ما ثم شریک على الحقیقة، فإن کل واحد على حظه مما قیل فیه إن بینهما مشارکة فیه.

وسبب ذلک الشرکة المشاعة، وإن کانت مشاعة فإن التصریف من أحدهما یزیل الإشاعة.

«قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن» هذا روح المسألة. "21"

……………………………………...

مثقال ذرة فی السموات ولا فی الأرض ، ولا أصغر من داک ولا أکبر إلا فی کاب مبین » فقد أثبت الحق مثقالا لأصغر من الذرة فی کتاب مبین.


21 - الشرک بحق

قال تعالى : « إن الله لا یغفر أن یشرک به، وکذا هو لأنه لو ستر لم یشرک به. 

وهذا الاسم الله هو الذی وقع علیه الشرک فیما یتضمنه . فشارکه الاسم الرحمن . 

قال تعالى :" قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أیا ما تدعوا فله الأسماء الحسنی » فجعل للاسم الله شریکا فی المعنى وهو الاسم الرحمن ، فالمشرکون هم الذین رفعوا على الشرکة فی الأسماء الإلهیة لأنها اشترکت فی الدلالة على الذات ، وسیزب بأعیانها بما تدل علیه من رحمة ومغفرة وانتقام وحیاة وعلم وغیر ذلک ، وإذ کان للشرک مثل هذا الوجه فقد قرب علیک مأخذ کل صفة یمکن أن نغفر ، فلا تجزع من أجل الشریک الذی شقی صاحبه ، فإن ذلک لیس بشرک على الحقیقة وأنت هو المشرک على الحقیقة ، لأن من شأن الشرکة اتحاد العین المشترک فیه. 

فیکون لکل واحد الحکم فیه على السواء وإلا فلیس بشریک مطلق ، وهذا الشریک الذی أثبته الشقی لم یتوارد مع الله على أمر یقع فیه الاشتراک ، فلیس بشرک على الحقیقة ، بخلاف السعید فإنه أشرک الاسم الرحمن بالاسم الله وبالأسماء کلها

ص 357


* * * * *

...........................


فی الدلالة على الذات ، فهو أقوى فی الشرک من هذا ، فإن الأول شریک دعوی کاذبة ، وهذا أثبت شریکا بدعوی صادقة ، فغفر لهذا المشرک بصدقه فیه ، ولم یغفر لذلک المشرک لکذبه فی دعواه ، فهذا أولى باسم المشرک من الآخر .

راجع کتابنا شرح کلمات الصوفیة « حظ الأولیاء من الصفات المذمومة » ص 392 ۰

أو راجع فتوحات ج 1 / 115 ، 138 ، 226 ، 358

ج 2 / 135 ، 136 ، 138 ، 363 ، 482 ، 616 ، 617 ، 678


""  حظ الأولیاء من الصفات المذمومة: من کتاب شرح کلمات الصوفیة

قال صلى اللّه علیه وسلم: إنما بعثت لأتمم مکارم الأخلاق.

فاعلم أن جمیع مذام الأخلاق وسفسافها، صفات مخزیة عند اللّه وفی العرف، وجمیع مکارم الأخلاق، صفات شریفة فی حق وخلق،

ألا ترى إلى قول رسول اللّه صلى اللّه علیه وسلم: إنما بعثت لأتمم مکارم الأخلاق؛

فإنه نقص منها المسمى سفسافا، فعیّن لها مصارف فعادت مکارم أخلاق، فهی إذا اتصف بها العبد فی المواطن المعینة لها، لم یلحقه خزی ولا کان ذا صفة مخزیة،

فما ثمّ إلا خلق کریم مهما زال حکم الغرض النفسی، المخالف للأمر الإلهی والحد الزمانی النبوی، فإن مکارم الأخلاق أعمال وأحوال إضافیة، لأن الناس الذین هم محل مکارم الأخلاق على حالتین، کما أن الأخلاق محمودة وهی التی تسمى مکارم الأخلاق، ومذمومة وهی التی تسمى سفساف الأخلاق، والذین تصرف معهم مکارم الأخلاق وسفسافها،

اثنان وواحد: فالواحد هو اللّه، والاثنان نفسک - إذا جعلتها منک بمنزلة الأجنبی - وغیرک وهو کل ما سوى اللّه، وکل ما سوى اللّه على قسمین وأنت داخل فیهم: عنصری وغیر عنصری،

فالعنصری تصریف الخلق معه حسی، وغیر العنصری تصریف الخلق معه معنوی، والأعمال المعبر عنها بالأخلاق على قسمین:

صالح وهو مکارمها، وغیر صالح وهو سفسافها، ولتعلم أن المخاطبین بها کما ذکرنا حر وعبد، فللعبد منها شرب وللحر منها شرب، فإذا أضفت الخلق إلى اللّه تعالى،

فکل ما سوى اللّه عبد للّه، وإذا أضفت الخلق بعضه إلى بعض، فهو بین حر وعبد، فأما حظ العبد من الأخلاق، فاعلم أن السید على الإطلاق قد أوجب وحرم، فأمر ونهى،


وقد أباح فخیر، وقد رجح فندب وکره، وما ثمّ قسم سادس، فکل عمل یتعلق به الوجوب - من أمر من السید الذی هو اللّه - بعمل أو ندب إلى عمل،

فإن العمل به من مکارم الأخلاق - مع اللّه ومع نفسک - إن کان واجبا، وإن کان مندوبا إلیه فهو من مکارم الأخلاق مع نفسک، فإن تضمن منفعة إلى الغیر ذلک العمل،

کان أیضا من مکارم الأخلاق مع غیرک، وترک هذا العمل - إذا کان على هذا الحکم - من سفساف الأخلاق، وکل عمل یتعلق به التحریم أو الکراهة،

فالتقسیم فیه کالتقسیم فی الواجب والمندوب إلیه على ذلک الحد،


فترک ذلک العمل لاتصافه بالتحریم أو الکراهة من مکارم الأخلاق، وعمله من سفساف الأخلاق، وترک العمل فیه عمل روحانی لا جسمانی، لأنه ترک لا وجود له فی العین،

وأما العمل الذی تعلق به التخییر وهو المباح، فعمله من مکارم الأخلاق مع نفسک دنیا لا آخرة، فإن اقترن مع العمل کونه عملته لکونه مباحا مشروعا، کان من مکارم الأخلاق مع اللّه ومع نفسک دنیا وآخرة، وکذلک حکمه فی ترک المباح على هذا التقسیم سواء،


فجمیع الأقسام تتعلق بالعبد، وقسم المباح یتعلق بالحر، وقسم المکروه والمندوب إلیه یتعلق بالحر، وفیه من روائح العبودیة شمة لا حقیقة، والشرع قد عین لک مکارم الأخلاق،

ولما کان من المحال أن یقوم الإنسان فی خلق کریم یرضی جمیع الخلائق، فإنه إن أرضى زیدا أسخط عدوه عمرا، لابد من ذلک، فلما رأینا الأمر على هذا الحد،

قلنا: لا نصرف مکارم الأخلاق إلا فی صحبة اللّه خاصة، فکل ما یرضی اللّه نأتیه، وکل ما لا یرضیه نجتنبه، وسواء کانت المعاملة والخلق مما یخص جانب الحق أو تتعدى إلى الغیر، وإنها وإن تعدت إلى الغیر فإنها مما یرضی اللّه، وسواء عندک سخط ذلک الغیر أو رضی، فإنه إن کان مؤمنا رضی بما یرضی اللّه،

وإن کان عدوا للّه فلا اعتبار له، فحسن الخلق إنما هو فیما یرضی اللّه، فلا تصرفه إلا مع اللّه، سواء کان ذلک فی الخلق أو فیما یختص بجناب اللّه .أهـ  (فتوحات ج 2/ 616) ""

ص 358