عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة التاسعة عشر :


شرح فصوص الحکم من کلام الشیخ الأکبر ابن العربی أ. محمود محمود الغراب 1405 هـ:

24 - فص حکمة إمامیة فی کلمة هارونیة

اعلم أن وجود هارون علیه السلام کان من حضرة الرحموت بقوله تعالى «ووهبنا له من رحمتنا» یعنی لموسى «أخاه هارون نبیا». "2"

فکانت نبوته من حضرة الرحموت فإنه أکبر من موسى سنا، وکان موسى أکبر منه نبوة.  ولما کانت 

……………………….

1 - المناسبة بین تسمیة الفص بحکمة إمامیة هی أن هارون علیه السلام کان إماما ولم یکن خلیفة بل کان خلیفة الخلیفة وهو موسى علیه السلام فلم یکن عمد هارون علیه السلام قوة الإرداع التی للخلیفة.


2 - موسى وهارون علیهما السلام *

إن موسى علیه السلام أسبق من هارون علیه السلام . فإنه أرسل قبله . فال هارون علیه السلام للشیخ « أما أنا فنبی بحکم الأصل ، وما أخذت الرسالة إلا بسؤال أخی ، فکان یوحى إلی بما کنت علیه » . الفتوحات ج 3/ 349.

على هذا یحمل کلمة «أکبر » هنا ، لا بمعنى المفاضلة فإن ذلک یخالف مذهب الشیخ فهو القائل « لا ذوق لنا ولا لغیرنا ولا لمن لیس بنبی صاحب شریعة فی نبود التشریع ولا فی الرسالة ، فکیف تکلم فی مقام لم نصل إلیه ، وعلى حال لم نذقه . لا أنا ولا غیری ممن لیس بنبی ذی شریعة من الله ولا رسول . حرام علینا الکلام فیه »

 ویقول «لا ذوق لأحد فی ذوق الرسل ، لأن أذواق الرسل مخصوصة بالرسل. وأذواق الأنبیاء مخصوصة بالأنبیاء ، وأذواق الأولیاء مخصوصة بالأولیاء .. فلا ذوق للولی فی حال من أحوال أنبیاء الشرائع ، فلا ذوق لهم فیه ، ومن أصولنا أنا لا تتکلم إلا عن ذوق ، ونحن لسنا برسل ولا أنبیاء شریعة ، فبأی شیء نعرف من أی مقام سأل موسى الرؤیة ربه ۰۰۰ » 

ویؤکد الشیخ فیقول : « إنی لست بنبی فذوق الأنبیاء لا یعلمه سواهم » . الفتوحات ج 2 / 24 ، 51 ، 85.

 

ص 359


نبوة هارون من حضرة الرحمة، لذلک قال لأخیه موسى علیهما السلام «یا بن أم» فناداه بأمه لا بأبیه إذ کانت الرحمة للأم دون الأب أوفر فی الحکم. ولو لا تلک الرحمة ما صبرت على مباشرة التربیة.

ثم قال «لا تأخذ بلحیتی ولا برأسی وفلا تشمت بی الأعداء». "3"

فهذا کله نفس من أنفاس الرحمة.

و سبب ذلک عدم التثبت فی النظر فیما کان فی یدیه من الألواح التی ألقاها من یدیه.

فلو نظر فیها نظر تثبت لوجد فیها الهدى و الرحمة.

فالهدى بیان ما وقع من الأمر الذی أغضبه مما هو هارون بری ء منه.

والرحمة بأخیه، "4"

فکان لا یأخذ بلحیته بمرأى من قومه مع کبره وأنه أسن منه.

فکان ذلک من هارون شفقة على موسى لأن نبوة هارون من رحمة الله، فلا یصدر منه إلا مثل هذا.

ثم قال هارون لموسى علیهما السلام «إنی خشیت أن تقول فرقت بین بنی إسرائیل» فتجعلنی سببا فی تفریقهم فإن عبادة العجل فرقت بینهم، فکان منهم من عبده اتباعا للسامری وتقلیدا له، ومنهم من توقف عن عبادته حتى یرجع موسى إلیهم فیسألونه فی ذلک.

فخشی هارون أن ینسب ذلک الفرقان بینهم إلیه، فکان موسى أعلم بالأمر من هارون لأنه علم ما عبده أصحاب العجل، لعلمه بأن الله قد قضى ألا یعبد إلا إیاه: و ما حکم الله بشیء إلا وقع.

فکان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر فی إنکاره وعدم اتساعه."5"

فإن العارف 

…………………………………..

3 - لما ظهر موسى علیه السلام على أخیه هارون علیه السلام بصفة القهر بأن أخذ برأسه یجره إلیه . ناداه بأشفق الأبوین فقال : « یا ابن أم » فناداه بالرحم . 

الفتوحات ج 2 / 277


4 ۔ أخذ الألواح *

لو لم یلق موسى علیه السلام الألواح ما أخذ برأس أخیه، فإن فی نسختها الهدى والرحمة ، تذکرة لموسى فکان یرحم أخاه بالرحمة ، وتنبین مسألته مع قومه ، ولما سکت عن موسى الغضب ، قبل عذر أخیه وأخذ الألواح ، فما وقعت عیناه ما کتب فیها إلا على الهدى والرحمة ، فقال « رب اغفر لی ولأخی وأدخلنا فی رحمتک وأنت أرحم الراحمین » . الفتوحات ج 2 / 277


5 ۔ ملاحظة *

هذا الکلام لا تصح نسبته إلى الشیخ لما هو ثابت عنه کما جاء فی الهامش "2"

راجع کتابنا الرد على ابن تیمیة ص 25


""   کلام الشیخ الأکبر عن مقام الأنبیاء علیهم السلام :

وأما عن مقام الأنبیاء فیقول فی:

الفتوحات الجزء الأول من الصفحة 465:

إن اللّه اصطفى من کل جنس نوعا، ومن کل نوع شخصا، واختاره عنایة منه بذلک المختار، أو عنایة بالغیر بسببه، وقد یختار من الجنس النوعین والثلاثة، وقد یختار من النوع الشخصین والثلاثة والأکثر، فاختار من النوع الإنسانی المؤمنین، واختار من المؤمنین الأولیاء، واختار من الأولیاء الأنبیاء، واختار من الأنبیاء الرسل، وفضّل الرسل بعضهم على بعض، ولولا ورود النهی من الرسول صلى اللّه علیه وسلم فی قوله: لا تفضلوا بین الأنبیاء؛ لعینت من هو أفضل الرسل، ولکن أعلمنا اللّه أنه فضل بعضهم على بعض، فمن وجد نصا متواترا فلیقف عنده أو کشفا محققا عنده.


ویقول فی الفتوحات الجزء الثانی الصفحة 5:

هذا النوع الإنسانی للّه فیه خصائص وصفوة، وأعلى الخواص فیه من العباد الرسل علیهم السلام، ولهم مقام النبوة والولایة والإیمان، فهم أرکان بیت هذا النوع، والرسول أفضلهم مقاما وأعلاهم حالا، أی المقام الذی یرسل منه أعلى منزلة عند اللّه من سائر المقامات، وهم الأقطاب والأئمة والأوتاد، الذین یحفظ اللّه بهم العالم، کما یحفظ البیت بأرکانه، فلو زال رکن منها زال کون البیت بیتا، ألا إن البیت هو الدین، ألا إن أرکانه هی الرسالة والنبوة والولایة والإیمان، ألا إن الرسالة هی الرکن الجامع للبیت وأرکانه، ألا إنها هی المقصودة من هذا النوع، فلا یخلو هذا النوع أن یکون فیه رسول من رسل اللّه، کما لا یزال الشرع الذی هو دین اللّه فیه، ألا إن ذلک الرسول هو القطب المشار إلیه، الذی ینظر الحق إلیه، فیبقى به هذا النوع فی هذه الدار ولو کفر الجمیع، ألا إن الإنسان لا یصح علیه هذا الاسم، إلا أن یکون ذا جسم طبیعی وروح، ویکون موجودا فی هذه الدار الدنیا بجسده وحقیقته، فلا بد أن یکون الرسول الذی یحفظ به هذا النوع الإنسانی، موجودا فی هذه الدار بجسده وروحه یتغذى، وهو مجلى الحق من آدم إلى یوم القیامة، ولما کان الأمر على ما ذکرناه، ومات رسول اللّه صلى اللّه علیه وسلم بعد ما قرر الدین الذی لا ینسخ، والشرع الذی لا یبدّل، ودخلت الرسل کلهم فی هذه الشریعة یقومون بها، والأرض لا تخلو من رسول حی بجسمه، فإنه قطب العالم الإنسانی، ولو کانوا ألف رسول، لابد أن یکون الواحد من هؤلاء هو الإمام المقصود، فأبقى اللّه تعالى بعد رسول اللّه صلى اللّه علیه وسلم من الرسل الأحیاء بأجسادهم فی هذه الدار الدنیا ثلاثة، وهم: إدریس علیه السلام بقی حیا بجسده، وأسکنه اللّه السماء الرابعة، والسماوات السبع هن من عالم الدنیا، وتبقى ببقائها وتفنى صورتها بفنائها، فهی جزء من الدار الدنیا، وأبقى فی الأرض أیضا إلیاس وعیسى "( لأن عیسى علیه السلام ینزل إلى الأرض أما إدریس علیه السلام فیبقى فی السماء الرابعة إلى نفخة الصعق.)"

وکلاهما من المرسلین، وهما قائمان بالدین الحنیفی الذی جاء به محمد صلى اللّه علیه وسلم، فهؤلاء ثلاثة من الرسل المجمع علیهم أنهم رسل، وأما الخضر وهو الرابع فهو من المختلف فیه عند غیرنا لا عندنا، فهؤلاء باقون بأجسامهم فی الدار الدنیا، فکلهم الأوتاد، واثنان منهم الإمامان، وواحد منهم القطب، الذی هو موضع نظر الحق من العالم، فما زال المرسلون ولا یزالون فی هذه الدار إلى یوم القیامة، وإن لم یبعثوا بشرع ناسخ، ولا هم على غیر شرع محمد صلى اللّه علیه وسلم، لکن أکثر الناس لا یعلمون.


ویقول فی کتاب «التراجم» فی باب ترجمة الاستواء:

الرسل خلفاء اللّه فی الأرض، فهم موضع نظر الحق، ومحل المعرفة، وأصحاب الولایة، فاعرف قدرک. کلام الشیخ الأکبر عن علوم الأنبیاء وأذواقهم

أما عن علوم الأنبیاء وأذواقهم، فیقول الشیخ الأکبر محی الدین ابن العربی رضی اللّه عنه فی الجزء الثانی من الفتوحات الصفحة 24: ما توقفنا عن الکلام فی مقام الرسول والنبی صاحب الشرع، إلا أن شرط أهل الطریق فیما یخبرون عنه من المقامات والأحوال، أن یکون عن ذوق، ولا ذوق لنا ولا لغیرنا ولا لمن لیس بنبی صاحب شریعة، فی نبوة التشریع ولا فی الرسالة، فکیف نتکلم فی مقام لم نصل إلیه، وعلى حال لم نذقه، لا أنا ولا غیری، ممن لیس بنبی ذی شریعة من اللّه ولا رسول، حرام علینا الکلام فیه، فما نتکلم إلا فیما لنا فیه ذوق، فما عدا هذین المقامین فلنا الکلام فیه عن ذوق، لأن اللّه ما حجّره.


الفتوحات الجزء الثانی الصفحة 51:

لا ذوق لأحد فی ذوق الرسل، لأن أذواق الرسل مخصوصة بالرسل، وأذواق الأنبیاء مخصوصة بالأنبیاء، وأذواق الأولیاء مخصوصة بالأولیاء، فبعض الرسل عنده الأذواق الثلاثة، لأنه ولی ونبی ورسول، حضرت فی مجلس فیه جماعة من العارفین، فسأل بعضهم بعضا: من أی مقام سأل موسى الرؤیة؟


فقال له الآخر: من مقام الشوق، فقلت له: لا تفعل، أصل الطریق أنها نهایات الأولیاء بدایات الأنبیاء، فلا ذوق للولی فی حال من أحوال أنبیاء الشرائع، فلا ذوق لهم فیه، ومن أصولنا أنا لا نتکلم إلا عن ذوق، ونحن لسنا برسل ولا أنبیاء شریعة، فبأی شیء نعرف من أی مقام سأل موسى الرؤیة ربه؟

نعم لو سألها ولی أمکنک الجواب، فإن فی الإمکان أن یکون لک ذلک الذوق، وقد علمنا من باب الذوق، أن ذوق مقام الرسل لغیر الرسل ممنوع، فالتحق وجوده بالمحال العقلی.


الفتوحات الجزء الثانی الصفحة 84: 

کلام اللّه للرسل لا یعرفه إلا الرسل، ولا ذوق لنا فیه، ولو عرّفنا به ما عرفناه، ولو عرفناه لکنا رسلا مثلهم، ولاحظ لنا فی رسالتهم ولا فی نبوتهم، وکلامنا لا یکون إلا عن ذوق، فاعلموا من أین نتکلم؟ وفیمن أتکلم؟ وعمن نبین؟

هذا هو أدب الشیخ الأکبر مع الأنبیاء، أهـ . ""


 ص 360


من یرى الحق فی کل شیء، بل یراه کل شیء. "6"

فکان موسى یربی هارون تربیة علم و إن کان أصغر منه فی السن.

ولذا لما قال له هارون ما قال، رجع إلى السامری فقال له «فما خطبک یا سامری» یعنی فیما صنعت من عدو لک إلى صورة العجل على الاختصاص، و صنعک هذا الشبح من حلی القوم حتى أخذت بقلوبهم من أجل أموالهم.

فإن عیسى یقول لبنی إسرائیل «یا بنی إسرائیل قلب کل إنسان حیث ماله، فاجعلوا أموالکم فی السماء تکن قلوبکم فی السماء».

وما سمی المال مالا إلا لکونه بالذات تمیل القلوب إلیه بالعبادة.

فهو المقصود الأعظم المعظم فی القلوب لما فیها من الافتقار إلیه.

ولیس للصور بقاء، فلا بد من ذهاب صورة العجل لو لم یستعجل موسى بحرقه. فغلبت علیه الغیرة فحرقه ثم نسف رماد تلک الصورة فی الیم نسفا. "7"

وقال له «انظر إلى إلهک» فسماه إلها بطریق التنبیه للتعلیم، 

……………………………………...

أما المعنى الذی یذهب إلیه الشیخ فی قوله تعالى :" وقضى ربک ألا تعبدوا إلا إیاه " معنى : "وقضى ربک ألا تعبدوا إلا إیاه "

فراجع فص 3 هامش 8 ص 70


""8 - مشاهدة الحق فی کل اعتقاد "وقضى ربک ألا تعبدوا إلا إیاه" فص 3 هامش 8 ص 70

لله رجال أعطاهم الله الفهم والاتساع وحفظ الأمانة أن یفهموا عن الله جمیع إشارات کل مشار إلیه ، وهم الذین یعرفونه فی تجلی الإنکار ، والشاهدون إیاه فی کل اعتقاد ، والحمد لله الذی جعلنا منهم إنه ولی ذلک.

قال تعالى : " وقضى ربک ألا تعبدوا إلا إیاه " أی حکم ، وقضاء الحق لا یرد . والعبادة ذلة فی اللسان المنزل به هذا القرآن ، قال تعالى : " وما خلقت الجن والإنس إلا لیعبدون" ، فإن العبادة ذاتیة للمخلوق لا یحتاج فیها إلى تکلیف .

فکما قال : « یا أیها الناس أتم الفقراء إلى الله » ولم یذکر افتقار مخلوق .لغیر الله ، قضى أن لا یعبد غیر الله ، فمن أجل حکم الله عبدت الآلهة ، فلم یکن المقصود بعبادة کل عابد إلا الله ، فما عبد شیء لعینه إلا الله .

وإنما أخطأ المشرک حیث نصب لنفسه عبادة بطریق خاص لم یشرع له من جانب الحق ، فشقی لذلک .

فإنهم قالوا فی الشرکاء « ما نعبدهم إلا لیقربونا إلى الله » فاعترفوا به وأنزلوهم منزلة النواب الظاهرة بصورة من استنابهم .

وما ثم صورة إلا الألوهیة فنسبوها إلیهم ، فکان قوله تعالی : « وقضى ربک ألا تعبدوا إلا إیاه » من الغیرة الإلهیة حتى لا یعبد إلا من له هذه الصفة .

فکان من قضائه أنهم اعتقدوا الإله ، وحینئذ عبدوا ما عبدوا ، مع أنهم ما عبدوا فی الأرض من الحجارة والنبات والحیوان ، وفی السماء من الکواکب والملائکة ، إلا لاعتقادهم فی کل معبود أنه إله لا لکونه حجرا ولا شجرة ولا غیر ذلک .

وإن أخطأوا فی النسبة فما أخطأوا فی المعبود ، فعلى الحقیقة ما عبد المشرک إلا الله ، وهو المرتبة التی سماها إلها ، لأنه لو لم یعتقد الألوهیة فی الشریک ما عبده .

فإنه ما عبد من عبد إلا بتخیل الألوهیة فیه ، ولولاها ما عبد.


ولذاک قال تعالى : " وقضى ربک ألا تعبدوا إلا إیاه " فما عبد أحد سوى الله ، حتى المشرکون ما عبدوه إلا فی الهیاکل المسماة شرکاء ،فما عبدت إلا الألوهیة فی کل من عبد من دون الله.

لأنه ما عبد الحجر لعینه ، وإنما عبد من حیث نسبة الألوهة له ، فإن المشرک ما عبد شیئا إلا بعد ما نسب إلیه الألوهة ، فما عبد إلا الله ..

فالکامل من عظمت حیرته و دامت حسرته ، ولم ینل مقصوده لما کان معبوده ، وذلک أنه رام تحصیل ما لا یمکن تحصیله ، وسلک سبیل من لا یعرف سبیله .

والأکمل من الکامل من اعتقد فیه کل اعتقاد ، وعرفه فی الإیمان والدلائل وفی الإلحاد ، فإن الإلحاد میل إلى اعتقاد معین، من اعتقاد ، فاشهدوه بکل عین إن أردتم إصابة العین ، فإنه عام التجلی ، له فی کل صورة وجه ، وفی کل عالم حال .

الفتوحات ج1 ص  238 , 405 , 589 .  ج2 ص 92 , 212 , 326 , 498.  ج4 ص 100 , 101 , 415 . ""


6 - راجع وحدة الوجود  فص 1 هامش  ص


7 - قصة السامری *

إنما کان عجلا لأن السامری لما مشى مع موسى علیه السلام فی السبعین الذین مشوا معه ، کشف الله عنه غطاء بصره ، فما وقعت عینه إلا على الملک الذی على صورة الثور ، وهو من حملة العرش ، لأنهم أربعة وأحد على صورة أسد، وآخر على صورة نسر ، وآخر على صورة ثور ، ورابع على صورة إنسان ، 


فلما أبصر السامری العجل تخیل أنه إله موسى الذی یکلمه ، فصور لهم العجل وصاغه من حلیهم ، لیتبع قلوبهم أموالهم ، لعلمه أن المال حبه منوط بالقلب ، وعلم أن حب المال یحجبهم أن ینظروا فیه هل یضر أو ینفع أو یرد علیهم قولا إذا سألوه ، وکان قد عرف جبریل حین جاءه وأنه لا یمر بشیء إلا حیى بمروره فقبض قبضة من أثر فرس جبریل ورمى بها فی العجل ، فحیى العجل وخار لأنه عجل ، والخوار صوت البقر « فقالوا » وقال لهم « هذا إلهکم وإله موسى فنسی » أی ونسی السامری إذا سأله عابدوه «انه لا یرجع إلیهم قولا ولا یملک لهم ضرا ولا تفعا » ، فقال تعالى


ص 361


…………………………………..

« أفلا یرون ألا یرجع إلیهم قولا ولا یملک لهم ضرا ولا نفعا ، أی إذا سئل لا ینطق، والله یکون متصفا بالقول « ولا یملک لهم ضرا ولا نفعا ، أی لا ینتفعون به ، ومن لا یدفع الضر عن نفسه کیف یدفع الضر عن غیره . 

ولقد قال لهم هارون من قبل یا قوم إنما فتنتم به وإن ربکم الرحمن فاتبعونی وأطیعوا أمری ، 

قوله « إنما فتنتم به » أی اختبرتم به لتقوم الحجة الله علیکم إذا سئلتم « وإن ربکم الرحمن » ومن رحمته به أن أمهلکم ورزقکم مع کونکم اتخذتم إلها تعبدونه غیره سبحانه ، 

ثم قال لهم « فاتبعونی » لما علم أن فی اتباعهم إیاه الخیر « وأطیعوا أمری » لکون موسى علیه السلام أقامه فیهم نائبا عنه « قالوا لن نبرح علیه » « یریدون عبادة العجل » عاکفین « أی ملازمین » حتى یرجع إلینا موسى الذی بعث إلینا وأمرنا بالإیمان به ، فحجبهم هذا النظر أن ینظروا فیما أمرهم هارون علیه السلام . فلما رجع موسى إلى قومه ، وجدهم قد فعلوا ما فعلوا ، 


فألقى الألواح من یده و « قال یا هارون ما منعک إذا رأیتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصیت أمری » وأخذ برأس أخیه یجره عقوبة له بتأنیه فی قومه


فناداه هارون علیه السلام بأمه فإنها محل الشفقة والحنان « قال یا بنتوم لا تأخذ بلحیتی ولا برأسی إنی خشیت أن تقول فرقت بین بنی إسرائیل ولم ترقب قولی » یقول « إنی خشیت » لما وقع ما وقع من قومت أن تلومنی على ذلک وتقول « فرقت بین بنی إسرائیل ولم ترقب » أی تلزم « قولی » « الذی أوصیتک به » 

ولما سکت عن موسى الغضب قبل عذر أخیه ، وأخذ الألواح ، فما وقعت عیناه مما کتب فیها إلا على الهدى والرحمة ، 

فقال « رب اغفر لی ولأخی وأدخلنا فی رحمتک وأنت أرحم الراحمین ، 


وأما الذین عبدوا العجل فما أعطوا النظر الفکری حقه للاحتمال الداخل فی القصة ، فما عذرهم الحق ، ولا وفی عابدوه النظر فی ذلک ، 

ثم رد موسی وجهه إلى السامری « قال ما خطبک یا سامری » أی

*  راجع ما تحته خط من المتن وهامش 5 ، ص 360


ص 362

 

…………………………………….

ما حدثک یا سامری " قال " له السامری " بصرت بما لم یبصروا به "، وهو ما رآه من صورة الثور الذی هو أحد حملة العرش ، فظن أنه إله موسى الذی یکلمه ، فلذلک صنعت لهم العجل ، وعلمت أن جبریل ما یسر بوضع إلا حیی به لأنه روح لذلک « فقبضت قبضة من أثر الرسول » جبریل لعلمی بتلک القبضة « فنبذتها » فی العجل فخار « وکذلک سولت لی نفسی » فما فعله السامری إلا عن تأوبل  فضل وأضل . 


قال ابن عباس : ما وطیء جبریل علیه السلام قط موضعة من الأرض إلا حیى ذلک الموضع - فلما أبصر السامری جبریل علیه السلام حین جاء لموسى علیه السلام ، وعرفه وعلم أن روحه عین ذاته وأن حیاته حیاة ذاتیة فلا یطأ موضعا إلا حیى ذلک الموضع بمباشرة تلک الصورة الممثلة إیاه ، وعلم أن وطأته یحیا بها ما وطئه من الأشیاء ، فقبض قبضة من أثر الرسول ، فلما صاغ. العجل وصوره نبذ فیه تلک القبضة فحیی ذلک العجل وخار ، وکان ذلک من إلقاء الشیطان فی نفس السامری ، لأن الشیطان، یعلم منزلة الأرواح ، 


فوجد السامری فی نفسه هذه القوة ، وما علم أنها من إلقاء إبلیس من حرصه على إضلاله بما یعتقده من الشریک الله تعالى « قال فاذهب فإن لک فی الحیاة أن تقول لا مساس ، وإن لک موعدا لن تخلفه ، وانظر إلى إلهک الذی ظلت علیه عاکفا لنحرقنه ثم لننسفنه فی الیم نسفا» 


وإذا حرقه ونسفه لم ینتفع به ، فإنه لو أبقاه دخلت علیهم الشبهة، بما یوجد فی ذلک الحیوان من الضرر والنفع « إنما إلهکم الله الذی لا إله إلا هو ، وسع کل شیء علما » 

هذا التوحید هو الثامن عشر فی القرآن وهو توحید السعة من توحید الهویة ، وهو توحید تنزیه لئلا یتخیل فی سعته الظرفیة للعالم ، 

فقال إن سعته علمه بکل شیء لا أنه ظرف لشیء ، وسبب هذا التوحید لما جاء فی قصة السامری 

وقوله عن العجل لما نبذ فیه ما قبضه من أثر الرسول ، فکان العجل ظرفا لما تبذ فیه ، فلما

 

ص 36


لما علم أنه بعض المجالی الإلهیة:  "8" «لنحرقنه» فإن حیوانیة الإنسان لها التصرف فی حیوانیة الحیوان لکون الله سخرها للإنسان، ولا سیما و أصله لیس من حیوان، فکان أعظم فی التسخیر لأن غیر الحیوان ما له إرادة بل هو بحکم من یتصرف فیه من غیر إبائه.


وأما الحیوان فهو ذو إرادة وغرض فقد یقع منه الإباءة فی بعض التصریف: فإن کان فیه قوة إظهار ذلک ظهر منه الجموح لما یریده منه الإنسان وإن لم یکن له هذه القوة أو یصادف غرض الحیوان انقاد مذللا لما یریده منه، ، کما ینقاد مثله لأمر 

………………………………...

خار العجل .

قال «هذا إلهکم وإله موسى» فقال الله «إنما إلهکم الله الذی لا إله إلا هو» لا ترکیب فیه " وسع کل شیء علما "، أی هو عالم بکل شیء أکذب السامری فی قوله ، ثم نصب لهم الأدلة على کذب السامری مع کون العجل خار .


"یتضح للقارىء مما أثبتناه مما صح نسبته للشیخ هنا من تفسیر مدى التزام الشیخ الأدب مع حضرة النبوة ، فلا یتصور منه أن یتکلم بما وقع فی هذا الفص مما جرى بین موسى وهارون علیهما السلام وهو الذی یرفض أن یتکلم أحد عن أی مقام سأل فیه موسى الرؤیه فکیف یصح ما ذکر هنا من قوله إن موسى علیه السلام اکبر نبوة من هارون ، وأنه أعلم بالأمر من هارون ، وأن موسى علیه السلام عتب اخاه هارون على إنکاره على قومه عبادة العجل وعدم اتساع هارون علیه السلام وأن موسى کان یربی هارون تربیة علم کل هذا لا یصح إطلاقا نسبته إلى الشیخ مع تقریره المبادىء التی أوردناها "

فی الهامش رقم 2 ومع ثبت ما أوردناه عنه فی هذا الهامش . 

الفتوحات ج 1 / 168 ، 327 ، 584 - ج 2 / 277 ، 413 - ج 3 / 346 - کتاب الإسفار عن نتائج الأسفار.


8 -  ملاحظة "لما علم أنه بعض المجالی الإلهیة" *

هذا الشاهد لا یتناسب إطلاقا مع المقصود من إثباته فی هذا النص وهو أن الحق عام التجلی ، له فی کل وجه صورة ، وفی کل عالم حال ، فإن ما أورده فی هذا العنی فی شرح تفسیره لقوله تعالى :" وقضى ربک ألا تعبدوا إلا إیاه " أکثر مناسبة ووضوحا ودلالة من تکلف هذا الشاهد، وهو ما أشرنا إلیه فی مقدمتنا ص 7

 

ص 364


فیما رفعه الله به من أجل المال الذی یرجوه منه المعبر عنه فی بعض الأحوال بالأجرة فی قوله «ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات لیتخذ بعضهم بعضا سخریا».

فما یسخر له من هو مثله إلا من حیوانیته لا من إنسانیته: فإن المثلین ضدان، فیسخره الأرفع فی المنزلة بالمال أو بالجاه بإنسانیته ویتسخر له ذلک الآخر إما خوفا أو طمعا من حیوانیته لا من إنسانیته: فما تسخر له من هو مثله أ لا ترى ما بین البهائم من التحریش لأنها أمثال؟

فالمثلان ضدان، ولذلک قال ورفع بعضکم فوق بعض درجات: فما هو معه فی درجته.

فوقع التسخیر من أجل الدرجات.

والتسخیر على قسمین: تسخیر مراد للمسخر، اسم فاعل قاهر فی تسخیره لهذا الشخص المسخر کتسخیر السید لعبده وإن کان مثله فی الإنسانیة، وکتسخیر السلطان لرعایاه، وإن کانوا أمثالا له فیسخرهم بالدرجة.

والقسم الآخر تسخیر بالحال کتسخیر الرعایا للملک القائم بأمرهم فی الذب عنهم وحمایتهم و قتال من عاداهم و حفظه أموالهم و أنفسهم علیهم.

وهذا کله تسخیر بالحال من الرعایا یسخرون فی ذلک ملیکهم، و یسمى على الحقیقة تسخیر المرتبة. فالمرتبة حکمت علیه بذلک.

فمن الملوک من سعى لنفسه، و منهم من عرف الأمر فعلم أنه بالمرتبة فی تسخیر رعایاه، فعلم قدرهم و حقهم، فآجره الله على ذلک أجر العلماء بالأمر على ما هو علیه وأجر مثل هذا یکون على الله فی کون الله فی شئون عباده. "9"

فالعالم کله مسخر بالحال من لا یمکن أن یطلق علیه 

…………………………………………….

9 - التسخیر

قال تعالى « ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات لیتخذ بعضهم بعضا سخریا» الآیة

ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات " یعنی الخلق" ، فدخل فیه جمیع بنی آدم دنیا و آخرة ، فجعل تعالى العالم فاضلا مفضولا ، ومن وجه آخر ، 

« ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات » بإعطاء کمال الإنسانیة بالصورة الإلهیة التی خلق علیها بعضهم « لیتخذ بعضهم ، وهم الذین رفعهم الله " بعضا"،


وهم الأناسی الحیوانیون « سخریا » فجعل تعالی علة التسخیر رفعة بعضنا على بعض بالدرجة التی یحتاج إلیها المسخر له ، 

فإن الله قد جعل العالم على مراتب ودرجات مفتقرا بعضه إلى بعض ، وأعلم أن التسخیر قد یکون إذلالا وقد یکون القیام بما یحتاج إلیه ذلک المسخر له بالحال ، وهذا الفرقان بین التسخیرین بما تعطیه حقیقة المسخر والمسخر له،

 

ص 365


أنه مسخر. قال تعالى «کل یوم هو فی شأن».  "10"

فکان عدم قوة إرداع هارون 

……………………………..

فالعبد الذی هو الإنسان مسخر لفرسه ودابته فینظر منها فی سقیها و علفها وتفقد أحوالها مما فیه صلاحها وصحتها وحیاتها ، وهی مسخرة له بطریق الإذلال لحمل أثقاله ورکوبه واستخدامه إیاها فی مصالحه ، وهکذا فی النوع الإنسانی برفع الدرجات بینهم فبالدرجة یسخر بعضهم بعضا ، 

فتقضی درجة الملک أن یسخر رعیته فیما یریده بطریق الإذلال للقیام بمصالحه لافتقاره إلى ذلک ، وتقتضی درجة الرعایا والسوقه أن تسخر الملک فی حفظها والذب عنها وقتال عدوها والحکم فیما یقع بینها من المخاصمات وطلب الحقوق ، فهذه سخریة قیام لا سخریة إذلال اقتضتها درجة السوقة ودرجة الملک ، 


وبذلک یکون الخلق مسخرا اسم فاعل ومسخرة اسم مفعول، ففی رفع الدرجات جعل الله التسخیر بحسب الدرجة التی یکون فیها العبد أو الکائن فیها ، کان من کان ، فیقتضی الکائن فیها أن یسخر له من هو فی غیرها ، ویسخره أیضا من هو فی درجة أخرى ، وقد تکون درجة المسخر اسم مفعول أعلى من درجة المسخر اسم فاعل ولکن فی حال تسخیر الأرفع بما سخره فیه ، شفاعة المحسن فی المسیء إذا سأل المسیء الشفاعة فیه ، وفی حدیث النزول فی الثلث الباقی من اللیل غنیة وکفایة وشفاء لما فی الصدور من عقل (1) ، 

ولما کانت الدرجة حاکمة اقتضى أن یکون الأرفع مسخرا اسم مفعول ، وتکون أبدأ تلک الدرجة أنزل من درجة المسخر اسم فاعل ، والحکم للأحوال ، 

کدرجة الملک فی ذبة عن رعیته وقتاله عنهم وقیامه بمصالحهم ، والدرجة تقتضی له ذلک ، والتسخیر یعطیه النزول فی الدرجة عن درجة المسخر له اسم مفعول . 

الفتوحات  ج 3 / 287 ، 405 ، 442 - ج 4 / 227


10 - "یسأله من فی السموات والأرض کل یوم هو فی شأن " الآیة

« یسأله من فی السموات والأرض » بلسان حال ولسان مقال ، وهکذا ینبغی أن یکون الملک یستشرف کل یوم على أحوال أهل ملکه ، فما له شغل إلا بها، فیقول تعالى « کل یوم هو فی شأن » الیوم هنا قدر نفس المتنفس فی الزمان الفرد ،


(1) إشارة لما تحته خط فی المتن ص 365 مع اختلاف فی انتقاء اللفظ .


ص  366

 

بالفعل أن ینفذ فی أصحاب العجل بالتسلیط على العجل کما سلط موسى علیه، حکمة 

……………………………………………………...

فإن الأیام کثیرة ، منها کبیر وصغیر ، وأصغر الأیام الزمن الفرد الذی لا یقبل القسمة ، فسمی الزمان الفرد یوما لأن الشأن یحدث فیه ، فهو أصغر الأزمان وأدقها ولا حد لأکبرها یوقف عنده ، وبینهما أیام متوسطة ، 

أولها الیوم المعلوم فی العرف وتفصله الساعات ، فالیوم فی هذه الآیة هو الزمن الفرد فی کل شیء الذی لا ینقسم ، وأنشأن هو ما یحدثه الله من التغییرات فی الأکوان ، وهو ما نحن فیه ، وهو بخلقه . 

فالشأن لیس إلا الفعل ، وهو ما یوجده الله فی کل یوم من أصغر الأیام ، فوصف الحق نفسه أنه « کل یوم فی شأن ، یعنی أنه هو فی شؤون ، ولیست التصریفات والتقلیبات والعالم سوى هذه الشؤون التی الحق فیها ، 


وذلک راجع إلى التحول الإلهی فی الصور الوارد فی الصحیح، فمن هناک ظهر التغییر فی الأکوان أبد الآبدین إلى غیر نهایة لتغیر الأصل ، ومن هذه الحقیقة ظهر حکم الاستحالة فی العالم وهو الشؤون المختلفة ، لأنه ما ثم إلا الله والتوجه وقبول الممکنات لما أراد الله بذلک ، 


فالحق فی شؤون على عدد ما فی الوجود من أجزاء العالم الذی لا ینقسم ، کل جزء منه بهذا الشرط ، فهو فی شأن مع کل جزء من العالم ، بأن یخلق فیه ما یقیه سوی ما یحدثه مما هو قائم بنفسه فی کل زمان فرد ، 

وتلک الشؤون أحوال المخلوفین وهم المکحال لوجودها ، فإنه فیهم یخلق تلک الشؤون دائمة ، وهی الأحوال ، فهی أعراض تعرض للکائنات یخلقها فیهم . 


عبر عنها بالشأن الذی هو فیه ، دنیا وآخرة ، فلا یزال العالم من خلقه الله إلى غیر نهایة فی الآخرة والوجود فی أحوال توالى علیه ، الله خالقها دائما ، بتوجهات إرادیة ، فشؤون الحق لا تظهر إلا فی أعیان الممکنات ، وشؤون الحق هی عین استعدادک ، فلا یظهر فیک من شؤون الحق التی هو علیها إلا ما یطلبه استعدادک فإن حکم استعداد الممکن بالإمکان أدى إلى أن یکون شأن الحق فیه الإیجاد ، ألا ترى أن المحال لا یقبله ، فشؤون الحق هی أحوال خلقه یجددها لهم فی کل یوم ، أی زمان فرد .

فلا یتمکن للعالم استقرار على حالة واحدة وشان واحد ، لأنها أعراض والأعراض لا تبقى زمانین مطلقا ، فلا وجود لها إلا زمان


ص 367


من الله تعالی ظاهرة فی الوجود لیعبد فی کل صورة . وإن ذهبت تلک الصورة بعد

……………………………………………….

وجودها خاصة ، ثم یعقبها فی الزمان الذی یلی زمان وجودها الأمثال والأضداد ، فأعیان الجواهر على هذا لا تخلو من أحوال ، ولا خالق لها إلا الله ، فالحق فی شؤون أبدا ، فإنه لکل عین حال ، فللحق شؤون حاکمة إلى غیر نهایة ولا بلوغ غایة ، ولنا الأحوال ، 

فلیس فی العالم سکون البتة وإنما هو متقاب أبدا دائما ، من حال إلى حال ، دنیا وآخرة ، ظاهرا وباطنا ، إلا أن ثم حرکة خفیة وحرکة مشهودة ، فالأحوال تتردد وتذهب على الأعیان القابلة لها ، والحرکات تعطی فی العالم آثارا مختلفة ، 


ولولاها ما تناهت المدد ولا وجد حکم العدد ، ولا جرت الأشیاء إلى أجل مسمى ، ولا کان انتقال من دار إلى دار ، فمن المحال ثبوت العالم زمانین على حالة واحدة ، فمن المحال بقاء حال على عین تفسین أو زمانین للاتساع الإلهی لبقاء الافتقار على العالم إلى الله ، فالتغییر له فی کل نفس ، والله خالق فیه فی کل نفس ، فالأحوال متجددة مع الأنفاس على الأعیان .


واعلم أن الأسماء الإلهیة التی یظهر بها الحق فی عباده ، وبها یتلون العبد فی حالاته ، هی فی الحق أسماء وفینا تلوینات ، وهی عین الشؤون التی هو فیها الحق ، فکل حال فی الکون هو عین شأن إلهی ، 


فالعالم کله على الصورة ولیس هو غیر الشؤون التی یظهر بها ، وهذه الانتقالات فی الأحوال من أثر کونه کل یوم هو فی شان ، فالشؤون الإلهیة هی الاستحالات فی الدنیا والآخرة ، فلا یزال الحق یخلع صورة فیلحقها بالثبوت والعدم ، 

ویوجد صورة من العدم فی هذا الملأ ، فلا یزال التکوین والتغییر فیه أبدا، ویتمیز الحق عن الخلق بأنه یتقلب فی الأحوال لا تتقلب علیه الأحوال ، لأنه یستحیل أن یکون للحال على الحق حکم ، بل له تعالى الحکم علیها ،

فلهذا یتقلب فیها ولا تنقلب علیه ، فإنها لو تقلبت علیه أوجبت له أحکاما ، وعین العالم لیس کذلک ، تقلب علیه الأحوال فتظهر فیها أحکامها ، وتقلیبها علیها بید الله تعالى ، ولولا الأحوال ما تمیزت الأعیان ، فإنه ما ثم إلا عین واحدة تمیزت

 

ص 368


…………………………………………...

بذاتها عن واجب الوجود کما اشترکت معه فی وجوب الثبوت ، فله تعالى الثبوت والوجود ، ولهذه العین وجوب الثبوت ، فالأحوال لهذه العین کالأسماء الإلهیة للحق ، فکما أن الأسماء للعین الواحدة لا تعدد المسمى ولا تکثره ، 


کذلک الأحوال لهذه العین لا تعددها ولا تکثرها ، مع معقولیة الکثرة والعدد فی الأسماء والأحوال ، فجعل لهذه العین الکمال بالوجود الذی هو من جملة الأحوال التی تقلب علیها .


فما نقصها من الکمال إلا فی حکم وجوب الوجود ، للتمییز بینها وبین الله ، 

إذ لا یرتفع ذلک ولا یصح لها فیه قدم، وهو تعالى فی شؤون العالم بحسب ما یقتضیه الترتیب الحکمی ، فشأنه غدا لا یمکن أن یکون إلا فی غد ، وشأن الیوم لا یسکن أن یکون إلا الیوم ، وشأن أمس لا یمکن أن یکون إلا أمس ، 


هذا کله بالنظر إلیه تعالى ، وأما بالنظر إلى الشأن یمکن أن یکون فی عیر الوقت الذی نکون فیه لو شاء الحق تعالى ، وما فی مشیئته جبر ولا تحیر ، تعالى الله عن ذلک ، بل لیس للمشیئة إلا تعلق واحد لا غیر ، 

فکل یوم هو فی شأن ، وهو ما یحدث فی أصغر یوم فی العالم من الآثار الإلهیة والانفعالات من ترکیب و تحلیل وتصعید وتنزیل وإیجاد وشهادة ، وکنى عز وجل عن هذا الیوم الصغیر بالیوم المعروف فی العامة ، فوسع فی العبارة من أجل فهم المخاطبین 


وقال « یسأله من فی السموات والأرض کل یوم هو فی شأن » فالشأن مسألة السائلین ، فإنه ما من موجود إلا وهو سائله تعالى ، لکن هم على مراتب فی السؤال ، فأما الذین لم یوجدهم الله تعالى عن سبب فإنهم یسألونه بلا حجاب ، لأنهم لا یعرفون سواه علما وغیبة ، 

ومنهم من أوجده الله تعالی عند سبب یتقدمه ، وهو أکثر العالم ، وهم فی سؤاله على قسمین ، منهم من لم یقف مع سببه أصلا ولا عرج علیه وفهم من سببه أنه یدل على ربه لا على نفسه ، 

فسؤال هذا الصنف کسؤال الأول بغیر حجاب ، ومنهم من وقف مع سببه ، وهم على قسمین ، منهم من عرف أن هذا سبب قد نصبه الحق وأن وراءه مطلبا آخر فوقه وهو المسبب له ، ولکن ما تمکنت قدمه فی درج المعرفة لموجد السبب ، فلا یسأله إلا بالسبب


ص 369


……………………………..

لأنه أقوى للنفس ، ومنهم من لم یعرف أن خلف السبب مطلبا ولا أن ثم سببا ، فالسبب عنده نفس المسبب ، فهذا جاهل ، فسأل السبب فیما یضطر إلیه لأنه تحقق عنده أنه ربه ، فما سأل إلا الله ، لأنه لو لم یعتقد فیه القدرة على ما سأله فیه لما عبده ، وذلک لا یکون إلا الله ، فهو ما سأل إلا الله ، 


ومن هذا المقام یجیبه الحق على سؤاله ، لأنه المسئول ولکن بهذه المثابة ، فعلى هذا هو المسئول بکل وجه وبکل لسان وعلى کل حال ، والمشهود له بالقدرة المطلقة النافذة فی کل شیء ، 

فما من جوهر فرد فی العالم إلا وهو سائله سبحانه فی کل لحظة وأدق من اللحظة ، لکون العالم فی کل لطیفة ودقیقة مفتقرا إلیه ومحتاجا ، أولها فی حفظه لبقاء عینه ومسک الوجود علیه بخلق ما به بقاؤه ، 

ولیس من شرط السؤال هنا بالأصوات فقط ، وإنما السؤال من کل عالم بحسب ما یلیق به ویقتضیه أفقه وحرکة فلکه ومرتبته ، وقد قال تعالى فیما شرف سلیمان به أنه علمه منطق الطیر ، فعرف لغتها ، وتبسم ضاحکا من قول النملة للنمل ، وفی القرآن وفی الأخبار الصحیحة من هذا کثیر ، فکلام کل جنس ما یشاکله وعلى حسب ما یلیق بنشأته ویعطیه استعداد القبول للروحانیة الإلهیة الساریة فی کل موجود ، وکل یعمل على شاکلته ، 


فما من موجود بعد هذا إلا ویتفق منه السؤال ، فشأنه فی کل دقیقة خلق السؤال فی السائلین وخلق الإجابة بقضاء الحاجات ، وتنزل على أصحابها بحسب دورة الفلک الذی یخلق منه الإجابة ، فإن کان الفلک بعیدا أعنی حرکة التقدیر التی بها تنزل على صاحبها بعد کذا وکذا حرکة فتتأخر الإجابة ، وقد تتأخر للدار الآخرة بحسب حرکتها ، 

وإن کان فلکها قریبة أعنی حرکة التقدیر التی خلقت الإجابة فیها ظهر الشیء فی وقته أو یقرب ، ولهذا أخبر النبی علیه السلام أن کل دعوة مجابة ، لکن لیس من شرطها الإسراع فی الوقت ، فمنها المؤجل والمعجل بحسب الذی بلغ حرکة التقدیر ، فلا زال الخالق فی شأن فلا تزال هذه الأیام دائمة أبدا ، 

ولا یزال الأثر والفعل والانفعال فی الدنیا والآخرة ، وقد أثبت الحق تعالی دوام هذه الأیام فقال « خالدین فیها ما دامت السموات


ص 370


ذلک فما ذهبت إلا بعد ما تلبست عند عابدها بالألوهیة. "11"

ولهذا ما بقی نوع من الأنواع إلا وعبد إما عبادة تأله و إما عبادة تسخیر.

فلا بد من ذلک لمن عقل. وما عبد شیء من العالم إلا بعد التلبس بالرفعة عند العابد والظهور بالدرجة فی قلبه: و لذلک تسمى الحق لنا برفیع الدرجات، ولم یقل رفیع الدرجة . فکثر الدرجات فی عین واحدة. "12"

فإنه قضى ألا یعبد إلا إیاه فی درجات کثیرة مختلفة أعطت کل

………………………………………………….

والأرض » وخلودهم لا یزال هؤلاء فی الجنة وهؤلاء فی النار ، والسموات والأرض لا تزال والأیام دائمة لا تزال دائرة أبدا بالتکوین ، فالتنوعات والتبدیلات ینبغی للعاقل أن لا ینکرها ، فإن الله فی حق کل موجود فی العالم شانا ، فانظر فی هذا التوسع الإلهی ما أعظمه . 

الفتوحات ج 1 / 292 ، 295 ، 401 - ج 2 / 77 ، 171 ، 206 ، 287 ، 384 ، 431 ، 446 ، 520 ، 539 - ج 3 / 198 ، 199 ، 224 ، 254 ، 287 ، 295 ، 303 ، 314 ، 344 ، 395 - ج 4 / 267 ، 374 ، 424 ، 426 -  کتاب الشأن . 

 

11 - ملاحظة *

راجع هامش رقم 8 - وهذه الفقرة شاهد آخر على تدنی الاستدلال مما لا یصح نسبته للشیخ رضی الله عنه .

 

12 - رفیع الدرجات *

هذا المعنى الذی ورد فی هذا الفص یخالف تماما ما ذکره الشیخ بخط یده فی شرح معنى « رفیع الدرجات » فتجده فیما أقدمه یراعی المناسبة فی ورود الاسم ومعناه ، والاستشهاد بهذا الاسم هنا فی هذا الفص لا یتناسب مع ما جاء ذکره فی الآیة حیث ورد هذا الاسم عند قوله تعالى « رفیع الدرجات یلقی الروح من أمره على من یشاء من عباده لینذر یوم التلاق ».


فیقول فی ذلک الشیخ رضی الله عنه : « رفیع الدرجات » فالرفعة له سبحانه بالذات وهی للعبد بالعرض ، وجعل له سبحانه درجات یظهر فیها لعباده ، فإن لکل اسم من الأسماء الإلهیة مرتبة لیست للآخر ، والمراتب لا تتناهى وهی الدرجات ، وفیها رفیع وأرفع ، وما ثم رتبة إلا رفیعة ، وتقع المفاضلة فی الرفعة ، ودرجات الحق لیست لها نهایة ، لأن التجلی فیها ولیس له نهایة ، ومن جهة أخرى فإن قوله « رفیع الدرجات » إنما ذلک على خلقه،

 

ص  371


درجة مجلى إلهیا عبد فیها.

وأعظم مجلى عبد فیه و أعلاه «الهوى» کما قال «أفرأیت من اتخذ إلهه هواه» وهو أعظم معبود، فإنه لا یعبد شیء إلا به، ولا یعبد هو إلا بذاته، و فیه أقول: 

وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى ... ولو لا الهوى فی القلب ما عبد الهوى  "13"


……………………………………...


فبالرتبة علم الفاضل والمفضول ، وبها میز بین الله والعالم ، وبها ظهرت حقائق ما هی علیه الأسماء الإلهیة من عموم التعلق وخصوصه « ذو العرش » ومن هذه المنزلة تنزل النبوة ینزلها رفیع الدرجات ذو العرش على العبد بأخلاق صالحة وأعمال مشکورة حسنة عند العامة تعرفها القلوب ولا تنکرها النفوس، وتدل علیها العقول، وتوافق الأغراض وتزیل الأمراض ، فإذا وصلوا إلى هذه المنزلة ، 


فتلک منزلة الإنباء الإلهی المطلق لکل من حصل فی تلک المنزلة من رفیع الدرجات ذی العرش ، فإن نظر الحق من هذا الواصل إلى تلک المنزلة نظر استنابة وخلافة ، ألقى الروح بالإنباء من أمره على قلب ذلک الخلیفة المعتنی به ، فتلک نبرة التشریع

قال تعالى : " یلقی الروح من أمره على من یشاء من عباده "،

وقال تعالى : "وکذلک أوحینا إلیک روحا من أمرنا ".

وقال : "ینزل الملائکة بالروح من أمره على من یشاء من عباده " مثل ذلک "لینذر یوم التلاق" - یوم هم بارزون - نبوة تشریع لا نبوة عموم ، نزل به الروح الأمین على قلبک لتکون من المنذرین ، فالإنذار مقرون أبدا بنبوة التشریع . 

الفتوحات ج 2 / 90 ، 469 - ج 3 / 178 - ج 4 / 227 


13 - الهوى *

هناک فرق کبیر بین ما جاء فی هذا الفص من قوله « وأعظم مجلی عبد فیه (أی الحق تعالی) وأعلاه " الهوى " وبین ما جاء به الشیخ وهو قوله « إن الهوى أعظم إله متخذ عبد »، وسنوضح الفارق فی الاستدلال .

فیما جاء به الشیخ حیث یقول فی الفتوحات المکیة :ج 3 / 117 ما یلی

 اعلم أنه لولا الهوى ما عبد الله فی غیره ، وأن الهوى أعظم إله متخذ عبد فإنه لنفسه حکم ، وهو الواضع کل ما عبد وفیه قلت : 

وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى …  ولولا الهوى فی القلب ما عبد الهوى


ص 372


ألا ترى علم الله بالأشیاء ما أکمله، کیف تمم فی حق من عبد هواه و اتخذه إلها فقال «وأضله الله على علم» و الضلالة الحیرة: و ذلک أنه لما رأى هذا العابد ما عبد إلا هواه بانقیاده لطاعته فیما یأمره به من عبادة من عبده من الأشخاص، حتى إن عبادته لله کانت عن هوى أیضا، لأنه لو لم یقع له فی ذلک الجناب المقدس هوى وهو الإرادة 

………………………………..

قال تعالى: «أفرأیت من اتخذ إلهه هواد وأضله الله على علم» فلولا قوة سلطانه فی الإنسان ما أثر مثل هذا الأثر فیمن هو على علم بأنه لیس بإله ، فإذا جسده قرره على ما حکم به فیمن قام به فحار وجاء وباله علیه فعذب فی صورته . 

ویقول فی الفتوحات ج 3 / 364 : 


الکون موصوف بالتحجیر ، فتوجه علیه الخطاب بانه لا یحکم بکل ما یرید بل بما شرع له ، ثم إنه لما قیل له « احکم بین الناس بالحق ولا تتبع الهوى » أی لا تحکم بکل ما یخطر لک . ولا بما یهوى کل أحد منک ، بل احکم بما أوحی به إلیک ۰۰۰ فدل التحجیر على الخلق فی الأهواء أن لهم الإطلاق بما هم فی نفوسهم ، ثم حدث التحجیر فی الحکم والتحکم ۰۰. فلیست الأهواء إلا مطلق الإرادات ۰۰۰ 

ثم لتعلم أن الهوى وإن کان مطلقا فلا یقع له حکم إلا مقیدة ، فإنه من حیث القابل یکون الأثر ، فالقابل لابد أن یقیده . 


فإنه بالهوى یرید القیام والقعود من العین الواحدة التی تقبلهما على البدل فی حال وجود کل واحد منهما فی تلک العین ، والقابل لا یقبل ذلک ، فصار الهوى محجورة علیه بالقابل ، فلما قبل الهوى التحجیر بالقابل علمنا أن هذا القبول له قبول ذاتی ، فحجر الشرع علیه فقبله وظهر حکم القابل فی الهوى ظهوره فی مطلق الإرادة فیمن اتصف بها .

ویقول فی الفتوحات ج 4 / 206 

حضرة الاسم العزیز - من هنا ظهر کل من غلبت علیه نفسه واتبع هواه، ولولا الشرع ما ذمه بالنسبة إلى طریق خاص لما ذمه أهل الله ، فإن الحقائق لا تعطی إلا هذا فمن اتبع الحق فما اتبعه إلا بهوى نفسه ، وأعنی بالهوى هنا الإرادة ، فلولا حکمها علیه فی ذلک ما اتبع الحق ، وهکذا حکم من اتبع غیر الحق ، وأعنی بالحق هنا ما أمر الشارع باتباعه ، وغیر الحق ما نهى الشرع عن اتباعه ، وإن کان فی نفس الأمر


ص 373


بمحبة ما عبد الله ولا آثره على غیره.

وکذلک کل من عبد صورة ما من صور العالم و اتخذها إلها ما اتخذها إلا بالهوى. فالعابد لا یزال تحت سلطان هواه. ثم رأى المعبودات تتنوع فی العابدین، فکل عابد أمرا ما یکفر من یعبد سواه، والذی عنده أدنى تنبه یحار لاتحاد الهوى بل لأحدیة الهوى فإنه عین واحدة فی کل عابد. "14"

……………………………………..

کل حق ، لکن الشارع أمر ونهی ، کما أنا لا نشک أن الغیبة حق ولکن نهانا الشرع عنها ، ولنا. 

وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى   ….. ولولا الهوى فی القلب ماعبد الهوى

فبالهوى یجتنب الهوى ،و بالهوی یعبد الهوى ، ولکن الشارع جعل اسم الهوى خاصا بما ذم وقوعه من العبد والوقوف عند الشرع أولى ، ولهذا بینا قصدنا بالهوى الإرادة لا غیر.


للزیادة راجع کتابنا « شرح کلمات الصوفیة ص 375 - 380 » فهل یعقل لمن یلتزم هذا الالتزام بالشرع أن یقول کما جاء فی هذا الفص ( وأعظم مجلی عبد فیه ( أی الحق ) وأعلاه « الهوى » کما قال : أفرأیت من اتخذ إلهه هواه ) ؟! 


نعم نجد أن الشیخ یرمز ویعرض بذلک ، ویصرح بتجلی الحق فی المظاهر ما لم ینص الشرع على لفظ مذموم ، لذلک نرفض نسبة هذا الکلام للشیخ ولو صح المعنى.

 

14 - « أفرأیت من اتخذ إلهه هواه » الآیة

لینظر القاریء والمحقق قوة الاستدلال فی الفتوحات المکیة وسمو المعانی السلیمة المترابطة لما ذکر فی هذه الفقرة من هذا الفص حیث یقول

« أفرأیت من اتخذ إلهه هواه » لیس الهوى سوى إرادة العبد إذا خالفت المیزان المشروع الذی وضعه الله له فی الدنیا ، فلولا الهوى ما عبد الله فی غیره ، ولما کان الإله له القوة فی المألوه ، وإله هذا هواه فحکم علیه وأضله عن سبیل الله ، 

واعلم أن الآلهة المتخذة من دون الله آلهة طائفتان ، 

منها من ادعت ما ادعی فیها مع علمهم فی أنفسهم أنهم لیسوا کما ادعوا ، وإنما أحبوا الریاسة وقصدوا إضلال العباد ، کفرعون وأمثاله ، وهم فی الشقاء إلا إن تابوا ، 

وأما الطائفة الأخرى فادعیت فیها

 

ص 374


«وأضله الله» أی حیره «على علم» بأن کل عابد ما عبد إلا هواه ولا استعبده إلا هواه سواء صادف الأمر المشروع أو لم یصادف. "15"

والعارف المکمل من رأى کل معبود مجلى للحق یعبد فیه «ولذلک سموه کلهم إلها مع اسمه الخاص 

……………………………………...

الألوهة ولم تدعها لنفسها ، کالأحجار والنبات والحیوان وبعض الأناسی والأملاک والکواکب والأنوار والجن وجمیع من عبد واتخذ إلها من غیر دعوى منه ، فهؤلاء کلهم سعداء والذین اتخذوهم إذا ماتوا على ذلک أشقیاء ، 

فإنه لما اتخذ هذا المشرک هواه إلها ، حکم علیه وأضله عن سبیل الله ، وأما قوله « وأضله الله على علم » یعنی أنه أضله الله على علم ، لا أن الضال على علم ، 

فإن الضال هو الحائر الذی لا یعرف فی أی جهة مطلوبه ، فمتعلق « على علم » أضله وهو العامل فیه . وهو فعل الله تعالی.

 الوجه الثانی « وأضله الله على علم » هو التارک ما أمره الله به عمدا ، مثل من یقول إن الحرکات والسکنات کلها بید الله ، وما جعل فی نفسی أداء ما أمرنی بأدائه ، فهو على بصیرة تشقیه و تحول بینه وبین سعادته ، فتضره فی الآخرة وإن التذ بها فی الدنیا. 


فهی مجاهرة بحق لا تنفع ، ولو کان عن ذوق منعته هیبة الجلال و عظیم المقام و سلطان الحال أن یترک أداء حق الله على صحو ، فمثل هذا العلم لا ینفع - الوجه الثالث . 

هذه الآیة تدل على أن نور العلم غیر نور الإیمان ، فقوله تعالی « وأضله الله على علم » فذلک نور العلم به لا نور الإیمان .

الفتوحات ج 1 / 478 - ج 2 / 306 - ج 3 / 117 ، 243 ، 305


15 - الضلال *

یقارن القاریء بین المفهوم من هذه الفقرة وبین ما جاء به الشیخ فی مفهوم حظ الأولیاء من الصفات المذمومة حیث یقول : 

الضالون هم التائهون الحائرون فی جلال الله وعظمته ، کلما أرادوا أن یسکنوا فتح لهم من العلم به ما حیرهم وأقلقهم ، 

فلا یزالون حیارى لا ینضبط لهم منه ما یسکنون عنده ، بل عقولهم حائرة ، فهؤلاء هم الضالون الذین حیرهم التجلی فی الصور المختلفة . 

الفتوحات ج 2 / 137 


ص 375


بحجر أو شجر أو حیوان أو إنسان أو کوکب أو ملک.

هذا اسم الشخصیة فیه.

والألوهیة مرتبة تخیل العابد له أنها مرتبة معبوده، وهی على الحقیقة مجلى الحق لبصر هذا العابد المعتکف على هذا المعبود فی هذا المجلى المختص. "16"

ولهذا قال بعض من عرف مقالة جهالة «ما نعبدهم إلا لیقربونا إلى الله زلفى» مع تسمیتهم إیاهم آلهة حتى قالوا «أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشیء عجاب».  فما أنکروه بل تعجبوا من ذلک، "17"

فإنهم وقفوا مع کثرة الصور ونسبة الألوهة لها.    فجاء 

………………………………….

16 - راجع مشاهدة الحق فی کل اعتقاد - فص 10 ، هامش 29، ص 159.


"" 29 - مشاهدة الحق فی کل اعتقاد فص 10 ، هامش 29، ص 159.

ولله رجال أعطاهم الله الفهم والاتساع وحفظ الأمانة أن یفهموا عن الله جمیع إشارات کل مشار إلیه، وهم الذین یعرفونه فی تجلی الإنکار الشاهدون إیاه فی کل اعتقاد ، والحمد لله الذی جعلنا منهم إنه ولی ذلک .

قال تعالى : "وقضى ربک ألا تعبدوا إلا إیاه " أی حکم ، وقضاء الحق لا یرد ، فقضى أن لا یعبد غیر الله ، فمن أجل حکم عبدت الآلهة ، فلم یکن المقصود بعبادة کل عابد إلا الله .

فما عبد شیء لعینه إلا الله ، وإنما أخطأ المشرک حیث تصب لنفسه عبادة بطریق خاص لم یشرع له من جانب الحق ، فشقی لذلک .

فإنهم قالوا فی الشرکاء « ما نعبدهم إلا لیقربونا إلى الله » فاعترفوا به وأنزلوهم منزلة النواب الظاهرة بصورة من استنابهم ، وما ثم صورة إلا الألوهیة فنسبوها إلیهم، فکان قوله تعالى "وقضى ربک ألا تعبدوا إلا إیاه" من الغیرة الإلهیة حتى لا یعبد إلا من له هذه الصفة .


فکان من قضائه أنهم اعتقدوا الإله وحینئذ عبدوا ما عبدوا ، مع أنهم ما عبدوا فی الأرض من الحجارة والنبات والحیوان وفی السماء من الکواکب والملائکة إلا لاعتقادهم فی کل معبود أنه إله.

لا لکونه حجرا ولا شجرا ولا غیر ذلک وإن أخطأوا فی النسبة فما أخطأوا فی المعبود .

فعلى الحقیقة ما عبد المشرک إلا الله ، وهو المرتبة التی سماها إلها لأنه لو لم یعتقد الألوهیة فی الشریک ما عبده •

فالکامل من عظمت حیرته و دامت حسرته ، ولم ینل مقصوده لما کان معبوده ، وذلک أنه رام تحصیل ما لا یمکن تحصیله ، وسلک سبیل من لا یعرف سبیله. والأکمل من الأکمل من اعتقد فیه کل اعتقاد ، وعرفه فی الإیمان والدلائل وفی الإلحاد ، فإن الإلحاد میل إلى اعتقاد معین من اعتقاد ، فاشهدوه بکل عین إن أردتم إصابة العین ، فإنه عام التجلی ، له فی کل صورة وجه ، وفی کل عالم حال.

الفتوحات ج 1 / 238 ، 405 ، 589 - ج 2 / 92 ، 212 ، 326 ، 498 . ج 4 / 100 ، 101 ، 415.  أهـ ""


17 - « أجعل الآلهة إلها واحدا » الآیة

" أجعل الآلهة إلها واحدا، إن هذا الشیء عجاب" و قال المشرکون لما دعوا إلى توحید الإله فی ألوهته بقوله تعالى «وإلهکم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحیم» أکثروا التعجب وقالوا «أجعل الآلهة إلها واحدا » فهی حکایة الله لنا عن المشرک أنه قال هکذا إما لفظا أو معنى ، 

والمشرک هو من جعل مع الله إلها آخر من واحد فما زاد ، وکان ذلک من أجل اعتقادهم فیما عبدوه أنهم آلهة دون الله المشهود له عندهم بالعظمة على الجمیع ، والذی قالوا فیه « ما تعبدهم إلا لیقربونا إلى الله زلفی » 

« إن هذا الشیء عجاب » فالناس یحملون هذا القول أنه من قول الکفار حیث دعاهم إلى توحید إله وهم یعتقدون کثرتها ، وما علموا أن جعل الألوهیة من الکثیرین أعجب ، 

ففی الحقیقة لیس العجب ممن وحد ، وإنما العجب ممن کثر الآلهة بلا دلیل ولا برهان ، وهذا القول عندنا من قول الحق أو قول الرسول ، 

وأما قول الکفار فانتهى فی قوله «إلها واحدا، والتعجب أنه بأول العقل یعلم الإنسان أن الإله لا یکون بجعل جاعل ، فإنه إله لنفسه ، ولهذا وقع التوبیخ بقوله تعالى « أتعبدون ما تنحتون» والإله من ضرورة العقل لا یتأثر ، 


وقد کان هذا خشبة یلعب بها ، أو حجرة یستجمر به ، ثم أخذه وجعله إلها یذل ویفتقر إلیه ویدعوه خوفا وطمعا ، فمن مثل هذا یقع التعجب مع وجود العقل عندهم ، فوقع التعجب من ذلک لیعلم من حجب العقول عن إدراک ما هو لها بدیهی وضروری ، ذلک لتعلموا أن الأمور بید الله وأن الحکم


ص 376


الرسول ودعاهم إلى إله واحد یعرف ولا یشهد، بشهادتهم أنهم أثبتوه عندهم واعتقدوه فی قولهم «ما نعبدهم إلا لیقربونا إلى الله زلفى» لعلمهم بأن تلک الصور حجارة.

ولذلک قامت الحجة علیهم بقوله «قل سموهم»: فما یسمونهم إلا بما یعلمون 

………………………………………………...

فیها الله ، وأن العقول لا تعقل بنفسها ، وإنما تعقل ما تعقله بما یلقی إلیها ربها وخالقها ولهذا تفاوت درجتها ، فمن عقل مجعول علیه قفل ومن عقل محبوس فی کن ومن عقل طلع على مرآته صدأ ، 

فلو کانت العقول تعقل لنفسها لما أنکرت توحید موجدها فی قوم وعقلته فی قوم ، والحد والحقیقة فیها على السواء ، فلهذا جعلنا قوله تعالی « إن هذا الشیء عجاب » لیس من قول الکفار ، 


بل قال الله عند قولهم « أجعل الآلهة إلها واحدا » « إن هذا الشیء عجاب » حیث جعلوا الإله الواحد آلهة ، وخصوص وصفه أنه إله ، وبه یتمیز فلا یتکثر بما به یتمیز ، ویشهد لهذا النظر قولهم فیما حکی الله عنهم « ما نعبدهم إلا لیقربونا إلى الله زلفی » فهم یعلمون أنهم نصبوهم آلهة ، ولهذا وقع الذم علیهم بقوله « أتعبدون ما تنحتون » 

والإله من له الخلق والأمر من قبل ومن بعد ، واعلم أن الله تعالی عصم لفظ د الله ، أن یطلق على أحد ، وما عصم لفظ « إله ، فکثرت الآلهة فی العالم لقبولها التنکیر ، والله واحد معروف لا یجهل ، أقرت بذلک عبدة الآلهة ، 


فقالت ما تعبدهم إلا لیقربونا إلى الله زلفی ، وما قالت إلى إله کبیر هو أکبر منها ، ولهذا أنکروا ما جاء به صلى الله علیه وسلم  فی القرآن والسنة من أنه إله واحد من إطلاق الإله علیه ، 


وما أنکروا الله ، ولو أنکروه ما کانوا مشرکین ، فبمن یشرکون إذا أنکروه ، فما أشرکوا إلا بإله لا بالله ، 

فقالوا « أجعل الآلهة إلها واحدة وما قالوا "أجعل الآلهة الله " فان الله لیس عند المشرکین بالجعل .

ومن ذلک قول السامری "هذا إلهکم وإله موسى" به فی الجعل ، ولم یقل هذا «الله» الذی یدعوکم إلیه موسى علیه السلام وقال فرعون "ما علمت لکم من إله غیری".

الفتوحات ج 2 / 409 ، 590 - ج 3 / 94 ، 178 ، 248 - ج 4 / 106 ، 254 - إیجاز البیان فی الترجمة عن القرآن


ص 377


أن تلک الأسماء لهم حقیقة. "18"

وأما العارفون بالأمر على ما هو علیه فیظهرون بصورة الإنکار لما عبد من الصور لأن مرتبتهم فی العلم تعطیهم أن یکونوا بحکم الوقت لحکم الرسول الذی آمنوا به علیهم الذی به سموا مؤمنین.

فهم عباد الوقت مع علمهم بأنهم ما عبدوا من تلک الصور أعیانها، وإنما عبدوا الله فیها لحکم سلطان التجلی الذی عرفوه منهم ، وجهله المنکر الذی لا علم له بما تجلى، ویستره العارف المکمل من نبی ورسول و وارث عنهم. "19"

فأمرهم بالانتزاح عن تلک الصور لما انتزح عنها رسول 

………………………………………..

18 - « وجعلوا له شرکاء قل سموهم » الآیة

یرید أسماء الأعلام ، وذلک فی معرض الدلالة ، فإذا سموهم قالوا هذا حجر، هذا شجر ، هذا کوکب ، والکل اسم عبد ، فیذکرونهم بأسمائهم المخالفة أسماء الله فقال تعالى لنبیه صلى الله علیه وسلم " قل سموهم " فتعرفوا عند ذلک الحق بید من هو ، هل هو بأیدیکم أو بیدی ؟ 

وقد قال الحق تعالی وأبان ذلک کله لیعقل عنه « إن هی إلا أسماء سمیتوها أنتم وآباؤکم ما أنزل الله بها من سلطان » فلما عرفوا قوله وتحققوه ، علموا أنهم فی فضیحة ، لأنهم إذا سموهم لم یسموهم بالله ، بل آباؤکم نصبوها آلهة ، وهذا الإله الذی أدعوکم إلیه تعرفونه ، وأن اسمه الله لا تنکرونه ، وأنتم القائلون « ما نعبدهم إلا لیقربونا إلى الله زلفی » .

الفتوحات ج 2 / 417 - ج 3 / 544 - ج 4 / 11 ، 106


19 - موطن الإنکار عند العارفین *

الکامل من عظمت حیرته ، ودامت حسرته ، ولم ینل من مقصوده لما کان معبوده ، وذلک أنه رام تحصیل ما لا یملکن تحصیله ، وسلک سبیل من لا یعرف سبیله ، والأکمل من الکامل ، من اعتقد فیه کل اعتقاد ، 

وعرفه فی الإیمان والدلائل وفی الإلحاد ، فإن الإلحاد میل إلى اعتقاد معین من اعتقاد ، فإشهدوه بکل عین ، إن أردتم إصابة العین ، فإنه عام التجلی ، له فی کل صورة وجه ، وفی کل عالم حال .

ورد فی الخبر الصحیح فی تجلیه سبحانه فی موطن التلبیس ، وهو تجلیه فی غیر صور الاعتقادات فی حضرة الاعتقادات ، فلا یبقى أحد یقبله ولا یقر به ، بل یقولون 

 

ص 378

 

الوقت اتباعا للرسول طمعا فی محبة الله إیاهم بقوله «قل إن کنتم تحبون الله فاتبعونی یحببکم الله».

 فدعا إلى إله یصمد إلیه ویعلم من حیث الجملة، ولا یشهد «ولا تدرکه الأبصار»، بل «هو یدرک الأبصار» للطفه و سریانه فی أعیان الأشیاء.

فلا تدرکه الأبصار کما أنها لا تدرک أرواحها المدبرة أشباحها وصورها الظاهرة.

«وهو اللطیف الخبیر» والخبرة ذوق، والذوق تجل، والتجلی فی الصور.

فلا بد منها ولا بد منه ، "20" فلا بد أن یعبده من رآه بهواه إن فهمت "21" ،  وعلى الله قصد السبیل.

………………………………...

إذا قال لهم «أنا ربکم » " نعوذ بالله منک" ، فالعارف فی ذلک المقام یعرفه ، غیر أنه قد علم منه بما أعلمه ، أنه لا یرید أن یعرفه ( فی تلک الحضرة ) من کان هنا مقید المعرفة بصورة خاصة یعبده فیها ، 

فمن أدب العارف أن یوافقهم فی الإنکار ، ولکن لا یتلفظ بما تلفظوا به من الاستعاذة منه ، فإنه یعرفه ، 

فإذا قال لهم الحق فی تلک الحضرة عند تلک النظرة "هل بینکم وبینه علامة تعرفونه بها" ، فیقولون « نعم » فیتحول لهم سبحانه فی تلک العلامة ، مع اختلاف العلامات ، فإذا رأوها وهی الصورة التی کانوا یعبدونه فیها ، حینئذ اعترفوا به ، ووافقهم العارف بذلک فی اعترافهم ، أدبا منه مع الله وحقیقة ، وأقر له بما أقرت الجماعة . 

الفتوحات ج 2 / 212 ، 609 .  راجع هامش وفص 12 هامش 11 ص

راجع کتابنا الخیال ص 15 ، 24  -  وکتابنا ترجمة حیاة الشیخ ص 171


 الجزء الثالث

 تابع :

""  راجع کتابنا الخیال ص 24 ، 25 

" ولما لم یکن له تعالى ظهور إلى خلقه إلا فی صورة، وصوره مختلفة فی کل تجل، لا تتکرر صورة، فإنه سبحانه لا یتجلى فی صورة مرتین، ولا فی صورة واحدة لشخصین،

ولما کان الأمر کذلک، لم ینضبط للعقل ولا للعین ما هو الأمر علیه، ولا یمکن للعقل تقییده بصورة ما من تلک الصور، فإنه ینتقض له ذلک التقیید فی التجلی الآخر بالصورة الأخرى،

وهو اللّه فی ذلک کله، لا یشک ولا یرتاب إلا إذا تجلى له فی غیر معتقده، فإنه یتعوذ منه کما ورد فی صحیح الأخبار، فیعلم أن ثمّ فی نفس الأمر عینا تقبل الظهور فی هذه الصور المختلفة، لا یعرف لها ماهیة أصلا ولا کیفیة، وإذا حکم بکیفیة،


فیقول: الکیفیة ظهورها فیما شاء من الصور، فتکون الصور مشاءة، وکل مشاء معدوم بلا شک، فما ظهر لک إلا حادث فی عین قدیم، فما رأیت إلا حادثا مثلک، لأنک ما رأیت إلا صورة یقیدها نظرک ببصر هو الحق، فی عین هو الحق، أعنی فی العین التی ظهرت فی تلک الصورة، فهو مدرک

فی حدیث أبی سعید الخدری أخرجه الشیخان مطولا، وفیه عن الحشر یوم القیامة «حتى إذا لم یبق إلا من کان یعبد اللّه من بر وفاجر، أتاهم اللّه فی أدنى صورة من التی رأوه فیها. .

فیقول: أنا ربکم: فیقولون نعوذ باللّه منک لا نشرک باللّه شیئا، مرتین أو ثلاثا، حتى إن بعضهم لیکاد أن ینقلب، فیقول: هل بینکم وبینه آیة تعرفونه بها؟ فیقولون نعم. .» الحدیث

عینا فی الآخرة والنوم علما وشرعا، وغیر مدرک علما «لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ»، ولا نشک - إیمانا وکشفا لا عقلا - أن بهویته أدرک المدرک جمیع ما یدرک «کنت بصره الذی یبصر به" أهـ.""


 20 - راجع فص 23 هامش 10 ،14  

""  10 - الاسم اللطیف * راجع فص 23 هامش 7 ، 10 ،14  ص 353


هذا المراد لا یستقیم بالاستدلال وشاهد اسم اللطیف فی هذه الآیة ضعیف بل المراد به هو ما جاء فی شرح الهامش رقم 7، ویؤیده بمناسبة ذکر الرزق ما جاء فی معنى الاسم اللطیف حیث ذکر فی قوله تعالى « الله لطیف بعباده یرزق من یشاء وهو القوی العزیز » فإن اللطف الإلهی هو الذی یدرج الراحة من حیث لا یعرف من لطف به ، ومن لطفه أنه الذی یأتیهم بکل ما هم فیه ، ولا تقع أبصار العباد إلا على الأسباب التی یشهدونها فیضیفون ما هم فیه إلیها .


أما المعنى المقصود هنا من أنه سبحانه هو الظاهر فی المظاهر من حیث الاسم اللطیف فیتضمنه قوله تعالى « لا ندرکه الأبصار وهو یدرک الأبصار وهو اللطیف الخبیر » البصر من العبد هویة الحق ، فعینک غطاء على بصر الحق ، فبصر الحق أدرک الحق ورآه لا أنت، فإن الله لا تدرکه الأبصار وهو یدرک الأبصار ، ففی مدلول هذه الآیة أنه یدرک تعالى نفسه بنفسه ، لأنه إذا کان بهویته بصر العبد ، ولا نفع الإدراک البصری إلا بالبصر ، وهو عین البصر المضاف إلى العبد ، وقال إنه یدرک الأبصار وهو عین الأبصار ، فقد أدرک نفسه . 


لذلک قال « وهو اللطیف » ولا الطف من هویة تکون عین بصر العبد ، وبصر العبد لا یدرک الله ، ولیس فی القوة أن یفصل بین البصرین ، اللطیف من حیث أنه لا تدرکه الأبصار ، واللطیف المعنی من حیث أنه یدرک الأبصار ، أی درکه للأبصار درکه لنفسه ، وهذا غایة اللطف والرقة ، فما لطفه وأخفاه إلا شدة ظهوره ، فإنه البصر لکل عین تبصر « الخبیر » یشیر إلى علم ذلک ذوقا ، فهو العلیم خبرة أنه بصر العبد فی بصر العبد ، و کذا هو الأمر فی نفسه . 

فتوحات ج 2 / 542 ، 547 - ج 4 / 2 ، 238 ، 301


14 - الاسم الخبیر *

وقع فی هذه الفقرة خلط بین قوله تعالى « ولنبلونکم حتى نعلم » أی لنختبرکم حتى نعلم ، من الاختبار ، فیقول الشیخ فی ذلک : حکم الحق على نفسه

بما حکم لخلقه من حدوث تعلق العلم ، وهذا غایة اللطف فی الحکم والتنزل الإلهی . فنزل مع خلقه فی العلم المستفاد ، إذ کان علمهم مستفادة ، کما شرک نفسه تعالى مع خلقه فی الأحکام الخمسة ، فمع علمه بما یکون من خلقه قال « حتى نعلم » وأعلم من الله لا یکون ، ومع ذلک أنزل نفسه فی هذا الإخبار منزلة من یستفید بذلک علما ، وهو سبحانه العالم بما یکون منهم فی ذلک قبل کونه - 

الفتوحات ج 3 / 111، ج 2 / 423 


ویکون هذا الخبیر کما جاء فی شرح الأسماء الحسنی 

الفتوحات ج 4 / 322 


حیث یقول : الخبیر بما اختبر به عباده ، ومن اختباره قوله « حتى نعلم » فیرى هل ننسب إلیه حدوث العلم أم لا ؟ 

فانظر أیضا هذا اللطف ، ولذلک قرن الخبیر باللطیف فقال اللطیف الخبیر ، فاختلط المعنی هنا فی هذه الآیة « ولنبلونکم » من الاختبار وهو متعلق بالاسم الخبیر بمعنى العلیم خبرة وهو أیضا متعلق بالاسم الخبیر فی آیة « یدرک الأبصار ولا تدرکه الأبصار وهو اللطیف الخبیر » 

- راجع هامش رقم  7 ، 10 .


"" 7  - الرزق مضمون مکفول        راجع هامش رقم  7 ، 10 .

ینبه الحق بهذه الآیة على أن الرزق مضمون ، لابد أن یوصله للعبد. 

فإن رزقه ورزق عیاله لابد أن یأتی به الله ، فیقول لقمان لابنه « یا بنی إنها إن تکن مثقال حبة من خردل » أی أینما کان مثقال هذه الحبة من الخردل لقلتها بل خفائها « فتکن فی صخرة » أی عند ذی قلب قاس لا شفقة له على خلق الله ، 


قال تعالى « ثم قست قلوبکم من بعد ذلک فهی کالحجارة أو أشد قسوة » روی فی النبوة الأولى أن له تعالی تحت الأرض صخرة صماء ، فی جوف تلک الصخرة حیوان لا منفذ له فی الصخرة ، وأن الله قد جعل له فیها غذاء ، وهو یسبح الله ویقول « سبحان من لا ینسانی على بعد مکانی » یعنی من الموضع الذی تأتی منه الأرزاق لا على بعد مکانها من الله « أو فی السموات » بما أودع الله فی سباحة الکواکب فی أفلاکها من التأثیرات فی الأرکان لخلق أرزاق العالم ، أو الأمطار أیضا فإن السماء فی لسان العرب المطر ، قال الشاعر « إذا سقط السماء بأرض قوم » یعنی بالسماء هنا المطر .


أو فی الأرض ، بما فیها من القبول والتکوین للأرزاق ، فإنها محل ظهور الأرزاق. کذلک الکوکب یسبح فی الفلک ، وعن سباحته یکون ما یکون فی الأرکان الأمهات من الأمور الموجبة للولادة ، فأینما کان مثقال هذه الحبة « یأت بها الله » ولم یقل یأت إلیها، فهو تعالى الأتی برزقک إلیک حیث کت و کان رزقک ، فهو یعلم موضعک ومقرات، ویعلم عین رزقک « إن الله لطیف» أی هو أخفى أن یتعلم ویوصل إلیه ، أی العلم به ، من حبة الخردل « خبیر » للطفه بمکان من یطلب تلک الخردلة منه لما له من الحرص على دفع ألم الفقر عنه ، فإن الحیوان ما یطلب الرزق إلا لدفع الآلام لا غیر . 


الفتوحات ج 1 / 506 - ج 4 / 114.   أهـ  ""


21 -  راجع هامش 13 


ص 379