الفقرة الرابعة والثلاثون :
نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص الشیخ عبد الرحمن أحمد الجامی 898 هـ :
24 – شرح نقش فص حکمة امامیة فی کلمة هارونیة
قال الشیخ رضی الله عنه : ( هارون لموسى بمنزلة نواب محمدٍ صلى الله علیه وسلم بعد انفصاله إلى ربه فلینظر الوارث من ورث وفیما استنیب. فتعینه صحة میراثه لیقوم فیه مقام رب المال.
فمن کان على أخلاقه فی تصرفه کان کأنه هو. )
اعلم أنّ الامامة المذکورة فی هذا الموضع اسم من أسماء الخلافة.
و هی تنقسم إلى إمامة لا واسطة بینها و بین حضرة الألوهیة و إلى إمامة ثابتة بالواسطة.
و التعبیر عن الامامة الخالیة عن الواسطة مثل قوله تعالى للخلیل علیه السلام، «إِنِّی جاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِماماً» [البقرة : 124]، و التی بالواسطة مثل استخلاف موسى هارون علیهما السلام على قومه حین قال له، "اخْلُفْنِی فی قَوْمِی". [الأعراف : 142]
إذا عرفت هذا، فنقول، کل رسول بعث بالسیف، فهو خلیفة من خلفاء الحق و إنّه من أولى العزم.
ولا خلاف فی أنّ موسى و هارون علیهما السلام بعثا بالسیف. فهما من خلفاء الحق الجامعین بین الرسالة و الخلافة.
فهارون له الامامة التی لا واسطة بینه و بین الحق فیها، و له الامامة بالواسطة من جهة استخلاف أخیه إیّاه على قومه.
فجمع بین قسمى الامامة، فقویت نسبته إلیها. فلذلک أضیفت حکمته إلیها دون غیرها من الصفات. فاعلم ذلک.
(هارون لموسى) علیهما السلام حین استخلفه على قومه و ذهب لمیقات ربّه (بمنزلة نواب محمد) لمحمّد (صلّى الله علیه و سلم بعد انفصاله) عن هذه النشأة العنصریة ذاهبا الى ربه. فکما أنّ نوّاب محمّد صلّى الله علیه و سلم من الکمّل و الأقطاب ورثته و خلفاؤه فی أمّته، یتصرّفون فیهم کتصرّفه صلّى الله علیه و سلم، فکذلک کان هارون وارثا لموسى علیهما السلام و خلیفة عنه فی قومه و متصرّفا فیهم مثل تصرّفه.
(فلینظر) الولى (الوارث) الذی یرث من قبله من الأنبیاء (من یرث منهم)، فانّ الوارث إمّا محمّدى أو غیر محمّدى، و الغیر المحمّدى إمّا وارث لموسى أو عیسى أو إبراهیم أو غیرهم من الأنبیاء صلوات الله علیهم أجمعین.
و لینظر الوارث أیضا (فیما استنیب)، أو فی العلم دون الحال و المقام، أو فی العلم و الحال دون المقام کذی مقام ینصبغ بحال ذى حال ، إمّا بتأثیره الروحانی أو بکلامه و إرشاده فیسرى العلم و الحال.
فإذا سرّى عنه، انصبغ بحال مقام هو فیه. (فتعینه)، أی الولى الوارث، (صحة میراثه) و قوّة وراثته للنبی المورّث (لیقوم فیه)، أی فیما استنیب، (مقام) ذلک النبی الذی هو بمنزلة (رب المال) .
فیأخذ العلم مثلا من المأخذ الذی أخذ النبی المورّث أیضا منه، فانّ علوم الأنبیاء کانت إلهیة وهبیة و کشفیة بالتجلّى، لا بالکسب و التعمّل.
فوجب أن تکون الوراثة الحقیقیة کذلک وهبیة، لا نقلیة و لا عقلیة.
فیرث الولى الوارث العلم من المعدن الذی أخذه النبی و الرسول عنه ، فلیس العلم ما یتناقله الرواة بأسانیدهم الطویلة،
فانّ ذلک منقول یتضمّن علوما لا یصل إلى حقیقتها و فحواها إلّا أهل الکشف و الشهود.
و النبی الرسول إنّما أخذ العلم عن الله، لا عن المنقول.
فالورث الحقیقی إنّما هو فی الأخذ عن الله، لا عن المنقول.
قال سلطان العارفین أبو یزید البسطامی رضى الله عنه لبعض علماء الرسوم و نقلة الأحکام و الآثار و الأخبار: «أخذتم علمکم میتا عن میت، و أخذنا علمنا عن الحی الذی لا یموت». و کذا الحال فی الأحوال و المقامات.
فمن لم یأخذها عن الله کما أخذ الأوّلون عنه تعالى، بل حفظ کلماتهم و مقالاتهم و روى عنهم، فلیس وارثا على الحقیقة، بل بالمجاز.
(فمن کان) من الأولیاء الوارثین (على أخلاقه)، أی على أخلاق النبی المورّث و صفاته، (فی تصرفه) فیما یرثه بإعطائه غیره أو فی الخلق بالإرشاد و التکمیل، کان ذلک الولى الوارث (کأنه هو) ذلک النبی المورّث بعینه، کما قال علیه السلام، "علماء أمّتى کأنبیاء بنى إسرائیل".
" فائدة: سئل الحافظ العراقی عما اشتهر على الألسنة من حدیث علماء أمتی کأنبیاء بنی إسرائیل
فقال: لا أصل له ولا إسناد بهذا اللفظ ویغنی عنه العلماء ورثة الأنبیاء وهو حدیث صحیح . فتح القدیر للمناوی وقاله ابن حجر العسقلانی".
""أضاف الجامع :
قال الشیخ فى الفتوحات الباب الثانی والثلاثون :
"والعلماء ورثة الأنبیاء أحوالهم الکتمان لو قطعوا إربا إربا ما عرف ما عندهم ، لهذا قال الخضر ما فعلته عن أمری فالکتمان من أصولهم إلا أن یؤمروا بالإفشاء والإعلان" أهـ. ""
اعلم أنّ الأولیاء الوارثین یأخذون العلوم و الأحوال و المقامات عن أرواح الأنبیاء الذین کانوا فیها قبلهم.
ویصل إمداد هؤلاء من أرواحهم ومنهم من یأخذها کما ذکرنا عن الله، إمّا فی موادّ تلک الرسل والأنبیاء أو فی الحضرات الإلهیة.
و الوارث المحمّدى یأخذ العلوم النبویة عن روح رسول الله صلّى الله علیه وسلم بحسب نسبته منه.
و الأعلى یأخذ عن الله فی الصورة المحمّدیة أو عن روح خاتم الولایة الخاصّة المحمّدیة أو عن الله فیه کذلک.
فالمقامات الإلهیة و الأحوال و العلوم معمورة أبدا بعد الأنبیاء بالورثة المحمّدیین و غیر المحمّدیین.
و یسمّیهم المحقّق «أنبیاء الأولیاء»، کما أشار إلى ذلک رسول الله صلّى الله علیه و سلم بقوله، "علماء أمّتى کأنبیاء بنى إسرائیل"، و فی روایة، "أنبیاء بنى إسرائیل"، بلا کاف التشبیه. و الروایتان صحیحتان.
فالآخذون عن أرواح الرسل من کونهم رسلا لیست علومهم و أحوالهم و مقاماتهم جمعیة أحدیة محیطة. و الآخذون علومهم عن الله فی الصورة المحمّدیة الختمیة هم الکمّل من أقطاب المقامات.
و أکمل الکمّل وراثة أجمعهم و أوسعهم إحاطة بالمقامات و العلوم و الأحوال و المشاهد، و هو خاتم الولایة الخاصّة المحمّدیة فی مقامه الختمى.
فوراثته أکمل الوراثات فی الکمال و السعة و الجمع و الاحاطة لعلوم رسول الله صلّى الله علیه و سلم و أحواله و مقاماته و أخلاقه، و یطابقه فی الجمیع