عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة السادسة والثلاثون :


شرح فصوص الحکم من کلام الشیخ الأکبر ابن العربی أ. محمود محمود الغراب 1405 هـ:

25 - فص حکمة علویة فی کلمة موسویة

قال الشیخ رضی الله عنه : ( حکمة قتل الأبناء من أجل موسى لیعود إلیه بالإمداد حیاة کل من قتل من أجله لأنه قتل على أنه موسى.

وما ثم جهل ، فلا بد أن تعود حیاته على موسى أعنی حیاة المقتول من أجله وهی حیاة طاهرة على الفطرة لم تدنسها الأغراض النفسیة، بل هی على فطرة «بلى».

فکان موسى مجموع حیاة من قتل على أنه هو، فکل ما کان مهیئا لذلک المقتول مما کان استعداد روحه له، کان فی موسى علیه السلام.

وهذا اختصاص إلهی بموسى لم یکن لأحد من قبله: فإن حکم موسى کثیرة وأنا إن شاء الله أسرد منها فی هذا الباب على قدر ما یقع به الأمر الإلهی فی خاطری.

فکان هذا أول ما شوفهت به من هذا الباب، فما ولد موسى إلا وهو مجموع أرواح کثیرة جمع قوى فعالة  "2" لأن الصغیر یفعل فی الکبیر.  ألا ترى الطفل یفعل فی الکبیر

 

……………………………...

1- المناسبة

المناسبة فی تسمیة الحکمة بعلویة هی أنه لما ادعى فرعون الألوهیة بقوله لقومه « أنا ربکم الأعلى » وخاف موسى عندما سحر السحرة أعیان الناس وخیل إلیه من سحرهم أن حبالهم وعصیهم أنها تسعى ، فقال له الحق تعالى : لا تخف إنک أنت الأعلى ، فقابل دعوى علو فرعون بعلو موسى علیه السلام المؤید من عند الله تعالی 

 

2 - حکمة قتل الأبناء *

هذه من المسائل التی لم یرد ذکرها فی کتب الشیخ إلا هنا وفی ذلک نقول :

الإمداد إما أن یکون لحفظ الوجود ، وفیه یقول الشیخ رضی الله عنه فی الفتوحات المکیة ج 1 ص 113.

على لسان الحق مخاطبا الروح الکلی بعد إیجاده " أمدک بالأسرار الإلهیة وأربیک بها فتجدها مجعولة فیک فتعرفها ، وقد حجبتک عن کیفیة إمدادی لک بها ، إذ لا طاقة لک بحمل مشاهدتها ۰۰» .

ویطلب الروح من الحق تعالى بعد خلق النفس مثلما له فیقول « رب إنک ربیتنی وحجبت عنی سر

 

ص 380

 

* * * * * 

……………………….

الإمداد والتربیة وانفردت أنت به فاجعل إمدادی محجوبا عن هذا الملک حتى یجهلنی کما جهلتک ، ۰۰۰ " وتخیل ( الروح) أن ذلک هو نفس الإمداد ، فأراد الحق أن یعرفه أن الأمر على خلاف ما تخیل ، وأنه لو أعطاه سر الإمداد کما سأل لما انفردت الألوهیة عنه بشیء ولاتحدت الإنیة » …

 

وإما أن یکون الإمداد بالعلم ، 

وفیه یقول الشیخ رضی الله عنه فی الجزء الأول ص 151 :-

«وأما القطب الواحد فهو روح محمد منه وهو الممد لجمیع الأنبیاء والرسل سلام الله علیهم أجمعین والأقطاب من حین النشء الإنسانی إلى یوم القیامة » ..

 

وإما أن یکون الإمداد بالإفادة ، 

وفیه یقول الشیخ رضی الله عنه فی الجزء الثالث ص 197 «ارتباط العالم العلوی بالسفلی لیفید ، وارتباط السفلی بالعلوی لیستفید ، والمفید هو الأعلى أبدا والمستفید هو السفلی أبدا » .

 

وإما أن یکون الإمداد بالنصرة والتثبیت 

وفیه یقول الشیخ رضی الله عنه عند شرحه لقوله تعالى ( وأیدناه بروح القدس » أی قویناه فإن الخوف مما تطلبه حکم الطبیعة فی هذه النشأة فان لها خورا عظیما لکونها لیس بینها وبین الأرواح التی لها القوة والسلطان علیها واسطة ولا حجاب ، فلازمها الخوف ملازمة الظل للشخص ، فلا یتقوى صاحب الطبیعة إلا إذا کان مؤید بالروح ، فلا یؤثر فیه خور الطبیعة ، فإن الأکثر فیه أجزاء الطبیعة ، وروحانیته التی هی نفسه المدبرة له موجودة أیضا عن الطبیعة فهی أمها وإن کان أبوها روحها ، وللأم أثر فی الابن فإنه فی رحمها تکون وبما عندها تغذی ، فلا تتقوى النفس بأبیها إلا إذا أیدها الله بروح قدمی ینظر إلیها ، فحینئذ تقوى على حکم الطبیعة فلا تؤثر فیها التأثیر الکلی وإن بقی فیه أثر ، فإنه لا یمکن زواله بالکلیة .

الفتوحات ج 2 / 486 ، ج 4 / 323 

 

لذلک قال تعالى لموسى وهارون علیهما السلام «لا تخافا إننی معکما أسمع و أری» وفی ذلک یقول الشیخ رضی الله عنه فی  الفتوحات ج 2 / 486 ، ج 4 / 323

" قال    



ص 381  

 

قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : ( بالخاصیة  "3"  فینزل الکبیر من ریاسته إلیه فیلاعبه و یزقزق له و یظهر له بعقله.

فهو تحت تسخیره و هو لا یشعر، ثم شغله بتربیته و حمایته و تفقد مصالحه و تأنیسه حتى لا یضیق صدره.

هذا کله من فعل الصغیر بالکبیر و ذلک لقوة المقام، فإن الصغیر حدیث عهد بربه لأنه حدیث التکوین و الکبیر أبعد. فمن کان من الله أقرب سخر )

………………………….

لا تخافا إنی معکما"، وهذه معیة اختصاص لموسى وهارون علیهما السلام ، فهذه بشرى لهما حتى لا یخافا ، فامنهما الله مما خافا منه « أسمع وأرى » فهو السمیع دعاء عباده إذا دعوه فی مهماتهم فأجابهم من اسمه السمیع « وأرى » من کونه تعالی بصیرا بأمور عباده ، فهو البصیر الذی یعطی الأمان لا أنه یشهده ویراه فقط ، فإنه یراه حقیقة سواء نصره أو خذله أو اعتنی به أو أهمله.

 

فأی إمداد یعود به الأبناء الذین قتلوا على موسى علیه السلام ومن أی نوع هو ؟ وکل ذلک منفی بما سبق أن ذکرناه من کلام الشیخ ، نعم لو قال کاتب هذه الکلمات إن الحکمة فی قتل الأبناء إنما کان من الرحمة الإلهیة بتسلیط فرعون علیهم فیقتلون على الفطرة فلا یتعرضون للفتنة کما تعرضت لها بنو إسرائیل من عبادة العجل وغیرها ویعود وبال قتلهم على فرعون و آله، لکان هذا الکلام مناسبا لما جاء به الشیخ رضی الله عنه فی قتل الخضر للغلام حیث یقول فی ج 4 / 59 

 شهد الله للخضر بأنه رحیم ، اقتلع رأس الغلام وقال إنه طبع کافرا ، فلو عاش أرهق أبویه طغیانا وکفرا ، وانتظم الغلام فی سلک الکفار ، فقتله الخضر رحمة به وبأبویه ، أما الصبی حیث أخرجه من الدنیا على الفطرة فسعد الغلام والله أعلم وسعد أبواه .

 

لهذا الذی أوردناه من کلام الشیخ یستحیل نسبه ما جاء فی هذه الفقرة أن یکون من کلام الشیخ أصلاه

 

3 - راجع التسخیر فص 24 هامش 9 *

والمقصود بالخاصیة هنا هو ما ورد هناک بکلمة الحال و یستبعد أن یکون هذا من کلام الشیخ فإنه لا یعبر عن الحال بالخاصیة ، فالکلام واضح فیه التحریف .

 

ص 382


قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : ( من کان من الله أبعد، کخواص الملک للقرب منه یسخرون الأبعدین. کان رسول الله صلى الله علیه و سلم یبرز بنفسه للمطر إذا نزل ویکشف رأسه له حتى یصیب منه و یقول إنه حدیث عهد بربه.

فانظر إلى هذه المعرفة بالله من هذا النبی ما أجلها وما أعلاها وأوضحها. )

 

……………………………………………..

4 - التسخیر *

هذا التعلیل یخالف ما جاء فی کتب الشیخ ویخالف ما جاء فی المتن فقرة 10 ص ۳۸۹ فهو القائل فی قوله تعالی :

« ألم تروا أن الله سخر لکم ما فی السموات » من ملک وکوکب سابح فی فلک . فمن الملائکة الموکل بالوحی والإلقاء ، ومنهم الموکل بالأرزاق ، ومنهم الموکل بقبض الأرواح ، ومنهم الموکل بإحیاء الموتى ، ومنهم الموکل بالاستغفار للمؤمنین والدعاء لهم ، ومنهم الموکلون بالغراسات فی الجنة جزاء لأعمال العباد « وما فی الأرض » وما بینهما من الخلق جمیعا منه ، 

قال تعالی " وسخر لکم ما فی السموات وما فی الأرض جمیعا منه إن فی ذلک لآیات لقوم یتفکرون ".

فأدخل العالم کله أجمع تحت تسخیر هذا الإنسان الأرفع ، فما من ملأ أعلى إلا به مستعل ، وما من ملا أدنى إلا یتضرع إلیک ویبتهل ، فهم بین مستغفر لک ، ومصل علیک ، وملک بسلام یوصله من الحق تعالى إلیک ، وإذا کان السید یصلی علیه ، فکیف بملائکته ، وإذا کان ناظرا إلیک فما ظنک بخلیقته ، وما من فاکهة ونعمة عند تناهیها إلا متضرعة لک خاضعة أن تؤدی لک ما أودع الله من المنافع فیها ، فما فی الوجود کله حقیقة ولا دقیقة إلا ومنک إلیها ومنها إلیک رقیقة ، فانظر أین مرتبتک فی الوجود ، فالعالم کله على الحقیقة أیها الإنسان تحت تسخیرک إذا سلم من نظرک وتدبیرک ، فإن کل شیء خلقه الله للإنسان ومن أجله وسخر له لما علم الله من حاجته إلیه ، فهو فقیر إلى کل شیء ، لیس له غنی عنه ، ولذلک استخدم الله له العالم کله ، فما من حقیقة صوریة فی العالم الأعلى والأسفل إلا وهی ناظرة إلى هذا الإنسان نظر کمال ، أمینة على سر أودعها الله إیاه لتوصله إلیه . 

راجع الفتوحات ج 1 / 60 - ج 3 / 38 - کتاب إنشاء الجداول والدوائر

 

ص 383

 

قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : ( فقد سخر المطر أفضل البشر لقربه من ربه فکان مثل الرسول الذی ینزل بالوحی علیه، فدعاه  بالحال بذاته فبرز إلیه لیصیب منه ما أتاه به من ربه فلو لا ما حصلت له منه الفائدة الإلهیة بما أصاب منه، ما برز بنفسه إلیه. "5"

فهذه رسالة ماء جعل الله منه کل شیء حی فافهم. )

 

…………………………………………...

5 . قوله فی المطر « إنه حدیث عهد ربه» *

یقارن هذا المعنى الذی یبعد أن یصدر عن الشیخ ، مع ما جاء فی کتاب د روح القدس فی محاسبة النفس » من جمیل المعنى حین یقول عن شیخه أبی جعفر أحمد العریبی أن من کان معه قال : إن الشیخ استسقى لأهل قصر کتامة ، فسقاهم الله ونزلت الأمطار ، وکان الغیث ینزل عن یمیننا ویسارنا وأمامنا وخلفنا ، ونحن نمشی لا یصیبنا منه شیء ، فقال لشیخه : عز علی حیث لم تصبک رحمة الله عز وجل ، فصاح الشیخ وقال : فزت بها یا محمد ، یا حسرة لو تذکرتها هناک .

ویقول الشیخ رضی الله عنه من حیث الاعتبار والإشارة فی کتاب الأعلاق عند شرحه لقوله :

ریح صبا یخبر عن عصر ….    صبا بحاجر أو بمنی أو بقبا

 

ریح صبا تخبر عن عصر صبا ، یقول نسیم روح المعارف من جانب الکشف والتجلی أخبر عن أوان زمان الشباب الذی أشار إلیه رسول الله من عند نزول المطر فکشف رأسه علیه السلام حتى أصابه ، فقال علیه السلام إنه حدیث عهد بربه ویقول فی شرحه لشعره فی نفس الکتاب:

سألت ریح الصبا عنهم لتخبرنی  …. قالت وما لک فی الأخبار من ارب 

فی الأبرقین وفی برک العماد وفی …. برک العمیم ترکت الحی عن کثب

« عن کثب » عن قرب کما قال علیه السلام فی المطر لما نزل ، ظهر له بنفسه صلى الله علیه وسلم حتى أصابه منه، قال إنه حدیث عهد بربه فهذا معنى عن کثب.

 

- یراجع الشرح فی ترجمان الأشواق . 

ویقول فی الفتوحات ج 1 / 280  فی معرض الإشارة إلى قوله تعالی «وهو معکم أینما کنتم» من کان معک بهذه المثابة من القرب مع دعواک العلم بذلک والإیمان به 

 

ص 384

 

قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : ( و أما حکمة إلقائه فی التابوت و رمیه فی الیم: فالتابوت ناسوته، والیم ما حصل له من العلم بواسطة هذا الجسم مما أعطته القوة النظریة الفکریة والقوى الحسیة والخیالیة التی لا یکون شیء منها ولا من أمثالها لهذه النفس الإنسانیة إلا بوجود هذا الجسم العنصری.

فلما حصلت النفس فی هذا الجسم وأمرت بالتصرف فیه وتدبیره، جعل الله لها هذه القوى آلات یتوصل بها إلى ما أراده الله منها فی تدبیر هذا التابوت الذی فیه سکینة الرب.

فرمی به فی الیم لیحصل بهذه القوى على فنون العلم فأعلمه بذلک أنه وإن کان الروح المدبر له هو الملک، فإنه لا یدبره إلا به.

فأصحبه هذه القوى الکائنة فی هذا الناسوت الذی عبر عنه بالتابوت فی باب الإشارات والحکم.

کذلک تدبیر الحق العالم ما دبره إلا به أو بصورته، فما دبره إلا به کتوقف الولد على إیجاد الوالد ، والمسببات علىسبابها، والمشروطات على شروطها، والمعلولات على عللها ، و المدلولات على أدلتها، و المحققات على حقائقها. و کل ذلک من العالم و هو تدبیر الحق فیه. فما دبره إلا به.

وأما قولنا أو بصورته أعنی صورة العالم فأعنی به الأسماء الحسنى والصفات العلى التی تسمى الحق بها و اتصف بها. فما وصل إلینا من اسم تسمى به إلا وجدنا معنى ذلک الاسم وروحه فی العالم. فما دبر العالم أیضا إلا بصورة العالم.

ولذلک قال فی خلق آدم الذی هو  )

……………………………….

لم تترک الأخذ عنه والحدیث معه وتأخذ عن غیره ولا تأخذ عنه فتکون حدیث عهد بربک ، یکون المطر فوق رتبتک حیث برز إلیه رسول الله صلى الله علیه وسلم  بنفسه حین نزل وحسر عن رأسه حتى أصابه الماء فقیل له فی ذلک 

فقال : إنه حدیث عهد بربه ، تعلیمه لنا وتنبیها .

 

ویرى القاریء التکلف الزائد هنا للاستدلال على التسخیر بالحال ، وقد شرحه الشیخ بأسلوب سهل مبسط کما جاء فی الفص 24 هامش 9. 

وهذا مما یدل على أن الکلام هنا مقحم على معنی أراده الشیخ ، فإنه لابد من نفع یعود على المسخر اسم فاعل سواء کان بالحال أم بالقوة ، وأی نقع یعود هنا على المطر ؟!

وهذا یدل على أن هذا الکلام لا یصح نسبته للشیخ. 

 

6 - الروح هو الملک المدبر للمملکة الإنسانیة

راجع کتاب التدبیرات الإلهیة فی إصلاح المملکة الإنسانیة

 

7 - راجع فص حکمة إبراهیمیة رقم 5. ص 83

 

"" 5 - کل الأسماء والصفات الله تعالى بالأصالة     فص 5 رقم 5. ص 83

لما رأیت ما ینبغی الله وما ینبغی للعبة، ورأیت ما حجب الله به عباده المنسوبین إلیه من حیث أنه جعل لهم فی قلوبهم أنهم یعتقدون أن لهم أسماء حقیقة .

وأن الحق تعالى قد زاحمهم فیها ، وحجبهم عن العلم بأن تلک الأسماء أسماؤه تعالی ، زاحموه بالتخلق بالأسماء الإلهیة.

وقابلوا مزاحمة بمزاحمة ، وما تفطنوا لما لم یزاحمهم فیه من الذلة والافتقار الذی نبه لأبی یزید علیها ولنا اعتناء من الله .

فهذه أسماؤهم إلا ما ادعوها ، فزاحموه فیما تخیلوا من الأسماء أنها لهم وهم لا یشعرون .

ولقد کنت مثلهم فی ذلک قبل أن یمن الله علی بما من به علی من معرفته ، فعلمنی أن الأسماء أسماؤه وأنه لابد من إطلاقها علینا فأطلقناها ضرورة لا اعتقادا.

وأطلقتها أنا ومن خصه الله بهذا العلم على الله اعتقادا .

وأطلقها غیرنا اضطرارا إیمانا لکون الشرع ورد بها لا اعتقادا .

فحفظنا علیه ما هو له حین لم یحفظه ومکر بعباده ، فمن حفظ على نفسه ذله وافتقاره وحفظ على الله أسماءه کلها التی وصف بها نفسه والتی أعطى فی الکشف أنها له . فقد أنصف فاتصف بأنه على کل شیء حفیظ .

والکل أسماء الحق تعالى والعید لا اسم له ، حتى إن اسم العبد لیس له وهو متخلق به کسائر الأسماء الحسنى .

فالسیر إلى الله والدخول علیه والحضور عنده لیس إلا بأسمائه ، وإن أسماء الکون أسماؤه ، وهو مجلی عزیز فی منصة عظمى .

کانت غایة أبی یزید البسطامی دونها فإن غایته ما قاله عن نفسه ،" تقرب إلی بما لیس لی"، فهذا کان حظه من ربه ورآه غایة .

وکذلک هو فإنه غایته لا الغایة ، وهذه طریقة أخرى ما رأیتها الأحد من الأولیاء ذوقا إلا للأنبیاء والرسل خاصة.

فکل اسم للکون فأصله للحق حقیقة وهو للخلق لفظا دون معنى وهو به متخلق ، فکل وصف صفة کمال الله تعالی فهو موصوف بها کما تقتضیه ذاته ، وأنت موصوف بها کما تقتضیها ذاتک.

والعین واحدة والحکم مختلف    ….. و العبد یعبد و الرحمن معبود

الفتوحات ج2 / 350  , ج3 / 228 . ""

 

 

ص 385

 

قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : ( البرنامج الجامع لنعوت الحضرة الإلهیة التی هی الذات والصفات والأفعال «إن الله خلق آدم على صورته». ولیست صورته سوى الحضرة الإلهیة.

فأوجد فی هذا المختصر الشریف الذی هو الإنسان الکامل جمیع الأسماء الإلهیة وحقائق ما خرج عنه فی العالم الکبیر المنفصل، "8" وجعله روحا للعالم "9" فسخر له العلو والسفل لکمال الصورة.

فکما أنه لیس شیء من العالم إلا وهو یسبح بحمده، کذلک لیس شیء من العالم إلا وهو مسخر لهذا الإنسان لما تعطیه حقیقة صورته.

فقال تعالى «وسخر لکم ما فی السماوات وما فی الأرض جمیعا منه».

فکل ما فی العالم تحت تسخیر الإنسان، "10" علم ذلک من علمه وهو الإنسان الکامل وجهل ذلک من جهله، وهو الإنسان الحیوان.

فکانت صورة إلقاء موسى فی التابوت، وإلقاء التابوت فی الیم صورة هلاک، وفی الباطن کانت نجاة له من القتل.

فحیی کما تحیا النفوس بالعلم من موت الجهل، کما قال تعالى «أو من کان میتا» یعنی بالجهل «فأحییناه» یعنی بالعلم، «وجعلنا له نورا یمشی به فی الناس» و هو الهدى، «کمن مثله فی  )

……………………………………………….

8 - الإنسان الکامل جامع لصورة الحق وصورة العالم *

راجع فص 1، هامش 16، ص 38

ویلاحظ أن کلمة « برنامج » المذکورة هنا ، لا توجد فی جمیع کتب الشیخ ولیست من مصطلحاته ، ولا تفید من الناحیة اللغویة المعنى المقصود فی هذا الوطن، مع ما هو معروف عن دقة الشیخ فی اختیار اللفظ المناسب ، فهو یستعمل فی هذا الموطن کلمة « المثل » أو « الصورة » أو « الحضرة » أو « الحقیقة » أما کلمة

"برنامج" فمعناها ، الورقة الجامعة للحساب ، وهی معربة - راجع القاموس المحیط.

 

"" 4 . خلق الله آدم على صورته  فص 1، هامش 4 = 16 ، ص 38

اعلم أنه لا یصح أن یکون شیء من العالم له وجود لیس هو على صورة الحق، فنسبة الحق إلى الخلق نسبة الإنسان إلى کل صنف من العالم ، والعالم عند الجماعة، هو إنسان کبیر فی المعنى والجرم.

یقول الله تعالى : "لخلق السموات والأرض أکبر من خلق الناس ولکن أکثر الناس لا یعلمون" .

فلذلک قلنا فی المعنى ، وما فی العلم عن الکل وإنما نقاه عن الأکثر ، والإنسان الکامل من العالم وهو له کالروح لجسم الحیوان ، وهو الإنسان الصغیر ، وسمی صغیرا لأنه انفعل عن الکبیر وهو، مختصر فالمطول العالم کله والمختصر الإنسان الکامل ، فالإنسان آخر موجود فی العالم لأن المختصر لا یختصر إلا من مطول وإلا فلیس بمختصر ، فالعالم مختصر الحق والإنسان مختصر العالم والحق ، فهو نقاوة المختصر.

فلما کان العالم على صورة الحق وکان الإنسان الکامل على صورة العالم وصورة الحق وهو قوله : " إن الله خلق آدم على صورته"، فلیس فی الإمکان أبدع ولا أکمل من هذا العالم إذ لو کان لکان فی الإمکان ما هو أکمل من الله .

 فإن آدم وهو من العالم قد خلقه الله على صورته ، وأکمل من صورة الحق فلا یکون ، وما کملت الصورة من العالم إلا بوجود الإنسان .

فمن کل شیء فی الوجود زوجان الأن الإنسان الکامل والعالم بالإنسان الکامل على صورة الحق ، فامتاز الإنسان الکامل عن العالم مع کونه من کمال الصورة للعالم الکبیر بکونه على الصورة بانفراده ، من غیر حاجة إلى العالم .

فالإنسان الکامل وحده یقوم مقام الجماعة ، فإنه أکمل من عین مجموع العالم إذ کان نسخة من العالم حرفا بحرف (سنریهم آیاتنا فی الآفاق وفی أنفسهم ) ، ویزید أنه على حقیقة لا تقبل التضاؤل « خلق الله آدم على صورته » .

فحاز الإنسان الکامل صورة العالم وصورة الحق ففضل بالمجموع فجعل الحق الإنسان الکامل نسخة من العالم کله ، فما من حقیقة فی العالم إلا وهی فی   الإنسان .

فهو الکلمة الجامعة وهو المختصر الشریف وجعل الحقائق الإلهیة التی توجهت على إیجاد العالم بأسره متوجهة على إیجاد هذه النشأة الإنسانیة الإمامیة ، فخلق الله تعالى الإنسان فی أحسن تقویم ، وأبرزه نسخة کاملة جامعة لصورة حقائق الحدث وأسماء القدیم ، أقامه سبحانه معنى رابطا للحقیقتین ، وأنشأه برزخا جامعا للطرفین والرقیقتین ، أحکم بیدیه صنعته وحسن بعنایته صبغته ، وکانت مضاهاته للأسماء الإلهیة بخالقه، ومضاهاته للأکوان العلویة والسفلیة بخلقه، فتمیز عن جمیع الخلائق بالخلقة المستقیمة والخلائق ، عین سبحانه سره مثالا فی حضرة الأسرار ، ومیز نوره من بین سائر الأنوار ، وقصب له کرسی العنایة بین حضرتیه ، وصرف نظر الولایة والنیابة فیه وإلیه .

فلم یخلق الله تعالى الإنسان عبثا بل خلقه لیکون وحده على صورته ، فکل من فی العالم جاهل بالکل عالم بالبعض ، إلا الإنسان الکامل وحده ، فإن الله علمه الأسماء کلها وآتاه جوامع الکلم ، فکملت صورته ، فجمع بین صورة الحق وصورة العالم ، فکان برزخا بین الحق والعالم ، مرآة منصوبة ، یرى الحق صورته فی مرآة الإنسان ، ویرى الخلق أیضا صورته فیه ، لأن الإنسان فیه مناسب من کل شیء فی العالم ، فیضاف کل مناسب إلى مناسبه بأظهر وجوهه ، ویخصصه الحال والوقت والسماع بمناسب ما دون غیره من المناسب ، إذا کان له مناسبات کثیرة لوجوه کثیرة یطلبها بذاته، فمن حصل هذه المرتبة حصل رتبة الکمال الذی لاأکمل منه فی الإمکان، ومعنى رؤیة صورة الحق فیه ، إطلاق جمیع الأسماء الإلهیة علیه ، کما جاء فی الخبر

"فبهم تنصرون" ، والله الناصر « وبهم ترزقون » والله الرازق « وبهم ترحمون ، والله الراحم ، وقد ورد فی القران فیمن علمنا کماله صلى الله علیه وسلم واعتقدنا ذلک فیه أنه « بالمؤمنین رؤوف رحیم » ، « وما أرسلناک إلا رحمة للعالمین » أی لترحمهم ، والتخلق بالأسماء یقول به جمیع العلماء ، فالإنسان متصف یسمى بالحی والعالم المرید السمیع البصیر المتکلم القادر وجمیع الأسماء الإلهیة من أسماء تنزیه وأفعال .

ولذلک عبر عن الإنسان الکامل بمرآة الحق ، والحقیقة من قوله تعالی « لیس کمثله شیء " وهی مثلیة لغویة ، وذلک عند بروز هذا الموجود فی أصفى ما یمکن وأجلی ، ظهر فیه الحق بذاته وصفاته المعنویة لا النفسیة ، وتجلى له من حضرة الجود ، وفی هذا الظهور الکریم قال تعالى : « لقد خلقنا الإنسان فی أحسن تقویم »

فالإنسان الکامل له الشرف على جمیع من فی السماء والأرض ، فإنه العین المقصودة للحق من الموجودات ، لأنه الذی اتخذه الله مجلی ، لأنه ما کمل إلا بصورة الحق ، کما أن المرآة وإن کانت تامة الخلق فلا تکمل إلا بتجلی صورة الناظر ، فتلک مرتبتها والمرتبة هی الغایة .

راجع الفتوحات  ج3 /152, 315 ,331 , 398 , 409.

 ج4 / 21 , 132 , 230 , 231 , 409.  عقلة المستوفز ۔ ذخائر الأعلاق ""

 

9 -  الإنسان الکامل روح العالم

لما أراد الله کمال هذه النشأة الإنسانیة ، جمع لها بین یدیه وأعطاها جمیع حقائق العالم ، وتجلى لها فی الأسماء کلها فحازت الصورة الإلهیة والصورة الکونیة. وجعلها روحا للعالم ، وجعل أصناف العالم له کالأعضاء من الجسم للروح المدبر له ؛ فلو فارق العالم هذا الإنسان مات العالم ، فالدار الدنیا جارحة من جوارح جسد العالم الذی الإنسان روحه ۰فتوحات ج 2 / 468 

 

10 - راجع هامش 4 ، ص 383

 

 

ص 386

 

قال الشیخ رضی الله عنه : ( الظلمات» وهی الضلال «لیس بخارج منها» أی لا یهتدی أبدا: "11" فإن الأمر فی نفسه لا غایة له یوقف عندها.

فالهدى هو أن یهتدی الإنسان إلى الحیرة، فیعلم أن الأمر حیرة "12" و الحیرة قلق "13" و حرکة، و الحرکة حیاة. فلا سکون، فلا موت، "14" و وجود، فلا عدم. "15" .   وکذلک فی الماء الذی  )

…………………………………………..

11 - فال تعالى « أو من کان میتا » أراد بالموت الجهل « فأحییناه » بالعلم . وهی الحیاة العلمیة التی تحیی بها القلوب ، فحیاة العلم یقابلها موت الجهل . وبالنور یقع حصوله ، کما بالظلمة یکون الجهل.

الفتوحات ج 2 / 174 ، 342 - ج 3 / 369

 

12 – الحیرة راجع فص 3 ، هامش 10، ص 72

 

""  الحیرة  : راجع الفرق بین فهم الشیخ الأکبر وبین ابن تیمیة فی الحیرة

"رجال الحیرة هم الذین نظروا فی هذه الدلائل (الدلائل المتعارضة للتنزیه والتشبیه) واستقصوها غایة الاستقصاء إلى أن أداهم ذلک النظر إلى العجز والحیرة فیه ، من نبی أو صدیق .

قال : « اللهم زدنی فیک تحیرا » فإنه کلما زاده الحق علما به ، زاده ذلک العلم حیرة "فیه ، من نبی أو صدیق" .

"وقال الشیخ : "اللهم زدنی فیک تحیرا " ، فإنه کلما زاده الحق علما به ، زاده ذلک العلم حیرة ، ولا سیما أهل الکشف لاختلاف الصور علیهم عند الشهود ، فهم أعظم حیرة من أصحاب النظر فی الأدلة ، بما لا یتقارب."

 

یقول الشیخ الأکبر فی دیوانه ص 71:

لیس إلى العلم بی سبیل ... ما لی إلى العلم بی دلیل

واللّه إنی عجزت عنی ... فلا نبی ولا رسول

ولا العقول التی فرضتم ... تدرک أعیانها فقولوا

ما یصنع العالم الذی قد ... قیل له اعلم وما یقول

إن کان فی العجز عین علمی ... به فقد هانت السبیل

قد حرت واللّه فی وجودی ... فإنه جوده الأثیل

إن قلت إن الظهور فیه ... والحکم لی حارت العقول

أو قلت إن الظهور فینا ... به فما لی بذا دلیل

حرنا وحار الوجود فینا ... فما لنا نحوه وصول

فما لنا بالإله علم ... إلا الذی أثبت الخلیل

أعطاه علما به جلیا ... مراتب النور والقبول

ثم نفى عنه ما رآه ... ربا ببرهانه الأفول

أثبته حجة على من ... أشرک من قومه الجلیل

فوحد العین لا تثنی ... فالنسب الغرّ ما تحیل

توحیده للذی تراه ... من نسب کلها أصول

 

ویقول الشیخ رضی اللّه عنه فی الفتوحات الجزء الأول ص 270:

من قال یعلم أن اللّه خالقه ... ولم یحر کان برهانا بأن جهلا

لا یعلم اللّه إلا اللّه فانتبهوا ... فلیس حاضرکم مثل الذی غفلا

العجز عن درک الإدراک معرفة ... کذا هو الحکم فیه عند من عقلا

هو الإله فلا تحصى محامده ... هو النزیه فلا تضرب له مثلا

 

ویقول الشیخ الأکبر رضی اللّه عنه فی الفتوحات المکیة:

الجزء الأول الصفحة 270 - الباب الخمسون فی معرفة رجال الحیرة والعجز -

أعلم أیدک اللّه بروح منه، أن سبب الحیرة فی علمنا باللّه، طلبنا معرفة ذاته جل وتعالى بأحد الطریقین، إما بطریق الأدلة العقلیة، وإما بطریق تسمى المشاهدة، فالدلیل العقلی یمنع من المشاهدة، فالدلیل السمعی قد أومأ إلیها وما صرح، والدلیل العقلی قد منع من إدراک حقیقة ذاته من طریق الصفة الثبوتیة النفسیة، التی هو سبحانه فی نفسه علیها، وما أدرک العقل بنظره إلا صفات السلوب لا غیر، وسمى هذه معرفة،

والشارع قد نسب إلى نفسه أمورا وصف نفسه بها، تحیلها الأدلة العقلیة إلا بتأویل بعید، یمکن أن یکون مقصودا للشارع ویمکن أن لا یکون، وقد لزمه الإیمان والتصدیق بما وصف به نفسه، لقیام الأدلة عنده بصدق هذه الأخبار عنه، أنه أخبر بها عن نفسه فی کتبه أو على ألسنة رسله، فتعارض هذه الأمور - مع طلبه معرفة ذاته تعالى، أو الجمع بین الدلیلین المتعارضین - أوقعهم فی الحیرة؛

فرجال الحیرة هم الذین نظروا فی هذه الدلائل واستقصوها غایة الاستقصاء، إلى أن أداهم ذلک النظر إلى العجز والحیرة فیه، من نبی أو صدیق،

قال صلى اللّه علیه وسلم: «اللهم زدنی فیک تحیرا» فإنه کلما زاده الحق علما به، زاده ذلک العلم حیرة، ولا سیما أهل الکشف، لاختلاف الصور علیهم عند الشهود، فهم أعظم حیرة من أصحاب النظر فی الأدلة بما لا یتقارب،

قال النبی صلى اللّه علیه وسلم بعد ما بذل جهده فی الثناء على خالقه بما أوحى به إلیه «لا أحصی ثناء علیک أنت کما أثنیت على نفسک»؛

وقال أبو بکر الصدیق رضی اللّه عنه فی هذا المقام، وکان من رجاله «العجز عن درک الإدراک إدراک» أی إذا علمت أن ثمّ من لا یعلم، ذلک هو العلم باللّه تعالى، فکان الدلیل على العلم به عدم العلم به، واللّه قد أمرنا بالعلم بتوحیده، وما أمرنا بالعلم بذاته، بل نهى عن ذلک بقوله: وَیُحَذِّرُکُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ"

ونهى رسول اللّه صلى اللّه علیه وسلم عن التفکر فی ذات اللّه تعالى، إذ من لیس کمثله شیء، کیف یوصل إلى معرفة ذاته؟

فقال اللّه تعالى آمرا بالعلم بتوحیده فـ " اعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ "

فالمعرفة به من کونه إلها، والمعرفة بما ینبغی للإله أن یکون علیه من الصفات، التی یمتاز بها عن من لیس بإله وعن المألوه، هی المأمور بها شرعا،

فلا یعرف اللّه إلا اللّه، فقامت الأدلة العقلیة القاطعة، على أنه إله واحد، عند أهل النظر وأهل الکشف، فلا إله إلا هو، ثم بعد هذا الدلیل العقلی على توحیده، والعلم الضروری العقلی بوجوده، رأینا أهل طریق اللّه تعالى من رسول ونبی وولی، قد جاؤوا بأمور - من المعرفة بنعوت الإله فی طریقهم - أحالتها الأدلة العقلیة،

وجاءت بصحتها الألفاظ النبویة والأخبار الإلهیة، فبحث أهل الطریق عن هذه المعانی، لیحصلوا منها على أمر یتمیزون به عن أهل النظر، الذین وقفوا حیث بلغت بهم أفکارهم، مع تحققهم صدق الأخبار،

فقالوا: نعلم أن ثمّ طورا آخر وراء طور إدراک العقل الذی یستقل به، وهو للأنبیاء وکبار الأولیاء، به یقبلون هذه الأمور الواردة علیهم فی الجناب الإلهی، فعملت هذه الطائفة فی تحصیل ذلک بطریق الخلوات والأذکار المشروعة، لصفاء القلوب وطهارتها من دنس الفکر، إذ کان المفکر لا یفکر إلا فی المحدثات، لا فی ذات الحق، وما ینبغی أن یکون علیه فی نفسه الذی هو مسمى اللّه، ولم یجد صفة إثبات نفسیة، فأخذ ینظر من کل صفة یمکن أن یقبلها المحدث الممکن، یسلبها عن اللّه، لئلا یلزمه حکم تلک الصفة کما لزمت الممکن الحادث، مثل ما فعل بعض النظار من المتکلمین، فی أمور أثبتوها وطردوها شاهدا وغائبا، ویستحیل على ذات الحق أن تجتمع مع الممکن فی صفة، فإن کل صفة یتصف بها الممکن یزول وجودها بزوال الموصوف بها، أو تزول هی مع بقاء الممکن، کصفات المعانی، والأولى کصفات النفس، ثم إن کل صفة منها ممکنة، فإذا طردوها شاهدا وغائبا، فقد وصفوا واجب الوجود لنفسه بما هو ممکن لنفسه، والواجب الوجود لنفسه، لا یقبل ما یمکن أن یکون ویمکن أن لا یکون، فإذا بطل الاتصاف به من حیث حقیقة ذلک الوصف، لم یبق إلا الاشتراک فی اللفظ، إذ قد بطل الاشتراک فی الحد والحقیقة، فلا یجمع صفة الحق وصفة العبد حد واحد أصلا، أهـ

 

جاء فی کتاب التجلیات:

کیف ترید أن تعرف بعقلک من عین مشاهدته عین کلامه، وعین کلامه عین مشاهدته؟ ومع هذا فإذا أشهدک لم یکلمک، وإذا کلمک لم یشهدک.

 

ویقول فی کتاب التراجم:

الحیرة لا تکون إلا فیمن لا یتکیف.

وفیه یقول: الحیرة قبل. الوصول، والحیرة فی الوصول، والحیرة فی الرجوع، کیف لا تحار العقول والأسرار، فیمن لا تقیده البصائر والأبصار؟!

وفیه أیضا یقول: لو جلى الحق نفسک لک لحرت.

ومن وجه آخر فی الحیرة،


یقول الشیخ رضی اللّه عنه فی الجزء الثانی الصفحة 607 من الفتوحات المکیة:

ما فی المسائل الإلهیة ما تقع فیها الحیرة أکثر ولا أعظم من مسألة الأفعال - یعنی نسبتها - ولا سیما فی تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقین، فیخرجها ذلک التعلق أن تکون أفعال المخلوقین لغیر المخلوقین حال ظهورها عنهم، وأفعال اللّه کلها حسنة فی مذهب المخالف، الذی ینفی الفعل عن المخلوق، ویثبت الذم للفعل بلا خلاف، ولا شک عنده فی تعلق الذم بذلک الفعل من اللّه، وسببه الکسب لما وقع مخالفا لحمد اللّه فیه، مأمورا کان بفعله فلم یفعله، أو منهیا عن فعله ففعله، وهذا فیه ما فیه، وفی مثل هذه المسائل قلت:

حیرة من حیرة صدرت ... لیت شعری ثمّ من لا یحار

أنا إن قلت أنا قال لا ... وهو إن قال أنا لا یعار

أنا مجبور ولا فعل لی ... والذی أفعله باضطرار

والذی أسند فعلی له ... لیس فی أفعاله بالخیار

فأنا وهو على نقطة ... ثبتت لیس لها من قرار

فقد أوقفناک بما ذکرناه فی هذا الباب على ما یزیدک حیرة فیه.


الجزء الثانی من الفتوحات الصفحة 661:

لهذا کان العلم أشرف من المحبة، وبه أمر اللّه تعالى نبیه صلى اللّه علیه وسلم أن یسأله الزیادة منه، لأنه عین الولایة الإلهیة، به یتولى اللّه عباده، وبه یکرمهم، وبه یعرفون أنه لا یعرف، وأما المحب إذا لم یکن عارفا، فهو یخلق فی نفسه صورة یهیم فیها ویعشقها، فما عبد ولا اشتاق إلا لمن هو تحت حیطته، ولا یزیله عن هذا المقام إلا المعرفة، فحیرة العارف فی الجناب الإلهی أعظم الحیرات، لأنه خارج عن الحصر والتقیید.

تفرقت الظباء على خداش ... فما یدری خداش ما یصید


فله جمیع الصور، وما له صورة تقیده، ولهذا کان یقول صلى اللّه علیه وسلم «اللهم زدنی فیک تحیرا» لأنه المقام الأعلى، والمنظر الأجلى، والمکانة الزلفى، والمظهر الأزهى، والطریقة المثلى.


الجزء الثالث من الفتوحات الصفحة 490:

فلا أشد حیرة فی اللّه من العلماء باللّه، ولذلک ورد عن رسول اللّه صلى اللّه علیه وسلم أنه قال لربه «زدنی فیک تحیرا» لما علم من علو مقام الحیرة لأهل التجلی، لاختلاف الصور، وتصدیق هذا الحدیث قوله «لا أحصی ثناء علیک أنت کما أثنیت على نفسک» وقد علمنا ما أثنى اللّه به على نفسه، من بسط یدیه بالإنفاق، وفرحه بتوبة عبده، وغیر ذلک من أمثاله، ومنلَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌوَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ.

 

الجزء الرابع الصفحة 196، 197:

الحضرة الإلهیة اسم لذات وصفات وأفعال، وإن شئت قلت صفة فعل وصفة تنزیه، وهذه الأفعال تکون عن الصفات، والأفعال أسماء ولابد، والحضرات الإلهیة هی التی کنى اللّه عنها بالأسماء الحسنى، ومن ذلک الحضرة الإلهیة،

وهی الاسم اللّه، وهی الحضرة الجامعة للحضرات کلها، وهی وإن کانت جامعة للحقائق کلها، فأخص ما یختص بها من الأحوال الحیرة والعبادة والتنزیه، فأما التنزیه وهو رفعته عن التشبه بخلقه، فهو یؤدی إلى الحیرة فیه، وکذلک العبادة فأعطانا قوة الفکر،


الجزء الرابع الصفحة 245:

ما أثنى اللّه بشیء على أحد من المخلوقین، إلا وفیه تنبیه لمن لم یحصل له ذلک الأمر، أن یتعرض لتحصیله جهد الاستطاعة، فإن الباب مفتوح، والجود ما فیه بخل، وما بقی العجز إلا من جهة الطالب، ولهذا یقول: من یدعونی فأستجیب له؛ ومن نکرة، فما وقع العجز إلا منا، وهنا الحیرة، لأنا ما ندعوه إلا بتوفیقه، وتوفیقه إیانا لذلک من عطائه وجوده، واستعداد کنا علیه، به قبلناه فتأهلنا لدعائه.


الجزء الرابع من الفتوحات الصفحة 280:

صدّق اللّه هؤلاء الخواص فی حیرتهم، بقوله لأخص خلقه علما ومعرفة "وَما رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ وَلکِنَّ اللَّهَ رَمى " فنفى عین ما أثبت، فما أثبت وما نفى؟

فأین العامة من هذا الخطاب؟

فالعلم باللّه حیرة، والعلم بالخلق حیرة، وقد حجّر النظر فی ذاته وأطلقه فی خلقه، فالهداة فی النظر فی الخلق، لأنه الهادی وقد هدى، والعمى فی النظر فی الحق، فإنه قد حجر وجعله سبیل الردى، وهذا خطاب خاطب به العقلاء. . . فما زادهم إلا إیمانا بالحیرة وتسلیما لحکمها. . ثم إنه من أعظم الحیرة فی الحق، أن الحق له الوجود الصرف، فله الثبوت، وصور التجلی حق بلا شک، وما لها ثبوت وما لها بقاء، ما من صورة یتجلى فیها إلا إذا ذهبت، ما لها رجوع ولا تکرار. أهـ   ""


13 - ملاحظة  *

قوله : « الحیرة قلق » لا یتفق مع مفهوم الشیخ المنصوص علیه فی جمیع کتبه بأن الحیرة علم کما جاء ذلک فی کتابه الفتوحات المکیة  ج 1 / 270 ، 420 - ج 2 / 607 - ج 3 / 490 - ج 4 / 196، 197 ، 245 ، 280 - وفی دیوانه ص 71، وفی کتابه التجلیات ، وفی کتاب التراجم ، ینص فی هذه الکتب کلها على أن الحیرة علم لا قلق ، 

وهو یتفق مع شرحه لقوله من « اللهم زدنی فیک تحیرا » 

حیث یقول رضی الله عنه : فإنه کلما زاده الحق علما به ، زاده ذلک العلم حیرة - راجع کتابنا الرد على ابن تیمیة لتفصیل ما أوجزناه من ص 50 إلى ص 90

وهذا یدل على أنه قد وقع التصرف فی ألفاظ الشیخ فی کتاب الفصوص فان القلق اضطراب وانزعاج ، لا یتفق مع طلبه من فی قوله « اللهم زدنی فیک تحیرا » أی زدنی فیک علما ، وهو ما أوضحه الشیخ فی کتبه المشار إلیها.


14 - الحرکة والسکون والحیاة والموت

لتعلم أن التحقیق فی الحرکة والسکون أنهما نسبتان للذوات الطبیعیة المتحیزة المکانیة أو القابلة للمکان إن کانت فی الإمکان ، 

وذلک أن المتحیز لا بد له من حیز یشغله من زمان وجوده فیه ، فلا یخلو إما أن یمر علیه زمان ثان أو أزمنة وهو فی ذلک الحیز عینه ، فذلک المعبر عنه بالسکون ، أو یکون فی الزمان الثانی فی الحیز الذی یلیه ، 

وفی الزمن الثالث فی الحیز الذی یلی الحیز الثانی ، سمی ذلک الانتقال


ص 387


به حیاة الأرض وحرکتها، قوله تعالى «اهتزت» وحملها، قوله «وربت»، وولادتها قوله «وأنبتت من کل زوج بهیج». أی أنها ما ولدت إلا من یشبهها أی 

……………………………………...

حرکة ، وانتقال الشیء من وجود إلى وجود یسمی متحرکا ، فعلم السکون والحرکة هو علم الثبوت والإقامة وعلم التغییر والانتقال . وما من حرکة یتحرکها الإنسان إلا عن ورود اسم إلهی علیه .

أما قوله « حیاة فلا موت » فالمراد به « وإن من شیء إلا یسبح بحمده » ولا یسبح إلا حی ، فتوحات ج 1 / 644 - ج 2 / 457 ، 458 ، 473 .


15 - عدم العدم وجود

الحمد لله الذی أوجد الأشیاء عن عدم وعدمه ، قال تعالى " وإن من شیء إلا عندنا خزائنه " وقال تعالى « ما نفدت کلمات الله » فالکلمات فی خزائن الجود لکل شیء یقبل الوجود ، وقال تعالى: " وما ننزله إلا بقدر معلوم " من اسمه الحکیم ، فالحکمة سلطانة هذا الإنزال الإلهی ، وهو إخراج هذه الأشیاء من الخزائن إلى وجود أعیانها، وعدم العدم وجود فهو نسبة کون الأشیاء فی هذه الخزائن محفوظة موجودة لله ، ثابتة لأعیانها غیر موجودة لأنفسها ، فبالنظر إلى أعیانها هی موجودة عن عدم ، وبالنظر إلى کونها عند الله فی هذه الخزائن، هی موجودة عن عدم العدم وهو وجود ، وعلى هذا قلنا إن الأشیاء مخلوقة من وجود لا من عدم ، فإن الأصل على هذا کان ، وهو العماء من النفس وهو وجود ، وهو عین الحق المخلوق به .

واعلم أن الله لا یرد ما أوجده إلى عدم ، بل هو یوجد على الدوام ولا یعدم 6 فالقدرة فعالة دائما ، فإنه ما شاء إلا الإیجاد ، ولهذا قال «إن یشأ یذهبکم» والذهاب انتقالکم من الحال التی أتم فیها إلى حال تکونون فیها « ویأت بخلق جدید » ویکسو الخلق الجدید عین هذه الأحوال التی کانت لکم لو شاء ، لکنه ما شاء ، فلیس الأمر إلا کما هو ، فانه لا یشاء إلا ما هی علیه ، لأن الإرادة لا تخالف العلم والعلم لا یخالف المعلوم ، والمعلوم ما ظهر ووقع ، فلا تبدیل لکلمات الله فإنها على ما هی علیه . الفتوحات ج 1 / 2 ، 281 ،310 - ج 2 / 281 - ح 3 / 548 - ج 4 / 93 ، 240 ، 414 

 

ص 388


قال الشیخ رضی الله عنه : ( فقبضه طاهرا مطهرا لیس فیه شیء من الخبث لأنه قبضه عند إیمانه قبل أن یکتسب شیئا من الآثام. والإسلام یجب ما قبله.

وجعله آیة على عنایته سبحانه بمن شاء حتى لا ییأس أحد من رحمة الله، «فإنه لا ییأس من روح الله إلا القوم الکافرون».

فلو کممن یئس ما بادر إلى الایمان.

فکان موسى علیه السلام کما قالت امرأة فرعون فیه «إنه قرت عین لی ولک لا تقتلوه عسى أن ینفعنا».

وکذلک وقع فإن الله نفعهما به علیه السلام و إن کانا ما شعرا بأنه هو النبی الذی یکون  )


…………………………………………..


16 - « وترى الأرض هامدة » :

فإن الأرض فراش « فإذا أنزلنا علیها الماء ، فإذا نکج الجو الأرض وأنزل الماء « اهتزت » ودبرت الماء فی رحمها آثار الأنواء الفلکیه « وربت » وهو الحمل « وأنبتت من کل زوج بھیج » فأولدها توأمین . فضحکت الأرض بالأزهار . وإنما کان زوجا من أجل ما یطلبه من النکاح ، إذ لا یکون إلا بین زوجین -  الفتوحات ج 3 / 517 - ج 4 / 415

 

17 - راجع « العین واحدة والحکم مختلف »

فص 3، هامش 5، ص 68

 

"" 5 - العین واحدة والحکم مختلف فص 3، هامش 5، ص 68

ما یعرف الله إلا الله فاعترفوا    …… العین واحدة والحکم مختلف


                                                     الفتوحات ج1 / 185 .

فالله والرب والرحمن والملک     ….. حقائق کلها فی الذات تشترک

فالعین واحدة والحکم مختلف     …… لذا بدا الجسم والأرواح والفلک

                                               الفتوحات  ج3 / 310.


فالعین واحدة والحکم مختلف       ….. وذاک سر لأهل العلم ینکشف

                                            الفتوحات ج3 / 430


والعین واحدة والحکم مختلف      ….. إذا تنوعت الأرواح والصور

                                                الفتوحات  ج2 / 392


فالعین واحدة والحکم یختلف      ….. والقائلون بذا قوم لهم نظر

                                              الإسفار عن نتائج الأسفار ص 55


فالعین واحدة والحکم للنسب   …… والعین ظاهرة والکون للسبب

                                                  الفتوحات ج3 ص 525  


والعین واحدة والحکم مختلف    ….. والعبد یعبد الرحمن معبود

                                                 الفتوحات  ج2 ص 484

من الزوائد أن تعلم أن حکم الأعیان لیس نفس الأعیان ، وأن ظهور هذا الحکم فی وجود الحق، وینسب إلى العبد بنسبة صحیحة، وینسب إلى الحق بنسبة صحیحة فزاد الحق من حیث الحکم حکما لم یکن علیه ، وزاد العین إضافة وجود إلیه لم تکن یتصف به أزلا .

قال تعالى : « کل یوم هو فی شأن » أحوال إلهیة فی أعیان کیانیة بأسماء نسبیة عینتها تغییرات کوئیة ، فتجلى أحدی العین فی أعیان مختلفة الکون ، فرات صورها فیه ، فشهد العالم بعضه بعضا ، فی تلک العین ، فمنه المناسب وهو الموافق . ومنه غیر المناسب وهو المخالف.    الفتوحات المکیة ج2 ص 521 , 305 .

راجع وحدة الوجود - المرایا - فص 2 هامش رقم 4  . أهـ  ""

   

ص 389

 

على یدیه هلاک ملک فرعون و هلاک آله. "18" ولما عصمه الله من فرعون «أصبح فؤاد


…………………………………………………..

18 - إیمان فرعون

قوله تعالى « فقولا له فولا لینا لعله یتذکر أو یخشی »

لعل کلمة ترج والترجی من الله إذا ورد واقع بلا شک ، ولهذا قال العلماء إن کلمة عسی من الله واجبة ، فعلم الله أنه یتذکر ، والتذکر لا یکون إلا عن علم سابق منسی ، فالترجی من الله واقع کما قالوا فی عسى ، فإن لعل وعسى کلمتا ترج ، ولم یقل تعالى لموسى وهارون لعله یتذکر أو یخشى فی ذلک المجلس ولا بد ، ولا خلصه للاستقبال الأخراوی . 


فإن الکل یخونه فی ذلک الموطن ، فجاء بفعل الحال الذی یدخله الاحتمال بین حال الدنیا وبین استقبال التأخیر للدار الآخرة ، وذلک لا یکون مخلصا للاستقبال إلا بالسین أو سوف ، ولما کان لعل وعسى من الله واجبتین . 


وقد ترجى من فرعون التذکر والخشیة فلابد أن یتذکر فرعون ذلک فی نفسه وأن یخشى ، والذی ترجى من فرعون وقع ، لأن ترجیه تعالی واقع ، فآمن فرعون وتذکر وخسی کما أخبر الله فإن تلک الخمیرة ما زالت معه تعمل فی باطنه - مع الترجی الإنهی الواجب وقوع المترجی - ویتقوى حکمها إلى حین انقطاع یأسه من أتباعه وحال الغرق بینه وبین أطماعه ، فلجأ إلى ما کان مستترا فی باطنه من الذلة والافتقار لیتحقق عند المؤمنین وقوع الرجاء الإلهی کما أخبر الله ، 


فقال : « آمنت بالذی آمنت به بنو إسرائیل وأنا من المسلمین » فأظهر حالة باطنه وما کان فی قلبه من العلم الصحیح بالله ، فهذا یدلک على قبول إیمانه لأنه لم ینص إلا على ترجی الذکر والخشیة ، لا على الزمان ، إلا أنه فی زمان الدعوة ، ووقع ذلک زمان الدعوة فی الحیاة الدنیا .


الفتوحات ج 2 / 276 ، 417 - ج 3 / 264 ، 533.


«حتى إذا أدرکه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذی آمنت به بنو إسرائیل وأنا من المسلمین».

لما علم فرعون الحق وأثبت فی کلامه بأن موسى علیه السلام مرسل بقوله « إن رسولکم الذی أرسل إلیکم لجنون » فإنه ما جاء من نفسه لأنه دعا إلى غیره، فبقیت

 

ص 390


أم موسى فارغا» من الهم الذی کان قد أصابها. ثم إن الله حرم علیه المراضع حتى 

…………………………………………………..


تلک الخمیرة عند فرعون تختمر بها عجین طینته ، وما ظهر حکیها ولا اختر عجینه إلا فی الوقت الذی قال فیه « آمنت » فتلفظ باعتقاده الذی معه « أنه لا إله إلا الذی آمنت به بنو إسرائیل » وما سمی الله لیرفع اللبس والسک ، إد فد علم الحاضرون أن بنی إسرائیل ما آمنت إلا بالإله الذی جاء موسى وهارون من عنده إلیهم . 

فاو قال « آمنت بالله » وهو قد قرر أنه ما علم لقومه من إله عیره لقالوا لنفسه شهد لا للذی أرسل موسى إلینا ، کما شهد الله لنفسه ، فرفع هذا اللبس بما قاله . 

عند ذلک أخذ جبریل حال(1) البحر فألقمه فی فم فرعون حتى لا یتلفظ بالتوحید . 


ویسابقه مسابقة غیرة على جناب الحق ، مع علمه بأنه علم أنه لا إله إلا الله . 

وغلبه فرعود فإنه قال کلمة التوحید بلسانه کما أخبر الله تعالی عنه فی کتابه العزیز ، فجاء فرعون باسم الصلة وهو «الذی» لیرفع اللبس عند السامعین ولرفع الإشکال عند الأشکال. 

وهذا هو التوحید الثانی عشر فی القرآن ، وهو توحید الاستغاثة وهو توحید الصلة ، فإنه جاء « بالذی » فی هذا التوحید، وهو من الأسماء الموصولة . 

وقدم الهویة فی قوله « أنه » لیعید ضمین « به » علیه ، لیلحق بتوحید الهویة . 


تم نسم وقال « وأنا من المسلمین » خطاب منه لتحق لعلمه بأنه تعالى یسمعه ویراه ، قال ذلک لما علم أن الإله هو الذی ینقاد إلیه ، ولا ینقاد هو لأحد ، أعلم بذلک فرعون لیعلم قومه برجوعه عما کان ادعاه فیهم ، من أنه ربهم الأعلى ، فأمره إلى الله فإنه آمن عند رؤیة البأس ، وما نفع مثل ذلک الإیمان فرفع عنه عذاب الدنیا إلا قوم یونس ، ولم یتعرض للآخرة ، ثم إن الله صدقه فی إیمانه بقوله « الآن وقد عصیت قبل وکنت من المفسدین » .


قال تعالى لفرعون « الآن » قلت ذلک ، فأثبت الله بقوله « الآن » أنه آمن عن علم محقق والله أعلم وإن کان الأمر فیه احتمال ، فدل على إخلاصه فی إیمانه ، ولو لم یکن مخلصا لقال فیه تعالى کما قال فی الأعراب الذین

 

ص 391


أقبل على ثدی أمه فأرضعته لیکمل الله لها سرورها به. کذلک علم الشرائع، کما 

……………………………………………….

قالوا « آمنا قل لم تؤمنوا ولکن قولوا أسلمنا ولما یدخل الإیمان فی قلوبکم » وشهد الله لفرعون بالإیمان ، وما کان الله لیشهد لأحد بالصدق فی توحیده إلا وبجازیه به . وبعد إیمانه فما عصى . 

فقبله الله ، إن کان قبله طاهرا، والکافر إذا أسلم وجب علیه أن یغتسل . فکانه غرقه غسلا له وتطهیرا ، حیث أخذه الله فی تلک الحال نکال الآخرة والأولى . 

وجعل ذلک عبرة لمن یختی ، وما أشبه إیمانه إیمان من غرعر . 

إن المغرغر موقن بأنه مفارق قاطع بذلک ، وهذا الغرق هنا لم یکن کذلک ، لأنه رأى البحر یبسا فی حق المؤمنین ، فعلم أن ذلک لهم بإیمانهم ، فما أیقن بالمون بل غلب على ظنه الحیاة ، فلیس منزلته منزلة من حضره الموت ، فقال «إنی نبت الآن ، ولا هو من الذین یموتون وهم کفار ، 

فأمره إلى الله تعالى ، « فالیوم ننجیک ببدنک لتکون لمن خلفک آیة وإن کثیرا من الناس عن آیاتنا لغافلون » کان حکم آل فرعون فی نفس الأمر خلاف حکم فرعون فی نفسه . فإنه علم صدق موسی علیه السلام .

وعلم حکم الله فی ظاهره بما صدر منه وحکم الله فی باطنه بما کان یعقده من صدق موسى فیما دعاهم إلیه ، وکان ظهور إیمانه المقرر فی باطنه عند الله مخصوصا بزمان مؤقت . لا یکون إلا فیه . وبحالة خاصة . 

فظهر بالإیمان لما جاء زمانه وحاله . 


فغرق قومه آیة ، ونجا فرعون ببدنه دون قومه عند ظهور إیمانه آیة ، فمن رحمة الله بعباده أن قال « فالیوم ننجیک ببدنک » یعنی دون قومک « لتکون لمن خلفک آیة » أی علامة لمن آمن بالله ، أی ینجیه الله ببدنه أی بظاهره ، فإن باطنه لم یزل محفوظة بالنجاة من الترک ، لأن العلم أقوى الموانع ، فسوى الله فی الغرق بینهم وتفرقا فی الحکم . 


فجعلهم سلفا ومشلا للآخرین ، یعنی الأمم الذین یأتون بعدهم . وخص فرعون بأن تکون نجاته آیة لمن رجع إلى الله بالنجاة ، فإن الحق خاطب فرعون بلسان العتب وأسمعه « الآن » أظهرت ما قد کنت تعلمه «وقد عصیت قبل وکنت من المفسدین» فهی کلمة بشرى لفرعون . عرفنا الحق بها لنرجو رحمته مع إسرافنا وإجرامنا ، ثم قال "فالیوم ننجیک" ، فبشره قبل قبض روحه ، « ببدنک

 

ص 391


قال تعالى « لکل جعلنا منکم شرعة ومنهاجا » أی طریقا . ومنهاجا أی من تلک

………………………………………………..

لتکون لمن خلفک » یعنی لتکون النجاة لمن یأتی بعدک « آیة » علامة إذا قالت ما قلته تکون له النجاة مثل ما کانت لک ، وما فی الآیة أن بأس الآخرة لا یرتفع ولا أن إیمانه لم یقبل ، وإنما فی الآیة أن بأس الدنیا لا یرتفع عمن نزله به إذا آمن فی


حال رؤیته ، إلا ةوم یونس ، فقوله "فالیوم ننجیک ببدئک" ، إذ العذاب لا یتعلق إلا بظاهرک ، وقد أریت الخلق نجاته من العذاب ، فکان ابتداء الغرق عذابا ، فصار الموت فیه شهادة خالصة بریئة لم یتخللها معصیة ، فقبضت على أفضل عمل ، وهو التلفظ بالإیمان ، کل ذلک حتى لا یقنط أحد من رحمة الله ، والأعمال بالخواتیم ، فلم یزل الإیمان بالله یجول فی باطن فرعون ، وجاء طوعا فی إیمانه ، وما عاش بعد ذلک ، 


فقبض فرعون ولم یؤخر فی أجله فی حال إیمانه لئلا یرجع إلى ما کان علیه من الدعوى ، ثم قوله تعالى فی تتمیم قصته هذه « وإن کثیرا من الناس عن آیاتنا لغافلون » وقد أظهرت نجاتک آیة أی علامة على حصول النجاة ، فغفل أکثر الناس عن هذه الآیة ، وقضوا على المؤمن بالشقاء ، 


وأما قوله تعالی "فأوردهم النار" ، فما فیه نص أنه یدخلها معهم ، بل قال الله « ادخلوا آل فرعون » ولم یقل «أدخلوا فرعون وآله» ورحمة الله أوسع من حیث أن لا یقبل إیمان المضطر ، وأی اضطرار أعظم من اضطرار فرعون فی حال الغرق ، والله یقول «أمن یجیب المضطر إذا دعاه ویکشف السوء» فقرن للمضطر إذا دعاه الإجابة وکشف السوء عنه ، وهذا آمن خالصا ، وما دعاه فی البقاء فی الحیاة الدنیا خوفا من العوارض أو یحال بینه وبین هذا الإخلاص الذی جاء به فی هذه الحال ، فرجح جانب لقاء الله على البقاء بالتلفظ بالإیمان ، وجعل ذلک الغرق « نکال الآخرة والأولى ، فلم یکن عذابه أکثر من غم الماء الأجاج وقبضه على أحسن صفة ، هذا ما یعطیه ظاهر اللفظ ، وهذا معنی قوله « إن فی ذلک لعبرة لمن یخشی » یعنی فی أخذه نکال الآخرة والأولى ، وقدم ذکر الآخرة وأخر الأولى لیعلم أن العذاب ، أعنی عذاب الغرق هو نکال الآخرة ، فلذلک قدمها فی الذکر على الأولى ، وهذا هو الفضل العظیم . 


الفتوحات ج 2 / 276 ، 410 - ج 3 / 90 ، 164 ، 533 - ج 4 / 60 

 

ص 393 

 

قال الشیخ رضی الله عنه :  ( الطریقة جاء. "19"

فکان هذا القول إشارة إلى الأصل الذی منه جاء.

فهو غذاؤه کما أن فرع الشجرة لا یتغذى إلا من أصله.

فما کان حراما فی شرع یکون حلالا فی شرع آخر یعنی فی الصورة: أعنی قولی یکون حلالا، وفی نفس الأمر ما هو عین ما مضى، "20"  لأن الأمر خلق جدید و لا تکرار. فلهذا نبهناک. "21"

فکنى عن هذا فی حق موسى بتحریم المراضع: فأمه على الحقیقة من أرضعته لا من ولدته، فإن أم الولادة حملته على جهة الأمانة فتکون فیها و تغذى بدم طمثها من غیر إرادة لها فی ذلک حتى لا یکون لها علیه امتنان، فإنه ما تغذى إلا بما لو لم یتغذ به ولم یخرج عنها ذلک الدم لأهلکها وأمرضها.

فللجنین المنة على أمه بکونه تغذى بذلک الدم فوقاها بنفسه من الضرر الذی کانت تجده لو امتسک ذلک الدم عندها ولا یخرج ولا یتغذى به جنینها.

والمرضعة لیست کذلک، فإنها قصدت برضاعته حیاته و إبقائه. "22"

فجعل الله ذلک لموسى فی أم ولادته، فلم یکن لامرأة علیه فضل إلا لأم ولادته لتقر عینها) 


………………………………………………….

19 ، 20 - النسخ


النسخ فی الحکم عبارة عن انتهاء مدة الحکم لا على البداء ، فان ذلک یستحیل على الله ، فما کان محرما فی شرع ما حلله الله فی شرع آخر ونسخ ذلک الحکم الأول فی ذلک المحکوم علیه بحکم آخر فی عین ذلک المحکوم علیه ، 


قال الله تعالى « لکل جعلنا منکم شرعة ومنهاجا » فالنسخ لا أقول به على حد ما یقولون به ، فإنه عندنا انتهاء مدة الحکم فی علم الله ، فإذا انتهى فجائز أن یأتی حکم آخر ، وبذلک یکون النسخ عبارة عن انتهاء مدة ذلک الحکم أعقبه حکم آخر ، لا أن الأول استحال ، بل انقضى لانقضاء مدته ، لارتباطه فی الأصل بمدة یعلمها الله معینة .  الفتوحات ج 2 / 164 ، 473 - ج 3 / 61 - ج 4 / 107

 

21 - ملاحظة *

الحرام والحلال حکم الله وحکم الله لیس بمخلوق - فتوحات ج 1 / 44

 

22 - الأم على الحقیقة *

إیاک وعقوق الوالدین إن أدرکتهما ، فأشقى الناس من أدرک والدیه ودخل النار ، 

قال تعالى : " ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا کریما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما کما ربیانی صغیرا ، وقال فی الوالدین إذا


ص 394

 

قال الشیخ رضی الله عنه : ( بتربیته و تشاهد انتشاءه فی حجرها، «ولا تحزن».

ونجاه الله من غم التابوت، فخرق ظلمة الطبیعة بما أعطاه الله من العلم الإلهی وإن لم یخرج عنها، و فتنه فتونا أی اختبره فی مواطن کثیرة لیتحقق فی نفسه صبره على ما ابتلاه الله به.

فأول ما أبلاه الله به قتله القبطی بما ألهمه الله ووفقه له فی سره  وإن لم یعلم بذلک، ولکن لم یجد فی نفسه اکتراثا بقتله مع کونه ما توقف حتى یأتیه أمر ربه بذلک، لأن النبی معصوم الباطن من حیث لا یشعر حتى ینبأ أی یخبر بذلک.

ولهذا أراه الخضر قتل الغلام فأنکر علیه قتله ولم یتذکر قتله القبطی فقال له الخضر «ما فعلته عن أمری» ینبهه على مرتبته قبل أن ینبأ أنه کان معصوم الحرکة فی نفس الأمر وإن لم یشعر بذلک. )


……………………………………………………..

کانا کافرین «وصاحبهما فی الدنیا معروفا » وقال « أن اشکر لی ولوالدیک ، ورجح الأم وقدمها فی الإحسان والبر على ابیک ، ثبت أن رجلا قال لرسول الله و من أبر ؟ قال له أمک ، ثم قال له من أبر ؟ 

قال أمک ، ثلاث مرات ، ثم قال فی الرابعة من أبر ؟ قال أمک ثم أباک ، فقدم الأم على الأب فی البر وهو الإحسان ، کما قدم الجار الأقرب على الأبعد، ولکل حق . فتوحات ج 2 / 354 - ج 4 / 478.

 

 ویقول فی کتابه « إیجاز البیان فی الترجمة عن القرآن » فی تفسیر قوله تعالى : « والوالدات یرضعن أولادهن حولین کاملین » أمر خرج مخرج الخبر ، یقول حق على الوالدة رضاع ولدها ، والذی یقول إنه لا یجب علیها لقوله تعالى : " فإن أرضعن لکم فأتوهن أجورهن وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى" ، وأنه إنما یجب على المولود له وهو الأب ، یقول پإیجابه إذا لم یقبل غیر ثدی أمه أو یکون الوالد معسرة ، فالقرآن أوجب الرضاعة على الأم ، وأوجب على الأب نفقة الأم وکسوتها ما دامت ترضعه ، وذلک بالمعروف ، وهو أن لا تکلفه إلا على قدر ما یجده ولا تضاره ولا یضارها الأب بأن یأخذه منها بعد تألفه بها لتسقط عنه بذلک النفقة وما یجب لها ، وکل ضرر یتعلق بسبب الولد من کل واحد منهما بصاحبه ، 


وقوله « حولین » یقول سنتین ، وقوله « کاملین » رفعا للتجوز الذی یدخل الکلام فی ذلک ، تقول فی بعض الیوم الثانی : ما رأیت فلانة منذ یومین - من قبل أن ینقضی الیوم الثانی - فإذا قال « کاملین » رفع هذا الالتباس ، ولذلک قال " لمن أراد أن یتم الرضاعة "

 

ص 395

 

قال الشیخ رضی الله عنه : ( وأراه أیضا خرق السفینة التی ظاهرها هلاک و باطنها نجاة من ید الغاصب.

جعل له ذلک فی مقابلة التابوت له الذی کان فی الیم مطبقا علیه. فظاهره هلاک و باطنه نجاة.

و إنما فعلت به أمه ذلک خوفا من ید الغاصب فرعون أن یذبحه صبرا  وهی تنظر إلیه، مع الوحی الذی ألهمها الله به من حیث لا تشعر.

فوجدت فی نفسها أنها ترضعه فإذا خافت علیه ألقته فی الیم لأن فی المثل «عین لا ترى قلب لا یفجع».

فلم تخف علیه خوف مشاهدة عین، ولا حزنت علیه حزن رؤیة بصر، وغلب على ظنها أن الله ربما رده إلیها لحسن ظنها به.

فعاشت بهذا الظن فی نفسها، والرجاء یقابل الخوف والیأس، وقالت حین ألهمت لذلک لعل هذا هو الرسول الذی یهلک فرعون والقبط  )


……………………………………………….

والعامل فی قوله « لمن » یرضعن ، فما أوجب سبحانه إتمام الرضاعة له ، ثم قال « وعلى المولود له » یرید الأب دون الأم ، فإن الولد للأب ۰۰۰ فلهذا أضیف إلى الأب ، وإذا أضیف الولد إلى أمه فمن کونه یکون فی رحمها وکان غذاؤه منها فی مدة کونه فی بطنها :


وإنما أمهات الناس أوعیة ومستودعات وللأبناء آباء وقوله : " وعلى الوارث مثل ذلک "، أحسن التأویلات فیه ، أن یکون المعنی بالوارث الولد إذا مات أبوه ، أنفق علیه مما یرثه من أبیه من ماله ، 


وقوله : « مثل ذلک ، أی مثل ما کان یجب على الأب من النفقة والکسوة لمن یرضعه ، وقوله « فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح علیهما ، یقول فإن أراد والداه بعد أن عرفا التحدید على أکمل الوجوه بذکر الحولین لمن أراد تمیم الرضاعة ، یقول فإن تراضیا وتشاورا على فصاله أی فطامه من الرضاعة ، فلا جناح علیهما ، وسبب ذلک أن الأم أعلم بمصالح الصغیر وتربیته فینبغی أن لا یکون الفصال إلا بعد مشورتها ومشورة الأب ورضاه لما یلزمه على ذلک ، فإذا رأیا الزیادة أصلح بالطفل زادا ، أو النقص من الحولین اتفقا على ذلک ، للحق الذی لکل واحد منهما فی الولد …….

ورفع الله الإثم عن الأبوین فی الزیادة والنقص عن التحدید الذی حد الله من النقص والتمام « وإن أردتم أن تسترضعوا أولادکم » الآیة ، یقول إن امتنعت الأم عن رضاع ولدها ، إما إبایة أو لعذر قام بها من انقطاع لبن أو فساده

 

ص 396


على یدیه.  فعاشت وسرت بهذا التوهم والظن بالنظر إلیها، وهو علم فی نفس الأمر. "22"

ثم إنه لما وقع علیه الطلب خرج فارا خوفا فی الظاهر، وکان فی 


………………………………………………….

لمرض یخاف على الصبی إن شرب منه ، فأردتم أن تسترضعوا من یرضع أولادکم من النساء وهی الظئر،  "" الظئر الأم الراضعة لطفل غیرها""


فحذف أحد المفعولین « فلا جناح علیکم » یقول فلا حرج علیکم فی دلک « إذا » شرطا ، یقول « سلمتم ما آتیتم بالمعروف » والتسلیم الإعطاء بسهولة والانقیاد إلى ذلک ۰۰۰ یقول إذا قبضتم الظئر ما آتیتم القدر الذی تعطونها من الأجرة على ذلک « بالمعروف » بالوجه المشروع من السماحة فی العطاء والمبادرة إلیه من غیر نقص مما وقع علیه الاتفاق بینکم من غیر مطل .

 

23 - « وأوحینا إلى أم موسی ۰۰.» *

الوحی هو المفهوم الأول والإفهام الأول ، ولا أعجل من أن یکون عین الفهم عین الإفهام عین المفهوم منه . 

ألا ترى أن الوحی هو السرعة ، ولا سرعة أسرع مما ذکرناه ، فهذا الضرب من الکلام یسمى وحیا ، ولما کان بهذه المثابة وأنه تجل إلهی کان الوحی ما یسرع أثره من کلام الحق تعالى فی نفس السامع ، ولهذا لا یتصور المخالف إذا کان الکلام وحیا ، فإن سلطانه أقوى من أن یقاوم "وأوحینا إلى ام موسى أن أرضعیه فإذا خفت علیه فألقیه فی الیم" ، 


وکذلک فعلت ولم تخالف مع أن الحالة تؤذن أنها ألقته فی الهلاک ، فلم تخالف ولا ترددت ولا حکمت علیها البشریة بأن إلقاءه فی الیم فی تابوت من أخطر الأشیاء ، فدل على أن الوحی أقوى سلطانا فی نفس الموحى إلیه من طبعه الذی هو عین نفسه ، فانظر فی نفسک فی التردد أو المخالفة فإن وجدت لذلک أثرا بتدبیر أو تفصیل أو تفکر فلست صاحب وحی ، فإن حکم علیک وأعمالک وأصمک وحال بین فکرک وتدبیرک وأمضى حکمه فیک فذلک هو الوحی وأنت عند ذلک صاحب وحی . فتوحات ج 2 / 78

هذا المعنى یخالف تماما ما جاء فی هذه الفقرة من وصف أم موسی ب : لعل وغلبة الظن والتوهم إلى غیر ذلک .


ص 397


 الجزء الثالث

قال الشیخ رضی الله عنه :  ( المعنى حبا للنجاة.

فإن الحرکة أبدا إنما هی حبیة، ویحجب الناظر فیها بأسباب أخر، ولیست تلک."24"

وذلک لأن الأصل حرکة العلم من العدم الذی کان ساکنا فیه إلى الوجود، ولذلک یقال إن الأمر حرکة عن سکون: فکانت الحرکة التی هی وجود العالم حرکة حب.

وقد نبه رسول الله صلى الله علیه وسلم على ذلک بقوله «کنت کنزا لم أعرف فأحببت أن أعرف ».  فلولا هذه المحبة ما ظهر العالم فی عینه.

فحرکته من العدم إلى الوجود حرکة حب الموجد لذلک: ولأن العالم أیضا یحب شهود نفسه وجودا کما شهدها ثبوتا، فکانت بکل وجه حرکته من العدم الثبوتی إلى الوجود حرکة حب من جانب الحق وجانبه : "25" فإن الکمال محبوب لذاته، وعلمه تعالى بنفسه من حیث هو غنی عن العالمین، هو له.

وما بقی إلا تمام مرتبة العلم بالعلم الحادث الذی یکون من هذه الأعیان، أعیان العالم، إذا وجدت.

فتظهر صورة الکمال بالعلم المحدث والقدیم فتکمل مرتبة العلم بالوجهین، وکذلک تکمل مراتب الوجود: 

……………………………………………...

24 - فرار موسی علیه السلام

قال هذا الکلام موسى علیه السلام لفرعون و آله ، فإنه لما وقع من موسى علیه السلام ما وقع من قتل القبطی ففر إلى النجاة التی یمکن أن تحصل له بالفرار ، فإنه علم أن الله وضع الأسباب وجعل لها أثرا فی العالم بما یوافق ألأغراض وبما لا یوافقها وبما یلایم الطبع وبما لا یلائمه ، فرأى أن الفرار من الأسباب الإلهیة الموضوعة فی بعض المواطن لوجود النجاة ، فهو فرار طبیعی لأنه ذکر أن الخوف من السبب جعله یفر ، لکنه معری عن التعریف بما ذکرناه من الوضع الإلهی فإن هذا کان قبل نبوته ومعرفته بما یریده الحق به ، ویحتمل أن یکون فرار موسى علیه السلام الذی علله بالخوف من فرعون وقومه ، ما کان خوفه إلا من الله أن یسلطهم علیه إذ له ذلک ، فإنه فعال لما یرید ولا یدری ما فی علم الله ، فکان فراره إلى ربه لیعتز به . 

فتوحات ج 2 / 155 - ج 3 / 125 ، 264 - ج 4 / 183  

 

25 – الحب سبب وجود العالم

راجع فص 1، هامش 3، ص 23 

راجع فص 10، هامش 26، ص 154

 

""  3 - الحب سبب وجود العالم              فص 1، هامش 3، ص 23 

لما لم یکن علم الله تعالى بالعالم إلا علمه بنفسه إذ لم یکن فی الوجود إلا هو.

فما ظهر فی الکون إلا ما هو علیه فی نفسه ، فلابد أن یکون العالم على صورته ، وصورة العالم على قدر الحضرة الإلهیة الأسمائیة ، فما فی الحضرة الإلهیة اسم إلهی إلا وهو على قدر أثره فی نشء العالم من غیر زیادة ولا نقصان ، فخلق الله العالم

فی غایة الإحکام والإتقان کما قال الإمام أبو حامد الغزالی من أنه لم یبق فی الإمکان أبدع من هذا العالم ..

فطابق العالم الأسماء الإلهیة ، وکأنه تعالى کان باطنا فصار بالعالم ظاهرا ، فعرف نفسه شهودة بالظاهر بقوله : "فأحببت أن أعرف" - الحدیث .

ولما أظهر العالم فی عینه کان مجلاه ، فما رأی فیه غیر جماله ، فالعالم جمال الله، فهو تعالى الجمیل المحب الجمال ، ورد فی الخبر الصحیح فی صحیح مسلم عن رسول الله مع أنه قال : "إن الله جمیل یحب الجمال"، فأوجد الله العالم فی غایة الجمال والکمال خلقا وإبداعا ، فإنه تعالى یحب الجمال ، وما ثم جمیل إلا هو ، فأحب نفسه ثم أحب أن یرى نفسه فی غیره ، فخلق العالم على صورة جماله ونظر إلیه فأحبه حب من قیده النظر ، فما خلق الله العالم

إلا على صورته ، فالعالم کله. جمیل وهو سبحانه یحب الجمال.

کلمة الحضرة الإلهیة وهی کلمة « کن » : لله تجل فی صورة تقبل القول والکلام بترتیب الحروف ، « فکن » عین ما تکلم به فظهر عنه الذی قیل له کن ، فعین الأمر عین التکوین ، وما ثم أمر إلهی إلا کن ، فإذا نظرت إلى تکون العالم من النفس الرحمانی الظاهر من محبة الله أن یعرفه خلقه ، علمت أن ما فی العالم أو ما هو العالم سوی کلمات الله ، وکلمات الله أمره ، وأمره واحدة کلمح البصر أو هو أقرب .

وعلمت اختصاص کلمة الحضرة من الکلمات بکلمة کن لکل شیء مع اختلاف ما ظهره فلیس الکون بزائد على کن بواوها الغیبیة ، فظهر الکون على صورة کن ، وکن أمره وأمره کلامه وکلامه علمه ، وعلمه ذاته ، فظهر العالم على صورته ، فلیس للحق منزه ولا مجلی إلا العالم.

راجع الفتوحات المکیة  ج2 /111 , 345 , 399 , 401 , 402 , 403

ج3/ 151 , ج4/ 269

 

26 - الحب سبب وجود العالم       فص 10، هامش 26، ص 154

الحب أصل سبب وجود العالم والسماع سبب کونه ، و بهذا الحب وقع التنفس. وأظهر العالم نفس الرحمن لإزالة حکم الحب ( الکرب ) وتنفس ما یجد المحب. وخرج ذلک النفس عن أصل محبة فی الخلق الذی یرید أن یتعرف إلیهم لیعرفوه .

فتوحات ج 2 / 111 ، 428  . راجع فص 1 هامش 3 ص 23   ""

  

ص 398

 

فإن الوجود منه أزلی و غیر أزلی وهو الحادث.

فالأزلی وجود الحق لنفسه، و غیر الأزلی وجود الحق بصورة العالم الثابت.

فیسمى حدوثا لأنه ظهر بعضه لبعضه وظهر لنفسه بصور العالم.

فکمل الوجود فکانت حرکة العالم حبیة للکمال فافهم. "26"

ألا تراه کیف نفس عن الأسماء الإلهیة ما کانت تجده من عدم ظهور آثارها فی عین مسمى العالم، فکانت الراحة محبوبة له ، و لم یوصل إلیها إلا بالوجود الصوری الأعلى 

……………………………………………..

26 - کمال مرتبة العلم والوجود

اعلم أن العقل والحقیقة نقسم الوجود إلى ما له أول وإلى ما لا أول له ، وهو کمال الوجود ، فإذا کان ما لا أول له موجودا وهو الله تعالى ، والذی لم یکن ثم کان ویقبل الأولیة الحادثة لیس بموجود ، فما کمل الوجود ما لم یکن هذا موجودا ، وذلک قوله تعالی لبعض أنبیائه وفد سأله لم خلقت الخلق ؟ 

فقال : « کنت کنزا مخفیا لم أعرف فأحببت أن أعرف ، فخلقت الخلق وتعرفت إلیهم فعرفونی » وذلک أن العلم بالله ینقسم إلى قدیم وإلى محدث ، فعلم الله نفسه وألوهیته بالعلم القدیم ، ونقص من مراتب الوجود العلمی العلم المحدث ، فخلق الخلق فتعرف إلیهم فعرفوه بقدر ما یعطیه استعدادهم ، فوجد العلم المحدث فکملت مراتب العلم بالله فی الوجود ، الا أن الله تعالى یکمل بعلم العباد .

واعلم أن الله تعالى ما خلق العالم لحاجة کانت له إلیه ، وإنما خلقه دلیلا على معرفته لیکمل بذلک ما نقص من مرتبة الوجود ومرتبة المعرفة ، فلم یرجع إلیه سبحانه فی خلقه وصف کمال لم یکن علیه ، بل له الکمال على الإطلاق ، ولا أیضا کان العالم فی خلقه مطلوبا لنفسه ، لأنه ما طرأ علیه من خلقه صفة کمال ، بل له النقص الکامل على الإطلاق سواء خلق أو لم یخلق ، بل کان المقصود ما ذکرناه مرتبة الوجود ومرتبة المعرفة أن تکمل بوجود العالم وما خلق الله فیه من العلم بالله، لما أعطاه التقسیم العقلی ، فأراد الله سبحانه أن یعرف بالمعرفة الحادثة لتکمل مراتب المعرفة ویکمل الوجود بوجود المحدث ، ولا یمکن أن یعرف الشیء إلا نفسه أو مثله، فلا بد أن یکون الموجود الحادث الذی یوجده الله للعلم به على صورة موجده، حتى یکون کالمثل له ، فلو لم یکن فی العالم من هو على صورة الحق ما حصل

  

ص 399

 

والأسفل.

فثبت أن الحرکة کانت للحب، فما ثم حرکة فی الکون إلا و هی حبیة."27"

فمن العلماء من یعلم ذلک ومنهم من یحجبه السبب الأقرب لحکمه فی الحال واستیلائه على النفس.

فکان الخوف لموسى مشهودا له بما وقع من قتله القبطی، وتضمن الخوف حب النجاة من القتل. ففر لما خاف، و فی المعنى ففر لما أحب النجاة من فرعون و عمله به.

فذکر السبب الأقرب المشهود له فی الوقت الذی هو کصورة الجسم للبشر.

وحب النجاة مضمن فیه تضمین الجسد للروح المدبر له. "28"

والأنبیاء لهم لسان الظاهر به یتکلمون لعموم الخطاب، واعتمادهم على فهم العالم السامع.

فلا یعتبر الرسل إلا العامة لعلمهم بمرتبة أهل الفهم، کما نبه علیه السلام على هذه المرتبة فی العطایا فقال «إنی لأعطی الرجل و غیره أحب إلی منه مخافة أن یکبه الله فی النار».

فاعتبر الضعیف العقل والنظر الذی غلب علیه الطمع والطبع.

فکذا ما جاءوا به من العلوم جاءوا به وعلیه خلعة أدنى الفهوم لیقف من لا غوص له عند الخلعة، فیقول ما أحسن هذه الخلعة ویراها غایة الدرجة.

ویقول صاحب الفهم الدقیق الغائص على درر الحکم بما استوجب هذا «هذه الخلعة من الملک». فینظر فی قدر الخلعة وصنفها من الثیاب، فیعلم منها قدر من خلعت علیه، فیعثر على علم لم یحصل لغیره ممن لا علم له بمثل هذا.

ولما علمت الأنبیاء والرسل والورثة أن فی العالم وأممهم من هو بهذه المثابة، عمدوا فی العبارة إلى اللسان الظاهر الذی یقع فیه اشتراک الخاص والعام، 

……………………………………………………….

المقصود من العلم بالحق ، أعنی العلم الحادث فی قوله « کنت کنزا لم أعرف » فجعل تقسه کنزا ، والکنز لا یکون إلا مکتنزة فی شیء فلم یکن کنز الحق نفسه إلا فی صورة الإنسان الکامل فی شیئیته وثبوته ، هناک کان الحق مکنوزا ، فلما کسا الحق الإنسان ثوب شیئیة الوجود ، ظهر الکنز بظهوره ، فعرفه الإنسان الکامل بوجوده . وعلم أنه کان مکنوزا فیه فی شیئیة ثبوته وهو لا یشعر به ، فسبب وجود الممکنات کمال مراتب الوجود الذاتی والعرفانی لا غیر . 

کتاب عقلة المستوفز - فتوحات ج 1 / 45 - ج 2 / 670 - ج 3 / 133 ، 266 ، 267 

 

27 - محاضرة الأسماء

راجع فص 1، هامش 2، ص 20 -  فص 15 ، هامش 23، ص 241

الحب سبب وجود العالم - راجع فص 1، هامش 3، ص 23 

 

""  2 - محاضرة الأسماء و تحاورها           فص 1، هامش 2، ص 20

اجتماع الأسماء فی حضرة المسمى وظهور أحکامها

إن الأسماء اجتمعت بحضرة المسمى ، ونظرت فی حقائقها ومعانیها ، فطلبت ظهور أحکامها حتى تتمیز أعیانها بآثارها.

فإن الخالق الذی هو المقدر والعالم والمدبر والمفصل والبارئ والمصور والرزاق والمحینی والمیت والوارث والشکور .

وجمیع الأسماء الإلهیة نظروا فی ذواتهم ولم یروا مخلوقا ولا مدبرا ولا مفصلا ، ولا مصورا ولا مرزوقا.

فقالوا کیف العمل حتى تظهر هذه الأعیان التی تظهر أحکامنا فیها فیظهر سلطاننا ؟ فلجأت الأسماء الإلهیة التی تطلبها بعض حقائق العالم بعد ظهور عینه إلى الاسم البارئ فقالوا له : " عسى أن توجد هذه الأعیان لتظهر أحکامنا وینبت سلطاننا إذ الحضرة التی نحن فیها لا تقبل تأثیرنا " .

فقال الباریء : « ذلک راجع إلى الاسم القادر فإنی تحت حیطته ».

وکان أصل هذا أن الممکنات فی حلل نعدمها سألت الأسماء الإلهیة سؤال حال ذلة وافتقار .

وقالت لها : إن العدم قد أعمانا عن إدراک بعضنا بعضا وعن معرفة مایجب لکم من الحق علینا، فلو أنکم أظهرتم أعیاننا و کسوتمونا حلة الوجود أنعمتم علینا بذلک وقمنا بما ینبغی لکم من الجلال والتعظیم ، وأنتم أیضا کانت السلطنة تصح لکم فی ظهورنا بالفعل ، والیوم .أتم علینا.

سلاطین بالقوة والصلاحیة، فهذا الذی نطلبه منکم. هو فی حقکم أکثر منه فی حقنا.

فقالت الأسماء : إن هذا الذی ذکرته الممکنات صحیح فتحرکوا فی طلب ذلک ، فلما لجأوا إلى الاسم القادر .

قال القادر : أنا تحت حیطة المزید فالا أوجد عینا منکم إلا باختصاصه ، ولا یمکننی الممکن من نفسه إلا أن یأتیه أمر الأمر من ربه ، فإذا أمره بالتکوین وقال له کن مکننی من نفسه و تعلقت بإیجاده فکونته من حینه.

فلجأوا إلى الاسم المرید ، فقالوا له : إن الاسم القادر سألناه فی إیجاد أعیانبا فأوقف أمر ذلک علیک فما ترسم ؟

وقال المرید صدق القادر. ولکن ما عندی خبر ما حکم الأمم العالم فیکم ، هل سبق علمه بإیجادکم فنخصص أو لم یسبق؟

فأنا تحت حیطة الاسم العالم ، فسیروا إلیه واذکروا له قضیتکم.

فساروا إلى الاسم العالم وذکروا ما قاله الأسم المرید .

فقال العالم : صدق المرید وقد سبق علمی بإیجادکم ؛ ولکن الأدب أولى :" فإن لنا حضرة مهیمنة علینا وهی الاسم الله .

فلابد من حضورنا عنده ، فإنها حضرة الجمع ، فاجتمعت الاسماء کلها فی حضرة الله .

فقال : ما بالکم ؟

فذکروا له الخبر .

فقال : أنا اسم جامع لحقائقکم وإنی دلیل على مسمى وهو ذات مقدسة له نعوت الکمال والتنزیه، فقفوا حتى أدخل على مدلولی ، فدخل على مدلوله فقال له ما قالته الممکنات وما تحاورت فیه الأسماء.

 فقال : اخرج وقل لکل واحد من الأسماء یتعلق بما تقتضیه حقیقته فی الممکنات فإنی الواحد لنفسی من حیث نفسی ، والممکنات إنما تطلب مرتبتی وتطلبها مرتبتی، والأسماء الإلهیة کلها للمرتبة لا لی إلا الواحد خاصة فهو اسم خصیص بی لا یشارکنی فی حقیقته من کل وجه أحد. لا من الأسماء ولا من المراتب ولا من الممکنات.

فخرج الاسم الله ومعه الاسم المتکلم یترجم عنه للممکنات والأسماء، فذکر لهم ما ذکره المسمى ، فتعلق العالم والمرید والقائل والقادر .

فظهر الممکن الأول من الممکنات بتخصیص المرید وحکم العالم ، فلما ظهرت الأعیان والآثار فی الأکوان ، وتسلط بعضها على بعض ، وقهر بعضها بعضا ، بحسب ما تستند إلیه من الأسماء ، فادی إلى منازعة وخصام.

فقالوا : إنا نخاف علینا، أن یفسد نظامنا وتلحق بالعدم الذی کنا فیه .

فنبهت الممکنات الأسماء بما ألقى إلیها الأسم العلم والمدبر.

وقالوا : أنتم أیها الأسماء لو کان حکمکم على میزان معلوم وحد مرسوم بإمام ترجعون إلیه یحفظ علینا وجودا وتحفظ علیکم تأثیراتکم فینا ، لکان أصلح لنا ولکم ، فالجأوا إلى الله عسى یقدم من یحد لکم حدا تقفون عنده وإلا، هلکنا وتعطلتم .

فقالوا : هذا عین المصلحة وعین الرأی ، ففعلوا ذلک .

فقالوا : إن الاسم المدبر هو ینهی أمرکم ، فأنهوا الى المدبر الأمر .

فقال : أنا لها ، فلخل وخرج بأمر الحق إلى الاسم الرب .

وقال له : افعل ما تقتضیه المصلحة فی بقاء أعیان هذه الممکنات .

فاتخذ: وزیرین یعیناته على ما أمر به ، الوزیر الواحد الاسم المدبر ،والوزیر الآخر المفصل.

قال تعالى : یدبر الأمر یفصل الآیات لعلکم بلقاء ربکم توقنون، الذی هو الإمام، فانظر ما أحکم کلام الله تعالى ، حیث جاء بلفظ مطابق للحال الذی ینبغی أن یکون الأمر علیه ، فحد الاسم الرب لهم الحدود ووضع لهم المراسم لإصلاح المملکة لیبلوکم أیهم أحسن عملا .

محاضرة الأسماء فی حضرة الذات ... دلیل على الماضی دلیل على الآتی

أقول بها والکون یعطی وجودها ...   لوجدان آلام ووجدان لذات

فلولا وجود المحو ما صح عندنا ... ولا عند من یدری وجود لأثبات

ویقول فی موطن آخر :

اعلم أن السدنة من الأسماء الإلهیة لما کانت بأیدیهم مقالید السموات والأرض ، ولا سماء ولا أرض ، بقی کل سادن بمقلاده لا یجد ما یفتح .

فقالوا : یا للعجب خزان بمفاتیح مخازن لا تعرف مخزنا موجودا ، فما نصنع بهذه المقالید ، فأجمعوا أمرهم وقالوا «لابد لنا من أئمتنا السبعة الذین أعطونا هذه المقالید ولم یعرفونا المخازن التی تکون علیها ، فقاموا على أبواب الأمة ، على باب الإمام المخصص والإمام المنعم والإمام المقسط ، فأخبرهم الأمر ، فقالوا: صدقتم ، الخبر عندنا ، و سنعینها لکم إن شاء الله تعالى ، ولکن تعالوا نصل إلى من بقی من الأئمة ونجتمع على باب حضرة الإمام الإلهی إمام الأئمة ، فاجتمع الکل وهم بالإضافة إلى الإمام.

المعروف « بالله » سدنة ، فوقف الجمیع ببابه فبرز لهم.

 وقال : ما الذی جاء بکم ؟

فذکروا له الأمر وأنهم طالبون وجود السموات والأرض حتى یضعوا کل مقلاد على بابه ، فقال : أین الإمام المخصص ؟

 فبادر إلیه المرید ، فقال له : ألیس الخبر عندک وعند العلیم ؟

فقال له نعم ، قال : فإن کان فأرح هؤلاء مما هم فیه من تعلق الخاطر وشغل البال ، فقال العلیم والمرید : أیها الإمام الأکمل .

 قل الإمام القادر یساعدنا والقائل ، فإنه لا تقوم به بأنفسنا إلا أربعتنا ، فنادى الله تعالى القادر والقائل ، وقال لهما : أعینا أخویکما فیما هما بسبیله.

فقالا « نعم » فدخلا حضرة الجواد .

فقالا للجواد : عزمنا على إیجاد الأکوان وعالم الحدثان ، وإخراجهم من العدم إلى الوجود، وهذا من حضرتک حضرة الجود.

فادفع لنا من الجود ما تبرزهم به ، فدفع لهم الجود المطلق ، فخرجوا به من عنده ، وتعلقوا بالعالم فأبرزوه على غایة الإحکام والإتقان ، فلم یبق فی الإمکان أبدع منه ، فإنه ص در عن الجود المطلق .

ولو بقی أبدع منه لکان الجواد قد بخل بما لم یعط وأبقاه عنده من الکمال ، ولم یصح علیه إطلاق اسم الجواد وفیه شیء من البخل .

فلیس اسم الجواد علیه فیما أعطى بأولى من اسم البخیل علیه فیما أمسک ، وبطلت الحقائق ، وقد ثبت أن اسم البخیل علیه محال ، فکونه أبقى عنده ما هو أکمل منه محال ، وما ظهر الإمام المقسط إلا بعد نزول الشرائع.

راجع فتوحات ج 1 / 323 – ج 2 / 556  , کتاب إنشاء الجداول والدوائر.


23 - محاضرة الأسماء ومحاوریها      فص 15 ، هامش 23، ص 241

یقول الشیخ فی کتابه « عنقاء مغرب » فی باب محاضرة أزلیة على نشأة أبدیه : اجتمعت الأسماء بحضرة المسمى اجتماعا کریما وتریا منزهة عن العدد ، من غیر مادة الأمد ، فلما أخذ کل اسم فیها مرتبته ، ولم یتعد منزلته ، فتنازعوا الحدت دون محاورة ، وأشار کل اسم إلى الذی یجانبه دون ملاصقة ومجاورة ، وقالت . 

یا لیت شعرنا ، هل یتضمن الوجود غیرنا ، فما عرف أحد منهم ما یکون ، إلا اسان أحدهما العلم المکنون ، فرجعت الأسماء إلى الاسم العلیم الفاضل : وقالوا أنت لنا الحکم العادل، فقال نعم " باسم الله"، وأشار إلى الاسم الجامع « الرحمن » وأشار إلى الاسم التابع «الرحیم»، وأشار إلى الاسم العظیم وصلى الله» ورجع إلى الاسم الجامع من جهة الرحمة « على النبی » وأشار إلى الاسم الخبیر والعلی" ، بمحمد الکریم ، وأشار إلى الاسم الحمید « خاتم الأنبیاء وأول الأمة، وصاحب لواء الحمد والنعمة » فنظر فی الأسماء من لم یکن له فیما ذکره العلیم حظ ، ولا جرى علیه من اسسه التکریم لفظ ، وقال العلیم ، من ذا الذی صلیت علیه ، وأثرت فی کلامک إلیه ، وقرنته بحضرة جمعنا (قرن الشهادة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) .

 

 وقرعت به باب سمعنا ، ثم خصصت بعضنا بالإشارة والتقیید، إلى اسمه الرحیم والحمید ، فقال لهم یا عجبا ، وهذا هو الذی سألتمونی عنه أن أبینه لکم تحقیقا ، وأوضح لکم إلى معرفته طریقا ، هو موجود یضاهیکم فی حضرتکم ، وتظهر علیه آثار نفحتکم، فلا یکون فی هذه الحضرة شیء إلا ویکون فیه ، ویحصله ویستوفیه ، ویشارککم فی أسمائکم ، ویعلم بی حقائق انبائکم ، وعن هذا الوجود المذکور الصادر من حضرتکم ، وأشار إلى بعض الأسماء منها الجود والنور یکون الکون ، والکیف والأین ، وفیه تظهر بالاسم الظاهر حقائقکم ، وإلیه بالاسم المنان وأصحابه تستد رقائقکم ، فقالت تنبیها على أمر لم یکن به علیما ، وکان هذا الاسم - وأشارت إلى المفضل - علینا عظیما ، فمتى یکون هذا الأمر ، ویلوح هذا السر ؟ 

 

فقال سألتم الخبیر ، واهتدیتم بالبصیر ، ولسنا فی زمانه ، فیکون بیننا وبین هذا الکون مدة وأوان ، فغایة الزمان فی حقنا ملاحظة المشیئة حضرة التقدیم ، فتعالوا نسأل هذا الاسم الإحاطی فی جنسه ، المنزه فی نفسه ، وأشارت إلى المرید ، فقیل له متى یکون عالم التقیید فی الوجود الذی یکون لنا فیه الحکم والصولة، ونجول بظهور آثارنا علیه فی الکون على ما ذکره الاسم الحکیم جولة ؟ 

فقال المرید وکان به قد کان ، ویوجد فی الأعیان ، وقال الاسم العلیم ویسی بالإنسان ، ویصطفیة الاسم الرحمن ، ویفیض علیه الاسم المحسن وأصحابه سوابغ الإحسان ، فأطلق الاسم الرحمن محیاه ، وحیا الاسم المحسن وبیاه ، وقال نعم الأخ ونعم الصاحب ، وکذلک الاسم الواهب ، فقام الاسم الوهاب ، فقال وأنا المعطی بحساب وبعیر حساب . 

فقال الاسم الحسیب ، أقید علیکم ما تهبونه ، وأحسب علیکم ما تعطونه ، بشهادة الاسم الشهید ، فإنه صاحب الضبط والتقیید ، غیر أن الاسم العلیم قد یعرفی المعطى له ما یحصل له فی وقت ، ویبهم علیه الاسم المرید فی وقت إبهامه یعلمه ولا یمضیه ، ویأمر بالشیء ویرید ضده فلا یقضیه ، فلا زوال لی عنکما ، ولا فراق لی منکما ، فأنا لکم لزیم ، فنعم الجار والحمیم ، فتوزعت الأسماء کلها مملکة العبد الإنسانی، على هذا الحد الربانی وتفاخرت فی الحضرة الإلهیة الذائیة بحقائقها . 

وبینت حکم مسالکها وطرائقها ، وتعجلت وجود هذا الکون ، رغبة فی أن یظهر لهم عین ، فلجأوا إلى الاسم المرید ، الموقوف علیه تخصیص الوجود ، وقالوا سألناک بهذه الحضرة التی جمعتنا ، والذات التی شملتنا ، إلا ما علقت نفسک بهذا الوجود المنتظر فأردته ، وأنت یا قادر سألناک بذاک إلا ما أوجدته ، وأنت یا حکیم سألناک بذلک إلا ما أحکمته ، وأنت یا رحمن سألناک بذاک إلا ما رحمته ، ولم نزل الأساء تسأل کلها واحدة واحدة ، قائما وقاعدة ، فقال القادر یا إخواننا على المرید بالتعلق وعلی بالإیجاد ، وقال الحکیم على القادر بالوجود وعلی" بالإحکام . 

 

فقام الرحمن وقال علی بصلة الأرحام فإنه شجنة منی فلا صبر لها عنی ، فقال له القادر کل ذلک تحت حکمی وقهری ، 

فقال له القاهر لا تفعل إن ذلک لی وأنت خادمی ، وإن کنت صاحبی وحمیمی ، فقال العلیم أما الذی قال تحت حکمی فلیقدم علی . 

فتوقف الأمر على جمیع الأسماء ، وأن بجملتها یصح وجود عالم الأرض والسماء ، وما بینهما إلى مقام  الأستواء ، ولو فتحنا علیک باب توقفها والتجاء بعضها إلى بعض لرأیت أمرا یهولک منظره ، ویطیب لک خبره ، ولکن فیما ذکرناه ، تنبیه على ما سکتنا عنه وترکناه .

 

ولنرجع ونقول والله یقول الحق ویهدی السبیل ، فعندما وقع هذا الکلام الأنفس ، فی هذا الجمع الکریم الأقدس ، تعطشت الأسماء إلى ظهور آثارها فی الوجود ، ولاسیما الاسم المعبود ، ولذلک خلقهم سبحانه وتعالى لیعرفوه بما عرفهم ، ویصفوه بما وصفهم .

فقال « وما خلقت الجن والإنس إلا لیعبدون ، ما أرید منهم من رزق وما أرید أن یطعمون » فلجأت الأسماء کلها إلى اسم الله الأعظم ، والرکن القوی الأعصم .

فقال ما هذا اللجاء ولأی شیء هذا الالتجاء ، فقالت أیها الإمام الجامع ، لما نحن علیه من الحقائق والمنافع ، ألست العالم أن کل واحد منا فی نفسه على حقیقة ، وعلى سنة وطریقة ، وقد علمت یقینا أن المانع من إدراک الشیء مع وجود النظر ، کونک فیه لا اکثر ، ولو تجرد عنک بمعزل لرأیته ، وتنزهت بظهوره وعرفته .

ونحن بحقائقنا متحدون لا نسمع لها خبرا ، ولا نرى لها أثرا، ولو برز هذا الوجود الکونی ، وظهر هذا العالم الذی یقال له العلوی والسفلی ، لامتدت إلیه رقائقنا ، وظهرت فیه حقائقنا ، فکنا نراه مشاهدة عین ، لما کان منا فی أین ، وفی حال فصل وبین ، ونحن باقون على تقدیسنا من الأینیة ، وتنزیهنا عن إحاطتهم بنا من جهة الماهیة والکیفیة ، فغایتهم أن یستدلوا برقائقها على حقائقنا استدلال مثال ، وطروق خیال ، وقد لجأنا إلیک مضطرین ، ووصلنا إلیک قاصدین ، فلجأ الاسم الأعظم إلى الذات ، کما لجأت إلیه الأسماء والصفات ، وذکر الأمر ، وأخبر السر ، فأجاب نفسه المتکلم بنفسه العلیم ، لک ذلک .

قد کان بالرحمن ، فقل للاسم المرید یقول للاسم القائل یأمر بکن ، والقادر یتعلق بإیجاد الأعیان فیظهر ما تمنیتم ، ویبرز لعیانکم ما اشتهیتم ، فتعلقت الإرادة والعلم والقول والقدرة ، فظهر أصل العدد والکثرة، وذلک من حضرة الرحمة وفیض النعمة .""

  

الحب سبب وجود العالم – راجع هامش 25   

 

28 ، 29 - راجع هامش 24

 

ص 400

 

فیفهم منه الخاص ما فهم العامة منه وزیادة مما صح له به اسم أنه خاص، فیتمیز به عن العامی. فاکتفى المبلغون العلوم بهذا.

فهذا حکمة قوله علیه السلام «ففررت منکم لما خفتکم»، ولم یقل ففررت منکم حبا فی السلامة والعافیة. "29"

فجاء إلى مدین فوجد الجاریتین «فسقى لهما» من غیر أجر، «ثم تولى إلى الظل» الإلهی فقال «رب إنی لما أنزلت إلی من خیر فقیر» فجعل عین عمله السقی عین الخیر الذی أنزله الله إلیه، ووصف نفسه بالفقر إلى الله فی الخیر الذی عنده.

فأراد الخضر إقامة الجدار من غیر أجر فعتبه على ذلک، فذکره سقایته من غیر أجر، "30" إلى غیر ذلک مما لم یذکر حتى تمنى صلى الله علیه وسلم أن یسکت موسى علیه السلام ولا یعترض حتى یقص الله علیه من أمرهما فیعلم بذلک ما وفق إلیه موسى من غیر علم منه.

إذ لو کان على علم ما أنکر مثل ذلک على الخضر الذی قد شهد الله له عند موسى وزکاه وعدله . ومع هذا غفل موسى عن تزکیة الله وعما شرطه علیه فی اتباعه، رحمة بنا إذا نسینا أمر الله.

ولو کان موسى عالما بذلک لما قال له الخضر «ما لم تحط به خبرا» أی إنی على علم لم یحصل لک عن ذوق کما أنت على علم لا أعلمه أنا. فأنصف.

وأما حکمة فراقه فلأن الرسول یقول الله فیه «وما آتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا». فوقف العلماء بالله الذین یعرفون قدر الرسالة والرسول عند هذا القول.

وقد علم الخضر أن موسى رسول الله فأخذ یرقب ما یکون منه لیوفی الأدب حقه مع الرسول: فقال له «إن سألتک عن شیء بعدها فلا تصاحبنی» فنهاه عن صحبته.

فلما وقعت منه الثالثة قال: «هذا فراق بینی و بینک».

ولم یقل له موسى لا تفعل ولا طلب صحبته لعلمه بقدر الرتبة التی هو فیها التی نطقته بالنهی عن أن یصحبه.

فسکت موسى ووقع الفراق. فانظر إلى کمال هذین الرجلین فی العلم وتوفیقة الأدب الإلهی حقه وإنصاف الخضر فیما اعترف به عند موسى علیه السلام حیث قال له «أنا على علم علمنیه الله لا تعلمه أنت، و أنت على علم علمکه الله لا أعلمه أنا».

فکان هذا الإعلام فی الخضر لموسى دواء لما جرحه به فی قوله «وکیف تصبر على ما لم تحط به خبرا» مع علمه بعلو رتبته بالرسالة، و لیست تلک الرتبة للخضر. "31"  و ظهر ذلک فی الأمة 

……………………………………………..

30 - راجع هامش 31 

 

31 - الخضر وموسى علیهما السلام *

« فوجدا عبدا من عبادنا آتیناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما » « فوجدا » تنبیها من الله وتأدیبا لموسى علیه السلام لما جاوزه من الحد فی  

 

ص 401

 

المحمدیة فی حدیت إبار النخل، فقال علیه السلام لأصحابه « انتم أعلم بمصالح 

………………………………………………..

إضافة العلم إلى نفسه ، بأنه أعلم من فی الأرض فی زمانه ، فلو کان عالما لعلم دلالة الحق التی هی عین اتخاذ الحوت سربا ، وما علم ذلک ، وقد علمه یوشع و نستاه الله التعریف بذلک ، 

لیظهر لموسى علیه السلام تجاوزه الحد فی دعواه ، ولم یرد ذلک إلى الله فی علمه فی خلقه «عبدا من عبادنا ، فأضافه إلى نون الجمع ، وهو خضر واسمه بلیا بن ملکان بن فالغ بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح علیه السلام ، کان فی جیش ، فبعثه أمیر الجیش یرتاد لهم ماء ، 

وکانوا قد فقدوا الماء ، فوقع بعین الحیاة ، فشرب منه فعاش إلى الآن، وکان لا یعرف ما خص الله به من الحیاة شارب ذلک الماء « آتیناه رحمة من عندنا » الرحمة تقدم بین یدی العلم تطلب العبد ثم یتبعها العلم ، فالعلم یستصحب الرحمة بلا شک ، فإذا رأیت من بدعی العلم ولا یقول بشول الرحمة ، فما هو صاحب علم ، وهذا هو علم الذوق لا علم النظر ، 

قال تعالى فی حق عبده خضر « آتیناه رحمة من عندنا » فقدم الرحمة على العلم ، وهی الرحمة التی فی الجبلة ، جعلها فیه لیرحم بها نفسه وعباده ، فیکون فی حق الغلام رحمة أن حال بینه وبین ما یکتسبه لو عاش من الآثام ، 

إذ قد کان طبع کافرا ، وأما رحمته بالملک الغاصب حتى لا یتحمل وزر غضب تلک السفینة من هؤلاء المساکین ، فالرحمة تنظر من جانب الرحیم بها لا من جانب صاحب الغرض فإنه جاهل بما ینفعه ، وإن أراد الله تعالى أنه أعطاه رحمة من عنده ، أی رحمناه فأعطیناه هذا العلم الذی ظهر به وهو ما أعطاه من الفهم ، « وعلمناه من لدنا علما » جودا ورحمة من الله فإنه لم یذکر له تعملا فی تحصیل شیء من ذلک ، وجعل الکل منه امتنانا وفضلا ، 

فهو علم الوهب لا علم الکسب ، وهذا مقام المقربین بین الصدیقیة ونبوة التشریع ، فلم تبلغ منزلة نبی التشریع من النبوة العامة ولا هو من الصدیقین الذین هم أتباع الرسل القول الرسل ، وغیر الرسل من العلماء بالله مثل الخضر وأمثاله لم یکله إلى عندیته ولا إلى نفسه ، بل تولى تعلیمه لیریحه لما هو علیه من الضعف ، وأعطاه هذا العلم من قوله « لدنا » والغصن اللدن هو الرطیب ، فهی هنا اللین والعطف وهی الرحمة

 

ص 402

 

دنیاکم » . ولا شک أن العلم بالشیء خیر من الجهل به : ولهذا مدح الله نفسه بأنه بکل

………………………………………………………..

المعطوفة فی المکروه ، وبهذه الرحمة قتل الغلام وخرق السفینة ، وبالرحمة التی فی الجبلة أقام الجدار ، وأضاف الحق التعلیم إلیه تعالى لا إلى الفکر ، فعلمنا أن ثم مقاما آخر فوق الفکر یعطى العبد العلم بأمور شتى یقول عنه بعض العلماء أنه وراء طور العقل ، 

قال النبی مع « إن من العلم کهیئة المکنون لا یعلمه إلا العلماء بالله فإذا نطقوا به لم ینکره إلا أهل الغرة بالله » هذا من العلم الذی یکون تحت النطق . فما ظنک بالعلم الخارج عن الدخول نحت حکم النطق ، فما کل علم یدخل تحت العبارات ، وهی علوم الأذواق کلها وقال تعالى فی حق عبده خضر « عبدا من عبادنا » فأضافه إلى نون الجمیع « آتیناه رحمة من عندنا » بنون الجمع « وعلمناه » بنون الجمع « من لدنا » بنون الجمع « علما » أی جمع له فی هذا الفتح العلم الظاهر والباطن ، وعلم السر والعلانیة ، وعلم الحکم والحکمة ، وعلم العقل والوضع ، وعلم الأدلة والشبه ، قال له موسى «هل اتبعک على أن تعلمنی ما علمت رشدا . 

اعلم أن الأنبیاء أصحاب الشرائع هم أرفع عباد الله من البشر ، ومع هذا لا یبعد أن یخص الله المفضول بعلم لیس عند الفاضل ، ولا یدل تمیزه عنه أنه بذلک العلم أفضل منه ، قال الخضر لموسى علیه السلام « أنا على علم علمنیه الله لا تعلمه أنت » قال إنک لن تستطیع معی صبرا ثم أنصفه فی العلم وقال له « وأنت على علم علمه الله لا أعلمه أنا » « وکیف تصبر على ما لم تحط به خبرا » 

الخبر الذوق وهو علم حال لأنه وحی خاص إلهی ، لیس للملک فیه وساطة من الله ، فإن وحی الرسل إنما هو بالملک بین الله وبین رسوله ، 

فلا خبر له بهذا الذوق فی عین إمضاء الحکم فی عالم الشهادة فما تعود الإرسال لتشریع الأحکام الإلهیة فی عالم الشهادت إلا بوساطة الروح الذی ینزل به على قلبه أو فی تمثله ، لم یعرف الرسول الشریعة إلا على هذا الوصف ، لا غیر الشریعة ، فإن الرسول له قرب أداء الفرائض والمحبة علیها من الله ، وما تتج له تلک المحبة ، وله قرب النوافل ومحبتها وما یعطیه محبتها ، ولکن من العلم بالله لا من التشریع وإمضاء الحکم فی عالم الشهادة ،


الجزء الرابع

قال الشیخ رضی الله عنه : ( شیء علیم . فقد اعترف صلى الله علیه وسلم لأصحابه بأنهم اعلم بمصالح الدنیا منه لکونه لا خبره له)

…………………………………………………………..

فخرق الخضر السفینة وقتل الغلام حکما ، وأقام الجدار مکارم اخلاق ، عن حکم أمر إلهی ، فلم یحط موسى علیه السلام به خبرا من هذا القبیل ، فهذا القدر الذی اختص به خضر دون موسى علیه السلام ، 

فلما علم الخضر أن موسى علیه السلام لیس له ذوق فی المقام الذی هو الخضر علیه قال الخضر لموسى علیه السلام « وکیف تصبر على ما لم تحط به خبرة » لأنه کان فی مقام لم یکن لموسى علیه السلام فی ذلک الوقت الذی نفاه عنه العدل بقوله وتعدیل الله إیاه بما شهد له به من العلم ، مع کون موسى علیه السلام کلیم الله ، وکما أن الخضر لیس له ذوق فیما هو موسى علیه من العلم الذی علیه الله ، إلا أن مقام الخضر لا یعطی الاعتراض على أحد من خلق الله لمشاهدة خاصة هو علیها ، ومقام موسی و الرسل یعطی الاعتراض من حیث هم رسل لا غیر ، فی کل ما یرونه خارجا عما أرسلوا به ، ودلیل ما ذهبنا إلیه فی هذا قول الخضر لموسى علیه السلام « و کیف تصبر على ما لم تحط به خبرا » فلو کان الخضر نبیا لما قال له « ما لم تحط به خبرا » فالذی فعله لم یکن من مقام النبوة ، 

وقال له فی انفراد کل واحد منهما بمقامه الذی هو علیه « یا موسى أنا على علم - الحدیث » فافترقا وتمیزا بالإنکار ، وما رد موسی على الخضر فی ذلک ولا أنکر علیه فی قوله المذکور فی هذه الآیة بل قال له " ستجدنی إن شاء الله صابرا ولا أعصی لک أمرا " .

« قال فإن اتبعتنی فلا تسألنی عن شیء حتى أحدث لک منه ذکرا » 

« فانطلقا حتى إذا رکبا فی السفینة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شیئا مرا » « قال لا تؤاخذنی بما نسیت ولا ترهقنی من أمری عسرا » . 

العلم حاکم فإن لم یعمل العالم بعلمه فلیس بعالم ، العلم لا یمهل ولا یهمل ، لما علم الخضر حکم ، ولما لم یعلم صاحبه اعترض علیه ونسی ما کان قد ألزمه فالتزم « فانطلقا حتى إذا لقیا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زکیة بغیر نفس لقد جئت شیئا نکرا » أی ینکره شرعی ، فما أنکر موسى علیه السلام إلا بما شرع له الإنکار فیه ، ولکن غاب عن تزکیة الله هذا الذی جاء بما أنکره علیه صاحبه ، فهو فی الظاهر طعن فی المزکی ، واعلم أنه

 

ص 404

 

بذلک فإنه علم ذوق وتجربة ولا یتفرغ علیه السلام لعلم ذلک . بل کان شغله بالأهم

……………………………………………………...

ما أذهل موسى علیه السلام إلا سلطان الغیرة التی جعل الله فی الرسل علیهم السلام على مقام شرع الله على أیدیهم ، فلله أنکروا ، وتکرر منه علیه السلام الإنکار مع تنبیه العبد الصالح فی کل مسألة ، ویأبی سلطان الغیرة إلا الاعتراض ، لأن شرعه دوق له ، والذی رآه من عیره أجنبی عنه ، وإن کان علما صحیحا ولکن الذوق أغلب والحال أحکم ، « قال ألم أقل لک إنک لن تستطع معی صبرا » « قال إن سألتک عن شیء بعدها فلا تصاحبنی قد بلغت من لدنی عذرا » « فانطلقا حتى إذا أتیا أهل قریة استطعما أهلها فأبوا أن یضیفوهما ، فوجدا فیها جدارة یرید أن ینقض فأقامه ، قال لو شئت لاتخذت علیه أجرا » 

فکانت الثالثة ونسی موسى حالة قوله : « إنی لما أنزلت إلی من خیر فقیر » وما طلب الإجارة على سقایته مع الحاجة « قال هذا فراق بینی وبینک سأنبئک بتأویل ما لم نسطع علیه صبرا » فحصل لموسى علیه السلام مقصوده و مقصود الحق فی تأدیه ، فعلم أن الله عبادا عندهم من العلم ما لیس عنده « أما السفینة فکانت المساکین یعملون فی البحر فأردت أن أعیبها وکان وراءهم ملک یأخذ کل سفینة غصبا » « وأما الغلام فکان أبواه مؤمنین فخشینا أن یرهقهما طغیانا وکفرا » « فأردنا أن یبدلهما ربهما خیرا منه زکاة وأقرب رحما » « وأما الجدار فکان لغلامین یتیمین فی المدینة وکان تحته کنز لهما وکان أبوهما صالحا فأراد ربک أن یبلغا أشدهما ویستخرجا کنزهما رحمة من ربک وما فعلته عن أمری ذلک تأویل ما لم تسطع علیه صبرا » من کلام خضر یعلم أدب الإضافة ، فقال « فأردت أن أعیبها » لذکره العیب وهو ما یذم ، 

وقال فی الغلام « فأردنا أن یدلهما » للاشتراک بین ما یحمد ویذم ، 

وقال فی الجدار « فأراد ربک » التخلیص المحمدة فیه ، فیکتسب الشیء الواحد بالنسبة ذما وبالإضافة إلى جهة أخرى حمدا وهو عینه ، 

وتغیر الحکم بالنسبة « وما فعلته عن أمری » یعنی جمیع ما فعله من الأعمال وکل ما جرى منه ، وجمیع ما قال لموسى علیه السلام عن ذلک ، یعنی أن الحق علمنی الأدب معه ، والوجه الثانی لولا أن الخضر أمره الله أن یظهر

 

ص 405

 

فالأهم. "32"  فقد نبهتک على أدب عظیم تنتفع به إن استعملت نفسک فیه.

وقوله

…………………………………………….

لموسى علیه السلام بما ظهر ، ما ظهر له بشیء من ذلک ، فإنه من الأمناء ، الوجه الثالث ، فعلم موسی علیه السلام أن فراق الخضر له کان عن أمر ربه فما اعترض علیه فی فرافه،

وأما ما جاء هنا من امتثال الخضر نهی موسى علیه السلام ، فهو ما قاله الشیخ عن أبی مدین رضی الله عنه حیث یقول : قال شیخنا أبو النجا المعروف بأبی مدین لما علم الخضر رتبة موسی وعلو قدره بین الرسل امتثل ما نهاه عنه طاعة لله ولرسوله ، فإن الله یقول: "وما أتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا "

فقال له فی الثانیة: إن سألتک عن شیء بعدها فلا تصاحبنی - فقال سمعا وطاعة ، 

فلما کانت الثالثة ونسی موسی حال قوله « إنی لما أنزلت إلی من خیر فقیر » وما طلب الإجارة على سقایته مع الحاجة ، فارقه الخضر بعدما أبان له علم ما أنکره علیه ، 

فقد علم الخضر حق موسى وما ینبغی له وامتثل أمره فیما نهاه عنه من صحبته ، احتراما منه لمقام موسی وعلو منزلته ، وسکوت موسی عنه حین فارقه ولم یرجع عن نهیه ، لأنه علم أن الخضر ممن لم یسمع نهی موسى علیه السلام ، ولاسیما وقد قال له « وما فعلته عن أمری » فعلم موسى أنه ما فارقة إلا عن أمر ربه ، فما اعترض علیه فی فرافه إیاه.

دقق الخلاف بین ما ورد هنا وبین ما جاء فی هذه الفقرة . 

راجع فتوحات ج 1 / 199 ، 393 - ج 2 / 19 ، 41 ، 51 ، 76 ، 79 ، 114 ، 158 ، 260 ، 261 ، 262 ، 420 ، 481 ، 644 - ج 3 / 366 - ج 4 / 55 ، 153 ، 345 ، 422  - کتاب الأعلاق .

 

 32 - قوله صلى الله علیه وسلم : « أنتم أعلم بأمور دنیاکم »*

الإمام لا یقتنی العلوم من فکره ؛ بل لو رجع إلى نظره لأخطأ ، فإن نفسه ما اعتادت إلا الأخذ عن الله ، وما أراد الله لعنایته بهذا العبد أن یرزقه الأخذ من طریق فکره ، فیحجبه ذلک عن ربه ، فإنه فی کل حال یرید الحق أن یأخذ عنه ما هو

  

ص 406

  

«فوهب لی ربی حکما» یرید الخلافة، «وجعلنی من المرسلین» یرید الرسالة : فما کل رسول خلیفة.

فالخلیفة صاحب السیف و العزل و الولایة. والرسول لیس کذلک: إنما علیه بلاغ ما أرسل به: فإن قاتل علیه و حماه بالسیف فذلک الخلیفة الرسول.

فکما أنه ما کل نبی رسول، کذلک ما کل رسول خلیفة أی ما أعطی الملک ولا التحکم فیه. "33"

وأما حکمة سؤال فرعون عن الماهیة الإلهیة فلم یکن عن جهل، و إنما کان عن اختبار حتى یرى جوابه مع دعواه الرسالة عن ربه وقد علم فرعون مرتبة المرسلین فی العلم فیستدل بجوابه على صدق دعواه.

وسأل سؤال إیهام من

………………………………………………..

فیه من الشؤون فی کل نفس ، فلا فراغ له ولا نظر لغیره ، وللعاقل إذا استبصر دلیل" قد وقع یدل على صحة ما ذکرناه ، نهى النبی صلى الله علیه وسلم عن آبار النخل ، ففسد لأنه لم بار عن وحی الهی ، و نزوله یوم بدر على غیر ماء ، فرجع إلى کلام أصحابه ، فإنه صلى الله علیه وسلم  ما تعود أن یأخذ العلوم إلا من الله ، لا نظر له إلى نفسه فی ذلک . 

وهو الشخص الأکمل الذی لا أکمل منه ، فما ظنک بمن هو دونه ، وما بقی للعارفین بالله علاقة بین الفکر وبینهم بطریق الاستفادة ، ولا تنسى الشخص إلهیة إلا أن لا یکون أخذه العلوم إلا عن الله من فتوح المکاشفة .. فتوحات ج 3 / 139

راجع هذا الشاهد فی فص 2، هامش 8، ص 56

  

وکلام الشیخ فی شرح قول الرسول صلى الله علیه وسلم : إنه « علم علم الأولین والآخرین » 

راجع فص 2، هامش 8، ص 51، ۰52

 

"" علمت علم الأولین والآخرین  فص 2، هامش 8، ص 51، ۰52

هذا ما ورد عن الشیخ رضی الله عنه فی حق الأنبیاء والرسل عامة وإلیک ماکتبه بخط یده فی هذه المسألة عن خاتم الأنبیاء صلى الله علیه وسلم الفتوحات ج1/ 151

أما القطب الواحد فهو روح محمد ، وهو الممد لجمیع الأنبیاء والرسل سلام الله علیهم أجمعین و الأقطاب من حین النشء الإنسانی إلى یوم القیامة .

الفتوحات ج1/ 143.  - جاء الله سیدنا محمدا صلى الله علیه وسلم بعلوم ما قالها أحد سواه.

الفتوحات ج1/ 144 .  - قوله صلى الله علیه وسلم " علمت علم الأولین" ، وهم الذین تقدموه د "والآخرین" ، وهو علم ما لم یکن عند المتقدمین ، وهو ما تعلمه أمته من بعده إلى یوم القیامة.

 الفتوحات ج1/ 214.  - دخل فی هذا العلم علم الأولین والآخرین کل معلوم معقول ومحسوس مما یدرکه المخلوق .

الفتوحات ج1/ 696 – تقرر أنه صلى اللَّه علیه وسلم  أعلم الخلق بالله ، والعلم بالله لا یحصل إلا من التجلی ... محمد صلى اللَّه علیه وسلم هو أکمل العلماء بالله .

الفتوحات ج2/ 171  - کان صلى اللَّه علیه وسلم من أعظم مجلى إلهی علم به علم الأولین والآخرین ، ومن الأولین علم آدم بالأسماء ، وأوتی محمد صلى اللَّه علیه وسلم و جوامع الکلم ، وکلمات الله لا تنفد .

الفتوحات ج3/ 142 - وأما منزلته ( محمد صلى اللَّه علیه وسلم) فی العلم فالإحاطة بعلم کل عالم بالله من العلماء به تعالی متقدمیهم ومتأخریهم فلا فلک أوسع من فلک محمد صلى اللَّه علیه وسلم  فإن له الإحاطة ،وهی لمن خصه الله بها من أمته بحکم التبعیة.

الفتوحات ج3/ 143 - أعطى هذا السید منزلة الاختصاص بإعطائه مفاتیح الخزائن ، والخصلة الثانیة أوتی جوامع الکلم ، والکلم جمع کلمة ، وکلمات الله لا تنفد ، فأعطى علم ما لا یتناهی ، فعلم ما یتناهی بما حصره الوجود ، وعلم ما لم یدخل فی الوجود وهو غیر متناه ، فأحاط علما بحقائق المعلومات وهی صفة إلهیة لم تکن لغیره .

الفتوحات ج3/ 456  - کل شرع ظهر وکل علم إنما هو میراث محمدی فی کل زمان و رسول ونبی من آدم إلى یوم القیامة ولهذا أوتی جوامع الکلم ومنها علم الله آدم الأسماء کلها .

یقول الشیخ رضی الله عنه فی الفتوحات ج 3 ص 496 فی تقسیم الرحمة الإلهیة : ما أدری لماذا ترک التعبیر عنه أصحابنا ، مع ظنی بأن الله قد کشف لهم عن هذا ، وأما النبوات فقد علمت أنهم وقفوا على ذلک وقوف عین ،ومن نور مشکاتهم عرفناه.

فهل یصح نسبة ما جاء هنا فی هذا الفص إلى الشیخ مع وضوح النصوص بکلمة « الإحاطة بعلم کل عالم بالله » و « کل علم إنما هو میراث محمدی » وهو نص فی الاستغراق ، وقوله : « ومن نور مشکاتهم عرفناه » !!! . .

ویقول فی الفتوحات ج2  ص 613 : اعلم أن جمیع ما یحویه هذا المنزل من العلوم لا یوصل إلیها إلا بالتعریف الإلهی بوساطة روحانیة الأنبیاء لهذا المکاشف .

وتلک الأرواح لا تعلمها من الله إلا بوسائط لغموضها ودقتها .

فأین إمداد روحانیة خاتم الولایة المحمدیة هنا للأولیاء فضلا عن الأنبیاء ؟! أهـ ""

 

 33 - الخلافة والرسالة

کان موسى علیه السلام خلیفة رسولا ، لأن الرسول لا یکون حاکما حتی یکون خلیفة .

واعلم أن الکمال المطلوب الذی خلق له الإنسان إنما هو الخلافة ، فأخذها آدم علیه السلام بحکم العنایة الإلهیة ، وهو مقام أخص من الرسالة فی الرسل ، لأنه ما کل رسول خلیفة ، فإن درجة الرسالة إنما هی التبلیغ خاصة ، 

قال تعالى « ما على الرسول إلا البلاغ » ولیس له التحکم فی المخالف ، إنما له تشریع الحکم عن الله أو بما أراه الله خاصة ، فإذا أعطاه الله التحکم فیمن أرسل إلیهم فذلک هو

 

ص 407

 

قال الشیخ رضی الله عنه : ( أجل الحاضرین حتى یعرفهم من حیث لا یشعرون بما شعر هو فی نفسه فی سؤاله: فإذا أجابه جواب العلماء بالأمر أظهر فرعون إبقاء لمنصبه أن موسى ما أجابه على سؤاله، فیتبین عند الحاضرین لقصور فهمهم أن فرعون أعلم من موسى.

ولهذا لما قال له فی الجواب ما ینبغی وهو فی الظاهر غیر جواب ما سئل عنه، وقد علم فرعون أنه لا یجیبه إلا بذلک فقال لأصحابه «إن رسولکم الذی أرسل إلیکم لمجنون» أی مستور عنه علم ما سألته عنه، إذ لا یتصور أن یعلم أصلا.

فالسؤال صحیح، فإن السؤال عن الماهیة سؤال عن حقیقة المطلوب، ولا بد أن یکون على حقیقة فی نفسه .

وأما الذین جعلوا الحدود مرکبة من جنس وفصل، فذلک فی کل ما یقع فیه الاشتراک، ومن لا جنس له لا یلزم ألا یکون على حقیقة فی نفسه لا تکون لغیره.

فالسؤال صحیح )

………………………………………………..

الاستخلاف والخلافة ، والرسول الخلیفة ، فما کل من أرسل حکم ، فإذا أعطی السیف وأمضى الفعل حینئذ یکون له الکمال ، فیظهر بسلطان الأسماء الإلهیة ، فیعطی ویمنع ، ویعز ویذل ، ویحیی ویمیت ، ویضر وینفع ، ویظهر بأسماء التقابل مع النبوة ، لابد من ذلک ، 

فإن ظهر بالتحکم من غیر نبوة فهو ملک ولیس بخلیفة ، فلا یکون خلیفة إلا من استخلفه الحق على عباده ، لا من أقامه الناس وبایعوه وقدموه لأنفسهم وعلى أنفسهم ، فهذه هی درجة الکمال ، 

فلابد للخلیفة أن یظهر بکل صورة یظهر بها من استخلفه ، فلابد من إحاطة الخلیفة بجمیع الأسماء والصفات الإلهیة التی یطلبها العالم الذی ولاه علیه الحق سبحانه ، ولما اقتضى الأمر ذلک انزل أمرا منه إلیه سماه شرعا ، بین فیه مصارف هذه الأسماء والصفات الإلهیة التی

لابد للخلیفة من الظهور بها وعهد إلیه بها ، 

فکل نائب فی العالم فله الظهور بجمیع الأسماء ، ومن النواب من أخذ المرتبة بنفسه من غیر عمد إلهی إلیه ، وقام بالعدل فی الرعایا . 

واستند إلى الحق فی ذلک ، کسلوک زماننا الیوم مع الخلیفة ، فمنهم السمع والطاعة فیما یوافق أغراضهم وما لا یوافق ، فهم فیه کما هم فی أصل تولیتهم ابتداء ، ومنهم من لا یعمل بمکارم الأخلاق ولا یمشی بالعدل فی رعیته ، فذلک هو المنازع لحدود مکارم الأخلاق و المغالب لجناب الحق فی مغالبته رسل الله ، کفرعون صاحب موسى علیه السلام وأمثاله ، وإن کان الحق ما استخلفهم بالخطاب الإلهی

 

ص 408

 

على مذهب أهل الحق والعلم الصحیح والعقل السلیم، والجواب عنه لا یکون إلا بما أجاب به موسى.

وهنا سر کبیر، فإنه أجاب بالفعل لمن سأل عن الحد الذاتی، "34"

فجعل الحد الذاتی عین إضافته إلى ما ظهر به من صور العالم، أو ما ظهر فیه 

……………………………………………………….

على الکشف ، لکنهم نوابه من وراء الحجاب ، فإذا ظهروا بصفات ما ینبغی للملک أن یظهر بها ولم یوافق بها المصارف الإلهیة التی شرعها الحق - بألسنة الرسل نعت ذلک بالمنازع و المغالب ، فمهما ظهر کانت الغلبة له ، ومهما ظهر علیه کانت الغلبة للحق ، فکان الحرب سجالا له وعلیه . 

راجع فتوحات ج 2 / 155 ، 272 - ج 4 / 3

 

34 - جواب موسی علیه السلام لفرعون *

"قال فرعون وما رب العالمین" ، لما دعا موسی فرعون إلى الله رب العالمین فسأله فرعون " وما رب العالمین" ، یسأله عن الماهیة ، ولما کانت ذات الله لا یجوز أن تطلب بما کما طلب فرعون فأخطأ فی السؤال ، 

لهذا عدل موسى علیه السلام عن جواب سؤاله ، لأن السؤال إذا کان خطأ لا یلزم الجواب عنه ، وکان المجلس مجلس عامة فلذلک تکلم موسى بما تکلم به ، 

والحق سبحانه لا یقال فیه إنه له ماهیة ، وإن سئل عنه بما ، فالجواب بصفة التنزیه أو بصفة الفعل ، لا غیر ذلک ، 

لذلک قال موسی علیه السلام « رب السموات والأرض إن کنتم موقنین » یقول إن استقر فی قلوبکم ما یعطیه الدلیل والنظر الصحیح من الدال ، 

فقال فرعون وقد علم أن الحق مع موسى فیما أجابه به ، إلا أنه أوهم الحاضرین واستخفهم ، لأن السؤال منه إنما وقع بما طابقه الحق وهو قوله "وما رب العالمین" ، فما سأله إلا بذکر العالمین ، فقال

موسی " رب السموات والأرض وما بینهما " فطابق الجواب السؤال ، 

فقال فرعون لقومه « لمن حوله ألا تستمعون » أسأله عن الماهیة فیجیبنی بالأمور الإضافیة ، فغالطهم ، وهو ما سأل إلا عن الرب المضاف ، 

فقال له موسی « ربکم ورب آبائکم الأولین» فخصص الإضافة لدعوى فرعون فی قومه أنه ربهم الأعلى «قال إن رسولکم الذی أرسل إلیکم لمجنون » لما رأى فرعون أن موسى علیه السلام ما أجابه على

 

ص  409

 

قال الشیخ رضی الله عنه الله عنه : ( من صور العالم. فکأنه قال فی جواب قوله «وما رب العالمین» قال الذی یظهر فیه صور العالمین من علو وهو السماء وسفل وهو الأرض: «إن کنتم موقنین»، أو یظهر هو بها. "35" 

فلما قال فرعون لأصحابه «إنه لمجنون» کما قلنا فی معنى )

………………………………………….

حد ما سأل ، لأنه تخیل أن سؤاله هذا متوجه ، وما علم أن ذات الحق لا تدخل تحت مطلب « ما » وإنما تدخل تحت مطلب « هل » وهل سؤال عن وجود المسؤول عنه هل متحقق أم لا ؟ فقال فرعون وقد علم ما وقع فیه من الجهل إشغالا للحاضرین لئلا یتفطنوا لذلک « إن رسولکم الذی أرسل إلیکم » ولولا ما علم الحق فرعون ما أثبت فی هذا الکلام أنه أرسله مرسل ، وأنه ما جاء من نفسه ، لأنه دعا إلى غیره، وکذا نسبه فرعون إلى ما کان علیه موسى بقوله « لمجنون » أی مستور عنکم فلا تعرفونه ، فعرفه موسی بجوابه إیاه وما عرفه الحاضرون ، کما عرفه السحرة وما عرفه الجاهلون بالسحر ، 

والوجه الثانی " لمجنون " أی قد ستر عنه عقله ، لان العاقل لا یسأل عن ماهیة الشیء فیجیب بمثل هذا الجواب 

فقال له موسى لقرینة حال اقتضاها المجلس ما قال إبراهیم علیه السلام للنمروذ " قال رب المشرق والمغرب وما بینهما إن کنتم تعقلون" ، ولو لم یقل « وما بینهما » لجاز ، لأنه لیس بینهما شیء، 

وذلک لأن عین حال الشروق فی ذلک الحیز هو عین استوائها وهو عین غروبها ، فکل حرکة واحدة من الشمس فی حیز واحد شروق واستواء وغروب ، فما ثم ما ینبغی أن یقال "وما بینهما" ، 

لکنه قال " وما بینهما" و لغموضه على الحاضرین ، فإنهم لا یعرفون ما فصلناه فی إجمال "وما بینهما" ، فجاء بالمشرق والمغرب المعروف بالعرف 

ثم قال لهم « إن کنتم تعقلون » فأحالهم على النظر العقلی .

فتوحات ج 3 / 90 - ج 4 / 20 ، 175 

 

35 - التجلی الصوری 

صور التجلی محدثة - فی ج 4/ 266 

"" أضاف الجامع :

فما ثمَّ إلا الحجب .. ومطالعة وجه الذات فی الدنیا محال .تَکَبَّرَ الحق على الصورة

والشأن فوق العقول والعیون ، والذات باطنة عن الإدراک حساً معنىً

کذلک الأمر لیس کما تدرکه العین فجمیع صور التجلی مُحدثة  أی طارئة متغیرة محدودة الآجال وما فی الوجود إلا الحجب وهی موضع الإدراکات المختلفة .

 

قال الشیخ رضی الله عنه فى الباب الثامن والخمسون وخمسمائة :-

"وهکذا مثل الخضر لموسى بنقر الطائر فی البحر بمنقاره وهو على حرف السفینة فقال له الخضر تدری ما یقول هذا الطائر 

وکان الخضر قد أعطى منطق الطیر فکان نقره کلاما عند الخضر لا علم لموسى بذلک وکان الخضر قد ذکر لموسى علیه السلام أنه على علم علمه الله لا یعلمه موسى وموسى على علم علمه الله لا یعلمه خضر مع العلم الکثیر الذی کان عند کل واحد منهما 

فقال ما نقص علمی وعلمک من علم الله إلا بقدر ما نقر هذا الطائر

ومعلوم أنه قد حصل شیئا من الماء فی نقره کذلک حصل بما علمه موسى والخضر من العلم شرکه مع الله فی ذلک القدر 

فعلمنا من علم الله شیئا مما یعلمه الله فحقق ما حصل لک وما بقی ولم یحصل لک فوقع التشبیه الصحیح من جهة ما حصل لا من جهة ما لم یحصل لأن الذی لم یحصل من الیم متناه والذی لم یحصل من العلم لموسى والخضر غیر متناه" أهـ

 

قال الشیخ رضی الله عنه فی الباب الثامن والخمسون وخمسمائة فی معرفة الأسماء الحسنى:

"وهذا خطاب خاطب به العقلاء ما خاطب به أهل الجمع والوجود فما نظر قط أهل الخصوص فی اکتساب علم به ولا بمعلوم وإنما جعل لهم أن یهیئوا محالهم ویطهروا قلوبهم حتى یأتی الله بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ من عِنْدِهِ بالفتح فَیُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فی أَنْفُسِهِمْ نادِمِینَ ،

لأنهم عاینوا ما وصلوا إلیه بالفتح الإلهی والأمر عین ما انفصلوا عنه فما زادَهُمْ إِلَّا إِیماناً بالحیرة وتَسْلِیماً لحکمها ،

ومن هذه الحضرة أثبت أن الباطل شیء قذف بالحق علیه فدمغه فإذا الباطل زاهق ،

ولا یزهق إلا ما له عین أو ما تخیل أن له عینا فلا بد له من رتبة وجودیة خیالا کانت أو غیر خیال قد اعتنى بها على کل حال ثم إنه من أعظم الحیرة فی الحق إن الحق له الوجود الصرف فله الثبوت وصور التجلی حق بلا شک

 

وما لها ثبوت وما لها بقاء ..... لکن لها اللقاء فما لها شقاء

ما من صورة ینجلی فیها إلا إذا ذهبت ما لها رجوع ولا تکرار ولیس الزهوق سوى عین الذاهب فَأَیْنَ تَذْهَبُونَ فهل فی الحق باطل أو ما هو الباطل وما اذهب الصورة إلا قذف الصورة الأخرى وهی تذهب ذهاب أختها فهی من حیث ورودها حق ومن حیث زهوقها باطل فهی الدامغة المدموغة فصدق من نفی رؤیة الحق 

فإن الحق لا یذهب فإنه إن کانت الصور صورنا فما رأینا إلا أنفسنا ونحن لیس بباطل ،

وقد زهقنا بنا فنحن الحق لأن الله بنا قذف علینا فما أتى علینا إلا منا فالله بالحق قاذف والعبد للحکم الإلهی واقف

فالعین منی ومنه ..... لها البقاء والثبوت

من ذا الذی منه یحیى ..... أو من هو منه یمیت

ومنه منی یحیی ..... أو منه منی یموت

قد حرت فیه وفینا ..... فنحن خرس صموت

لا تدعى فیه دعوى ..... فإنه ما یفوت

أصبحت لله قوتا ..... وإنه لی قوت

فالأمر دور وهذا ..... علمی به ما بقیت

فلا تعتمد على من له الزهوق فإنه ما یحصل بیدک منه شیء ولا تعتمد إلا علیک فإن مرجعک إلیک وإلى الله ترجعون کما تُرْجَعُ الْأُمُورُ فمن هنا قال من قال من رجال الله أنا الله فأعذروه فإن الإنسان بحکم ما تجلى له ما هو بحکم عینه وما تجلى له غیر عینه فسلم واستسلم فالأمر کما شرحته وعَلَى الله قَصْدُ السَّبِیلِ ... 

ولَوْ شاءَ لَهَداکُمْ أَجْمَعِینَ" أهـ  ""

 

راجع الظاهر فی المظاهر فص5 ، هامش 6، ص 84 

المرایا فص 2، هامش 6، ص 45

 

"" 6 - وحدة الوجود - الظاهر فی المظاهر  فص5 ، هامش 6، ص 84 

الموجودات على تفاصیلها فی ظهور الحق فی مظاهر أعیان الممکنات بحکم ما هی الممکنات علیه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعیان التی ظهر فیها مختلفة ، فتمیزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعیان وتمیزها فی نفسه فما فی الوجود إلا الله وأحکام الأعیان ، وما فی العدم شیء إلا أعیان الممکنات مهیأة للاتصاف بالوجود .

فهی لا هی فی الوجود ، لأن الظاهر أحکامها فهی ، ولا عین لها فی الوجود فلا هی ، کما هو لا هو .

لأنه الظاهر فهو والتمیز بین الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحکام الأعیان فلا هو ، فیا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .

مغازلة رقیقة وإشارة دقیقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العیان وأثبتها .

ما من شیء فی تفاصیل العالم إلا وفی الحضرة الإلهیة صورة تشاکل ما ظهر ، أی یتقید بها، ولولا هی ما ظهر .

فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وکل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهیة إنما متعلقها إظهار التجلی فی المظاهر ، أی فی مظهر ما ، وهو نسبة .

فان الظاهر لم یزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم یزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حکما فی الظاهر بحسب حقائقه النفسیة .

فانطلق على الظاهر من تلک الحقائق التی هو علیها المظهر المعدوم حکم یسمى إنسانا أو فلکا أو ملکا أو ما کان من أشخاص المخلوقات .

کما رجع من ذلک الظهور للظاهر اسم یطلق علیه یقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.

وما یعطیه ذلک التجلی من الأسماء ، وأعیان الممکنات على حالها من العدم کما أن الحق لم یزل له حکم الوجود .

فحدث لعین الممکن اسم المظهر ، و للمتجلی فیه اسم الظاهر .

فأعطى استعداد مظهر ما أن یکون الظاهر فیه مکلفا ، فیقال له افعل ولا تفعل ، ویکون مخاطبا بأنت وکاف الخطاب .

واعلم أن التجلی الذاتی ممنوع بلا خلاف بین أهل الحقائق فی غیر مظهر .

فوقتا یکون المظهر جسمیا و وقتا یکون جسمانیا ووقتا جسدیا ، ووقتا یکون المظهر روحیا ووقتا روحانیا.

فالتجلی فی المظاهر هو التجلی فی صور المعتقدات وهو کائن بلا خلاف.

والتجلی فی المعقولات کائن بلا خلاف . وهما تجلی الاعتبارات .

لأن هذه المظاهر سواء کانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور یعبر علیها بالعلم .

أی یعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا یصح أن یشهد ولا أن یعلم .

ولیس وراء ذلک المعلوم الذی لا یشهد ولا یعلم حقیقة ما یعلم أصلا .

وأما التجلی فی الأفعال ففیه خلاف بین أهل هذا الشأن لا یرتفع دنیا ولا آخرة .

فما فی المسائل الإلهیة ما تقع فیها الحیرة أکثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسیما فی تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقین.

فیخرجها ذلک التعلق أن تکون أفعال المخلوقین لغیر المخلوقین حین ظهورها عنهم ، وأفعال الله کلها حسنة فی مذهب المخالف الذی ینفی الفعل عن المخلوق ویثبت الذم للفعل بلا خلاف .

ولا شک عنده فی تعلق الذم، بذلک الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم فی حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ،

فیلوح لهم ما لا یمکن لهم معه أن ینسبوها إلى أنفسهم ، ویلوح لهم ما لا یتمکن معه أن ینسبوه إلى الله .

فهم هالکون بین حقیقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما یقاسیه العارفون ، فإن الذی ینزل عن هذا المقام یشاهد أحد الطرفین فیکون مستریحا لعدم المعارض.

فمذهبنا العین الممکنة إنما هی ممکنة لأن تکون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فیکون الوجود عینها .

إذن فلیس الوجود فی الممکن عین الموجود ، بل هو حال لعین الممکن ، به یسمى الممکن موجودا مجازا لا حقیقة ، لأن الحقیقة تأبى أن یکون الممکن موجودا ، فلا یزال کل شیء هالک .

 الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606

"" أضاف الجامع :

یقول الدکتور أبو العلا عفیفی:

" وحدة الوجود التی یقول بها ابن العربی الطائی الحاتمی لیست وحدة وجود مادیة تنکر الألوهیة ولوازمها أو تنکر القیم الروحیة ،

بل العکس هو الصحیح : أی أنها وحدة وجود تنکر العالم الظاهر ، ولا تعترف بالوجود الحقیقی إلا لله - الحق .

أما الخلق فظل للوجود الحق ولا وجود له فی ذاته ".

 

تقول د. سعاد الحکیم فی وحدة الوجود عند الشیخ الأکبر ابن العربی الطائی الحاتمی

" إن عبارة وحدة الوجود لا تدخل ضمن مصطلحات ابن العربی ، إذ أنها من ناحیة لم ترد عنده مطلقا ،

ومن ناحیة ثانیة هی تشکل تیارا فکریا له جذوره البعیدة فی تأریخ النظریات الفلسفیة ،

ولکننا لم نستطع أن نتغافل عن بحثها بحجة أنها تدخل ضمن نظریات شیخنا الأکبر بالنظر لأهمیتها عنده ، إذ فیها تتبلور مصطلحاته وتتکشف ، ویتجلى وجه ابن العربی الطائی الحاتمی الحقیقی ، فنلمس فیه الفکر والمنطق إلى جانب الشهود والتصوف ".

 

إن عبارة وحدة الوجود ابتدعها دارسو ابن العربی الطائی الحاتمی ،

أو بالأحرى صنفوه فی زمرة لقائلین بها . إذ أن الباحث لا یلتقط فکر مفکر إلا بتحلیله إلى عناصره البسیطة ، وإعادة ترکیبه ترکیبا یتلاءم وینضبط مع التیارات الفکریة المعروفة . وبالتالی استدل الملتمس وجه ابن العربی الطائی الحاتمی من جمل أمثال :

( الوجود کله واحد ) ، ( ما ثمة إلا الله ) ، ( ما فی الوجود إلا الله ) ، إلى القول بأنه من وحدة الوجود ، وحدة تفارق وحدة المادیین بتغلیب الجانب الإلهی فیها .

ولکن ما حقیقة موقف ابن العربی الطائی الحاتمی من الوحدة الوجودیة ؟

وما نسبة التفکیر النظری إلى الشهود الصوفی فیها ؟

 

( وحدة وجود ) أم ( وحدة شهود ) ؟

کثیرا ما یتوقف الباحث أمام نتائج ابن العربی الطائی الحاتمی متسائلا :

أوحدة وجود عنده أم وحدة شهود ؟

ثم لا یلبث ان یقرر انها وحدة وجود ، من حیث أنها لم تبرز فی صیحة وجد ، بل کانت نتیجة باردة لتفکیر نظری .

ویعود تردد الباحث بین الوحدتین إلى أنهما یتطابقان فی النتیجة ، فکلتاهما ترى :

إن الوجود الحقیقی واحد وهو الله .

ولکن صاحب وحدة الشهود یقولها فی غمرة الحال ، على حین یدافع عنها ابن العربی الطائی الحاتمی فی صحو العلماء وبرود النظریین .

والحقیقة أن وحدة ابن العربی الطائی الحاتمی تختلف عن وحدة شهود غیره بسبب جوهری ، وهو أن الشیخ الاکبر لم یقطفها ثمرة فیض فناء فی الحق ، فناء افناه عن رؤیة کل ما سوى الحق .

ولم یقل بعدم کل ما سواه ، إن ابن العربی  یرى الکثرة ، وشهوده یعطیه الکثرة ، وبصره یقع على الکثرة . إذن الکثرة عنده موجودة .

وهنا نستطیع ان نقول : أن ( وحدته ) على النقیض من وحدة الشهود ، تعطی : کثرة شهودیة . فالنظر یقع على کثرة عنده . وهذا ما لا یمکن أن ینطبق على وحدة الشهود .

ولکن ابن العربی الطائی الحاتمی لا یقف مع الکثرة الشهودیة أو بتعبیر أدق المشهودة ، بل یجعلها ( کثرة معقولة ) لا وجود حقیقی لها .

وهی - إذا امکن التعبیر بلغتنا - خداع بصر . وبلغة ابن العربی الطائی الحاتمی : خیال . ""


الجزء الخامس

6 - وحدة الوجود – المرایا       المرایا فص 2، هامش 6، ص 45

اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها :

وهی الوجود المطلق الذی لا یتقید وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه ، والمعلوم الآخر العام المطلق الذی هو عدم لنفسه وهو الذی لا یتقید أصلا وهو المحال ،

والعلوم الثالث هو البرزخ الذی بین الوجود المطلق والعدم المطلق وهو الممکن ، وسبب نسبة الثبوت إلیه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرین بذاته .

 وذلک أن العدم المطلق قام للوجود المطلق کالمرآة فرأی الوجود فیه صورته فکانت تلک الصورة عین الممکن ، فلهذا کان للممکن عین ثابتة وشیئیة فی حال عدمه ولهذا خرج على صورة الوجود المطلق .

ولهذا أیضا اتصف بعدم التناهی فقیل فیه إنه لا یتناهی ، وکان أیضا الوجود المطلق کالمرآة للعدم المطلق فرأى العدم المطلق فی مرآة الحق نفسه .

فکانت صورته التی رأی فی هذه المرأة هو عین العدم الذی اتصف به هذا الممکن ، وهو موصوف بأنه لا یتناهی کما أن العدم   المطلق لا یتناهی ، فاتصف الممکن بأنه معدوم ، فهو کالصورة الظاهرة بین الرائی والمرأة ، لا هی عین الرائی ولا غیره

وقد علمنا أن العالم ما هو عین الحق وإنما هو ما ظهر فی الوجود الحق ، إذ لو کان عین الحق ما صح کونه بدیعا ، کما تحدث صورة المرئی فی المرآة ، ینظر الناظر فیها، فهو بذلک النظر کأنه أبدعها مع کونه لا تعمل له فی أسبابها، ولا یدری ما یحدث فیها .

ولکن بمجرد النظر فی المرآة ظهرت صور ، هذا أعطاه الحال ، فما لک فی ذلک من التعمل إلا قصدک النظر فی المرآة .

ونظرک فیها مثل قوله « إنما قولنا لشیء إذا أردناه » وهو قصدک النظر « أن نقول له کن » وهو بمنزلة النظر « فیکون » وهو بمنزلة الصورة التی تدرکها عند نظرک فی المرآة ،.

ثم إن تلک الصورة ما هی عینک الحکم صفة المرآة فیها من الکبر والصغر والطول والعرض ، ولا حکم لصورة المرآة فیک فما هی عینک ولا عین ما ظهر ممن لیس أنت من الموجودات الموازیة لنظرک فی المرآة ، ولا تلک الصورة غیرک ، لما لک فیها من الحکم .

فإنک لا تشک أنک رأیت وجهک ، ورأیت کل ما فی وجهک ظهر لک بنظرک فی المرآة من حیث عین ذلک لا من حیث ما طرأ علیه من صفة المرآة ، فما هو المرئی غیرک ولا عینک ، کذلک الأمر فی وجود العالم الحق .

أی شیء جعلت مرآة أعنی حضرة الأعیان الثابتة أو وجود الحق، فإما أن تکون الأعیان الثابتة الله مظاهر ، فهو حکم المرآة فی صورة الرائی ، فهو عینه وهو الموصوف بحکم المرآة ، فهو الظاهر فی المظاهر بصورة المظاهر.

أو یکون الوجود الحق هو عین المرآة ، فترى الأعیان الثابتة من وجود الحق ما یقابلها منه ، فترى صورتها فی تلک المرآة و یترائی بعضها البعض ، ولا ترى ما ترى من حیث ما هی المرآة علیه ، وإنما ترى ما ترى من حیث ما هی علیه من غیر زیادة ولا نقصان .

وکما لا یشک الناظر وجهه فی المرآة أن وجهه رأی ، وبما للمرآة فی ذلک من الحکم یعلم أن وجهه ما رأى .

فهکذا الأمر فانسب بعد ذلک ما شئت کیف شئت ، فإن الوجود للعین الممکنة کالصورة التی فی المرآة ، ما هی عین الرائی ولا غیر الرائی ، ولکن المحل

المرئی فیه به و بالناظر المتجلی فیه ظهرت هذه الصورة ، فهی مرآة من حیث ذاتها والناظر ناظر من حیث ذاته والصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العین الظاهرة فیها .

کالمرأة إذا کانت تأخذ طولا ترى الصورة على طولها والناظر فی نفسه على غیر تلک الصورة من وجه ، وعلى صورته من وجه ، فلما رأینا المرآة لها حکم فی الصورة بذاتها ورأینا الناظر یخالف تلک الصورة من وجه .

علمنا أن الناظر فی ذاته ما أثرت فیه ذات المرآة ، ولما لم یتأثر ولم تکن تلک الصورة هی عین المرأة ولا عین الناظر ، وإنما ظهرت من حکم التجلی للمرآة ، علمنا الفرق بین الناظر وبین المراة وبین الصورة الظاهرة فی المرآة التی هی غیب فیها ، ولهذا إذا رؤی الناظر یبعد عن المرآة یرى تلک الصورة تبعد فی باطن المرآة ، وإذا قرب قربت .

وإذا کانت فی سطحها على الاعتدال ورفع الناظر یده الیمنى رفعت الصورة الید الیسرى ، تعرفه إنی وإن کنت من تجلیک وعلى صورتک فما أنت أنا ولا أنا أنت ، فإن عقلت ما نبهناک علیه فقد علمت من أین اتصف العبد بالوجود، ومن هو الموجود، ومن أین اتصف بالعدم، ومن هو المعدوم ومن خاطب ومن سمع ومن عمل ومن کلف .

وعلمت من أنت ومن ربک وأین منزلتک ، وأنک المفتقر إلیه سبحانه وهو الغنی عنک بذاته.

فسبحان من ضرب الأمثال وأبرز الأعیان دلالة علیه أنه لا یشبهه شیء ولا یشبه شیئا ، ولیس فی الوجود إلا هو ، ولا یستفاد الوجود إلا منه، ولا یظهر الموجود عین إلا بتجلیه.

فالمرأة حضرة الإمکان والحق الناظر فیها والصورة أنت بحسب إمکانیتک ، فإما ملک وإما فلک وإما إنسان وإما فرس ، مثل الصورة فی المرآة بحسب ذات المرآة من الهیئة فی الطول والعرض والاستدارة واختلاف أشکالها مع کونها مرآة فی کل حال .

کذلک الممکنات مثل الأشکال فی الإمکان والتجلی الإلهی یکسب الممکنات الوجود والمرآة تکسبها الأشکال ، فیظهر الملک و الجوهر والجسم والعرض ، والإمکان هو هو لا یخرج عن حقیقته ، وأوضح من هذا البیان فی هذه المسألة لا یمکن إلا بالتصریح ، فقل فی العالم ما تشاء و انسبه إلى من تشاء بعد وقوفک على هذه الحقیقة کشفة وعلما .

راجع الفتوحات ج3/ 46 , 80 , 352 . - ج4/ 316.  أهـ ""

  

ص  410

 

قال الشیخ رضی الله عنه : ( کونه مجنونا، زاد موسى فی البیان  لیعلم فرعون رتبته فی العلم الإلهی لعلمه بأن فرعون یعلم ذلک: فقال: «رب المشرق والمغرب» فجاء بما یظهر ویستر، وهو الظاهر والباطن، وما بینهما وهو قوله «بکل شیء علیم».

«إن کنتم تعقلون»: أی إن کنتم أصحاب تقیید، فإن العقل یقید.

فالجواب الأول جواب الموقنین وهم أهل الکشف والوجود.

فقال له «إن کنتم موقنین» أی أهل کشف ووجود، فقد أعلمتکم بما تیقنتموه فی شهودکم ووجودکم، فإن لم تکونوا من هذا الصنف، فقد أجبتکم فی الجواب الثانی إن کنتم أهل عقل و تقیید و حصر. ثم الحق فیما تعطیه أدلة عقولکم.

فظهر موسى بالوجهین لیعلم فرعون فضله وصدقه. "36"

وعلم موسى أن فرعون علم ذلک أو یعلم ذلک لکونه سأل عن الماهیة، فعلم أنه لیس سؤاله على اصطلاح القدماء فی السؤال بما  فلذلک أجاب.

ولو علم منه غیر ذلک لخطأه فی السؤال.

فلما جعل موسى المسئول عنه عین العالم، خاطبه فرعون بهذا اللسان والقوم لا یشعرون.

فقال له «لئن اتخذت إلها غیری لأجعلنک من المسجونین».

و السین فی «السجن» من حروف الزوائد: أی لأسترنک: فإنک أجبت بما أیدتنی به أن أقول لک مثل هذا القول.

فإن قلت لی: فقد جهلت یا فرعون بوعیدک إیای، والعین واحدة، فکیف فرقت، فیقول فرعون إنما فرقت المراتب العین، ما تفرقت العین ولا انقسمت فی ذاتها.

ومرتبتی الآن التحکم فیک یا موسى بالفعل، وأنا أنت بالعین وغیرک بالرتبة.

فلما فهم ذلک موسى منه أعطاه حقه فی کونه یقول له لا تقدر على ذلک، والرتبة تشهد له بالقدرة علیه و إظهار الأثر فیه: لأن الحق فی رتبة فرعون من الصورة الظاهرة، لها التحکم على الرتبة التی کان فیها ظهور موسى فی ذلک المجلس. "37"

فقال له، یظهر له المانع من تعدیه علیه، «أو لو جئتک بشی ء مبین».

فلم یسع فرعون إلا أن یقول له «فأت به إن کنت من الصادقین» حتى لا یظهر فرعون عند )

………………………………….

36 - راجع هامش 34 *

 

37 - المظاهر وتفاضل الأسماء والمراتب

راجع الظاهر فی المظاهر وتفاضل الأسماء والمراتب فص 16 رقم 5

لا تشهد الأعیان إلا بمراتبها لا بأعیانها ، فإنه لا فرق بین الملک والسوقة فی الإنسانیة ، فما تمیز العالم إلا بالمراتب ، وما شرف بعضه على بعض إلا بها ، ومن علم أن الشرف للرتب لا لعینه لم یغالط نفسه فی أنه أشرف من غیره وإن کان یقول

 

ص 411

  

الضعفاء الرأی من قومه بعدم الإنصاف فکانوا یرتابون فیه، و هی الطائفة التی استخفها فرعون فأطاعوه «إنهم کانوا قوما فاسقین»: أی خارجین عما تعطیه العقول الصحیحة من إنکار ما ادعاه فرعون باللسان الظاهر فی العقل، فإن له حدا یقف عنده إذا جاوزه صاحب الکشف والیقین.

ولهذا جاء موسى فی الجواب بما یقبله الموقن والعاقل خاصة .

«فألقى عصاه» ، وهی صورة ما عصى به فرعون موسى فی إبائه عن إجابة دعوته، «فإذا هی ثعبان مبین» أی حیة ظاهرة.

فانقلبت المعصیة التی هی السیئة طاعة أی حسنة کما قال «یبدل الله سیئاتهم حسنات» یعنی فی الحکم. فظهر الحکم هنا عینا متمیزة فی جوهر واحد .

فهی العصا وهی الحیة و الثعبان الظاهر،  "38"

…………………………………….

إن هذه الرتبة أشرف من هذه الرتبة ، وما من حرکة ینحرکها الإنسان إلا عن ورود اسم إلهی علیه ، هذا مفروغ منه عندنا فی الحقائق الإلهیة ، والعارف یشهد الأسماء الإلهیة «ما رأیت شیئا إلا رأیت الله قبله ) ومعها یتأدب.

الفتوحات ج 1 / 644 - ج 3 / 225

 

راجع الظاهر فی المظاهر

"" 6 - وحدة الوجود - الظاهر فی المظاهر   قفرة 6 ص 84

 

الموجودات على تفاصیلها فی ظهور الحق فی مظاهر أعیان الممکنات بحکم ما هی الممکنات علیه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعیان التی ظهر فیها مختلفة ، فتمیزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعیان وتمیزها فی نفسه فما فی الوجود إلا الله وأحکام الأعیان ، وما فی العدم شیء إلا أعیان الممکنات مهیأة للاتصاف بالوجود .

فهی لا هی فی الوجود ، لأن الظاهر أحکامها فهی ، ولا عین لها فی الوجود فلا هی ، کما هو لا هو .

لأنه الظاهر فهو والتمیز بین الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحکام الأعیان فلا هو ، فیا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .

مغازلة رقیقة وإشارة دقیقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العیان وأثبتها .

ما من شیء فی تفاصیل العالم إلا وفی الحضرة الإلهیة صورة تشاکل ما ظهر ، أی یتقید بها، ولولا هی ما ظهر .

فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وکل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهیة إنما متعلقها إظهار التجلی فی المظاهر ، أی فی مظهر ما ، وهو نسبة .

فان الظاهر لم یزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم یزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حکما فی الظاهر بحسب حقائقه النفسیة .

فانطلق على الظاهر من تلک الحقائق التی هو علیها المظهر المعدوم حکم یسمى إنسانا أو فلکا أو ملکا أو ما کان من أشخاص المخلوقات .

کما رجع من ذلک الظهور للظاهر اسم یطلق علیه یقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.

وما یعطیه ذلک التجلی من الأسماء ، وأعیان الممکنات على حالها من العدم کما أن الحق لم یزل له حکم الوجود .

فحدث لعین الممکن اسم المظهر ، و للمتجلی فیه اسم الظاهر .

فأعطى استعداد مظهر ما أن یکون الظاهر فیه مکلفا ، فیقال له افعل ولا تفعل ، ویکون مخاطبا بأنت وکاف الخطاب .

واعلم أن التجلی الذاتی ممنوع بلا خلاف بین أهل الحقائق فی غیر مظهر .

فوقتا یکون المظهر جسمیا و وقتا یکون جسمانیا ووقتا جسدیا ، ووقتا یکون المظهر روحیا ووقتا روحانیا.

فالتجلی فی المظاهر هو التجلی فی صور المعتقدات وهو کائن بلا خلاف.

والتجلی فی المعقولات کائن بلا خلاف . وهما تجلی الاعتبارات .

لأن هذه المظاهر سواء کانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور یعبر علیها بالعلم .

أی یعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا یصح أن یشهد ولا أن یعلم .

ولیس وراء ذلک المعلوم الذی لا یشهد ولا یعلم حقیقة ما یعلم أصلا .

وأما التجلی فی الأفعال ففیه خلاف بین أهل هذا الشأن لا یرتفع دنیا ولا آخرة .

فما فی المسائل الإلهیة ما تقع فیها الحیرة أکثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسیما فی تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقین.

فیخرجها ذلک التعلق أن تکون أفعال المخلوقین لغیر المخلوقین حین ظهورها عنهم ، وأفعال الله کلها حسنة فی مذهب المخالف الذی ینفی الفعل عن المخلوق ویثبت الذم للفعل بلا خلاف .

ولا شک عنده فی تعلق الذم، بذلک الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم فی حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ،

فیلوح لهم ما لا یمکن لهم معه أن ینسبوها إلى أنفسهم ، ویلوح لهم ما لا یتمکن معه أن ینسبوه إلى الله .

فهم هالکون بین حقیقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما یقاسیه العارفون ، فإن الذی ینزل عن هذا المقام یشاهد أحد الطرفین فیکون مستریحا لعدم المعارض.

فمذهبنا العین الممکنة إنما هی ممکنة لأن تکون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فیکون الوجود عینها .

إذن فلیس الوجود فی الممکن عین الموجود ، بل هو حال لعین الممکن ، به یسمى الممکن موجودا مجازا لا حقیقة ، لأن الحقیقة تأبى أن یکون الممکن موجودا ، فلا یزال کل شیء هالک .

 الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606  أهـ ""


"" أضاف الجامع :

یقول الدکتور أبو العلا عفیفی:

" وحدة الوجود التی یقول بها ابن العربی الطائی الحاتمی لیست وحدة وجود مادیة تنکر الألوهیة ولوازمها أو تنکر القیم الروحیة ،

بل العکس هو الصحیح : أی أنها وحدة وجود تنکر العالم الظاهر ، ولا تعترف بالوجود الحقیقی إلا لله - الحق . أما الخلق فظل للوجود الحق ولا وجود له فی ذاته ".

 

تقول د. سعاد الحکیم فی وحدة الوجود عند الشیخ الأکبر ابن العربی الطائی الحاتمی

" إن عبارة وحدة الوجود لا تدخل ضمن مصطلحات ابن العربی ، إذ أنها من ناحیة لم ترد عنده مطلقا ،

ومن ناحیة ثانیة هی تشکل تیارا فکریا له جذوره البعیدة فی تأریخ النظریات الفلسفیة ،

ولکننا لم نستطع أن نتغافل عن بحثها بحجة أنها تدخل ضمن نظریات شیخنا الأکبر بالنظر لأهمیتها عنده ، إذ فیها تتبلور مصطلحاته وتتکشف ، ویتجلى وجه ابن العربی الطائی الحاتمی الحقیقی ، فنلمس فیه الفکر والمنطق إلى جانب الشهود والتصوف ".

 

إن عبارة وحدة الوجود ابتدعها دارسو ابن العربی الطائی الحاتمی ،

أو بالأحرى صنفوه فی زمرة لقائلین بها . إذ أن الباحث لا یلتقط فکر مفکر إلا بتحلیله إلى عناصره البسیطة ، وإعادة ترکیبه ترکیبا یتلاءم وینضبط مع التیارات الفکریة المعروفة . وبالتالی استدل الملتمس وجه ابن العربی الطائی الحاتمی من جمل أمثال :

( الوجود کله واحد ) ، ( ما ثمة إلا الله ) ، ( ما فی الوجود إلا الله ) ، إلى القول بأنه من وحدة الوجود ، وحدة تفارق وحدة المادیین بتغلیب الجانب الإلهی فیها .

ولکن ما حقیقة موقف ابن العربی الطائی الحاتمی من الوحدة الوجودیة ؟

وما نسبة التفکیر النظری إلى الشهود الصوفی فیها ؟

 

( وحدة وجود ) أم ( وحدة شهود ) ؟

کثیرا ما یتوقف الباحث أمام نتائج ابن العربی الطائی الحاتمی متسائلا :

أوحدة وجود عنده أم وحدة شهود ؟

ثم لا یلبث ان یقرر انها وحدة وجود ، من حیث أنها لم تبرز فی صیحة وجد ، بل کانت نتیجة باردة لتفکیر نظری .

ویعود تردد الباحث بین الوحدتین إلى أنهما یتطابقان فی النتیجة ، فکلتاهما ترى :

إن الوجود الحقیقی واحد وهو الله .

ولکن صاحب وحدة الشهود یقولها فی غمرة الحال ، على حین یدافع عنها ابن العربی الطائی الحاتمی فی صحو العلماء وبرود النظریین .

والحقیقة أن وحدة ابن العربی الطائی الحاتمی تختلف عن وحدة شهود غیره بسبب جوهری ، وهو أن الشیخ الاکبر لم یقطفها ثمرة فیض فناء فی الحق ، فناء افناه عن رؤیة کل ما سوى الحق .

ولم یقل بعدم کل ما سواه ، إن ابن العربی  یرى الکثرة ، وشهوده یعطیه الکثرة ، وبصره یقع على الکثرة . إذن الکثرة عنده موجودة .

وهنا نستطیع ان نقول : أن ( وحدته ) على النقیض من وحدة الشهود ، تعطی : کثرة شهودیة . فالنظر یقع على کثرة عنده . وهذا ما لا یمکن أن ینطبق على وحدة الشهود .

ولکن ابن العربی الطائی الحاتمی لا یقف مع الکثرة الشهودیة أو بتعبیر أدق المشهودة ، بل یجعلها ( کثرة معقولة ) لا وجود حقیقی لها .

وهی - إذا امکن التعبیر بلغتنا - خداع بصر . وبلغة ابن العربی الطائی الحاتمی : خیال . ""

 

9 -  تفاضل الأسماء والصفات الإلهیة والمراتب    

تفاضل الأسماء والمراتب فص 16 رقم 9

للشیخ فی هذه المسألة نظرتان :

الأولى من حیث دلالة الأسماء على الذات الإلهیة الواحدة فلا تفاضل بینها ،

والأخرى من حیث دلالة کل اسم على معنی لیس للاسم الآخر فی العموم والإحاطة وتعلقه بمتعلق أعم فالمراتب تتفاضل ، 

لذلک نراه یقول :

الحقائق والنسب الإلهیة لا نهایة لها ولا یصح أن یکون فی الإلهیات تفاضل لأن الشیء لا یفضل نفسه ، فکما هو الأول هو الآخر وکما هو الظاهر هو الباطن فالمراتب ما فیها تفاضل عندنا ، لارتباطها بالأسماء الإلهیة والحقائق الربانیة ، ولا تصح مفاضلة بین الأسماء الإلهیة لوجهین ، الواحد أن الأسماء نسبتها إلى الدات نسبة واحدة فلا مفاضلة فیها ، فلو فضلت المراتب بعضها بعضا بحسب ما استندت إلیه من الحقائق الإلهیة لوقع الفضل فی أسماء الله ، فیکون بعض الأسماء الإلهیه أفضل من بعض ، وهذا لا قائل به عقلا ولا شرعا ، ولا یدل عموم الاسم على فضله ، لأن الفضلیة إنما تقع فیما من شأنه أن یقبل فلا یتعمل فی القبول ، أو فیما یجوز أن یوصف به فلا یتصف به ؛ والوجه الآخر أن الأسماء الإلهیة راجعة إلى ذاته والذات واحدة ، والمفاضلة تطلب الکثرة ، والشیء لا یفضل نفسه ، فإذا المفاضلة لا تصح ، ولا یقال إن خلة الحق أشرف من کلامه ، ولا إن کلامه أشرف من خلقه پیدیه ، بل کل ذلک راجع إلى ذات واحدة لا تقبل الکثرة ولا العدد ، فهی بالنسبة إلى کذا خالقة ، وبالنسبة إلى کذا مالکة وبالنسبة إلى کذا عالمة إلى ما نسبت من صفات الشرف والعین واحدة .

أما بالنسبة للتعلق کتسبة العلم الإلهی إلى القدرة الإلهیة ، فإن القدرة وإن تعلقت بما لا یتناهی من الممکنات فلا نشک أن العلم أکثر إحاطة منها ، لأنه یتعلق بها وبالممکنات والواجبات والمستحیلات والکائنات وغیر الکائنات ، مع ما یعطی الدلیل أن ما لا یتناهى لا یفضل ما لا یتناهى ، والقدرة ما لها تعلق إلا بالإیجاد ، فإن القدرة للإیجاد وهو العمل ، وهو العلیم سبحانه بما یوجد ، القدیر على إیجاد ما یرید إیجاده.

لا مانع له ، وقال تعالى : « أحاط بکل شیء علما» ولا تعم الإحاطة کل شیء إلا إذا کان معنى ، ولا یعلم الشیء من جمیع وجوهه إلا الله عز وجل ، الذی أحاط بکل شیء علما سواء کان الشیء ثابتا أو موجودا أو متناهیا أو غیر متناه ، فالمعلوم لا یزال محصورا فی العلم لهذا کان المعلوم محاطا به ، 

فقال تعالى « أحاط بکل شیء علما » من الواجبات والجائزات والمستحیلات ، وهو تعلق أعم فأنزل الله العالم بحسب المراتب التعمیر المراتب لیتمیز الکثیر الاختصاص بالله الذی اصطنعه الله لنفسه من عباد الله عن غیره من العبید ، فلو لم یقع التفاضل فی العالم لکان بعض المراتب معطلا غیر عامر ، وما فی الوجود شیء معطل بل هو معمور کله ، فلابد لکل مرتبة من عامر یکون حکمه بحسب مرتبته ، 

ولذلک فضل العالم بعضه بعضا ، وأصله فی الأسماء الإلهیة ، أین إحاطة العالم من إحاطة المرید من إحاطة القادر ، فتمیز العالم عن المرید ، والمرید عن القادر ، بمرتبة المتعاق ، فالعالم أعم إحاطة ، فقد زاد وفضل على المرید والقادر بشیء لا یکون للمرید ولا للقادر من حیث أنه مرید وقادر ، 

فإنه یعلم نفسه ولا یتصف بالقدرة على نفسه ولا بالإرادة لوجوده ، إذ من حقیقة الإرادة أن لا تعلق إلا بمعدوم والله موجود ، 

ومن شأن القدرة أن لا تتعلق إلا بممکن أو واجب بالغیر ، وهو واجب الوجود لنفسه ، فمن هناک ظهر التفاضل فی العالم لتفاضل المراتب ، فلابد من تفاضل العامرین لها ، فلابد من التفاضل فی العالم ، إذ هو العامر لها الظاهر بها ، وهذا مما لایدرک کشفا بل ادراکه بصفاء الإلهام ، فیکشف المکاشف عمارة المراتب بکشفه للعامرین لها ، ولا یعلم التفاضل إلا بصفاء الإلهام الإلهی . 

الفتوحات ج 1 /  141 - ج 2 / 61 ، 326 ، 501 ، 527 - ج 3 / 382 - ج 4 / 317 

 

"" أضاف الجامع :

قال الشیخ رضی الله عنه فی الفتوحات الباب الأحد والسبعون وأربعمائة فی معرفة حال قطب کان منزله "قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ الله" :

قال صَلَّى اللهُ عَلیهِ وسَلَّم فی خطبته لما أثنى على ربه "فإنما نحن به وله". رواه ابو داود والبیهقی

فخاطب وسمع وهذا أمر لا یندفع فإنه عین الأمر غیر إن الفضل بین الناس هو بما شاهده بعضهم وحرمه بعضهم

فیعلم العالم من غیره ما لا یعلمه الغیر من نفسه مما هو علیه فی نفسه

فظهر التفاضل ومع هذا الظهور لا یخرج المخلوق عن أن یکون الحق هویته بدلیل تفاضل الأسماء الإلهیة وهی الصفات ولیست غیره

فلا یعلم الخلق إلا به   ..... ولا یعلم الحق إلا بها

وأما وصفه بالغنى عن العالم أنما هو لمن توهم إن الله تعالى لیس عین العالم

وفرق بین الدلیل والمدلول ولم یتحقق بالنظر إذا کان الدلیل على الشیء نفسه فلا یضاد نفسه

فالأمر واحد وإن اختلفت العبارات علیه

فهو العالم والعلم والمعلوم فهو الدلیل والدال والمدلول

فبالعلم یعلم العلم ، فالعلم معلوم للعلم فهو المعلوم والعلم والعلم ذاتی للعالم وهو قول المتکلم ما هو غیره فقط

وأما قوله وما هو هو بعد هذا فهو لما یرى من أنه معقول زائد على ما هو

فبقی أن یکون هو وما قدر على أن یثبت هو من غیر علم یصفه به  فقال ما هو غیره

فحار فنطق بما أعطاه فهمه

فقال إن صفة الحق ما هی هو ولا هی غیره

ولکن إذا قلنا نحن مثل هذا القول ما نقوله على حد ما یقوله المتکلم فإنه یعقل الزائد ولا بد ونحن لا نقول بالزائد

فما یزید المتکلم على من یقول" إِنَّ الله فَقِیرٌ" إلا بحسن العبارة

ونعوذ بالله أن نکون من الجاهلین فهذا بعض نتائج هذا الهجیر.

والله یَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ یَهْدِی السَّبِیلَ . أهـ. ""

  

38 - الحقائق لا تتبدل والجوهر یخلع صورا ویلبس صورا * 

إن أعیان الصور لا تنقلب فإنه یؤدی إلى انقلاب الحقائق ، وإنما الإدراکات تتعلق بالمدرکات ، تلک المدرکات لها صحیحة لا شک فیها ، فیتخیل من لا علم له بالحقائق أن الأعیان انقلبت وما انقلبت ، مثل عصا موسى علیه السلام ما انقلبت حیة تسعى ، فإن الأعیان لا تنقلب ، فالعصا لا تکون حیة ولا الحیة عصا ، ولکن الجوهر القابل صورة العصا قبل صورة الحیة ، 

فهی صور یخلعها الحق القادر الخالق عن الجوهر إذا شاء ویخلع علیه صورة أخرى ، فلولا ما بین السیء والحسن مناسبة تقتضی جمعها فی عین واحدة یکون بها حسنا سیئا ما قبل التبدیل ، 

ومثال ذلک شخص فی غایة الجمال طرأ علیه وسخ من غبار ، 

فنظف من ذلک الوسخ العارض، فبان جماله ، 

ثم کسی بزة حسنة فاخرة تضاعف بها جماله وحسنه ، 

ففی حق أهل الشهود الذین یرون ویشهدون الأفعال کلها لله ، :

فما کان من حسن أضافوه إلیه تعالی خلقا فیهم 

وأضافوه إلیهم من کونهم محلا لظهوره ، 

وإن کان سیئا أضافوه إلیهم بإضافة الله فیکونون حاکین قول الله ، 

فیریهم الله حسن ما فی ذلک المسمى سوءا

 

ص 412

  

قال الشیخ رضی الله عنه : ( فالتقم أمثاله من الحیات من کونها حیة والعصی من کونها عصا.

فظهرت حجة موسى على حجج فرعون فی صورة عصی و حیات و حبال،"39" 

فکانت للسحرة الحبال ولم یکن لموسى حبل.

والحبل التل الصغیر: أی مقادیرهم بالنسبة إلى قدر موسى بمنزلة الحبال من الجبال الشامخة. فلما رأت السحرة ذلک علموا رتبة موسى فی العلم، وأن الذی رأوه لیس من مقدور البشر: وإن کان من مقدورا لبشر فلا یکون إلا ممن له تمیز فی العلم المحقق عن التخیل والإیهام.

فآمنوا برب العالمین رب موسى وهارون: أی الرب الذی یدعو إلیه موسى وهارون، لعلمهم بأن القوم یعلمون أنه ما دعا لفرعون.

ولما کفی منصب التحکم صاحب الوقت، وأنه )

………………………………………………….

بأن یریه عین ما کان یراه سیئة حسنة ، وقد کان حسنها غائبا عنه بحکم الشرع ، فلما وصل إلى موضع ارتفاع الأحکام وهو الدار الآخرة ، رأى عند کشف الغطاء حسن ما فی الأعمال کلها ، لأنه یکشف له أن العامل هو الله لا غیره ، فهی أعماله تعالی وأعماله کلها کاملة الحسن لا نقص فیها ولا قبح ، فإن السوء والقبح الذی کان ینسب إلیها إنما کان ذلک بمخالفة حکم الله لا أعیانها ، فبدل الله سیانهم حسنات ، وما هو إلا تبدیل الحکم لا تبدیل العین .

الفتوحات   ج 1 / 236 - ج 2 / 141 ، 277 ، 278 - ج 3 / 403 - ج 4 / 34 .

 

39 - عصا موسى علیه السلام *

فلما ألقى موسی عصاه فکانت حیة تلقفت تلک الحیة جمیع ما کان فی الوادی من الحبال والعصی ، أی تلقفت صور الحیات منها المتخیلة فی عیون الحاضرین ، فأبصرت السحرة والناس حبال السحرة وعصیهم التی ألقوها حبالا وعصیا کما هی وأخذ الله بأبصارهم عن ذلک ، فهذا کان تنقفها لا أنها انعدمت الحبال والعصی ، إذ لو انعدمت الدخل علیهم التلبیس فی عصا موسى وکانت الشبهة تدخل علیهم ، فإن الله یقول " تلقف ما صنعوا " ، وما صنعوا الحبال ولا العصی ، وإنما صنعوا فی أعین الناظرین صور الحیات وهی التی تلقفت عصا موسى ، 

وما قال تعالى « تلقف حبالهم وعصیهم » « إنما صنعوا کید ساحر » أی فعلوا ما یقارب الحق فإن الکید من کاد وکاد من أفعال المقاربة ، أی فعلوا ما یقارب الحق فی الصورة الظاهرة للبصر . 

الفتوحات ج 1 / 158 ، 235 

 

ص 413

  

قال الشیخ رضی الله عنه : ( الخلیفة بالسیف وإن جار فی العرف الناموسی "40" لذلک قال «أنا ربکم الأعلى»: أی وإن کان الکل أربابا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطیته فی الظاهر من التحکم فیکم.

ولما علمت السحرة صدقه فی مقاله لم ینکروه و أقروا له بذلک فقالوا له: إنما تقضی هذه الحیاة الدنیا فاقض ما أنت قاض ، فالدولة لک . فصح قوله «أنا ربکم الأعلى».

وإن کان عین الحق فالصورة لفرعون. فقطع الأیدی والأرجل وصلب بعین حق فی صورة باطل لنیل مراتب لا تنال إلا بذلک الفعل.

فإن الأسباب لا سبیل إلى تعطیلها "41"  لأن الأعیان الثابتة اقتضتها، فلا تظهر فی الوجود إلا بصورة ما هی علیه فی الثبوت إذ لا تبدیل لکلمات الله.

ولیست کلمات الله سوى أعیان الموجودات ،فینسب إلیها القدم من حیث ثبوتها، و ینسب إلیها الحدوث من حیث وجودها و ظهورها.

کما تقول حدث عندنا الیوم إنسان أو ضیف، ولا یلزم من حدوثه أنه ما کان له وجود قبل هذا الحدوث.

لذلک قال تعالى فی کلامه العزیز أی فی إتیانه مع قدم کلامه «ما یأتیهم من ذکر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم یلعبون»: )

………………………………………………….

40 - راجع هامش 33

 

41 - تجلی الحق فی صور الأسباب

لم یدع الألوهیة لنفسه أحد من خلق الله إلا الإنسان الذی ظهر بأحکام الأسماء الإلهیة والنیابة ، فکان ملکا مطاعا کفرعون وغیره ، ولما کان الإنسان فقیرا بالذات، احتجب الله بالأسباب وجعل نظر العبد إلیها ، وهو من ورائها ، فأثبتها عینا وتفاها حکما ، فإنه لا یفتقر إلى أحد سوى الله ، وعند الکشف یعلم المحجوب أن أحدا ما افتقر إلا إلى الله ، لکن لا یعرفه لتجلیه فی صور الأسباب التی حجبت الخلائق عن الله تعالى ، مع کونهم ما شاهدوا إلا الله ، ولهذا نبههم لو تنبهوا بقوله تعالى وهو الصادق « یا أیها الناس أنتم الفقراء إلى الله » فاتحجب الحق بالإرسال ، ائحجابه بالأسباب ، فوقع الذم على الأسباب ، فهی وقایة الرحمن ، فما خالف أحد الله تعالی وما خولف إلا الله تعالى ، فلا تزال حجب الأسباب للمحجوبین مشهودة ، ولا یزال الحق للعارفین مشهودا ، مع عقلهم الحجب فی حق من حجبته ، فإن الله لا یعطل حکم الحکمة فی الأشیاء ، فالأسباب حجب إلهیة موضوعة لا ترفع . 

الفتوحات ج 2 / 470 ، 533 - ج 3 / 411 ، 547 - ج 4 / 249 

 

ص 414

  

قال الشیخ رضی الله عنه : («ما یأتیهم من ذکر من الرحمن محدث إلا کانوا عنه معرضین». "42"

والرحمن لا یأتی إلا یأتی إلا بالرحمة.

ومن أعرض عن الرحمة استقبل العذاب الذی هو عدم الرحمة. )

…………………………………………………..

42 - الأعیان الثابتة برزت للوجود على ما هی علیه فی العلم الإلهی

العین الثابتة اشترکت مع الحق فی وجوب الثبوت ، فله تعالى وجوب الثبوت والوجود ، وللعین وجوب الثبوت ، فالأحوال لهذه العین کالأسماء الإلهیة للحق ، فکما أن الأسماء للعین الواحدة لا تعدد المسى ولا تکثره ، کذلک الأحوال لهذه العین لا تعددها ولا تکثرها ، مع معقولیة الکثرة والعدد فی الأسماء والأحوال ، وبهذا صح لهذه العین أن یقال فیها إنها على الصورة أی على ما هو علیه الأمر الإلهی ، فحصل لهذه العین الکمال بالوجود الذی هو من جملة الأحوال التی تقلبت علیها ، فما نقصها من الکمال - ألا وهو نفی حکم وجوب الوجود - للتمیز بینها وبین الله ، إذ لا یرتفع ذلک ولا یصح لها فیه قدم ، ولذلک تقسم الموجودات إلى قسمین إلى قدیم وحادث ، فوجود الممکن حادث ، أی حدث له هذا الوصف ، ولم یتعرض للوجود فی هذا التقسیم هل هو حادث أو قدیم ؟ 

لأنه لا یدل حدوث الشیء عندنا على أنه لم یکن له وجود قبل حدوثه عندنا ، 

قال تعالى :" وإن من شیء إلا عندنا خزائنه " إن هنا بمعنی ما ، فعم بها وبشیء ، وجعله مخزونا فی خزائن غیبه ، ولهذا قلنا إن الکون صادر من وجود ، وهو ما تحویه هذه الخزائن ، إلى وجود وهو ظهورها من هذه الخزائن لأنفسها ، فلولا نحن ثابتین فی العدم ، ما صح أن تحوی علینا خزائن الکرم ، فلنا فی العدم شیئیة غیر مرئیة ، فما ثم معقول ولا موجود یحدث عند الله ، 

بل الکل مشهود العین له بین ثبوت ووجود ، فالثبوت خزائنه ، والوجود ما یحدث عندنا من تلک الخزائن ، ومن هذه الخزائن تخرج الأشیاء إلى وجود أعیانها ، 

فهی فی الخزائن محفوظة موجودة لله ، ثابتة لأعیانها ، غیر موجودة لأنفسها، فالأشیاء الموجودة بالنظر إلى أعیانها موجودة عن عدم ، وبالنظر إلى کونها عند الله فی هذه الخزائن موجودة عن وجود ، 

فالأشیاء عند الله مختزنة فی حال ثبوتها ، فإذا أراد تکوینها لها أنزلها من تلک الخزائن ، وأمرها أن تکتسی حلة الوجود ، فیظهر

 

ص 415


 الجزء السادس

قال الشیخ رضی الله عنه :  ( وأما قوله «فلم یک ینفعهم إیمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التی قد خلت فی عباده» إلا قوم یونس، فلم یدل ذلک على أنه لا ینفعهم فی الآخرة لقوله فی الاستثناء )

………………………………………………..

عینها لعینها ، ولم تزل ظاهرة الله فی علمه أو لعلمه بها ، فلیست الخزائن إلا المعلومات الثابتة ، فإنها عنده ثابتة یعلمها ویراها ویرى ما فیها ، فیخرج منها ما شاء . 

الفتوحات ج 1 / 522 - ج 2 / 281 ، 587 - ج 3 / 314 - ج 4 / 130 ، 293 ، 340 


کلام الله قدیم من کونه صفة المتکلم به وهو الله ، ووصف بأنه محدث الإتیان والنزول فهو محدث الإتیان والنزول ، أی حدث عندهم بإتیانه ، کما تقول حدث عندنا ضیف ، فإنه لا یدل ذلک على أنه لم یکن له وجود قبل ذلک . 

فتوحات ج 1 / 367 ، 552 - ج 4 / 266


أما الشاهد بقوله «لا تبدیل لکلمات الله » فقول الشیخ فی ذلک عند تفسیره لقوله تعالى « لهم البشری فی الحیاة الدنیا وفی الآخرة ، لا تبدیل لکلمات الله ، ذلک هو الفوز العظیم ، لما کانت البشری من کلمات الله قال تعالى «لا تبدیل لکلمات الله » وهو قوله تعالی « ما یدل القول لدی » أی قولنا واحد لا یقبل التبدیل ۰


وأما کلمات الله بمعنی خلق الله فجاءت فی معرض تفسیره لقوله تعالی " فأقم وجهک للدین حنیفا فطرة الله التی فطر الناس علیها لا تبدیل لخلق الله " - الآیة - 

وفیها یقول : ما عبد کل عابد إلا الله فی المحل الذی نسب الألوهیة له ، فصح بقاء التوحید الله الذی أقروا به فی المیثاق وأن الفطرة مستصحبة «لا تبدیل لخلق الله » وهو الفطرة ، وهو ما شهد به الله فی أول مرة .. 


الوجه الثانی « لا تبدیل لخلق الله » أی التبدیل لله لیس للخلق تبدیل ، وقد یکون معناه لا تبدیل لخلق الله من کونه أعطى کل شیء خلقه ، وخلق الله کلماته ، فلا تبدیل لخلق . 


لا تبدیل للکلمات الله ، وإنما التبدیل لله ، فیسوغ فی هذه الآیة أن خلق الله هی کلمات الله ، فهی عبارة عن الموجودات ، 


کما قال فی عیسى علیه السلام « إنه کلمته ألقاها إلى مریم » فنفى أن یکون للموجودات تبدیل ، بل التبدیل لله ، ولا سیما وظاهر الآیة یدل على هذا التأویل ، أی لیس لهم فی الفطرة تبدیل ، وهذه بشرى من الله بأن الله ما فطرنا إلا على


ص 416


قال الشیخ رضی الله عنه :  ( إلا قوم یونس، فأراد أن ذلک لا یرفع عنهم الأخذ فی الدنیا، "43"

فلذلک أخذ فرعون مع وجود الإیمان منه.

هذا إن کان أمره أمر من تیقن بالانتقال فی تلک الساعة.

وقرینة الحال تعطی أنه ما کان على یقین من الانتقال، لأنه عاین المؤمنین یمشون فی الطریق الیبس الذی ظهر بضرب موسى بعصاه البحر.

فلم یتیقن فرعون بالهلاک إذ آمن، بخلاف المحتضر حتى لا یلحق به.

فآمن بالذی آمنت به بنو إسرائیل على التیقن بالنجاة، فکان کما تیقن لکن على غیر الصورة التی أراد.

فنجاه الله من عذاب الآخرة )

……………………………………………...

الإفرار بربوبیته ، فما یتبدل ذلک الإقرار بما ظهر من الشرک بعد ذلک فی بعض الناس ، لأن الله نفی عنهم أن یکون لهم تبدیل فی ذلک . بل هم على فطرتهم ، وإلیها یعود المشرک یوم القیامة عند نبری الشرکاء منهم . وإذا لم ینسف التبدیل إلیهم فهی بشرى فی حقهم بمالهم إلى الرحمة وإن سکنوا النار فبحکم کونها دارا . 

الفتوحات ج 2 / 69 ، 564 ، 563 - ج 3 / 24 ، 177 ، 230 ، 255 - ج 4 / 347 .


43 - الإیمان عند رؤیة البأس

« فلم یک ینفعهم إیمانهم لما رأوا بأسنا ، سنه الله التی قد خلت فی عباده ، وخسر هنالک الکافرون » ۰۰. 

إن الإنسان ولد على الفطرة ، وهو العلم بوجود الرب أنه ربنا ونحن عبید له ، والإنسان لا یقبض حین یقبض إلا بعد کشف الغطاء ،

 فلا یقبض إلا مؤمنا ، ولا یحشر إلا مؤمنا ، فلا یموت أحد من أهل التکلیف إلا مؤمنا عن علم وعیان محقق لا مریة فیه ولا ش ک من العلم بالله والإیمان به خاصة ، هذا هو الذی یعم ، غیر أن الله تعالى لما قال « لم یک ینفعهم إیمانهم لما رأوا بأسنا » ولا بأس أشد من الموت ، فما بقی إلا هل ینفعه ذلک الإیمان أم لا ؟ 


فما آمنوا إلا لیندفع عنهم ذلک البأس ، فما اندفع عنهم وأخذهم الله بذلک البأس ، فما رفع العقوبة عنهم إلا من اختصه الله ، وما ذکر أنه لا ینفعهم فی الآخرة، ویؤید ذلک قوله تعالى « فلولا قریة آمنت فنفعها إیمانها إلا قوم یونس لما آمنوا » حین رأوا البأس " کشفنا عنهم عذاب الخزی فی الحیاة الدنیا" ، 


فهذا معنی قولنا « فلم یک ینفعهم إیمانهم » فی رفع الیأس عنهم فی الحیاة الدنیا کما نفع قوم یونس، فما تعرض إلى الآخرة ، أما الاستثناء هنا فلا حکم على الله فی خلقه ، وأما نفع ذلک الإیمان فی المال فإن ربک فعال لما یرید ، ومع هذا فإن الله یقیم حدوده على عباده


ص 417


قال الشیخ رضی الله عنه :  ( فی نفسه، ونجى بدنه کما قال تعالى «فالیوم ننجیک ببدنک لتکون لمن خلفک آیة»، لأنه لو غاب بصورته ربما قال قومه احتجب.

فظهر بالصورة المعهودة میتا لیعلم أنه هو. فقد عمته النجاة حسا ومعنى.

ومن حقت علیه کلمة العذاب الأخروی لا یؤمن ولو جاءته کل آیة حتى یروا العذاب الألیم، أی یذوقوا العذاب الأخروی.

فخرج فرعون من هذا الصنف. هذا هو الظاهر الذی ورد به القرآن.

ثم إنا نقول بعد ذلک: والأمر فیه إلى الله، لما استقر فی نفوس عامة الخلق من شقائه، وما لهم نص فی ذلک یستندون إلیه.

وأما آله فلهم حکم آخر لیس هذا موضعه.  "44"  ثم لتعلم )

………………................……………………………...

حیث شاء ومتى شاء ، فقوله تعالی « سنة الله التی قد خلت فی عباده » هو موضع استشهادنا ، فحقت کلمة الله وجرت سنته فی عباده أن الإیمان فی ذلک الوقت لا یدفع عن المؤمن العذاب الذی أنزله بهم فی ذلک الوقت إلا قوم یونس کما لا ینفع السارق توبته عند الحاکم فیرفع عنه حد القطع ولا الزانی مع توبته عند الحاکم مع علمنا بأنه تاب بقبول التوبة عند الله، 


وحدیث ماعز فی ذلک صحیح أنه تاب توبة لو قسمت على أهل المدینة لوسعتهم ، ومع هذا لم یدفع عنه الحد، بل أمر رسول الله صلى الله علیه وسلم  برجمه ، کذلک کل من آمن بالله عند رؤیة البأس من الکفار إن الإیمان لا یرفع البأس عنهم مع قبول الله إیمانهم فی الدار الآخرة ، فیلقونه ولا ذنب لهم ، فإنهم ربما لو عاشوا بعد دلک اکتسبوا أوزارا ، 


فالرجعة إلى الله عند رؤیة البأس وحلول العذاب نافعة فی الآخرة وإن لم یکشف عنهم العذاب فی الدنیا، وما اختص قوم یونس إلا بالکشف عنهم فی الحیاة الدنیا عند رجعتهم ، 


فیکون معنى قوله « فلم بک ینفعهم إیمانهم لما رأوا بأسنا » یعنی فی الدنیا، فإن الله یقول « وأخذناهم بالعذاب لعلهم یرجعون » فقول الله تعالى فی هذه الآیة محقق فی غایة الوضوح ، فإن النافع هو الله ، فما نفعهم إلا الله « سنة الله التی قد خلت فی عباده » یعنی الإیمان عند رؤیه البأس غیر المعتاد ، 


ولیس فی الآیة أن بأس الآخرة لا یرتفع ، ولا أن الإیمان لا یقبل وإنما فی الآیة أن بأس الدنیا لا یرتفع عن نزل به إذا آمن فی حال رؤیته إلا قوم یونس.


الفتوحات ج 2 / 276 - ج 3 / 165 ، 318 ، 383 ، 533 


44 - راجع هامش رقم 18


ص 418


قال الشیخ رضی الله عنه :  ( أنه ما یقبض الله أحدا إلا و هو مؤمن أی مصدق بما جاءت به الأخبار الإلهیة: وأعنی من المحتضرین :  "45" و لهذا یکره موت الفجاءة و قتل الغفلة.

فأما موت الفجاءة فحده أن یخرج النفس الداخل و لا یدخل النفس الخارج.

فهذا موت الفجاءة. وهذا غیر المحتضر.

وکذلک قتل الغفلة بضرب عنقه من ورائه وهو لا یشعر: فیقبض على ما کان علیه من إیمان أو کفر.

ولذلک قال علیه السلام «ویحشر على ما علیه مات» کما أنه یقبض على ما کان علیه.

والمحتضر ما یکون إلا صاحب شهود، فهو صاحب إیمان بما ثمة.

فلا یقبض إلا على ما کان علیه، لأن «کان» حرف وجودی لا ینجر معه الزمان إلا بقرائن الأحوال: فیفرق بین الکافر المحتضر فی الموت وبین الکافر المقتول غفلة أو المیت فجاءة کما قلنا فی حد الفجاءة. وأما حکمة التجلی والکلام فی صورة النار، فلأنها کانت بغیة موسى .

فتجلى له فی مطلوبه لیقبل علیه ولا یعرض عنه.

فإنه لو تجلى له فی غیر صورة مطلوبه أعرض عنه لاجتماع همه على مطلوب خاص .

ولو أعرض لعاد عمله علیه وأعرض عنه الحق، وهو مصطفى مقرب.

فمن قربه أنه تجلى له فی مطلوبه وهو لا یعلم.

کنار موسى رآها عین حاجته ... وهو الإله ولکن لیس یدریه "46" )

……………………………………………...


45 - راجع هامش رقم 43


46 - تجلی الحق لموسى علیه السلام فی النار

خرج موسى علیه السلام فی طلب النار لأهله ، لما کان فیه من الحنو علیهم . فمشی فی حق أهله لیطلب لهم تارة یصطلون بها ، ویقضون بها الأمر الذی لا ینقضی إلا بها فی العادة ، وما کان عنده خبر بما جاءه ، فأسفرت له عاقبة ذلک الطلب عن کلام ربه ، فکلمه الله فی عین حاجته ، وهی النار فی الصورة ، ولم یخطر له علیه السلام ذلک الأمر بخاطر ، وأی شیء أعظم من هذا ، وما حصل له إلا فی وقت السعی فی حق عیاله ، لیعلمه بما فی قضاء حوائج العائلة من الفضل ، فیزید حرصا على سعیه فی حقهم « فلما أتاها نودی با موسی » فوقع له التجلی فی عین صورة حاجته ، فرأى نارا لأنها مطلوبه فقصدها ، فناداه ربه منها وهو لا علم له بذلک لاستفراغه فیما خرج له « یا موسى إنی أنا ربک ، فتجلى له الحق فی عین حاجته فلم تکن ثارا .


الفتوحات ج 2 / 269 - ج 3 / 119 ، 336 .


ص 419