الفقرة التاسعة :
جواهر النصوص فی حل کلمات الفصوص شرح الشیخ عبد الغنی النابلسی 1134 هـ :
قال الشیخ الأکبر رضی الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتیت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبیه لا تمنعوا
هذه الرحمة التی ... وسعتکم فوسعوا)
(فمن الله) لا منی لأنی عند نفسی هالک إلا وجه ربی إلی.
کما قال تعالى: "کل شیء هالک إلا وجهه " آیة 88 سورة القصص.
فوجه ربی إلی هو الظاهر فی وإن کنت موجودة عندکم.
فذلک تلبیس من الله تعالى علیکم.
(فاسمعوا) أیها الناس الذین أمرنی رسول الله صلى الله علیه وسلم بالخروج إلیهم "بفصوص الحکم" لینتفعوا به ما أخرج إلیکم به من حضرة غیبی إلى شهادتی من علوم الله النافعة لکم.
(وإلى الله ) لا إلى نفوسکم
(فارجعوا) فیما سمعتموه منی فإنکم إلیه ترجعون "وإلیه یرجع الأمر کله " 123 سورة هود. " وإلیه تقلبون" آیة 21 سورة العنکبوت. " وإلیه المصیر" آیة 18 سورة المائدة. "وإلى ربک یومئذ المساق" آیة 30 سورة القیامة.
(فإذا ما سمعتموا ما)، أی الذی أو شیئا
(أتیتم) بالبناء للمجهول، أی أتیتکم (به) من العلوم الإلهیة فی هذا الکتاب
(فعوا) ذلک وتثبتوا فی سماعه واصغوا إلیه ولا تنتقدوا شیئا منه، فإنی ما وضعته لکم إلا نافعة لا مضرة بإشارة الرسول صلى الله علیه وسلم کما سبق.
فلا تأخذوه بلا وعی فتجهلوه وتجحدوا ما جهلتموه.
فی هذا الکتاب فتظنون أنکم تعلمونه وأنتم لا تعلمون فتحرمونه وتفترون علیه ما لیس فیه .
قال الشاعر :
إذا لم تستطع شیئا فدعه …. وجاوزه إلى ما تستطیع
(ثم) بعد وعیه (بالفهم) النورانی
(فًصٍلوا) ما تجدونه فیه من (مجمل القول) فإن المسألة إذا بنیت على مقدمات کثیرة منطویة فی علم المتکلم بها یصعب علیه فی وقت ذکرها تفصیل جمیع مقدماتها، فهو یفصلها فی موضع ویجملها فی موضع آخر لسعة العلم.
ومثل هذا الکتاب لیس مصنفة للقاصرین عن معرفة العلوم الظاهرة.
بل هو لأهل البدایة فی علم الحقیقة المشرفین على أنوار الطریقة.
بل للعارفین الکاملین فی مرتبة حق الیقین.
ولهذا قال :
(واجمعوا) إذ هم أهل الجمع والتفصیل، وأما الذین یعلمون ظاهرة من الحیاة الدنیا فإنهم ینظرون إلى ظاهر هذا الکتاب وهم عن آخرتهم غافلون.
وإذا کان الله تعالى المنزه
عن کل نقصان وقع فی قلوب الجاهلین سوء الظن به.
کما قال تعالى :"وَیُعَذِّبَ الْمُنَافِقِینَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِکِینَ وَالْمُشْرِکَاتِ الظَّانِّینَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَیْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِیرًا (6)" سورة الفتح . فکیف بهذا الکتاب والله أعلم بالصواب.
والقصور العالیة لیست مبنیة لسکنى الحمیر
والدواب بل لهم الحضیض الأسفل من الساحات والأعتاب وأن یربطوا فی الأبواب.
(ثم منوا)، أی أحسنوا وأسعفوا وتکلموا (به)،
أی بما فهمتم مفصلا من مجمل هذا الکتاب ولا تکتموا شیئا منه .
(على طالبیه) إذا وجدتموهم
(لا تمنعوا) ذلک عنهم کما قیل: لا تعطوا الحکمة
غیر أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.
وقال تعالى : " إِنَّ الَّذِینَ یَکْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَیِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَیَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِی الْکِتَابِ أُولَئِکَ یَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَیَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)"سورة البقرة.
وقال الشیخ محیی الدین رضی الله عنه فی معشراته :
بینوا أمرنا لکل لبیب ….. فی کتاب إن شئتم أو خطاب
غیر أن الإنسان إذا لم یجد طالبا لذلک، أو وجد جاهلا منتقد على ما هنالک، فلیکتم ما عنده صیانة الأسرار الله تعالى أن یعبث بها الجاهلون ویخوض فیها المغرورون.
وهذا کله فیمن بقی مع نفسه ، وأما المغلوب بحاله فهو مع الوقت کیف کان والحق مستولی على قلبه ولسانه، فلا حرج فی کل آن.
وبالله التوفیق والمستعان.
(هذه)، أی الحضرة الإلهیة التی فصلتموها بأفهامکم من مجمل هذا الکتاب وجمعتموها فی بصائرکم المنورة .
هی (الرحمة) الربانیة (التی وسعتکم) وجمیع المخلوقات .
کما قال تعالى :" ورحمتی وسعت کل شیء" آیة 156 سورة الأعراف.
(فوسعوا) بها على عباد الله
تعالى بهذه الطریقة التی شرحتها لکم فی هذا الکتاب ولا تضیقوا على أحد منهم.
واعلم أن الله تعالى من حیث هو فی ذاته موصوف بصفات لا نهایة لها، کلها غیب مطلق عنا.
وکل صفة منها، فی حال اتصافه بها یتصف بکل صفة غیرها اتصافة مخصوصة لائقة بتلک الصفة.
فکل صفة لها کل صفة على وجه مخصوص، ولم یظهر من صفاته تعالى من حیث هو فی ذاته إلا صفة الرحمة.
وباقی الصفات کلها من حیث هو متصف بها فی ذاته لم یظهر منها شیء.
فجمیع العوالم ما کان منها وما لم یکن إنما هو موجود کائن فی حضرة صفة الرحمة فقط .
وأما فی باقی حضرات صفاته تعالى فلا وجود لشیء مطلقا ولا یکون ذلک أبد الآبدین ودهر الداهرین.
ولا یمکن ذلک إذ باقی الأوصاف غیر الرحمة لا یثبت معه شیء فلا یوجد معه شیء.
وأما الرحمة فهی المثبتة للأعیان الکونیة والممدة لها.
ثم إن الرحمة المذکورة موصوف ربنا تعالى المتجلی بها فی حضرة تجلیه بها على عالم الإمکان بجمیع الأوصاف الباقیة فهو تعالی علیم، قدیر، جبار، متکبر، قهار، وهاب ، ضار، نافع إلى غیر ذلک.
لکن کل ذلک من حضرة الرحمة المذکورة فقهره وجبروته وضره تعالى من حضرة الرحمة.
ولهذا تبقى الآثار مع ذلک ولا تنمحق ولا تهلک مع أنها هالکة بالنسبة إلى غیر الرحمة من باقی الحضرات الصفاتیة
کما قال تعالى: "کل شیء هالک إلا وجهه" آیة 88 سورة القصص.
ونقل عن أبی یزید البسطامی قدس الله سره أنه سمع قارئا یقرأ "إن بطش ربک لشدید " آیة 12 سورة البروج.
فقال: بطشی أشد من بطشه، لأن بطشه مشوب بالرحمة وبطشی لا رحمة فیه.
ولهذا قال تعالى: "ورحمتی وسعت کل شیء" 156 سورة الأعراف.
وکان استوائه تعالى، أی صفة تجلیه على العرش
بالرحمة لا غیرها من الصفات کما قال تعالى: "الرحمن على العرش استوى "آیة 5 سورة طه.
وجمعیة الرحمن بجمیع الأوصاف من قوله تعالى : "
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَیًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى"آیة 110 سورة الإسراء.
فالأسماء الحسنى لله والأسماء الحسنى للرحمن.
وکذلک لکل اسم من الأسماء الحسنى أیضا الأسماء الحسنى کلها.
والتی ظهرت بظهور الأکوان
إنما هی الأسماء الحسنى التی للرحمن لا مطلق الأسماء الحسنی.
شرح فصوص الحکم مصطفى سلیمان بالی زاده الحنفی أفندی 1069 هـ :
قال الشیخ الأکبر رضی الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتیت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبیه لا تمنعوا
هذه الرحمة التی ... وسعتکم فوسعوا)
(فمن الله فاسمعوا ….. وإلى الله فارجعوا)
إخبار فی صورة الإنشاء عن إفناء وجوده فی الله بالکلیة فی إبراز الکتاب بحیث لا یبقى من الوجود الکلی أثر ولو کان عدمیة .
وإشارة إلى أنه قد وقع بعد تکمیل النفس وقطع مراتبها یعنی إذا سمعتم الفاظة من لسانی فاسمعوا فقد سمعتم من الله لا منی لفناء المنیة فیه .
وإذا رجعتم فی إدراک معانیه وکشف أسراره وحل مشکلاته باستمدادکم من روحانیتی فارجعوا فقد رجعتم إلى الله لا إلی .
لفناء مرجعینی فیه نفی أی شیء سمعتم ورجعتم فقد سمعتم من الله ورجعتم إلیه فإنی فانی فی الله بالکلیة فی إبراز هذا الکتاب.
فهذا اختصاص إلهی به دون سائر کتبه فعظموه واعلموا قدره بإدراک معانیه وکشف أسراره وتعلیمه إلى طالبیه .
"فإذا ما سمعتم"، ما زائدة لتأکید العموم "ما أتیت به فعوا" أمر للطالبین یعنی خذوه منی، کما أخذت من رسول الله وانظروا ما فیه وأدرکوا معانیه الکلیة واحفظوا فی قلوبکم .
وهو مرتبة علم الیقین ثم أمرهم بعد ذلک إلى درجة عین الیقین حتى لا یقنعوا به.
فقال : "ثم بالفهم" أی بسلطان القوی ثم لبعد الدرجتین فی الفصل .
الحاصلة فی قلوبکم إجمالا ما تشتمل علیه تلک الأصول من الفروعات ثم أمر إلى درجة حق الیقین.
بقوله: "واجمعوا" ثم اجمعوا فی الإدراک بین الإجمال والتفصیل بحیث لا یحجب إدراک أحدهما عن إدراک الآخر.
وإذا أدرکتم بهذا المقام وتحققتم به فقد حصلتم المساواة بینی وبینکم فی رتبة الإحاطة وأخذتم الکتاب منی کما أخذت من رسول الله صلى الله علیه وسلم.
وفیه بشارة عظیمة للطالبین اللهم ارزقنا فإذا حصل المساواة .
فقد وجب علیکم الإفاضة للطالبین فإذا أفضتم فقد حصلتم المساواة فی الإبراز .
وهو معنى قوله : "ثم منوا به"، أمر بالتعلیم أی بتعلیمکم خالصة مخلصة عن الأغراض النفسیة یعنی ألقوا معانی الکتاب وأسراره "على طالبیه" کما ألقى الله علیکم بمنه ورحمته .
والمراد بالطالب کل مؤمن یصدق الکتاب ویشتغل بقراءته من أهله طلبا للاطلاع بحقائقه وأسراره .
سواء استحق بالفعل أو لم یستحق "ولا تمنعوا هذه الرحمة التی وسعتکم".
بقولکم لغیر المستحقین أی للطالبین الغیر المستحقین اذهب واکتسب الاستحقاق بالریاضات ثم اطلب .
أو للمستحقین أنتم قد وصلتم درجة الحقیقة والکشف فما حاجة لکم به.
فإذا یخاف علیکم استحقاق الذم (فوسعوا) فإذا وسعتم فقد أرشدتم الطالبین الناقصین إلى درجة الکمال ببرکة تعلیم الکتاب وتعلمه وافدتم الکاملین الفائدة الجدیدة التی لم تحصل لهم بدون هذا الکتاب .
شرح فصوص الحکم عفیف الدین سلیمان ابن علی التلمسانی 690 هـ:
قال الشیخ الأکبر رضی الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتیت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبیه لا تمنعوا
هذه الرحمة التی ... وسعتکم فوسعوا)
قلت: یعنی أن هذا الکلام معناه هو من الله تعالى لا منی فإن الله تعالی عند لسان کل قائل. وبقیة الأبیات مفهومة
شرح فصوص الحکم الشیخ مؤید الدین الجندی 691 هـ :
قال الشیخ الأکبر رضی الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتیت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبیه لا تمنعوا
هذه الرحمة التی ... وسعتکم فوسعوا)
قال الشیخ رضی الله عنه :
فمن الله فاسمعوا ....... وإلى الله فارجعوا
یعنی : لمّا لم یکن لی تصرّف فی ذکر ما أذکره فی هذا الکتاب ، فلا تسمعوا منّی واسمعوا من الله الذی فنیت فیه فناء لا ظهور لی أبدا ، وإذا اشتبه علیکم شیء منه ، فارجعوا فیه إلى الله .
قال :" فإذا ما سمعتم " أی من الله " ما أتیت به " أو ما أتیتم " فعوا " أی احفظوه فی وعاء القلوب .
قال : ثم بالفهم فصّلوا ..... مجمل القول واجمعوا
یعنی : أنّی أجملت القول فی المقامات الکمالیة ، وذکرت فی أثناء ذوق کل نبیّ بحقیقة الأمر على ما هو علیه فی نفسه ، وهو أعلى مراتب الرحمة وأکملها وأفضلها .
شرح فصوص الحکم الشیخ عبد الرزاق القاشانی 730 هـ :
قال الشیخ الأکبر رضی الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتیت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبیه لا تمنعوا
هذه الرحمة التی ... وسعتکم فوسعوا)
والفاء فی البیت الأول للسببیة وتقدیم الصلة للتخصیص ، أی إذا کان ما أقوله إنما یکون بالإلقاء السبوحى فلا تسمعوه إلا من الله لا منى وإلیه فارجعوا لله لا إلى.
مطلع خصوص الکلم فی معانی فصوص الحکم القَیْصَری 751هـ :
قال الشیخ الأکبر رضی الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا * وإلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما * أتیت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا * مجمل القول وأجمعوا
ثم منو به على * طالبیه لا تمنعوا
هذه الرحمة التی * وسعتکم فوسعوا)
قوله: "فمن الله فاسمعوا وإلى الله فارجعوا" جواب شرط مقدر.
أی، إذاکان ما بینته من الأنوار وکشفته من الأسرار من الله، من غیر تصرف منى، وأنا مأمور بإبرازه: "فمن الله فاسمعوا" لا منى "وإلى الله فارجعوا" عند سماعکم مالا طاقة لکم بسماعه لعدم علمکم بحقیقة الأمر، وعدم استبانتکم فی بعض أسراره لا إلى.
فإنه میسر کل عسیر لیطلعکم بمعانیه کما هی، بإشراق أنواره فیقلوبکم.
وفیه تنبیه على أن النبی، صلى الله علیه وسلم، مظهر لهذا الاسم الجامع، لأنه هو الآمر بالإبراز والإظهار.
"فإذا ما سمعتم ما أتیت به فعوا". "عوا" أمر من وعا، یعى إذا حفظ.
أی، فإذا سمعتم ما أتیت به من الله، لا منى، بفنائی فیه وبقائی به، فعوا واحفظوا بدرک معانیه وبتحقیق أسراره.
"ثم بالفهم فصلوا مجمل القول وأجمعوا" أی، إذا سمعتم وفهمتم معناه وتحققتم بعلمه، فصلوا ما فیه من الإجمال وفرعوا علیه التفاریع المترتبة علیه.
لأن أسرار هذا الکتاب أصول کلیة، ومن علامات العلم بالأصول تعدى الذهن منها إلى تفاریعها، فمن لم یتفطن بتفاریعها لم یکن عالما بهذا الفن الذوقی و لا بهذا الکتاب.
و "أجمعوا" أی، تلک التفاریع فی أصولها لتکونوا عالمین بالفروع فی عین الأصول.
وبالأصول فی عین الفروع، فتعلموا أن الحق سبحانه وتعالى.
یعلم جزئیات الأشیاء فی عین کلیاتها: "ولا یعزب عن علمه مثقال ذرة فی الأرض ولا فی السماء".
أو فصلوا مجمل القول الذی ذکرته من المراتب والمقامات، وأجمعوا بین کل مقام وأهله من الأنبیاء والأولیاء بتنزیل کل فی مقامه .
ثم منوا به على طالبیه ولا تمنعوا) (٦٤) أی، منوا بما سمعتم وفهمتم معناهعلى طالبیه بإرشادهم وتنبیههم على المعانی المودعة فیه. أی، أعطوهم عطاءامتنانیا غیر طالبین منهم عوضا لتکونوا داخلین فیمن قال تعالى فیهم: (وممارزقناهم ینفقون).
ولا تمنعوهم ضنة وبخلا: "فإن رحمة الله قریب من المحسنین".
الذین لا یبخلون بما رزقهم الله.
واعلم، أن المنة على قسمین:
محمودة : وهی المشار إلیها بقوله: "بل الله یمن علیکم أن هداکم للإیمان".
ومذمومة: وهی المنبه علیها بقوله: "یا أیها الذین آمنوا لا تبطلوا صدقاتکم بالمن والأذى".
ولما کانت الأولى صفة إلهیة وبها یسمى الحق بـ "المنان" أمرنا، رضى الله عنه، بها لنتخلق بالأخلاق الإلهیة ونتحقق بالصفات الحقانیة.
قوله : (هذه الرحمة التی وسعتکم فوسعوا)
أی، هذه الأسرار والمعانی التی فاضت علیکم من الله رحمة علیکم وسعتکم وشملتکم، فوسعوا أنتم أیضا تلک الرحمة على الطالبین لتکونوا شاکرین لنعمه، مؤدین لحقوقه، مقتدین برسول الله، صلى الله علیه وسلم، فیما قال: "اللهم ارزقنی وارزق أمتی فتلحقوا بالوارثین."
خصوص النعم فى شرح فصوص الحکم الشیخ علاء الدین المهائمی 835 هـ:
قال الشیخ الأکبر رضی الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتیت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبیه لا تمنعوا
هذه الرحمة التی ... وسعتکم فوسعوا)
(فمن الله)، لا منی فاسمعوا هذا الکتاب، (وإلى الله فارجعوا)، فإن فائدة السماع من الله لا تتم بدون الرجوع إلى الله فی الفهم، (فإذا ما سمعتم ما أتیت به) من عند الله "و رسوله"، (فعوا) أی: فاحفظوه کما یحفظ القرآن والأخبار النبویة.
(ثم) أی: بعد الرجوع إلى الله، وحفظ ما سمعتم یحصل لکم فهم فی أسراره، فعند ذلک (بالفهم فصلوا مجمل القول)، أی: ما أجمل فیه من الأسرار التی تضیق عنها العبارات الصریحة
(واجمعوا) أی: اعزموا فی توجیه الهمم إلى درک أسراره التی تضیق عنها أفهام أکثر أرباب العقول فضلا عن العامة.
(ثم) أی: بعد حصول کمال الفهم لأسراره لا قبل ذلک (منوا به) أی: بإظهاره مع ما فیه من الأسرار (علی طالبیة)، لیفوزوا برتبة التکمیل بعد الفوز برتبة الکمال.
وطالبوه من ینتفع به فی طریق الآخرة، فیدعوه إلى المساعی الباطنة مع تزیین الظاهر بظواهر الأعمال، فیؤکد فی حقه ظاهر الشرع باطنه، وباطنه ظاهره.
لا من یعطل الجوارح من الأعمال، ویرى باطن الشرع مخالفا لظاهره، والحقیقة على خلاف الشریعة فإنه إلحاد وکفر.
فکل شریعة بلا حقیقة عاطلة، وکل حقیقة بلا شریعة باطلة، وإیاک ثم إیاک أن تضیعه بإعطاء أهل الأهویة.
فإنه کبیع السیف من قاطع الطریق إذ یرى أدنى الشبهات غنیمة، ولا یرضى بتأویل الکتاب بما یوافق الشرع، وإن کان أقرب من تأویله، وأکثر طلبة هذا الکتاب فی هذا الزمان ممن استولى علیه الشیطان، وأغرقهم فی بحر الطغیان، والله المستعان.
(لا تمنعوا) طالبیه من تحصیله، فإن من منح الجهال علما أضاعه، ومن منع المستوجبین فقد ظلم.
وأشار إلى هذا الظلم بقوله: (هذه الرحمة التی وسعتکم) بحیث لا تنقص بالاتفاق مثل نقصان المال به (فوسعوا) فإن منعه ظلم أشد من ظلم من منع ماله الجائع الذی تعذر علیه سد جوعته بغیر ماله؛ لأنه ینقص ماله بالإنفاق.
ولذا قال صلى الله علیه وسلم : "من سئل عن علم فکتمه ألجم یوم القیامة بلجام من نار". والمراد إذا کان السائل مستحقا لتحصیل ذلک العلم.
شرح فصوص الحکم الشیخ صائن الدین علی ابن محمد الترکة 835 هـ:
قال الشیخ الأکبر رضی الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتیت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبیه لا تمنعوا
هذه الرحمة التی ... وسعتکم فوسعوا)
قال رضی الله عنه : "فمن الله فاسمعوا .... وإلى الله فارجعوا" فی متفرقات الصور الکونیّة الخلقیّة ، رجوع جمعیّة واطمئنان
" وإذا ما سمعتم ما أتیت به " من حدیث الجمعیّة - ( فعوا ) أی احفظوه فی وعاء جامعیّة القلب مصونا عن أن یتطرّق إلیه شیء من شوائب الثنویّة والتفرقة .
ثمّ إنّ العقل بأفعاله الخاصّة به - من الفکر والفهم والنظر - وإن کان غیر متمکَّن من الوصول إلى تلک الجمعیّة ولا محتاجة إلیه عند انتهاج الطالب ذلک المسلک ، لکن بعد الوصول إلیها عند تکمیل إجمالها بالتفصیل الحکمی وجمعه معها ، على ما هو مقتضى تمام التوحید الختمی - کما حقّق أمره فی غیر هذا المجال - یحتاج إلى أفعاله الممیّزة وقواه المفصّلة والمخصّصة ، فقوله :
(ثمّ بالفهم فصّلوا .... مجمل القول واجمعوا )
إشارة إلیه . ثمّ إنّ سریان حکم الأصل یقتضی - حسبما حکم قهرمان الوقت - أن یظهر هذه الحقائق على مشاعر العیان ومشاهد الإعلان ، حسب الاقتدار والإمکان ، لذلک ختم وصایاه للمخفین تلک الحقائق جریا على مقتضى الأزمنة السالفة بقوله :
(لا تضنّوا به على .... طالبیه فتمنعوا )
لعدم فهمهم لسان الوقت الدال على قصور استعدادهم عنه وفی بعض النسخ:
ثم منوا به على .... طالبیه لا تمنعوا
على صیغة المعروف و فیه التحریض على الإظهار أکثر کما فی الأول المنع عن الإخفاء أکید.
(هذه) الحقائق والحکم هی . ( الرحمة التی .... وسعنکنم فوسعوا )
أی : وسعوها قلوب القوابل کما قال رسول الله صلى الله علیه وسلم " الراحمون یرحمهم الرحمن , ارحموا من فی الأرض" .
أی من دونکم فی الرتبة "یرحمکم من فی السماء". أی من هو فوقکم فیها.
وذلک لأن الرحمة التی هی الوجود فی عرفهم لها مرتبتان :
إحداما فی الخارج , والثانیة فی الدهن وهو لم یبلغ مرتبة الیقین المسماه بالذوق و الشهود .
لا یکون من الوجود فی شیء , بل من الصور الکونیة وظلاله المنسوبة إلیه کما أومانا إلیه , وتوسعها عبارة عن الإمداد الطالبین بما یعدهم له.
و إذ قد تقرر من أصولهم أن تصدى لأمر الإرشاد و النهوض بلوازمه من أمر السالکین بما یعدّهم فی الطریق ، ونهیهم عمّا یعوقهم فیه - على ما علم فی طیّ نظمه - إنّما یتیسّر لمن استجمع له شرائط ذلک ظاهرا وباطنا .
فإنّه یتوقّف على تأیید باطنه أولا بوساطة شیخ مؤیّد من عند الله ، کذلک إلى أن ینتهی إلى الخاتم وقبوله ذلک وصلاحیّته للوساطة ، وعلى تقیید ظاهره ثانیا بالشرع المطهّر المحمّدی وتقیّده به وصلاحیّته لتقیید غیره من المنتسبین إلیه .
شرح الجامی للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد المتوفی 898 هـ :
قال الشیخ الأکبر رضی الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتیت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبیه لا تمنعوا
هذه الرحمة التی ... وسعتکم فوسعوا)
(فمن الله) الذی فنیت به فناء لا ظهور لی أبدا (فاسمعوا و) إذا اشتبه علیکم شیء منه (إلى الله فارجعوا) لیطلعکم علیه بإشراف نوره على قلوبکم (وإذا سمعتم) من الله لا منی لفنائی فیه (ما أتیت به) صورة والآتی به هو الله حقیقة (فعوا) أمر الجماعة المخاطبین من وعى یعی إذا حفظ، أی احفظوه بدرک معانیه وتحقیق أسراره.
(ثم بالفهم فشلوا.. مجمل القول واجمعوا) مفصله أی فصلوا ما کان مذکورة فیه على سبیل الإجمال .
فرعوا علیه فروعه وأجملوا ما کان مذکورة فیه على التفصیل .
ولاحظوه على وجه الکلیة والإجمال .
لتکونوا عالمین بالفروع فی عین الأصول وبالأصول فی عین الفروع.
أو فصلوا مجمل القول الذی ذکرته فی المراتب والمقامات وأجمعوا بین کل مقام وأهله بتنزیل کل فی مقامه.
(ثم منوا به على.. طالبیه) المستعدین المستحقین له، أی أعطوهم إیاه عطاء إمتنانیة غیر طالبین منهم عوضة (لا تمنعوا)، أی لا تمنعوه بخلا وظنة بل اعملوا بأمر النبی صلى الله علیه وسلم حیث أمرنی بإبرازه وإظهاره للانتفاع.
إن هذه الأمور الفائضة علیکم من الحقائق والأسرار هی (الرحمة التی وسعتکم)، أی شملتکم (فوسعوا) أنتم أیضا تلک الرحمة على الطالبین وکونوا أعوان الله ورسوله فی إیصاله إلیهم.
پکتاب مجمع البحرین فی شرح الفصین الشیخ ناصر بن الحسن السبتی الکیلانی 940هـ:
قال الشیخ الأکبر رضی الله عنه :
(فمن الله فاسمعوا ... و إلى الله فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما ... أتیت به فعوا
ثم بالفهم فصلوا ... مجمل القول و أجمعوا
ثم منوا به على ... طالبیه لا تمنعوا
هذه الرحمة التی ... وسعتکم فوسعوا)
( فمن الله فاسمعوا) قدّم المعمول على العامل للحصر و الاهتمام به فی أن القابل هو الله سبحانه لا غیر یشیر إلى مقامه رضی الله عنه قرب الفرائض .
قال تعالى:" وما رمیت إذْ رمیت ولکِنّ اللّه رمى" [ الأنفال: 17] .
قال الله سبحانه: "اسْتجِیبوا للّهِ و للرّسُولِ إذا دعاکُمْ" [ الأنفال: 24] أما ترى أنه تعالى وجد الدّاعی مع ذکر الاثنین، فعلمنا أن الأمر واحد و ما سمعنا متکلما سماع الحس إلا الرسول.
و ما سمعنا کلام الحق یسمع الحس إلا بالسمع المعنوی، فالله والرسول اسمان للمتکلم، فإن الکلام لله سواء کان فی الجمع و الفرقان .
کما قال تعالى و المتکلم المشهود عین لسان النبی صلى الله علیه وسلم : "فأجره حتى یسمع کلام الله" فافهم .
قال رضی الله عنه حکایة عن تحققه بهذا المقام الأطهر الأقدس بل أشار إلى العینیة کما نصّ على نفسه فی "الفتوحات" فی الباب السابع و الستین و ثلاثمائة : یحکی عن التجلی الإسرائی و یقول فی أثناء حکایته بعد ما حصل ذلک.
قال : ثم عاینت متکآت رفارف العارفین فغشیتنی الأنوار حتى صرت کلی نورا وخلع على خلعة ما رأیت مثلها.
فقلت إلهی الآیات شتات فأنزل علی عند هذا القول "قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وما أُنْزِلَ عَلَیْنا وما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِیمَ وإِسْماعِیلَ وإِسْحاقَ ویَعْقُوبَ والْأَسْباطِ وما أُوتِیَ مُوسى وعِیسى والنَّبِیُّونَ من رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَیْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ".
فأعطانی فی هذه الآیة کل الآیات وقرب على الأمر وجعلها لی مفتاح کل علم فعلمت أنی مجموع من ذکر لی.
وکانت لی بذلک البشرى بأنی محمدی المقام من ورثة جمعیة محمد صَلَّى اللهُ عَلیهِ وسَلَّم فإنه آخر مرسل وآخر من إلیه تنزل.
آتاه الله جوامع الکلم وخص بست لم یخص بها رسول أمة من الأمم فعم برسالته لعموم ست جهاته.
فمن أی جهة جئت لم تجد إلا نور محمد ینفق علیک فما أخذ أحد إلا منه ولا أخبر رسول إلا عنه.
فعند ما حصل لی ذلک قلت حسبی حسبی قد ملأ أرکانی فما وسعنی مکانی وأزال عنی به إمکانی.
فحصلت فی هذا الإسراء معانی الأسماء کلها فرأیتها ترجع إلى مسمى واحد وعین واحدة فکان ذلک المسمى مشهودی وتلک العین وجودی.
فما کانت رحلتی إلا فی ودلالتی إلا علی ومن هنا علمت أنی عبد محض ما فی من الربوبیة شیء أصلا.
وفتحت خزائن هذا المنزل فرأیت فیها من العلوم علم أحدیة عبودة التشریف ولم أکن رأیته قبل ذلک وإنما کنت رأیت جمعیة العبودیة.
ورأیت علم الغیب بعین الشهادة وأین منقطع الغیب من العالم ویرجع الکل فی حق العبد شهادة وأعنی بالغیب غیب الوجود.
أی ما هو فی الوجود وهو مغیب عن بعض الأبصار والبصائر وأما غیب ما لیس بموجود فمفتاح ذلک الغیب لا یعلمه إلا هو تعالى. أهـ
وأما قوله رضی الله عنه: (فاسمعوا) و لا یسمع إلا من یکون على استعداد یکون معه الفهم عند سماعه بما أرید له ذلک المسموع، و لا یکون ذلک إلا لمن یکون له الحق سمعه خاصة، و قد سمع ضرورة بربه، و من ادّعى هذا السماع، و لم یکن سمعه عین فهمه فدعواه لا تصح کالذین قالوا: سمعنا و هم لا یسمعون، و روح السماع الفهم الذی جاء به السمع، و أما الذین أعرضوا عنه فما أنت بمسمع الصم، قال تعالى : "ولوْ علِم اللّهُ فیهِمْ خیْرًاً لأسْمعهُمْ" [ الأنفال: 23] فافهم .
( و إلى الله فارجعوا ): أی بالتوبة فإنها تنتج المحبة، قال الله سبحانه: "إنّ اللّه یحِب التّوّابین ویحِب المُتطهرین" [ البقرة: 222] .
والمحبة تثمر مقام قرب النوافل و هو أن یکون الحق سمعه الذی یسمع به .
کما روی عن النبی صلى الله علیه و سلم أنه قال: "و لا یزال العبد یتقرب إلیّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته کنت سمعه الذی یسمع به . الحدیث" .
فإذا کان هو سمعه سمع الحق بالحق حقا من الحق فانجلت المشکلات، و انکشفت المعضلات فی المواضع التی تسمح فیها العبارات و تسمح بها الإشارات .
( و إذا ما سمعتم ): أی سماع فهم و قبول ما أتیت به و هو کتاب فصوص الحکم .
( فعوا) من وعى یعی إذا حفظ ما سمع، و هو واع: أی إذا سمعتم سمع فهم فعوا
فإنها تذکرة و تعیها أذن واعیة، ثم بالفهم فصّلوا فلو لا الإیهام ما کان الإبهام، و لو لا الإبهام ما احتیج إلى الإفهام، فإن الفهم قوة لا تصرف لها إلا فی المبهمات و غوامض الأمور، و یحتاج صاحب الفهم إلى معرفة المواطن .
ومع هذا لا یأمن من مکر الله لأن نشأة الإنسان تقبل الشهوات والغفلات والنسیان، فما کل من أوتی العلم أوتی الفهم .
قال تعالى: "ومنْ یـؤْت الحِکْمة فقدْ أوِتی خیْرًاً کثیرًاً" [ البقرة: 269] قیل : هی الفهم .
أما ترى فی قوله تعالى: "ففهمْناها سُلیْمان وکُلًّا آتیْنا حُکْماً وعِلْماً" [ الأنبیاء : 79] .
إنه خصّ سلیمان علیه السلام بالفهم، و إن أوتی داود علیه السلام فصل الخطاب فسلیمان أوتی الفهم و بالفهم اجتهد.
و أصاب فی حکم الحرث: "إذْ نفشتْ فیهِ غنمُ القوْم" [ الأنبیاء: 78]، فافهم .
فإن ما کل من رزق علما کان صاحب فهم، فالفهم درجة علیا بحسب ما یقتضی استعمال ذلک المعقول المعلوم، فأرباب الفهم أصحاب لب.
وبالفهم عن الله تعالى یقع التفاضل بین العلماء بالله.
""ذکر الشیخ رضی الله عنه فی الباب الثامن و الخمسون وخمسمائة فی الفتوحات :
وعند الکشف یعلم المحجوب إن أحدا ما افتقر إلا إلى الله لکن لم یعرفه لتحلیه فی صور الأسباب التی حجبت الخلائق عن الله تعالى مع کونهم ما شاهدوا إلا الله ولهذا نبههم لو تنبهوا بقوله تعالى وهو الصادق "یا أَیُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى الله" لعلمه بفقرهم إلیه .
فلم یتنبه لهذا القول إلا من فتح الله عین فهمه فی القرآن وعلم أنه الصدق والحق الذی "لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ من بَیْنِ یَدَیْهِ ولا من خَلْفِهِ تَنْزِیلٌ من حَکِیمٍ حَمِیدٍ".
فکلام الحق لا یعلمه إلا من سمعه بالحق فإنه :
کلام لا یکفیه سماع ..... کلام ما له فینا انطباع
فنسمعه ونتلوه حروفا ..... بنظم لا یداخله انصداع "" أهـ.
ورد عن سید الأولیاء علی ابن أبی طالب المرتضى رضی الله عنه أنه قال:" إن الوحی قد انقطع فما بقى منه إلا الفهم فی القرآن و هو فتح عین فهمه فی القرآن".
وذلک لیس بشرع جدید، بل هو فهم جدید فی الکتاب والسنة، ولم یکن غیره فهم هذا منهما، فللرسل صلوات الله علیهم العلم، و لنا الفهم و هو علم خاص .
ذکره الشیخ رضی الله عنه فی الباب الثالث عشر و ثلاثمائة من "الفتوحات" .
( مجمل القول) فما عند الله إجمال کما أنه لیس فی الأعیان الممکنات إجمال، بل الأمر کله فی نفسه و فی علم الله مفصّل، و إنما وقع الإجمال عندنا و فی حقّنا و فینا ظهر، فمن کشف التفصیل فی عین الإجمال علما أو عینا أو حقا فذلک الذی أعطاه
و ذلک کله یرجع إلى الحاصل الموجود عنده قبل وجود التوجه و الاعتقاد، و بالجملة یقبل الزیادة، و یجاهد شیطان الإضافة، و یتعب فی جهدها بالإضافة، و یطلب الخلاص من مکابدة و هم العادة و کأنه یحارب الباطل، و یترک طور شهوده فی حق حقیقته، و یترک الطور العامل هو العاطی، و یجد الفصل: هو الطالع من القضایا الوجودیة و الآفل.
وجوهره مع ذلک کله یخبر بالرفیع والنازل، ولسان حاله بوجود الغیریة والإضافة قائل، و للصورة المتممة المذکورة قبل غیر قائل.
فاعلم ذلک، واعمل على تحصیل القسم الأول بالحکمة الأولى فهی عین الخبر، والصبر على الثبوت فیها بمدافعة غیرها من محله سر الأثر.
الحکم وفصل الخطاب، ولیس ذلک إلا للرسل والورثة خاصة، وأمّا حکماء الرسوم فإن اسم الحکم لهم عاریة فإنهم لا یعلمون التفصیل فی الإجمال ولا یضعون الأمور مواضعها.
وأمّا صاحب الکشف یرى فی المداد الذی فی الدواة جمیع ما فیه من الحروف والکلمات، وما یتضمنه من صور ما یصور به الکاتب والرسام وکل ذلک کتاب فیکتب بذلک المداد، ویرسم على حسب ما رأى المکاشف بحیث لا یزید ولا ینقص و لا یدرک ذلک إلا هذا المسمّى حکما.
کذا ذکره الشیخ رضی الله عنه فی الباب الثالث والسبعین وثلاثمائة من "الفتوحات".
قال الشیخ رضی الله عنه : الممکنات متمیزة فی ذاتها فی حال عدمها .
ویعلمها الله سبحانه وعلى ما هی علیه فی نفسها ویراها ویأمرها بالتکوین وهو الوجود فتتکون عن أمره .
فما عند الله إجمال کما أنه لیس فی أعیان الممکنات إجمال بل الأمر کله فی نفسه وفی علم الله مفصل .
وإنما وقع الإجمال عندنا وفی حقنا وفینا ظهر , فمن کشف التفصیل فی عین الإجمال علما أو عینا أو حقا, فذلک الذی أعطاه الله الحکمة وفصل الخطاب ولیس إلا الرسل والورثة خاصة.
وأما الحکماء أعنی الفلاسفة فإن الحکمة عندهم عاریة فإنهم لا یعلمون التفصیل فی الإجمال. وصورة ذلک کما یراه صاحب هذا المقام الذی أعطاه الله الحکمة التی عنده عنایة إلهیة وهی عند الحق تعیین الأرواح الجزئیة المنفوخة فی الأجسام المسواة المعدلة من الطبیعة العنصریة من الروح الکل المضاف إلیه .
ولذلک ذکر أنه خلقها قبل الأجسام أی قدرها وعینها الکل جسم وصورة روحها المدبر لها الموجود بالقوة فی هذا الروح الکل المضاف إلیه فیظهر ذلک فی التفصیل بالفعل عند النفخ .
وذلک هو النفس الرحمانی لصاحب الکشف فیرى فی المداد الذی فی الدواة جمیع ما فیه من الحروف والکلمات وما یتضمنه من صور ما یصورها الکاتب أو الرسام .أهـ
( و اجمعوا ): أی لا حظوه مجموعا، و هو تفصیل فی عین الجمع، و إجمال و جمع فی عین التفصیل هکذا الأمر، فإن الأدیب العلیم الحکیم ظاهر بالصورة فی العالم یفصّل إجماله بصورة، و تجمّل تفصیله بذاته، و متى لم تکن هذه الصفة و القوة فی رجل، فلیس برجل أدیب .
( ثم منوا به على طالبیه) یشیر رضی الله عنه إلى التخلق بأخلاق الله تعالى: "بلِ اللهُ یمُن علیْکُمْ أنْ هداکُمْ للْإِیمانِ إنْ کُنْتمْ صادِقین" [ الحجرات: 17].
فإن من أسمائه المنان، فمعنى منوا: أی تحققوا به، ثم أظهروا بهذه الصفة على المستعدین و القائلین المستحقین له .
أو منوا: أی أنعموا على الطالبین، و لینفق ذو سعة من سعته لتکونوا من الذین قال تعالى فیهم: "و مِمّا رزقناهُمْ یـنْفِقُون" [ البقرة: 3] .
( و لا تمنعوا) أشار رضی الله عنه إلى ما ورد فی الخبر : "إن مانع الحدیث أهله کمحدثه لغیر أهله". ذکره الدیلمی عن ابن مسعود رضی الله عنه .
( هذه الرحمة التی وسعتکم فوسّعوا) وذلک العلم بالله المستفاد من کتاب الفصوص لأن العلم من معدن الرحمة وهو صفة إحاطیة إلهیة أشرف ما فضّل الله به أحد، أو أکمل ما منح على عباده .
قال المنان سبحانه: " آتیناهُ رحْمةً مِنْ عِنْدِنا وعلّمْناهُ مِنْ لدُنّا عِلْماً" [ الکهف : 65] رحمة منا، و ما أمر الله نبیه صلى الله علیه و سلم أن یطلب الزیادة فی شیء غیر العلم لأنه أثنى تحفة وأعظم کرامة بل هو الخیر کله .
و قال رضی الله عنه: البطالة مع العلم أحسن من الجهل مع العمل، و ما أغنى بالعلم إلا العلم بالله .
قال صلى الله علیه و سلم : "من تعلم بابا من العلم علم به، أو لم یعلم به کان أفضل من صلاة ألف رکعة، فإن عمل به أو علمه کان له ثوابه، و ثواب من یعمل به إلى یوم القیامة".
ذکره الخطیب، و ابن النجار عن ابن عباس ذکره فی "جمع الجوامع". والخطیب البغدادی فی تاریخ بغداد
وورد فی الخبر : "إن أفضل الأعمال العلم بالله إن العلم بالله ینفعک معه قلیل من العمل وکثیره، وإن الجهل لا ینفعک معه قلیل العمل ولا کثیره". رواه الحکیم عن أنس رضی الله عنه .و الحسینی فی البیان والتعریف.
و فی روایة : "أفضل العمل العلم بالله، قلیل العمل ینفع مع العلم، و کثیر العمل لا ینفع مع الجهل". رواه الدیلمی عن مؤمل بن عبد الرحمن الثقفی عن عبادة . وذکره العجلونی.
ممد الهمم در شرح فصوص الحکم، علامه حسن زاده آملی ره ، ص: 9
فمن اللّه فاسمعوا و الى اللّه فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما أتیت به فعوا
ثم بالفهم فصّلوا مجمل القول و اجمعوا
ثم منّوا به على طالبیه لا تمنعوا
هذه الرحمة التی وسعتکم فوسّعوا
پس از خدا بشنوید و به خدا بازگردید.
و چون آن چه را آوردم شنیدید پس آن را فرا گیرید.
سپس به وسیله فهم گفتار مجمل را تفصیل دهید و گرد آرید.
آن گاه آن را در اختیار خواستارانش قرار داده باز ندارید.
این رحمتى است که شما را در گرفت، پس گشاده دست باشید.
(اگر شراب خورى جرعهاى فشان بر خاک)
نصوص الخصوص فى ترجمة الفصوص (بابا رکنا شیرازی)، ج1، ص: 43
و این معانى را در این ابیات بیان کرده:
فمن اللّه فاسمعوا و إلى اللّه فارجعوا
فإذا ما سمعتم ما أتیت به فعوا
در این عبارت که فرموده: «فمن اللّه فاسمعوا» تنبیهى است بر آنکه رسول- صلعم- مظهر اسم جامع است که آن اللّه است؛ از براى آنکه فرماینده به اظهار این اسرار و ابراز این انوار رسول بود- صلعم-. پس گوینده «فمن اللّه فاسمعوا» و معنى آن به حقیقت رسول باشد؛ و شیخ مبلّغ این رسالت از رسول بود.
ثمّ بالفهم فصدّوا مجمل القول و اجمعوا
ثمّ منّوا به على طالبیه لا تمنعوا
هذه الرحمة الّتى و سعتکم فوسّعوا
یعنى: بعد از آنکه بشنودید این کلمات را، باید که به فهم و ادراک خود، آنچه در آن مجمل است، مفصّل کنید؛ تا به فروع آن، عارف گردید بطریق تفصیل؛ و باز آن مفصّل و تفاریع را جمع کنید در اصول او، تا فروع در عین اصول و اصول در عین فروع، مشاهده کنید؛ که دلیل بر فهم تمام و ادراک بنظام در علوم این است که: آنچه بطریق اجمال بداند، تقریر کردن تفاصیل و تفاریع آن تواند؛ و این صفتى است از صفات کمال حق- جلّ و علا-؛ که عالم است بر جزئیّات اشیاء در عین کلیّات آن؛ کما قال تعالى: «لا یَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فی الارض و لا فی السّماء»( س 10- 61). و شاید که مراد از تفصیل مجمل، آن باشد که آنچه من از مراتب و مقامات یاد کردم، شما جمع کنید میان آن مرتبه و مقام اهل آن از انبیاء و اولیاء چنانکه توانى گفتن که: فلان مرتبه و مقام که در این سلوک است، از آن فلان نبىّ و فلان ولىّ است، چنانکه وضع این کتاب بر آن است که چون شما را این قدرت حاصل گشت، و این نعمت به شما متواصل شد، بر طالبان این معنا عطا کنید و منّت نهید. و این نعمت از طالبان باز مگیرید، تا از آن طایفه باشید که حق- عزّ شأنه- مدح ایشان فرمود که: «وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ»( س 2- 2) و ایشان را به احسان بستود که:
«إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِیبٌ مِنَ الْمُحْسِنِینَ»( س 7- 56) ، [اى]: الّذین لا یبخلون بما رزقهم اللّه.
و چون منّت نهادن در بعضى از صور، از صفات محموده است و یکى از اسماء حق- تعالى- این است که «المنّان» و در قرآن هم منّت نهاده که: «بَلِ اللَّهُ یَمُنُّ عَلَیْکُمْ أَنْ هَداکُمْ لِلْإِیمانِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ»( س 49- 17) شیخ- رض- خواست تا ما نیز متخلّق به این خلق و متّصف به این صفت کردیم گفت: «ثم منّوا به» و این شناختن معانى، و دانستن اسرار و مبانى رحمتى است [که] از حضرت عزّت بر شما فراخ و تمام شده؛ شما نیز وارسانید؛ و فراخ و تمام گردانید؛ تا خلق از آن با بهره گردند؛ و به صفتى از صفات حق، موصوف شده باشید.
«اى یار چنانکه مىدهندت مىده.»
شرح فصوص الحکم (خوارزمى/حسن زاده آملى)، ص: 84-86
قال رضى اللّه عنه:
فمن اللّه فاسمعوا و إلى اللّه فارجعوا
فائى که بیت بدان مصدر است فاى فصیحه است که در جواب شرط مقدّر واقع شده است. یعنى چون هرچه اظهار مىکنم از انوار، و کشف مىسازم از اسرار از حضرت بارى تعالى است و من به ابراز آن مأمورم بىآنکه مرا تصرفى باشد، پس از خداى بشنوید نه از من و به خداى رجوع کنید در حالت استماع آنچه شما را به واسطه فقدان ذوق طاقت سماع آن نیست تا حضرت الهىّ که میسّر هر عسیر است به اشراقات انوار خویش قلوب شما را منوّر ساخته، اطلاع برین معانى و اسرار روزى کند.
فإذا ما سمعتم ما أتیت به فعوا
و چون بشنوید آنچه من از حضرت حق در حالت فناء و اضمحلال رسوم بشریت و در هنگام بقاء به انوار احدیت آوردهام، پس یاد گیرید و به ادراک معانى و تحقیق اسرارش محافظت کنید.
ثمّ بالفهم فصّلوا مجمل القول و اجمعوا
یعنى بعد از فهم معانى و ادراک حقایق نهانى تفصیل کنید مجملات احکامى را که درین اصول کلّیّه مودع است و تفاریع آن را با اصولش جمع کنید تا به معرفت فروع در عین اصول و ادراک اصول در عین فروع بدانید که حق سبحانه و تعالى عالم به جزئیات اشیاست در عین کلّیاتشکه لا یَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِی السَّماواتِ وَ لا فِی الْأَرْضِ (قرآن، سبا، آیه 4).
این شنیدى موبهمویت گوش باد آب حیوان است خوردى نوش باد
عنایت است ز جانان چنین غریب کرامت ز راه گوش در آید چراغهاى نهانى
شکر به پیش تو آید که برگشاى دهان را چرا ز دعوت شکر چو پسته بسته دهانى
ثمّ منّوا به على طالبیه لا تمنعوا
یعنى چون شرف استماع این کتاب و سعادت فهم این خطاب دریابید به ارسال و تنبیه منّت بر طالبان نهید و در ساحت عطاى امتنانى ضنّت و بخل را مجال محال ندهید، و گرم روان لب تشنه را از زلال این حقایق منع مکنید که: لا ینهر عن الأنهار السّائلون، تا شما را انتظام در سلک طایفهاى که: وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ یُنْفِقُونَ* از شرائف اوصاف ایشان است حاصل شود. شعر:
در کام جان تشنه لبان ریز جرعه اى زان خمر بى خمار که هر لحظه ذائقى
هذه الرّحمة التى وسعتکم فوسّعوا
یعنى این اسرار و معانى که از موهبت حضرت سبحانى بر شما فایض شده رحمتى است واسعه که شما را احاطه کرده است، شما نیز بر طالبان افاضه رحمت کنید تا شکر نعمت به جاى آورده باشید و اداى حقوق آن کرده، و اقتداى رسول را علیه السلام در آنچه مىگفت:
«اللّهمّ ارزقنى و ارزق امّتی» واسطه وصول به درجه ورثه او شناسید. بیت:
چو درویشى به درویشان نظر به کن که قرص خور به عریانان دهد زربفت چون بینند عریانش
حل فصوص الحکم (شرح فصوص الحکم پارسا)، ص: 515