عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

الفقرة الثانیة عشر :


کتاب تعلیقات د أبو العلا عفیفی على فصوص الحکم الشیخ الأکبر ابن العربی 1385 هـ :

قبل أن تقرا لـ  د. أبو العلا عفیفی رحمه الله:

د أبو العلا عفیفی رحمه الله لیس متصوف سالک فى الله وإنما تعلم التصوف بفهم وعیون الغرب العلمانی للعمل والإرتزاق ولبناء مستقبل علمی وسطهم لیحظی بتقدیرهم والاعتراف به کخبیر متخصص وأستاذ فى علوم و مخطوطات الشیخ الأکبر ابن العربی فى وسطهم الفلسفی والعلمی على مستوى العالم وکان له ذلک.

لکن لا ینکر فضله الکبیر فی البحث و جمع ومقارنة و تحقیق مخطوطات الشیخ الأکبر وتراثه العلمی فضل کبیر فی البحث وجمع ومقارنة وتحقیق مخطوطات الشیخ الأکبر ومحاولة شرحها جل عمره .

لکنه تشبع وانصبغ بما تعلمه من التصوف العقلی فی الغرب العلمانی  حیث حصل على الدکتوراه فی الفلسفة من جامعة کمبردج 1930 برسالته عن "فلسفة ابن عربی الصوفیة " تحت اشراف المستشرق البریطانی رینولد نیکلسون.

فی أن التصوف ووحدة الوجود وأصوله الآفلوطونیة والغنوصیة وغیرها من نتائج أفکار العقل النظری والواردات الشیطانیة التی لا ضوابط حاکمة لها من قواعد وقیود الشرع الحنیف المنزل من عند الله سبحانه.

فالحق سبحانه وإن تجلی أو تنزل أو ظهر فی کل شیء وعلى کل شیء وفى کل وجهه فـ هو الله الأحد الفرد الصمد لاشریک له لیس کمثله شیء  . 

والعبد عبد وإن تجلی الله علیه أو کلمه أو اتخذه أو ولیا أو نبیا او رسولا وعلمه الأسماء کلها وجعله خلیفة له یتصرف فى الأکوان فهو مازال عبدا مفتقرا إلى الله تعالى دائما فى کل شیء. فالرب رب وإن تنزل . و العبد عبد وإن علا.

فقراءة تعلیقات د أبو العلا عفیفی عادة مهمة ولکن تجاوز عن تفسیراته وتعریفاته الفلسفیة الغربیة العلمانیة لوحدة الوجود فهى خطأ ولیس ما یریده الشیخ رضی الله عنه یقینا وکذلک کل الأئمة الأولیاء الکمل منذ رسول الله صلى الله علیه وسلم والصحابة والإمام علی ابن أبی طالب رضی الله عنهم جمیعا وحتى الآن والى یوم یبعثون وما بعد یوم یبعثون  .

فالعقل وحده وهو أعظم أدوات الفلاسفة فی التأمل عاجزا تماما بل هو أعمى عن إدراک کل الحقائق والمخلوقات فى عالم الملک والملکوت والجبروت واللاهوت.

کذالک السموات على ما هی علیه مفتقرا لسلطان الله لینفذ فی معارجها کذلک لمشاهدة التجلیات والحضرات الإلهیة لکی الأسماء والصفات والأفعال ألهیة ببصر وسمع الله سبحانه  فضلا عن التأیید الإلهی للفهم عنه.

فالحق سبحانه القدیم الأزلی السر و النور الساری فی کل ما خلق وإلا صار للعدم. والى ذلک أعلمنا سبحانه فأشار بـالحقیقة الساریة فی کل شیء " لا حول ولا قوة الا بالله" وحدها کافیة للدلالة على سریانه فی کل شیء ووجه لمن أراد الدلیل وتفم مراد الرسول والأنبیاء والشیخ وکل الأولیاء أن کل الکون مفتقر تعالى إلیه  دائما أبدا وفى کل لحظة .

قال تعالى :" إِنَّ اللَّهَ یُمْسِکُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَکَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ کَانَ حَلِیمًا غَفُورًا (41) سورة فاطر".

قال تعالى : " قُلْ فَمَنْ یَمْلِکُ مِنَ اللَّهِ شَیْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ یُهْلِکَ الْمَسِیحَ ابْنَ مَرْیَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِی الْأَرْضِ جَمِیعًا وَلِلَّهِ مُلْکُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَیْنَهُمَا یَخْلُقُ مَا یَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ (17) سورة المائدة"

قال تعالى : " لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ وَهُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ (11) سورة ".

قال تعالى : "وَمَا کَانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُکَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْیًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ یُرْسِلَ رَسُولًا فَیُوحِیَ بِإِذْنِهِ مَا یَشَاءُ إِنَّهُ عَلِیٌّ حَکِیمٌ (51) سورة الشورى " .

فالله سبحانه وتعالى یکلم ویخاطب من یشاء من عباده بما شاء کیفما شاء وأینما شاء ولاقید ولاحد لهذا او یرسل رسولا عدا الوحی الذی رفعه الله سبحانه بعد خاتم المرسلین صلى الله علیه وسلم ویعلم من یشاء بما یشاء فلا سلطان لأحد من الخلق علیه.

فالله سبحانه وتعالى النور والسر الساری فی کل شیء أزلا وسرمدا خلقا وایجادا واظهارا ومحوا وإحفاء واعداما و زولا غیر مفتر للشیء . وکل الکون مفتقر الیه دائما فى کل شیء.

أین کل هذا من علوم أفلاطون والغنوصیة والبوذیة وغیرها من تلک العلوم الشیطانیة النفسیة التی أوجدها لیسلبوا عقول الناس و یضیعوا أعمارهم "لیضلوا عن سبیل الله" , فمن أراد الله سبحانه أخذ آیات وشرع الله وتجرد له وأخلص له وصدق معه وینتظر ما سیفتح الله به وقتما یشاء سبحانه .

وعرضت کلامه لأهمیته لاکتمال الموسوعة فی إیراد أهم التفاسیر المتاحة ولأن النص الأساسی للموسوعة هو الذی أورده من دراسته معتمدا على عدد کبیر من المخطوطات الموثقة عن کتاب فصوص الحکم للشیخ الأکبر رضی الله عنه.

أخیرا فطالب الحق یکفیه دلیل لیعرف اما المعاند النزق أوالجاهل أو من ران على قلبه لا یکفیة الف دلیل.

وَاللَّهُ یَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ یَهْدِی السَّبِیلَ.

فاتحة الکتاب " خطبة الکتاب "

(الحمد للَّه منزِّل الحکم على قلوب الکَلِم ... إلى قوله وسلم).

الحکمة هی العلم بحقائق الأشیاء والعمل بمقتضاها، فلها إذن ناحیتان:

ناحیة نظریة وأخرى عملیة، وهی بهذا المعنى مرادفة للفلسفة بقسمیها النظری والعملی.

وعلى هذا التعریف تکون الحکمة أعم من «العلم» الذی هو إدراک حقائق الأشیاء على ما هی علیه، أو محاولة ذلک الإدراک، وأعم من «المعرفة» کذلک.

هذا هو المعنى الاصطلاحی الشائع لکلمة الحکمة.

ولکن الصوفیة منذ عصر مبکر استعملوا الحکمة فی معنى خاص یتفق من ناحیة مع مدلولها الفلسفی ویختلف من ناحیة أخرى عند ما ننظر إلیه فی ضوء نظریتهم العامة فی طبیعة المعرفة الإنسانیة وطرق تحصیلها. ذلک أنهم قابلوا بین «الحکمة» و «الکتاب»

مستندین إلى الآیة الکریمة «کَما أَرْسَلْنا فِیکُمْ رَسُولًا مِنْکُمْ یَتْلُوا عَلَیْکُمْ آیاتِنا وَیُزَکِّیکُمْ وَیُعَلِّمُکُمُ الْکِتابَ وَالْحِکْمَةَ». سورة البقرة آیة 151.

وقالوا إن المراد بالکتاب تعالیم الدین الخاصة بالشرائع والأحکام، أو ما سموه أحیاناً «العلم الظاهر»، والمراد بالحکمة التعالیم الباطنیة التی اختص بها الرسول صلى اللَّه علیه وسلم وورثها ورثته من بعده، وأطلقوا على ذلک اسم العلم الباطن.

ولیس العلم الباطن عندهم سوى علم الطریق الصوفی وما ینکشف للصوفیة من حقائق الأشیاء ومعانی الغیب.

فکأنهم بذلک وجدوا أساساً لطریقتهم فی نصوص القرآن نفسه، کما نسبوا علم هذه الطریقة إلى النبی وعدوا أنفسهم ورثة هذا العلم الحافظین له المختصین به.

ولا یختلف ابن العربی عن غیره من الصوفیة فی استعمال کلمة الحکمة التی یوردها فی عنوان کل فص من فصوص کتابه إلا فی أنه یرى أنها الإرث الباطنی الذی ورثه جمیع الأنبیاء والأولیاء لا عن النبی محمد بل عن الحقیقة المحمدیة، أو أنها العلم الذی أخذه هؤلاء جمیعاً من مشکاة النبی.

وهو لا یشیر إلى الأنبیاء والأولیاء بهذین الاسمین وإنما یسمیهم «الکَلِم» جمع کلمة ومعناها عنده الإنسان الکامل أی الإنسان الذی حقق فی وجوده کل معانی الکمال الإلهی، وتجلت فیه کل الصفات الإلهیة فأصبح من أجل ذلک أحق الموجودات بأن یکون خلیفة اللَّه فی کونه- لا فی أرضه فحسب.

ولیست هذه الکلم سوى الأنبیاء والأولیاء وإن کان کل موجود من الموجودات کلمة من کلمات اللَّه لأنه المظهر الخارجی لکلمة التکوین.

«قُلْ لَوْ کانَ الْبَحْرُ مِداداً لِکَلِماتِ رَبِّی لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ کَلِماتُ رَبِّی وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً». سورة الکهف آیة 109.

والمراد «بالکلَم» هنا وفی سائر فصول الکتاب بوجه أخص حقائق الأنبیاء والأولیاء لا أشخاصهم، وعلى رأسهم جمیعاً «الکلمة» التی هی الحقیقة المحمدیة.

وللمؤلف نظریة خاصة فی هذا الموضوع سنعرض لها فی مواضعها من الکتاب.

ویذهب القیصری فی شرحه على الفصوص إلى أن لفظ «الکلمة» متصل بلفظ النَّفَس، وکما أن الکلمات التی نتلفظ بها لیست إلا تعینات فی ذات النفس الذی یخرج من أجوافنا، کذلک لیست کلمات اللَّه إلا تعینات فی النفس الرحمانی الذی یطلق علیه متصوفة هذه الطائفة اسم جوهر الوجود.

ولکن نظریة ابن عربی فی الکلمة أعمق من هذا وأبعد غوراً، وهی کما سنرى نظریة معقدة تمت بصلات وثیقة إلى نظریات أخرى فی الفلسفة الیونانیة والرواقیة والیهودیة.

(راجع أیضاً مقالتی عن نظریات الاسلامیین فی الکلمة بمجلة کلیة الآداب بجامعة فؤاد سنة 1934).

ومن خصائص «الحکمة» التی أشرنا إلیها أنها تنزل على القلوب لا على العقول، ولهذا قال «منزل الحکم على قلوب الکلم»، وفی هذا تمییز صریح لها عن الفلسفة التی هی نتاج عقلی صرف.

فالقلب عند الصوفیة هو محل الکشف والإلهام وأداة المعرفة والمرآة التی تتجلى على صفحتها معانی الغیب.

ثم أراد المؤلف أن یذکر حکمة من هذه الحکم التی تنزل على قلوب الکلم فأشار إلى العلم بأحدیة الطریق الأمم.

والطریق الأمم فی مذهبه هو الطریق الواحد المستقیم الذی تؤدی إلیه الأدیان کلها مهما اختلفت عقائدها وتعددت مذاهبها، ولیس هذا الطریق سوى وحدة الوجود ووحدة المعبود.

إذ لیس فی الوجود سوى اللَّه وآثاره، ولا معبود إلا هو مجلی من مجالی المعبود على الإطلاق، المحبوب على الإطلاق، الجمیل على الإطلاق وهو اللَّه.

هذا هو دین الحب الذی أشار إلیه ابن عربی فی قوله:

أدین بدین الحب أنَّى توجهت  ....   رکائبه فالحب دینی وإیمانی

وفیه یقول أیضاً:

عقد الخلائق فی الإله عقائداً ..... وأنا اعتقدت جمیع ما عقدوه

"ممد الهمم من خزائن الجود والکرم".

المراد بالهمة الإرادة وهی الإقبال بالنفس فی حال جمعیتها والتوجه إلى اللَّه والتهیؤ لقبول فیضه. فأحوال الصوفیة أحوال إرادیة لا صلة لها بالإدراک العقلی المنطقی، والفیض یمد همة الصوفی لا عقله.

أما المراد بخزائن الجود والکرم فقد یکون أحد أمرین:

الأول: العلم الباطن أو الغیبی الذی قال الصوفیة إنه یفیض علیهم من مشکاة خاتم الرسل، وبذلک یکون محمد صلى اللَّه علیه وسلم أو الحقیقة المحمدیة أو روح محمد مبدأ کل کشف وإلهام ومصدر کل علم باطنی، وهذه بالفعل ناحیة من نواحی نظریة ابن عربی فی الکلمة.

الثانی: أن المراد بخزائن الجود والکرم الأسماء الإلهیة المتجلیة فی الموجودات على اختلاف أنواعها.

فمحمد یمد المخلوقات بها لأنه هو وحده المظهر الکامل لها جمیعها وبذلک استحق اسم عبد اللَّه، واللَّه اسم جامع لجمیع الأسماء الإلهیة ولأن محمداً أو حقیقة محمد واسطة الخلق وحلقة الاتصال بین الذات الإلهیة والمظاهر الکونیة.

فهو بمثابة العقل الأول فی الفلسفة الأفلاطونیة الحدیثة وبمثابة المسیح فی الفلسفة المسیحیة وبمثابة «المطاع» فی فلسفة الغزالی.

هذه أیضاً ناحیة من نواحی نظریة المؤلف فی «الکلمة».