شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
جلد: 1، صفحه: 206
جلد: 1، صفحه: 207
فصّ حکمة إلهیّة1 فی کلمة آدمیّة2
________________________________________
(1) . اعلم أن جمیع حقائق الوجود و حفظها فی مراتبها تسمّى الألوهیة، و أعنی بحقائق الوجود، أحکام المظاهر مع الظاهر فیها، أعنی الحقّ و الخلق، فشمول المراتب الإلهیّة و جمیع المراتب الکونیّة و إعطاء کلّ حقّه من مرتبة الوجود هو معنى الألوهیّة.
و «اللّه» اسم لربّ هذه المرتبة، و لا یکون ذلک إلاّ لذات واجب الوجود تعالى و تقدس. فأعلى مظاهر الذات مظهر الألوهیة؛ إذ له الحیطة و الشمول على کلّ مظهر و هیمنة على کلّ وصف أو اسم، فالألوهیّة أمّ الکتاب، و القرآن هو الأحدیّة، و الفرقان هو الواحدیة، و الکتاب المجید هو الرحمانیة کلّ ذلک باعتبار، و إلاّ فأمّ الکتاب باعتبار الأوّل الذی علیه اصطلاح القوم هو ماهیة کنه الذات، و القرآن هو الذات، و الفرقان هو الصفات، و الکتاب هو الوجود المطلق. و سیأتی بیان هذه العبارات من هذا الکتاب فی محلّه إن شاء اللّه تعالى.
و إذا عرفت الاصطلاح و عرفت حقیقة ما أشرنا إلیه علمت أنّ هذا عین ذلک، و لا خلاف فی القولین إلاّ فی العبارة، و المعنى واحد.
فإذا علمت ما ذکرنا تبیّن لک أنّ الأحدیّة أعلى الأسماء التی تحت هیمنة الألوهیّة، و الواحدیة أوّل تنزّلات الحقّ من الأحدیّة، فأعلى المراتب التی تشملها الواحدیة المرتبة الرحمانیة، و أعلى مظاهر الرحمانیّة، فی الربوبیّة و أعلى مراتب الربوبیّة فی اسمه «الملک» و الملکیة تحت الربوبیّة، و الربوبیّة تحت الرحمانیّة، و الرحمانیّة تحت الواحدیة، و الواحدیة تحت الأحدیة، و الأحدیّة تحت الألوهیّة؛ لأنّ الألوهیّة إعطاء حقائق الوجود و غیر الوجود حقّها مع الحیطة و الشمول، و الأحدیة حقیقة من جملة حقائق الوجود.
فالألوهیّة أعلى؛ و لهذا کان اسمه «اللّه» أعلى الأسماء و أعلى من الأحدیة، فالأحدیّة أخصّ مظاهر الذات لنفسها و الألوهیة أفضل مظاهر الذات لنفسها و لغیرها، و من ثمّ منع أهل اللّه تجلّی الأحدیة و لم یمنعوا تجلّی الألوهیّة، فإنّ الأحدیّة ذات محض لا ظهور لصفة فیها فضلا عن أن یظهر فیها مخلوق و امتنع نسبتها إلى المخلوق من کلّ وجه. فما معنى للقدیم القائم بذاته و لا کلام فی ذات الواجب الوجود فإنّه لا یخفى على من نفسه.
(2) . لمّا استعار الفصّ لنوع الإنسان و حقیقته المعبّر عنها ب «آدم» کما قال فی نقش الفصوص: و أعنی بآدم وجود العالم الإنسانی، على أنّ العالم کالخاتم و الإنسان کفصّه کان قلب کلّ إنسان عارف باللّه کامل فصّا هو محلّ حکمته المخصوصة به کما قال: منزل الحکم على قلوب الکلم؛ فإنّ لکلّ نبى مرتبة من الکمال هى - - جملة علوم و حکم متّحدة بأحدیّة الاسم الإلهی الذی هو ربّه؛ فلذلک نقل الفصّ من قلبه الذی هو محلّ حکمته إلى الفصل المشتمل على تلک الحکمة و سمّاه به؛ للمناسبة.
ثمّ لما کان الإله المطلق الذی هو معبود الکلّ بذاته و جمیع صفاته لا یتجلّى إلاّ فی هذا النوع خصّ الفصّ المشتمل على الحکمة الإلهیّة بالکلمة الآدمیّة.
جلد: 1، صفحه: 208
و إنّما قال: (المالک) و (العبد)؛ لأنّ الإلقاء لا یمکن إلاّ أن یکون بین الملقی و الملقى علیه.
و الملقی هو اللّه تعالى من حیث ربوبیّته، و الربّ هو المالک؛ لأنّه من جملة معانیه، و الملقى علیه هو العبد.
و أیضا: إلقاء هذه المعانی لیس إلاّ لتکمیل المستعدّین القابلین للوصول إلى مقام «الجمع» و الوحدة الحقیقیّة، و ذلک لا یمکن إلاّ بالتربیة، و لمّا کان الملقى علیه عبدا، ذکر ما یقابله و هو المالک، الذی هو بمعنى الربّ.
و المراد بالعبد نفسه؛ أی أوّل ما ألقاه اللّه تعالى فی قلبی - على سبیل الإلهام من الحکم و الأسرار - فصّ حکمة إلهیّة1، و إن کان معطی الکتاب هو الرسول صلّى اللّه علیه و آله.
و یمکن أن یکون المراد بالمالک الرسول؛ لأنّه الاسم الأعظم الإلهیّ باعتبار اتحاد الظاهر و المظهر.
و لا یجوز أن یقال: «المراد بالمالک هو الحقّ و بالعبد هو النبی صلّى اللّه علیه و آله» لما یلزم من إساءة الأدب2، و إن کان عبدا له و رسولا منه.
و «ذلک3 إشارة إلى الکتاب؛ أی أوّل ما ألقاه المالک على قلب العبد من ذلک الکتاب - أی من معانیه - فصّ حکمة إلهیّة.
و فصّ الشیء: خلاصته و زبدته، و فصّ الخاتم: ما یزیّن به الخاتم، و یکتب علیه اسم صاحبه؛ لیختم به على خزائنه، و قال ابن السکّیت: «کلّ ملتقى عظمین فصّ، و
________________________________________
- جملة علوم و حکم متّحدة بأحدیّة الاسم الإلهی الذی هو ربّه؛ فلذلک نقل الفصّ من قلبه الذی هو محلّ حکمته إلى الفصل المشتمل على تلک الحکمة و سمّاه به؛ للمناسبة.
ثمّ لما کان الإله المطلق الذی هو معبود الکلّ بذاته و جمیع صفاته لا یتجلّى إلاّ فی هذا النوع خصّ الفصّ المشتمل على الحکمة الإلهیّة بالکلمة الآدمیّة.
(1) . قال الشارح فی الفصّ النوحی (ج 2 - ص 21): و الألوهة اسم للمرتبة الإلهیّة فقط، و الألوهیة اسم تلک المرتبة مع ملاحظة نسبة الذات إلیها.
(2) . أی من الشیخ.
(3) . أی ذلک المذکور فی المتن.
جلد: 1، صفحه: 209
فصّ الأمر: مفصله1» قال الشاعر:
و ربّ أمرء خلته مائقا2و یأتیک بالأمر من فصّه و الأوّلان أنسب بالمقام.
و معنى «الحکمة» ما ذکر3: من أنّها علم بحقائق الأشیاء على ما هی علیه، و عمل بمقتضاه، ففصّ کلّ حکمة - على الأوّل4 - عبارة عن خلاصة علوم حاصلة لروح نبیّ من الأنبیاء المذکورین علیهم السّلام التی یقتضیها5 الاسم الغالب علیه، فیفیضها6 على روح ذلک النبی صلّى اللّه علیه و آله بحسب استعداده و قابلیّته.
و على الثانی7: هو القلب المنتقش بالعلوم الخاصّة به، و یؤیّد هذا الوجه ما ذکره8 فی آخر الفصّ من قوله: (و فصّ کل حکمة الکلمة التی نسبت إلیها) فمعنى قوله: (فصّ حکمة إلهیّة) أی محلّ الحکمة الإلهیّة هو القلب الثابت فی الکلمة الآدمیّة.
و «الإلهیّة»9 اسم مرتبة جامعة لمراتب الأسماء و حقائقها کلّها، و لذلک صار الاسم «اللّه» متبوعا لجمیع الأسماء و الصفات، و موصوفا بها.
و تخصیص الحکمة الإلهیّة بالکلمة الآدمیّة، هو أنّ آدم علیه السّلام لمّا خلق للخلافة، و کانت مرتبته جامعة لجمیع مراتب العالم، صار مرآة للمرتبة الإلهیّة، قابلا لظهور جمیع الأسماء فیه، و لم تکن لغیره تلک المرتبة، و لا قابلیّة ذلک الظهور، لذلک خصّها به.
________________________________________
(1) . المعنى و الشعر منقولان من صحاح الجوهری، و فی معیار اللغة: «الفصّ من الأمر مفصله یقال: یأتیک بالأمر من فصّه، أی من مفصله، و المعنى یأتی به مفصّلا مبیّنا.
(2) . أی أحمق.
(3) . إشارة إلى ما ذکر فی شرح قوله: «منزل الحکم».
(4) . أی الخلاصة.
(5) . أی یقتضی تلک العلوم الاسم الغالب علیه.
(6) . أی الاسم الغالب.
(7) . أی فصّ الخاتم.
(8) . أی الشیخ (ره).
(9) . و هی الواحدیّة.
جلد: 1، صفحه: 210
و أیضا: هو مظهر لهذا الاسم، کما قیل:
سبحان من أظهر ناسوته سرّ سنا لاهوته الثاقب
ثمّ بدا فی خلقه ظاهرا فی صورة الآکل و الشارب و المراد بالکلمة الآدمیّة الروح الکلّی، الذی هو مبدأ النوع الإنسانیّ، کما قال رضى الله عنه: (فآدم هو النفس الواحدة التی خلق منها هذا النوع الإنسانیّ)، و سیأتی بیانه فی آخر الفصّ إن شاء اللّه.
و لمّا کان آدم أبو البشر علیه السّلام أوّل أفراده1 فی الشهادة و مظهر الاسم «اللّه» من حیث جامعیّة خواصّ أولاده الکمّل، خصّ - رضى اللّه عنه - الفصّ باسمه، و بیّن فیه ما یختصّ بکلمته، کما بیّن ما یختصّ بکلمة کلّ نبیّ فی الفصّ المنسوب إلیه.
________________________________________
(1) . أی أوّل أفراد الروح الکلّی. و قوله: «مستندا إلى الأسماء...» فإنّ کل فرد من أفراد الموجودات تحت تربیة اسم خاصّ من اسماء اللّه تعالى هو ربّه لا یشارکه فیه غیره من الموجودات عندهم فتفطّن فیه.