شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
و من شأن الحکم الإلهیّ9 أنّه ما
________________________________________
(9) . و إجراء سنّته (جامی).
جلد: 1، صفحه: 219
سوّى1 محلاّ إلاّ و لا بدّ أن یقبل روحا إلهیّا2، عبّر عنه ب «النفخ فیه»3، و ما هو4إلاّ حصول الاستعداد5 من تلک الصورة المسوّاة لقبول6 الفیض التجلّی الدائم، الذی لم یزل و لا یزال7).
اعتراض وقع بین الشرط و الجزاء، على أنّ قوله: (فاقتضى) جواب «لمّا»؛ و الواو8 للحال، و قوله: (وجود شبح)، صفة مصدر محذوف أی: أعطى9 وجودا مثل وجود شبح.
________________________________________
(1) . أی ما عدّل مزاجا (ص).
(2) . أی روحا إلهیا تتکوّن عند التسویة و تتعلّق بالمسوّى، کالأرواح الجزئیة لجمهور الناس، أو تتعلق به عند التسویة بعد ما کان موجودا قبلها، کالأرواح الکلیّة للکمّل من أولیاء اللّه (جامی).
(3) . أی فی محلّ المسوّى. و فیه مسامحة؛ لأنّ قبول الروح لازم للنفخ لا عینه فاللائق به أن یجعل عبارة عن إفاضة الروح لا عن قبوله؛ لأنّ النفخ صفة النافخ لا المنفوخ فیه.
و قال الشیخ مؤید الدین الجندی: و فی قوله عبّر عنه بعود الضمیر إلى الروح، لا بمعنى أن الروح هو النفخ، بل بمعنى أن اللّه تعالى تعیّن الروح فی المحلّ بعد التسویة بهذه العبارة، فقال وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی الحجر (15):29.
(4) . أی قبول الفیض الذی هو التجلّی الدائم، فهو بمعنى اسم الإشارة کما فی قول رؤبة:
فیها خطوط من سواد و بلق کأنّه فی الجلد تولیع البهق أی کأنّ ذلک یعنی و ما ذلک، و هو إشارة إلى ما ذکر من قوله: ما سوّى محلاّ إلاّ و لا بدّ أن یقبل روحا إلیها. (ق).
(5) . قد اضطرب جناب الشارح عند اصلاح قول الشیخ الأجلّ و ما هو إلاّ حصول الاستعداد إلى إرجاع الضمیر المجرور فی قوله عبّر عنه بالنفخ إلى قبول النفخ و إن کان بعیدا جدّا، کما أشار إلیه الجامی، لا یلائم صریح قوله تعالى: فَإِذٰا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ سٰاجِدِینَ الحجر (15):29.
إذ بعد التسویة المأولّة بحصول الاستعداد، تشرف بنفخ الروح الإضافی و به صار مسجودا لهم؛ لأنّ بمجرّد حصول الاستعداد صاروا مأمورین بالسجود له.
و لو قدّر الشارح لفظة «عنه» بعد «إلاّ» لخلص من هذا التحقیق الذی فیه ما فیه.
(6) . متعلق بالاستعداد (جامی).
(7) . أی من الأزل، و لا یزال أی إلى الأبد بدل من الفیض بدل الکلّ، و الفیض معقول القبول و فاعله الصورة المسوّاة (جامی).
(8) . فی قوله: «و قد کان الحقّ».
(9) . هذا معنى قوله: «أوجد».
جلد: 1، صفحه: 220
و معناه، أنّ الحقّ تعالى قد کان أوجد الأعیان الثابتة التی للعالم الکبیر - دون الصغیر الإنسانی - بالوجود العینیّ مفصّلا، کالموجود الذی لا روح فیه، و المرآة التی لا جلاء لها، و کان من شأن الحقّ و حکمة الإلهیّ و سنّته أنّه ما أوجد شیئا و سوّاه إلاّ و لا بدّ أن یکون ذلک الموجود قابلا للروح الإلهی، لتکون به حیاته، و تترتّب علیه کمالاته، و تظهر به الربوبیّة فیه، و ذلک القبول هو المعبّر عنه ب (النفخ فیه) قال تعالى فی آدم علیه السّلام فَإِذٰا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ سٰاجِدِینَ1 فنفخه تعالى إعطاؤه2 القابلیّة و الاستعداد.
و قوله: (و ما هو)؛ أی لیس ذلک النفخ إلاّ حصول الاستعداد من الصور المسوّاة - أی من ذلک الموجود - لقبول الفیض المقدّس الذی3 هو التجلّی الدائم الحاصل علیه و على غیره، لم یزل و لا یزال؛ إذ لو فرض انقطاعه آنّا واحدا لعدم الأشیاء کلّها4سواء کانت موجودة بالوجود العلمیّ أو العینیّ، فالتجلّی بدل الکلّ من الفیض.
و فی بعض النسخ: «لقبول فیض التجلّی»، بالإضافة فمعناه لقبول الفیض الحاصل من التجلّی، و لا یکون ذلک الفیض نفس التجلّی بل حاصلا منه.
و لا ینبغی أن یتوهّم أنّ هذه الأعیان کانت موجودة زمانا من الأزمنة، و الإنسان معدوم فیه مطلقا5، و إلاّ یلزم وجودها مع عدم روحها.
و أیضا: الإنسان أبدیّ بحسب النشأة الاخرویّة، و کلّ6 ما هو أبدیّ فهو
________________________________________
(1) . الحجر (15):29.
(2) . کما یکون النفخ فی الفحم إعطاء الاستعداد للاشتعال.
(3) . صفة الفیض.
(4) . بمحض التفاتى زنده دارد آفرینش را اگر نازى کند از هم فروریزند قالبها.
(5) . أی فی الوجود مطلقا، أی فی جمیع المراتب، بل یکون معدوما فی مرتبة واحدة.
(6) . دلیل هذا المدّعى ما ذکره الشارح فی هذا الفصّ - فیما بعد فی ضمن شرح قول الشیخ -: «فهو الإنسان الحادث الأزلی و الشیء الدائم الأبدی و الکلمة الفاصلة الجامعة» فلیراجع إلیه.
و یمکن بتکلف أن یستنبط هذه المقدّمة من قول الحکماء: «کلّ کائن فاسد، و کلّ فاسد کائن، فإذا لم یکن فاسدا لا یکون کائنا».
فی ط: قال الحکماء: «کلّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه» و لکن لم یقولوا: إنّ ما امتنع عدمه ثبت قدمه. و کلّ -
جلد: 1، صفحه: 221
أزلیّ کعکسه1.
بل لا بدّ أن یعلم: أنّه من حیث النشأة العنصریّة بعد کلّ موجود بعدیّة زمانیّة2؛ لتوقّفها على حصول الاستعداد المزاجی الحاصل من الأرکان العنصریّة بالفعل و الانفعال و التربیة، کما أشار إلیه بقوله تعالى: «خمرّت طینة آدم بیدی أربعین3 صباحا4».
و أنّه من حیث النشأة العلمیّة5 قبل جمیع الأعیان؛ لأنّها تفاصیل الحقیقة الإنسانیّة کما مرّ بیانه فی المقدّمات6.
و من حیث النشأة الروحانیّة الکلّیة أیضا قبل جمیع الأرواح کما أشار إلیه النبیّ صلّى اللّه علیه و آله بقوله: «أوّل ما خلق اللّه نوری»7.
________________________________________
- من القضیتین موضوعه الشیء المعیّن. أی الموجود المعیّن الشخصی إذا ثبت قدمه امتنع عدمه لا الطبیعة الکلیّة، فیلزم على قوله - کعکسه - أن یکون کلّ شخص أزلیا، و هو ظاهر البطلان.
إلاّ أن یقال عینه فی عوالم أخر غیر النشأة العنصریة کان دائما فیکون أزلیا، لکن هذا غیر مفید فی المطلوب إلاّ أن لا یخصّص الموضوع بالمعیّن.
(1) . دلیل هذا المدّعى ما ذکره الشارح فی هذا الفصّ فیما بعد فی ضمن شرح قول الشیخ: فهو الإنسان الحادث الأزلی و النشؤ الدائم الأبدی و الکلمة الفاصلة الجامعة. فلیراجع.
(2) . فی ط: إذا کان متأخّرا بحسب الزمان یلزم أیضا خلوّ العالم عن الروح زمانا مّا.
إن قلت لا یلزم؛ لأنّه کان موجودا فی عوالم أخر.
قلت: فکان العالم قبل هذا الإنسان العنصری ذا روح، إلاّ أن یقال: کان بلا روح فی زمان قلیل، و هذا الزمان القلیل یکون لتحصیل الاستعداد لحصول ذلک الروح فلا یکون فی هذا الزمان القلیل مسوّاة قابلا، لکن الحکماء أکثرهم قائلون بأنّ الأنواع کلّها، سیّما ما هو أشرف الأنواع هو الإنسان، کانت قدیمة أزلیة و إن کانت أفرادها حادثة.
(3) . قال العارف عبد القادر فی رسالته المسمّاة ب «بلغة الحکمة»: «لمّا کان البلوغ بالتدریج لا جرم قال علیه السّلام: خمّر طینة آدم بیده أربعین صباحا، عشرة منها صباح الحیوان، و عشرة منها صباح البنات، و عشرة منها صباح المعادن، و عشرة صباح امتزاج العناصر الأربعة».
(4) . مرصاد العباد ص 38 ط. تهران. و إلیه أشار العارف الرومی:
خلقت آدم چرا چل صبح بود اندر آن گل اندک اندک مىنمود (مثنوى معنوى ج 3 ص 343).
(5) . أی فی مرتبة الواحدیّة.
(6) . راجع الفصل الثامن، ص 151 حیث قال: «إنّ العالم هو صورة الحقیقة الإنسانیّة...»
(7) . بحار الأنوار ج 15 ص 24 ح 44.
جلد: 1، صفحه: 222
و من حیث النشأة الروحانیّة الجزئیّة التی فی العالم المثالی أیضا من قبیل المبدعات، و إن کان متأخرا عن العقول و النفوس الکلّیة تأخّرا ذاتیّا لا زمانیّا، فلا یکون معدوما فی الخارج مطلقا، لذلک1 قیل فی حقّه قبل نشأته العنصریّة: أَ تَجْعَلُ فِیهٰا مَنْ یُفْسِدُ فِیهٰا وَ یَسْفِکُ اَلدِّمٰاءَ2 و اخرج من الجنّة بالمخالفة لأمر اللّه تعالى.
هذا، مع أنّ صاحب الشهود و المحقّق العارف بمراتب الوجود، یعلم أنّه موجود فی جمیع مظاهره السماویّة و العنصریّة، و یشاهده فیها بالصور المناسبة لمواطنها و مراتبها عند التنزّل من الحضرة العلمیّة إلى الغیبیّة، و من الغیبیّة إلى الشهادة المطلقة، قبل ظهوره فی هذه الصورة الإنسانیّة الحادثة الزمانیّة شهودا محقّقا، و لا یحیط بما أشرنا إلیه إلاّ من أحاط بسرّ قوله تعالى: وَ قَدْ خَلَقَکُمْ أَطْوٰاراً3.
قوله: (و ما بقی4 إلاّ قابل، و القابل5 لا یکون إلاّ من فیضه الأقدس6).
________________________________________
(1) . أی لکونه موجودا فی بعض المراتب و لا یکون معدوما مطلقا، قیل فی حقّه: و أسند إلیه الفساد و السفک و الخروج من الجنّة.
(2) . البقرة (2):30.
(3) . نوح (71):14.
(4) . لمّا کان أمر الوجود دائرا بین الفاعل و القابل و الفعل و الأثر و استناد کلّ من الفاعل و الفعل و الأثر إلى الحقّ سبحانه ظاهر بما سبق فلم یبق غیر مستند إلیه، إلاّ القابل، أعنی الأعیان الثابتة القابلة من الفاعل الحق و تجلّیه الدائم الذی هو فعله فیض الوجود؛ فلهذا قال: «و ما بقى غیر مستند إلى الحق إلاّ قابل و هو الأعیان الثابتة القابلة للتجلّی الوجودی» (جامی).
(5) . قوله: و القابل لا یکون إلاّ من فیضه الأقدس، اعتراض منه على نفسه کأنه قیل: إذا کان الاستعداد و الفیض منه فما المستعدّ فقال: «و القابل لا یکون...» الخ، فکأنّه قال: له تجلّیان؛ - لأنّ الفیض فسّر بالتجلّی -: أحدهما ذاتی، و هو ظهوره فی صورة الأعیان القابلة فی الحضرة العلمیّة الأسمائیة و هی الحضرة الواحدیّة، و ذلک الظهور ینزل من الحضرة الأحدیّة إلى الحضرة الواحدیّة و هو فیضه الأقدس، أی تجلّی الذات بنزول الأسماء الذی لا کثرة فیه أصلا، فهو الأقدس أی أقدس من التجلّی الشهودی الأسمائی الذی هو بحسب استعداد المحلّ، لأنّ الثانی موقوف على المظاهر الأسمائیة التی هی القوابل بخلاف التجلّی الذاتی؛ لأنّه لا یتوقّف على شیء فیکون أقدس، فمنه الابتداء بالتجلی الذاتی و إلیه الانتهاء بالتجلّی الشهودی...
(6) . أی أقدس عن أن یکون الفیض مغایرا للمفیض کما فی الفیض المقدّس، و ما یتنزّل عنه لا یقال: إنّما یتصوّر القابل حیث یعتبر الفاعل و فعله، و هذه الحضرة لیس الفعل منهما فی شیء؛ لأنّ المراد تحقیق ذات القابل من حیث هی هی و مبدأ ظهورها (ص).
جلد: 1، صفحه: 223
تتمیم لما ذکره؛ لأنّ القابل الذی یقبل الروح الإلهیّ هو أیضا یستدعی من یستند وجوده إلیه، لأنّه بالنظر إلى ذاته معدوم، و لمّا کان کذلک بیّن أنّه أیضا مستند إلى الحقّ تعالى، فائض منه، لذلک قال: (و القابل لا یکون)؛ أی لا یحصل (إلاّ من فیضه الأقدس)، أی الأقدس من شوائب الکثرة الأسمائیّة و نقائص الحقائق الإمکانیّة.
و قد علمت فیما مرّ من المقدّمات أنّ الأعیان التی هی القوابل للتجلّیات الإلهیّة کلّها، فائضة من اللّه بالفیض الأقدس، و هو عبارة عن التجلّی الحبّی الذاتیّ الموجب لوجود الأشیاء و استعداداتها فی الحضرة العلمیّة ثمّ العینیّة، کما قال: «کنت کنزا مخفیا فأحببت أن اعرف...1» الحدیث.
و الفیض المقدّس عبارة عن التجلّیات الأسمائیّة الموجبة لظهور ما تقتضیه استعدادات تلک الأعیان فی الخارج، فالفیض المقدّس مترتّب على الفیض الأقدس.
و إذا عملت هذا2 علمت أن لا منافاة بین هذا القول و بین قوله فی الفصّ العزیریّ و غیره: إنّ (علم اللّه فی الأشیاء على ما أعطته المعلومات ممّا هی علیه فی نفسها)، و قوله: فَلِلّٰهِ اَلْحُجَّةُ اَلْبٰالِغَةُ3 و قوله: (فالمحکوم علیه بما هو فیه حاکم على الحاکم أن یحکم علیه بذلک)، و قوله علیه السّلام «من وجد خیرا فلیحمد اللّه، و من وجد دون ذلک فلا یلو منّ إلاّ نفسه»4.
_______________________________________
(1) . أسرار الشریعة و أطوار الطریقة و أنوار الحقیقة ص 45، جامع الأسرار و منبع الأنوار ص 102-159 منارل السائرین.
(2) . أی إذا علمت أنّ الفیض فیضان و التجلّی تجلّیان، و بالتجلّی الأول تحصل نفس الأعیان المستعدّة فیصحّ ما فی الفصّ العزیری و غیره مما یجری مجراه؛ لأنّ کلّها ناظر إلى الأعیان الحاصلة بعد التجلّی الأوّل؛ لأنّ الأسماء تحصل بذلک الفیض.
(3) . الأنعام (6):149.
(4) . بحار الأنوار ج 10 ص 454 ح 19.