عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

شرح القیصری علی فصوص‌الحکم (حسن‌زاده الآملی):

(و کلّ قوّة منها محجوبة3 بنفسها، لا ترى4 أفضل من ذاتها).

أی کلّ واحدة من هذه القوى الروحانیّة - سواء کانت داخلة فی النشأة الإنسانیّة أو خارجة منها - محجوبة بنفسها، لا ترى أفضل من نفسها، کالملائکة5 التی نازعت فی آدم، و کالعقل6 و الوهم؛ فإنّ کلا منهما یدّعی السلطنة على هذا العالم الإنسانیّ و لا ینقاد لغیره، إذ العقل یدّعی أنّه محیط بإدراک جمیع الحقائق و الماهیّات على ما هی علیه بحسب قوّته النظریّة و لیس کذلک.

و لهذا انحجب أرباب العقول7 عن إدراک الحقّ و الحقائق؛ لتقلیدهم عقولهم، و غایة عرفانهم العلم الإجمالیّ بأنّ لهم موجدا ربّا منزّها عن الصفات الکونیّة، و لا یعلمون من الحقائق إلاّ لوازمها و خواصّها.

و أرباب التحقیق و أهل الطریق علموا ذلک مجملا، و شاهدوا تجلّیاته و ظهوراته مفصّلا، فاهتدوا بنوره، و سروا فی الحقائق سریان تجلّیه فیها، و کشفوا عنها و عن 

________________________________________

(3) . إذ لم تکن عندها الهیئة الاجتماعیّة، فلا تدرک ما لیس فیها (ق).

(4) . لمعرفتها بنفسها و ما تحتها و احتجابها عمّا فوقها (ق).

(5) . مثال للقوى الروحانیة الخارجة.

(6) . مثال للداخلة.

(7) . قال السلمان الساوجی:

ما مثال عزل عقل از ملک دین برخوانده‌ایم تا کشیدستند بر منشور ما طغراى عشق و قال الشیخ السعدی:

دگر ز عقل حکایت بعاشقان منویس که حکم عقل بدیوان عشق ممضى نیست

جلد: 1، صفحه: 230

خواصّها و لوازمها کشفا لا تمازجه شبهة، و علموا الحقائق علما لا تطرأ علیه ریبة، فهم1 عباد الرحمن الذین یمشون على أرض الحقائق هونا، و أرباب النظر عباد عقولهم، فالصادر فیهم: إِنَّکُمْ وَ مٰا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ‌2.

أی جهنّم البعد، و الحرمان عن إدراک الحقائق و أنوارها، أی لا یقبلون إلاّ ما أعطته عقولهم.

و هکذا الوهم یدّعی السلطنة، و یکذّبه فی کلّ ما هو خارج عن طوره؛ لإدراکه المعانی الجزئیّة دون الکلّیة، و لکلّ منهم نصیب من الشیطنة.

قوله: (و إنّ فیها فیما3 تزعم الأهلیّة لکلّ منصب4 عال و منزلة رفیعة عند اللّه؛ 

________________________________________

(1) . أی أرباب التحقیق و أهل الطریق.

(2) . الأنبیاء (21):98.

(3) . أی فی کلّ قوة منها (مؤید الدین).

إنّ فیها بالهمزة المکسورة عطف على جملة «کلّ قوة» و مشعر بتعلیل مضمونها و الضمائر کلّها راجعة إلى القوّة، و صحّحها القیصرى بفتح الهمزة و جعلها معطوفة على أفضل من ذاتها و الضمائر للنشأة الإنسانیّة، لکن یأبى عنه قوله: فیما یزعم (جامی).

إنّ فیها بکسر إنّ‌، أی و إنّ فی هذه النشأة - على حسب زعمها - أی زعم النشأة الأهلیة أو بفتحها عطفا على أفضل، أی لا ترى أن فی هذه النشأة على زعمها الأهلیة.

و فی بعض النسخ: «و إن فیها ما یزعم» أی شیئا یزعم الأهلیّة و هو قلبه لا غیر، أی نفسه الناطقة و حقیقته؛ لأنّ القوى محجوبة عنها، و لفظة «ما» على الأول مصدریة و على الثانی موصوفة (ق).

«انّ فیها» و یمکن أن یجعل هذا جملة حالیة بکسر إنّ‌، لکن الأوّل أدقّ‌.

و على التقادیر فالضمیر فیها عائد إلى الصورة لا إلى النشأة؛ لعروّ الکلام حینئذ عن ملابس الانتظام (ص). و إنّ فیها، أی فی القوة، یعنی أنّ فی کلّ قوة فی زعمها لا فی الواقع الأهلیّة لکل منصب عال و منزلة رفیعة کالخلافة لما یتحقّق عندها، أی عند کلّ قوة من الجمعیة الإلهیّة أحدیة لجمیع الأسماء و الصفات الوجوبیة و الحقائق المظهریة الإمکانیة.

«ما» فی «ما یزعم» موصولة لا مصدریة، و فاعل «یزعم» ضمیر «ما» یرجع إلیه فاعل ترى، لا ما یرجع إلیه فیها، على ما لا یخفى على الفطن، إذ أهلیّة آدم لیست ادعائیّة و فی زعمه کغیره من القوى و کأنّ قوله: عند اللّه لرفع هذا الوهم (ص).

(4) . یعنی أنّ کلّ قوة من هذه القوى و الأرواح تزعم فی نفسها أنّ لها أهلیّة کلّ منزلة عالیة و فضیلة سیاسیّة عند اللّه من القیام بمظهریات الأسماء و الصفات و الشؤون و التجلیات، فلما رأت فظنّت کلّ قوّة منها أنّ - - فیها الجمعیّة بین الجمعیّة الإلهیّة و الجمعیة الکیانیّة، زعمت أنّ لها أهلیّة کلّ فضیلة و کمال، فحجب بهذا الزعم عن کمال الحقّ الظاهر فی الکلّ فزکّت نفسها [و حوجبت] غیرها و خرجت عن الإنصاف. مؤیّد الدّین

جلد: 1، صفحه: 231

لما1 عندها2 من الجمعیّة الإلهیّة).

جملة ابتدائیّة، أو حالیّة، أو عطف على «أفضل»، و على الأوّل «إن» مکسورة3، و على الثانی و الثالث مفتوحة4، و ضمیر «فیها» على التقادیر الثلاثة عائد إلى النشأة، و فاعل «تزعم» ضمیر یرجع إلیها أیضا، و ما «فیما تزعم» مصدریّة، و «الأهلیّة» منصوب على أنّها اسم «إنّ‌»، و ضمیر «لما عندها» عائد إلى النشأة.

فمعناه على کسر الهمزة: و إنّ فی النشأة الإنسانیّة الأهلیّة لکلّ منصب عال، کما فی زعمها لها عندها من الجمعیّة الإلهیّة.

و على فتحها حالا: أی و الحال أنّ فی النشأة الإنسانیّة الأهلیّة کما فی زعمها لما عندها من الجمعیّة الإلهیّة.

و إسناد الزعم إلى النشأة مجاز؛ أی کما فی زعم أهلها، إذ کلّ فرد من أفراد هذا النوع یزعم أنّ له الأهلیّة لکلّ منصب عال.

و على فتحها عطفا معناه: أنّ کلّ قوّة محجوبة بنفسها، لا ترى أفضل من ذاتها، و لا ترى أنّ فی النشأة الإنسانیّة الأهلیّة لکلّ منصب عال، کما تزعم هذه النشأة بسبب الجمعیّة التی عندها؛ لاحتجابها بنفسها عن إدراک کمال غیرها، لزعمها أنّ لها الأهلیّة لا للنشأة.

و فی بعض النسخ: (ما یزعم)؛ أی شیئا یزعم، و هو القلب، أو العقل، أو الوهم، أمّا القلب فلکونه سلطانا فی هذه النشأة، و أمّا العقل فلإدّعائه إدراک الحقائق 

________________________________________

- فیها الجمعیّة بین الجمعیّة الإلهیّة و الجمعیة الکیانیّة، زعمت أنّ لها أهلیّة کلّ فضیلة و کمال، فحجب بهذا الزعم عن کمال الحقّ الظاهر فی الکلّ فزکّت نفسها [و حوجبت] غیرها و خرجت عن الإنصاف. مؤیّد الدّین

(1) . تعلیل لدعوى الأهلیّة المذکورة، أی لما عندها (ق).

(2) . أی عند کلّ قوة. جامی تعلیل لما ادّعاه فی تلک الصورة ممّا لا تراه قواها الجزئیّة من الأهلیّة لسائر المناصب العلیّة و المنازل الرفیعة، و ذلک لما عند تلک الصورة التی روحها آدم من الأحدیّة الجمعیّة الإلهیّة و الإحاطة التامّة، أی الإطلاقیة التی لا یشذّ عنها شیء من عالیات الأعیان إلى سافلات الأکوان (ص).

(3) . لأنّها فی موضع الجملة.

(4) . لأنّها فی موضع المفرد.

جلد: 1، صفحه: 232

کلّها، و أمّا الوهم فسلطانه على العالم الحسّی و إدراکه المعانی الجزئیّة، فتکون الأهلیّة منصوبة ب‍ «یزعم» و «ما» اسما «لانّ‌».

و الظاهر أنّه تصرّف ممّن لا یقدر على حلّ ترکیبه؛ لأنّ أکثر النسخ المعتبرة المقروّة على الشیخ و تلامیذه بخلاف ذلک.

قوله: بین ما یرجع من ذلک إلى ذلک الجناب الإلهیّ‌1، و إلى جانب حقیقة الحقائق، و فی النشأة الحاملة لهذه الأوصاف إلى ما تقتضیه الطبیعة2 الکلیّة3.

و فی بعض النسخ: (الطبیعة الکلّ‌)، فالکلّ بدل منها، أو عطف بیان لها (التی حصرت قوابل4 العالم کلّه أعلاه5 و أسفله).

إشارة إلى أنّ هذه الجمعیّة حاصلة لها من امور ثلاثة دائرة بینها:

أوّلها: راجع إلى الجناب الإلهیّ‌، و هو الحضرة الواحدیّة6 حضرة الأسماء 

________________________________________

(1) . أی و بین ما یرجع إلى جانب حقیقة الحقائق (ص).

(2) . اعلم أنّ الطبیعة فی عرف علماء الرسوم من قوى النفس الکلیّة، ساریة فی الأجسام الطبیعیّة السفلیّة، و الأجرام العلویّة، أی العنصریّة، فاعلة لصورها المنطبعة فی موادّها الهیولانیّة.

و فی مشرب الکشف إشارة إلى حقیقة إلهیّة فعّالة للصور کلّها، و الحقیقة الفعّالة الإلهیّة فاعلة بباطنها الصور الأسمائیة، و بظاهرها الذی هو الطبیعة الکلیّة یفعل ما عداها من الصور (جامی).

قال الشیخ ره فی الفصّ المحمّدی صلّى اللّه علیه و آله ص: «و لیست الطبیعة على الحقیقة إلاّ النفس الرحمانیّ‌».

(3) . و المراد الطبیعیّة الکلّیة الجسمانیّة الحاصرة لطبائع الأجسام الفلکیّة و العنصریة.

(4) . أی الأعیان الوجودیة المسمّاة ب‍ «العقول» و «النفوس» و أسفله، أی الأکوان العدمیّة المسمّاة ب‍ «الأجسام» و «الأعراض» (ص).

(5) . قال مؤید الدین الجندی: اعلم أنّ الحقائق ثلاث:

حقیقة مطلقة بالذات فعالة مؤثّرة واحدة عالیة، وجودها واجب لها بذاتها من ذاتها، و هی حقیقة اللّه سبحانه و تعالى.

و الثانیة: حقیقة مقیّدة منفعلة متأثّرة سافلة، قابلة للوجود من الحقیقة الواجبة بالفیض و التجلّی، و هی حقیقة العالم.

و حقیقة ثالثة: أحدیة جامعة بین الإطلاق و التقیید و الفعل و الإنفعال و التأثیر و التأثّر، فهی مطلقة من وجه و مقیّدة من أخرى، فعّالة من جهة و منفعلة من أخرى.

(6) . و هی أوّل تجلّیه تعالى عن ذاته الأحدیّة الصرفة إلى مقام الواحدیة، و هی أوّل کثرة الأسماء و الصفات، أی مقام الجبروت.

جلد: 1، صفحه: 233

و الصفات، التی لکلّ موجود منها1 وجه خاصّ إلیه2 من غیر واسطة کما مرّ تقریره.

و ثانیها: راجع إلى الحضرة الإمکانیّة3 الجامعة لحقائق الممکنات الموجودة، و المعدومة، و هو الوجه الکونیّ الذی به تمیّزت4 عن الربوبیّة، و اتّصفت بالعبودیّة.

و حقیقة الحقائق کلّها و إن کانت هی الحضرة الأحدیّة، لکن لمّا جعلها قسیما و مقابلا للجناب الإلهیّ الشامل للحضرة الأحدیّة و الواحدیّة، و کان المراد منها الحقائق الکونیّة فقط، لا الإلهیّة حملناها على حضرة الإمکان.

و قد تطلق5 و یراد بها حضرة الجمع6 و الوجود، و هی مرتبة الإنسان الکامل، کما ذکره شیخنا قدّس اللّه روحه فی کتاب «المفتاح».

و قد تطلق أیضا و یراد بها الجوهر7، کما صرّح به الشیخ فی کتاب «إنشاء الدوائر» و ذکر فیه أنّه أصل العالم کلّه و هذا النصّ یؤکّد ما ذهبنا إلیه من أنّ المراد بها ما یجمع حقائق الکونیّة، لا الإلهیّة، لذلک جعلها قسیما للجناب الإلهیّ‌.

و ثالثها: راجع إلى الطبیعة الکلّیة، و هی مبدأ الفعل و الانفعال فی الجواهر کلّها، و هی القابلة لجمیع التأثیرات الأسمائیّة.

و ذلک8 إشارة إلى «ما» فی قوله: (ما یرجع)، و «من» زائدة؛ أی تلک الجمعیّة دائرة بین شیء یرجع ذلک الشیء إلى الجناب الإلهیّ‌، و بین شیء یرجع إلى جناب 

________________________________________

(1) . أی من الأسماء.

(2) . أی إلى الحقّ‌.

(3) . أی الوجود الإمکانی و النفس الرحمانی، و سیأتی فی الفصّ الیوسفی: أنّ حامل صور الأعیان هو النفس الرحمانی.

(4) . أی حقائق الممکنات.

(5) . أی حقیقة الحقائق.

(6) . أی الوجود الجامع.

(7) . أی الفیض المنبسط و هو النفس الرحمانی.

(8) . أی المذکور فی المتن.

جلد: 1، صفحه: 234

حقیقة الحقائق و بین شىء یرجع إلى ما تقتضیه الطبیعة الکلّیة.

و المراد بقوله: (إلى ما تقتضیه الطبیعة1 الکلّیة)، الاستعداد الخاصّ الحاصل لصاحب هذه الجمعیّة و قابلیته فی هذه النشأة الطبیعیة، التی حصرت قوابل العالم کلّه أعلاه و أسفله، ففی قوله: (و فی النشأة الحاملة لهذه الأوصاف إلى ما تقتضیه الطبیعة الکلّیة)، تقدیم و تأخیر، تقدیره: و إلى ما تقتضیه الطبیعة الکلّیة فی هذه النشأة الحاملة لهذه الأوصاف.

و المراد بالنشأة هنا النشأة العنصریّة؛ إذ للإنسان ثلاث نشئات: روحیّة، و طبیعة عنصریّة، و مرتبیّة و هی مقام الجمع بینهما.

و المراد بالأوصاف الکمالات الإنسانیّة، و یجوز أن یکون المراد بها القوى الروحانیّة و الجسمانیّة، لذلک قال: (فی النشأة الحاملة لهذه الأوصاف)؛ أی النشأة التی تحمل هذه القوى جمیعا لتضاهی به مقام الجمع الإلهیّ و الکمالات لا توصف2بالمحمولیّة.

و إنّما سمّاها أوصافا مجازا؛ لأنّها لا تقوم بنفسها، کما لا تقوم الصفات إلاّ بموصوفها، و لأنّها مبدأ الأوصاف، فأطلق اسم الأثر على المؤثّر مجازا، و کلّ من المعنیین یستلزم الآخر؛ إذ بین الأثر و المؤثر ملازمة من الطرفین.

و المراد بالعالم یجوز أن یکون عالم الملک السماویّ و العلویّ و العنصریّ السفلیّ‌، و یجوز أن یراد به العالم کلّه الروحانیّ و الجسمانیّ‌؛ لأنّ مرتبة الطبیعة الکلّیة محیطة بالعالم الروحانیّ و الجسمانیّ و حاصرة لقوابلهما، و العلو و السفل یکونان فیهما بحسب المرتبة فالعلو للعالم الروحانیّ‌، و السفل للعالم الجسمانیّ‌.

________________________________________

(1) . أی اقتضى ذاته و عینه، و هذا أحد اصطلاحات الطبیعة.

(2) . لأنّ الکمالات لا یمکن أن تفرض مستقلّة مفردة مفروزة عن الموصوف و المحمول یجب أن یکون شأنه ذلک.