شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
قوله: (ألا تراه6 إذا زال و فکّ7 من خزانة الدنیا لم یبق فیها ما اختزنه8الحقّ فیها، و خرج9 ما کان فیها10 و التحق11 بعضه ببعض، و انتقل
________________________________________
(6) . أی الإنسان الکامل.
(7) . بأن یرتحل خاتم الولایة المطلقة فلا یظهر بعده إنسان کامل.
(8) . أی من الحقائق المظهریة و الأسمائیة الإلهیّة الظاهرة بها (جامی).
(9) . أی طلع و ظهر.
(10) . أی من الحقائق المظهریّة و الأسمائیّة الإلهیّة.
(11) . أی التحق فی النشأة الدنیا بعض ما اختزنه الذی له مرتبة الفرعیّة و الجزئیّة ببعض آخر له مرتبة الأصلیّة و الکلّیة، أی الفروع بأصولها و الجزئیات بکلیاتها، کالتحاق الموالید بالعناصر، أو التحقق بعض الفروع ببعض آخر؛ لرجوعهما إلى الجامع لهما، أو التحق فی النشأة الآخرة بعض ببعض؛ لمناسبة بینهما، إمّا فی درجات الجنان أو درکات النیران، أو التحق بعض ما اختزنه الحقّ فی الدنیا ببعض ما اختزنه فی الآخرة - - بانتقاله من الصورة الدنیویّة إلى الأخرویّة فکان الصورة الدنیویّة التحقت بالصورة الأخرویّة و اندرجت فیها (ص).
جلد: 1، صفحه: 249
الأمر1 إلى الآخرة، فکان2 ختما على خزانة الآخرة ختما أبدیّا)3.
تعلیل و استشهاد لقوله: (فلا یزال العالم محفوظا ما دام فیه هذا الإنسان الکامل، ألا تراه) - أی ألا ترى الإنسان الکامل - (إذا زال و فکّ)؛ أی فارق و انتقل من الدنیا إلى الآخرة، و لم یبق فی الأفراد الإنسانی من یکون متّصفا بکماله لیقوم مقامه، تنتقل معه الخزائن الإلهیّة إلى الآخرة؛ إذ الکمالات کلّها ما کانت قائمة مجموعة و منحصرة محفوظة إلاّ به، فلمّا انتقل انتقلت معه، و لم یبق فی خزانة الدنیا ما اختزنه الحقّ فیها من الکمالات.
فإن قلت: الکامل ختم حافظ للخزائن، و لا یلزم من انتقال الختم الحافظ انتقال الخزائن، فکیف قال: و لم یبق فیها ما اختزنه الحقّ؟!
قلت: الکامل ختم للخزائن و حافظ لوجودها؛ إذ الأسرار الإلهیّة مفصّلة فی العالم و مجموعة فی الکامل، کما قال الشاعر:
کلّ الجمال غدا لوجهک مجملا لکنّه فی العالمین مفصل و لا یتجلّى الحقّ على العالم الدنیویّ إلاّ بواسطته کما مرّ، فعند انتقاله ینقطع عنه الإمداد الموجب لبقاء وجوده و کمالاته، فتنتقل الدنیا عند انتقاله، و یخرج ما کان فیها
________________________________________
- بانتقاله من الصورة الدنیویّة إلى الأخرویّة فکان الصورة الدنیویّة التحقت بالصورة الأخرویّة و اندرجت فیها (ص).
(1) . أی أمر الظهور و الإظهار من النشأة الدنیا العنصریة الکثیفة الزّائلة إلى النشأة الآخرة النوریّة اللطیفة الباقیة، و اختزن الحقّ الأسماء و مظاهرها فی خزانة الآخرة (جامی).
(2) . أی ذلک الإنسان الکامل (جامی).
(3) . و ذلک لما عرفت أنّ من تلک اللطائف و النفائس ما کانت صورته فی صدد الزوال و الانتقال، و منها ما کانت معنویة غیر قابلة له و الإنسان بطرفیه و ماله من الکمالین هو الختم على الخزانتین. و فیه إشارة إلى الختمین، فلا تغفل.
ثمّ بعد تحقّق معنى آدم و استخراج ما فی أسامیه من الحقائق و الأحکام المتطابقة بین الاسم و المسمّى، أراد أن ینساق کلامه هذا إلى ما یتبیّن به ما هو بصدد تحقیقه، ممّا ادّعاه فی صدر الکلام من أنّ الملائکة من بعض جزئیات قوى هذه الصورة الآدمیّة، و أنّها محجوبة بنفسها لا ترى أفضل منها؛ لئلاّ تعدّى لطائف تحقیقاته عن ملابس الانتظام قائلا، فظهر حینئذ (ص).
ختما أبدیا کما کان ختما على خزانة الدنیا مفکوکا عنها (جامی).
جلد: 1، صفحه: 250
من المعانی و الکمالات إلى الآخرة.
قال - رضى اللّه عنه - فی التسمیة الإلهیّة1 بالاسم الربّانی: «ألا ترى الدنیا باقیة مادام هذا الشخص الإنسانیّ فیها و الکائنات تتکوّن، و المسخّرات تتسخّر، فإذا انتقل إلى الدار الآخرة، مارت هذه السماء مورا، و سارت الجبال سیرا، و دکّت الأرض دکّا، و انتثرت الکواکب، و کوّرت الشمس، و ذهبت الدنیا، و قامت العمارة فی الدار الآخرة بنقل الخلیفة إلیها».
قوله: (و التحق بعضه ببعض)؛ أی التحق بعض ما اختزنه الحقّ فی الدنیا ببعض ما اختزنه فی الآخرة؛ و ذلک لأنّ کلّ ما هو موجود فی الظاهر من الحقائق و المعانی، موجود فی عالم الباطن، الذی بظهوره تحصل الآخرة على صورة یقتضیها عالمها، و هو أصل بالنسبة إلى ما فی الظاهر.
فإذا انتقل هذا البعض منها2، التحق ببعضه الذی هو أصله فی الآخرة، و انتقل الأمر الإلهیّ إلیها، فکان ختما؛ أی هذا الکامل کان ختما حافظا على خزانة الآخرة ختما أبدیّا، و هذا معنى ما یقال: «إنّ القرآن یرفع إلى السماء؛ لأنّه خلق الکامل» کما قالت عائشة: «و کان خلقه القرآن».
بل هو القرآن و الکتاب المبین الإلهیّ کما قال - رضى اللّه عنه -3:
أنا القرآن و السبع المثانی و روح الروح لا روح الأوانی4
فؤادی عند مشهودی مقیم یشاهده و عندکمو لسانی قال أمیر المؤمنین على علیه السّلام:
و أنت الکتاب المبین الذی بأحرفه یظهر المضمر5
________________________________________
(1) . و فی بعض النسخ: «فی القسم الإلهی بالاسم الربّانی» و على کلا التقدیرین هو اسم کتاب لجنابه.
(2) . أی من الدنیا.
(3) . أی قال بلسان الإنسان الکامل.
(4) . کما فی خطبة الفتوحات ص 10 من طبع بولاق و ص 11 من طبع القاهرة أوّلا و ص 70 من طبع القاهرة أخیرا. و المراد بها الروح البخاریة عند الأطبّاء و غیرهم من الحکماء الظاهریین.
(5) . أی اللّه.
جلد: 1، صفحه: 251
و جاء فی الخبر أیضا: «أنّ الحقّ تعالى ینزع1 العلم بانتزاع العلماء، حتّى لم یبق على وجه الأرض من یعلم مسألة علمیّة، و من یقول: اللّه اللّه، ثمّ علیهم تقوم القیامة».
و کون الکامل ختما على خزانة الآخرة، دلیل على أنّ التجلّیات الإلهیّة لأهل الآخرة أنّما هی بواسطة الکامل کما فی الدنیا، و المعانی المفصّلة لأهلها متفرّعة عن مرتبته و مقام جمعه أبدا، کما تفرّع منها أزلا، فما للکامل من الکمالات فی الآخرة، لا یقاس بما له من الکمالات فی الدنیا؛ إذ لا قیاس لنعم الآخرة بنعم الدنیا.
و قد جاء فی الخبر الصحیح: «أنّ الرحمة مائة جزء، جزء منها لأهل الدنیا، و تسعة و تسعون لأهل الآخرة»2.
و من یتحقّق بهذا المقام و یمعن النظر فیه تظهر له عظمة الإنسان الکامل و قدره.
(فظهر3 جمیع ما فی الصورة الإلهیّة4 من5 الأسماء فی هذه النشأة الإنسانیّة6، فحازت7,8 رتبة الإحاطة9 و الجمع10 بهذا الوجود11، و به قامت12 الحجّة للّه
________________________________________
(1) . قال سبحانه: أَ وَ لَمْ یَرَوْا أَنّٰا نَأْتِی اَلْأَرْضَ نَنْقُصُهٰا مِنْ أَطْرٰافِهٰا (الرعد (13):42) و قال الإمام علیّ بن الحسین علیه السّلام: «هو ذهاب العلماء» (الکافی ج 1 ص 30 المعرب).
(2) .
(3) . و لمّا استخلف الحقّ سبحانه الإنسان الکامل، و من شرط الخلیفة أن یکون على صورة المستخلف، فرّع الشیخ «ره» علیه «فظهر...» (جامی).
(4) . یعنی أحدیّة جمیع الأسماء الإلهیّة و صور اجتماعها (جامی).
(5) . بیان ما فی الصورة.
(6) . أی الإنسانیة الجامعة بین النشأة الروحانیّة و العنصریّة التی هی أحدیة جمع مظهریات تلک الأسماء (جامی).
(7) . أی حازت الصورة الإلهیّة (ص).
(8) . أی اجتمعت هذه النشأة (جامی).
(9) . الإحاطة بجمیع الأسماء (جامی).
(10) . أی و رتبة مظاهر جمعیّة مظاهرها (جامی).
(11) . أی الوجود العینی العنصری.
(12) . أی بکونه حائزا رتبة الإحاطة و الجمع قامت الحجة، أی حجة الحقّ سبحانه فی ادّعاء استحقاقه الخلافة حیث قال: إِنِّی جٰاعِلٌ فِی اَلْأَرْضِ خَلِیفَةً البقرة (2):30، على الملائکة القادحین فی ذلک الاستحقاق بقولهم: أَ تَجْعَلُ فِیهٰا مَنْ یُفْسِدُ فِیهٰا البقرة (2):30 (جامی).
جلد: 1، صفحه: 252
تعالى على الملائکة).
أی لمّا استخلف الإنسان و جعله ختما1 على خزائن الدنیا و الآخرة، ظهر جمیع ما فی الصورة الإلهیّة من الأسماء فی النشأة الإنسانیّة الجامعة بین النشأة العنصریّة و الروحانیّة؛ أی صارت جمیع هذه الکمالات فیها بالفعل، و قد صرّح شیخنا - رضى اللّه عنه - فی کتاب (المفتاح)2 أنّ من علامات الکامل أن یقدر على الإحیاء و الإماتة و أمثالهما.
و إطلاق الصورة على اللّه مجاز، إذ لا یستعمل فی الحقیقة إلاّ فی المحسوسات، ففی المعقولات مجاز3، هذا باعتبار أهل الظاهر.
و أمّا عند المحقّق فحقیقة4؛ لأنّ العالم بأسره صورة الحضرة الإلهیّة تفصیلا، و الإنسان الکامل صورته5 جمعا، قال النبی صلّى اللّه علیه و آله: «إنّ اللّه خلق آدم على صورته»6.
فالنشأة الإنسانیّة حازت رتبة الإحاطة و الجمع بهذا الوجود، أی بالوجود العینیّ، و ذلک لأنّه حاز بجسمه رتبة الأجسام، و بروحه رتبة الأرواح، و به - أی بهذا الجمع - قامت الحجّة على الملائکة؛ لإحاطته7 بما لم یحیطوا به.
قوله: (فتحفّظ فقد وعظک اللّه بغیرک8، و انظر من أین اتی9 على من اتی علیه).
________________________________________
(1) . خ ل: خاتما.
(2) . راجع ص 338 من مصباح الأنس.
(3) . لا یکون مجازا، راجع الشفاء ج 2 ص 537 من الطبع الحجری، دروس معرفة النفس دفتر 3 ص 518.
(4) . أی استعمال الصورة هنا حقیقة.
(5) . راجع الفصل الثامن ص...: فی أنّ العالم هو صورة الحقیقة الإنسانیة.
(6) . بحار الأنوار ج 4 ص 11-14، صحیح مسلم ج 8 ص 32، مسند أحمد ج 2 ص 234-244-251.
(7) . أی الإنسان الکامل.
(8) . یعنی الملائکة (جامی).
(9) . أتی: مبنیّ للمفعول، یقال: أتاه و أتی به و أتی علیه، و لا یستعمل مبنیّا للمفعول إلاّ فی المکان.
یرید الشیخ إتیان المعاتبة و توجّه المطالبة من قبل الحقّ سبحانه تعالى على الملائکة فی اعتراضهم على الحقّ و جهلهم لآدم و تزکیتهم أنفسهم.
ثمّ اعلم أنّ هاهنا أمور ثلاثة:
أحدها نشأة هذا الخلیفة. - - و ثانیها: حضرة الحقّ الذی أراد أن یجعله خلیفة.
و ثالثها: نشأة الملائکة الذین شاورهم فی هذا الجعل.
و الوقوف مع کلّ واحد من هذه الأمور و العمل بما یقتضیه، یمنع من الاعتراض على جعله خلیفة. فأراد الشیخ أن ینبّه على أنّ منشأ اعتراض الملائکة المفضی إلى هذه المعاتبة و المطالبة على هو عدم وقوفهم مع واحد من هذه الأمور و العمل بمقتضاه (جامی).
جلد: 1، صفحه: 253
تنبیه للسالک بالتأدّب بین یدی اللّه تعالى و خلفائه و المشایخ و العلماء و المؤمنین؛ لئلاّ یظهر بالأنانیّة و إظهار العلم و الکمال عندهم، لأنّه یسلک للفناء، و ذلک لا یحصل إلاّ برؤیة ما لغیره من الکمال، و عدم رؤیة ما لنفسه لا بالعکس، و فیه أقول:
تعلّم من العینین1 إن کنت عاقلا شهود جمال الغیر عند التواصل
و لا تک کالطاووس یعشق نفسه و یبقى ملوما عند کلّ الکوامل أی، وعظک اللّه بزجره للملائکة بقوله: إِنِّی أَعْلَمُ مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ2.
و «اتی» مبنیّ للمفعول، یقال: «أتاه، و اتی به، و أتی علیه»، و إنّما جاء هنا ب «على» لأنّه فی معرض التوبیخ و الزجر، کأنّه قال: «و انظر من أین هلک من هلک3».
________________________________________
- و ثانیها: حضرة الحقّ الذی أراد أن یجعله خلیفة.
و ثالثها: نشأة الملائکة الذین شاورهم فی هذا الجعل.
و الوقوف مع کلّ واحد من هذه الأمور و العمل بما یقتضیه، یمنع من الاعتراض على جعله خلیفة. فأراد الشیخ أن ینبّه على أنّ منشأ اعتراض الملائکة المفضی إلى هذه المعاتبة و المطالبة على هو عدم وقوفهم مع واحد من هذه الأمور و العمل بمقتضاه (جامی).
(1) . أشار إلیه تاج الدین حسین الخوارزمی بقوله:
ز دید خویش بپرهیز و فضل خلق ببین اگر دلت طمع فیض بىکران دارد
ببین که مردم دیده چو خویشتن کم دید درون دیده اهل نظر مکان دارد (شرح فصوص الحکم خوارزمى ص 121).
(2) . البقرة (2):30.
(3) . أی الملائکة تجاوزت عن حدّهم و تجاسرت فی الاعتراض.