شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
قوله: (فإنّ الملائکة4 لم تقف5 مع ما تعطیه6 نشأة هذه الخلیفة،
________________________________________
(4) . تعلیل لقیام الحجة بالإنسان على الملائکة، و بیان لما أتى علیهم و أنّه من أین أتی علیهم؛ و ذلک لأنّ الملائکة لما لم یکن لها قدم فی النشأة الإطلاقیة الجمعیّة، إنّما یترتّب علیها الخلافة الإلهیّة ما أمکن لها الوقوف على أحکام تلک الخلافة، و لا على لوازم تلک العبادة، فلذلک لم تقف (ص).
(5) . أی لم تتوقّف (جامی).
(6) . أی تقتضیه.
جلد: 1، صفحه: 254
و لا وقفت1 مع ما تقتضیه حضرة الحقّ من العبادة الذاتیّة).
بیان سبب وقوع الملائکة فی التوبیخ، و لیس الوقوف هنا بمعنى الشعور و الاطلاع، و إلاّ کان الواجب أن یقول على ما تعطیه؛ فإنّه تعدّى ب «على» بل بمعنى الثبوت، فمعناه أنّ الملائکة ما قنعت و لا وقفت مع ما أعطته مرتبة هذه الخلیفة أزلا بحسب نشأته الروحانیّة، ممّا هی علیه من2 التسبیح و التهلیل و الکمال اللاّئق بها، بل تعدّت عنه و طلبت الزیادة على ما وهبت3، یقال: «فلان وقف مع فلان و واقف معه» إذا لم یتعدّ عنه فی السیر، و لم یقف معه إذا تعدّى عنه.
و هذا الکلام إشارة إلى ما مرّ: من أنّ جمیع الموجودات ما4 یأخذون کمالهم إلاّ من مرتبة الإنسان الکامل، و لا یحصل لهم المدد فی کلّ آن إلاّ منها؛ لأنّ الأسماء کلّها مستمدون من الاسم «اللّه» الذی هو هذه الکامل مظهره.
و یجوز أن یراد بالنشأة هنا نشأة رتبته الجامعة للنشأتین.
و یجوز أن یراد النشأة الروحانیّة وحدها.
قوله: (و لا وقفت مع ما تقتضیه حضرة الحقّ من العبادة الذاتیّة)، بیان سبب آخر، لذلک أعاد قوله: (و لا وقفت)، و قوله: (من العبادة)، بیان ل «ما»، و صلة تقتضیه محذوفة، تقدیرها مع ما تقتضیه حضرة الحقّ و تطلبه منهم من العبادة.
و معناه: أنّهم ما وقفوا مع ما تقتضیه حضرة الحقّ؛ من العبادة التی تقتضیها ذواتهم أن یعبدوا الحقّ بحسب الأسماء، التی صارت مظاهر لها بالانقیاد و الطاعة لأمره، أو العبادة التی تقتضیها الذات الإلهیّة أن یعبد بها، و حضرة الحقّ حضرة الذات؛ إذ «الحقّ» اسم من أسمائها.
________________________________________
(1) . أی و تجاوزت عن مقتضاها، و لا وقفت الملائکة أیضا مع ما تقتضیه حضرة الحقّ سبحانه و تستحقّه من العبادة الذاتیّة، التی هی من مقتضیات ذاته و ذوات عبیده سبحانه، و هی الانقیاد و الخضوع تحت حکمه. و إنّما لم یقفوا مع ما تقضیه نشأة هذا الخلیفة و لا مع ما تقضیه حضرة الحقّ من العبادة الذاتیة (جامی).
(2) . بیان لقوله: «مما هى علیه».
(3) . أی تلک النشأة.
(4) . نافیة.
جلد: 1، صفحه: 255
قوله: (فإنّه ما یعرف أحد من الحقّ إلاّ ما تعطیه ذاته)1,2.
تعلیل لعدم الوقوف مع ما تقتضیه حضرة الحقّ من العبادة؛ أی لأنّه لا یعرف أحد من العباد شیئا من أسماء الحقّ و صفاته إلاّ ما تعطی ذات ذلک العبد بحسب استعداده، و لا یعبده أحد إلاّ بمقدار علمه و معرفته بالحقّ؛ لأنّ العبادة مسبوقة بمعرفة المعبود من کونه ربّا مالکا یستحقّ العبادة، و بمعرفة العبد من کونه مربوبا مملوکا یستحقّ العبودیّة، فمن لا یعطی استعداد ذاته العلم و المعرفة بجمیع الأسماء و الصفات، لا یمکنه أن یعبد الحقّ بجمیع الأسماء، لذلک لا یعبد الحقّ عبادة تامّة إلاّ الإنسان الکامل، فهو العبد التامّ.
و لاستلزام العبادة المعرفة قال3: (فإنّه لا یعرف أحد)، کما فسّر العبادة بالمعرفة فی قوله تعالى: وَ مٰا خَلَقْتُ اَلْجِنَّ وَ اَلْإِنْسَ إِلاّٰ لِیَعْبُدُونِ4.
(و لیس للملائکة جمعیّة آدم)5
الواو للحال؛ أی و الحال أنّ الملائکة لیس لهم جمعیّة الأسماء التی لآدم؛ لکونهم یعبدون اللّه من حیث اسم خاصّ معیّن لا یتعدّون عنه، و آدم یعبده بجمیع أسمائه.
(و لا وقفت6 مع الأسماء الإلهیّة7 إلاّ التی تخصّها)؛ أی تخصّ الملائکة، و ضمیر الفاعل8 یرجع إلى الأسماء (و سبّحت9 الحقّ بها)؛ أی بتلک الأسماء
________________________________________
(1) . أی تعطیه بحسب القابلیة الأولى و الفیض الأقدس (ص).
(2) . أی تعطیه من الأسماء التی هو مظهرها.
(3) . أی قال الشیخ (ره).
(4) . الذاریات (51):56.
(5) . أی جامعیّة آدم للأسماء کلّها فما عرفوا من الحقّ الأسماء التی تخصّ آدم، و هی الأسماء الثبوتیّة التشبیهیّة، فما عرفوا من آدم الجمعیّة الأحدیّة الکمالیّة المقتضیّة لرعایة الأدب معه و النزول إلیه و الدخول تحت حکمه لا الجرح و الطعن فیه، و انبعث فیهم معنى الحسد و الغضب، و صار غشاوة بصر بصیرتهم عمّا یقتضیه حضرة الحقّ من العبادة الذاتیّة؛ فلا جرم تجاوزوا عن مقتضى نشأته و لم ینقادوا لأمر الحقّ بخلافته (جامی).
(6) . أی الملائکة.
(7) . و هی الأسماء السلبیّة التنزیهیّة و تجاوزت عن مقتضاها؛ فإنّ مقتضاها - و هی شطر من الأسماء الإلهیّة - الانقیاد من نشأته، تعمّها و غیرها من تلک الأسماء (جامی).
(8) . فی «تخصّها».
(9) . أی و سبّحت الملائکة الحقّ سبحانه بها، أی بتلک الأسماء، عطف على «تخصها» (جامی).
جلد: 1، صفحه: 256
(و قدّسته1، و ما علمت2 أنّ اللّه أسماء ما وصل علمها إلیها)؛ أی علم الملائکة إلى تلک الأسماء، (فما سبّحته بها)؛ أی بتلک الأسماء،
________________________________________
(1) . أیضا بها (جامی).
(2) . لمّا کان منشأ عدم وقوفهم مع مقتضى تلک الأسماء عدم علمهم بما عداها ممّا هو فی نشأة الخلیفة، صرّح الشیخ به عاطفا على قوله: و لا وقفت فقال: و ما علمت - أی الملائکة - أنّ للّه سبحانه آراء أخر ما سبّحوه بها «ما وصل علمها» أی علم الملائکة بها، أی بتلک الأسماء الأخر، کالخالق و الرازق و المصوّر و السمیع و البصیر و المطعم، و غیر ذلک ممّا یتعلق بالنعیم و العذاب و الموت و الهلاک و السقم و الشفاء، و سائر الأسماء التی تخصّ عالم الأجسام و الطبیعة، فما سبّحته، أی الملائکة الحقّ سبحانه بها، أی بتلک، و لا قدسّته کما یسبّحه آدم علیه السّلام و یقدّسه بها.
فإن قلت: ما معنى التقدیس و التنزیه فی الأسماء المنبئة عن التشبیه؟
قلنا: فیها تقدیس و تنزیه عن الانحصار فی التنزیه، و کمال التقدیس للتنزیه عن الانحصار فی التنزیه أو التشبیه أو الجمع بینهما (جامی).