شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
فهذا التعریف الإلهیّ ممّا أدّب الحقّ به عباده الادباء17 الامناء
________________________________________
(17) . أی المعاملین مع الحقّ و الخلق بما تقتضیه مراتب الأمناء الحاملین الأمانة، التی هی صورة اللّه سبحانه التی حذى علیها آدم حین عرضها على سماوات الأرواح و أرض الجسمانیات، فأبین أن یحملنها، أی لم یطقن ذلک و لا یستطعن. و اشفقن منها؛ لعدم أحدیّة جمع الجمیع عند واحد منها. و حملها الإنسان؛ لتحقّقه بأحدیّة الجمع المذکور (جامی).
جلد: 1، صفحه: 263
الخلفاء1) ظاهر.
(ثمّ نرجع2 إلى الحکمة فنقول: اعلم3 أنّ الامور الکلیّة و إن لم یکن لها وجود فی عینها، فهی معقولة معلومة بلا شکّ فی الذهن، فهی باطنة لا تزول4 عن الوجود العینیّ5,6).
________________________________________
(1) . الذین استخلفهم اللّه تعالى فی حفظ خزائن الدنیا و الآخرة.
فإن قلت: أیّ حاجة للمتحقّقین بهذه الصفات إلى التأدّب.
قلنا: المراد تأدّب ذواتهم قبل التحقّق. أو قلنا: «لکلّ جواد کبوة» فیمکن منهم وقوع الزلاّت بعد التحقّق بها أیضا (جامی).
(2) . أی ثمّ نرجع عما وقع فی البین من قصّة الملائکة و بیان لطائفها، إلى الحکمة الإلهیّة التی کان (رض) بصدد بیانها، فابتدأ ببیان الارتباط بین الأمور الکلیّة و الأعیان الخارجة، و فرّع علیه بیان الارتباط بین الحقّ و العالم، ثمّ بیان خلق الإنسان على صورته، ثمّ بیان ما یتفرّع علیه من الحکم و الأسرار فنقول:
اعلم أنّ الأمور الکلّیة، أی الحقائق المشترکة بین الأعیان الخارجة، کالحیاة و العلم و الإرادة و القدرة و غیرها و إن لم یکن لها من حیث إنّها کلّیة وجود فی عینها و حدّ ذاتها، فإنّها لا وجود للکلیات إلاّ فی ضمن أفرادها، فهی معقولة معلومة موجودة بلا شکّ فی الذهن فهی باطنة من حیث هی کلّیة (جامی).
(3) . من قوله: «اعلم أنّ الأمور الکلّیة» إلى قوله: «أقوى و أحقّ» (ص 83) جاء فی الأسفار (ج 1 ص 184 - 185 - طبع 1).
(4) . لا تزال عن الوجود العینی. و فی بعض النسخ: «لا تزول» فمعناه و معنى لا تزال بضمّ التاء مبنیا للمفعول من أزال واحد.
و «الغیبی» - بالغین المعجمة و الباء -: بمعنى المعقول، و عند بعض الشارحین عن الوجود العینی بالعین الغیر المعجمة و النون، أی لا تزول من حیث هی طبائع مطلقة لا مقیّدة بقید الکلّیة عن الوجود العینی؛ فإنّ الکلّی الطبیعی موجود فی الخارج.
و قرئ «لا تزال» - بفتح التاء - على أنّه من الأفعال الناقصة، أی فهی باطنة عن الوجود العینی الشخصی لا تزال کذلک بحذف الخبر؛ لدلالة باطنة علیه أو باطنة بالنصب على تقدیم الخبر، أی فهی لا تزال باطنة عن الوجود العینی و الأول أوفق لما بعده من قوله: و لم تزل عن کونها معقولة فی نفسها (ق).
(5) . العینی، بالعین المهملة کما هو فی بعض النسخ المقروءة على الشیخ، أی هی باطنة باعتبار وجودها العقلی لکن لا تزول عن الموجودات العینیّة و لا تسلب عنها، بل هی ثابتة لها فی ضمن ثبوت أفرادها.
أو بالغین المعجمة أی لا تزول عن الوجود العینی العقلی، و لا تتّصف بالوجود العینی الخارجی. و حاصله أنّه لا یخرج من العلم إلى العین.
و فى بعض النسخ: «لا تزال» إما بضمّ التاء من الإزالة، فمعناه قریب ممّا سبق سواء کانت العین مهملة أو - - معجمة، و إمّا بفتحها و العین مهملة.
و قال الشارح الجندی: إنّ قوله: باطنة منصور على هذا الوجه، و التقدیر: فهی لا تزال باطنة عن الوجود العینی، أی لا تظهر أعیانها فی الخارج و إن کانت موجودة فی العلم و بالنسبة إلى العالم، و أمّا فتحها و الغین معجمة فلا وجه له ظاهرا (جامی).
جلد: 1، صفحه: 264
أی نعرض عن حکایة الملائکة، و نرجع إلى تقریر الحکمة الإلهیّة، و مراده - رضى اللّه عنه - بیان الارتباط بین الحقّ و العالم، و أنّ الإنسان مخلوق على صورته، فبنى أصلا یتفرّع علیه المقصود بقوله: (اعلم، أنّ الامور الکلّیة)؛ أی الحقائق اللاّزمة للطبائع الموجودة فی الخارج، کالحیاة، و العلم، و القدرة، و الإرادة و غیرها - ممّا هی امور عقلیّة، و لا أعیان لها فی الخارج - (و إن لم یکن لها وجود فی عینها)؛ أی و إن لم تکن لها ذات موجودة فی الخارج، فهی موجودة فی العقل بلا شکّ، فهی باطنة من حیث إنّها معقولة، و مع ذلک لا تزول عن الوجود العینیّ، و لا تنفکّ منه؛ إذ هی من جملة لوازم الأعیان الموجودة فی الخارج.
و فی بعض النسخ: (لا تزال عن الوجود الغیبیّ) على أنّ لا تزال مبنیّ للمفعول من «أزال یزیل»، و الغیبیّ بالغین المعجمة و الباء، و معناه: هی باطنة لا یمکن أن تزال عن کونها امورا عقلیّة.
(و لها1 الحکم و الأثر فی کلّ ما له وجود2 عینیّ).
أی، و لهذه الامور الکلّیة - التی لا أعیان لها فی الخارج منفکّة عن التقیّد المشخّص إیّاها، و المعروضات3 التی تعرض4 لها - حکم و أثر فی الأعیان الکونیّة و الحقائق الخارجیّة بحسب وجودها و کمالاتها.
أمّا الأوّل5: فلأنّ الأعیان معلولة للأسماء، و الاسم ذات مع صفة معیّنة،
________________________________________
- معجمة، و إمّا بفتحها و العین مهملة.
و قال الشارح الجندی: إنّ قوله: باطنة منصور على هذا الوجه، و التقدیر: فهی لا تزال باطنة عن الوجود العینی، أی لا تظهر أعیانها فی الخارج و إن کانت موجودة فی العلم و بالنسبة إلى العالم، و أمّا فتحها و الغین معجمة فلا وجه له ظاهرا (جامی).
(6) . خ ل: الغیبی.
(1) . أی و هذه الأمور الکلّیة التی لا یتحقّق فی الخارج - من حیث کلیّتها - لها الحکم و الأثر (جامی).
(2) . من الموصوفین بها، فإنّ للحیاة - مثلا - حکما على الموصوف بها بأنّه حیّ و أثر فیه و هو العلم و توابعه (جامی).
(3) . أی و عن المعروضات.
(4) . هذه الأمور الکلیة لها.
(5) . أی بحسب وجودها. أی لهذه الأمور الکلّیة أثر فی الأعیان بحسب وجودها.
جلد: 1، صفحه: 265
فالأعیان - من حیث تکثّرها - لا تحصل إلاّ بالصفات، و هی هذه الامور الکلّیة التی لا أعیان لها فی الخارج، و لهذا1 ذهب الحکماء أیضا إلى أنّ علم الواجب فعلیّ و سبب لوجود الموجودات، و هکذا القدرة و الإرادة المعبّر عنها بالعنایة الإلهیّة.
و أمّا الثانی2: فلأنّ العین الموجودة إن لم تکن لها الحیاة لا توصف بأنّها حیّة و لا تتّصف بأنواع الکمالات؛ إذ العلم و القدرة و الإرادة کلّها مشروطة بالحیاة، و کذلک العلم إن لم یکن حاصلا لم یکن لها إرادة و قدرة؛ لأنّهما لا تتعلّقان إلاّ بالمعلوم، و هکذا جمیع الصفات.
فهذه الامور الکلّیة حاکمة على الطبائع التی تعرض لها بأن یقال علیها إنّها حیّة ذات علم و إرادة و قدرة، و یترتّب علیها ما یلزمها من الأفعال و الآثار؛ إذ لا شکّ أنّ الطبیعة الموجودة بالعلم3 تتمیّز بین الأشیاء، و بالإرادة تتخصّص، و بالقدرة تتمکّن من الأفعال.
قوله: (بل هو4,5 عینها6 لا غیرها، أعنی أعیان الموجودات7 العینیّة8).
________________________________________
(1) . أی و لأنّ لها الحکم فی ماله وجود عینی ذهب الحکماء....
(2) . و هو کون الأمور الکلّیة لها حکم و أثر فی کمالاتها.
(3) . أی بسبب العلم.
(4) . یعنی أنّ الأمر الکلّی کالعلم و الحیاة عین الوصفین الموجودین فی ذلک الموصوف لا غیرهما (ق).
(5) . أی ما له وجود عینی عینها، أی عین الأمور الکلّیة، فعلى هذا یکون قوله أعنی تفسیرا للضمیر المرفوع، و یحتمل أن یجعل تفسیرا للضمیر المجرور إذا کان المرفوع کنایة عن الأمور الکلّیة مأوّلة بالأمر الکلّی.
و على کلّ تقدیر فالعینیّة - بناء على أنّ الحقیقة الواحدة التی هی حقیقة الحقائق کلّها هی الذات الإلهیّة، و باعتبار تعیّناتها و تجلیاتها فی مراتبها المتکثّرة - تتکثّر و تصیر حقائق مختلفة جوهریة متبوعة و عرضیّة تابعة، فکلّ عین عین من حیث امتیازها عمّن سواها لیست إلاّ عین أعراض شتّى اجتمعت فی عین واحدة فصارت عینا موجودة خارجیة. کذا ذکره فی آخر الفصّ الشعیبی (جامی).
(6) . أی ماله وجود عینی، عین تلک الأمور الکلّیة، فإنّها هی الظاهرة بصورة الأثر حسب ما اقتضاه الوجود العینی (ص).
(7) . أی أعیان الأوصاف لا أعیان الموصوفات، فإنّ للموصوف أیضا معنى کلیا و هو الإنسان المطلق، فإنّه عین هذا الإنسان مع قید الجزئیة فهذه نسبة الحیاة و العلم المطلقین إلى الوصفین المقیّدین (ق).
(8) . ثمّ إنّ تلک الأمور الکلیة عندما تتحصّل ماهیّاتها النوعیّة لها ثلاثة مدارج:
الأول منها: تفصیل الأحکام و الآثار التی هی بمنزلة المادة و الصورة، و هو حقیقة النوع وحده.
و الثانی: الهیئة الجمعیّة بینها الرافعة للمغایرة و هی النوع عینه. - - و الثالث: تفصیل الأشخاص الخارجیّة.
فأشار فی طیّ عبارته إلى هذه المراتب مضربا عن الأول بالثانی، مفسّرا إیّاه بالثالث [تبینها] إلى أنّ التفصیل الأول اعتباری محض لا عبرة به، و أنّ التفصیل الثانی هو عین الجمع و إلى أنّ الموجود العینی له وحدة جمعیّة کذلک، و إلى غیر ذلک من الدقائق، فلا تغفل عنها.
فیکون التفسیر للضمیر المنفصل لا المتّصل على ما هو الموجب للتوهّمات الباعثة على ارتکاب التمحّلات کما التزمه البعض.
و هذا یناسب ما تسمعه من ائمّة النظر أنّ سائر أقسام الکلّیات موجود بوجود النوع عینه فی الخارج، کما أنّ النوع مع الشخص کذلک، و أن ذلک التفصیل بین الکلیات و تمیّزها أنّما هو فی العقل، فهی معقولة (ص).
جلد: 1، صفحه: 266
إضراب عن قوله: (و لها الحکم و الأثر)؛ بأنّ الذی له وجود عینیّ هو عین هذه الامور المعقولة المنعوتة بالعوارض و اللّوازم؛ لأنّ الحقیقة الواحدة التی هی حقیقة الحقائق کلّها هی الذات الإلهیّة، و باعتبار تعیّناتها و تجلّیاتها فی مراتبها المتکثّرة تتکثّر و تصیر حقائق مختلفة، جوهریّة متبوعة، و عرضیّة تابعة، فالأعیان - من حیث تعدّدها و کونها أعیانها - لیست إلاّ عین أعراض شیء، اجتمعت فصارت حقیقة جوهریّة1خاصّة، کما ذکره فی آخر الفصّ الشعیبیّ2.
ألا ترى: أنّ الحیوان هو الجسم الحسّاس المتحرّک بالإرادة، و الجسم ما له طول و عرض و عمق، فالحیوان ذات لها هذه الأعراض مع الحسّ و الحرکة الإرادیّة، و کما اجتمعت هذه الأعراض فی هذه الذات المعیّنة و صارت حیوانا، کذلک إذا انضمّت إلیها أعراض اخر - کالنطق و الصهیل - تسمّى ب «الإنسان» و «الفرس»، فالذات الواحدة باعتبار الصفات المتکثّرة صارت جواهر متکثّرة، و أصل الکلّ هو الذات الإلهیّة التی صفاتها عینها.
فقوله: (أعنی أعیان الموجودات)، تفسیر ل «هو» العائد إلى ما له وجود عینیّ، و ضمیر «عینها» راجع إلى الامور الکلّیة، و لا یجوز أن یکون تفسیرا لضمیر عینها؛
________________________________________
- و الثالث: تفصیل الأشخاص الخارجیّة.
فأشار فی طیّ عبارته إلى هذه المراتب مضربا عن الأول بالثانی، مفسّرا إیّاه بالثالث [تبینها] إلى أنّ التفصیل الأول اعتباری محض لا عبرة به، و أنّ التفصیل الثانی هو عین الجمع و إلى أنّ الموجود العینی له وحدة جمعیّة کذلک، و إلى غیر ذلک من الدقائق، فلا تغفل عنها.
فیکون التفسیر للضمیر المنفصل لا المتّصل على ما هو الموجب للتوهّمات الباعثة على ارتکاب التمحّلات کما التزمه البعض.
و هذا یناسب ما تسمعه من ائمّة النظر أنّ سائر أقسام الکلّیات موجود بوجود النوع عینه فی الخارج، کما أنّ النوع مع الشخص کذلک، و أن ذلک التفصیل بین الکلیات و تمیّزها أنّما هو فی العقل، فهی معقولة (ص).
(1) . أی بحسب الظاهر و الحسّ.
(2) . قال فی الفصّ الشعیبی: و أمّا الأشاعرة فما علموا أنّ العالم کلّه مجموع أعراض، فهو یتبدّل فی کلّ زمان؛ إذ العرض لا یبقى زمانین... فقد جاء من مجموع ما لا یقوم بنفسه، و هی الأعراض، من یقوم بنفسه، و هو الجوهر (ص 287-288).
جلد: 1، صفحه: 267
لفساد المعنى، إذ معناه: بل ماله وجود عینیّ هو عین الموجودات العینیّة.
إلاّ أن یقول: هو عائد إلى الامور الکلّیة، و تذکیره باعتبار الأمر، و حینئذ یکون معناه: بل هذه الامور الکلّیة عین أعیان الموجودات العینیّة لا غیرها.
و هذا عین المعنى الأوّل.
و قیل: معناه بل الأمر1 الکلّی کالعلم و الحیاة عین الوصفین2 الموجودین فی ذلک الموصوف لا غیرهما، و المراد بقوله: أعنی (أعیان الموجودات)، أعیان الأوصاف، لا أعیان الموصوفات لأنّ للموصوفات أیضا امورا کلّیة و هو الکلّی الطبیعی.
و فیه نظر؛ لأنّ المراد أنّ هذه الامور الکلّیة التی لیست لها ذات موجودة فی الخارج، لها حکم و أثر فی الموجودات الخارجیّة، بل هی عین هذه الموجودات الخارجیّة؛ فانّ الظاهر و المظهر متّحد فی الوجود الخارجیّ، و إن کان متعددا فی العقل؛ لأنّ الکلام فی الامور الکلّیة التی لا أعیان لها فی الخارج غیر هذه الموجودات العینیّة.
و فائدة الإضراب لا تظهر إلاّ بحسب هذا المعنى، و التفسیر بقوله: (أعنی أعیان الموجودات)، و قوله3:
________________________________________
(1) . فارجع ضمیر هو أیضا إلى الأمر الکلّی.
(2) . أی المقیّدین المشخّصین.
(3) . أی قول الشیخ (ره) فیما بعد.