عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

عرفان شیعی

عرفان اسلامی در بستر تشیع

شرح القیصری علی فصوص‌الحکم (حسن‌زاده الآملی):

قوله: (ثمّ لنعلم4: أنّ الحقّ وصف نفسه5 بأنّه ظاهر و باطن6).

مزید بیان لما مرّ: من أنّ الحقّ تعالى خلق آدم على صورته و کمالاته؛ لیستدلّ بها علیه، و یتمکّن السالک من الوصول إلیه.

(فأوجد العالم7).

أی، العالم الإنسانیّ‌، و إن شئت قلت: العالم الکبیر؛ لأنّه أیضا صورة الإنسان، لذلک یسمّى؛ «بالإنسان الکبیر» و الأوّل أنسب بالمقام؛ إذ المقصود أنّ الإنسان مخلوق على صورته، لا العالم.

(عالم غیب8 و شهادة)؛ أی عالم الأرواح و الأجسام (لندرک الباطن9 بغیبنا10، 

________________________________________

(4) . لمّا أشار الشیخ (رض) فیما تقدم إلى الأوصاف المشترکة بیننا و بین الحقّ سبحانه، خصّ بالذکر منها الأوصاف المتقابلة هاهنا لیتفرّع علیها بیان المراد من الیدین اللتین توجّهتا من الحقّ على خلق آدم، و بیّنه على أنّ فی جمع الیدین تشریفا له، و لیس لإبلیس هذه الجمعیّة فقال: ثم لنعلم... (جامی).

(5) . أی ذاته المطلقة (جامی).

(6) . ببطونه عنه، فالباطن بهذا الاعتبار یشمل ما عدا مرتبة الحسّ من المراتب الإلهیّة و الکونیّة (جامی).

(7) . أی کلّ واحد من عالمی الصغیر و الکبیر عالمین (جامی).

(8) . لا یدرک بالحواسّ الظاهرة (جامی).

(9) . أی اسمه الباطن (جامی).

(10) . الذی هو روحنا و مدارکه الغیبیّة أو بإدراک غیبنا و باطننا فندرک اسمه الباطن؛ لأنّه من بعض مظاهر اسمه الباطن (جامی).

جلد: 1، صفحه: 286

و الظاهر1 بشهادتنا2).

هذا دلیل على أنّ المراد بالعالم هو العالم الإنسانیّ‌؛ أی لندرک عالم الباطن - و هو عالم الجبروت و الملکوت - بروحنا و قلبنا و قوانا الروحانیّة، و ندرک عالم الظاهر بأبداننا و مشاعرنا و قوانا المنطبعة فیها.

أو ندرک غیب الحقّ من حیث أسمائه و صفاته، لا من حیث ذاته؛ فإنّه لا یمکن لأحد معرفتها، إذ لا نسبة بینها و بین غیرها من العالمین.

«بغیبنا»3؛ أی بأعیاننا الغیبیّة و ندرک ظاهره، و هو مظاهر تلک الأسماء الغیبیّة من العقول و النفوس و غیرهم من الملائکة، فإنّهم و إن کانوا غیبا باطنا بالنسبة إلى الشهادة المطلقة، لکنّهم ظاهر بالنسبة إلى الأسماء و الصفات التی هی أربابهم؛ لظهورهم فی العین بعد بطونهم فی العلم، و قد مرّ تحقیقه فی بیان العوالم فی المقدّمات.

«بشهادتنا»4؛ أی بروحنا و قلبنا و قوانا و أبداننا الموجودة فی الخارج.

(و وصف نفسه بالرضا و الغضب5).

حیث قال: رَضِیَ اَللّٰهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ‌6 و قال: «سبقت رحمتی غضبی»7.

(فأوجد العالم ذا خوف و رجاء8، فنخاف غضبه و نرجو رضاه).

________________________________________

(1) . أی و کذلک ندرک اسمه الظاهر (جامی).

(2) . أی بمشاعرنا الشهادیّة أو بأن تدرک شهادتنا، فإن شهادتنا شهادته أو بالمقایسة (جامی).

(3) . متعلّق بقوله: «ندرک غیب الحقّ‌».

(4) . متعلّق بقوله: «و ندرک ظاهره».

(5) . راجع ص 409 حیث وصفه سبحانه بالرضا و الغضب و أیضا ص 176 - ج 2.

(6) . المائدة (5):119.

(7) . بحار الأنوار ج 18 ص 306 ح 13، صحیح مسلم ج 8 ص 95.

و کأنّه أشار إلیه العارف الرومی:

سبق رحمت بر غضب هست اى فتا لطف غالب بود در وصف خدا (مثنوى معنوى ج 3 ص 102).

(8) . و إنّما جاء بأثر الرضا و الغضب و هو الخوف و الرجاء، و لم یقل: ذا رضا و غضب مع أنّه صحیح أیضا؛ تنبیها على أنّ ظهور الصفات فی العالم کما یکون لظهور أعیانها کالظهور و البطون فیما تقدّم، فکذلک یکون لظهور آثارها کالخوف و الرجاء؛ فإنّهما من آثار الغضب و الرضا لا عینهما (جامی).

جلد: 1، صفحه: 287

و إنّما جاء بلازم الرضا و الغضب و هو الخوف و الرجاء، و لم یقل: فأوجدنا ذا رضى و غضب و إن کنّا متّصفین بهما؛ لیؤکد المقصود الأوّل أیضا1 و هو بیان الارتباط بین الحقّ و العالم؛ إذ کلّ من الصفات الأفعالیة و الانفعالیّة یستدعی الآخر2، لذلک3 اعاد الارتباط فی الأبیات الثلاثة المذکورة بعد4.

و قوله: (فأوجد العالم ذا خوف و رجاء)، دلیل على ما ذهبنا إلیه من أنّ المراد بالعالم هو العالم الإنسانیّ‌؛ لأنّ الخوف و الرجاء من شأن الإنسان لا العالم الکبیر، إذ الخوف أنّما هو بسبب الخروج عن الأمر، و الرجاء أنّما یحصل لمن یطمع فی الترقّی، و هما للإنسان فقط.

و کذلک قوله: (فنخاف غضبه، و نرجو رضاه)، یدلّ على ذلک.

و کذلک قوله: (و وصف نفسه بأنّه جمیل و ذو جلال، فأوجدنا على هیبة5و انس، و هکذا جمیع ما ینسب إلیه تعالى و یسمّى6 به) ینبىء7 عن ذلک.

و المراد بالجمیل الصفات الجمالیّة، و هی ما تتعلّق باللّطف و الرحمة، و بالجلال ما تتعلّق بالقهر و العزّة و العظمة و الستر.

قوله: (فأوجدنا على هیبة و انس)، مثال یجمع بین المقصودین، و هما بیان الارتباط، و کون الإنسان مخلوقا على صورته تعالى؛ و ذلک لأنّ الهیبة قد 

________________________________________

(1) . أی کما یدلّ و یؤکّد على کون الإنسان على صورة ربّه.

(2) . فالغضب یستلزم الخوف، و الرضا یستلزم الرجاء، و الخوف و الرجاء من العبد، و الغضب و الرضا من الحقّ‌.

(3) . أی للتأکید.

(4) . راجع فی ذلک ص 334، أوّلها: فالکلّ مفتقر ما الکلّ مستغن.

(5) . أی دهشة و حیرة من مشاهدة أسمائه الجلالیّة فتکون تلک الهیبة من آثارها فینا، أو على هیبة مدهشة محیّرة لمن یشاهد فینا فتکون الأسماء الجلالیّة ظاهرة فینا بأعیانها لا بآثارها. و على هذا القیاس قوله: «و انس» (جامی).

(6) . أی یسمّى به من الأسماء المتقابلة کالهدایة و الإضلال و الإعزاز و الإذلال و غیرها؛ فإنّه سبحانه أوجدنا بحیث نتّصف بها تارة و تظهر فینا آثارها تارة (جامی).

(7) . أی کذلک قوله: «فوصف...» الخ ینبئ عن کون المراد بالعالم العالم الإنسانی.

جلد: 1، صفحه: 288

تکون من الصفات الفعلیّة، کما تقول: «هذا السلطان مهیب» أی له عظمة فی قلوب الناس.

و قد تکون من الصفات الانفعالیّة، کما تقول: «حصل فی قلبی هیبة من السلطان» أی دهشة و حیرة من عظمته.

و کذلک الانس بالنسبة إلى من هو أعظم مرتبة منک، و إلى من هو دونک فی المرتبة، فإنّ الأوّل یوجب الانفعال، و الثانی یوجب الفعل، لأنّ الانس رفع الدهشة و الهیبة، ففی الصورة الاولى صاحب المرتبة الأعلى یرفع منک الدهشة، و فی الثانیة أنت رافعها من غیرک، و الهیبة من الجلال، و الانس من الجمال.

(فعبّر عن هاتین1 الصفتین)؛ أی عن الجمال و الجلال (بالیدین2,3) مجازا، إذ بهما تتم الأفعال الإلهیّة، و بهما تظهر الربوبیّة، کم بالیدین یتمکّن الإنسان من الأخذ و العطاء، و بهما تتمّ أفعاله.

(اللّتین توجّهتا منه)؛ أی من الحقّ (على خلق الإنسان الکامل4).

کقوله تعالى: مٰا مَنَعَکَ أَنْ تَسْجُدَ لِمٰا خَلَقْتُ بِیَدَیَّ‌5 و خلقه بیدیه عبارة عن 

________________________________________

(1) . أی عن هذین النوعین من الصفات المتقابلین الشاملین کلّها بالیدین (جامی).

(2) . قال مولانا الجامی فی حاشیته على نقد النصوص: الیدان هما أسماء اللّه تعالى المتقابلة کالفاعلة و القابلة؛ و لهذا وبّخ إبلیس بقوله: مٰا مَنَعَکَ أَنْ تَسْجُدَ لِمٰا خَلَقْتُ بِیَدَیَّ (ص (38):75) و لمّا کانت الحضرة الأسمائیة مجمع حضرتی الوجوب و الإمکان قال بعضهم: إنّ الیدین هما حضرتا الوجوب و الإمکان.

و الحقّ أنّ التقابل أعمّ من ذلک؛ فإنّ الفاعلة قد تتقابل، کالجمیل و الجلیل و اللطیف و القهّار و النافع و الضارّ، و کذا القابلة کالأنیس و الهائب و الراجی و الخائف و المنتفع و المتضرّر. کذا فی اصطلاحات الصوفیة للشیخ کمال الدین عبد الرزاق القاسانی (ره).

(3) . لتقابلهما و تصرّف الحقّ سبحانه بهما فی الأشیاء (جامی).

(4) . و إنّما توجّهت هاتان الیدان على خلقه؛ لکونه أی الإنسان الکامل جامع لحقائق العالم و مفرداته، التی هی مظاهر لجمیع الأسماء، التی یعبّر عنها بملاحظة شمول معنین متقابلین لها بالیدین، فلا بدّ من خلق حقیقة جامعة لجمیع المظهریات من توجّه جمیع الأسماء الظاهرة فیها المربیّة لها.

و یجوز أن تکون اللام فی «لکونه» متعلّقا ب‍ «الکامل» الذی هو صفة للإنسان تعلیلا لکماله و أن تکون متعلّقا ب‍ «الخلق» (جامی).

(5) . ص (38):75.

جلد: 1، صفحه: 289

الاستتار بالصورة الإنسانیّة، و جعله متّصفا بالصفات الجمالیّة و الجلالیّة.

(لکونه الجامع لحقائق العالم و مفرداته1).

أی، لکون الإنسان جامعا لحقائق العالم التی هی مظاهر للصفات الجمالیّة و الجلالیّة کلّها، و هی الأعیان الثابتة التی للعالم.

و المراد بالمفردات الموجودات الخارجیّة، فکأنّه یقول: لکون الإنسان جامعا لجمیع الأعیان الثابتة بعینه الثابتة، و لجمیع الموجودات الخارجیّة بعینه الخارجیة، فله2 أحدیّة الجمع علما و عینا، و قد مرّ فی المقدّمات: أنّ أعیان العالم أنّما حصلت فی العلم من تفصیل العین الثابتة الإنسانیّة.

و اعلم: أنّ للعالم اعتبارین: اعتبار أحدیّته، و اعتبار کثرته، فباعتبار أحدیّته الجامعة یسمّى ب‍ «الإنسان الکبیر3» و باعتبار کثرة أفراده لیست له الأحدیّة الجامعة کأحدیّة الإنسان؛ إذ لکلّ منها مقام معیّن، فلا یصحّ أن یقال4: «لیس للعالم أحدیّة الجمع مطلقا» کیف لا؟! و هو من حیث المجموع صورة الاسم الإلهیّ کما للإنسان، لذلک یسمّى ب‍ «الإنسان الکبیر» إلاّ أن یراد به أفراده.

________________________________________

(1) . و اعلم أنّ المراد بکلّ واحد من حقائق العالم و مفرداته إما الأعیان الثبوتیّة أو الوجودیّة، أو المراد بواحد منهما الأعیان الثبوتیّة و بالآخر الأعیان الوجودیّة.

و لا شکّ أنّ الإنسان الکامل بحسب حقیقته و عینه الثابتة أحدیّة جمع جمیع الأعیان الثابتة التی للعالم، و بحسب وجوده العینی أحدیّة جمع جمیع الأعیان الخارجیّة، و بحسب عینه الثابتة و الوجودیّة معا أحدیّة جمع أعیانه الثابتة و الخارجة جمیعا.

فالأعیان الثابتة للعالم تفصیل لعینه الثابتة، و الأعیان الخارجیّة تفصیل لعینه الخارجیّة، و المجموع تفصیل للمجموع، و کلّ تفصیل صورة الإجمال، و کلّ صورة فهی شهادة بالنسبة إلى ذی الصورة، و ذو الصورة غیب لها. و کذلک کلّ موجود عینی فهو شهادة بالنسبة إلى وجوده العلمی، و وجوده العلمی غیب له (جامی).

(2) . أی للإنسان.

(3) . راجع ص 151.

(4) . هذا ردّ على مولانا ملاّ عبد الرزاق؛ لأنّه قال فی شرح هذه العبارة - أی لحقائق العالم و مفرداته -: «فیه اشعار بأنّه مع مساواته للعالم فی حقائقه و مفرداته یختصّ بالجامعیّة الأحدیّة دونه».