شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(فلا یزال فی حجاب7 لا یرفع8).
________________________________________
(7) . أی فلا یزال العالم فی حجاب، أی فی حجاب تعیّنه، و إنّیّته عن إدراک الحقّ لا یرفع ذلک الحجاب عنه، بحیث لم یصر مانعا له عن الشهود، و لم یبق له حکم فیه؛ فإنّه و إن أمکن أن یرتفع تعیّنه عن نظر شهودی، لکن لا یکون حکمه باقیا فیه، و یکون شهوده بحسبه لا بحسب ما هو المشهود علیه فلا یرتفع الحجاب بالکلّیة (جامی).
(8) . لامتناع رفع الشیء عن نفسه، فالعالم أبدا فی حجاب نفسه (ص).
جلد: 1، صفحه: 294
أی، فلا یزال العالم فی حجاب لا یرفع؛ بمعنى أنّه محجوب عن الحقّ بإنّیته و لا یقدر على حقّ معرفته، و لا على معرفة نفسه، فإنّه لو عرف نفسه لعرف ربّه؛ لأنّ ذاته عین الذات1 الإلهیّة، و ما فاز بهذه المعرفة2 إلاّ الإنسان الکامل، لذلک صار سیّد العالم و خلیفة علیه.
(مع علمه بأنّه متمیّز عن موجده؛ بافتقاره3).
أی، لا یزال العالم فی الحجاب مع علم العالم بأنّه متمیّز عن موجده بسبب افتقاره إلیه، و العلم بامتیاز الشیء عن غیره یوجب العلم بهما، فالعالم عالم بالحقّ من حیث أنّه غنیّ و واجب بالذات.
و لمّا کان العالم مفتقرا إلیه و متّصفا بالإمکان - و إن کان متّصفا بالصفات الإلهیّة - استدرک بقوله:
(و لکن لا حظّ له4 فی الوجوب الذاتیّ الذی لوجود الحقّ).
أو استدراک من قوله: (فأوجد العالم عالم الغیب و الشهادة، لندرک الباطن بغیبنا، و الظاهر بشهادتنا)؛ أی العالم متّصف بصفاته إلاّ بالوجوب الذاتیّ الذی لوجود الحقّ.
(فلا یدرکه أبدا).
أی، فلا یدرک العالم الحقّ أبدا من حیث وجوبه الذاتیّ؛ لأنّ المدرک ما یدرک شیئا بالذوق و الوجدان إلاّ بما فیه منه، و لیس له حظّ فی الوجوب الذاتیّ فلا نسبة بینهما.
(فلا یزال الحقّ من هذه الحیثیة5)؛ أی من حیث الوجوب الذاتیّ (غیر معلوم علم ذوق و شهود؛ لأنّه لا قدم6 للحادث فی ذلک).
________________________________________
(1) . أی من حیث الحقیقة و طبیعة الوجود.
(2) . أی معرفة أنّ ذات الحقّ ذاته و أصله، و ذاته ظلّ للحقّ، و الظلّ غیر مباین لذی الظلّ، و معرفة الظلّ من حیث إنّه ظلّ بحسب الحقیقة لا یمکن إلاّ بمعرفة ذی الظلّ بحسب الحقیقة.
(3) . بافتقاره إلیه و استغنائه عنه، و هذا معنى تسبیح الأشیاء للحقّ (ص).
(4) . أی للعالم (جامی).
(5) . خ ل: الحقیقة.
(6) . فمن علم منهم تلک الحقیقة فإنّما یعلمها بالحقّ من نوره الفائض من صورته لا من صورة العالم (ص).
جلد: 1، صفحه: 295
و إنّما قیّد بقوله: (علم ذوق و شهود)؛ لأنّ الذوق و الشهود یقتضی اتصاف الذائق بما یذوقه حالا، بخلاف العلم التصوّری، فإنّه بمجرّد الاطّلاع على الوجوب الذاتیّ و ما1 له ذلک2 یقدر على الحکم: بأنّه متّصف به.
(فما جمع اللّه لآدم3 بین یدیه إلاّ تشریفا).
أی، ما جمع اللّه فی خلق آدم بین یدیه اللّتین یعبّر عنهما بالصفات الجمالیّة و الجلالیّة إلاّ تشریفا له و تکریما، کما قال: وَ لَقَدْ کَرَّمْنٰا بَنِی آدَمَ وَ حَمَلْنٰاهُمْ فِی اَلْبَرِّ4وَ اَلْبَحْرِ56 فصار جامعا لجمیع الصفات الإلهیّة، و کانت عینه، متّصفة بجمیع الصفات الکونیّة، فحصل عنده جمیع الأیادی المعطیة7 و الآخذة8.
(و لهذا9 قال لإبلیس: مٰا مَنَعَکَ أَنْ تَسْجُدَ لِمٰا خَلَقْتُ بِیَدَیَّ10,11 و ما هو12).
أی، و لیس ذلک التشریف، أو لیس ذلک الخلق (إلاّ عین جمعه بین الصّورتین، صورة العالم13) و هی الحقائق الکونیّة14، (و صورة الحقّ) و هی الحقائق الإلهیّة15
________________________________________
(1) . موصولة.
(2) . أی ذلک الاطّلاع یقدر على الحکم بأنّ الواجب متّصف بالوجوب الذاتی.
(3) . حین خلقه (جامی).
(4) . أی صفة الجمال.
(5) . أی صفة الجلال.
(6) . الإسراء (17):70.
(7) . أی الفعلیّة.
(8) . أی الانفعالیّة.
(9) . أی لأنّ هذه الجمعیّة لیست إلاّ للتشریف، قال سبحانه لإبلیس توبیخا (جامی).
(10) . جعل الشیخ (رض) الیدین فیما سبق عبارة عن نوعین متقابلین من الصفات الوجوبیّة الفعلیة کما هو الظاهر و جعلهما هنا إشارة إلى معنى آخر بقوله: «و ما هو...» (جامی).
(11) . ص (38):75.
(12) . أی الجمع بین یدیه لآدم (جامی).
(13) . أی صورة العالم المشتمل علیها نشأة تفرقته الظاهرة و صورة الحقّ المشتمل علیها نشأة جمعیّته الباطنة (ص).
(14) . أی القابلة.
(15) . الوجوبیة الفاعلة.
جلد: 1، صفحه: 296
(و هما یدا الحقّ) و إنّما جعل صورة العالم ید الحقّ؛ لأنّها1 مظاهر الصفات و الأسماء لذلک عبّر عن الصفات الجمالیّة و الجلالیّة بالیدین، کما مرّ، و عبّر هنا عن الصورتین بالیدین تنبیها على عدم المغایرة بینهما فی الحقیقة، إلاّ فی الظاهریّة و المظهریّة.
و أیضا لمّا کان الفاعل و القابل شیئا واحدا فی الحقیقة، ظاهرا فی الصورة الفاعلیّة تارة و القابلیّة اخرى، عبّر عنهما بالیدین، فیمناهما الصورة الفاعلیّة المتعلّقة بحضرة الربوبیّة، و یسراهما الصورة القابلیّة المتعلّقة بحضرة العبودیّة، و یجمع المعنیین تفسیرهما بالصفات المتقابلة.
(و ابلیس2 جزء من العالم3 لم تحصل له4 هذه الجمعیّة)5.
لأنّه مظهر الاسم «المضلّ»، و هو من الأسماء الداخلة فی الاسم «اللّه» الّذی مظهره آدم، فلا تکون له جمعیّة الأسماء و الحقائق.
قیل: ابلیس هو القوّة الوهمیّة الکلّیة التی فی العالم الکبیر6، و القوى الوهمیّة التی فی الأشخاص الإنسانیّة7 و الحیوانیّة أفرادها، لمعارضتها مع العقل
________________________________________
(1) . أی صورة العالم.
(2) . أی و إبلیس لم یعرف ذلک؛ لأنّه جزء من العالم لم یحصل له هذه الجمعیّة، فما عرف إلاّ ما هو من العالم فاستکبر (ق).
(3) . الذی هو جزء آدم (جامی).
(4) . أی لإبلیس (جامی).
(5) . أی جمعیّة آدم (جامی).
(6) . قال صدر المتألهین (ره) فی المبدأ و المعاد (ص 144): لأحد أن یتصوّر فی مقابلة هذا المدبّر لهذا العالم، على وجه الخیر و الصلاح المتکون من بعض قوى الأجرام الفلکیّة، موجودا آخر نفسانیا متولدا من طبیعة دخانیة یغلب علیه الشرارة و الإغواء و الإضلال، و یکون سلطنة بحسب الطبع على الأجسام الدخانیّة و نفوسها الجزئیة و الطبائع الوهمانیّة، و تطیعها تلک النفوس و القوى الوهمانیّة لمناسبة النقص و الشرارة، و یکون المسمّى بإبلیس الوارد على لسان النبوات هو هذا الشرّیر المغوی المضلّ و کونه مجبولا على الإغواء و الإفساد، و ادّعائه العلو أنّما هو بمقتضى الغالب علیه الموجبة للإهلاک و الغلوّ.
(7) . قال صدر المتألهین (ره) فی إکسیر العارفین: «إبلیس کلّ إنسان هو نفسه عند متابعة الهوى، لکنّ أوّل من سلک سبیل الغوایة و الضلالة عن عالم رحمته وقع علیه اسم إبلیس، و هو الجوهر النطقى الشریر الحاصل من عالم الملکوت النفسانی بجهة ظلمانیّة ردیئة کالإمکان و نحوه، شأنه الإغواء و سبیله الضلال» انتهى. - - قال مولانا ملا محسن (ره) فی الوافی: «الجهل جوهر نفسانی ظلمانی خلق بالعرض، و بتبعیّة العقل تقوم به کلّ ما فی الأرض من الشرور و القبائح، و هو بعینه نفس إبلیس و روحه الذی به قوام حیاته، الذی تنشعب منه أرواح الشیاطین ثم خلقت من ظلماتها أرواح الکفّار و المشرکین».
جلد: 1، صفحه: 297
الهادی طریق الحقّ.
و فیه نظر1؛ لأنّ النّفس المنطبعة هی الأمّارة بالسوء، و الوهم من سدنتها و تحت حکمها، لأنّه من قواها، فهی2 أولى بذلک کما قال تعالى: وَ نَعْلَمُ مٰا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ3، و قال: إِنَّ اَلنَّفْسَ لَأَمّٰارَةٌ بِالسُّوءِ4، و قال علیه السّلام: «أعدى عدوک نفسک التی بین جنبیک»5 و قال: «إنّ الشیطان یجری من ابن آدم مجرى الدم»6 و هذا شأن النّفس.
و لو کان تکذیبه للعقل موجبا لکونه شیطانا، لکان العقل أیضا کذلک؛ لأنّه یکذّب ماوراء طوره ممّا یدرک بالمکاشفات الحقیقیّة کأحوال الآخرة، و أیضا إدراکه7 للمعانی الجزئیّة و إظهاره لها حقّ و نوع من الهدایة؛ للاهتداء به فی الجزئیات التی هی نهایة المظاهر.
قال الشیخ فی الفصّ الإلیاسی: «فالوهم هو السلطان الأعظم فی هذه الصورة
________________________________________
- قال مولانا ملا محسن (ره) فی الوافی: «الجهل جوهر نفسانی ظلمانی خلق بالعرض، و بتبعیّة العقل تقوم به کلّ ما فی الأرض من الشرور و القبائح، و هو بعینه نفس إبلیس و روحه الذی به قوام حیاته، الذی تنشعب منه أرواح الشیاطین ثم خلقت من ظلماتها أرواح الکفّار و المشرکین».
(1) . قال مولانا الجامی فی نقد النصوص: «قال بعض العارفین: العقل الأول ملک مقرّب و کلّه اللّه تعالى بالدعوة إلیه سبحانه، و العقل الثانی ملک وکّله اللّه تعالى بالدعوة إلى عالم الصور لتعمیره، فصار لبعده عن الحضرة و دعوته الإنسان الکامل إلى أکل شجرة الطبیعة شیطانا، و هو لا یزال یدعو الإنسان إلى الدنیا و عمارتها بمعاونة القوى الطبیعیّة التی رفقاء النفس.
و ما توهّم بعضهم - أنّ إبلیس هو القوّة الوهمیّة التی فی العالم و القوى الوهمیة التی فی الأشخاص الإنسانیة و الحیوانیّة أفرادها سمّیت شیطانا؛ لمعارضتها مع العقل الهادی طریق الحق - فقد أبطله الشیخ شرف الدین داود القیصری فی شرحه للفصوص فلیطلب ثمة».
(2) . أی النفس الأمّارة.
(3) . ق (50):16.
(4) . یوسف (12):53.
(5) . بحار الأنوار ج 70 ص 64 ح 1، کنوز الحقائق ص 14 و لعلّ العارف الرومی أشار إلیه:
نفس هر دم از درونم در کمین از همه مردم بتر در مکر و کین (مثنوى معنوى ج 1 ص 56).
(6) . بحار الأنوار ج 63 ص 268 ح 154.
(7) . أی الوهم.
جلد: 1، صفحه: 298
الکاملة الإنسانیّة، و به جاءت الشرائع المنزلة، فشبّهت1 و نزّهت».
و الشیطان مظهر الاضلال و الاغواء، لا للاهتداء، و فی باقی الحیوانات فهو2بمثابة العقل، و من أمعن3 النظر یعلم أنّ القوّة الوهمیّة هی التی إذا قوّیت و تنوّرت تصیر عقلا مدرکا للکلّیات؛ و ذلک لأنّه نور من أنوار العقل الکلّی، المنزل إلى العالم السفلی مع الروح الإنسانی، فصغر و ضعف نوریّته و إدراکه لبعده عن منبع الأنوار العقلیّة فیسمّى ب «الوهم»، فإذا رجع و تنوّر - بحسب إعتدال المزاج الإنسانی - قوى إدراکه، و صار عقلا من العقول، کذلک یرتقی العقل أیضا، و یصیر عقلا مستفادا.
________________________________________
(1) . أی الشرائع.
(2) . أی الوهم.
(3) . قال صدر المتألهین فی الأسفار: «و الوهم کأنّه عقل ساقط عن مرتبته». (الأسفار ج 3 ص 362). و لأستاذه السیّد الداماد فی الجذوة الحادیة عشرة من جذواته (ص 94 من طبع هند) تحقیق أنیق فی ذلک، فراجع النکتة 515 من کتابنا هزار و یک نکته.