شرح القیصری علی فصوصالحکم (حسنزاده الآملی):
(فقد علمت حکمة نشأة جسد1 آدم، أعنی صورته الظاهرة2) و تلک الحکمة هی ظهور أحکام الأسماء و الصفات فیها.
(و قد علمت نشأة روح آدم3، أعنی صورته الباطنة)4 أی، حکمة نشأة روح آدم و هی الربوبیّة، و الخلافة على العالم.
(فهو الحقّ الخلق).
یعنی، فآدم هو الحقّ باعتبار ربوبیّته للعالم، و اتّصافه بالصفات الإلهیّة، و الخلق باعتبار عبودیّته و مربوبیّته، أو هو الحقّ باعتبار روحه، و الخلق باعتبار جسده، کما قال الشیخ - رضى اللّه عنه - فی بیت من قطعة:
حقیقة الحقّ لا تحدّ و باطن الربّ لا یعدّ
فباطن لا یکاد یخفى و ظاهر لا یکاد یبدو
فإن یکن باطنا فحقّ و إن یکن ظاهرا فعبد (و قد علمت نشأة رتبته و هی5 المجموع6 الّذی به استحقّ الخلافة).
________________________________________
(1) . أعنی بجسده صورته الظاهرة، و هی أحدیّة جمع جمیع الحقائق المظهریة الجسمانیة العنصریة. و الحکمة فیها أن تکون أنموذجا لحقیقة العالم فی کونها مظهر الأحکام الروح المدبّر لها، کما أنّ العالم مظهر لآثار الأسماء الإلهیّة المتصرّفة فیه (جامی).
(2) . التی هی من إحدى الیدین (ص).
(3) . یعنی حکمة نشأة رتبته (جامی).
(4) . التی هی أحدیة جمع جمیع الحقائق الروحانیّة العقلیّة و النفسیّة. و حکمتها کونها أنموذجا و ظلالا للأسماء الإلهیّة باعتبار التصرّف و التأثیر، فکما أنّ الأسماء الإلهیّة متصرّفة مؤثّرة فی العالم، کذلک الروح مؤثّر متصرّف فی بدنه (جامی).
(5) . أی نشأة رتبته (جامی).
(6) . أی مجموع صورتیه الظاهرة و الباطنة، الذی به استحقّ آدم الخلافة. و وصف النشأة الرتبیة - - باستحقاق الخلافة إشارة إلى حکمتها؛ فإنّ الحکمة فی الجمع بین صورتیه الظاهرة و الباطنة أن یناسب بالجهة الباطنة المستخلف و بالجهة الظاهرة المتخلف علیهم، فیستفیض بالجهة الأولى و یفیض بالأخرى فیتمّ أمر الخلافة (جامی).
جلد: 1، صفحه: 306
إنّما جعل الخلافة للمجموع؛ لأنّه بالنشأة الروحانیّة أخذ من اللّه، و بالنشأة الجسمانیّة مبلّغ إلى الخلق، و بالمجموع تتمّ دولته و تکمل مرتبته، کما قال اللّه عزّ و جلّ:
وَ لَوْ جَعَلْنٰاهُ مَلَکاً لَجَعَلْنٰاهُ رَجُلاً وَ لَلَبَسْنٰا عَلَیْهِمْ مٰا یَلْبِسُونَ1 أی، لیجانسکم فیبلّغکم أمری.
(فآدم2 هو النّفس الواحدة3 التی خلق منها هذا النّوع الإنسانیّ4).
أی، إذا علمت أنّ آدم هو الخلیفة على العالم و مدبّره، فآدم فی الحقیقة هو النّفس الواحدة، و هو العقل الأوّل الّذی هو الروح المحمّدی فی الحقیقة، الظاهرة فی هذه النشأة العنصریّة، المشار إلیه بقوله علیه السّلام «أوّل ما خلق اللّه نوری5» الّذی منه یخلق هذا النّوع الإنسانیّ، بل جمیع الأنواع مخلوق منه، و بقوله: «کنت نبیّا و آدم بین الماء و الطین6»؛ و ذلک لأنّ للحقیقة الإنسانیّة مظاهر فی جمیع العوالم.
فمظهره الأوّل فی عالم الجبروت هو الروح الکلّی المسمّى ب «العقل الأوّل» فهو آدم
________________________________________
- باستحقاق الخلافة إشارة إلى حکمتها؛ فإنّ الحکمة فی الجمع بین صورتیه الظاهرة و الباطنة أن یناسب بالجهة الباطنة المستخلف و بالجهة الظاهرة المتخلف علیهم، فیستفیض بالجهة الأولى و یفیض بالأخرى فیتمّ أمر الخلافة (جامی).
(1) . الأنعام (6):9.
(2) . أی آدم أبو البشر (جامی).
(3) . أی حقیقة الإنسان من حیث هو هو روح العالم الذی خلق منها هذا النوع الإنسانی، أی أفراد النوع، و إلاّ فالنفس الواحدة هی حقیقة النوع (ق).
(4) . أی خلق منها زوجها، و من ازدواجهما أولادهما و من ازدواج أولاده أولاد أولاده إلى ما شاء اللّه، فهو منشأ تکثیر هذا النوع، و هذا هو المراد بقوله: خلق منها هذا النوع بأدنى مسامحة؛ فانه قائم مقام قوله: خَلَقَ مِنْهٰا زَوْجَهٰا وَ بَثَّ مِنْهُمٰا رِجٰالاً کَثِیراً وَ نِسٰاءً فالمراد بالنوع الإنسانی أولاد آدم من هذا النوع.
و اعلم أنّ لکل مرتبة آدم، هو مبدأها، کالعقل الکلّ للعقول و النفس الکلّ للنفوس، و لکلّ آدم زوج یتولّد من ازدواجهما.
و حمل بعض الشارحین آدم فی هذا المقام على العقل الکلّ و بعضهم على النفس الکلّ. و لا یخفى على المستبصر أنّ کلام الشیخ (ره) فیما تقدّم و فیما تأخّر صریح فی أنّ المراد بآدم هاهنا هو أبو البشر، مع أنّه صرّح فی نقش الفصوص بأنّ المراد بآدم وجود النوع الإنسانی (جامی).
(5) . بحار الأنوار ج 15 ص 24 ح 44.
(6) . بحار الأنوار ج 16 ص 402 ح 1.
جلد: 1، صفحه: 307
أوّل، و حوائه النّفس الکلّیة التی خلقت من ضلعه الأیسر الّذی یلی الخلق، فإنّ یمینه هو الجانب الّذی یلی الحقّ.
و فی عالم الملکوت هو النّفس الکلّیة التی تتولّد منها النفوس الجزئیّة الملکوتیّة، و حوّائه الطبیعة الکلّیة التی فی الأجسام.
و فی عالم الملک هو آدم أبو البشر، قال الشیخ - رضى اللّه عنه - فی الباب العاشر من (الفتوحات): «فأوّل موجود ظهر من الأجسام الإنسانیّة کان آدم علیه السّلام، و هو الأب الأوّل من هذا الجنس» و قال فی (نقش الفصوص): «و أعنی بآدم، وجود العالم الإنسانیّ» فأراد بما قال فی (الفتوحات) و (نقش الفصوص) آدم عالم الملک؛ إذ به یتحقّق وجود العالم الإنسانیّ أوّلا.
و نبّه هنا على آدم عالم الجبروت و الملکوت - الّذی هو الخلیفة أزلا و أبدا - تنبیها للمستکملین و ارشادا للطالبین.